القواعد الفقهيّة - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٤
الجزء ١ الجزء ٢

ظاهر اليد أولا وبالذات هو اليد المالكة ، وهذا الظهور من قبيل الامارات فكيف يمكن صرف النظر عنه بمجرد استصحاب بقاء اليد على وضعها السابق ، والانصاف ان مثل هذا عن المحقق النائيني (قدس‌سره) عجيب.

هذا ولكن لا يبعد تخصيص ما ذكرنا من جواز الاعتماد على اليد هنا بما إذا لم يكن مسبوقا بيد العدوان ، فإنها من الأيدي المتهمة التي لا يمكن الركون إليها ، وان ادعى صاحبها انقلابها الى يد الملك كما أشرنا إليه آنفا وسيجيء مزيد توضيح له عن قريب ان شاء الله.

٣٠١

٦ ـ هل اليد تعم المنافع والأعيان؟

لا إشكال في تعلق اليد بالأعيان ، ودلالتها على الملكية لها ، انما الكلام في تعلقها بالمنافع ، المحكى عن الفاضل المحقق النراقي قده اختصاصها بالأعيان وعدم تعلقها بالمنافع ، واختار غير واحد من أكابر المتأخرين إمكان تعلقها بالمنافع أيضا.

ومحل النزاع الذي يترتب عليه الثمرة ما إذا تعلق اليد بها استقلالا لا تبعا للعين ، بحيث تكون المنافع ـ مع قطع النظر عن العين ـ تحت اليد ، أو إذا كانت تبعا للعين ولكن كان هناك دليل على عدم مالكية العين ، فتظهر الثمرة في دلالة الاستيلاء التبعي للمنافع على ملكيتها وعدمها.

ففي هاتين الصورتين يتصور الثمرة العملية لهذا النزاع.

وإذا قد عرفت ذلك فاعلم ان تعلق اليد بالمنافع مستقلا أمر غير معقول وان مال اليه أو اختاره بعض المحققين كما حكى ، لعدم إمكان الاستيلاء الخارجي عليها ؛ من غير طريق الاستيلاء على نفس الأعيان ، فإنها في نفسها من الأمور العرضية ، ولا استقلال لها في الوجود ، فلا استقلال لها في وقوعها تحت اليد ، وكيف يستولي عليها استقلالا مع انها في ذاتها مما لا يوجد مستقلا؟.

وما يحكى من التمثيل لها بالمزارع الموقوفة التي تكون بأيد المتولين ، فتصرف منافعها في حق الموقوف عليهم وتعطى ثمراتها بايدهم ، فلهم اليد على منافعها دون أعيانها ، واضح الفساد ـ كما افاده المحقق الأصفهاني (قدس‌سره) في رسالته ـ فان مثل هذه المنافع من الأعيان ، خارجة على محل الكلام. والكلام في المنافع المقابلة للعين.

وكذلك ما قد يقال بإمكان تصويرها في الاستيلاء على حق الاختصاص بمكان من المسجد ونحوه من المدارس والخانات الموقوفة ، ففي هذه الموارد لا تكون المسجد وغيره تحت اليد ، بل الذي يكون تحتها هو نفس حق الاختصاص.

٣٠٢

وفساد هذا أيضا بين ، فان حق الاختصاص ليس من المنافع ولا يقع تحت اليد ، بل هو أمر اعتباري نظير الملكية ومرتبة نازلة من السلطنة على العين ، فهو من آثار اليد على العين بنحو خاص ، لا متعلقا لها واقعا تحتها ، والحاصل ان الاستيلاء في هذه المقامات انما هو على نفس المسجد والمدرسة والخان وشبهها ولكنه بنحو يكون مؤثرا في وجود نوع خاص من الحق وكاشفا عنه ، لا الملكية ، لعدم قابلية المورد.

والانصاف ان عدم إمكان تعلق اليد بالمنافع مستقلا أوضح من ان يحتاج الى أكثر من هذا البيان.

فيبقى الكلام في إمكان وقوعها تحت اليد بتبع الأعيان حقيقة ، بأن تكون اليد على العين من قبيل الواسطة في الثبوت ، لا من قبيل الواسطة في العروض ، حتى يكون من باب المجاز والمسامحة ؛ ثمَّ بعد إمكان ذلك ثبوتا يقع الكلام في قيام الأدلة عليه ودلالتها على حجية مثل هذا اليد إثباتا.

وتنقيحه يحتاج الى توضيح حقيقة المنفعة المقابلة للعين ، فقد يتوهم انها نفس صرف الشيء ، في الطرق المقصودة التي لها أثر في شأن من شئون الحياة ، وبناء عليه هي من الأمور التدريجية توجد شيئا فشيئا ولا تقع تحت اليد إلا باستيفائها ، واستيفائها مساوقة لإعدامها ، فما لم تستوف لم تقع تحت اليد وإذا استوفيت انعدمت ، فلا فائدة ولا أثر في البحث عن وقوعها تحت اليد تبعا.

هذا ولكنه توهم فاسد لان ذلك هو «الانتفاع» وهو قائم بأمرين : العين ؛ ومن يستوفي منها ، واما المنفعة التي هي مقابلة للعين ، قائمة بالعين فقط ، استوفيت أم لا ، ويقع عليها المعاوضة في باب الإجارة وأمثالها هي نفس قابلية العين لصرفها في مصارف خاصة ، فإن هذا هو الذي يمكن تمليكها في باب الإجارة ويمكن قبضها وإقباضها ولو بتبع العين.

