القواعد الفقهيّة - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٤
الجزء ١ الجزء ٢

٦ ـ قاعدة القرعة

٣٢١
٣٢٢

وهي من القواعد المعمول بها في كثير من أبواب الفقه عند اشتباه حال الموضوعات وعدم معرفتها على ما هي عليها ، وهذه القاعدة ـ مثل كثير من القواعد الفقهية الأخر ـ برغم شدة ابتلاء الفقيه بها لم تنقح في كلماتهم حق التنقيح ، ولم يبحث عنها بحثا وافيا يليق بها ، ولذا يرى في العمل بها في مجاريها تشويشا واضطرابا ظاهرا ، يعمل بها في موارد ، وتترك في موارد اخرى مشابهة لها ظاهرا من دون ان يبينوا لهذه التفرقة دليلا يعتمد عليه.

ومن هذه الناحية استشكل كثير منهم على عمومات هذه القاعدة ، حتى قالوا بعدم جواز العمل بها إلا في موارد عمل الأصحاب بها! فهل كانت عند أصحابنا الأقدمين قرائن آخر تكشف لهم النقاب عن وجه هذه القاعدة وحدودها لم يتعرضوا لذكرها في كتبهم على كثرتها وتنوعها واحتوائها على دقائق الفقه وعمدة مداركه؟! وهذا أمر بعيد جدا عند التأمل الصادق.

أو انهم فهموا من نفس هذه المدارك غير ما نفهم منها؟! فما هو ذاك المعنى الذي فهموا عنها؟

ولعل عمدة الإشكال نشأت فيما ذكرنا ، من عدم أداء القاعدة حقها من البحث والتنقيب.

فنحن ـ بعون الله وهدايته ـ نأخذ في البحث عن مهمات هذه القاعدة الشريفة بما يسع المجال ، لعلنا نوفيها شيئا من واجب حقها ونوضح معضلاتها ان شاء الله ونجعل البحث في مقامات

٣٢٣

الأول : في بيان مدارك مشروعية القرعة على إجمالها.

الثاني : في مفادها وما يستحصل من ملاحظة مجموعها على التفصيل.

الثالث : في شرائط جريانها من حيث المورد والمجرى.

الرابع : في كيفية إجراء القرعة عند الحاجة إليها.

الخامس : في ان إجرائها في مواردها أمر جائز أو واجب وعلى تقدير الجواز فهل يجب العمل بها بعد إجرائها أو يجوز ذلك؟

٣٢٤

الأول ـ في مدارك مشروعية القرعة

ويدل عليها أمور :

أولها ـ آيات من الكتاب العزيز :

منها ـ قوله تعالى (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)(١) وهي واردة في قصة ولادة مريم وما رامته امه ، امرأة عمران ، حيث انها بعد ما وضعتها أنثى لفتها في خرقة وأتت بها الى الكنيسة ليتكفلها عباد بني إسرائيل وقد مات أبوها من قبل ، فقالت دونكم النذيرة فتنافس فيها الأحبار ـ لأنها كانت بنت امامهم عمران ، فوقع التشاح بينهم فيمن يكفل مريم حتى قد بلغ حد الخصومة ـ كما قال تعالى (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ـ فما وجدوا طريقا لرفع التنازع إلا القرعة ، فتقارعوا بينهم ، فألقوا أقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة في الماء ؛ وقيل قداحهم للاقتراع ؛ جعلوا عليها علامات يعرفون بها من يكفل مريم.

فارتز قلم زكريا ثمَّ ارتفع فوق الماء ، ورسبت أقلامهم ، وقيل ثبت قلم زكريا وقام طرفه فوق الماء كأنه في الطين وجرت أقلامهم مع جريان الماء ، فوقعت القرعة على زكريا ـ وقد كانوا تسعة وعشرون رجلا ـ فكفلها زكريا وكان خير كفيل لها وقد كان بينهما قرابة ، لان خالة أم مريم كانت عنده.

__________________

(١) سورة آل عمران ـ الاية ٤٠.

٣٢٥

هذا ولكن في الآية نفسها إبهام فإن كون جملة (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) بمعنى الافتراع غير واضح ، الا ان بعض القرائن الداخلية والخارجية رافعة للإبهام عنها ، منها قوله تعالى (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) وقوله (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) وغير واحد من الروايات الواردة في تفسير الآية التي تأتي الإشارة إليها ، وذهاب المفسرين إليه.

ففي الآية دلالة على ان القرعة كانت مشروعة لرفع النزاع والخصومة في الأمم السالفة ويمكن إثباتها في هذه الأمة أيضا بضميمة استصحاب الشرائع السابقة ، مضافا الى ان نقله في القرآن من دون إنكار دليل على ثبوتها في هذه الشريعة أيضا والا لوجب التنبيه على بطلانها في هذه الشريعة.

