تراثنا ـ العدد [ 129 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 129 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣٠٢

(حتّى) لا يقبل الإبطال والتعارض الحجاجي»(١).

ومن ورودها في الخطبة الفدكية(يكسر الأصنام ، وينكث الهام ، حتّى انهزم الجمع وولّوا الدبر ، حتّى تفرّى اللّيل عن صبحه ، وأسفر الحقّ عن محضه)(٢).

وقد وردت في هذين الموضعين لانتهاء الغاية ، وتكون مرادفة لـ(إلى) لكنّها أعمّ من (حتّى)(٣) ، ونتيجة لكسر الأصنام ، ونكث الهام ، (انهزم الجمع وولّوا الدبر) وكذلك (تفرّى اللّيل عن صبحه) و (أسفر الحقّ عن محضه).

فالانهزام ، وتولية الدبر ، وتفرّي اللّيل عن صبحه ، وإسفار الحقّ عن محضه ؛ تعدّ نتائج ، وهي في كلّ الأحوال تخدم نتيجة واحدة ، وتبقى الحجّة التي ترد بعد (حتّى) هي الأقوى حجاجيّاً(٤).

أقول : إنّ حقيقة مفهوم حتّى : إيصال الحكم السابق إلى مدخوله ، وهذا معنى حرفي غير مستقلّ سواء كان من الجارّة أو العاطفة ، والفرق بينهما من جهة المعنى : أنّ الحكم السابق يتعلَّق على ما بعده مستقلاًّ في العطف كما يتعلَّق على ما قبله ، وأمّا في الجرّ : فهو لإيصال الحكم إلى المجرور فقط وليس للحكم تعلَّق عليه مستقلاًّ.

ثمّ إنّ حتّى لإلحاق موضوع ضعيف بالنسبة إلى تعلَّق الحكم عليه إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) اللغة والحجاج : ٢٧.

(٢) الاحتجاج : ١/١٣٥ ، البحار : ٢٩/٢٢٤ ، ٢٦٤.دلائل الامامة : ١١٤.

(٣) ينظر : كتاب سيبويه : ٤/٢٣١.

(٤) الروابط الحجاجية في رسائل الإمام الحسن عليه السلام أ.د عبد الإله العرداوي : ٧.

١٠١

ما سبق ، سواء كان الموضوع في نفسه قويّاً أو ضعيفاً ، فيقال : مات الناس حتّى الأنبياء ، فإنّ نسبة الموت إلى الأنبياء وتعلَّقه عليهم ضعيفة وبعيدة وإن كانوا بالنسبة إلى الناس أقوياء.

بعد ذلك تأمّل في المعنى المراد من قولها سلام الله عليها.

ومن ذلك قولها عليها‌السلام : (حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام ودرّ حلب الأيّام ، وخضعت ثغرة الشرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، .....فأنّى حِرتُم بعد البيان وأسررتم بعد الإعلان).

فـ(حتّى) حرف ابتداء يجرّ الجمل : «أن تكون حرف ابتداء ، أي حرفاً تبتدأ بعده الجمل ، أي تستأنف ، فيدخل على الجملة الاسمية ، ..... وعلى الفعلية التي فعلها ماض نحو (حَتّى عَفَوْا وَقَالُوا) ، وكذا قال في حتّى الداخلة على (إذا) في نحو (حتّى إذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُم) إنّها الجارّة ، وإنّ (إذا) في موضع جرّ بها»(١).

فيكون معنى كلامها سلام الله عليها : في بداية دوران رحى الإسلام ، ودرّ حلب الأيّام ، وخضوع ثغرة الشرك ، و ... وترتّب عليه حيرة بعد بيان ووضوح ، وسرّ بعد إعلان ، وهكذا ؛ فابتداءً صار ما صار ترتّب عليه ما ذكرنا من أمور.

يمكننا القول أنّ السيّدة الزهراء باستخدامها (حتّى) استطاعت وبأسلوب بليغ أن تعرض مسلسل الأحداث التي مرّ بها الإسلام منذ نزول الوحي وحتّى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) مغني اللبيب : ١/١٢٩.

