نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٤

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي

نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
ISBN: 964-309-762-5
ISBN الدورة:
964-309-765-X

الصفحات: ٦٢٠

﴿عِنْدَ رَبِّهِ﴾ وعقوبته بيده لعدم قدرة غيره عليها.

ثمّ نبّه سبحانه عليها إجمالا بقوله : ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ﴾ ولا يفوز بالمقصود من النجاة من العذاب والنيل بالثواب ﴿الْكافِرُونَ﴾ بتوحيد الله ، ومن بدائع السورة أنّه تعالى افتتحها بثبوت الفلاح للمؤمنين ، وختمها بنفيه عن الكافرين.

ثمّ أمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بموافقة المؤمنين في التضرّع وطلب المغفرة رغما للكفار المستهزئين بهم بقوله :

﴿وَقُلْ﴾ يا محمد ﴿رَبِّ اغْفِرْ﴾ لي خطاياي ﴿وَارْحَمْ﴾ ذلّي وفقري وحاجتي ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ فانّ رحمة من سواك قطرة من بحار رحمتك الواسعة.

روي أنّ أول هذه السورة وآخرها من كنوز العرش ، من عمل بثلاث آيات من أولها ، واتّعظ بأربع آيات من آخرها ، فقد نجا وأفلح (١) .

وفي رواية ، قال عليه‌السلام : « لقد انزل عليّ عشر آيات من أقامهنّ دخل الجنّة » ثمّ قرأ ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾ المؤمنين حتى ختم العشر (٢) .

وعن عبد الله بن مسعود : أنّه مرّ بمصاب مبتلى فقرأ في اذنه ﴿أَ فَحَسِبْتُمْ﴾ [ حتى ختم السورة ، فبرئ بإذن الله. ](٣) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٣ : ١٢٨ ، تفسير البيضاوي ٢ : ١١٤ ، تفسير روح البيان ٦ : ١١٣.

(٢) تفسير البيضاوي ٢ : ١١٤ ، تفسير روح البيان ٦ : ١١٣.

(٣) تفسير روح البيان ٦ : ١١٣.

٤٠١
٤٠٢

في تفسير سورة النور

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزَّانِيَةُ

 وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ

 اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ

 الْمُؤْمِنِينَ (١) و (٢)

ثمّ لمّا ختمت السورة المباركة المتضمّنة لاثبات التوحيد والمعاد وإبطال الشّرك ، والمفتتحة بالوعد بالفلاع بالمؤمنين المختتمة بسلبه عن الكافرين وحثّ العباد على العمل بأحكام الله وإيجاب حفظ الفرج عن الحرام ، نظمت سورة النور المشتملة على تأكيد تلك المطالب العالية ، وبيان حرمة الزنا ، وتزويج المشركات والمشركين ، وإيجاب حدّ الزاني والزانية ، وحكم رمي الزوج زوجته بالزنا ، ورمي الأجنبي الأجنبية المحصنة به ، ووجوب التعفّف عليهنّ ، وغير ذلك من أحكام النساء ، ولذا روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في رواية : « وعلموهنّ سورة النور والمغزل » (١) . فافتتحها سبحانه بذكر أسمائه الحسنى على حسب دأبه ورسمة سبحانه في الكتاب الكريم بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

ثمّ مدح سبحانه السورة وعظّمها بقوله : ﴿سُورَةٌ﴾ قيل : إنّ التقدير هذه سورة (٢) . وقيل : لمّا أمر في آخر السورة السابقة بسؤال الرحمة ، أجابه بأن من رحمتنا عليك سورة عظيمة الشأن ، وقطعة كريمة من القرآن الكريم (٣) ، نحن ﴿أَنْزَلْناها﴾ عليك من اللّوح المحفوظ بتوسّط أمين الوحي ﴿وَفَرَضْناها﴾ وأوجبنا العمل بما فيها من الأحكام ﴿وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ﴾ واضحات الدلالات على الأحكام ، وما فيها من المطالب العالية ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ وتستحضرون مضامينها ، أو المراد كي تتعظوا وتتقوا المحارم.

__________________

(١) مجمع البيان ٧ : ١٩٤ ، تفسير روح البيان ٦ : ١١٣.

(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ١٢٩.

(٣) تفسير روح البيان ٦ : ١١٣.

٤٠٣

ثمّ شرع سبحانه في بيان الأحكام ، فابتدأ بذكر حدّ الزنا اهتماما بالرّدع عنه بقوله : ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ إن كانا غير محصنين ﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما﴾ بانفراده ﴿مِائَةَ جَلْدَةٍ.

عن الصادق عليه‌السلام : « الحرّ والحرّة إذا زنيا جلد كلّ واحد منهما مائة جلدة ، فأما المحصن والمحصنة فعليهما الرّجم » (١) .

وفي رواية عنه عليه‌السلام : « وفي البكر والبكرة جلد مائة ونفي سنه في غير مصرهما » (٢) .

وعنه عليه‌السلام : أنّه سئل عن المحصن فقال : « الذي يزني وعنده ما يغنيه » (٣) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « من كان عنده فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن » (٤) .

وعن الأصبغ بن نباتة : أنّ عمر أتي بخمسة نفر أخذوا في الزنا ، فأمر أن يقام على كلّ واحد منهم الحدّ ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام حاضرا ، فقال : « يا عمر ، ليس هذا حكمهم » قال : فأقم أنت الحدّ عليهم ، فقدّم واحدا منهم فضرب عنقه ، وقدّم الآخر فرجمه ، وقدّم الثالث فضربه الحدّ ، وقدّم الرابع فضربه نصف الحدّ ، وقدّم الخامس فعزّره ، فتحيّر عمر ، وتعجّب الناس. فقال له عمر : يا أبا حسن ، خمسة نفر في قضية واحدة ، أقمت عليهم خمسة حدود ليس شيء منها يشبه الآخر ؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أمّا الأول فكان ذمّيا فخرج عن ذمّته ، ولم يكن له حد إلأ السيف ، وأما الثاني فرجل محصن كان حدّه الرّجم ، وأمّا الثالث فغير محصن حدّه الجلد ، وأمّا الرابع فعبد ضربناه نصف الحدّ ، وأمّا الخامس فمجنون مغلوب على عقله » (٥) .

وعن القمي مثله إلّا أنه قال : ستّة نفر ، وخلّى سبيل السادس قال : « وأمّا الخامس فكان منه ذلك الفعل بالشّبهة فعزّرناه وأدّبناه ، وأمّا السادس فمجنون مغلوب على عقله سقط عنه التكليف » (٦).

وعن الصادق عليه‌السلام : « لا يرجم الرجل ولا المرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والإيلاج والإدخال كالميل في المكحلة » (٧) .

أقول : وكذا في الجلد.

وعن الباقر عليه‌السلام قال : « يضرب الرجل الحدّ قائما والمرأة قاعدة ، ويضرب كلّ عضو ويترك الرأس

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٧٧ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٣ / ٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٤.

(٢) الكافي ٧ : ١٧٧ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ٣ / ٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٤.

(٣) الكافي ٧ : ١٧٨ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٢ / ٢٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٥.

