نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٤

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي

نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
ISBN: 964-309-762-5
ISBN الدورة:
964-309-765-X

الصفحات: ٦٢٠

سبّوه وسبّوا من جاء به ، فأوحى الله إليه ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ فيسمع المشركون فيسبّوا الله عدوا بغير علم ﴿وَلا تُخافِتْ بِها﴾ فلا تسمع أصحابك ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً(١) .

وروي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طاف بالليل على دور الصحابة ، وكان أبو بكر يخفي صوته بالقرآن (٢) في صلاته ، وكان عمر يرفع صوته ، فلمّا جاء النهار وجاء أبو بكر وعمر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي بكر: « لم تخفي صوتك ؟ » فقال : اناجي ربي ، وقد علم حاجتي. وقال لعمر : « لم ترفع صوتك ؟ » فقال : أزجر الشيطان ، واوقظ الوسنان ، فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر أن يرفع صوته قليلا ، وأمر عمر أن يخفض صوته قليلا (٣) .

وعنهما عليهما‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان بمكة جهر بصوته ، فيعلم بمكانه المشركون ، فكانوا يؤذونه ، فأنزل الله الآية عند ذلك » (٤) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « نسختها ﴿فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ (٥) .

وعن الباقر عليه‌السلام ، أنه قال للصادق عليه‌السلام : « يا بني عليك بالحسنة بين السيئتين تمحوهما. قال : وكيف ذلك يا أبه ؟ قال : مثل قول : الله : ﴿وَلا تَجْهَرْ﴾ الآية ، ومثل قوله : ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً(٦) الآية » الخبر (٧) .

وعن الصادق عليه‌السلام ، أنّه سئل : أعلى الامام أن يسمع من خلفه وإن كثروا ؟ قال : « ليقرأ (٨) وسطا » ثمّ تلا هذه الآية (٩)

وقيل : إنّ المعنى ولا تجهر بصلواتك كلّها ، ولا تخافت بها كلّها ، وابتغ بين ذلك سبيلا ، بأن تجهر بصلاة الليل ولا تخافت بصلاة النهار (١٠) .

وقيل : إنّ المراد بالصلاة الدعاء ، روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال في هذه الآية : « إنّما ذلك في الدعاء والمسألة ، لا ترفع صوتك فتذكر ذنوبك فيسمع ذلك فتعيّر بها » (١١) .

وعن الصادق عليه‌السلام في هذه الآية : « الجهر بها : رفع الصوت ، والمخافتة : ما لا تسمع نفسك (١٢) ، واقرأ ما بين ذلك » (١٣) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « الاجهار : أن ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك ، والاخفات أن لا تسمع [ من ]

__________________

(١) تفسير الرازي ٢١ : ٧٠. (٢) في تفسير الرازي : بالقراءة.

(٣) تفسير الرازي ٢١ : ٧٠ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢١٣. (٤) تفسير العياشي ٣ : ٨٤ / ٢٦١٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٨.

(٥) تفسير العياشي ٢ : ٤٣٩ / ٢٣٥٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٨ والآية من سورة الحجر : ١٥ / ٩٤.

(٦) الإسراء : ١٧ / ٢٩. (٧) تفسير العياشي ٣ : ٨٤ / ٢٦٢١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٨.

(٨) في تفسير العياشي : يقرأ قراءة. (٩) تفسير العياشي ٣ : ٨٣ / ٢٦١٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٨.

(١٠) تفسير الرازي ٢١ : ٧٠.

(١١) تفسير الرازي ٢١ : ٧١.

(١٢) في تفسير القمي : بإذنك.

(١٣) تفسير القمي ٢ : ٣٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٧.

١٠١

معك إلّا يسيرا » (١) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « الجهر بها : رفع الصوت ، والاخفات : ما لم تسمع اذناك ، وما بين ذلك : قدر ما تسمع اذنيك » (٢) .

وعنه عليه‌السلام : « المخافتة : ما دون سمعك ، والجهر : أن ترفع صوتك شديدا » (٣) .

وعنه عليه‌السلام : « تفسيرها لا تجهر بولاية علي وما أكرمته به حتى آمرك بذلك ﴿وَلا تُخافِتْ بِها﴾ يعني لا تكتمها عليا ، وأعلمه بما أكرمته به ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً﴾ يعني سلني أن آذن لك أن تجهر بأمر علي وبولايته ، فأذن له باظهار ولايته يوم غدير خمّ » (٤) .

أقول : المراد بالتفسير هنا هو التأويل.

﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ

 وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)

ثمّ أنّه تعالى بعد تعليم كيفية الدعاء وقراءة القرآن ، علّم كيفية تحميده بقوله : ﴿وَقُلِ﴾ يا محمّد ، إذا أردت تحميد ربك على نعمه وإفضاله ، فاحمده بصفاته التي فيها تنزيهه عن أعظم النقائص بأن تقول : ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ﴾ ولم يختر لنفسه (٥)﴿وَلَداً﴾ ذكورا أو إناثا ، لأنّ إيجاد الولد من صفات الأجسام ومن شؤون الحاجة ، وهو تعالى خالق الاجسام وغنيّ بالذات ، وفيه ردّ على اليهود القائلين بأن العزيز ابن الله ، وعلى النصارى القائلين بأنّ المسيح ابن الله ، على بني مدلج القائلين بأنّ الملائكة بنات الله.

﴿وَلَمْ يَكُنْ﴾ في الأزل ، ولا يكون إلى الأبد ﴿لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ والسلطنة في عالم الوجود ، لاستلزام وجود الشريك التعدّد والتحدّد في الذات ، ويمتنع التعدّد والتحدّد في واجب الوجود ، وفيه ردّ على النصارى القائلين بأنّ الله ثالث ثلاثة ، وعلى عبدة الكواكب والأصنام.

﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌ﴾ وصديق ومعاون ﴿مِنَ﴾ أجل دفع ﴿الذُّلِ﴾ عن نفسه بموالاته ، لأنّ له العزّة جميعا ، وفيه ردّ على الصابئين القائلين بأنه لو لا أولياء الله لذلّ ، فلمّا عرفته بكمال الذات والصفات فعظّمه ﴿وَكَبِّرْهُ﴾ من جميع النقائص تعظيما و﴿تَكْبِيراً﴾ كثيرا.

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ٣٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٧.

(٢) تفسير العياشي ٣ : ٨٤ / ٢٦١٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٧.

(٣) تفسير العياشي ٣ : ٨٣ / ٢٦١٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٨.

(٤) تفسير العياشي ٣ : ٨٥ / ٢٦٢٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٨.

(٥) في النسخة : يختار نفسه.

١٠٢

عن الصادق عليه‌السلام أنّه أمر من قرأ هذه الآية أن يكبّر ثلاثا (١) .

وعنه عليه‌السلام قال رجل عنده : ( الله أكبر ) فقال : « الله أكبر من أيّ شيء ؟ » فقال : من كلّ شيء. فقال : « حدّدته » فقال الرجل : كيف أقول ؟ قال : « قل الله أكبر من أن يوصف » (٢) .

وفي رواية أخرى قال : « أو كان شيء فيكون أكبر منه ؟ » فقيل : وما هو ؟ قال : « أكبر من أن يوصف » (٣) .

وروى بعض العامة : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علّمه هذه الآية ، ويسمّيها آية العزّة (٤) .

وعن معاذ بن جبل : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « عليكم بآية العزّة » . قيل : يا رسول الله ، ما هي ؟ قال : ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي﴾ إلى أخرها (٥) .

وفي ( الفقيه ) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : « أمان لامّتى من السّرق ﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ(٦) » إلى أخر السورة (٧) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « من قرأ سورة بني إسرائيل في كلّ ليلة جمعة ، لم يمت حتى يدرك القائم عجّل الله فرجه الشريف [ ويكون من أصحابه ] » (٨) .

الحمد لله الذي منّ عليّ بالتوفيق لاتمام تفسير سورة الاسراء المباركة وأسأله أن يديمه عليّ.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٧ / ١١٩٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٩.

(٢) الكافي ١ : ٩١ / ٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٨.

(٣) الكافي ١ : ٩١ / ٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٨.

(٤) تفسير البيضاوي ١ : ٥٨٦ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢١٣.

(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٢١٣ ، الجامع للقرطبي ١٠ : ٣٤٥.

(٦) الإسراء : ١٧ / ١١٠.

(٧) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٦٨ / ٨٢٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٩.

(٨) ثواب الاعمال : ١٠٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٩.

١٠٣
١٠٤

في تفسير سورة الكهف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً * قَيِّماً لِيُنْذِرَ

 بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ

 أَجْراً حَسَناً * ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً *ما لَهُمْ

 بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ

 كَذِباً (١) و (٥)

ثمّ لمّا ختم سبحانه السورة المباركة المبتدأة بثناء ذاته بقدرته على تكميل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسرائه إلى أعلى مراتب العبودية ، ورفعه إلى مقام قاب قوسين أو أدنى ، المختومة بحمد نفسه وثنائها بالصفات الكمالية ، ونزاهته من اتخاذ الولد والشريك والولي ، أردفها بسورة الكهف المبدوءة. بحمد ذاته المقدسة على أعظم نعمائه ، وهو بعث خاتم الانبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله لهداية الناس وإنزال أعظم الكتب إليه المختومة بأمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بدعوة الناس إلى توحيده وتنزيهه من الشريك ، والقيام بوظائف العبودية والأعمال الصالحة ، فابتدأ فيها على حسب دأبه في الكتاب العزيز بذكر اسمائه المباركة ، بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

ثمّ افتتحها بحمد ذاته على أعظم النّعم بقوله : ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ﴾ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بتوسّط جبرئيل ﴿الْكِتابَ﴾ الّذي هو أفضل الكتب ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً﴾ واختلالا في اللّفظ ، وتناقضا في الآيات ، واختلافا في المطالب ، وانحرافا عن الحقّ ، وجعله ﴿قَيِّماً﴾ ومستقيما ، كما عن ابن عبّاس (١) ، أو كافلا لمصالح الخلق إلى يوم القيامة.

وعن القمي ، قال : هذا مقدّم ومؤخّر ، لأنّ معناه : الذي أنزل على عبده الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجا (٢) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٢١ : ٧٥.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٠.

١٠٥

أقول : نسب الواحدي هذا القول إلى جميع المفسّرين (١) .

وقيل : إنّ المقصود من قوله : ﴿لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً﴾ أنّه كامل في نفسه ، ومن قوله : ﴿قَيِّماً﴾ أنّه قائم بامور غيره ومكمّل للناس ، ومن المعلوم أنّ كماله في نفسه مقدّم بالطبع على مكمّليته لغيره ، فالترتيب المذكورة موافق للعقل (٢) .

وقيل : إنّ المعنى : ولم يجعل لعبده عوجا وتوجّها إلى غير ذاته المقدّسة ، بل جعله مستقيما في جميع أحواله (٣) .

ثمّ بيّن سبحانه الغرض من إنزاله بقوله : ﴿لِيُنْذِرَ﴾ الذّين كفروا وعملوا السيّئات ﴿بَأْساً﴾ وعذابا ﴿شَدِيداً﴾ صادرا ﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾ تعالى من عذاب الاستئصال في الدنيا ، أو العقوبة بالنّار في الآخرة ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بوحدانيّة الله ورسالة رسوله وصدق كتابه ﴿الَّذِينَ يَعْمَلُونَ﴾ الأعمال ﴿الصَّالِحاتِ﴾ والعبادات الخالصات لوجه الله ﴿أَنَّ لَهُمْ﴾ في مقابل إيمانهم وأعمالهم ﴿أَجْراً حَسَناً﴾ من الجنّة والنّعيم الدّائمة حال كونهم مقيمين في ذلك الأجر ﴿ماكِثِينَ﴾ وباقين ﴿فِيهِ أَبَداً﴾ لا زوال له ولا نفاد له ﴿وَيُنْذِرَ﴾ بالخصوص ، أكفر الكفرة وأجهلهم ؛ وهم المشركون ﴿الَّذِينَ قالُوا﴾ واعتقدوا أنّه ﴿اتَّخَذَ اللهُ﴾ واختار لنفسه ﴿وَلَداً﴾ ذكورا ، كاليهود القائلين بأنّ العزيز ابن الله ، والنّصارى القائلين بأنّ المسيح ابن الله ، أو إناثا ، كبني مدلج القائلين بأنّ الملائكة بنات الله.