ومن الواضح ان هذا المعنى من المنفعة من الأمور القارة الثابتة خارجا استوفيت

٣٠٣

أم لا ؛ وبناء عليه تقع تحت اليد ولو بتبع العين ، فالاستيلاء على الشيء يمكن ان يكون استيلاء على منافعة حقيقة وبالذات ، على نحو الواسطة في الثبوت لا مجازا وبالعرض على نحو الواسطة في العروض.

وإذ قد فرغنا عن تصوير ذلك ثبوتا فالحق انه لا مانع من شمول أدلة حجية اليد لها ، لما قد عرفت من ان عمدتها بناء العقلاء ؛ ومن الواضح ان ملاكه عندهم أعم من العين ومنافعها.

(فح) تظهر الثمرة فيما إذا علم من الخارج ان استيلاء الشخص الفلاني على عين خاص ليس استيلاء مالكيا فتسقط يده عن الدلالة على الملك ، ولكن تبقى يده على المنافع دليلا على ملكه لها.

هذا ولكن يمكن ان يقال : بان استقرار اليد على عين له أنحاء مختلفة :

فقد يكون الاستيلاء عليها استيلاء ملك ، وقد يكون استيلاء اجارة ، وقد يكون استيلاء عارية ، أو استيلاء تولية كما في الأوقاف ، الى غير ذلك.

فاليد في جميع ذلك تعلقت بنفس العين لا غير ، ولكنها ذات أنحاء مختلفة ، واليد أولا وبالذات لو لا قرينة على خلافها دليل على الملك فاذا سقطت عن الدلالة عليه بقرينة خارجية في مورد خاص لا مانع من دلالتها على انها بنحو آخر من أنحاء الأيادي الامينة وانها ليست بيد عدوان.

ففي مورد البحث إذا سقطت اليد عن الحجية على الملك يبقى ظهورها في دلالتها على انها استيلاء إجارة أو نحوها فما يقتضي «ملك المنافع» محفوظة.

ثمَّ انه لو قامت قرينة خاصة على انها ليست كذلك أيضا يبقى ظهورها في دلالتها على انها استيلاء يقتضي «ملك الانتفاع» محفوظة.

والحاصل ان المستند في جميع ذلك هو ظهور اليد المتعلقة بالعين وحجيتها ، لا حجية اليد المتعلقة بالمنافع ، فاذن لا حاجة الى إثبات إمكان تعلق اليد بالمنافع لا استقلالا ولا تبعا للعين ولا يبقى للنزاع هنا ثمرة عملية والله العالم.

٣٠٤

٧ ـ هل تجوز الشهادة بالملك بمجرد اليد؟

قد وقع الخلاف بينهم في كتاب الشهادات في جواز الشهادة على الملكية بمشاهدة اليد ولو لم توجب علما ، بعد الاتفاق على كفايتها في الدلالة على الملك ـ وذلك من جهة اعتبار العلم اليقيني الحسي في موضوع الشهادة ، بمقتضى ما ورد في محله من عدم جوازها الا ان يراه مثل الشمس كما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يعرف كما يعرف الكف كما روى عن الصادق (عليه‌السلام) الى غير ذلك ومن المعلوم ان اليد بمجردها لا توجب علما.

هذا ولكن المشهور ، جواز ذلك ، بل قد يدعى الإجماع عليه كما حكاه في الجواهر ، واولى منه ما إذا انضم الى اليد التصرفات الحاكية عن الملك ؛ كالتصرف بالبناء والهدم والإجارة وغير ذلك مع عدم وجود منازع ، فان الحكم بكفايتها ، بل كفاية نفس هذه التصرفات في جواز الشهادة بالملك ، أشهر.

واولى منهما ما إذا انضم إليهما الاستفاضة (اى استفاضة استناد الملك الى المتصرف الذي بيده المال) فقد وقع في جملة من عبارات القوم الإجماع على جواز الشهادة بالملك مع اجتماع «الثلاثة» وانه أقصى الممكن في الشهادة عليه.

والبحث هنا يكون من ناحيتين : من ناحية الأدلة العامة الكلية ، ومن ناحية الأدلة الخاصة الواردة في خصوص محل البحث.

اما الأول فحاصله انه هل يمكن الحكم بقيام الامارات ـ ومنها اليد وشبهها ـ مقام العلم المأخوذ في الموضوع بمجرد دليل اعتبارها أم لا؟

والانصاف عدم كفاية نفس أدلة حجيتها في ذلك ، لا من جهة لزوم اجتماع اللحاظين واستحالته إذا كانت أدلة الحجية ناظرة إلى تنزيل مؤدى الأمارة منزلة الواقع ، وتنزيل نفسها منزلة العلم.

٣٠٥

لما ذكرنا في محله من عدم استحالة ذلك أصلا.

بل من جهة ظهور أدلتها في تنزيل المؤدى فقط وانصراف إطلاقاتها اليه وعدم النظر الى تنزيل نفسها منزلة العلم.