(٤) الكافي ٧ : ١٧٩ / ١٠ ، التهذيب ١٠ : ١٢ / ٢٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٥.

(٥) تفسير الصافي ٣ : ٤١٥.

(٦) تفسير القمي ٢ : ٩٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٥.

(٧) الكافي ٧ : ١٨٤ / ٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٥.

٤٠٤

والمذاكير » (١) .

وعن الكاظم عليه‌السلام أنّه سئل عن الزاني كيف يجلد قال : « أشدّ الجلد » فقيل : فوق الثياب ؟ فقال : « لا بل يجرّد » (٢)

﴿وَلا تَأْخُذْكُمْ﴾ أيّها المؤمنون أو الولاة ﴿بِهِما رَأْفَةٌ﴾ ورحمة وإن كانت أقلّ قليل ﴿فِي﴾ إطاعة أحكام ﴿دِينِ اللهِ﴾ وإجراء حدوده ، فتعطّلوها أو تسامحوا فيها ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ،﴾ فانّ الإيمان بهما باعث على الاهتمام والجدّ في طاعة الله ، والعمل بأحكامه وإجراء حدوده.

روي أنّه يوتى بوال نقص من حدّ سوطا فيقال له : لم نقصت ؟ فيقول : رحمة لعبادك. فيقال له : أنت أرحم منّي بعبادي ! انطلقوا به إلى النار (٣) .

﴿وَلْيَشْهَدْ﴾ وليحضر ﴿عَذابَهُما﴾ وجلدهما ﴿طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لأجل التشهير حتى يرتدع الناس عن فعلهما.

قيل : إن تخصيص المؤمنين بالحضور والشهود ، لئلا تكون إقامة الحدّ مانعة للكفّار عن قبول الاسلام ، ولذلك كره إقامته في أرض العدوّ.

عن الباقر عليه‌السلام قال : ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما﴾ يقول : ضربهما ﴿طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يجمع لهما الناس إذا جلدوا » (٤) .

وعن ابن عباس : أقلّ الطائفة أربعة ، وقيل : ثلاثة ، وقيل : اثنان (٥) .

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : « الطائفة واحد » (٦) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « الطائفة الحاضرة هي الواحدة » (٧) .

وعنه عليه‌السلام أيضا : « أنّ أقلّها رجل واحد » (٨) .

﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ

 ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٨٣ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٣١ / ١٠٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٥.

(٢) الكافي ٧ : ١٨٣ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٥.

(٣) تفسير الرازي ٢٣ : ١٤٨ ، تفسير روح البيان ٦ : ١١٥.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٩٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٦.

(٥) تفسير الرازي ٢٣ : ١٤٩.

(٦) التهذيب ١٠ : ١٥٠ / ٣٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٦.

(٧) عوالي اللآلي ٢ : ١٥٣ / ٤٢٨ ، وفيه : الحاضرة للحدّ ، هي الواحدة ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٦.

(٨) جوامع الجامع : ٣١٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٦.

٤٠٥

ثمّ أنه تعالى بعد بيان حدّ الزنا والزجر عنه ، نهى عن نكاح الزواني قبل التوبة بقوله : ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ﴾ ولا يتزوّج ﴿إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ ولا يرغب في نكاح المؤمنة الصالحة لعدم السّنخية والمشاكلة بينهما ﴿وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها﴾ ولا يرغب في تزويجها ﴿إِلَّا﴾ رجل ﴿زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ

روي أنّه كانت في المدينة بغايا وزانيات ذوات الأعلام من اليهود والمشركين موسرات ، فرغب بعض فقراء المهاجرين في نكاحهنّ لينفقن عليهم من أكسابهنّ على عادة الجاهليّة ، فاستاذنوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك ، فنزلت الآية في ردعهم عنه ببيان أنّ نكاحهنّ من خصائص الزواني والمشركين ، حيث إنّ الزاني لا يرغب إلّا في نكاح الزانية والمشركة ، والزانية لا ترغب إلّا في نكاح الزاني والمشرك (١) .

﴿وَحُرِّمَ ذلِكَ﴾ النّكاح ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ لما فيه من التشبيه بالفسقة ، والتعرّض للتهمة ، والتسبّب بسوء المقالة ، والطعن في النسب ، وغير ذلك من المفاسد التي لا تليق بالأداني والأراذل فضلا عن المؤمنين ، فلا ينبغي أن يحوموا حولها.

قيل : إيراد الجملة الاولى مع أن مناط التنفير هي الثانية ، لتأكيد العلاقة بين الجانبين ، مبالغة في الزّجر ، وعدم ذكر المشركة في الجملة الثانية ، للتنبيه على أنّ مناط الزّجر هو الزنا لا مجرّد الإشراك ، وإنّما التعّرض لها في الاولى إشباعا في التنفير عن الزانية بنظمها في سلك المشركة (٢) ، كما هو الوجه في التعبير عن الكراهة بالتحريم.

وقيل : إنّ التحريم على حقيقته ، والحكم مخصوص بمورد النزول ، أو منسوخ بقوله : ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ(٣) فانّه متناول للزانيات ، وعموم قوله عليه‌السلام : « لا يحرّم الحرام الحلال » (٤) وقد تضافر دعوى الاجماع على جوازه ، سواء أكان قبل التوبة أو بعدها.

فما عن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « هنّ نساء مشهورات بالزنا ، والرجال مشهورون بالزنا ، شهروا به وعرفوا به ، والناس اليوم بتلك المنزلة ، فمن أقيم عليه حدّ الزنا وشهر بالزنا ، لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتىّ يعرف منه التوبة » (٥) .

ومن قوله عليه‌السلام : « لو أن إنسانا زنى ثم تاب تزوّج حيث شاء » (٦) .

وما عن الباقر عليه‌السلام : « هم رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشهورين بالزنا ، فنهى الله عن

__________________

(١و٢) تفسير أبي السعود ٦ : ١٥٦ ، تفسير روح البيان ٦ : ١١٦.

(٣) تفسير أبي السعود ٦ : ١٥٧ ، تفسير روح البيان ٦ : ١١٧ ، والآية من سورة النور : ٢٤ / ٣٢.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٢٨ / ١٣٥١.

(٥) الكافي ٥ : ٣٥٤ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٦.

(٦) الكافي ٥ : ٣٥٥ / ٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٦.

٤٠٦

اولئك الرجال والنساء ، والناس اليوم على تلك المنزلة ، من شهر شيئا من ذلك ، أو اقيم عليه الحدّ ، فلا تزوّجوه حتى تعرف توبته » (١) فمحمول على الكراهة ، لمخالفتها للاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة والمعتبرة المستفيضة منها : الصحيح « أيّما رجل فجر بامرأة ، ثمّ بدا له أن يتزوّجها حلالا ، فاذا أوّله سفاح وآخره نكاح ، فمثله مثل النخلة أصاب الرجل من تمرها حراما ، ثمّ اشتراها بعده ، فكانت له حلالا » (٢) .

والصحيح الآخر عن المرأة الفاجرة يتزوّجها الرجل المسلم ، قال : « نعم ، وما يمنعه ؟ ولكن إذا فعل فليحصّن بابه » (٣) .