هذا ولكن في كون المورد من قبيل التشاح في الحقوق إبهاما ، لعدم ثبوت حق لعباد بني إسرائيل على مريم ، اللهم الا ان يقال ان نذرها لله ولبيته يوجب ثبوت حق لهم عليها في حضانتها ؛ ولما لم يكن هناك طريق آخر الى تعيين من هو أحق بحضانتها انحصر الطريق في القرعة (فتأمل) ولا يخفى ان مورد القرعة في الآية ليس له واقع محفوظ ، يراد استكشافه بها ، فليكن هذا على ذكر منك.

ومنها ـ قوله تعالى : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)(١) والمساهمة هو الاقتراع ، قال الراغب في مفرداته (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) «استهموا اقترعوا» وقال أيضا : السهم ما يرمى به وما يضرب به من القداح ونحوه.

وقال في القاموس : السهم الحظ. والقدح يقارع به.

والظاهر ان كون المساهمة أو الاستهام بمعنى المقارعة والاقتراع من جهة كون الغالب في مقارعتهم ان تكون بسهام مخصوصة يكتب عليها ما يعين المقصود عند خروجها

__________________

(١) سورة الصافات الآية ١٣٩ ـ ١٤١.

٣٢٦

ثمَّ أطلق على المقارعة ولو بغير السهم «المساهمة».

وأدحضه أي أسقطه وازاله ، فقوله (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) اما بمعنى من «المقروعين» بسبب وقوع السهم عليه أو بمعنى «الملقين في البحر» ، وقال بكل قائل ولكن الظاهر هو الأول.

فمن هنا يستفاد من الآية ان يونس لما هرب من قومه وركب الفلك المشحون ، اى المملوئة من الناس والأثقال ، قارع فوقعت القرعة عليه ؛ وهذا المعنى على إجماله المستفاد من الآية يدل على مشروعية القرعة في الأمم السالفة إجمالا ، ويمكن استفادة مشروعيتها في شرعنا أيضا بالبيان الذي ذكرناه آنفا.

وتفصيل الحال في مورد الآية على ما يستفاد من بعض الاخبار والتواريخ وكلمات المفسرين ان يونس عليه‌السلام لما غضب على قومه دعا عليهم بالعذاب فاستجيب له ، فوعده الله ان يعذبهم وعين له وقتا ففر يونس منهم مخافة ان يأخذه العذاب بغتة ، وظن ان الله لا يقدر عليه ـ اى لا يضيق عليه حاله ـ ولكن الله أراد التضييق عليه لتركه ما كان أولى في حقه وهو عدم الدعاء عليهم ، والصبر أكثر مما صبر.

وفي بعض الروايات عن الصادق عليه‌السلام انه كان في قومه رجلان : عالم وعابد فكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم ، وكان العالم ينهاه ويقول لا تدع عليهم ، فان الله يستجيب لك ولا يحب هلاك عباده فقبل قول العابد ولم يقبل من العالم» (١) فلعل التضييق عليه كان من هذه الناحية.

ثمَّ انه لما اتى ساحل البحر فإذا بسفينة شحمت ، وأرادوا أن يدفعوها ؛ فسألهم يونس ان يحملوه فحملوه ، فلما توسط البحر بعث الله حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة من قدامها ، وقيل ان السفينة احتبست بنفسها ، فقال الملاحون «ان هاهنا عبدا آبقا وان من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لا تجرى» وقيل انهم أشرفوا على الغرق فرأوا انهم ان طرحوا واحدا منهم

__________________

(١) روى العلامة المجلسي في البحار في المجلد ٥ ص ٣٦٠.

٣٢٧

في البحر لم يغرق الباقون.

وعلى كل حال اقترعوا فوقعت القرعة على يونس ثلاث مرات ، فعلموا انه المطلوب فألقوه في البحر ، وفي رواية ان أهل السفينة لما رأوا الحوت قد فتح فاه قدام السفينة قالوا فينا عاص ، فتساهموا فخرج سهم يونس فألقوه في البحر فالتقمه الحوت (١)

ثمَّ لا يخفى ان الفاعل في قوله تعالى (فَساهَمَ) هو يونس فهو دليل على تسليمه للقرعة واشتراكه في فعلها وعدم الإنكار عليهم ، فلو لم يكن في شرعه جائزا لما أقدم هو عليها.

