نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٤

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي

نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
ISBN: 964-309-762-5
ISBN الدورة:
964-309-765-X

الصفحات: ٦٢٠

وتهييجا شديدا بأنواع الوساوس والتسويلات.

وعن القمي : نزلت في مانعي الخمس والزكاة والمعروف ، يبعث الله عليهم شيطانا ، فينفق ما يجب عليه من الزكاة في غير طاعة الله ، ثمّ يعذّبه على ذلك (١) .

﴿فَلا تَعْجَلْ﴾ في نزول العذاب ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وهلاكهم حتى تستريح أنت والمؤمنون من شرّهم ، وتطهّر الأرض من لوث وجودهم ، وتأمنها من فسادهم ﴿إِنَّما نَعُدُّ﴾ أيّام آجالهم وأنفاسهم ﴿لَهُمْ عَدًّا﴾ فإنّه لم يبق من عمرهم إلّا أيّام قليلة وأنفاس محصورة.

روي أن ابن عباس إذا قرأها بكى ، وقال : آخر العدد خروج نفسك ، آخر العدد فراق أهلك ، آخر العدد دخول قبرك (٢) .

عن الصادق عليه‌السلام : أنّه سئل عن قول الله تعالى : ﴿إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾ قال : « ما هو عندك ؟ » قال السائل : عدد الأيّام ، قال : « إنّ الآباء والامّهات يحصون ذلك ، [ لا ] ولكنّه عدد الأنفاس»(٣) .

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « نفس المرء خطاه إلى أجله » (٤) .

وقيل : إنّ المعنى إنّما نعدّ [ أنفاسهم و] أعمالهم عدّا ، فنجازيهم على قليلها وكثيرها (٥) .

وقيل : يعني إنّما نعدّ الأوقات إلى وقت الأجل المقدّر لكلّ منهم (٦) ، ثمّ نعذّبهم على أعمالهم.

﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً

 * لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٥) و (٨٧)

ثمّ عيّن سبحانه وقت كفرهم بعبادة الأصنام وابتلائهم بالعذاب بقوله : ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ﴾ فيه ﴿الْمُتَّقِينَ﴾ والمحترزين من الشّرك والعصيان ، ونخرجهم من قبورهم أحياء ، أو نجمعهم ﴿إِلَى﴾ محلّ كرامة ﴿الرَّحْمنِ﴾ وربّهم الرّحيم بهم حال كونهم ﴿وَفْداً﴾ وقادمين عليه راجين لثوابه وإنعامه ، كما ينزل المحتاجون على الملوك طامعين لجوائزهم.

وقيل : إنّ المعنى أذكر يا محمّد اليوم الذي نميّز بين المتّقين والمجرمين ، بأن نحشر أهل الإيمان والطاعة إلى رحمة الرّحمن كالأضياف النّازلين على الملك الكريم.

روى بعض العامة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال : « ما يحشرون والله على أرجلهم ، ولكن على نوق رحالها ذهب ، وعلى نجائب سرجها ياقوت ، وأزمّتها زبرجد ، ثمّ ينطلق بهم حتى يقرعوا باب

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ٥٣.

(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٣٥٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢٥٩ / ٣٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٣.

(٤) نهج البلاغة : ٤٨٠ الحكمة ٧٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٣.

(٥ و٦) تفسير الرازي ٢١ : ٢٥٢.

٢٠١

الجنّة » (١) .

وعن الصادق عليه‌السلام ، قال : « سأل علي عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تفسير هذه الآية ، قال : يا علي ، إنّ الوفد لا يكونون إلّا ركبانا ، اولئك رجال اتقوا الله ، فأحبّهم الله واختصّهم ورضى أعمالهم فسمّاهم المتّقين ، ثم قال : يا علي ، أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ، إنّهم ليخرجون من قبورهم وإنّ الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العزّ عليها رحال الذّهب مكلّلة بالدّر والياقوت ، وجلالها الاستبرق والسّندس ، وخطامها جدل الأرجوان ، وزمامها من زبرجد ، فتطير بهم إلى المحشر ، مع كلّ رجل منهم ألف ملك من قدّامة وعن يمينه وعن شماله ، يزفّونهم زفّا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنّة الأعظم.

وعلى باب الجنّة شجرة ، الورقة منها يستظلّ تحتها مائة ألف من النّاس ، وعن يمين الشجرة عين مطهّرة مزكّية ، يسقون منها شربة شربة ، فيطهّر الله بها قلوبهم من الحسد ، ويسقط عن أبشارهم الشّعر ، وذلك قوله : ﴿وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً(٢) من تلك العين المطهّرة ، ثمّ ينصرفون إلى عين اخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون فيها ، وهي عين الحياة فلا يموتون أبدا.

ثمّ يوقف بهم قدّام العرش ، وقد سلموا من الآفات والأسقام والحرّ والبرد أبدا ، فيقول الجبّار للملائكة الذين معهم : احشروا أوليائي إلى الجنّة فلا توقفوهم مع الخلائق فقد سبق رضائي عنهم ، ووجبت رحمتي لهم ، فكيف اريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيّئات ، فتسوقهم الملائكة إلى الجنّة ، فإذا انتهوا إلى باب الجنّة الأعظم ضرب الملائكة الحلقة ضربة فتصرّ صريرا ، فيبلغ صوت صريرها كلّ حوراء خلقها الله وأعدّها لأوليائه ، فيتباشرن إذا سمعن (٣) صرير الحلقة ، وتقول بعضهنّ لبعض : قد جاءنا أولياء الله ، فيفتح لهم الباب ، فيدخلون الجنّة ، فيشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين ، فيقلن : مرحبا بكم ، فما أشوقنا إليكم ! ويقول لهنّ أولياء الله مثل ذلك » (٤) .

وعن القمي - في رواية - فقال علي عليه‌السلام : « من هؤلاء يا رسول الله ؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هؤلاء شيعتك يا علي ، وأنت إمامهم ، وهو قول الله عزوجل : ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً(٥) على الرحائل ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ﴾ والعصاة كما تساق البهائم بإهانة واستخفاف ﴿إِلى جَهَنَّمَ﴾ حال كونهم ﴿وِرْداً﴾ ومشاة عطاشا ، وعباد الله ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ﴾ لأحد ولا يقدرون عليها ﴿إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً﴾ وإذنا ، فكيف بالأصنام التي لا قدر لها عند الله حتى تقبل شفاعتها ، ويأذن لها

__________________

(١) تفسير روح البيان ٥ : ٣٥٦.

(٢) الانسان : ٧٦ / ٢١.

(٣) في النسخة : فيتباشرون بهم إذا سمعوا.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٥٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٤.

(٥) تفسير القمي ٢ : ٥٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٥.

٢٠٢

فيها في حقّ أحد.

وقيل : يعني لا يملك المشركون الشّفاعة لأحد ، ولكنّ الشفاعة لمن اتّخذ عند الرحمن عهدا ، وهو الإيمان ، فإنّ المؤمنين هم الشّفعاء فيشفعون (١) .

عن ابن مسعود : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه ذات يوم : « أيعجز أحدكم أن يتّخذ كلّ صباح ومساء عند الله عهدا ؟ » . قالوا : وكيف ذلك ؟ قال : « يقول كلّ صباح ومساء : اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، إنّي أعهد إليك بأنّي أشهد أن لا إله إلّا أنت ، وحدك لا شريك [ لك ] ، وأنّ محمّدا عبدك ورسولك ، وأنّك إن تكلني إلى نفسي تقرّبني من الشرّ ، وتباعدني من الخير ، وإنّي لأثق برحمتك ، فاجعل لي عهدا توفّينيه يوم القيامة ، إنّك لا تخلف الميعاد. فإذا قال ذلك طبع [ الله ] عليه بطابع ، ووضع تحت العرش ، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الذين لهم عند الرحمن عهد ؟ فيدخلون الجنّة » (٢) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « لا يشفع لهم ولا يشفعون ﴿إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً﴾ يعني إلّا من أذن له بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمّة عليهم‌السلام من بعده ، فهو العهد عند الله » (٣) .