ومنها الخبر : « نساء أهل المدينة فواسق » قلت : فأتزوّج منهنّ ؟ فقال : « نعم » (٤) .

ومنها الخبر الآخر : عن الرجل يتزوّج الفاجرة متعة ؟ قال : « نعم لأباس به ، وإن كان التزويج الآخر فليحصّن بابه » (٥) .

ومنها خبر آخر عن رجل أعجبته امرأة ، فسأل عنها ، فاذا النساء تنبئ عليها بشيء من الفجور. فقال : « لا بأس بأن يتزوّجها ويحصّنها » (٦) .

مع أنّ في بعض الروايات المانعة لفظ ( لم ينبغ ) الظاهر في الكراهة ، وفي جميعها التصريح باتخاذ حكم الزاني والزانية مع قيام الإجماع على جواز تزويج العفيفة من الزاني ، والسياق يقتضي جواز العكس.

﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ

 جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ

 بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٤) * (٥)

ثمّ بيّن سبحانه حكم نسبة الزنا إلى العفيفات بقوله : ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ﴾ وينسبون المؤمنات ﴿الْمُحْصَناتِ﴾ والعفيفات إلى الزنا ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا﴾ عند الامام أو نائبه ﴿بِأَرْبَعَةِ﴾ رجال ﴿شُهَداءَ﴾ عدول يشهدون عليهنّ بما رموهنّ به وعجزوا عن إثبات صدق هذه النسبة ﴿فَاجْلِدُوهُمْ﴾ أيّها الولاة الحقّ ﴿ثَمانِينَ جَلْدَةً﴾ إن كان الطرفان بالغين عاقلين ، سواء كانا ذكرين ، أو أنثيين ، أو مختلفين ، وسواء كان الرامي حرّا أو مملوكا.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٥٥ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٦.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥٦ / ٢ ، نوادر أحمد بن عيسى : ٩٨ / ٢٣٥.

(٣) نوادر أحمد بن عيسى : ١٣٣ / ٣٤٢.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٥٣ / ١٠٩١.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٥٣ / ١٠٩٠.

(٦) التهذيب ٧ : ٣٣١ / ١٣٦٣.

٤٠٧

عن الصادق عليه‌السلام : في رجل يقذف الرجل بالزّنا. قال : « يجلد هو في كتاب الله عزوجل وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١) .

وعن الباقر عليه‌السلام في امرأة قذفت رجلا. قال : « تجلد ثمانين جلدة » (٢) .

وعنه عليه‌السلام : « إذا قذف العبد الحرّ جلد ثمانين ، و[ قال : ] هذا من حقوق الناس » (٣) .

وأمّا المقذوف فيعتبر أن يكون حرّا مسلما متستّرا ، عن الصادق عليه‌السلام : « من أفترى على مملوك عزّر لحرمة الاسلام » (٤) .

وعنه عليه‌السلام : « لو اتيت برجل قد قذف عبدا [ مسلما ] بالزنا لا نعلم منه إلّا خيرا ، لضربته الحدّ حدّ الحرّ إلّا سوطا » (٥) .

وفي الصحيح في الرجل يقذف الصبية ، أيجلد ؟ قال : « لا ، حتى تبلغ » (٦) وأمّا اعتبار التستّر فلدلالة الآية ، وظهور قوله « لا يعلم منه إلّا خيرا » (٧) .

ثمّ بالغ سبحانه في الزجر عن القذف بقوله : ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً﴾ على شيء من الحقوق والحدود ﴿أَبَداً﴾ إن لم يتوبوا ، قيل : لأنّهم آذوا المقذوف بلسانهم ، فحرموا من منافعه (٨)﴿وَأُولئِكَ﴾ الرامون ﴿هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ والخارجون عن طاعة الله ، المتجاوزون عن حدوده ﴿إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ﴾ الذنب العظيم الذي اقترفوه ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ أعمالهم بالتدارك ، ومنه الاستسلام للحدّ ، والاستحلال من المقذوف ﴿فَإِنَّ اللهَ﴾ يغفر ما فرط منهم ، ولا يؤاخذهم به ، ولا ينظمهم في سلك الفاسقين الذين لا تقبل شهادتهم لأنّه ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ.

عن الصادق عليه‌السلام : « القاذف يجلد ثمانين جلدة ، ولا تقبل لهم شهادة أبدا إلّا بعد التوبة أو يكذّب نفسه » (٩) .

وفي ( الكافي ) أنّه سئل : كيف تعرف توبته ؟ فقال : « يكذّب نفسه على رؤوس الخلائق حين يضرب ويستغفر ربّه ، فإذا فعل ذلك فقد ظهرت توبته » (١٠) .

وعنه عليه‌السلام أنّه سئل عن الرجل يقذف الرجل ، فيجلد حدّا ، ثمّ يتوب ولا يعلم منه إلّا خيرا ، أتجوز

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٠٥ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٦٥ / ٢٣٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٧.

(٢) الكافي ٧ : ٢٠٥ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ٦٥ / ٢٣٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٧.

(٣) التهذيب ١٠ : ٧٢ / ٣٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٧.

(٤) التهذيب ١٠ : ٧١ / ٣٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٧.

(٥) الكافي ٧ : ٢٠٨ / ١٧ ، التهذيب ١٠ : ٧١ / ٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٧.

(٦) الكافي ٧ : ٢٠٩ / ٢٣.

(٧) الكافي ٧ : ٣٩٧ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٩.

(٨) تفسير أبي السعود ٦ : ١٥٧.

(٩) تفسير القمي ٢ : ٩٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٩.

(١٠) الكافي ٧ : ٢٤١ / ٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٩.

٤٠٨

شهادته ؟ قال : « نعم ، ما يقال عندكم ؟ » .

قيل : يقولون توبته فيما بينه وبين الله ، ولا تقبل شهادته أبدا. فقال : « بئسما قالوا ، كان أبي يقول : إذا تاب ولم يعلم منه إلّا خيرا ، جازت شهادته » (١) .

﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ

 أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ

 مِنَ الْكاذِبِينَ * وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ

 الْكاذِبِينَ * وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٦) و (٩)

ثمّ أنّه تعالى بعد بيان حكم رمي المحصنات عموما ، بيّن حكم رمي الزوج زوجته تخصيصا للعموم أو نسخا بقوله : ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ﴾ ويقذفون بالزنى ﴿أَزْواجَهُمْ﴾ الدائمات ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ﴾ يشهدون بما رموهنّ ﴿إِلَّا أَنْفُسُهُمْ﴾ وفي استثناء أنفسهم من الشهداء ، مع كونهم مدّعين إيذان من أول الأمر بعدم إلقاء قولهم عند عدم الشهود بالمرّة ، بل ينتظمون في سلك الشهود في الجملة ﴿فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ﴾ وكلّ واحد منهم المشروعة لهم ﴿أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في ما رماها به من الزنا ، ﴿وَ﴾ الشهادة ﴿الْخامِسَةُ﴾ هي ﴿أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ﴾ فيه ، قيل : تحبس المرأة حتّى تقرّ أو تلاعن (٢) بمقتضى قوله تعالى.