وفي تفسير العياشي عن الثمالي عن ابى جعفر عليه‌السلام ان يونس لما آذاه قومه دعا الله عليهم ـ الى ان قال ـ فساهمهم فوقعت السهام عليه فجرت السنة بأن السهام إذا كانت ثلث مرات انها لا تخطى الحديث (٢) وهذا دليل واضح على إمضاء هذا الحكم في شرعنا أيضا

ولكن هنا أمران :

أحدهما ـ أن القرعة في هذه الواقعة لو كانت لاستكشاف آبق أو عاص أو مطلوب بين أهل السفينة ، كما في غير واحد من الروايات والتفاسير الواردة من طرق أهل البيت عليه‌السلام ، فهو من الأمور المشكلة التي لها واقع ثابت مجهول ، اما لو كانت العلة فيها عدم وجود مرجح في إلقاء بعضهم لتخفيف السفينة بعد ان ثقلت عليهم وأشرفوا على الغرق ، فهو من الأمور المشكلة التي لا واقع لها مجهول ، ولكن الأظهر بحسب الروايات والتفاسير هو الأول.

ثانيهما ـ ان ظاهر الآية جواز الاقدام على هلاك احد بالقرعة عند الضرورة أو شبهها ، فهل هذا أمر جائز يمكن الحكم بمقتضاه حتى في هذه الشريعة ولو اجتمع فيه جميع الشرائط التي اجتمعت في أمر يونس عليه‌السلام أولا؟ والمسئلة لا تخلو عن اشكال. وتحتاج بعد إلى تأمل.

__________________

(١) رواه العلامة المجلسي في البحار في المجلد ٥ ص ٣٦٠.

(٢) رواه في البحار عن تفسير العياشي في المجلد ٥ ص ٣٦٤.

٣٢٨

الثاني ـ السنة

وهي العمدة من بين أدلتها ، وهي روايات كثيرة واردة في أبواب مختلفة ، بين عام يشمل جميع موارد القرعة ؛ وخاص ورد في قضايا خاصة ، وأحسن ما رأيت في هذا الباب ما افاده المحقق النراقي في «عوائده» فقد جمع من الروايات العامة والخاصة ما يربو على أربعين حديثا وان لم يستقص أحاديث القرعة مع ذلك.

وقد عقد صاحب الوسائل (قده) لهذه القاعدة بابا في كتاب القضاء وأورد فيها روايات كثيرة ، بينها وبين ما استقصاه المحقق النراقي عموم من وجه.

وعلى اى حال نذكر هنا «جميع» ما ظفرنا بها من الروايات العامة و «نبذا» من الروايات الخاصة الواردة في القضايا الجزئية المبثوثة في الأبواب المختلفة ، مما له دخل في توضيح حال القاعدة ورفع ما فيها من الإبهام والاجمال ، وانما لم نستقص هذا القسم من الروايات لعدم فائدة مهمة في ذكر جميعها.

اما الأول فهي روايات :

١ ـ ما رواه الصدوق بإسناده عن عاصم بن حميد عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه‌السلام قال بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام الى اليمن فقال له حين قدم حدثني بأعجب ما ورد عليك فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطئها جميعهم في طهر واحد ، فولدت غلاما ، فاحتجوا فيه كلهم يدعيه ، فأسهمت بينهم فجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس من قوم تقارعوا ثمَّ فوضوا أمرهم الى الله الا خرج سهم المحق (١)

ورواه في التهذيب والاستبصار عن عاصم بن حميد عن بعض أصحابنا عن ابى ـ جعفر عليه‌السلام الا انه قال «ليس من قوم تنازعوا ثمَّ فوضوا» (الى آخر).

__________________

(١) رواه في الوسائل في باب القرعة من أبواب كتاب القضاء

٣٢٩

ولعله الأصح فإن «التفويض الى الله» انما يكون بعد التنازع وقبل القرعة كما في هذه النسخة ، لا بعد القرعة كما في نسخة «الفقيه».

وعلى كل حال هذه الرواية عامة في جميع موارد التنازع والحكومة الشرعية واما بالنسبة إلى غيرها فلا دلالة لها. فليكن هذا على ذكر منك.

وموردها يكون من الأمور المشكلة التي لها واقع مجهول يراد كشفه ، وليكن هذا أيضا على ذكر منك.

كما ان ظاهر الفقرة الواردة في ذيلها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كون القرعة ـ مع شرائطها ومع التفويض الى الله ـ كاشفة عن ذاك الواقع المجهول ، وعلى هذا تكون منسلكة في سلك الامارات لو كان خروج سهم المحق غالبيا ولو كان دائميا كانت القرعة أعلى من الامارات المعمولة ، ثمَّ انه هل يمكن المساعدة على هذا الظهور الابتدائي أم لا بد من توجيهه وتفسيره بغير هذا المعنى ـ وسنتلو ان شاء الله عليك منه ذكرا.

وهذه الرواية المصححة «المروية عن الكتب الأربعة» من أحسن ما ورد في هذا الباب.