١٠٢

انتهاء استتباب أمر الرسالة المحمّدية وقيام دولة الإسلام وإرساء دعائمها ؛ حتّى أنّ القاري لخطبتها يمكنه أن يستبطء أموراً تاريخية تجلّت من وراء قدرة السيّدة المعصومة على مخاطبة القوم بالحقيقة الجليّة التي يعرفونها تمام المعرفة وينكرونها ، لذلك أقبلت عليها السلام بتوجيه الخطاب إليهم حجاجاً على الموقف الذي تبنّوه ضدّها عليها السلام ، لذلك كان للأداة (حتّى) وقعاً حجاجيّاً بارزاً في تقوية الحجّة بالدليل.

الفاء :

وفيها أنواع : الترتيب ، والتعقيب ، والسببية(١) ، وهي التي ما بعدها لازم لما قبلها(٢) ، وعلى أيّة حال فهي كيف ما وجدت فهي للتشريك في الحكم والمتابعة.

وقد وردت في خطبة السيّدة الزهراء عليها‌السلام على اختلاف أنواعها ، من ذلك قولها : (ابتعثه الله إتماماً لعلمه ، وعزيمةً على إمضاء حكمه ، فرأى الأمم فرقاً في أديانها ، عكفاً على نيرانها ، عابدةً لأوثانها ، منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بمحمّد ظلمها ، وفرّج عن القلوب بهمها ، وجلا عن الأبصار عمهها)(٣).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) مغني اللبيب : ١/١٦١ـ١٦٣.

(٢) شرح الرضي : ٤/٤٦٧.

(٣) دلائل الإمامة : ١١٢ ، الاحتجاج : ١/١٣٣ ، البحار : ٢٩/٢٢٢.

١٠٣

تبدأ سلام الله عليها خطبتها بفعل المطاوعة (ابتعث) الذي قَبِلَ الأثر فكان في أمرين (الإتمام ، والعزيمة) ، وفيه إشارة إلى قول الرسول صلّى الله عليه وآله : (إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق)(١) ، وقد جعلت العلم مساوقاً لمكارم الأخلاق ، فالعلم هو مورد الأخلاق ، والعكس صحيح.

وأمّا العزيمة هو التكليف الذي لا يسقط(٢) ، وبعد هذا الإتمام ، والتكليف الذي لا يسقط(العزيمة) ، جاء الترتيب بالفاء الرؤية (فرأى الأمم) التي كانت فرقاً في غابر أزمانها وأديانها ، فمنها من عبد النيران ، وهم المجوس ، وآخرون عبدوا الأوثان الذين يرونها تُقرّب إلى الله زلفى(٣).

ترتّب على هذين الأمرين (إتمام الأخلاق) و (التوحيد) (فأنار الله بمحمّد ظلمها ، وفرّج عن القلوب بهمها ، وجلا عن الأبصار عمهها) ، ترتّب عليه الإنارة الإلهيّة بالرسول الذي فرّج غمّ القلوب ، وجلا نور الأبصار.

والملاحظ إنّ ارتباط السبب بالنتيجة قد أفادته (الفاء) التي كان ما بعدها لازماً لما قبلها(٤) ؛ فالفاء بوصفها رابطاً حجاجيّاً ، أوحت لنا بهذا الترتيب الذي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) سفينة البحار : ٢ / ٦٧٦ ، مجمع الزوائد : في حسن خلقه وحيائه وحسن معاشرته (النبيّ صلّى الله عليه وآله) : ٩ / ١٥.

(٢) ينظر : مصباح الاصول : ٤٨/١٠٣.

(٣) قال تعالى : (أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ). الزمر/٣.

(٤) انظر : بعدها (فمحمّد من تعب) و (فجعل الله الإيمان تطهيراً) و (فإنّه إنّما يخشى الله) و (فبلّغ بالرسالة) و (فأنقذكم الله) ، وغيرها.

١٠٤

تعجز عنه رابطة غيرها.

اللام :

للاّم أنواع فمنها للجرّ ، وأخرى للجزم ، وغير عاملة ، والكوفيّون أضافوا الناصبة(١).

وقد وردت اللاّم في كلامها سلام الله عليها من ذلك : (الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ..... وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها)(٢).

ورد في هذا المقطع من كلامها لامات : (له الشكر) و (لاستزادتها ، لاتصالها) ، وفي الرابط الحجاجي الأوّل (له) اللاّم هنا للملك(٣) ، أي الشكر ملك لله وحده ، والدليل إنّ الذي يعمل لك عملاً تقول له وتشكره يقول لك : الشكر لله.