﴿وَيَدْرَؤُا﴾ عن الزوجة ويدفع ﴿عَنْهَا الْعَذابَ ،﴾ والرجم الذي استحقّته بشهادة الزوج إلا ﴿أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ﴾ على زوجها ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ﴾ في ما رماها به ﴿وَ﴾ الشهادة ﴿الْخامِسَةَ﴾ للأربع المتقدّمة وهي ﴿أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ﴾ زوجها ﴿مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ فيه.

عن ابن عباس : لمّا نزل قوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ﴾ الآية ، قال عاصم بن عدي الأنصاري : إن دخل رجل بيته فوجد رجلا على بطن امرأته ، فإن جاء بأربعة يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وخرج ، وإن قتله قتل به ، وإن قال وجدت فلانا مع تلك المرأة ضرب ، وإن سكت سكت على غيظ ، اللهم افتح.

وكان له ابن عمّ ، يقال له عويمر ، وله امرأة يقال لها خولة بنت قيس ، فأتى عاصما ، وقال : لقد رأيت شريك بن سمحاء على بطن امرأتي خولة ، فاسترجع عاصم ، وأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، ما أسرع ما بتليت بهذا في أهل بيتي ! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وما ذاك » ؟ قال : أخبرني عويمر ابن عمّي بأنه

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٧ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٩.

(٢) تفسير أبي السعود ٦ : ١٥٩ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٢١.

٤٠٩

رأى شريك بن سمحاء على بطن امرأته خولة ، وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بنو عمّ عاصم.

فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهم جميعا وقال لعويمر : « اتّق الله في زوجتك وابنة عمّك ولا تقذفها » . فقال : يا رسول الله ، اقسم بالله إنّي رأيت شريكا على بطنها ، وإني ما قربتها أربعة أشهر ، وإنّها حبلى من غيري.

فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اتّقي الله ولا تخبري إلّا بما صنعت » فقالت : يا رسول الله ، إنّ عويمرا رجل غيور ، وإنّه رأى شريكا يطيل النظر إليّ ويتحدّث ، فحملته الغيرة على ما قال. فنزلت هذه الآية ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نودي الصلاة جامعة ، فصلّى العصر ، ثمّ قال لعويمر : « قم وقل : أشهد بالله أن خولة لزانية وأني لمن الصادقين » ثمّ قال في الثانية : « قل أشهد بالله أني رأيت شريكا على بطنها ، وأني لمن الصادقين » ثمّ قال في الثالثة : « قل أشهد بالله أنّها حبلى من غيري ، وأنّي لمن الصادقين » . ثمّ قال في الرابعة : « قل أشهد بالله أنّها زانية ، وأنّي ما قربتها منذ أربعة أشهر ، وأنّي لمن الصادقين » . ثمّ قال في الخامسة : « قل لعنة الله على عويمر - يعني نفسه - إن كان من الكاذبين فيما قال » .

ثمّ قال : « اقعد » وقال لخولة : « قومي » فقامت ، وقالت : أشهد بالله ما أنا بزانية ، وأنّ زوجي عويمرا لمن الكاذبين. وقالت في الثانية : أشهد بالله أنّي حبلى منه ، وأنّه لمن الكاذبين ، وقالت في الرابعة : أشهد بالله أنّه ما رآني على فاحشة قطّ وأنّه لمن الكاذبين ، وقالت في الخامسة : غضب الله على خولة إن كان عويمر من الصادقين في قوله ، ففرّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بينهما (١) .

وفي رواية اخرى : عن ابن عباس : أنّ عاصما ذات يوم رجع إلى أهله ، فوجد شريكا على بطن امرأته إلى آخر ما تقدّم (٢) .

وفي رواية ثالثة عنه : لمّا نزلت ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ﴾ قال سعد بن عبادة - وهو سيد الأنصار - : لو وجدت رجلا على بطن امرأتي فإن جئت بأربعة شهداء يكون قد قضى حاجته وذهب.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا معشر الأنصار ، أما تسمعون ما يقول سيدكم ؟ » فقالوا : يا رسول الله ، لا تلمه فانّه رجل غيور. فقال سعد : يا رسول الله ، والله إني لأعلم أنّها من الله ، وأنّها حقّ ، ولكنّي عجبت منه. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله يأبى إلّا ذلك » .

قال : فلم يلبثوا إلّا إذ جاء ابن عمّ له يقال له هلال بن امية - وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم - فقال : يا رسول الله ، إنّي وجدت مع أمرأتي رجلا رأيت بعيني وسمعت باذني ، فكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما جاء به. فقال هلال : والله يا رسول الله لأجد الكراهة في وجهك ممّا أخبرتك به ، والله يعلم أنّي

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٣ : ١٦٤.

(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ١٦٥.

٤١٠

لصادق ، وما قلت إلّا حقا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إمّا البيّنة ، وإمّا إقامة الحدّ عليك » .

فاجتمعت الأنصار ، فقالوا : ابتلينا بما قال سعد ، فبينما هم كذلك إذ نزل عليه الوحي ، وكان إذا نزل عليه الوحي أربدّ وجهه ، وعلا جسده حمرة ، فلمّا سرّي عنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ابشر يا هلال ، فقد جعل الله لك فرجا » قال : قد كنت أرجو ذلك من الله تعالى ، فقرأ عليهم هذه الآيات.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ادعوها » فدعيت فكذّبت هلالا ، فقال : الله يعلم أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب ، وأمر بالملاعنة ، فشهد هلال أربع شهادات بالله أنّه لمن الصادقين ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله له عند الخامسة : « اتّق الله يا هلال ، فانّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة » فقال : والله لا يعذّبني الله عليها ، كما لم يجلدني رسول الله ، وشهد الخامسة.

ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتشهدين » فشهدت أربع شهادات بالله أنّه لمن الكاذبين ، فلمّا أخذت في الخامسة قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لها : « اتّقي الله فانّ الخامسة هي الموجبة » فتفكّرت ساعة وهمّت بالاعتراف ، ثم قالت : والله لا أفضح قومي ، وشهدت الخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ففرّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بينهما ، ثمّ قال : « انظروها إن جاءت به أبلج (١) أصهب أحمش الساقين (٢) فهو لهلال ، وإن جاءت به خدلّج الساقين (٣) أورق (٤) جعدا فهو لصاحبه » . فجاءت به أورق خدلّح الساقين. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو لا الإيمان لكان لي ولها شأن » .