وما قد يقال من الفرق بين العلم المأخوذ في الموضوع على نحو الصفتية ، والمأخوذ فيه على وجه الطريقية ؛ بجواز ذلك في الثاني دون الأول ، كما قد يستظهر من عبارات شيخنا العلامة الأنصاري في باب القطع من الرسائل (وان حكى عنه في بعض تحقيقاته فيما كتبه في القضاء عدم جواز ذلك من دون تفصيل) فهو مما لا محصل له ولا دليل على هذه التفرقة بل يرد عليه :

أولا ـ ان أخذ العلم في الموضوع على نحو الصفتية مجرد فرض لا يظن وقوعه في شيء من الأدلة الشرعية ، فإن النظر الى العلم دائما تكون من ناحية ارائته للواقع ، ولا ينظر اليه بما هو صفة من صفات صاحبه.

وبعبارة اخرى انما يؤخذ العلم في الموضوع بملاك انه نور لغيره (وكونه نورا لصاحبه مستندا الى ذلك) فكلما أخذ في الموضوع كان بهذا الملاك ، وان كان فرض أخذه بما انه صفة خاصة لصاحبه غير مستحيل ولكنه كما عرفت مجرد فرض.

وثانيا ـ ان أخذه في الموضوع على نحو الطريقية دليل على ان هذه المرتبة من اراءة الواقع يقوم بها الملاك ولذا لا يكتفى بما دونه من المراتب من الظن وغيره حتى الظن القوي الا ان يبلغ حد الاطمئنان الذي يسمى علما عرفا.

نعم لو قام دليل على اعتبار شيء من الظنون وتنزيله منزلة العلم من جهة الاثار المترتبة على نفس العلم والظن ، كان حاكما على تلك الأدلة الدالة على أخذ العلم في موضوع حكم ، ولما كانت أدلة حجية الظنون ظاهرة في تنزيل نفس المؤدى فقط لم يجز الركون إليه في ذلك.

وقد يقال : ان كثرة إطلاق العلم والمعرفة على الأمارات الظنية سندا ودلالة ؛

٣٠٦

دليل على انها منزل منزلة «العلم» عند الشارع المقدس ، مثل ما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة : من روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا إلخ وقوله تعالى :

(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (يعنى حتى تعلموا) مع ان مجرد الرجوع الى أهل العلم لا يفيد بما هو الا الظن ، الى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع.

وفيه أيضا : ان إطلاق العلم والمعرفة في هذه الايات أو الروايات على الظن غير معلوم ، والحاقه به في بعض الموارد لعله من باب كشف الملاك وإلغاء الخصوصية عرفا.

هذا مضافا الى انه لو سلم ذلك في غير المقام ففي المقام ممنوع ، لعدم مقاومته هذا الظهور الضعيف لمثل قوله عليه‌السلام حتى تعرفها كما تعرف كفك وقوله (ص) هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع! فتأمل.

وقد يقال في تصحيح قيام الامارات فيما نحن فيه مقام العلم : بأن الملكية ليست من الموضوعات الواقعية بل هو أمر انتزاعي من جواز جميع التصرفات (كما اختاره شيخنا العلامة الأنصاري قده) أو أمر اعتباري عقلائي كما اختاره بعض آخر ؛ وعلى اى حال يحصل العلم الوجداني بها بمجرد «اليد» ، لأن الاحكام التي تنزع منها الملكية حاصلة بسبب اليد ، كما ان الاعتبار الشرعي أو العقلائي حاصل بمجردها ، فبذلك تتحقق واقع الملكية فإنها ليست الا هذه الأمور وقد تحققت.

وهذا القول أيضا ممنوع ، وذلك لان الملكية سواء جعلناها من الأمور الانتزاعية أو الاعتبارية ، لها واقع وظاهر ، فاذا كانت أسبابها الواقعية موجودة فالملك ملك واقعي والا كان ظاهريا فعليا ، نظير سائر الأحكام الظاهرية ، ومن الواضح ان ظاهر أدلة الشهادة اعتبار العلم الوجداني بالواقع ، لا بمجرد الحكم الظاهري ؛ فالعلم الوجداني بالملكية الظاهرية بحكم اليد أو البينة وسائر الأمارات غير كافية فيها.

فتحصل من جميع ما ذكرنا عدم إمكان تصحيح جواز الركون على اليد في الشهادة على الملك بمقتضى الأدلة العامة.

٣٠٧

واما الأدلة الخاصة فعمدتها رواية حفص بن غياث السابقة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : إذا رأيت شيئا في يدي رجل ا يجوز لي ان اشهد انه له؟ قال نعم ، قال الرجل : انه في يده ولا أشهد انه له ، فلعله لغيره ؛ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فيحل الشراء منه؟ قال نعم ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام فلعله لغيره ؛ من اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثمَّ تقول بعد ذلك الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثمَّ قال الصادق عليه‌السلام : لو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق.

وهذه الرواية وان كانت ضعيفة السند الا ان الشهرة والإجماعات المنقولة جابرة لها كما عرفت ؛ لان الظاهر ان مستند المشهور في هذا الفتوى هو هذه.

واما المصحح المروي عن على بن إبراهيم في تفسيره في حديث فدك : «ان أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأبي بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى في المسلمين؟ قال لا. قال فان كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت انا فيه ، من تسئل البينة؟ قال إياك اسئل البينة على ما تدعيه على المسلمين. قال : فاذا كان في يدي شيء فادعى فيه المسلمون تسئلنى البينة على ما في يدي وقد ملكته في حيات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده ، ولم تسئل المؤمنين البينة على ما ادعوه على كما سئلتنى البينة على ما ادعيته عليهم؟ (الحديث) فهو أجنبي عن المقصود لأنه دليل على حجية «اليد» ، وعدم حاجة صاحبه إلى البينة وكونه منكرا في مقام الدعوى ، ومخالفه مدعيا ، واما جواز الشهادة على الملك بمجردها فليس فيه منه عين ولا اثر.