أو للاستحقاق ؛ أي الشكر مستحقّ لله تعالى(٤) ، وتسويغ وجود هذا الرابط الحجاجي هو للتمهيد إلى المقولة الإقناعية التي تريد أن تبدأ بها ؛ وربّما عادة من عادات العرب إذا أرادوا أن يبدؤوا الكلام ابتدؤوا بالتحميد لله والشكر له.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) مغني اللبيب : ١/٢٠٧.

(٢) الاحتجاج : ١/١٣٢ ، البحار : ٢٩/٢٢١.

(٣) مغني اللبيب : ١/٢٠٨.

(٤) المصدر نفسه.

١٠٥

أمّا المقطع الثاني(لاستزادتها ، لاتصالها) اللاّم هنا تعليليّة ، فالندبة التي هي النداء المتكرّر(١) مع الصوت ؛ وهذا النداء المتكرّر سببه أو قل علّته للاستزادة وللاتّصال ، وفيهما تضمين لقوله تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)(٢).

وقد أجرته مجرى العلّة والمعلول والسبب والمسبّب ، فقد ربط الله الاستزادة بكمّية الشكر(٣).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) اللسان : ٢/١٤١ ، (ندب).

(٢) سورة إبراهيم : ١٤ / ٧.

(٣) وقد وردت لامات في الخطبة منها (ولنعم المعزىّ) و (لدعوته مستجيبين) و (بلى تجلّى لكم) ، وغيرها.

١٠٦

المصادر

١ ـ الاحتجاج : أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ، تعليقات وملاحظات : السيّد محمّد باقر الخرسان ، طبع في مطابع النعمان النجف الأشرف.

٢ ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار : الشيخ محمّد باقر المجلسي قدس‌سره تحقيق : الشيخ عبد الزهراء العلوي ، دار الرضا ، بيروت ـ لبنان.

٣ ـ بلاغة الإقناع في المناظرة : د. عبد اللطيف عادل ، منشورات ضفاف ، ط١ ، ٢٠١٣م.

٤ ـ تاج العروس من جواهر القاموس : لمحبّ الدين أبي فيض محمّد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي ، المجلّد الأوّل باب الهمزة (أ ـ ي) باب الباء (أ ـ ذ) دراسة وتحقيق : علي شيري ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

٥ ـ التعريفات : للجرجاني ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ف ١٩٨٣م.

٦ ـ تناوب حروف العطف في خطب الحرب عند أمير المؤمنين (دراسة دلالية) : د. مهدي سلمان ، مجلّة مركز دراسات الكوفة ، العدد٣/ ٢٠١٣م.

٧ ـ جمهرة اللغة : ابن دريد الازدي ، عني بتصنيفه : كرنكو.

٨ ـ الجنى الداني في حروف المعاني : تحقيق : فخر الدين قباوة ، ط١ ، دار الكتب العلمية ، لبنان/ ١٩٩٢م.

١٠٧

٩ ـ الحجاج عند أرسطو : هشام الريفي ، ضمن كتاب (أهمّ نظريات الحجاج) في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم) ، إشراف ، حمادي صمود ، جامعة الآداب والفنون ، سلسلة آداب مجلّد ٣٩ ، ١٩٩٨م.

١٠ ـ الحجاج في البلاغة المعاصرة : د. محمّد سالم ولد الطلبة ، ٢٠٠٨م ، بيروت لبنان ، دار الكتاب الجديد.

١١ ـ الحجاج في القرآن : عبد الله صولة ، ضمن كتاب (أهمّ نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم) ، إشراف : حمادي صمود ، جامعة الآداب والفنون ، سلسلة آداب مجلد ٣٩ ، ١٩٩٨م.

١٢ ـ الحجاج في الإمتاع والمؤانسة : لأبي حيّان التوحيدي ، حسين بو بلوطة ، ٢٠٠٩م ، جامعة الحاج الأخضر ، الجزائر.

١٣ ـ الحجاج في اللغة : ضمن كتاب (أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم) ، إشراف : حمادي صمود ، جامعة الآداب والفنون ، سلسلة آداب مجلد ٣٩ ، ١٩٩٨م.