٢ ـ ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب عن محمد بن حكيم قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن شيء؟ فقال لي «كل مجهول ففيه القرعة» قلت له : ان القرعة تخطئ وتصيب؟ قال : كلما حكم الله به فليس بمخطئ!.

ومضمون هذه أعم من سابقها ، لعدم تخصيص الحكم هنا بالمنازعة بل عنوانه «كل مجهول».

واما إيهام كلمة «شيء» واحتمال كون السؤال عن شيء خاص متنازع فيه فالحق انه لا يضر بإطلاق قوله «كل مجهول ففيه القرعة». لأن ورود السؤال في مورد خاص لا يضر

٣٣٠

بعموم الحكم إذا كان اللفظ عاما فتأمل. (١) واما قوله «كلما حكم الله به فليس بمخطئ» فقد ذكر فيه احتمالان :

أحدهما ـ ان يكون المراد خروج سهم المحق واقعا ـ كما هو ظاهر الرواية السابقة ـ فهو ردع لقول السائل ان القرعة تخطى وتصيب وإثبات لعدم خطائها ـ وهذا المعنى بعيد عن ظاهر الرواية.

ثانيهما ـ وهو الأنسب بظاهرها ان يكون المراد عدم الخطأ في الحكم بحجية القرعة ، فإنه لو لم يكن هناك مصلحة في العمل بالقرعة والحكم بحجيتها ، لما حكم به الله ، فالمعنى (ح) ان خطاء القرعة عن الواقع أحيانا لا يمنع عن كون نفس الحكم بحجيتها صوابا ومشتملا على المصلحة ، فحكم الله ليس بخطاء.

والذي يؤيد هذا المعنى بل يدل عليه ان قوله «كلما حكم الله به» بمعنى نفس الحكم ، فعدم الخطاء فيه لا في متعلقه الذي هو القرعة. هذا مضافا الى ان العلم بوقوع الخطاء في كثير من الامارات الشرعية مع انها أيضا مما حكم الله بها يمنع عن حمل الحديث على هذا المعنى لو فرض ظهوره فيه بدء الأمر.

٣ ـ ما رواه الشيخ عن جميل قال قال الطيار لزرارة ما تقول في المساهمة ، أليس حقا؟ فقال زرارة بل هي حق. فقال الطيار : أليس قد ورد انه يخرج سهم المحق؟ قال : بلى. قال : فتعال حتى ادعى انا وأنت شيئا ثمَّ نساهم عليه وننظر هكذا هو؟ فقال له زرارة : انما جاء الحديث بأنه ليس من قوم فوضوا أمرهم الى الله ثمَّ اقترعوا إلا خرج سهم المحق ، فاما على التجارب فلم يوضع على التجارب. فقال الطيار أرأيت ان كانا جميعا مدعيين ادعيا ما ليس لهما من اين يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة إذا كان كذلك جعل معه سهم مبيح ، فان كانا ادعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح. (٢)

__________________

(١) رواه في الوسائل في باب القرعة من كتاب القضاء.

(٢) رواه في الوسائل في كتاب القضاء في باب القرعة.

٣٣١

وهذا الحديث الشريف يدلنا على أمور هامة :

منها ـ كون حجية القرعة أمرا واضحا لا يمكن إنكاره ، وقد كان مشهورا بين بطانة أهل البيت عليهم‌السلام حتى وقع المباحثة فيه بين زرارة والطيار ، وقد كان زرارة من كبراء أصحاب الصادق عليه‌السلام ومن أفقه فقهاء زمانه ، والطيار ـ وهو محمد بن عبد الله أو ابنه حمزة بن محمد ـ فان كلا منهما يلقب بهذا اللقب وان كان الأشهر فيه هو الأب ـ من أجلاء صحابته وكان متكلما فاضلا يباهي به الصادق عليه‌السلام كما في بعض الروايات ؛ وكان نظره في هذا البحث الاستفادة من غزارة علم صاحبه ، ولقد أجاد في ما أجاب عنه زرارة في الفقرتين ، فقد ذكر في الاولى ان إطلاق ما ورد في خروج سهم المحق ناظر إلى صورة إرادة كشف الواقع فهو منصرف عما إذا كان على التجارب.

وفي الثانية انه لو احتمل كذب المتداعيين جميعا لم يكف إلقاء سهمين بل لا بد من ثلثة أسهم : سهم لهذا وسهم لذاك ، وسهم مبيح ليس لهما ، فلا يكون هناك ما ينافي ما ورد في الحديث من خروج سهم المحق.

ومنها ـ كون القرعة كاشفا عن الواقع كشفا دائميا لا يقع التخلف فيه ، ولكن هذا ليس من كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام عليه‌السلام بل هو ما استنبطه زرارة عن الحديث المشهور النبوي الوارد في هذا الباب ما من قوم فوضوا أمرهم إلخ ثمَّ بنى عليه ما بنى.