وكذلك الروايات الواردة في حكم تعارض البينات وتقديم بينة ذي اليد أو تقديم بينة الخارج على غيرها أجنبية عما نحن بصدده.

فاذن يكون العمدة في هذا الفتوى ما عرفت من رواية حفص.

هذا وقد قام بعض من خالف المشهور ، أو توقف في المسئلة بنقد الرواية والإيراد

٣٠٨

عليها عقلا ، وتضعيفها سندا ، وصرف فتاوى المشهور عنها ، منهم الشيخ الأجل صاحب الجواهر (قدس‌سره) فقد بالغ فيه حتى جعل هذا الحكم غير قابل لمجيء الخبر به عقلا لرجوعه الى جواز التدليس والكذب في أخذ أموال الناس!.

هذا ونحن بعون الله ، نبدء بتفسير الرواية وكشف مغزاها أولا ؛ ثمَّ نرجع الى ما أورده صاحب الجواهر وغيره وما يمكن ان يقال في دفعها انتصار المذهب المشهور ثانيا.

اما الأول فحاصله انه عليه‌السلام استدل بجواز شراء ما في اليد على جواز الشهادة تملك ما في اليد لصاحبها ، وهذا الاستدلال عند بادي النظر مما لا يمكن المساعدة عليه لوضوح الفرق بين المسئلتين ، فان جواز الشهادة ليس من آثار الملكية ، بل من آثار نفس العلم بها ؛ ومن المعلوم ان اليد بمجردها لا تعطى علما فكيف يجوز حمل أحدهما على الأخر؟

ولكن التأمل الصادق يشهد بأنه عليه‌السلام لم يستدل بمجرد جواز الشراء بل استدل بجوازه مع ترتيب آثار الملك عليه ، حتى في مقام الدعوى يدعى انه ملكه ويحلف على الملكية في مقابل خصمه ، واى فرق بين بينة المدعى وحلف المنكر؟ فكما ان الشهادة على الملكية من آثار العلم كذلك الحلف عليها يكون من آثاره ، فلو لم يجز أحدهما لم يجز الأخر ، ولنعم ما قال عليه‌السلام في هذا المعنى : «من اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثمَّ تقول بعد ذلك : هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من قبله إليك؟».

ولو قيل انه لا يجوز للمالك إذا كان الحال هذا ؛ الحلف على نفس الملك بل عليه ان يحلف على السبب وهو شرائه من ذي اليد المحكوم ظاهر بالملك فلا يجوز الاستدلال بالحلف ، على جواز الشهادة.

قلنا الظاهر ان هذا هو الذي أجاب عنه عليه‌السلام في ذيل كلامه بقوله : لو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق ، وحاصله ـ والله ورسوله وأوليائه اعلم ـ انه لو لم يجز الاعتماد على اليد في إثبات الملكية والحلف عليها لم يقم للمسلمين سوق فان الغالب في الاملاك كونها مسبوقة بيد الغير فغاية ما يمكن الحلف عليه هو الحلف على وقوع السبب مثل

٣٠٩

البيع ، ومن المعلوم ان مجرد وقوع البيع على ما بيد الغير لا يوجب علما بانتقال المال اليه قطعا بعد عدم العلم بكون البائع نفسه مالكا وعدم دليل عليه الا اليد التي لا تفيد علما.

فالشهادة والحلف على الملك الواقعي القطعي غير ممكن إلا في موارد شاذة ، فلو قلنا بحصر هما على خصوص هذه الموارد ما قام للمسلمين سوق ، وأمكن ادعاء كل احد على غيره ولم يمكن له إثبات حقه لا من طريق إقامة البينة ولا من طريق الحلف (كل في مورده) ومقتضى ذلك اختلال النظام وعدم قيام السوق على أساسه

ففي الحقيقة الشهادة والحلف لا تكونان الا على الملك الظاهري القطعي الثابت بمقتضى اليد ولا يعتبر هنا أزيد من ذلك.

ومن الواضح انه لا يلزم الكذب والتدليس وابطال الحقوق من الشهادة على الملك بمجرد اليد هنا ، بعد قيام هذه القرينة العامة الظاهرة عليها فتدبر جيدا.

فهذا الحديث الشريف اللائح منه آثار الصدق دليل على المطلوب مع برهان عقلي متين أورده الإمام عليه‌السلام في خلاله.

ولعله الى ذلك يشير ما عن كاشف اللثام من «تشبيه الشهادة بمقتضى الطرق الشرعية بالشهادة على الأسباب الشرعية فإنها أيضا محتملة للفساد كما يحتمل الطرق التخلف» وان استغربه في الجواهر وأورد عليه بالفرق بينهما ، ولكن يندفع الاشكال عنه بما أشرنا إليه في تفسير «الحديث» ، فكأنه (قدس‌سره) في هذا الاستدلال اقتبس من نوره ، واقتفى أثره ، فأورده منازل الصدق والحق.