١٤ ـ الحجاج مفهومه ومجالاته ، دراسة نظرية وتطبيقية في البلاغة العربية : حافظ إسماعيل علوي ، عالم الكتب الحديث ، ط١ ، ٢٠١٠م.

١٥ ـ الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة : لصدر الدين محمّد الشيرازي مجدّد الفلسفة الإسلامية المتوفّى (١٠٥٠هـ).

١٦ ـ دلائل الإمامة : للمحدّث الشيخ أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري الصغير من أعلام القرن الخامس الهجري ، تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية مؤسّسة البعثة قم.

١٧ ـ رسائل الإمام علي عليه‌السلام دراسة حجاجية : رائد الزبيدي ، أطروحة دكتوراه ، آداب البصرة ، ٢٠١٣م.

١٠٨

١٨ ـ الروابط الحجاجية في رسائل الإمام الحسن عليه‌السلام : أ. د عبد الإله العرداوي ، جامعة الكوفة كلّية التربية الأساسية ، ٢٠١٥م.

١٩ ـ سفينة البحار : للشيخ عبّاس القمّي ، د. ط.

٢٠ ـ شرح الكافية : للرضي الإسترآبادي ، ١٣٩٨ هـ ـ ١٩٧٨ م ، جامعة قاريونس ، تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر.

٢١ ـ شرح نبراس الهدى ، في أحكام الفقه وأسرارها : لمولى هادي السبزواري قدس‌سره١٢١٢ ـ ١٢٨٩ق مراجعة وتحقيق : محسن بيدارفر ، انتشارات بيدار.

٢٢ ـ الصحاح تاج اللّغة وصحاح العربية : للجوهري ، تحقيق : أحمد عبد الغفور عطّار ، الكويت ١٩٨٦م.

٢٣ ـ فن الخطابة : ترجمة بدوي ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، ط٢ ، ١٩٨٦م.

٢٤ ـ القاموس المحيط : للفيروزآبادي ، د. ط.

٢٥ ـ كتاب سيبويه : أبو بشر ابن قنبر ، تحقيق : عبد السلام هارون ، د.ط.

٢٦ ـ الكشّاف : للزمخشري ، د. ت. د.ط.

٢٧ ـ لسان العرب : لابن منظور ، منشورات دار صادر.

٢٨ ـ اللّغة والحجاج : أبو بكر العزّاوي ، دار العمدة في الطبع ، المغرب ، ط١ ، ٢٠٠٧م.

٢٩ ـ مأساة الزهراء عليها السلام شبهات وردود : لسيّد جعفر مرتضى العاملي ، دار السيرة بيروت ـ لبنان.

٣٠ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ، بتحرير الحافظين الجليلين : العراقي وابن حجر ١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٨ م بيروت ـ لبنان.

١٠٩

٣١ ـ المسائل الصاغانية : للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، تحقيق : السيّد محمّد القاضي ، الطبعة : الأولى ١٤١٣ هـ ، الناشر : المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد.

٣٢ ـ مصباح الأصول : تقريراً لأبحاث آية الله العظمى السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس‌سره ، (الأصول العمليّة) ، تأليف : آية الله السيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني البهسودي (فرج الله عنه) ، مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي.

٣٣ ـ معاني الحروف : للرّماني ، تحقيق : عبد الفتّاح إسماعيل شلبي ، ط٣ ، دار الشروق ، ١٩٨٤م.

٣٤ ـ مغني اللبيب عن كتب الأعاريب : لابن هشام الأنصاري المصري حقّقه وفصّله ، وضبط غرائبه : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم ـ إيران ١٤٠٤ هـ.

٣٥ ـ نظرية الحجاج في اللغة (ضمن كتاب (أهم نظريّات الحجاج) ، في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم) : إشراف حمادي صمود ، جامعة الآداب والفنون ، سلسلة آداب مجلّد ٣٩ ، ١٩٩٨م.

٣٦ ـ نظرية اللغة الأدبية : ايفانكوس ، ترجمة : حامد أبو حمد ، القاهرة ، مكتبة غريب.