قال عكرمة : رأيته بعد ذلك أمير مصر من الأمصار ولا يدرى من أبوه » (٥) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « أن رجلا من المسلمين أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، إن رجلا دخل منزله ، فوجد مع امرأته رجلا يجامعها ، ما كان يصنع ؟ قال : فأعرض عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانصرف الرجل ، وكان ذلك الرجل هو الذي ابتلى بذلك مع امرأته ، فنزل الوحي من عند الله بالحكم فيهما ، قال : فأحضرها زوجها فأوقفها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال للزوج : اشهد أربع شهادات بالله أنّك لمن الصادقين في ما رميتها به. قال : فشهد ، ثمّ قال له : اتق الله ، فانّ لعنة الله شديدة ، ثمّ قال له : اشهد الخامسة أنّ لعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين ، فشهد ، ثمّ أمر به فنحّي ، ثمّ قال للمرأة : اشهدي أربع شهادات بالله أنّ زوجك لمن الكاذبين في ما رماك به. فشهدت ، ثمّ قال لها : امسكي فوعظها وقال لها : اتقي الله ، فانّ غضب الله شديد. ثمّ قال لها : اشهدي الخامسة أنّ غضب الله عليك إن كان زوجك من

__________________

(١) الأبلج : المفترق الحاجبين ، الطلق الوجه ، وفي تفسير الرازي : أثيبج مصغّر أثبج ، وهو العريض الثّبج الناتئه ، والثّبج : ما بين الكاهل إلى الظهر.

(٢) أحمش الساقين : دقيق الساقين.

(٣) خدلّج الساقين : ممتلئ الساقين.

(٤) الأورق من الناس : الأسمر.

(٥) تفسير الرازي ٢٣ : ١٦٥.

٤١١

الصادقين في ما رماك به. فشهدت ، قال : ففرّق بينهما ، وقال لهما : لا تجتمعا بنكاح أبدا بعد ما تلاعنتما » (١) .

عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « هي في القاذف الذي يقذف امرأته ، فاذا قذفها ثمّ أقرّ أنه كذب عليها ، جلد الحدّ ، وردّت إليه امرأته ، وإن أبى إلّا أن يمضي فشهد عليها أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين ، والخامسة يلعن فيها نفسه إن كان من الكاذبين.

وإن أرادت أن تدرأ عن نفسها العذاب - والعذاب هو الرّجم - شهدت أربع شهادات بالله أنّه لمن الكاذبين ، والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، فان لم تفعل رجمت ، وإن فعلت درأت عن نفسها الحدّ ، ثمّ لا تحلّ إلى يوم القيامة » .

قيل : أ رأيت إن فرّق بينهما ولهما ولد فمات ؟ قال : « ترثه امّه ، وإن ماتت امّه يرثه أخواله ، ومن قال إنّه ولد زنا جلد الحدّ » .

قيل : يردّ إليه الولد إذا أقرّ به ؟ قال : « لا ولا كرامة ، ولا يرث الابن ، ويرثه الابن » (٢) .

وعنه عليه‌السلام : « إذا قذف الرجل امرأته ، فانه لا يلاعنها حتى يقول : رأيت بين رجليها رجلا يزني بها » (٣) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « يجلس الامام مستدبر القبلة ، فيقيمهما بين يديه مستقبلا القبلة بحذاه ، ويبدأ بالرجل ثمّ المرأة » (٤) .

وفي رواية : « يجعل الرجل عن يمينه ، والمرأة عن يساره » (٥) .

وعن الصادق عليه‌السلام في رجل أوقفه الامام للّعان ، فشهد شهادتين ، ثمّ نكل فأكذب نفسه قبل أن يفرغ من اللّعان ؟ قال : « يجلد جلد القاذف ، ولا يفرّق بينه وبين امرأته » (٦) .

وعن الجواد عليه‌السلام : أنه قيل له : كيف صار إذا قذف الرجل امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله ، وإذا قذفها غيره أب أو أخ أو ولد أو قريب جلد الحدّ ، أو يقيم البينة على ما قال ؟ فقال : « قد سئل أبو جعفر عن ذلك ، فقال : إنّ الزوج إذا قذف أمرأته فقال : رأيت ذلك بعيني ، كانت شهادته أربع شهادات بالله ، وإذا قال إنّه لم يره ، قيل له : أقم البيّنة على ما قلت ، وإلّا كان بمنزلة غيره ، وذلك أنّ الله جعل للزوج مدخلا لم يجعله لغيره والد ولا ولد يدخله بالليل والنهار ، فجاز أن يقول : رأيت ، ولو قال غيره : رأيت قيل له : ما أدخلك المدخل الذي ترى هذا فيه وحدك ، أنت متّهم فلا بدّ أن يقام عليك

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦٣ / ٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٠.

(٢) الكافي ٦ : ١٦٢ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٠.

(٣) الكافي ٦ : ١٦٣ / ٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٢.

(٤) الكافي ٦ : ١٦٥ / ١٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٢.

(٥) الكافي ٦ : ١٦٥ / ١١ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٢.

(٦) الكافي ٦ : ١٦٣ / ٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٢.

٤١٢

الحدّ الذي أوجبه الله عليك » .

قال : « وإنما صارت شهادة الزوج أربع لمكان الأربعة شهداء مكان كلّ شاهد [ يمين ] » (١) .

وعن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل : لم جعل في الزنا أربعة شهود ، وفي القتل شاهدان ؟ فقال : « [ إنّ ] الله عزوجل أحلّ لكم المتعة ، وعلم أنّها ستنكر عليكم ، فجعل الأربعة شهود احتياطا لكم ، لو لا ذلك لأتي عليكم ، وقلّما تجتمع أربعة شهداء بأمر واحد » (٢) .

وفي رواية اخرى قال : « الزنا فيه حدّان ، ولا يجوز أن يشهد كلّ اثنين على واحد ، لأنّ الرجل والمرأة جميعا عليهما الحدّ ، والقتل إنّما يقام الحدّ على القاتل ويدفع عن المقتول » (٣) .

﴿وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ

 بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا

 اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) و (١١)

ثمّ بيّن سبحانه منّته على عباده بتشريع اللّعان بقوله : ﴿وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ وإحسانه إليكم وإنعامه أيّها الرامون والمرميات ﴿وَ﴾ لو لا ﴿أَنَّ اللهَ تَوَّابٌ﴾ ومبالغ في قبول التوبة ﴿حَكِيمٌ﴾ في أفعاله وأحكامه التي من جملتها ما شرّع من حكم اللّعان ، لعاجلكم بالفضيحة وعقوبة حدّ القذف على الزوج أو حدّ الزنا على الزوجة ، أمّا أثر التفضّل والرحمة على الصادق فظاهر ، وأمّا على الكاذب فهو إمهاله والسّتر عليه في الدنيا ، ودرء الحدّ عنه ، وتعريضه للتوبة بتوصيف ذاته المقدسة بالتوابية.

ثمّ ذكر الله سبحانه قضية رمي المنافقين عائشة بما صانها الله منه لحرمة نبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ﴾ وصدر منهم أعظم الفرية والبهتان في أمر عائشة ﴿عُصْبَةٌ﴾ وجماعة ﴿مِنْكُمْ﴾ منافقون كعبد الله بن ابي ، ومسطح ، وزيد بن رفاعة ، وحمنة بنت جحش (٤) وغيرهم ممّن ساعدهم على ما قيل (٥) ، لا تتوهموا ذلك الإفك و﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ أيّها الرسول والمؤمنون ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ لاستحقاقكم به الثواب العظيم والكرامة على الله الكريم ، وكونه سبب نزول آيات فيها تشييد الحقّ ، وتضعيف الباطل ، وتشديد الوعيد في من تكلّم فيه ، والثناء على من ظنّ بالمؤمنين خيرا.