ولكن قد مر آنفا إمكان حمله على الإصابة الغالبية وسيأتي مزيد بحث فيه ان شاء الله.

ومنها ـ انه لا بد من إلقاء سهم مبيح إذا احتمل كذب المتداعيين.

٤ ـ ما رواه البرقي عن منصور بن حازم قال سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسألة فقال هذه تخرج في القرعة ثمَّ قال : فأي قضية أعدل من القرعة إذا فوضوا أمرهم الى الله عزوجل أليس الله يقول (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ). (١)

__________________

(١) رواه في الوسائل في ج ٣ في كتاب القضاء في باب القرعة.

٣٣٢

ويستشم من قوله عليه‌السلام «اى قضية أعدل من القرعة» ثمَّ استشهاده بقضية يونس ، انها عامة في أمور المشكلة ولا تختص بالمورد الذي سأله الراوي ، ولكن في شموله لغير موارد «التنازع» اشكال ظاهر.

٥ ـ ما أرسله الشيخ (قدس‌سره) في «النهاية» قال : روى عن ابى الحسن موسى بن جعفر وعن غيره من آبائه وأبنائه عليهم‌السلام : من قولهم كل مجهول ففيه القرعة ، فقلت له ان القرعة تخطئ وتصيب ؛ فقال كل ما حكم الله به فليس بمخطئ. (١) وهذا وان كان متحدا مع ما مر من رواية محمد بن حكيم عن ابى الحسن عليه‌السلام ، ولكن قول الشيخ (ره) دليل على ان هذا المضمون بعينه مروي عن غير ابى الحسن من أئمة أهل البيت من آبائه وأبنائه عليهم‌السلام. والكلام فيه من حيث المعنى هو الكلام في حديث محمد بن حكيم.

٦ ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن «سيابة» و «إبراهيم بن عمر» جميعا عن ابى عبد الله (ع) في رجل قال أول مملوك أملكه فهو حر فورث ثلثة قال يقرع بينهم فمن أصابه القرعة أعتق قال والقرعة سنة (٢)

وهذا الحديث وان كان واردا في مورد خاص ولكن قوله «القرعة سنة» يدل إجمالا على عموم الحكم وعدم اختصاصه بالمقام ، ولكن فيه إبهام ظاهر من حيث عنوان الحكم ، لأنه لم يبين فيه ان القرعة سنة في أي موضوع.

وفي هذا الحديث دلالة واضحة على عدم اختصاص القرعة بماله واقع مجهول ، فان موردها ليس من هذا القبيل قطعا.

٧ ـ ما رواه العياشي في تفسيره عن ابى جعفر عليه‌السلام في حديث يونس قال : فساهمهم ، فوقعت السهام عليه ؛ فجرت السنة ان السهام إذا كانت ثلاث مرات انها لا تخطى (٣)

__________________

(١) رواه في الوسائل في ج ٣ في كتاب القضاء في باب القرعة.

(٢) رواه في الوسائل في ذاك الباب بعينه.

(٣) رواه في الوسائل في كتاب الميراث في أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في الباب ٤.

٣٣٣

وهو أيضا دليل على عموم الحكم في الأمور المشكلة إجمالا ؛ واصابة القرعة للواقع وكونه دليلا عليه ، ولكن من غير تصريح بعنوان الموضوع وانها سنة في أي موضوع واى عنوان.

٨ ـ ما رواه في التهذيب عن عباس بن هلال عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام قال ذكر «ابن ابى ليلى» و «ابن شبرمة» دخلا المسجد الحرام فأتيا محمد بن على عليه‌السلام فقال لهما : بما تقضيان؟ قالا بكتاب الله والسنة. قال : فما لم تجداه في الكتاب والسنة؟ قالا نجتهد رأينا. قال : رأيكما أنتما؟! فما تقولان في امرأة وجاريتها كانتا ترضعان صبيين في بيت فسقط عليهما فماتتا وسلم الصبيان قالا : القافة. قال ؛ القافة تلحقهما بهما. قالا فأخبرنا. قال : لا. قال ابن داود مولى له جعلت فداك قد بلغني ان أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : ما من قوم فوضوا أمرهم الى الله عزوجل وألقوا سهامهم الا خرج السهم الأصوب ، فسكت. (١)

وفيه أيضا دلالة على ان عموم القرعة كان امرا مشهورا بين صحابة أهل البيت عليهم‌السلام ومواليهم ، وسكوت الباقر عليه‌السلام بعد ما رواه ابن داود مولى له ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام دليل آخر على ثبوت هذه القاعدة عندهم. فكلما كان الأمر فيه مشكلا مثل مورد الرواية جاز الرجوع فيه الى القرعة ؛ اللهم الا ان يقال ان سكوته أعم من رضاه بذلك.