١١٠

التراث التفسيري

عند الإمام الرضا عليه‌السلام(١)

د. سكينة آخوند

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد :

إنّ القرآن الكريم كتاب هداية ولابدّ من توضيح ما يرمي إليه من المعاني والمقاصد للحصول على معارفِه العَميقة ، وإنّ أهمّ مصدر في فهم القرآن إنّما هو الروايات التفسيرية للمعصومين عليهم‌السلام ، فهي بالإضافة إلى ما تمنحه من التفسير الصّحيح تزوّدنا كذلك بالمباني التفسيرية ومناهجه وقواعده ووجوهه المختلفة ، فبالإضافة إلى الجانب التعليمي لروايات أهل البيت عليهم‌السلام فإنّ أحاديثهم تعدّ مصدراً غنيّاً للحُصول على المناهج والنماذج التفسيرية المختلفة.

بناءً على هذا وبسبب سعة الروايات التفسيرية لأهل البيت عليهم‌السلام فإنّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تعريب هيئة التحرير.

١١١

مقالتنا هذه قد اقتصرت على التراث التفسيري عند الإمام الرضا عليه‌السلام أنموذجاً ، ومن خلال الوقوف عند الروآيات التفسيرية للإمام الرضا عليه‌السلام والتأمّل فيها يتبيّن لنا أنّ الإمام عليه‌السلام لم يتطرّق فقط لتفسير كلام الله وتوضيحه فحسب بل أنّه عليه‌السلام قد وضّح وبيّن للمسلمين أهمّ المباني والأصول والقواعد التفسيرية أيضاً.

المقدّمة :

إنَّ أكثر ما يحتاجه الناس للاستفادة من القرآن الكريم هو فهم ما ترمي إليه الآيات الإلهية من مراد ومقصود ، وإنّ شمولية القرآن تستوجب أن يكون للإنسان معلّمٌ فهيمٌ ومطّلعٌ على حقائق القرآن ليبيّن للناس معارفه ، بناءً على هذا فإنّ الله تبارك وتعالى فوّض رسالة تبيين القرآن وتفسيره إلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وهذا ما يتبيَّن لنا من الآية (٤٤) من سورة النحل ، وهو بدوره أيضاً استطاع أن يقوم بأعباء هذه المهمّة قولاً وعملاً بأحسن وجه ، ولكن الحقبة الرسالية المحدودة والأجواء الحاكمة عليها آنذاك من جهة والمستوى الفكري والثقافي لعامّة المسلمين من جهة أُخرى لم تكونا كافيتين لضمان ما تستوعبه الأمّة من فهم صحيح للقرآن الكريم ولسلامتها عن الإنحرافات ، بل كان من اللازم أن يبقى هذا التراث مصاناً ومحفوظاً في بيت النبوّة وهم ورثة كتاب الله وترجُمانيِّي وَحيه ، وقد أشار الإمام الصادق عليه‌السلام إلى هذه الضرورة العقلية قائلاً : «إنّا أهل بيت لم يزل الله يبعث منّا من يعلم كتابه من أوّله إلى

١١٢

آخره»(١).

بناءً على هذا فإنّ لأهل البيت عليهم‌السلام الدور الأهمُّ والأساسيُّ في بثِّ ونشر الثقافة القرآنية وخاصّةً تفسير وتبيين الحقائق القرآنية ، فإنّ قسماً من أقوال أهل البيت عليهم‌السلام وسيرتهم إنّما يختصّ ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ بتفسير وتبيين القرآن كما يختصّ ضمناً بتوضيح وتبيين الأصول والقواعد التفسيرية لكتاب الله ، فإنّهم عليهم‌السلام قد وضعوا الخطوط العريضة والمهمّة في معرفة القرآن وتفسيره إضافةً إلى إماطتهم الستار عن الألفاظ المبهمة وتوضيح مبهمات القرآن وبهذا صاروا يعلِّمون طريقة التفسير وكيفية الأخذ بالمناهج الأساسية لفهم القرآن ، وعلى هذا الأساس فإنّ بيانات أهل البيت عليهم‌السلام لم تقتصر على توضيح الآيات فحسب بل بلغت إلى أكثر من ذلك لتشمل المباني والأساليب والقرائن والقواعد الدالّة على فهم القرآن بحيث إنّ معرفة هذه الأمور تجعل الطريق مفتوحاً أمام المفسِّرين لمعرفة مقاصد القرآن.