ثمّ هدّد سبحانه العصبة بقوله : ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ﴾ ورجل ﴿مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ﴾ وحصّل لنفسه ﴿مِنَ

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٣ / ٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٢.

(٢) علل الشرائع : ٥٠٩ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٢.

(٣) علل الشرائع : ٥١٠ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٣.

(٤) في النسخة : رحمته بنت عجش.

(٥) تفسير الرازي ٢٣ : ١٧٣.

٤١٣

الْإِثْمِ﴾ والعصيان وتبعاته من العذاب بالتكلّم فيه والإذعان به والضّحك منه والسّكوت وعدم النهي عنه ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى﴾ الإفك وتصدّى ﴿كِبْرَهُ﴾ ومعظمه ﴿مِنْهُمْ﴾ بأن أبداه وأشاعه عداوة للرسول ﴿لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ في الآخرة.

روى الزّهري عن جماعة ، عن عائشة أنّها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهنّ خرج اسمها خرج بها معه ، فأقرع بيننا في غزوة قبل غزوة بني المصطلق ، فخرج اسمي فيها ، فخرجت معه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك بعد نزول آية الحجاب ، فحملت في هودج ، فلمّا انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقرب من المدينة ، نزل منزلا ، ثمّ آذن بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، ومشيت حتى جاوزت الجيش ، فلمّا قضيت شأني وأقبلت إلى رحلي ، فلمست صدري ، فاذا عقد لي من جزع أظفار (١) قد انقطع ، فرجعت والتمست عقدي ، وحبسني طلبه ، وأقبل الرّهط الذين كانوا يحملوني ، فحملوا هودجي وهم يحسبون أني فيه لخفّتي ، فانّي كنت جارية حديثة السّن ، فظنّوا أني في الهودج ، وذهبوا بالبعير.

فلمّا رجعت لم أجد في المكان أحدا ، فجلست وقلت : لعلهم يعودون في طلبي ، فنمت وقد كان صفوان بن المعطّل يمكث في المعسكر يتّبع أمتعة الناس ، فيحمله إلى المنزل الآخر لئلا يذهب منهم شيء ، فلمّا رآني عرفني ، وقال : ما خلّفك عن الناس ؟ فأخبرته الخبر ، فنزل وتنحّى عنّي حتّى ركبت ، ثمّ قاد البعير.

وافتقدني الناس حين نزلوا ، وماج الناس في ذكري ، فبينا الناس كذلك ، إذ هجمت عليهم ، فتكلّم الناس وخاضوا في حديثي ، وقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة ، ولحقني وجع ، ولم أر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ما عهدته من اللّطف الذي كنت أعرفه منه حين أشتكي ، وإنّما يدخل صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ يقول : « كيف تيكم ؟ » فذاك يريبني ، ولا أشعر بما جرى بعد حتىّ نقهت ، فخرجت في بعض الليالي مع امّ مسطح لمهمّ لنا ، ثمّ أقبلت أنا وامّ مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت امّ مسطح في مرطها (٢) ، فقالت : تعس مسطح ، فأنكرت ذلك ، وقلت : أتسبّين رجلا شهد بدرا ؟ ! فقالت : أو ما بلغك الخبر ؟ فقلت : وما هو ؟ فقالت : أشهد أنّك من المؤمنات الغافلات ، ثمّ أخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا على مرضي ، فرجعت أبكي.

ثمّ دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : « كيف تيكم ؟ » فقلت : ائذن لي أن آتي أبويّ فأذن لي ، فجئت

__________________

(١) الجزع : ضرب من العقيق يعرف بخطوط متوازية مستديرة مختلفة الألوان ، وأظفار : اسم موضع.

(٢) المرط : كساء من خزّ أو صوف أو كتّان يؤتزر به وتتلفّع به المرأة.

٤١٤

أبويّ ، وقلت [ لامي ] : يا أمّة ، ماذا يتحدّث الناس ؟ قالت : يا بنية هوّني عليك ، فو الله لقلّما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبّها ولها ضرائر إلّا أكثرن عليها. ثمّ قالت : ألم تكوني علمت ما قيل حتى الآن ؟ فأقبلت أبكي ، فبكيت تلك الليلة ، ثمّ أصبحت أبكي ، فدخل عليّ أبي وأنا أبكي ، فقال لامي : ما يبكيها ؟ قالت : لم تكن علمت ما قيل فيها حتى الآن ، فأقبل يبكي (١) ، ثمّ قال : اسكتي يا بنية.

ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب واسامة بن زيد ، واستشارهما في فراق أهله ، فقال اسامة : يا رسول الله ، هن (٢) أهلك ولا نعلم الّا خيرا ، وأما عليّ فقال : « لم يضيّق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك » . فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بريرة وسألها عن أمري ، قالت : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أكثر من أنّها جارية حديثة السنّ تنام عن عجين أهلها حتى تأتي الداجن فتأكله.

فقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خطيبا على المنبر فقال : « يا معشر المسلمين ، من يعذرني (٣) من رجل قد بلغني أذاه في أهلي - يعني عبد الله بن أبي - فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا ، ولقد ذكروا الذي (٤) ما علمت عليه إلّا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلّا معي » .

فقام سعد بن معاذ فقال : اعذرك يا رسول الله منه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج فما أمرتنا [ فعلنا ] ، فقام سعد بن عبادة ، وهو سيد الخزرج ، وكان رجلا صالحا ، لكن أخذته الحميّة ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت والله لا تقدر على قتله. فقام اسيد بن خضير ، وهو ابن عم سعد بن معاذ وقال : كذبت والله لتقتلنّه ، وإنك لمنافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج حتى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر ، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا.

قالت : ومكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ، وأبواي يظنّان أن البكاء فالق كبدي ، فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي ، إذ دخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلّم وجلس ، ولم يجلس عندي منذ قيل فيّ ما قيل ، ولقد لبث شهرا لا يوحي الله إليه في شأني شيئا. ثمّ قال : « أما بعد يا عائشة ، فانه قد بلغني عندك كذا وكذا ، فان كنت بريئة فسيبرئك الله تعالى ، وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فانّ العبد إذا تاب تاب الله عليه » .

قالت : فلمّا قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مقالته فاض دمعي ، ثمّ قلت لأبي : أجب رسول الله عني. فقال : والله ما أدري ما أقول. فقلت لامّي : أجيبي عنّي رسول الله. فقالت : والله ما أدري ما أقول ، فقلت وأنا

__________________

(١) في النسخة : فأقبلت تبكي.

(٢) في تفسير الرازي : هم.

(٣) أي ينصفني.

(٤) في تفسير الرازي : ذكروا رجلا.

٤١٥

جارية حديثة السنّ ما أقرأ من القرآن كثيرا : إنّي والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به ، فان قلت لكم إنّي بريئة لا تصدّقوني ، وإن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة تصدّقوني ، والله لا أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال العبد الصالح أبو يوسف ولم أذكر أسمه : ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ(١) .