وعنه عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لم يحسن وصيّته عند موته كان نقصا في مروءته. قيل : يا رسول الله ، كيف يوصي عند الموت ؟ قال : إذا حضرته الوفاة واجتمع الناس إليه قال : اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، إنّي أعهد في دار الدنيا ، أنّي أشهد أن لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك ، وأنّ محمدا عبدك ورسولك ، وأنّ الجنّة حقّ ، وأنّ النار حقّ ، وأنّ البعث حقّ ، والحساب حقّ ، [ والقدر ] والميزان حقّ ، وأنّ الدّين كما وصفت ، وأنّ الإسلام كما شرّعت ، وأنّ القول كما حدّثت ، وأن القرآن كما أنزلت ، وأنّك أنت الله [ الملك ] الحقّ المبين ، جزى الله محمّدا خير الجزاء ، وحيّى الله محمّدا وآل محمّد بالسّلام.

اللهمّ يا عدّتي عند كربتي ، ويا صاحبي عند شدّتي ، ويا وليي في نعمتي ، إلهي وإله آبائي ، لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا ، فإنّك إن تكلني إلى نفسي طرفة عين كنت أقرب من الشرّ وأبعد من الخير ، فآنس في القبر وحشتي ، واجعل لي عهدا يوم القاك منشورا.

ثمّ يوصي بحاجته ، وتصديق هذه الوصيّة في سورة مريم ، في قوله عزوجل : ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ

__________________

(١) تفسير روح البيان ٥ : ٣٥٦ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٢٨٢ ، وفيهما لا يملك المجرمون بدل المشركون.

(٢) تفسير الرازي ٢١ : ٢٥٣ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٥٦.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٥٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٥.

٢٠٣

إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً﴾ فهذا عهد الميت ، والوصيّة حقّ على كلّ مسلم ، وحقّ عليه أن يحفظ هذه الوصيّة ويتعلّمها ، وقال علي عليه‌السلام : علّمنيها رسول الله ، وقال : علّمنيها جبرئيل » (١) .

﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا * تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ

 مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً * وَما يَنْبَغِي

 لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ

 عَبْداً * لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٨٨) و (٩٥)

ثمّ أنّه تعالى بعد ردّ عبدة الأصنام ، ردّ القائلين بأنّ لله ولدا من اليهود والنصارى وطائفة من قريش بقوله : ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً.

عن الصادق عليه‌السلام : « هذا حيث قالت [ قريش ] : إنّ الله عزوجل اتّخذ ولدا من الملائكة إناثا»(٢).

ثمّ وجّه الخطاب إليهم توبيخا لهم بقوله : ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا﴾ وأدّعيتهم ادّعاء عجيبا ، وقلتم قولا منكرا فظيعا ﴿تَكادُ﴾ وتقرب من فظاعة هذا القول ﴿السَّماواتُ﴾ من أن ﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾ وينقطعن ﴿مِنْهُ﴾ من فوقكم ﴿وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ﴾ وتنصدع أجزاؤها من تحتكم ﴿وَتَخِرُّ﴾ وتنهدّ ﴿الْجِبالُ﴾ الرواسي ﴿هَدًّا﴾ وتنهدم هدما شديدا.

والمعنى أنّ عظم تلك الكلمة بحيث لو تصوّرت بصورة محسوسة جسمانية لا تتحمّلها هاتيك الأجرام العظام ، بل لتفتّتت (٣) من ثقلها ، أو المراد أنّ فظاعتها في استجلاب الغضب واستيجاب السّخط بحيث لو لا حلم الله تعالى لخرب العالم وبدّد قوائمه (٤) غضبا على المتفوّهين بها لأجل ﴿أَنْ دَعَوْا﴾ وسمّوا ﴿لِلرَّحْمنِ﴾ الخالق لكلّ شيء ﴿وَلَداً﴾ من ذكر أو إناث ﴿وَ﴾ الحال أنّه ﴿ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ﴾ وما يليق به ﴿أَنْ يَتَّخِذَ﴾ لنفسه مع كمال قدرته وغناه ﴿وَلَداً﴾ لاستحالته كاستحالة أخذ الشريك ، لوضوح أنّه ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ من الملائكة والأنبياء وغيرهما ، وما أحد منهم ﴿إِلَّا﴾ أنّه ﴿آتِي الرَّحْمنِ﴾ وملتجئ إليه حال كونه ﴿عَبْداً﴾ مملوكا منقادا خاضعا ، راجيا منه الإنعام والتفضّل ، ولا يكون الولد عبدا لوالده ، وكلّهم محاطون بعلمه وقدرته ، بحيث إنّه تعالى ﴿لَقَدْ أَحْصاهُمْ﴾ وحصرهم ﴿وَعَدَّهُمْ﴾ بالأشخاص والأنفاس والآجال ﴿عَدًّا﴾ بالغا ﴿وَكُلُّهُمْ

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ٥٥ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ١٣٨ / ٤٨٢ ، الكافي ١ : ٢ / ١ ، التهذيب ٩ : ١٧٤ / ٧١١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٥.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٥٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٦.

(٣) في النسخة : تفتتت.

(٤) في النسخة : قوائمها.

٢٠٤

آتِيهِ﴾ واحدا بعد واحد ، كما عن الصادق عليه‌السلام (١)﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ للعرض عليه ﴿فَرْداً﴾ وحيدا ، لا ناصر لهم ولا تابع.

في الحديث القدسي : « كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأمّا تكذيبه إيّاي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وأمّا شتمه إيّاي فقوله : إتّخذ الله ولدا » (٢) .

أقول : إنّما يكون شتما لأنّ فيه نسبة الاحتياج.

وعن أمير المؤمنين : « أنّ الشجر لم يزل حصيدا كلّه حتى دعا للرحمن ولدا » إلى أن قال : « فعند ذلك اقشعرّ الشّجر ، وصار له شوك حداد » (٣) .

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦)

ثمّ أنّه تعالى بعد بيان سوء عقائد المشركين وسوء حالهم وعداوتهم للمؤمنين ، ذكر حسن حال المؤمنين ومحبوبيّتهم عند الله وعند خلقه بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بوحدانيّة الله ورسالة رسوله ودار جزائه ﴿وَعَمِلُوا﴾ الأعمال ﴿الصَّالِحاتِ﴾ والمرضيّات عند الله ﴿سَيَجْعَلُ﴾ ويحدث البتّة ﴿لَهُمُ الرَّحْمنُ﴾ برحمته الواسعة ﴿وُدًّا﴾ في القلوب وحبّا في الصدور بلا سبب ظاهر سوى الإيمان والعمل الصالح ، كما جعل في قلوب أعدائهم الرّعب والهيبة منهم.

قيل : كان المؤمنون ممقوتين في مكّة عند المشركين ، فوعدهم الله ذلك بعد قوّة الإسلام (٤) .

وقيل : إنّ ذلك في القيامة ، فإنّه تعالى يحبّبهم إلى خلقه بما يعرض من حسناتهم (٥) ، وينشر من ديوان أعمالهم.

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الآية : « إذا أحبّ الله عبدا نادى جبرئيل : قد أحببت فلانا فأحبّوه ، فينادي جبرئيل بذلك في السماء والأرض ، وإذا أبغض فمثل ذلك » (٦) .