والحال أنّ القائلين بهذا القول السخيف ﴿ما لَهُمْ بِهِ﴾ أقلّ مرتبة ﴿مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ﴾ الذين قلّدوهم في ذلك ، بل قالوا به بمحض الجهل ، وهوى النفس ، وعدم التفكّر في كونه ما لا يحتمله العاقل ﴿كَبُرَتْ﴾ وعظمت تلك المقالة من حيث كونها ﴿كَلِمَةً﴾ باطلة ومقالة فاسدة في غاية القباحة والشّناعة ﴿تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ﴾ جرأة على الله.

وقيل : إنّ فيه معنى التعجّب ، والمراد : ما أكبرها كلمة (٤) ومقالة ! ﴿إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً﴾ فظيعا.

﴿فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً * إِنَّا جَعَلْنا

 ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً * وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها

 صَعِيداً جُرُزاً (٦) و (٨)

ثمّ لمّا بيّن سبحانه فضيلة القرآن ، وغاية جهل المشركين وشدّة حمقهم الموجبة لتأثّر قلب

__________________

(١) تفسير الرازي ٢١ : ٧٥.

(٢) تفسير الرازي ٢١ : ٧٥.

(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٢١٥.

(٤) تفسير الرازي ٢١ : ٧٨.

١٠٦

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وحزنه ، سلّاه سبحانه بقوله : ﴿فَلَعَلَّكَ باخِعٌ﴾ وقاتل أو متعب ﴿نَفْسَكَ﴾ الشريفة ﴿عَلى آثارِهِمْ﴾ ومفارقتهم حين فارقوك ، أو للتحسّر عليهم ﴿إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا﴾ القرآن الّذي هو أحسن ﴿الْحَدِيثِ﴾ وأفضل الكتب ، لأجل أنّك تأسف ﴿أَسَفاً﴾ وتحزن حزنا شديدا.

وحاصل المراد أنّه تعالى شبّه حال نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله في شفقته ورحمته على الأمّة بمن يتوقّع منه إهلاك نفسه من شدّة الحزن على مفارقة الأحبّة ، فسلّاه بأنّه لا يعظم حزنك بسبب كفرهم ، فإنّه ليس عليك إلّا الإنذار والتبشير ، لا إيجاد الإيمان في قلوبهم ، وإنّما المقصود من إرسال الرسل ، وجعل التكاليف ، والإنذار والتبشير ، امتحان الخلق وتميّز النفوس الطيّبة من النفوس الخبيثة ، فعامل معهم بالمداراة والإمتحان كما نعامل معهم (١) .

﴿إِنَّا جَعَلْنا﴾ وخلقنا ﴿ما عَلَى الْأَرْضِ﴾ من المعادن ، والنباتات ، والحيوانات ، لأجل أن يكون ﴿زِينَةً لَها﴾ ولأهلها ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ ونمتحنهم ﴿أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ وأخلص عبادة ، وأزهد في الدنيا ، وأقنع بالكفاف منها ، وأيّهم أقبح عملا ، وأرغب في الدنيا ، وأحرص على جمع زخارفها.

ثمّ أنّهم يكفرون ويتمرّدون ، ومع ذلك لا أقطع عنهم النّعم ، وأداري بهم (٢) ، فأنت يا محمّد أيضا دار بهم ولا تترك - لحزنك على كفرهم ولجاجهم - دعوتهم إلى الحقّ ﴿وَإِنَّا﴾ بعد انقضاء الدنيا والله ﴿لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً﴾ وأرضا بلا نبات ، كما عن الباقر عليه‌السلام ، أو خرابا ، كما عن القمي (٣).

وعن السجّاد عليه‌السلام : « أنّ الله لم يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها ، وإنّما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم أيّهم أحسن عملا » (٤) .

﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩)

ذكر أصحاب الرقيم

ثمّ استشهد على غاية لطفه بالمؤمنين المعرضين عن الدنيا طلبا للآخرة بقصّة أصحاب الكهف فقال : ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ﴾ وساكني الغار الواسع في الجبل ﴿وَالرَّقِيمِ﴾ قيل : هو اسم كلبهم ، أو اسم قريتهم ، أو جبلهم ، أو الوادي الذي كان الجبل فيه ، أو اللّوح الذي كتب فيه أسماؤهم ونسبهم وترجمة أحوالهم (٥) .

وعن الصادق عليه‌السلام « هم قوم فقدوا ، وكتب ملك تلك الديار بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم في

__________________

(١) كذا ، والظاهر : فعاملهم بالمداراة والامتحان كما نعاملهم.

(٢) كذا ، والظاهر : وأداريهم.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣١.

(٤) الكافي ٨ : ٧٥ / ٢٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣١.

(٥) تفسير البيضاوي ٢ : ٤ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٢٠٦ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢١٨.

١٠٧

صحف من رصاص » (١) .

وروي أنّ أصحاب الرّقيم كانوا ثلاثة نفر غير أصحاب الكهف ، خرجوا من بلدهم لحاجة فأخذهم المطر ، فالتجأوا إلى غار ، فلمّا دخلوا فيه سقط حجر عظيم من الجبل ، فسّد باب الغار بحيث لم يمكنهم الخروج منه ، فيأسوا من الحياة ، فتضرّعوا إلى الله ، فتوسّل كلّ منهم إلى عمل خالص لله صدر منه ، فشفّعوه عند الله فنجّاهم الله به (٢) .