وإذ قد عرفت ذلك تعرف ان جميع ما أورد على هذا الحكم من الإيرادات كلها قابلة للذب وهي أمور :

منها : ما افاده المحقق (قدس‌سره) في الشرائع من ان اليد لو أوجبت الملك (واقعا) لم تسمع دعوى من يقول : الدار التي في يد هذا لي ، كما لا تسمع لو قال ملك هذا لي» انتهى.

٣١٠

وفيه ان جواز الشهادة بالملك بمجرد اليد لا يلازم كون الملك في موردها ملكا واقعيا كما عرفت ، فقول المدعى : «الدار التي في يد هذا لي» صحيح مسموع إذا أمكنه إثباته بموازين شرعية ، ترجح على اليد ، فلا تناقض في دعواه ، بخلاف قوله «ملك هذا لي» فإنه تناقض ظاهر.

ومنها : ان مراد حاكى الإجماع في المسئلة هو الإجماع على دلالة اليد على ـ الملكية لا الإجماع على جواز الشهادة بمجردها ، ومن المعلوم عدم كفاية في المسئلة ، بل إذا أمكن حمل الشهرة الجابرة لها عليه أيضا كان من حسن الظن المأمور به ، ضرورة ان المعنى المزبور (اى الاكتفاء باليد في الشهادة على الملك) غير قابل لمجيء الرواية به لرجوعه الى جواز التدليس والكذب في أخذ أموال الناس ، إذ قد ذكر في محله ان بينه الملك تقدم على بينة التصرف أو اليد ؛ لأن الأولى بمنزلة النص والثانية بمنزلة الظاهر فلا يعارض النص ، فلو فرض فيما نحن فيه ان للخصم بينة الملك وللآخر بينة التصرف أو اليد جاز لبينة الآخر ان تشهد بالملك والمفروض انه لا علم لها الا بالتصرف أو اليد فتسقط بينة الأول ، وهو تدليس محض وكذب واضح ، وتطرق لأخذ أموال الناس بغير الطرق الشرعية ومثله لا يقبل فيه خبر الواحد (هذا محصل ما يستفاد من كلام الجواهر بتوضيح منا).

وفيه : انك قد عرفت ان الرواية لا تتضمن الا برهانا متينا عقليا يلوح منه آثار ـ الصدق والحق ؛ وما ذكره من لزوم التدليس والكذب في أخذ أموال الناس ممنوع ، لان بينة الملك أيضا مستندة الى اليد في مباديها السابقة غالبا ولو فرض حصول العلم بالملك بحيث لا يحتاج الى الاعتماد على اليد أصلا في موارد شاذة فعلى الشهود (ح) ذكر السبب وان الملك كان ملكا واقعيا كي لا يلزم أخذ أموال الناس بغير حق ، كما ذكروا أشباهه في أبواب الشهادة.

وليس لبينة الملك في بدء النظر ظهور في الملك الواقعي اليقيني حتى يلزم التدليس

٣١١

وحمل كلام المشهور على مجرد حجية اليد بعيد جدا ليس من حسن الظن المأمور به بل لعل حمله على خلاف حسن الظن ، لا بيان الحكم المزبور بهذه العبارة أشبه شيء بالتدليس.

والحاصل ان الاعتماد على الرواية قوي جدا موافق للاعتبار ، وكلمات الأصحاب ، ولا يرد عليه شيء مما ذكروه ولعله لذلك كله ذكر صاحب الجواهر في آخر كلامه في المسئلة : «انه إذا تحقق بمقتضى الأسباب والطرق الشرعية ما يتحقق بها النسبة العرفية أي كونه مالا له وملكا من أملاكه عرفا جازت الشهادة واليمين بالملك» (انتهى ملخصا)

وما افاده لا محصل له لو لم يرجع الى ما ذكرنا اقتباسا من الرواية.

هذا غاية ما يخطر بالبال في هذه المسئلة عاجلا وتمام الكلام موكول الى محله.

ومنه تعرف عدم الحاجة الى «الاستفاضة» اى استفاضة إسناد الملك اليه ، وكذا «التصرف» في صحة الشهادة على الملك بعد حصول اليد.

٣١٢

٨ ـ هل اليد حجة لصاحبها أيضا؟

قد عرفت ان يد الغير حجة ودليل على الملكية مطلقا (الا فيما نستثنيه) فهل هي حجة لصاحب اليد نفسه أيضا إذا شك في ملكية بعض ما في يده أولا؟

الظاهر هو ذلك ، لعدم الفرق فيما هو ملاك حجيتها بين يد الغير ويد الإنسان نفسه ، سواء قلنا بان ملاكها هو اقتضاء طبيعة الاستيلاء واليد ذلك ـ كما هو المختار بما مر له من البيان ـ أم قلنا بان ملاكها الغلبة ـ كما قيل ـ أم غير ذلك فان جميعها مشتركة بين يد الغير ويد الإنسان نفسه.

وقد جرت سيرة العقلاء أيضا عليه ؛ فلو شك الإنسان في بعض ما في يده ؛ انه ملكه أو أمانة للغير أو شبهها فلا شك في إجراء حكم الملك عليه عندهم ما لم تقم قرينة على كونه ملكا للغير.

ولم يظهر ردع من الشارع المقدس بالنسبة إليه ، لو لم نقل بشمول بعض الإطلاقات الواردة في إمضاء حكم اليد له أيضا.