٩ ـ ما رواه في التهذيب عن عبد الله بن مسكان قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وانا عنده عن مولود ليس بذكر ولا بأنثى ليس له إلا دبر كيف يورث؟ فقال يجلس الامام ويجلس عنده أناس من المسلمين ، فيدعون الله ويجيل (ويجال) السهام عليه على اى ميراث يورثه ؛ ثمَّ قال : وأي قضية أعدل من قضية يجال عليها بالسهام يقول الله تعالى (فَساهَمَ : فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)(٢).

وفيه أيضا دليل على عموم الحكم وان لم يصرح فيه أيضا بعنوانه المأخوذ فيه.

وصدره دليل آخر على اعتبار القرعة من حيث كشفها عن الواقع المجهول فان جلوس

__________________

(١) رواه في الوسائل في كتاب الميراث في أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في الباب ٤

(٢) رواه في الوسائل كتاب الميراث في أبواب ميراث الخنثى.

٣٣٤

الامام وأناس من المسلمين ودعائهم انما يكون لاراءة الواقع المجهول والا لم يكن وجه ظاهر للدعاء ، ولكن ذيله كبعض آخر من الروايات دليل على ان اعتبار القرعة من جهة كونه أقرب الى «العدالة» في موارد الحقوق المشكوكة وسيأتي مزيد توضيح له ان شاء الله

١٠ ـ ما رواه الشيخ (قده) أيضا في التهذيب ، والكليني في الكافي ، عن ثعلبة بن ميمون عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام ثمَّ ذكر مثل الحديث السابق ثمَّ أضاف قوله : ما من أمر يختلف فيه اثنان الا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال (١)

وهذا دليل على ان أصل القرعة ـ كحكم عام ـ مأخوذ من كتاب الله من قضية يونس فهو جار في جميع الموارد التي يشكل فيها الأمر وان لم يصرح فيه أيضا بعنوان «المشكل» وشبهه.

١١ ـ ما رواه أيضا في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن مسكان عن إسحاق العرزمي (كما في محكي الكافي) أو إسحاق المرادي (كما في محكي التهذيب) عن ابى عبد الله عليه‌السلام ثمَّ ذكر مثل الروايتين السابقتين ، الا انه لم يذكر فيها التذييل الأخير. (٢)

١٢ ـ ما ورد في «فقه الرضا» في باب الشهادات وكل ما لا يتهيأ فيه الاشهاد عليه قال : الحق فيه ان يستعمل فيه القرعة وقد روى عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه قال : فأي قضية أعدل من القرعة.

والظاهر ان المرسلة المروية فيها من قول الصادق عليه‌السلام هي بعينها ما نقلناها سابقا تحت الرقم الرابع ، ولكن في نفس عبارة فقه الرضا ـ سواء كان حديثا أو فتوى لبعض كبراء أصحابنا الأقدمين ؛ على خلاف فيه ـ دلالة على ان القرعة جارية في كل ما لا يتهيأ الإشهاد عليه ؛ وان لم يدل على اختصاصها به.

__________________

(١) رواه في الوسائل في كتاب الميراث في ذاك الباب بعينه.

(٢) رواه في الوسائل في أبواب ميراث الخنثى في نفس ذاك الباب.

٣٣٥

هذا ما ظفرنا به من الروايات العامة ، وهناك روايات مرسلة عن الصدوق أو غيره متحدة مع تلك الروايات لم نذكرها بعنوان مستقل ، لاتحادها معها.

وغير خفي ان فيها غنى وكفاية في إثبات القاعدة بعمومها ، ولا سيما مع كونها مروية في الكتب المعتبرة ، وقد رواها جمع من أجلاء الأصحاب ؛ وفيها دليل على كونها مشهورة منذ أعصار الأئمة (عليهم‌السلام).

الروايات الخاصة

وهناك روايات خاصة مبثوثة في مختلف أبواب الفقه تؤيد عموم القاعدة وعدم اختصاصها بمورد معين وان لم يكن فيها تصريح بالعموم ولكن ورودها وانبثاثها في تلك الأبواب المختلفة من المؤيدات القوية على المقصود وإليك نبذا منها مما يشتمل على نكت خاصة تفيدنا في حل معضلات القاعدة وهي طوائف :

الطائفة الأولى ما ورد في باب تعارض الشهود وانه إذا تساويا في العدد والعدالة يرجع الى القرعة مثل ما يلي :

١ ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن داود بن ابى يزيد العطار عن بعض رجاله عن ابى عبد الله عليه‌السلام في رجل كانت له امرأة فجاء رجل بشهود ان هذه المرأة امرأة فلان وجائت آخر ان فشهدا انها امرأة فلان ، فاعتدل الشهود ، وعدلوا ، فقال يقرع بينهم فمن خرج سهمه فهو المحق وهو اولى بها.