وعلى أيّ تقدير ﴿كانُوا مِنْ آياتِنا﴾ أمرا ﴿عَجَباً﴾ لا تحسب ذلك ، فإنّ واقعتهم في جنب عجائب آياتنا - من خلق السماوات والأرض وتزيينها بالمعادن والنباتات والحيوانات - لا عجب فيها.

القمي : يقول قد آتيناك من الآيات ما هو أعجب [ منه ](٣) .

قيل : إنّ أهل مكّة تعجبوا من قصة أصحاب الكهف فسألوا عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله امتحانا ، فنزلت (٤) .

وقيل : إنّ النّضر بن الحارث كان من شياطين قريش ، وكان يؤذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وينصب له العداوة ، وكان قد قدم الحيرة وتعلّم بها أحاديث رستم وإسفنديار ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا جلس مجلسا ذكر فيه الله وحدّث قومه ما أصاب من كان قبلهم من الأمم ، وكان النّضر يخلفه في مجلسه إذا قام ، فقال : أنا والله - يا معشر قريش - أحسن حديثا منه ، فهلمّوا فأنا احدّثكم بأحسن من حديثه ؛ ثمّ يحدّثهم عن ملوك فارس.

ثمّ أنّ قريشا بعثوه وبعثوا معه عتبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة ، وقالوا لهما : سلوهم عن محمّد وصفته ، فأخبروهم بقوله ، فإنّهم من أهل الكتاب الأول ، وعندهم [ من ] العلم ما ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتى قدما إلى المدينة ، فسألوا أحبار اليهود عن أحوال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال أحبار اليهود : سلوه عن ثلاث : عن فتية ذهبوا في الدّهر الأوّل ، ما كان من أمرهم ؟ فإنّ حديثهم عجيب. وعن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هو ؟ فإن أخبركم فهو نبيّ ، وإلّا فهو متقوّل.

فلمّا قدم النّضر وصاحبه مكّة قالا : قد جئناكم بفصل ما بيننا وبين محمّد ، وأخبروا بما قاله اليهود ، فجاءوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسألوه. فقال رسول الله : « أخبركم بما شئتم غدا » ولم يستثن (٥) ، فانصرفوا. ومكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يذكرون خمس عشرة ليلة حتى أرجف أهل مكّة به وقالوا : وعدنا محمّد

__________________

(١) تفسير العياشي ٣ : ٨٨ / ٢٦٢٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٢.

(٢) مجمع البيان ٦ : ٦٩٧.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣١.

(٤) تفسير الرازي ٢١ : ٨١.

(٥) أي لم يقل : إن شاء الله تعالى.

١٠٨

غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة ، فشقّ ذلك عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ جاء جبرئيل من عند الله بسورة أصحاب الكهف ، وفيها معاتبة الله إيّاه على حزنه عليهم ، وخبر أولئك الفتية ، وخبر الرجل الطوّاف (١) .

والقمي عن الصادق عليه‌السلام : « كان سبب نزول سورة كهف أنّ قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران : النضّر بن الحارث بن كلدة ، وعقبة بن أبي معيط ، والعاص بن وائل السّهمي ، ليتعلّموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجوا إلى نجران ، إلى علماء اليهود ، فسألوهم فقالوا : سلوه عن ثلاث مسائل ، فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق.

ثمّ سلوه عن مسألة واحدة ، فإن ادّعى علمها فهو كاذب ، قالوا : وما هذه المسائل ؟ قالوا : سلوه عن فتية كانوا في الزّمن الأوّل ، فخرجوا وغابوا وناموا ، كم بقوا في نومهم حتى انتبهوا ؟ وكم كان عددهم ؟ وأيّ شيء كان معهم من غيرهم ؟ وما كان قصّتهم ؟ واسألوه عن موسى حين أمره الله تعالى أن يتّبع العالم ويتعلّم منه من هو ؟ وكيف تبعه ؟ وما كان قصّته معه ؟ واسألوه عن طائف طاف مغرب الشّمس ومطلعها حتى بلغ سدّ يأجوج ومأجوج ، من هو ؟ وكيف كان قصّته ؟ ثمّ أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث مسائل ، وقالوا لهم : إن أجابكم بما أملينا عليكم فهو صادق ، وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدّقوه. قالوا : فما المسألة الرابعة ؟ قالوا : سلوه متى تقوم الساعة ؟ فإن ادّعى علمها فهو كاذب ، فإنّ قيام الساعة لا يعلمه إلّا الله تبارك وتعالى.

فرجعوا إلى مكة ، واجتمعوا إلى أبي طالب ، فقالوا : يا أبا طالب ، إنّ ابن أخيك يدّعي أنّ خبر السماء يأتيه ، ونحن نسأله عن مسائل ، فإن أجابنا عنها علمنا أنّه صادق ، وأن لم يخبرنا علمنا أنّه كاذب ، فقال أبو طالب : سلوه عمّا بدا لكم. فسألوه عن الثلاث مسائل.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : غدا أخبركم ، ولم يستثن ، فاحتبس الوحي عليه أربعين يوما حتى اغتمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وشكّ أصحابه الذين كانوا آمنوا به ، وفرحت قريش واستزؤوا به وآذوه ، وحزن أبو طالب ، فلمّا كان بعد أربعين يوما نزل عليه جبرئيل بسورة الكهف.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل ، لقد أبطأت ؟ فقال : إنّا لا نقدر أن ننزل إلّا بإذن الله تعالى ، فأنزل الله عزوجل : ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ﴾ الخبر (٢) .

﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا

 رَشَداً * فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ

__________________

(١) تفسير الرازي ٢١ : ٨٢.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٢.