بل يظهر من بعض الروايات الخاصة الواردة في باب اللقطة أيضا ذلك ، مثل مصححة جميل بن صالح : قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل وحد في منزله دينارا؟ قال يدخل منزله غيره؟ قلت نعم كثير. قال : هذه لقطة ، قلت : فرجل وجد في صندوقه دينارا؟ قال يدخل احد يده في صندوقه غيره ، أو يضع فيه شيئا؟ قلت ؛ لا قال فهو له (١)

والظاهر ان المراد من قوله يدخل في منزله غيره ليس صرف وجود دخول الغير

__________________

(١) رواه في الوسائل في باب من وجد في منزله شيئا من أبواب كتاب اللقطة

٣١٣

بل كون داره معدا لدخول افراد مختلفة ، ولو لا ذلك لم يكن هناك مورد للسؤال لعلمه عادة بأنه له.

فحاصل الرواية ان يده على الأموال التي في حيطة سلطانه حجة له عند الشك ، الا ان يكون هناك ما يسقطه عن الحجية ؛ مثل كون داره معدا لورود اشخاص مختلفة فيجري عليه حكم اللقطة لسقوط يده عن الحجية بذلك ، فان ملاك حجيتها أياما كان مفقود هنا كما هو ظاهر.

ولا يقصر ذيلها عن الصدر في الظهور فيما نحن بصدده فان إدخال غيره يده في صندوقه أو وضع شيء فيه دليل على استيلاء كل منهم على الصندوق فيكون من قبيل الأيدي المشتركة على شيء واحد فلا يكون يد واحد منهم دليل على ملكيته بخصوصه ، نعم لو كان الصندوق بيده فقط فيده حجة على ملكية ما في الصندوق وان احتمل ان يكون الدينار أمانة أو عارية لغيره أو غير ذلك من الاحتمالات ، اللهم الا ان يكون الصندوق معدا لوضع أموال الناس وأماناتهم مع أموال نفسه فإن حجية يده حينئذ على ما فيه مشكل أيضا.

ومما ذكرنا يظهر انه لا تهافت بين صدر الرواية وذيلها كما توهم وانهما يعطيان حقيقة واحدة ، ومعنى واحدا ، كما يظهر انه ليس فيها حكما تعبديا على خلاف الموازين المعمولة بين العقلاء في الأموال التي تحت أيديهم.

فهذا الحديث أيضا ناظرا إلى إمضاء ما عند العقلاء في أمثال المقام.

وقد يستدل له أيضا بقوله عليه‌السلام في ذيل رواية حفص بن غياث : «لو لا ذلك ما قام للمسلمين سوق» نظرا الى تطرق مثل هذا الاحتمال في الأموال التي بأيدي الناس غالبا.

وفيه انه ان كان المراد غلبة احتمال كون بعضها من أموال غيرهم وقع في أيديهم بعنوان الأمانة أو العارية أو مثلها مع نسيان أسبابها ، فهو ممنوع لان احتماله ليس غالبيا في أموال الناس كما هو ظاهر ، وان كان المراد غلبة نسيان سبب الملك تفصيلا وان كان أصله معلوما إجمالا فهو غير قادح في إجراء أحكام الملك عليه.

٣١٤

٩ ـ عدم حجية يد السارق وشبهه

ومما ذكرنا في الأمر الثامن يظهر لك عدم حجية أيدي السراق والا يدي المتهمة التي تكون بمنزلتها ، على الأموال التي بأيديهم وان احتمل انتقالها إليهم بسبب صحيح مشروع ، لان ملاك الحجية مفقود فيها أيضا لانقلاب طبع اليد بالنسبة إليهم ، وكذلك الغلبة لو كانت هي الملاك في حجيتها مفقودة هناك.

ولذا لا يرى من العقلاء الملتزمين بحفظ حقوق الناس وعدم الخيانة في أموالهم ترتيب آثار الملكية على ما بأيدي هؤلاء ولا يعاملون معهم معاملة غيرهم ويلومون من عامل معهم كذلك ، واما ما يرى من بعض من لا مبالاة له في أمور الدين والدنيا من عدم التفرقة بين هؤلاء وغيرهم فهو غير قادح فيما نحن بصدده كما هو واضح.

ويؤيده ما ورد في بعض أبواب كتاب اللقطة عن حفص بن غياث قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل من المسلمين أو دعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا واللص مسلم هل يرد عليه؟ ، فقال لا يرده فإن أمكنه أن يرده على أصحابه فعل ، والا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها ، فيعرفها حولا فإن أصاب صاحبها ردها عليه وإلا تصدق بها» الحديث (١).

والاستدلال بها متوقف على كون السؤال عن الدراهم أو المتاع المشكوكة التي يحتمل كونها له كما ربما يشير اليه قوله : «واللص مسلم» فإنه لو كان المال من أموال الناس قطعا لم يكن فرق بين اللص المسلم وغيره فافهم ـ و (ح) اجراء حكم اللقطة عليه دليل على سقوط اليد عن الحجية وكون المال بمنزلة الأموال التي توجد في الطريق.

ولكن قد ينافيه قوله : «يرده على أصحابه» وقوله «فإن أصاب صاحبها» الظاهر في معلومية كون المال لغيره قطعا فيخرج عن محل البحث فتأمل.

__________________

(١) رواه في الوسائل في باب ما يؤخذ من اللصوص من أبواب كتاب اللقطة.