وعن كعب الأحبار قال : مكتوب في التوراة والإنجيل : لا محبّة لأحد في الأرض حتى يكون ابتداؤها من الله تعالى ، ينزّلها على أهل السماء ، ثمّ على أهل الأرض ، وتصديق ذلك في القرآن قوله :

﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا(٧) .

وقال العلامة رضوان الله عليه في ( نهج الحقّ ) : روى الجمهور عن ابن عباس ، قال : نزلت في أمير

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ٥٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٧.

(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٣٥٨.

(٣) تفسير القمي ١ : ٨٥ و٨٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٧ ، وفيهما زيادة : حذار أن ينزل به العذاب.

(٤) تفسير الرازي ٢١ : ٢٥٥ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٥٩.

(٥-٧) تفسير الرازي ٢١ : ٢٥٥.

٢٠٥

المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، قال : الودّ المحبّة في قلوب المؤمنين (١) .

وقال القاضي في ( إحقاق الحقّ ) : الرواية مذكورة في ( تفسير الرازي والنيشابوري ) وكتاب ( الصواعق المحرقة ) لابن حجر ، ونقل عنه أنّه قال : وصحّ أنّ العبّاس شكا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يلقون من قريش [ من ] تعبيسهم وجوههم ، وقطعهم حديثهم عند لقائهم ، فغضب صلى‌الله‌عليه‌وآله غضبا شديدا حتى احمرّ وجهه ودرّ عرق بين عينيه ، وقال : « والّذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبّكم (٢) لله ورسوله » (٣) .

عن الصادق عليه‌السلام قال : « سبب نزول هذه الآية أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان جالسا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : قل يا عليّ : اللهمّ اجعل لي في قلوب المؤمنين ودّا ، فأنزل الله [ الآية ] » (٤).

وعنه عليه‌السلام : « دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين عليه‌السلام في آخر صلاته ، رافعا به صوته ، يسمع الناس ، يقول : اللهمّ هب لعليّ المودّة في صدور المؤمنين ، والهيبة والعظمة في صدور المنافقين ، فأنزل الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية » (٥) .

وعنه عليه‌السلام في هذه الآية ، قال : « ولاية أمير المؤمنين هي الودّ الذي قال الله » (٦) .

وعن الباقر عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام قل : اللهمّ اجعل لي عندك عهدا ، واجعل [ لي ] في قلوب المؤمنين ودّا ، فقالهما ، فنزلت الآية » (٧) .

وقيل : إنّ المراد سيجعل لهم الرحمن ودّهم ، أي محبوبهم في الجنّة (٨) .

﴿فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا * وَكَمْ أَهْلَكْنا

 قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٧) و (٩٨)

ثمّ أنّه تعالى بعد وعيد المشركين على الشّرك والعصيان ، ووعد المؤمنين على الإيمان والعمل الصالح ، بيّن أنّهما الغرض من إنزال القرآن بلغة العرب بقوله : ﴿فَإِنَّما يَسَّرْناهُ﴾ وسهّلنا عليك فهمه وتلاوته بأن جعلناه ﴿بِلِسانِكَ﴾ ولغتك.

وقيل : إنّ باء ( بلسانك ) بمعنى على ، والتيسير متضمّن معنى الإنزال ، والفاء في ( إنّما ) فاء التعليل ، والمعنى بلّغ يا محمّد هذا المنزل ، أو بشّر به وأنذر ، لأنّا يسّرناه منزّلين له بلسانك ولغتك (٩)﴿لِتُبَشِّرَ بِهِ

__________________

(١) نهج الحق : ١٨٠.

(٢) في النسخة : يحبهم.

(٣) إحقاق الحق ٣ : ٨٧.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٥٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٧.

(٥) تفسير العياشي ٢ : ٣٠٢ / ١٩٩٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٧.

(٦) الكافي ١ : ٣٥٨ / ٩٠.

(٧) مجمع البيان ٦ : ٨٢٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٧.

(٨) تفسير الرازي ٢١ : ٢٥٦.

(٩) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٨٤.

٢٠٦

الْمُتَّقِينَ﴾ من الشّرك والعصيان بما أعدّ لهم في الآخرة من الثواب العظيم ﴿وَتُنْذِرَ﴾ وتخوّف ﴿بِهِ قَوْماً لُدًّا﴾ وجمعا لجوجا عنودا أو أشدّاء الخصومة ، وفي الحديث : « أبغض الرّجال الألدّ الخصم » (١) .

عن الصادق عليه‌السلام : ﴿ فَإِنَّما يَسَّرْناهُ﴾ يعني القرآن ، و﴿قَوْماً لُدًّا﴾ يعني أصحاب الكلام والخصومة » (٢) .

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قال : « هو عليّ و﴿قَوْماً لُدًّا﴾ قال : بنو اميّة قوما ظلمة » (٣) .

وعن الصادق عليه‌السلام ، قال : « فإنّما يسّره الله على لسانه حين أقام أمير المؤمنين علما ، فبشّر به المؤمنين ، وأنذر به الكافرين ، وهم الذين ذكرهم الله في كتابه لدّا أي كفّارا » (٤) .

ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر لجاج القوم ، هدّدهم ووعظهم بحال الامم الماضية المهلكة بقوله : ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا﴾ بالعذاب أو بالموت ﴿قَبْلَهُمْ﴾ وفي الأزمنة السابقة على زمانهم ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾ وأهل عصر من المكابرين للرّسل بحيث لم يبق منهم عين ولا أثر ، فانظر يا محمّد ﴿هَلْ تُحِسُ﴾ وتدرك بحواسّك ﴿مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ من أولئك القرون ﴿أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً﴾ وصوتا خفيّا.

عن الصادق عليه‌السلام في هذه الآية ، قال : « أهلك الله من الامم ما لا تحصون ، فقال : يا محمّد ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً﴾ أي ذكرا » (٥) .

عنه عليه‌السلام : « من أدمن قراءة سورة مريم ، لم يمت حتى يصيب ما يغنيه (٦) في نفسه وماله وولده ، وكان في الآخرة من أصحاب عيسى بن مريم ، واعطي (٧) من الأجر مثل ملك سليمان في الدنيا »(٨).

__________________

(١) تفسير روح البيان ٥ : ٣٦٠.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٥٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٨.

(٣) روضة الواعظين : ١٠٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٨.

(٤) الكافي ١ : ٣٥٨ / ٩٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٨.

(٥) تفسير القمي ٢ : ٥٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٨.

(٦) في النسخة : يغنيه ما يصيب.

(٧) زاد في ثواب الأعمال : في الآخرة.

(٨) ثواب الأعمال : ١٠٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٨.

٢٠٧
٢٠٨

في تفسير سورة طه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ

 خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى * الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (١) و (٥)

ثمّ لمّا ختم سبحانه السورة المباركة ببيان تيسير القرآن على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله للتّبشير والإنذار ، وهدّد معارضيه بذكر إهلاكه الامم الماضية بالشرك والطغيان ، أردفها بسورة طه المبتدئة بالتّأكيد في بيان غرض إنزال القرآن ، المتضمّنة لذكر هلاك فرعون وقومه وغيره من المطالب المناسبة للسّورة السابقة المختتمة بتهديد المشركين ، فابتدء فيها بذكر أسمائه المباركات بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ثمّ افتتحها بذكر الحروف المقطّعة بقوله : ﴿طه﴾ وقد مرّ في الطرفة الثامنة عشرة تأويلها ، وذكر أنّها من أسماء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما روي أنّه قال : « أنا محمّد ، وأنا أحمد ، والفاتح ، والقاسم ، والحاشر ، والعاقب ، والماحي ، وطه ، ويس » (١) .