١٠٩

الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ

 آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٠) و (١٣)

قصة أصحاب الكهف

ثمّ حكى سبحانه قصّتهم بقوله : ﴿إِذْ أَوَى﴾ والتقدير : أذكر إذ أوى والتجأ ﴿الْفِتْيَةُ﴾ الذين كانوا من أشراف بلدة أفسوس ( من بلاد الروم ) وأبناء أشرافها بعدما أكرههم دقيانوس أو طغيانوس ( ملك الروم ) على الشّرك وعبادة الأصنام ، فأبوا عن ذلك وهربوا منه ﴿إِلَى الْكَهْفِ﴾ والغار الواسع الذي كان في جبل كان بنواحي بلدتهم يقال له : ينجلوس (١) على ما قيل (٢) ، فاختفوا من خوف القتل فيه ، فاشتغلوا فيه بالعبادة والمناجاة ﴿فَقالُوا﴾ تضرّعا إلى الله : ﴿رَبَّنا﴾ أي مليك أمرنا ﴿آتِنا﴾ وأعطنا ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾ ومن خزائن رحمتك الواسعة العامة ﴿رَحْمَةً﴾ خاصّة من المغفرة ، والأمن من الأعداء ، والسلامة في الدين ، والسّعة في الرّزق ﴿وَهَيِّئْ﴾ وأصلح وأتمم ﴿لَنا﴾ بلطفك ﴿مِنْ أَمْرِنا﴾ الذي نحن فيه من هجر الوطن المألوف ، والفرار من الكفّار ، والقيام لطاعتك ، والاهتمام بتحصيل رضاك ﴿رَشَداً﴾ ووصولا إلى أعلى المقاصد ، من الاهتداء إليك والتقرّب لديك ، فاستجبنا دعاءهم ﴿فَضَرَبْنا﴾ حجابا من النوم ﴿عَلَى آذانِهِمْ﴾ يمنعها من سماع الأصوات : فناموا جميعا ﴿فِي﴾ ذلك ﴿الْكَهْفِ﴾ واستراحوا فيه ﴿سِنِينَ﴾ كثيرة ، كانت تعدّ ﴿عَدَداً﴾ معينا ﴿ثُمَّ بَعَثْناهُمْ﴾ وأيقظناهم من نومهم المشابه للموت ﴿لِنَعْلَمَ﴾ ونختبر ﴿أَيُّ الْحِزْبَيْنِ﴾ والفريقين المختلفين في مدّة لبثهم في النوم ﴿أَحْصى﴾ وأضبط ﴿لِما لَبِثُوا﴾ وبقوا في النوم ﴿أَمَداً﴾ وزمانا ، أو غاية لزمان بعثهم.

عن ابن عبّاس : المراد بالحزبين الملوك الذين تداولوا المدينة ملكا بعد ملك ، فالملوك حزب ، وأصحاب الكهف حزب (٣) .

وقيل : الحزبان من الفتية ، لأنهم اختلفوا بعد انتباههم في أنّهم كم ناموا ؟ (٤)

وقيل : إنّهما المسلمون ، فإنّهم اختلفوا (٥) في مدّة لبث أصحاب الكهف (٦) .

ثمّ بيّن سبحانه سبب التجائهم إلى الكهف ، وسؤالهم الرشد بقوله : ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ ونبيّن لك خبر أصحاب الكهف و﴿نَبَأَهُمْ﴾ حال كون ذلك النبأ مقرونا ﴿بِالْحَقِ﴾ ودلائل الصدق ، من إعجاز البيان ، ومطابقته للكتب ، أو متلبّسا بالمطابقة للواقع من غير زيادة ونقصان ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ﴾ وشبّان

__________________

(١) ينجلوس : اسم الجبل الذي فيه أصحاب الكهف.

(٢) بحار الأنوار ١٤ : ٤٣٢.

(٣ و٤) تفسير الرازي ٢١ : ٨٤.

(٥) في تفسير الرازي : قال الفراء : إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا.

(٦) تفسير الرازي ٢١ : ٨٤.

١١٠

﴿آمَنُوا بِرَبِّهِمْ﴾ ورفضوا عبادة الأصنام ، واهتدوا إلى الحقّ بالنظر والاستدلال ﴿وَزِدْناهُمْ هُدىً﴾ على هدى ويقينا على يقين ، ونورا في القلب على نور ، وثباتا على ثبات ، برؤية آثار توحيد الله وقدرته ، والعلم بنتائج الإيمان وحسن عاقبته.

قيل : إنّ سبب إيمانهم أنّ حواريّا من حواريي عيسى أراد أن يدخل مدينتهم ، فقيل له : إنّ على بابها صنما لا يدخلها أحد إلّا سجد له ، فامتنع من خولها ، وأتى حمّاما كان قريبا من المدينة ، فآجر نفسه فيه ، فكان يعمل فيه ، فتعلّق به فتية من أهل المدينة ، فجعل يخبر خبر السّماء وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدّقوه.

ثمّ إن ابن الملك أراد دخول الحمّام بامرأة ، فنهاه الحواري فانتهره ابن الملك ، فلمّا دخل مع المرأة ماتا في الحمّام ، فقيل للملك : إنّ العامل في الحمّام قتله ، فهرب الحواري فطلبه الملك ولم يجده ، فقال : من كان يصحبه ؟ فسمّوا الفتية ، فهربوا إلى الكهف (١) .

وقيل : إنّ دقيانوس سخّر ممالك الرّوم ، ثمّ جاء إلى بلد يقال له أفسوس فاتّخذه دار سلطنته وبنى فيه مذبحا للأصنام ، وأمر أهل البلد بعبادتها ، وكان يقتل كلّ من تمرّد عن طاعته ، وكان في المدينة ستّة شبّان كلّهم من عظماء البلد ومن أولاد العظماء ، وكانوا مؤمنين بالله ، فاعتزلوا عن الناس ، واشتغلوا بعبادة الله ، وسألوا الله أن يحفظهم من فتنة الملك الجبّار وأن يأمنهم من شرّه ، فأخبر دقيانوس بدينهم واعتزالهم ، فأمر بإحضارهم وأصرّ في انصرافهم عن التوحيد والتزامهم بعبادة الأصنام ، فامتنعوا عن طاعته(٢) .