٣١٥

ويلحق بها (من هذه الجهة) أيدي الامناء الذين يرجع إليهم في حفظ الودائع والأمانات ؛ مثل القاضي وغيره ، إذا غلب على أموالهم ذلك وانقلبت طبيعة أيديهم ، فإن ترتيب آثار الملك على ما بأيديهم أيضا مشكل ما لم ينضم اليه قولهم ، فان انضم اليه ذلك كان حجة لا من باب حجية اليد بل من باب حجية قول ذي اليد وتصديق قول الأمين (كما سيأتي في القواعد الاتية ان شاء الله).

وهذا بخلاف أيدي السراق فان ضم قولهم وشهادتهم أيضا غير كاف في إثبات الملك لهم كما هو ظاهر.

والحاصل ان ملاك حجية اليد وبناء العقلاء مفقود في جميع هذه الموارد.

ويلحق بها أيضا يد الدلال ومن أشبهه ، وكذلك أيدي مراجع الحقوق الشرعية من الزكوات والأخماس والمظالم ؛ وكذا الوكلاء ، ومتولي الأوقاف إذا كان الغالب في أيديهم بحسب العادة من غير أموالهم بل إذا كان مقدارا كثيرا وان لم يكن غالبيا فان ملاك حجية اليد كبناء العقلاء مفقودة في جميع ذلك الا ان ينضم إليها قولهم وشهادتهم (فتأمل).

٣١٦

١٠ ـ حجية اليد في الدعاوي وما يستثنى منها

لا إشكال في حجية اليد ولو علم كونها مسبوقة بغيرها ، إذا احتمل انتقال المال بوجه صحيح شرعي ، بل الغالب في الأيدي ذلك ، ولا فرق فيه بين ان يعلم ذلك من الخارج أو يقر صاحب اليد نفسه به ، بان يقول ان هذا المتاع كان لزيد فاشتريته منه بكذا وكذا.

هذا كله في غير مقام الدعوى وكذلك في مقام الدعوى ، فالقول قول صاحب اليد ، فلو أقر بكون المتاع سابقا لثالث لا يكون طرفا للدعوى ؛ لم يضر بكونه صاحب اليد وكونه منكرا لا يحتاج الى بينة ، بل المحتاج إلى البينة خصمه لكونه مدعيا.

واما ان أقر صاحب اليد الفعلي لخصمه في مقام الدعوى بذلك ، بان قال : ان هذا المال كان لك سابقا فالمحكي عن المشهور انقلاب الدعوى وصيرورة صاحب اليد الفعلي مدعيا ، لأنه يدعي انتقاله له اليه بسبب من الأسباب الشرعية ، فعليه إثبات ذلك ، فتسقط اليد هنا عن الحجية بسبب هذا الإقرار.

وينبغي توضيح كلام المشهور وتفسيره بما يندفع عنه ما استشكل عليه أو يمكن ان يستشكل عليه فنقول : ان دعوى صاحب اليد الفعلي كونه مالكا بعد اعترافه بكون المال لخصمه سابقا لا معنى له الا اشترائه منه أو انتقاله اليه بناقل آخر شرعي ، فقوله «هذا ملكي فعلا وقد كان ملك خصمي قبل ذلك» في قوة قوله «كان هذا ملكه فاشتريته منه أو انتقل الى بناقل آخر».

وليس هذا المعنى من اللوازم الخارجة عن مصب الدعوى حتى يقال بأنه لا عبرة باللوازم إذا كانت خارجة عنه ، بل هو في الواقع مئال كلامه ؛ ومعناه العرفي المقصود منه من قبيل دلالة الاقتضاء ؛ والحاصل انه لو انفك هذا اللازم عن ملزومه لم يكن للكلام مفهوم صحيح.

٣١٧

فالاعتراف بسبق يد المدعى يوجب انقلاب نفس الدعوى ويجعل صاحب اليد الفعلي مدعيا ومقابله منكرا ؛ لا انه يوجب طرح دعوى آخر بين المتخاصمين غير ما هما فيه ، كما توهم.

فصاحب اليد هنا يكون مدعيا سواء قلنا بان المقياس في تشخيص المدعى عن المنكر في أبواب الدعاوي هو العرف ـ كما اختاره غير واحد من الأكابر ـ أم قلنا بان المدعى هو الذي يدعى أمرا على خلاف الأصل كما اختاره آخرون منهم.

اما الأول فلصدق المدعى عرفا على صاحب اليد الفعلي ، الذي يدعى انتقاله اليه بناقل شرعي ولو بلازم كلامه الذي لا مفهوم له بدونه ، وصدق المنكر على خصمه ؛ الذي يدعى بقاء الملك على ما كان عليه وعدم بيعه فتدبر.

واما الثاني فلان مقتضى الاستصحاب بقائه على ملك الخصم وعدم انتقاله الى صاحب اليد فعلا ، فصاحب اليد مدع ، لمخالفة قوله للأصل ومقابله منكر.

لا يقال ـ كيف يكون ذلك وهو معتمد على اليد ، وقد مرانها حاكمة على ـ الاستصحابات التي في مواردها؟

فقوله (ح) موافق للأصل ؛ بمعناه الأعم من الأصول العملية والظواهر المعتبرة ، والقواعد الثابتة شرعا ، كما هو المراد منه في المقام قطعا.