وعن بعض العامة : أنّ الصادق عليه‌السلام قال : « إنّه قسم بطهارة أهل البيت وهدايتهم » (٢) .

وقيل : إنّه قسم بطوبى والهاوية. وقيل : بطيبة ومكّة. وقيل غير ذلك (٣) .

ثمّ خاطب نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : ﴿ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ﴾ يا محمّد ﴿لِتَشْقى﴾ وتقع في تعب الأسف والحزن على كفر قومك ، أو في تعب الجهد في إيمانهم ، أو في تعب العبادة بحيث تشرف على الهلاك.

روت العامة أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى باللّيل حتى تورّمت قدماه فقال له جبرئيل : أبق على نفسك ، فإنّ لها عليك حقّا (٤) .

ورووا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا قام في (٥) اللّيل ، ربط صدره بحبل حتى لا ينام (٦) .

__________________

(١) تفسير روح البيان ٥ : ٣٦١.

(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ٣ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٦١.

(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٣٦١.

(٤) تفسير الرازي ٢٢ : ٤.

(٥) في تفسير الرازي : من.

(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ٤.

٢٠٩

وقيل : كان يقوم على رجل واحدة. وقيل : كان يسهر طول الليل (١) .

والقمي عنهما عليهما‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صلّى قام على أصابع رجليه [ حتى تورّمت ] فأنزل الله ﴿طه﴾ بلغة طي يا محمّد ﴿ما أَنْزَلْنا﴾ الآية » (٢) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند عائشة ليلتها ، فقالت : يا رسول الله ، لم تتعب نفسك وقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟ فقال : أ فلا أكون عبدا شكورا ؟ »

قال : « وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم على أطراف أصابع رجليه ، فأنزل الله : ﴿طه ما أَنْزَلْنا﴾ الآية » (٣).

وعن الكاظم عليه‌السلام ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : « لقد قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورّمت قدماه واصفرّ وجهه ، يقوم الليل [ أجمع ] حتى عوتب عليه في ذلك ، فقال الله عزوجل : ﴿طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى﴾ بل لتسعد به » (٤) .

وقيل : إنّ السورة من أوائل ما نزل بمكّة ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله حينئذ مقهورا لأعدائه ، فأنزلت تسلية له ، والمراد أنّك لا تبقى على هذه الحالة من التعب والمشقّة من مكابدة الأعداء ، فإنّا ما أنزلنا عليك القرآن لتبقى شقيّا وموهونا بينهم ، بل لتصير معظّما مكرّما (٥) .

وقيل : إنّ جماعة من قريش قالوا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّك لتشقى حيث تركت دين آبائك. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « بل بعثت رحمة للعالمين » قالوا : بل أنت تشقى. فنزلت الآية ردّا عليهم ، وتعريفا لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ دين الإسلام هو السّلام ، والقرآن سبب لكلّ سعادة ، والكفر هو الشقاء (٦) .

ثمّ بيّن سبحانه حكمة إنزال القرآن بقوله : ﴿إِلَّا﴾ ليكون ﴿تَذْكِرَةً﴾ وعظة ﴿لِمَنْ يَخْشى﴾ سوء العاقبة ، ويتأثّر بالآيات والنّذر ، فإنّه المنتفع بها.

وقيل : إنّ ( إلّا ) بمعنى ( لكنّ ) (٧) .

ثمّ بيّن عظم شأن القرآن بقوله : ﴿تَنْزِيلاً﴾ قيل : أي نزّل تنزيلا (٨) متدرّجا بديعا ﴿مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى﴾ والمرفوعات ، وهو ﴿الرَّحْمنُ﴾ الّذي ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾ وسرير الملك ، أو عالم الوجود ﴿اسْتَوى﴾ واستولى بقدرته ، أو بعلمه وتدبيره ، أو بفيضه المنبسط على جميع الذرّات.

عن الصادق عليه‌السلام يقول : « على الملك احتوى » (٩) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٢ : ٤.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٥٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٩.

(٣) الكافي ٢ : ٧٧ / ٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٩.

(٤) الاحتجاج : ٢١٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٩.

(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ٤.

(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ٣.

(٧) تفسير الرازي ٢٢ : ٤.

(٨) تفسير الرازي ٢٢ : ٤.

(٩) التوحيد : ٣٢١ / ١ ، تفسير الصافي : ٣ : ٣٠٠.

٢١٠

﴿لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى * وَإِنْ تَجْهَرْ

 بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٦) و (٧)

وإنّما وصف ذاته بالرحمانيّة إشعارا بأنّ مبدأ خلق الموجودات رحمته الواسعة ﴿لَهُ﴾ تعالى ﴿ما فِي السَّماواتِ﴾ من الملائكة والكواكب وغيرهما ﴿وَما فِي الْأَرْضِ﴾ من الحيوان والنبات وغيرهما ، ﴿وَما بَيْنَهُما﴾ من المخلوقات في الجوّ كالهواء والسّحاب وغيرهما ﴿وَما تَحْتَ الثَّرى﴾ قيل : إنّه ما تحت الأرضين السبع (١) . وقيل : ما تحت الصخرة التي عليها الأرض [ السابعة ](٢) .

عن الصادق عليه‌السلام : « الأرض على الحوت ، والحوت على الماء ، والماء على الصخرة التي عليها ، والصخرة على قرن ثور أملس ، والثور على الثّرى ، وعند ذلك ضلّ علم العلماء » (٣) .

أقول : الرواية من المتشابهات المفوّض علمها إليهم عليهم‌السلام.

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « كلّ شيء على الثرى ، والثرى على القدرة ، والقدرة تحمل كلّ شيء » (٤) .

ثمّ بيّن سبحانه سعة علمه بقوله : ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ﴾ وتعلن ﴿بِالْقَوْلِ﴾ من الذّكر والدعاء ، فاعلم أنّه تعالى غني عن الجهر ﴿فَإِنَّهُ﴾ تعالى ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ﴾ والمكتوم ﴿وَأَخْفى﴾ منه.

عن الصادق عليه‌السلام : « السرّ : ما أكننته في نفسك ، وأخفى : ما خطر ببالك ثمّ نسيته » (٥) .

وقيل : إنّ الأخفى ما ستسرّه فيما بعد ولا تعلمه (٦) .

﴿اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى * وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى * إِذْ رَأى

 ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى

 النَّارِ هُدىً * فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ

 بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (٨) و (١٢)

ثمّ أنّه تعالى بعد بيان كماله في الذات والصفات ، أعلن بتوحيده في الألوهيّة بقوله : ﴿اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ لا تنحصر أسماؤه وصفاته فيما ذكر ، بل ﴿لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى﴾ والصفات العليا كلّها ، وفي الإتيان بضمير الغائب مع حضوره عند كلّ شيء ، إشعار بغيبة ذاته وحقيقته عن درك الحواسّ

__________________

(١ و٢) تفسير أبي السعود ٦ : ٥.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٥٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٠.

(٤) الخصال : ٥٩٧ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٠.

(٥) معاني الأخبار : ١٤٣ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٠.

(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٣٦٦ ، وفيه : ما ستسرّه فيما سيأتي ، أي ما يلقيه الله في قلبك من بعد ، ولا تعلم أنك ستحدّث به نفسك.

٢١١

والعقول.

ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر لطفه بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر ألطافه بموسى بن عمران الذي هو دونه في القرب منه ، تقوية لقلبه الشريف ، وتحريضا له على تحمّل أعباء الرسالة ، وتقريرا لأمر التوحيد بقوله : ﴿وَهَلْ أَتاكَ﴾ وبلغك ﴿حَدِيثُ مُوسى﴾ عن ابن عباس : أ ليس قد أتاك خبره ؟ (١) وفي هذا الاستفهام المبالغة في إعجاب قصّته ﴿إِذْ رَأى ناراً﴾ روي أنّ موسى عليه‌السلام تزوّج صفوراء بنت شعيب ، ثمّ أستأذن منه في الخروج من مدين لزيارة امّه وأخيه هارون في مصر ، فخرج بأهله ، وأخذ على غير طريق خوفا من ملوك الشام ، فلمّا أتى وادي طوى ، وهو بالجانب الغربي من الطّور ، ولد له ولد في ليلة مظلمة ذات برد وشتاء وثلج ، وكانت ليلة الجمعة ، فقدح زنده ، فلم تخرج منه نار (٢) .

وقيل : كان موسى عليه‌السلام غيورا يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار ، لئلّا يروا امرأته ، فلذا أخطأ الرّفقة والطّريق ، فبينما هو في ذلك ، إذ رأى نارا من بعيد على يسار الطريق من جانب الطّور ، فظنّ أنّها من نيران الرّعاة (٣)﴿فَقالَ لِأَهْلِهِ﴾ وصحبه من امرأته وولده وخدمه : ﴿امْكُثُوا﴾ وتوقّفوا في مكانكم ، ولا تتّبعوني ﴿إِنِّي آنَسْتُ﴾ وشاهدت من البعيد ﴿ناراً﴾ فأذهب إليها ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ﴾ وشعلة أو جذوة ﴿أَوْ أَجِدُ﴾ بالسّؤال من القاعدين والمشرفين ﴿عَلَى النَّارِ﴾ عن الطريق ﴿هُدىً﴾ ورشادا إليه ، أو ما اهتدي به من دليل وعلامة ﴿فَلَمَّا﴾ فارق أهله ، وأسرع إلى النار و﴿أَتاها﴾ وانتهى سيره إليها.

عن ابن عبّاس : رأى شجرة خضراء ، أحاطت بها من أسفلها وأعلاها نار بيضاء تتّقد كأضوء ما يكون ، ولم ير هناك أحدا ، فوقف متعجّبا من شدّة ضوء تلك النار ، وشدّة خضرة تلك الشجرة ، فلا النّار تغيّر خضرتها ، ولا كثرة ماء الشجرة تغيّر ضوء النار ، فسمع تسبيح الملائكة ، ورأى نورا عظيما تكلّ الأبصار عنه ، فوضع يديه على عينيه ، وخاف وبهت ، فالقيت عليه السكينة والطّمأنينة (٤) ، فعند ذلك ﴿نُودِيَ﴾ وقيل : ﴿يا مُوسى﴾ لا تخف ولا تحزن وليطمئنّ قلبك ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ اللّطيف بك.

وعن وهب : ظنّ موسى عليه‌السلام أنّها نار أوقدت ، فأخذ من دقائق الحطب ليقتبس من لهبها ، فمالت إليه كأنّها تريده ، فتأخّر عنها وهابها ، ثمّ لم تزل تطمعه ويطمع فيها ، ثم لم يكن أسرع من خمودها كأنّها لم تكن ، ثمّ رمى موسى عليه‌السلام بنظره إلى فرعها ، فإذا خضرتها ساطعة في السّماء ، وإذا نور بين السماء والأرض له شعاع تكلّ عنه الأبصار ، فلمّا رأى موسى عليه‌السلام ذلك وضع يده على عينيه ، فنودي:

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٤.

(٢ و٣) تفسير روح البيان ٥ : ٣٦٩.

(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٣٦٩.

٢١٢

يا موسى (١) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « فأقبل نحو النار يقتبس ، فإذا شجرة ونار تلتهب عليها ، فلمّا ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت إليه ففزع [ منها ] وعدا ، ورجعت النّار إلى الشجرة ، فالتفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة ، فرجع الثانية ليقتبس ، فأهوت إليه فعدا وتركها ، ثمّ التفت وقد رجعت إلى الشجرة ، فرجع إليها الثالثة فأهوت إليه فعدا ولم يعقّب ، أي لم يرجع ، فناداه الله عزوجل » الخبر (٢) .

روي أنّه لمّا نودي موسى عليه‌السلام قال عليه‌السلام : من المتكلّم ؟ فقال الله عزوجل : ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ فوسوس إليه إبليس : لعلّك تسمع كلام الشيطان ، فقال عليه‌السلام : أنا عرفت أنّه كلام الله تعالى بأنّي أسمعه من جميع الجهات بجميع الأعضاء (٣) .

قيل : تلقّى موسى عليه‌السلام كلام ربّه تلقّيا روحانيا ، ثمّ تمثّل ذلك الكلام لبدنه ، وانتقل إلى الحسّ المشترك ، فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة (٤) .

ثمّ قال : ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ من رجليك ﴿إِنَّكَ﴾ تكون ﴿بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ﴾ المطهّر من كلّ دنس وسوء ، اسمه ﴿طُوىً﴾ وقيل : طوى كثنى لفظا ومعنا ، والمعنى نودي مرّتين ، أو المقدّس قدّس مرّة بعد اخرى (٥) .

وعن ابن عبّاس : يعني الوادي المقدّس الذي طويته (٦) .

في تأويل قوله تعالى : ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ

روي أنّه عليه‌السلام خلعهما وألقاهما وراء الوادي (٧) . وإنّما أمر بالحفوة لأنّها ادخل في التواضع وحسن الأدب ، أو لتعظيم الوادي ، أو ليباشر الوادي بقدميه تبرّكا به.

وقيل : لكون نعليه من جلد حمار غير مذبوح ، روته العامة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وجمع من المفسّرين (٨) .

وعن الصادق عليه‌السلام قال : « إنّه امر بخلعهما لأنّهما كانتا من جلد حمار ميّت » (٩) .

وقيل : خلع النعلين كناية عن تفريغ القلب من حبّ الأهل والمال (١٠) .

وعن القائم عليه‌السلام - في حديث - قيل له : أخبرني يا [ ابن ] رسول الله عن أمر الله لنبيّه موسى عليه‌السلام ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً﴾ فإنّ فقهاء الفريقين يزعمون أنّها كانت من إهاب الميتة ؟

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٦. (٢) تفسير القمي ٢ : ١٤٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠١.

(٣ و٤) تفسير أبي السعود ٦ : ٧.

(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ١٨ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٧.

(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ١٨.

(٧) تفسير أبي السعود ٦ : ٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٧١.

(٨) مجمع البيان ٧ : ١٠ ، جوامع الجامع : ٢٨٠ ، تفسير الرازي ٢٢ : ١٧ ، تفسير ابن كثير ٣ : ١٥١ ، الدر المنثور ٥ : ٥٥٨.

(٩) تفسير القمي ٢ : ٦٠ ، علل الشرائع : ٦٦ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠١.

(١٠) تفسير أبي السعود : ٦ : ٧.

٢١٣

قال عليه‌السلام : « من قال ذلك فقد افترى على موسى عليه‌السلام واستجهله في نبوّته ؛ لأنّه ما خلا الأمر فيها من خصلتين (١) : إمّا أن تكون صلاته فيها جائزة [ أو غير جائزة ] ، فان كانت صلاته جائزة جاز له لبسها في تلك البقعة إذا لم تكن مقدّسة ، وإن كانت مقدّسة مطهّرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة. وإن كانت صلاته [ غير ] جائزة فيها ، فقد أوجب على موسى أنّه لا يعرف الحلال من الحرام ، ولم يعلم ما جاز فيه الصلاة وما لم يجز ، وهذا كفر » .