لقد استخرجنا في هذه المقالة مباني وأساليب التفسير من الروايات التفسيرية للإمام الرضا عليه‌السلام ، والمراد من الأحاديث التفسيرية هو كلّ ما يتعلّق بشأن من شؤون آيات القرآن الكريم ، سواء كان متعلِّقاً بنزولها أم بقراءتِها أو بيان معانيها ، في ظاهرها أو باطنها ، تنزيلها أو تأويلها أو ..... أو تكون قاعدةً كلِّيّةً من قواعد فهم القرآن الكريم(٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) البرهان في تفسير القرآن ١/١٩.

(٢) اسباب اختلاف الحديث : ٤٦٦.

١١٣

وتوضيح ذلك : أنّ الحديث التفسيري ـ بصفة كونه حديثاً ـ يشمل كلّ ما يحكي عن شيء من شؤون المعصومين عليهم‌السلام وأحوالهم ، من قول أو فعل أو تقرير ، أو نحو ذلك ، وبقيد تعلّقه بالتفسير يشمل كلّ حديث يمكن أن يقع فى طريق إيضاح معاني القرآن الكريم.

أهمّية حقبة الإمام الرضا عليه‌السلام.

كلُّ واحد من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام إنّما هو مصباحٌ مضيء على طريق هداية البشر ومصداقٌ لما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) في باب الثقلين ، فإنّ تعاليمهم عليهم‌السلامجنباً إلى جنب القرآن الكريم مهّد طريقاً مخلّداً لهداية البشر ، ومن بينهم عليهم‌السلامالإمام الرضا عليه‌السلام فإنّه وبسبب الأجواء الخاصّة السياسية منها والثقافية التي أحدقت به عليه‌السلامآنذاك صارت له بعض الخصائص التي جعلت سيرته وتعاليمه متمايزة من بين سائر الأئمّة عليهم‌السلام ، فإن الأحاديث والتعاليم التي وصلت إلينا من الإمام الرضا عليه‌السلامتشير إلى استمرارية سنّة أهل البيت من رسول الله (صلى الله عليه وآله)ومن منشأ الوحي وذلك لأنّ الإمام الرضا عليه‌السلام هو إمام من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلامومصداق من مصاديق الثقلين ، فقد قال الإمام الرضا عليه‌السلام : «إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذَّة بالقَذَّة»(١).

فقد وصلتنا عن الإمام الرضا عليه‌السلام في تفسير وتوضيح آيات القرآن الكريم روايات كثيرة ، فقد جاء إلى الإمام الرضا عليه‌السلام في مكّة رجل قال له :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) بصائر الدرجات : ٣١٦.

١١٤

«إنّك لتفسِّر من كتاب الله ما لم تسمع به؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام : علينا نزل قبل الناس ، ولنا فُسِّرَ قبل أن يفسّر في الناس ، فنحن نعرف حلاله وحرامه ، وناسخه ومنسوخه ، وسفريه وحضريه ، وفي أيِّ ليلة نَزَلَت كم من آية ، وفيمن نزلت وفيما نزلت»(١).

من الأمور المثيرة للإنتباه في روايات الإمام الرضا عليه‌السلام هو الاهتمام بالعلوم المعروفة لدينا اليوم بالعلوم القرآنية وتفسير القرآن التي تمهِّد للقارىء فهم كتاب الله بنحو أفضل.

هذا وإنّ البحث في الروايات الرضوية ودراستها إنّما هو لتبيين مكانة الإمام الرضا عليه‌السلام في تبيين العلوم القرآنية والتفسير وتأثير تعاليمه على هذه المباحث ، وهو الهدف من تأليف مقالتنا هذه؛ وقد تناولنا هذه الدراسة من أربعة جهات وهي :

المباني القرآنية عند الإمام الرضا عليه‌السلام ، المناهج التفسيرية ، القواعد التفسيرية ، والمقاصد التفسيرية.

أوّلاً : المباني القرآنية عند الإمام الرضا عليه‌السلام.