٢ ـ ما رواه في الفقيه والتهذيب والاستبصار عن سماعة قال ان رجلين اختصما الى على عليه‌السلام في دابة فزعم كل واحد منهما انها نتجت على مذوده واقام كل واحد

٣٣٦

منهما بينة سواء في العدد فأقرع بينهما سهمين فعلم السهمين كل واحد منهما بعلامة ، ثمَّ قال : اللهم رب السموات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم ، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، أيهما كان صاحب الدابة وهو اولى بها فأسئلك ان يقرع ويخرج سهمه فخرج سهم أحدهما فقضى له بها.

٣ ـ ما رواه في الكافي والتهذيب والاستبصار والفقيه عن داود بن سرحان عن ابى عبد الله عليه‌السلام في الشاهدين شهدا على أمر واحد ، وجاء آخر ان فشهدا على غير الذي شهدا عليه واختلفوا قال يقرع بينهم فأيهم قرع ، فعليه اليمين وهو اولى بالقضاء.

الى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب التي جمعها صاحب الوسائل في كتاب القضاء من المجلد الثالث في باب عقده لحكم «تعارض البينتين وما ترجح به أحدهما» وبعضها وان كانت مطلقة وبعضها مقيدة الا ان طريق الجمع بينهما بالتقييد واضح.

وقد افتى بمضمونها مشهور المتأخرين وجمع من أكابر القدماء (رضوان الله عليهم) فقالوا : «إذا لم يكن العين في يد واحد من المتداعيين قضى بأرجح البينتين عدالة ، فإن تساويا قضى لأكثرهما شهودا ، ومع التساوي عددا وعدالة يقرع بينهما فمن خرج اسمه احلف وقضى له» واستنادهم في ذلك الى هذه الروايات التي عرفت أنموذجا منها ، وان كان فيها بعض ما ينافيها وقد ذكروا له توجيهات فراجع وتمام الكلام في نفس هذه المسألة في محلها.

الطائفة الثانية : ما ورد في باب عتق المملوك أو نذر عتقه وانه إذا اشتبه أخرج بالقرعة مثل ما يلي :

٤ ـ ما رواه الكليني في الكافي والشيخ في التهذيب عن يونس قال في رجل كان له عدة مماليك فقال أيكم علمني آية من كتاب الله فهو حر ، فعلمه واحد منهم ثمَّ مات المولى ولم يدر أيهم الذي علمه؟ قال : يستخرج بالقرعة ، قال لا يستخرجه إلا الإمام لأن له على

٣٣٧

القرعة كلاما ودعاء لا يعلمه غيره (١)

ومورد الرواية من الأمور المجهولة التي لها واقع ثابت في الخارج وان لم نعلمه ، وقوله لا يستخرجه إلا الإمام سيأتي الكلام فيه ان شاء الله ، وعدم وجوب الدعاء ، معلوم ، غاية ما فيه انه مستحب ، والرواية مقطوعة لعدم استناده الى الامام عليه‌السلام ولكن نقلها في الكتب الأربعة وغير ذلك من القرائن تؤيد رجوع الضمير في قوله : «قال يستخرج بالقرعة» الى الامام عليه‌السلام فتأمل.

٥ ـ ما رواه الشيخ عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام في رجل قال أول مملوك أملكه فهو حر فورث سبعة جميعا ، قال يقرع بينهم ويعتق الذي قرع (٢)

٦ ـ ما رواه الشيخ أيضا عن عبد الله بن سليمان قال سألته عن رجل قال أول مملوك أملكه فهو حر فلم يلبث ان ملك ستة أيهم يعتق؟ قال يقرع بينهم ثمَّ يعتق واحد (٣)

وهاتان الروايتان وان لم يصرح فيهما بمسئلة النذر الا ان القرائن تشهد على حمله عليه ولذا أوردهما صاحب الوسائل أيضا في باب عقده تحت عنوان النذر في كتاب العتق.

ومن الجدير بالذكر انه ليس في مورد الروايتين واقع مجهول يراد استكشافه بالقرعة وهذا دليل آخر على عدم اختصاصها بما له واقع ثابت في نفس الأمر.