قيل : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها. قال ( صلوات الله عليه ) : « إنّ موسى ناجى ربّه بالوادي المقدّس فقال : يا ربّ إنّي [ قد ] أخلصت لك المحبّة منّي ، وغسلت قلبي عمّن سواك ، وكان شديد الحبّ لأهله ، فقال الله : اخلع نعليك ، أي انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبّتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى سواي مغسولا » (٢) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « يعني ارفع خوفيك ؛ يعني خوفه من ضياع أهله وقد خلّفها تمخض ، وخوفه من فرعون » (٣) .

وقيل : يعني فاترك الالتفات إلى الدنيا والآخرة ، وكن مستغرقا في محبّة الله ، ويكون المراد بالواد المقدّس قدس الله تعالى (٤) .

وقيل : إنّ موسى كان يلبس النّعلين لحفظ رجليه عن النّجاسة وعن هوامّ الأرض ، فقال سبحانه: اخلع نعليك فإنّ هذا الوادي مقدّس ومطهّر من النجاسات ، وآمن من لدغ الهوام (٥) .

﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى * إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ

 الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٣) و (١٤)

ثمّ نصبه الله سبحانه للرسالة بقوله : ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ واصطفيتك لرسالتي ولمناجاتي ﴿فَاسْتَمِعْ﴾ يا موسى ﴿لِما يُوحى﴾ إليك من قبلي.

قيل : في قوله : ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ إظهار لغاية لطفه ، وفي قوله : ﴿فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى﴾ إظهار لغاية مهابته ، فكأنّه قال : قد جاءك أمر عظيم من قبلنا ، فتأهّب له واصرف جميع قواك وجوارحك إليه(٦) .

ويحتمل تعلّق قوله : ﴿لِما يُوحى﴾ بقوله : ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ وكون ( ما ) مصدريّة ، والمعنى : أنا اخترتك لوحيي ، وأهمّه ﴿إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ﴾ ولا معبود بالاستحقاق في عالم الوجود ﴿إِلَّا أَنَا

__________________

(١) في كمال الدين : خطيئتين.

(٢) كمال الدين : ٤٦٠ / ٢١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٢.

(٣) علل الشرائع : ٦٦ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٢.

(٤) تفسير الرازي ٢٢ : ١٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٧٠.

(٥) مجمع البيان ٧ : ١٠.

(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ١٩.

٢١٤

وحدي لا شريك لي في العبادة ، فإذا كان كذلك ﴿فَاعْبُدْنِي﴾ وخصّني بالعبادة ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ﴾ خصوصا ﴿لِذِكْرِي﴾ وتوجّه بقلبك (١) إليّ في الأوقات ، فإنّها أهمّ العبادات ، فإنّها ذكر ودعاء وركوع وسجود.

وقيل : يعني لأنّي ذكرتها في الكتب السماوية وأمرت بها (٢) . وقيل : يعني لإخلاص ذكري وطلب وجهي ، لا تراني بها ولا تقصد غرضا آخر بفعلها (٣) .

وقيل : يعني لأن أذكرك بالمدح والثناء (٤) . وقيل : لأوقات ذكري ، وهي مواقيت الصلاة (٥) . وقيل : يعني أقم الصّلاة حين تذكرها (٦) .

عن أنس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : « من نسي صلاة فليصلّها إذا ذكرها ، لا كفّارة لها إلّا ذلك » (٧) .

أقول : وعليه يكون في الكلام حذف ، والتقدير : لذكر صلاتي.

عن الباقر عليه‌السلام : « إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى ، فإن كنت تعلم [ أنّك ] إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الاخرى في وقت ، فابدأ بالتي فاتتك فإنّ الله يقول : ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي(٨) .

وعنه عليه‌السلام : « معناه أقم الصّلاة متى ذكرت أنّ عليك صلاة ، كنت في وقتها أو لم تكن » (٩).

﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها

 مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٥) و (١٦)

ثمّ نبّه سبحانه على علّة وجوب العبادة والصلاة بقوله : ﴿إِنَّ السَّاعَةَ﴾ والقيامة ﴿آتِيَةٌ﴾ وكائنة لا محالة ، وهي لكثرة أهوالها وغاية عظمها ﴿أَكادُ أُخْفِيها﴾ واسترها عن كلّ أحد ، ولكنّ اللّطف ولزوم قطع الأعذار اقتضى إظهارها.

وقيل : يعني اريد أخفي وقتها ، ليكون الناس على حذر منها في جميع الأوقات (١٠) .

وقيل : يعني لو صحّ إخفاؤها من نفسي لأخفيتها عنّي ، فكيف اظهرها لكم ؟ وفيه غاية المبالغة في لزوم إخفائها عن النّاس (١١) .

وقيل : يعني أكاد اظهرها (١٢) بإتيانها ﴿لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ﴾ في تلك الساعة ﴿بِما تَسْعى﴾ وتعمل إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ.

__________________

(١) في النسخة : قلبك.

(٢ - ٤) تفسير الرازي ٢٢ : ١٩.

(٥ و٦) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠.

(٧) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠.

(٨) الكافي ٣ : ٢٩٣ / ٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٢.

(٩) مجمع البيان ٧ : ١٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٣.

(١٠) تفسير روح البيان ٥ : ٣٧١.

(١١ و١٢) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٢.

٢١٥

وقيل : يعني لتجزي كلّ نفس بسعيها في الامور ألمأمور بها (١) .

﴿فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها﴾ ولا يمنعك عن تذكّرها والتهيئة لها ، أو لا يمنعك عن الصلاة ﴿مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ﴾ وسعى في موافقة ميل نفسه ﴿فَتَرْدى﴾ وتهلك ، إذن فإنّ الغفلة عن تحصيل ما ينجى من أهوال الساعة ، أو عن الصلاة والقيام بوظيفة العبوديّة ، موجبة للهلاك في الآخرة.

وقيل : إنّ المخاطب من قوله : ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ إلى هنا هو خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

﴿وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى * قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى

 غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى * قالَ أَلْقِها يا مُوسى * فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ

 تَسْعى * قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (١٧) و (٢١)

ثمّ قيل : إنّ المهابة لمّا عظمت في قلب موسى عليه‌السلام ، أراد سبحانه استئناسه (٣) بقوله : ﴿وَما تِلْكَ﴾ مأخوذة ﴿بِيَمِينِكَ﴾ ويدك ، وفي السؤال تنبيه له على ما سيبدو له من التعاجيب (٤) .

ثمّ كرّر الخطاب بقوله : ﴿يا مُوسى﴾ ازديادا للتأنيس وإظهارا لغاية اللطف ﴿قالَ﴾ موسى : يا ربّ ﴿هِيَ عَصايَ﴾ وفائدتها إنّي ﴿أَتَوَكَّؤُا﴾ وأعتمد ﴿عَلَيْها﴾ وعند الإعياء ، أو حين الوقوف على رأس القطيع ﴿وَأَهُشُ﴾ وأسقط ﴿بِها﴾ الورق من الأشجار ﴿عَلى غَنَمِي﴾ لتأكل منه.

القميّ : ثمّ من الفرق لم يستطع الكلام فجمع كلامه (٥) وقال : ﴿وَلِيَ فِيها مَآرِبُ﴾ وحوائج ومنافع ﴿أُخْرى﴾ غير ذلك.

وقيل : إنّه عليه‌السلام أجمل في الجواب رجاء أن يسأله ربّه عن تلك المآرب فيسمع كلام الله مرّة اخرى(٦) .