لأنا نقول ـ لعل الوجه فيه ان دعوى الانتقال اليه انما تتعلق بزمان لم يكن له عليه يد ، لا في الوقت الحاضر ، فالمدعى انتقاله اليه من يد خصمه في زمان لم يكن تحت يده ، فالمرجع بالنسبة إلى ذاك الوقت ليس الاستصحاب (فتأمل).

هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه كلام المشهور وقد يتصوران سقوط اليد عن الحجية هنا من جهة قصور أدلتها وعدم شمول إطلاقاتها للمقام ، وفيه انه لا وجه له يعتد به.

ومما ذكرنا تعرف وجه النظر فيما افاده المحقق الأصفهاني في رسالته المعمولة في

٣١٨

قاعدة اليد حيث قال : ان لازم دعوى الملكية الفعلية بمقتضى يده وإقراره بأن العين كانت للمدعي سابقا ، هو الاخبار بالانتقال منه اليه بالالتزام ، الا انه ليس كل دلالة التزامية يوجب طرح دعوى آخر على اللازم بل لا بد من وقوعه في مصب الدعوى ، فان الدعوى من الدعاء وطلب الشيء وما لم يطلب لا دعوى منه ـ الى ان قال :

ففيما نحن فيه يدعى ذو اليد انه ملكه ، ساكتا عن دعوى الانتقال منه اليه وسببه ، فهو مدع للملكية ، الموافقة ليده ، فيكون منكرا ولا يدعى الانتقال حتى يكون مدعيا وكون لازم مجموع الكلامين هو «الانتقال» غير كو لازمهما «دعوى الانتقال» (انتهى) ويرد عليه :

أولا ـ انه ليس البحث في تشكيل دعوى آخر غير الدعوى الأصلي ، بل البحث في انقلابها الى دعوى آخر بعد هذا الإقرار.

وثانيا ـ قد عرفت ان هذا اللازم ليس من اللوازم المغفول عنها من قبيل دلالة الإشارة ، بل هو من قبيل دلالة الاقتضاء التي يتوقف صدق الكلام عليه ، فالمفهوم عرفا من هذا الكلام ليس الا دعوى الانتقال منه اليه.

وقال في كلام آخر له في المقام ما حاصله : «المعروف في اليد انها من الامارات ، والامارة على المسبب امارة على سببه ، فكما ان اليد حجة على الملكية لذي اليد حجة على سببه الناقل ، فكما انه يكون منكرا في دعوى الملكية لموافقة دعواه للحجة ، كذلك في دعوى الانتقال اليه بسبب شرعي لموافقته أيضا للحجة ، وهي اليد ، لان المفروض ان الحجة على المسبب حجة على السبب».

وفيه ـ ما عرفت سابقا من ان حجية مثبتات الامارات على إطلاقها ممنوع جدا فراجع وتدبر.

وقد ذكر المحقق النائيني (قدس‌سره) في بعض ابحاثه في المقام على ما في تقريرات بعض أعاظم تلامذته ـ ما نصه

٣١٩

«تسقط أمارية اليد على الملكية بالإقرار الملازم لدعوى الانتقال ، فيكون قول مدعى بقاء الملكية السابقة بعد سقوط اليد على طبق الأصل» انتهى.

وفيه انه لم يعلم وجه صحيح لسقوط أمارية اليد بسبب الإقرار بملكيته السابقة وانما تسقط أماريتها لو أقر بملكيته للخصم فعلا ؛ والحق في توجيه مخالفة قول ذي اليد هنا للأصل ما عرفت آنفا.

وبعد ذلك كله ففي النفس من كلام المشهور هنا شيء وتمام الكلام في محله.

بقي شيء وهو ان ما ذكره المشهور من انقلاب الدعوى بالإقرار انما هو في فرض الإقرار لخصمه ، واما لو أقر لثالث فلا اثر له في انقلاب الدعوى كما عرفت ؛ وان كان الخصم ممن ينتفع بهذا الإقرار بأن كان وصيا أو وارثا للثالث أو شبههما.

ومنه يعلم ان هذا الفتوى لا ينافي ما في رواية الاحتجاج من اعتراض أمير المؤمنين عليه‌السلام على ابى بكر عند غصب فدك لمّا طالب الصديقة سلام الله عليها البينة لإثبات دعواها بقوله :

«تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال لا. قال عليه‌السلام فان كان في يد ـ المسلمين شيء يملكونه ادعيت انا فيه من تسأل البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده ، ولم تسأل المؤمنين على ما ادعوا على كما سألتني البينة على ما ادعيت عليهم (الحديث).

فإن الإقرار هنا انما هو لثالث وهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نعم لو كان فدك باقيا على ملكه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انتفع بها المسلمون وانتقل إليهم بمقتضى الحديث المجعول «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» ولكن مجرد ذلك لا اثر له في انقلاب الدعوى.

الى هنا نختم الكلام في قاعدة اليد ، وما يلحق بها من الاحكام ، وقد بقي هنا أمور أخر من قبيل حجية قول ذي اليد ، وحكم يد المسلم على الذبيحة ، أو اليد على الطفل ، وأشباه ذلك ، تعرض بعضهم لها هنا ولكنا أعرضنا عنها لأنا عقدنا لبعضها قاعدة خاصة (مثل حجية قول ذي اليد) وبعضها خارج عن القواعد الفقهية أصلا وتشترك الجميع في خروجها عن قاعدة اليد المعروفة الدالة على الملكية فإلحاقها بها لا ملزم له.

٣٢٠