من أهمِّ الأدوار التي قام بها المعصومون عليهم‌السلام هو عرضهم المباني والأُسُس التفسيرية في منهجية تفسير القرآن الكريم التي أشاروا إليها دائماً في أقوالهم وتعاليمهم التفسيرية؛ وإنّ التأمّل في الروايات التفسيرية للإمام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) بصائر الدرجات : ٢١٨ ، وسائل الشيعة ٢٧/١٩٧ ، بحار الأنوار ٢٣/١٩٦.

١١٥

الرضا عليه‌السلام تبيّن أنّ أهمّ المباني لمعرفة القرآن في رواياته عليه‌السلام هي عبارة عن :

١ ـ خلود القرآن :

إنّ القرآن الكريم هو آخر كتاب سماوي لهداية البشر ، بناءً على هذا لابدّ أن تكون قوانينه بحيث يمكنها أن تؤدِّي دورها في هداية المجتمع البشري إلى يوم القيامة ، ويستلزم هذا المبنى بأن تكون للقرآن أحكام خالدة ومطابقة لحاضر البشر ومستقبله ، كما يستلزم أيضاً أن يكون للقرآن باطن عميق ، وقد نقل الإمام الرضا عليه‌السلام بواسطة أبيه رواية عن الإمام الصادق عليه‌السلام «إنّ رجلاً سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلاّ غضاضة؟ فقال : إنّ الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس فهو في زمان جديد وعند كلِّ قوم غضٌّ إلى يوم القيامة»(١).

٢ ـ صيانة القرآن الكريم من التحريف :

إنّ عدم إمكان تحريف القرآن الكريم هو واحد من أهمِّ المباني في معرفة القرآن بحيث إنّ إثبات هذا الأمر بحاجة إلى أدلّة قطعية.

في رواية قال الإمام الرضا عليه‌السلام : « ... لا يَخْلَقُ من الأزمِنة ولا يَغثُّ على الألسنة لأنّه لم يجعل لزمان دون زمان بل جعل دليل القرآن وحجّةً على كلِّ إنسان (لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد)(٢)»(٣). فمن هذه الرواية يمكننا استنباط صيانة القرآن الكريم من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا ٢/٨٧ ، البرهان في تفسير القرآن ١/٦٦.

(٢) فصلت : ٤٢.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢/١٣٠ ، البرهان في تفسير القرآن ١/٦٥.

١١٦

التحريف.

٣ ـ القرآن وحيٌ إلهيٌّ :

إنّ القرآن الكريم قد نطق به الوحي ، وألفاظه وحيٌ إلهيٌّ ، وهذا الأمر يعدُّ واحداً من المباني في تفسير القرآن الكريم ، فإنّ دراسة الروايات الرضوية تبيّن لنا هذا الأمر كما في الرواية التالية عن الحسين بن خالد قال : «قلت للرضا عليه‌السلام يا ابن رسول الله أخبرني عن القرآن أخالقٌ أو مخلوق فقال ليس بخالق ولا مخلوق ولكنّه كلام الله»(١).

فهذه الرواية خير شاهد على أنّ القرآن وحيٌ إلهيٌّ وليس من قول البشر.

٤ ـ الوضوح في بيان القرآن الكريم :

إنّ وضوح بيان القرآن وقابلية فهمه الصحيح من الأمور التي استند إليها علماؤنا ، فإنّ إرشاد روّاد العلم والباحثين في المسائل الإعتقادية وإرجاعهم إلى القرآن الكريم لهو خير دليل على قابلية فهم القرآن الكريم؛ على سبيل المثال جاء في رواية عن عبد العزيز بن المهتدي قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن التوحيد فقال كلّ من قرأ قل هو الله أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد»(٢) فإنّ هذا التشجيع في تدبّر القرآن واستخراج رفيع معارفه في التوحيد إنّما ينبئُنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الأمالي : ٥٤٥.

(٢) الكافي ١/٩١.

١١٧

عن قابلية فهم القرآن ، كما أنّ الروايات التي تُرشد وتُأكّد على عرض الآيات المتشابهات من القرآن الكريم على الآيات المحكمات أيضاً إنّما هي حاكية عن إمكان وقابلية فهم القرآن ، وذلك ما جاء في قول الإمام الرضا عليه‌السلام حيث قال : «من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هُدِي إلى صراط»(١) فإنّ هذه الرواية تدلُّ على فهم القرآن من ثلاثة أبعاد : الفهم المباشر في إحكام الآيات المحكمات ، فهم التشابه في الآيات المتشابهات ، ردّ المتشابه على المحكم وذلك لفهمه.