ثمّ تحولت واضطجعت على فراشي وأنا والله أعلم أنّ الله تعالى يبرّئني ، ولكن والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى ، فشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله فيّ بأمر يتلى ، ولكن كنت ارجو أن يرى الرسول في النوم رؤيا يبرّئني الله بها. فو الله ما قام رسول الله من مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله الوحي على نبيّه ، فأخذه ما كان يأخذه عند نزول الوحي حتى إنّه لينحدر عنه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل الوحي ، فسجّي بثوب ووضعت وسادة تحت رأسه ، فو الله ما فرغت وما باليت لعلمي ببراءتي ، وأما أبواي فو الله ما سرّي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى ظننت أنّ نفسي أبوي ستخرجان فرقا من أن يأتي الله بتحقيق ما قال الناس ، فسرّي عنه وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلّم بها أن قال : « ابشري يا عائشة ، أما والله لقد برّأك الله » . فقلت : بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد أصحابك. فقالت امّي : قومي إليه. فقلت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد أحدا إلّا الله الذي أنزل براءتي ، فأنزل الله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ العشر آيات.

فقال أبو بكر : والله لا انفق على مسطح بعد هذا ، وكان ينفق عليه لقرابته منه وفقره ، إلى أن قالت : فلمّا نزل عذري قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر ، فذكر ذلك ، وتلا القرآن ، فلمّا نزل ضرب عبد الله بن ابي ومسطحا وحمنة وحسان الحدّ (٢) .

أقول : في هذه الرواية التي وضعتها لاثبات شرفها بأن أوحى الله في شأنها آيات تتلى إلى يوم القيامة ، دلالة على كونها سببا لايذاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وجسارتها عليه ، وإثارة الفتنة ، وعلى عدم اطمئنان أبويها بعفّتها ، وعدم تعقّلها وتعقّل أبويها وجوب عصمة زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الفحش ، لكونه من أعظم الشّين عليه ، وعلى كون صلحاء أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين أهل العصبية والحمية الجاهلية ، وعلى كون بعض البدريين من أفسق الفسّاق ، إلى غير ذلك ممّا فيه دلالة على فساد اعتقاد العامة في حقّها وحقّ أصحاب النبي رووا في شأنهم أنّهم كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.

وقال القمي رحمه‌الله : روت العامة أنّها نزلت في عائشة وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة،

__________________

(١) يوسف : ١٢ / ١٨.

(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ١٧٤.

٤١٦

وأمّا الخاصة فإنّهم رووا أنّها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة (١) .

ثمّ روى عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : « لما هلك إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حزن عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حزنا شديدا ، فقالت له عائشة : ما الذي يحزنك عليه ، فما هو إلّا ابن جريح ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وأمره بقتله ، فذهب علي عليه‌السلام [ إليه ] ومعه السيف ، وكان جريح القبطي في حائط ، [ وضرب علي عليه‌السلام باب البستان ، فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب ، فلما رأى عليا عليه‌السلام عرف في وجهه الغضب ، فأدبر راجعا ولم يفتح الباب ، فوثب عليّ عليه‌السلام على الحائط ] ونزل إلى البستان واتّبعه ، وولى جريح مدبرا ، فلمّا خشي أن يرهقه صعد في نخلة ، وصعد علي عليه‌السلام في أثره ، فلمّا دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة ، فبدت عورته ، فاذا ليس له ما للرجال ، ولا له ما للنساء ، فانصرف علي عليه‌السلام إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : يا رسول الله ، إذا بعثتني في أمر أكون فيه كالمسمار المحميّ في الوبر ، أمضى على ذلك (٢) أو اتثبّت ، قال : لا ، بل تثبّت قال : والذي بعثك بالحقّ ماله ما للرجال ، ولا له ما للنساء. فقال [ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ] : الحمد لله الذي صرف عنّا السوء أهل البيت » (٣) .

وزاد في رواية اخرى : « فأتى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : ما شأنك يا جريح ؟ فقال : يا رسول الله ، إن القبط يحبّون حشمهم ومن يدخل إلى أهاليهم ، والقبطيون لا يأنسون إلّا بالقبطيين ، فبعثني أبوها لأدخل عليها وأخدمها وأؤنسها » (٤) .

وعن الصادق عليه‌السلام : أنّه سئل : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بقتل القبطي وقد علم أنّها كذبت عليه ، أو لم يعلم ، وإنّما دفع الله عن القبطي القتل بتثبّت علي عليه‌السلام فقال : « بلى ، قد كان والله أعلم ، ولو كانت عزيمة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله القتل لما رجع عليّ عليه‌السلام حتى يقتله ، ولكن إنّما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لترجع عن ذنبها ، فما رجعت ، ولا اشتدّ عليها قتل رجل مسلم بكذبها » (٥) .

أقول : حاصل المراد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان عالما بكذب عائشة في رمي مارية ، وكان يعلم أنّ الله يظهر الحقّ ، وإنّما بعث عليا عليه‌السلام لذلك ، ولترجع عائشة عن ذنبها ، ولعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ترك جلدها لعفو مارية عنها لميل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليها.

إن قلت : ظاهر الآية أنّ الإفك صدر من جماعة حيث قال : ﴿إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ﴾ ومقتضى الرواية أنّه صدرت من عائشة فقط.

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ٩٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٣.

(٢) ( أمضي على ذلك ) ليس في تفسير القمي.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٩٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٣.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٣١٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٤.

(٥) تفسير القمي ٢ : ٣١٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٤.

٤١٧

قلت : نعم ، ولكن لمّا وافقتها عليه حفصة وأبواهما وبعض المنافقين الموافقين لأبويهما ، صار أهل الإفك جمعا كثيرا ، وأمّا ضمير الجمع في قوله : ﴿عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ فالظاهر أنّ المراد منه رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والخواصّ من المؤمنين كسلمان وأبي ذرّ وأضرابهما.

﴿لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ

 مُبِينٌ * لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ

 هُمُ الْكاذِبُونَ (١٢) و (١٣)

ثمّ أخذ سبحانه في تقريع المؤمنين الذين استمعوا هذا الإفك ، ولم يردعوا عنه ، بل تكلّموا فيه بقوله : ﴿لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ أيّها المؤمنون ، وهلّا حين أطّلعتم على هذا البهتان ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ﴾ بمقتضى وظيفتهم الايمانية ﴿بِأَنْفُسِهِمْ﴾ وبالذين هم بمنزلة روحهم ﴿خَيْراً ،﴾ وحسنا وطهارة منه ﴿وَ﴾ لما ﴿قالُوا :﴾ من غير ريث تكذيبا له ﴿هذا﴾ القول الشنيع في حقّ المؤمنين ﴿إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ وبهتان ظاهر ، وفي العدول من الخطاب في قوله : ﴿سَمِعْتُمُوهُ﴾ إلى الغيبة في قوله : ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ﴾ تأكيد للتوبيخ.