﴿وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا

 مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً * هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا

 يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً * وَإِذِ

 اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ

 رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٤) و (١٦)

فأخبر الله عن تأييده لهم بقوله : ﴿وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ وثبّتناهم على الدين وألهمناهم الصبر ، وشرحنا صدورهم للإيمان حتى اقتحموا مضايق الصبر على القتل ، أو هجر الأقارب والأهل ، وتركوا

__________________

(١) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢١.

(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢١٩.

١١١

الجاه والنّعم ، واجترأوا على الصدع بالحقّ من غير خوف وحذر (١) من بأس دقيانوس الجبّار ﴿إِذْ قامُوا﴾ بين يديه ﴿فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وحده ﴿لَنْ نَدْعُوَا﴾ أو لا نعبد أبدا ﴿مِنْ دُونِهِ إِلهاً﴾ ومعبودا آخر ، لا استقلالا ولا اشتراكا ، فأمّا إن قلنا بألوهية غيره ﴿لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً﴾ وقولا متجاوزا عن حدود العقل.

قيل : إنّ دقيانوس لمّا رأى تمرّدهم أمر أن ينزع منهم الحلل وقال : أنتم شبّان ليس لكم كثير سنّ ولا تجربة ، وإنّي أمهلكم أيّاما قلائل لكي تتفكّروا في صلاحكم من طاعتي ومخالفتي ، فخرج الملك من البلد فاغتنم الفتية الفرصة (٢) ، وقالوا : ﴿هؤُلاءِ قَوْمُنَا﴾ وأهل بلدنا أعرضوا عن الله و﴿اتَّخَذُوا﴾ لأنفسهم ﴿مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ وعبدوا الأصنام لفرط جهلهم وغاية ضلالهم ، مع أنّ الألوهيّة لا بدّ لها من دليل قاطع ، وهؤلاء القوم الذين يعبدون الأصنام ﴿لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ﴾ ولم لا يقيمون على صحّة عبادتهم حجّة واضحة ؟ ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً﴾ بنسبة الشّرك إليه.

عن مجاهد في تفسير قوله تعالى : ﴿قامُوا﴾ قال : إنّهم كانوا عظماء مدينتهم ، فخرجو فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد ، فقال رجل منهم أكبر القوم : إنّي لأجد في نفسي شيئا ما أظنّ أحدا يجده.

قالوا : ما تجد ؟ قال : أجد في نفسي أنّ ربّي ربّ السماوات والأرض (٣) .

وقيل : إنّهم قالوا ذلك عند قيامهم من النوم في الكهف (٤) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « أنّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا في زمان ملك جبّار عات ، وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام ، وكانوا هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون الله عزوجل ووكّل الملك بباب المدينة وكلاء ، ولم يدع أحدا يخرج حتى يسجد للأصنام ، فخرج هؤلاء بعلّة الصيد » (٥) .

وعنه عليه‌السلام أيضا : « خرج أصحاب الكهف على غير معرفة ولا ميعاد ، فلمّا صاروا في الصحراء أخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق ، فأخذ هذا على هذا ، وهذا على هذا ، ثمّ قالوا : أظهروا أمركم ، فأظهروه فإذا هم على أمر واحد » (٦) .

وعنه : « ما بلغت تقيّة أحد تقيّة أصحاب الكهف ، إنّهم كانوا يشهدون الأعياد ، ويشدو الزنانير (٧) ، فأعطاهم الله أجرهم مّرتين » (٨) .

__________________

(١) في النسخة : وحذار.

(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢١٩.

(٣) تفسير الرازي ٢١ : ٩٧.

(٤) تفسير الرازي ٢١ : ٩٨.

(٥) تفسير القمي ٢ : ٣٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٢.

(٦) تفسير العياشي ٣ : ٨٨ / ٢٦٣٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٥.

(٧) الزّنانير : جمع زنّار ، وهو شيء يشدّه الذمّي على وسطه.

(٨) تفسير العياشي ٣ : ٨٩ / ٢٦٣٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٤.

١١٢

وعنه عليه‌السلام أنّه ذكر أصحاب الكهف فقال : « لو كلّفكم قومكم ما كلّفهم ! » فقيل : ما كلّفهم قومهم ؟

فقال : « كلّفوهم الشّرك بالله العظيم ، فأظهروا لهم الشّرك وأسروّا الإيمان حتى جاءهم الفرج »(١).

وعنه : « أنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف : أسرّوا الإيمان وأظهروا الشّرك ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين » (٢) .

أقول : مقتضى هذه الروايات أنّهم لم يظهروا إيمانهم في بلدهم ، لا عند دقيانوس ولا عند القوم ، فلا بدّ من كون المراد من ( قيامهم ) إقدامهم على إظهار التّوحيد بعضهم لبعض.

عن الصادق عليه‌السلام : « أنّهم مرّوا في طريقهم براع ، فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم ، [ وكان مع الرّاعي كلب ] فأجابهم الكلب وخرج معهم » (٣) .

وروى بعض العامّة أنّ الراعي قال لهم : لا تخافوا منّي فإنّي أحبّ الله ، فوافقهم وصاحبهم في الطّريق مع كلبه ، فذهبوا حتى قربوا من جبل قريب من بلدهم يقال له ينجلوس ، فقال له تمليخا كبيرهم حين أمنوا من كيد قومهم (٤) : ﴿وَإِذِ﴾ فارقتم قومكم و﴿اعْتَزَلْتُمُوهُمْ﴾ وجانبتموهم واعتزلتم ﴿وَما يَعْبُدُونَ﴾ من الأصنام ﴿إِلَّا اللهَ فَأْوُوا﴾ والتجأوا ﴿إِلَى الْكَهْفِ﴾ الذي يكون في هذا الجبل ، واتّخذوه مأوى ومسكنا ، واعبدوا ربّكم فيه ﴿يَنْشُرْ﴾ ويبسط ﴿لَكُمْ﴾ ويوسّع عليكم ﴿رَبُّكُمْ﴾ ومالك أمركم اللطيف بكم بعضا ﴿مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ الواسعة في الدارين ، ﴿وَيُهَيِّئْ﴾ ويسهّل ﴿لَكُمْ﴾ موافقا لصلاحكم ﴿مِنْ أَمْرِكُمْ﴾ الذي أنتم عليه من الفرار بدينكم ﴿مِرْفَقاً﴾ ومستراحا.