هذا وفي نفس المسألة خلاف والمحكى عن الشيخ في النهاية والصدوق وجماعة بل نسب إلى الأكثر هو القول بالرجوع إلى القرعة ، وقيل بعدم وجوب الرجوع إليها وانه يتخير في عتق واحد منها الا ان يموت الناذر فرجع الى القرعة لخبر الحسن الصيقل قال : سألت أبا عبد الله عن رجل قال أول مملوك أملكه فهو حر ؛ فأصاب ستة ؛ قال انما كانت نيته على واحد فليختر أيهما شاء فليعتقه (٤)

__________________

(١) رواه في الوسائل في كتاب العتق في باب «من أعتق مملوكا ثمَّ مات واشتبه»

(٢ و ٣ و ٤) رواهما في الوسائل في كتاب العتق من المجلد الثالث في باب «من نذر عتق أول مملوك يملكه».

٣٣٨

وقد يجمع بينهما تارة بحمل الأمر بالقرعة على الاستحباب ، واخرى بأن طريق اختيار واحد منهم هو القرعة ، فكان الرواية الأخيرة ناظرة إلى نفى وجوب عتق ما عدا واحد واما طريق اختيار الواحد فهو مسكوت عنه فيها ، فيرجع الى الروايتين السابقتين فتأمل.

الطائفة الثالثة ـ ما ورد في باب الوصية بعتق بعض المماليك وانه يستخرج بالقرعة مثل ما يلي :

٧ ـ ما رواه الصدوق في الفقيه عن محمد بن مهران عن «الشيخ» يعنى موسى بن جعفر عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : ان أبا جعفر عليه‌السلام مات وترك ستين مملوكا فأعتق ثلثهم فأقرعت بينهم وأعتقت الثلث (١) ورواه الكليني والشيخ في كتابيهما أيضا.

٨ ـ ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم قال كان على عليه‌السلام يسهم بينهم ، ومورد الروايتين أيضا من الأمور التي لا واقع لها في الخارج مجهول عندنا كما هو واضح ـ والظاهر ان المراد من عتق الثلث في الرواية الأولى الوصية بعتقهم وان لم يصرح فيها بالوصية وهذا الحكم مما لا خلاف فيه كما ذكره في الجواهر في كتاب «العتق».

الطائفة الرابعة ما ورد في باب اشتباه الحر بالمملوك وانه يستخرج بالقرعة مثل ما يلي

٩ ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن حماد عن المختار قال دخل أبو حنيفة على ابى عبد الله عليه‌السلام فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام ما تقول في بيت سقط على قوم فبقي منهم صبيان : أحدهما حر والأخر مملوك لصاحبه ، فلم يعرف الحر من العبد؟ فقال أبو حنيفة : يعتق نصف هذا ونصف هذا ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ليس كذلك ولكنه يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو

__________________

(١) رواه في الوسائل في أواخر المجلد الثاني في أبواب الوصية.

٣٣٩

الحر ويعتق هذا فيحصل مولى له (١)

٩٠ ـ ما رواه الشيخ أيضا عن حماد عن حريز عمن أخبره عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام باليمن في قوم انهدمت عليهم دارهم وبقي صبيان أحدهما حر ، والأخر مملوك فأسهم أمير المؤمنين عليه‌السلام بينهما فخرج السهم على أحدهما فجعل له المال وأعتق الأخر.

والمستفاد من هاتين الروايتين لزوم العمل بالقرعة في تشخيص «الحر» عن «العبد» فيرث التركة كلها ولكن يجب إعتاق الأخر ، اما من جهة بناء العتق على التغليب ولزوم ترجيح جانب الحرية مهما دار الأمر بينها وبين الرقية ، واما من جهة الاحتياط فان محذور استرقاق الحر المحتمل هنا أشد من محذور المال.

ومع كون القرعة حكما عاما لمثل هذه الموارد المشكوكة لا يبقى مجال لما ذكره أبو حنيفة من الرجوع الى قاعدة «العدل والانصاف» والحكم بكون نصف كل منهما حرا ، الذي فيه محذور المخالفة القطعية لما علم بالإجمال ، بل قد يلزم منه مخالفة قطعية للعلم التفصيلي كما قد ذكر في محله فتدبر.

الطائفة الخامسة

ما ورد في ميراث الخنثى المشكل الذي لا طريق إلى إثبات رجوليتها وأنوثيتها ، وان المرجع فيه هو القرعة ، وقد عقد له في الوسائل بابا خاصا في كتاب الميراث تحت عنوان : «ان المولود إذا لم يكن له ما للرجال ولا ما للنساء حكم في ميراثه بالقرعة».

وقد مر عند ذكر عمومات القرعة غير واحد منها ، مثل رواية «عبد الله بن مسكان» ومرسلة «ثعلبة بن ميمون» و «إسحاق المرادي» وهي تدل على هذا الحكم خصوصا وعلى

__________________

(١) رواه في الوسائل في المجلد الثالث في الباب ٦٥ من كتاب العتق.

٣٤٠