وقيل : إنّه قال موسى عليه‌السلام : إلهي ما هذه العصا إلّا كغيرها لكنّك لمّا سألت عنها عرفت أنّ لي فيها مآرب اخرى منها : أنّك كلّمتني بسببها (٧) .

روي أنّه كان إذا سار وضعها على عاتقه فعلّق بها أدواته ، وإذا أقام في البريّة ركزها وعرض الزّندين على شعبتيها فاشتعلتا ، وألقى عليها كساءه واستظلّ به ، وإذا تعرّضت السباع لغنمه قاتلها بها (٨) .

قيل : إنّه فهم من السؤال بيان حقيقتها وتفصيل منافعها ، حتى إذا ظهرت على خلاف تلك الحقيقة ،

__________________

(١) تفسير أبي السعود ٦ : ٨.

(٢) تفسير أبي السعود ٦ : ٨.

(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٣٧٤.

(٤) أي العجائب ، وفي النسخة : التعاجب.

(٥) تفسير القمي ٢ : ٦٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٤.

(٦ و٧) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٧.

(٨) تفسير أبي السعود ٦ : ١٠.

٢١٦

وبدت منها خواص بديعة ، علم أنّها آيات باهرة (١) . أو كان المقصود إزالة الرهبة والمهابة من قلب موسى عليه‌السلام والاستئناس به.

ثمّ كأنّه قيل : ماذا قال الله إذن ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿قالَ﴾ الله ﴿أَلْقِها﴾ من يدك ﴿يا مُوسى﴾ على الأرض ، لترى منها ما لم يخطر بقلبك ﴿فَأَلْقاها﴾ من غير ريث ﴿فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ﴾ عظيمة وثعبان جسيم ، وهي مع غاية عظم جثّتها ﴿تَسْعى﴾ وتمشي على الأرض بسرعة وجلادة كالحيّة الصغيرة.

وفي رواية : أنّه عليه‌السلام لمّا ألقاها انقلبت حيّة صفراء في غلظ العصا ، ثمّ انتفخت وعظمت ، فلذلك سمّيت بالجانّ تارة ، وبالثعبان اخرى (٢) .

قيل : كان لها عرف كعرف الفرس ، وكان بين لحييها أربعون ذراعا ، وابتلعت كلّما مرّت به من الصخور والأشجار حتى سمع موسى صرير الحجر في فمها وجوفها (٣) ، فخافها وولّى مدبرا ، فناداه ربّه و

﴿قالَ﴾ : يا موسى ﴿خُذْها﴾ بيدك ﴿وَلا تَخَفْ﴾ منها إنّا ﴿سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا﴾ وحالتها ﴿الْأُولى﴾ التي كانت عليها.

قيل : لمّا قال الله : ﴿لا تَخَفْ﴾ بلغ اطمئنان موسى إلى أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها(٤).

وفي رواية : أنه أدخل يده بين أسنانها ، فانقلبت خشبة (٥) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « ففزع منها موسى وعدا ، فناداه الله عزوجل : ﴿خُذْها وَلا تَخَفْ﴾ الآية»(٦).

قيل : إنّ حكمة قلب العصا حيّة في ذلك الوقت معرفة موسى نبوّة نفسه بها (٧) ، لاحتمال كون النداء من باب إظهار غاية اللّطف وعدم خوفه بعد مشاهدة ذلك الأمر من وقوعه عند فرعون وقوّة قلبه في الدعوة ، وعلمه بأنّ الله القادر على قلب العصا ثعبانا ، قادر على نصرته في إظهار الدين وإعلاء كلمة الحقّ.

﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى * لِنُرِيَكَ مِنْ

 آياتِنَا الْكُبْرى * اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي *

 وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٢) و (٢٨)

ثمّ أراه الله آية اخرى على نبوّته بقوله : ﴿وَاضْمُمْ﴾ ومدّ ﴿يَدَكَ﴾ اليمنى ﴿إِلى جَناحِكَ﴾ وإبطك وأدخلها في جيبك ﴿تَخْرُجْ﴾ يدك إذن منه حال كونها ﴿بَيْضاءَ﴾ بقدرة الله ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ

__________________

(١ و٢) تفسير أبي السعود ٦ : ١٠.

(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٨.

(٤ و٥) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٩.

(٦) تفسير القمي ٢ : ١٤٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٤.

(٧) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٨.

٢١٧

ومرض برص تكون هذه ﴿آيَةً أُخْرى﴾ على قدرتي ، ونبوّتك ، ومعجزة قاهرة غير انقلاب العصا حيّة.

روي أنّه عليه‌السلام كان شديد الادمة ، فكان إذا أدخل يده اليمنى في جيبه وتحت إبطه الأيسر وأخرجها كانت تبرق مثل البرق - وقيل : مثل الشمس - من غير برص ، ثمّ إذا ردّها عادت إلى لونها الأول بلا نور (١) .

وعن الصادق عليه‌السلام : ﴿ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ من غير علّة ، وذلك أنّ موسى عليه‌السلام كان شديد السّمرة ، فأخرج يده من جيبه ، فأضاءت له الدنيا » (٢) .

وإنّما فعلنا ما فعلنا من إظهار الآيتين ﴿لِنُرِيَكَ﴾ بها بعضا ﴿مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى﴾ قيل : إنّ المعنى لنريك الكبرى من آياتنا (٣) .

ثمّ أنّه تعالى بعد إعطائه الآيتين أمره بالرّسالة بقوله : ﴿اذْهَبْ﴾ يا موسى ، للدعوة إلى التوحيد والتحذير من الطّغيان ﴿إِلى فِرْعَوْنَ﴾ ملك مصر بهاتين الآيتين ﴿إِنَّهُ طَغى﴾ وتجاوز عن الحدّ في الكفر والطغيان.

عن وهب ، أنّه قال : قال الله تعالى لموسى : إسمع كلامي ، واحفظ وصيّتي ، وانطلق برسالتي ، فإنّك بعيني وسمعي ، وإنّ معك يدي ونصري (٤) ، وإنّي ألبستك جنّة من سلطاني (٥) لتستكمل بها القوّة في أمري ، أبعثك إلى خلق ضعيف من خلقي ، بطر بنعمتي ، وأمن مكري ، وغرّته الدنيا حتى جحد حقّي ، وأنكر ربوبيتي ، وسقط عن عيني ، فبلّغه عنّي رسالتي ، وادعه إلى عبادتي ، وحذّره نقمتي ، إلى أن قال : فسكت موسى سبعة أيّام لا يتكلّم ، ثمّ جاءه ملك فقال : أجب ربّك في ما أمرك (٦) .

فلمّا كلّف موسى عليه‌السلام بهذا التكليف الشاقّ ﴿قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾ ووسّع قلبي بحيث لا يضيق بسفاهة المعاندين ولجاج العاتين ، أو زد حفظي وذكائي وجودة ذهني حتى أحفظ ما تنزل من الوحي وأفهمه ، أو قوّ قلبي حتى أجترئ على مخاطبة فرعون وقومه ومعارضتهم.

﴿وَيَسِّرْ لِي﴾ وسهّل عليّ ﴿أَمْرِي﴾ من الدعوة والتبليغ بتهيئة الأسباب ورفع الموانع ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً﴾ قليلة ، وأزل لكنة يسيرة ﴿مِنْ لِسانِي﴾ كي ﴿يَفْقَهُوا﴾ ويفهموا ﴿قَوْلِي﴾ وكلامي عند تبليغ الرسالة ، ولا يشقّ عليّ مكالمة فرعون وملئه.

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٢ : ٣٠.

(٢) تفسير القمي ٢ : ١٤٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٤.

(٣) جوامع الجامع : ٢٨٠.