قيل : إنّهم لمّا قربوا من الجبل قال لهم الرّاعي : إنّ في هذا الجبل كهفا فأووا إليه ، فتوجّهوا الى الغار ، ولمّا سكنوا فيه أنطق الله الكلب فقال لهم بلسان فصيح : إنّي احبّ من أحبّ الله ، فناموا أنتم وأنا أحرسكم ، فسلّط الله عليهم النّوم فناموا (٥) .

قيل : إنّ دقيانوس رجع إلى بلد أفسوس بعد أيّام ، فسأل عن الشّبّان فأخبروه بفرارهم ، فأحضر آباءهم وكلّفهم أن يحضروا أبناءهم ، فقالوا : إنّهم أخذوا أموالنا وهربوا (٦) .

﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ

 ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ

__________________

(١) تفسير العياشي ٣ : ٨٨ / ٢٦٣٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٤.

(٢) الكافي ١ : ٣٧٣ / ٢٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٤.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٣.

(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٢١٩.

(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٢١٩.

(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٤.

١١٣

وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧)

ثمّ بيّن الله كيفية حفظهم أحياء (١) في الغار مدّة طويلة بقوله : ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ﴾ يا محمّد لو رأيتهم ﴿إِذا طَلَعَتْ﴾ من افق المشرق ﴿تَزاوَرُ﴾ وتميل ﴿عَنْ كَهْفِهِمْ﴾ الذي يكونون فيه ﴿ذاتَ الْيَمِينِ﴾ وجهته من الكهف ، فلا يقع عليهم شعاعها فيؤذيهم ﴿وَإِذا غَرَبَتْ﴾ الشّمس ومالت إلى افق المغرب تراها ﴿تَقْرِضُهُمْ﴾ وتعدل من سمت رؤوسهم ﴿ذاتَ الشِّمالِ﴾ وجانبه من الكهف ﴿وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ﴾ ومتّسع ﴿مِنْهُ ،﴾ فصان الله أجسادهم من الفساد بعدم وصول حرّ الشّمس إليهم في حال من الأحوال ، ووصول الهواء الطيّب والنّسيم إليهم.

قيل : إنّ ذلك كان لأجل أنّ باب الكهف كان في طرف الجنوب (٢) . وقيل : إنّه كان بقدرة الله وخرقه للعادة كرامة لهم (٣) ، وإليه أشار سبحانه بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ الصّنع الذي صنع الله بهم من تزاور الشّمس وقرضها حالتي الطّلوع والغروب مع كونهم في معرض شعاعها آية ﴿مِنْ آياتِ اللهِ﴾ العجيبة الدالة على كمال علمه تعالى وقدرته وإكرامه المؤمنين به الموحّدين له.

ثمّ بيّن سبحانه حسن نتائج التوحيد والإيمان ترغيبا إليه ، وسوء تبعات الشّرك زجرا عنه بقوله : ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ﴾ ويوفّقه لقبول توحيده ومعارفه ﴿فَهُوَ﴾ بالخصوص ﴿الْمُهْتَدِ﴾ إلى كلّ فلاح ونجاح وخير وسعادة في الدارين ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ﴾ عن الحقّ ويحرفه إلى الطريق الباطل بخذلانه ﴿فَلَنْ تَجِدَ﴾ يا محمّد ﴿لَهُ﴾ أبدا ﴿وَلِيًّا﴾ وناصرا و﴿مُرْشِداً﴾ وهاديا يهديه إلى الحقّ وطريق الصّواب. وفيه التّنبيه على أنّ إيمانهم حدوثا وبقاء بلطف الله وتوفيقه.

عن الصادق عليه‌السلام في هذه الآية : « أنّ الله تبارك وتعالى يضلّ الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته ويهدي أهل الإيمان والعمل الصالح إلى جنّته » . الخبر (٤) .

﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ

 باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً

* وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ

 بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى

__________________

(١) في النسخة : حيّا.

(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٤.

(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٥.

(٤) معاني الأخبار : ٢٠ / ١ ، التوحيد : ٢٤١ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٥.

١١٤

الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ

 أَحَداً * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا

 إِذاً أَبَداً (١٨) و (٢٠)

ثمّ بعد بيان كيفيّة حفظهم بيّن سبحانه حالهم في الكهف بقوله : ﴿وَتَحْسَبُهُمْ﴾ لو رأيتهم يا محمّد فيه ﴿أَيْقاظاً﴾ منتبهين لانفتاح عيونهم كأنّهم ناضرين ﴿وَهُمْ رُقُودٌ﴾ ونيام ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ﴾ ونحوّل أجسادهم ﴿ذاتَ الْيَمِينِ﴾ وجانبه تارة ﴿وَذاتَ الشِّمالِ﴾ وناحيته اخرى في كلّ سنة ، كما قال أبو هريرة (١) . أو في كلّ تسع سنين ، كما عن مجاهد (٢) . لئلّا تأكل الأرض لحومهم ولا تبليهم ، كما عن ابن عباس (٣) . ﴿وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ﴾ ومفترش ﴿ذِراعَيْهِ﴾ ويديه ﴿بِالْوَصِيدِ﴾ وفناء الكهف ، أو بابه كأنّه يحرسهم.

قد سبق القول بأنّه كلب الرّاعي ، وقيل : إنّه كلب صيدهم (٤) ، وقيل : إنّه كلب نبح عليهم في الطريق فطردوه مرارا ، فقال لهم الكلب : لا تخشوا منّي فإنّي احبّ أحبّاء الله ، فناموا حتى أحرسكم. (٥) وروى بعض العامة أنّه كان أسدا (٦) .