ثمّ لام سبحانه القاذفين بقوله : ﴿لَوْ لا جاؤُ﴾ وهلّا أتوا حين قالوا ما قالوا ﴿عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ﴾ عدول يشهدون بما قالوا ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ﴾ الأربعة ﴿فَأُولئِكَ﴾ الخائضون في الإفك ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وفي حكمه ﴿هُمُ الْكاذِبُونَ﴾ في الظاهر والباطن بخلاف ما إذا أتوا بالشهداء فانّهم صادقون في الظاهر ، وإن كانوا كاذبين في الباطن ، لامتناع صدور هذا العمل الشنيع من أزواج الأنبياء - عن ابن عباس : ما زنت (١) امرأة نبيّ قطّ (٢) - لما في ذلك من التنفّر عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلحاق الوضمة به.

﴿وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ

 عَذابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ

 وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (١٤) و (١٥)

ثمّ أظهر سبحانه شدّه غضبه على الخائضين في الإفك ومنّته عليهم بالامهال بقوله : ﴿وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ﴾ أيّها الخائضون ﴿وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا﴾ من أنواع النّعم التي من جملتها الإمهال للتوبة

__________________

(١) في تفسير الرازي : ما بغت ، وفي تفسير روح البيان : لم تبغ.

(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٥٠ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٢٥.

٤١٨

﴿وَ﴾ في ﴿الْآخِرَةِ﴾ من ضروب الآلاء التي من جملتها العفو والمغفرة المقدّران والله ﴿لَمَسَّكُمْ﴾ ولأصابكم عاجلا ﴿فِيما أَفَضْتُمْ﴾ وبسبب ما خضتم ﴿فِيهِ﴾ من حديث الإفك ﴿عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ يستحقر دونه كلّ عذاب ، فضلا عن التوبيخ والجلد.

ثمّ بيّن سبحانه وقت المسّ ، أو وقت الإفاضة والخوض في الإفك بقوله : ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ وتأخذونه من غيركم حين ملاقاة بعضكم لبعض ﴿بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ حتى شاع وانتشر هذا الحديث بين الناس بحيث لم يبق بيت إلّا طار فيه على ما قيل (١) .

﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ﴾ قولا ليس معناه في قلوبكم لكونه ﴿ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ واعتقاد ، مع أنّ الواجب أن يكون القول ناشئا عن الاعتقاد بمدلوله في القلب ﴿وَتَحْسَبُونَهُ﴾ وتتوهّمونه ﴿هَيِّناً﴾ وسهلا لا تبعة له ﴿وَهُوَ عِنْدَ اللهِ﴾ وفي حكمه ﴿عَظِيمٌ﴾ غايته لاستتباعه الذلّ والهوان في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة ، فانّ الافتراء على المؤمن خصوصا مثل هذا الافتراء الذي ليس أعظم منه من أكبر الكبائر ، ولذا كان عذابه أشدّ العذاب وأعظمه.

﴿وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ

 * يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ

 وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٦) و (١٨)

ثمّ بالغ سبحانه في توبيخ الخائضين في الإفك بقوله : ﴿وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ من المخترعين له ﴿قُلْتُمْ﴾ تكذيبا له وتبرّءا من موافقتهم ﴿ما يَكُونُ﴾ حلالا ﴿لَنا﴾ من جانب الله ﴿أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا﴾ الكلام الشنيع ، وهلّا قلتم تعجبا من إجترائهم على التفوّه به ﴿سُبْحانَكَ هذا﴾ الإفك الذي هو من أشنع الشنائع ﴿بُهْتانٌ﴾ وافتراء ﴿عَظِيمٌ﴾ عند الله ؟ لشدّة قبحه ، وسوء عاقبته ، ووضوح كذبه ، لدلالة العقل على امتناعه ، لكونه شينا على النبيّ المنزّه من كلّ شين.

ثمّ زجرهم سبحانه من إتيان مثله بقوله : ﴿يَعِظُكُمُ اللهُ﴾ وينصحكم أيّها الخائضون في حديث الإفك بهذه المواعظ التي تعرفون بها عظمة هذا الذنب ، كراهة ﴿أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ﴾ وترتكبون نظيره في مدّة حياتكم ﴿أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بالله ورسوله واليوم الآخر ، فانّ الايمان اقوى الروادع من المعاصي ، وفيه تهييج وتقريع.

ثمّ نبّه سبحانه على عظيم منّته بقوله : ﴿وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ﴾ الدالة على الشرائع ومحاسن

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٣ : ١٧٩ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٢٧.

٤١٩

الآداب دلالة واضحة ، لتتّعظوا بها وتتأدّبوا باداب الله ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ﴾ بمصالح عباده وأحوالهم الظاهرة والباطنة ﴿حَكِيمٌ﴾ في أحكامه وتدابيره.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي

 الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩)

ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّ الرامين بالفحش والجائين بالإفك وإيعادهم بالعذاب ، بيّن اشتراك المحبّين لإشاعة الفواحش بين المؤمنين في جميع ذلك بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ﴾ ويريدون ﴿أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ﴾ وتنتشر القبائح العظيمة ﴿فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بقلوبهم وألسنتهم ﴿لَهُمْ﴾ بسبب ذلك ﴿عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا﴾ من الحدّ والفضيحة ﴿وَ﴾ في ﴿الْآخِرَةِ﴾ من النار وسائر الشدائد ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ﴾ خفيّات الامور وجليّاتها ، وضمائر العباد وظواهرهم ، فيجازيهم على ضمائرهم كما يجازيهم على ظواهرهم ﴿وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ إلّا ما علّمكم الله من ظواهرهم ، فعاملوهم بها.

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إني لأعرف قوما يضربون صدروهم ضربا يسمعه أهل النار ، وهم الهمّازون اللّمازون الذين يلتمسون عورات المسلمين ، ويهتكون ستورهم ، ويشيعون فيهم من الفواحش ما ليس فيهم » (١) .

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يستر عبد مؤمن عورة مؤمن إلّا ستره الله يوم القيامة » (٢) .

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هاجر (٣) ما نهى الله عنه » (٤) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اذناه ، فهو من الذين قال الله عزوجل : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ﴾ الآية » (٥) .

وعن الكاظم عليه‌السلام أنه قيل له : الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه ، فأسأله عنه فينكر ذلك ، وقد أخبرني عنه قوم من الثقات ؟ فقال : « كذّب سمعك وبصرك عن أخيك ، وإن شهد عندك خمسون قسامة ، وقال لك قولا فصدّقه وكذّبهم ، ولا تذيعن عليه شيئا تشينه به وتهدم به مروءته ، فتكون من الذين قال الله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ﴾ الآية » (٦) .

وعن الصادق عليه‌السلام : قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أذاع فاحشة كان كمبتديها » (٧) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٣ : ١٨٣.

(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ١٨٣.

(٣) في تفسير الرازي : هجر.

(٤) تفسير الرازي ٢٣ : ١٨٣.

(٥) تفسير القمي ٢ : ١٠٠ ، الكافي ٢ : ٢٦٦ / ٢ ، أمالي الصدوق : ٤١٧ / ٥٤٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٦.

(٦) الكافي ٨ : ١٤٧ / ١٢٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٦.

(٧) الكافي ٢ : ٢٦٥ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٦.

٤٢٠