٥ ـ القرآن كتاب هداية :

إنّ الكثير من آيات القرآن تكشف لنا عن حقيقة أنّ القرآن كتاب هداية وذلك مثل قوله تعالى في الآيات التالية :

ـ (ذلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(٢).

ـ (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)(٣).

ـ (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَاب مُبِين * هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)(٤).

فإنّ هذه الخصوصية للقرآن الكريم هي الأخرى تعدُّ واحدةً من مباني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا ١/٢٩٠.

(٢) البقرة : ٢.

(٣) النحل : ١٠٢.

(٤) النمل : ١ ـ ٢.

١١٨

معرفة القرآن الكريم الّتي تمّت الإشارة إليها في روايات الإمام الرضا عليه‌السلام ، ففي رواية سأل فيها الريّان بن الصلت من الإمام الرضا عليه‌السلام عن القرآن فأجابه الإمام عليه‌السلام قائلاً : «كلام الله لا تتجاوزوه وتطلبوا الهدى في غيره فَتضلُّوا»(١) فبناءً على هذه الرواية فإنّ عالم آل محمّد (صلى الله عليه وآله) جعل الهداية منحصرةً في القرآن وعدّ طلبها من غيره ضلالةً.

وفي حديث الإمامة الصادر عن الإمام الرضا عليه‌السلام أيضاً جاء فيه أنّه قال : «إنّ الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيّه (صلى الله عليه وآله) حتّى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلِّ شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه كملاً»(٢).

وقد روى محمّد بن موسى الرازي عن أبيه قال : «حدّثني أبي قال : ذكر الرضا عليه‌السلام يوماً القرآن فعَظّمَ الحجّة فيه والآية والمعجزة في نظمه قال : هو حبل الله المتين وعروته الوثقى وطريقته المثلى المؤدّي إلى الجنّة والمنجي من النار لا يَخْلَقُ على الأزمنة ولا يغثّ على الألسنة لأنّه لم يُجعَل لزمان دون زمان بل جُعِلَ دليل البرهان والحجّة على كلِّ إنسان (لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد)(٣)»(٤).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) التوحيد : ٢٤٤.

(٢) عيون أخبار الرضا ١/٢١٦.

(٣) فصلت : ٤٢.

(٤) عيون أخبار الرضا ٢/١٣٠.

١١٩

ثانياً : المناهج التفسيرية عند الإمام الرضا عليه‌السلام.

المناهج التفسيرية هي عبارة عن أساليب يتّخذها المفسِّرون لكشف معاني آيات القرآن وألفاظه ، وبالرغم من أنّ هذه الأساليب متعدِّدَة ألاّ أنّه يمكننا أن نقول : إنّ هناك طريقتين كلّيّتين منذ عهد الصحابة وحتّى زماننا هذا قد اتُّخِذَتا في تفسير القرآن الكريم :

الأوّل المنهج التفسيري بالمأثور ، والآخر هو المنهج التفسيري العقلي ـ الاجتهادي :

والمراد من المنهج التفسيري بالمأثور هو تفسير آيات القرآن عن طريق نفس آيات القرآن (تفسير القرآن بالقرآن) وعن طريق الأحاديث والروايات الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمعصومين عليهم‌السلام كما هو ديدن علماء الشيعة في التفسير ، وأمّا السنّة فبالاستفادة من الروايات الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والصحابة.

وفي المنهج الثاني فإن التدبّر العقلي له الدور الأساسي بمختلف محاوره الكلامية واللغوية والفلسفية والعرفانية والفقهية و .... التي تتمحور حول هذا المنهج العقلي ـ الاجتهادي.

ومع التأمّل في الروايات التفسيرية للإمام الرضا عليه‌السلام ندرك أنّ رواياته التفسيرية عليه‌السلام قد جاءت في شتّى المجالات الاعتقادية والاجتماعية والفقهية وذلك ابتناءاً على الاعتقاد بشمولية القرآن وبكونه مرجعاً في جميع الأمور ، ففي ظلِّ هذه المباني القويمة والأصول الأصيلة يمكننا أن نشير إلى المناهج

١٢٠