(٤) في تفسير الرازي : وبصري.

(٥) في النسخة : جبّة سلطاني.

(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ٣٠.

٢١٨

قيل : كانت اللّكنة بخلقة الله تعالى (١) . وقيل : كانت من جمرة أدخلها فاه (٢) .

روي أنّ فرعون حمله يوما ، فأخذ لحيته ونتفها ، لمّا كانت مرصّعة بالجواهر ، فغضب وقال : إنّ هذا عدوّي المطلوب ، وأمر بقتله ، فقالت آسية زوجته : أيّها الملك ، إنّه صبيّ لا يفرّق بين الجمر والياقوت ، فأحضرا بين يدي موسى ، بأن جعل الجمر في طشت والياقوت في آخر ، فقصد إلى أخذ الجوهر ، فأمال جبرئيل يده إلى الجمر ، فرفعه إلى فيه ، فاحترق لسانه ، فكانت منه لكنة وعجمة (٣) .

وعن الباقر عليه‌السلام - في رواية - : « ولمّا درج موسى عليه‌السلام كان يوما عند فرعون فعطس فقال : الحمد لله ربّ العالمين ، فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه ، وقال : ما هذا الذي تقول ؟ فوثب موسى عليه‌السلام على لحيته عليه‌السلام وكان طويل اللحية ، فهلبها - أي قلعها - فآلمه ألما شديدا ، فهمّ فرعون بقتله ، فقالت له امرأته : هذا غلام حدث ما يدري ما يقول. فقال فرعون : بل يدري. فقالت له : ضع بين يديك تمرا وجمرا ، فإن ميّز بين الجمر والتّمر فهو الذي تقول ، فوضع بين يديه تمرا وجمرا وقال له : كل ، فمدّ يده إلى التّمر فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر ، فأخذ الجمر في فيه فاحترق لسانه ، وصاح وبكى.

فقالت آسية : ألم أقل لك أنّه لم يعقل ؟ فعفا عنه » (٤) .

ثمّ أنّ بعض العامة قال : لم يحترق بيده ولا لسانه ، لكون يده آلة أخذ العصا ، ولسانه آلة ذكر الله ، ومنهم من قال : احترقت يده ولم يحترق لسانه ، ومنهم من قال بالعكس ، ومنهم من قال احترقا معا (٥) .

أقول : الأظهر من الروايتين هو القول الثالث.

﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *  وَأَشْرِكْهُ فِي

 أَمْرِي *  كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٢٩) * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً * قالَ قَدْ

 أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٢٩) و (٣٦)

ثمّ أنّه تعالى بعد سؤال قوّة قلبه ولسانه ، سأل تقويته في تحمّل أعباء الرسالة بجعل المعين له بقوله : ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً﴾ ومعينا كائنا ﴿مِنْ أَهْلِي﴾ وأقربائي وخواصّي المنتسبين إليّ في تحمّل أعباء الرسالة، ولمّا كان التعاون في أمر دينك درجة عظيمة يكون الأحقّ به ﴿هارُونَ﴾ الذي يكون ﴿أَخِي﴾ من أبي وامّي ﴿اشْدُدْ﴾ واحكم ﴿بِهِ أَزْرِي﴾ وقوّتي على التبليغ ، أو قوّ به ظهري ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ ومنصبي وشغلي من الرسالة والتبليغ ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ﴾ وننزّهك عمّا لا يليق بك تسبيحا

__________________

(١ و٢) تفسير الرازي ٢٢ : ٤٧.

(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٣٧٩.

(٤) تفسير القمي ٢ : ١٣٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٥.

(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ٤٧.

٢١٩

وتنزيها ﴿كَثِيراً﴾ دائما ﴿وَنَذْكُرَكَ﴾ بصفات الجلال والجمال ذكرا ﴿كَثِيراً﴾ فإنّ التعاون يهيّج الرّغبات ويؤثّر في تكاثر الخيرات ﴿إِنَّكَ﴾ يا مولاي ﴿كُنْتَ بِنا﴾ وبمصالحنا ، أو بما في قلوبنا من الخلوص في الطاعة ، أو بغرضنا من الاستعانة ﴿بَصِيراً﴾ وعليما.

قال العلامة ( رضوان الله عليه ) في ( نهج الحق ) : وفي ( مسند أحمد ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهم إنّي أقول كما قال أخي موسى : إجعل لي وزيرا من أهلي عليّا أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري» (١) .

في ردّ بعض روايات العامة وإبطالها

أقول : وقد اشتهر بين العامّة والخاصّة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » (٢) ومن العجب أنّه مع ذلك روى بعض العامّة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ لي في السّماء وزيرين ، وفي الأرض وزيرين ، فاللّذان في السّماء : جبرئيل وميكائيل ، واللّذان في الأرض : أبو بكر وعمر » (٣) ،

فإنّ هذه الرواية تنافي الخبرين المعتبرين السابقين المعتضدين بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله » (٤) وقوله في حديث الطائر : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك » (٥) .

والحاصل : أنّه لا شبهة أنّ عليا عليه‌السلام كان أخا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخصّ أهله ، وأحبّ الخلق إليه ، لكونه أحبّ الخلق إليه تعالى ، ووصيّة كما كان يوشع بن نون وصيّ موسى ، وكانا من شجرة واحدة ، وكان نورهما واحدا ، وكان أعلم الصحابة وأعقلهم وأقضاهم بحيث قال عمر : « لا قضيّة لا يكون فيها أبو الحسن » « ولو لا عليّ لهلك عمر » (٦) ، وكان من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة هارون من موسى ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، وقال : « سلوني » (٧) ولم يسأل هو عن أحد غير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان حامل لوائه ومبلّغ براءة عنه ، ولم يخالفه في شيء ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى من محامده ، ومع ذلك كيف يمكن أن تكون وزارته

__________________

(١) نهج الحق : ٢٢٩ ، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ : ٦٧٨ / ١١٥٨.

(٢) صحيح البخاري ٥ : ٨٩ / ٢٠٢ ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٠ / ٢٤٠٤ ، سنن الترمذي كتاب المناقب ٥ / ٣٧٣٠ ، مستدرك الحاكم ٣ : ٣٣٧ ، مسند احمد ١ : ١٧٣ ، ١٧٥ ، ١٨٢ ، ١٨٤ ، ٣٣١ ، مصابيح السنة ٤ : ٧٠ / ٤٧٦٢ ، جامع الأصول ٩ : ٤٦٨ / ٦٤٧٧ ، أمالي المفيد : ٥٧ / ٢ ، أمالي الطوسي : ٢٥٣ / ٤٥٣ ، الكافي ٨ : ١٠٧ / ٨٠.

(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ٤٨ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٨٠.

(٤) صحيح البخاري ٥ : ٨٧ / ١٩٧ و١٩٨ ، وص ٢٧٩ / ٢٣١ ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ / ٣٢ - ٣٤ ، سنن الترمذي ٥: ٦٣٨ / ٣٧٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٣ / ١١٧ ، مسند أحمد ١ : ١٨٥ و٥ : ٣٥٨ وغيرها.

(٥) سنن الترمذي ٥ : ٦٣٦ / ٣٧٢١ ، خصائص النسائي : ٥ ، فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٥٦٠ / ٩٤٥ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٣٠ - ١٣٢ ، مصابيح السنّة ٤ : ١٧٣ / ٤٧٧٠ ، أسد الغابة ٤ : ٣٠.

(٦) الاستيعاب بهامش الاصابة ٣ : ٣٩.

(٧) نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح : ٢٨٠ الخطبة ١٨٩ ، الاستيعاب ٣ : ٤٣.

٢٢٠