عن الصادق عليه‌السلام : « لا يدخل الجنّة من البهائم إلّا ثلاثة : حمار بلعم بن باعورا ، وذئب يوسف ، وكلب أصحاب الكهف » (٧) .

وروى بعض العامّة أنّه يدخل مع المؤمنين في الجنّة عشرة من الحيوانات : ناقة صالح ، وعجل إبراهيم ، وكبش إسماعيل ، وبقرة موسى ، وحوت يونس ، وحمار عزير ، ونملة سليمان ، وهدهد بلقيس ، وكلب أصحاب الكهف ، وناقة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكلّهم يصيرون على صورة كبش ويدخلون الجنّة (٨) .

وروى الثعلبي أنّ من سلّم على نوح كلّ يوم وليلة أمن من لدغ العقرب ، ومن كتب : ﴿وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ وجعله معه ، أمن من ضرر الكلب (٩) .

ثمّ بيّن سبحانه هيبتهم الحافظة لهم بقوله : ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ﴾ يا محمّد وأشرفت ﴿عَلَيْهِمْ﴾ بالمعاينة ﴿لَوَلَّيْتَ﴾ وفررت ﴿مِنْهُمْ فِراراً﴾ من هيبة صورتهم ﴿وَلَمُلِئْتَ﴾ وامتلأ صدرك ﴿مِنْهُمْ رُعْباً﴾ وخوفا ، لطول شعورهم وأظفارهم ، وفتح أعينهم كاليقظان الذي يريد أن يتكلّم ، كما قيل (١٠) .

__________________

(١ - ٥) تفسير الرازي ٢١ : ١٠١.

(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٦.

(٧) تفسير القمي ٢ : ٣٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٣.

(٨ و٩) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٦.

(١٠) تفسير الرازي ٢١ : ١٠١ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٧.

١١٥

نقل أنّ معاويّة مرّ بالكهف فقال : لو كشف عن هؤلاء فنظرنا إليهم ، فقال ابن عبّاس له : ليس لك ذلك ، قد منع الله من هو خير منك. فقال : ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ﴾ الآية ، فقال معاوية : لا أنتهي حتى أعلم. فبعث أناسا وقال لهم : اذهبوا فانظروا ، فلمّا دخلوا الكهف جاءت ريح فأخرجتهم (١) .

ثمّ قيل : إنّه مات دقيانوس وانقضى ملكه ، وتعاقبت ملوك كثيرة بعده إلى أن وصل الملك إلى رجل يقال له تندروس ، وكان مؤمنا صالحا ، واختلف أهل مملكته في صحة الحشر ، وأنكره أكثرهم ، كلّما نصحهم الملك لم يقبلوا. فأراد الله أن يقيم لهم دليلا على الحشر ، فايقظ أصحاب الكهف (٢) .

فحكى الله سبحانه ذلك لأمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله تأكيدا للحجّة عليهم بقوله : ﴿وَكَذلِكَ﴾ الإنامة لأصحاب الكهف في المدّة الطويلة ، مع حفظ أجساهدهم وثيابهم من البلى ﴿بَعَثْناهُمْ﴾ وأيقظناهم من نومهم ﴿لِيَتَساءَلُوا﴾ فيما ﴿بَيْنَهُمْ﴾ وكان تساؤلهم أن ﴿قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ﴾ وهو رئيسهم يقال له مكشلينا أو مكسلمينا ، أو تمليخا ، كما عن ابن عباس (٣) للفتية لما رأى من طول شعورهم وأظفارهم : ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ في النوم يا أصحابي ؟ فأجاب الآخرون و﴿قالُوا﴾ نظرا إلى أنّ دخولهم في الكهف كان أوّل النّهار وحسبانهم الوقت آخره : ﴿لَبِثْنا يَوْماً﴾ فلمّا رأوا أنّ الشمس لم تغرب بعد قالوا : ﴿أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ وقيل : إنّهم انتبهوا حين ارتفاع الشمس فقالوا : إن نمنا أمس كانت مدّة نومنا يوما ، وإن نمنا في اليوم كانت مدّته بعض يوم ، فلمّا رأى بعضهم أمارات طول المدّة ، من طول الشعر والأظفار ولا يمكنهم تعيينها (٤)﴿قالُوا﴾ أعرضوا عن البحث ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ﴾ واشتغلوا بما يهمّكم ، فإن تريدون قوت اليوم ﴿فَابْعَثُوا﴾ وأرسلوا ﴿أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ﴾ والفضّة المضروبة ﴿هذِهِ﴾ التي عندكم ﴿إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ التي كنّا فيها ﴿فَلْيَنْظُرْ﴾ المبعوث في أهل المدينة من بائعي الطّعام ﴿أَيُّها﴾ ومن يكون فيها ﴿أَزْكى﴾ وأطيب وأجلّ ﴿طَعاماً﴾ ومأكولا ﴿فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ﴾ وقوت تقومون به ﴿مِنْهُ

قيل : كان في زمان كون الفتية في المدينة جماعة مؤمنون يكتمون إيمانهم ، وكانت ذبيحتهم محلّلة (٥) ، وكان غرضهم الشراء منهم.

﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ وليبالغ في الاختفاء وعدم التعرّف ، من حين الدخول في المدينة إلى الخروج منها ﴿وَلا يُشْعِرَنَ﴾ البتة ﴿بِكُمْ﴾ ذلك المبعوث ﴿أَحَداً﴾ من أهل المدينة ؛ لأنّه إن عرفكم واحد منهم شاع خبركم فيها.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٢ : ٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٧ ، وفيهما : ريح فأحرقتهم.

(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٨.

(٣) تفسير الرازي ٢١ : ١٠٣ ، وفيه : يمليخا.

(٤) تفسير البيضاوي ٢ : ٧.

(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٩.

١١٦

ثمّ حكى سبحانه مبالغتهم في الاختفاء بذكر علّته بقوله : ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا﴾ ويطّلعوا ﴿عَلَيْكُمْ﴾ ويظفروا بكم ﴿يَرْجُمُوكُمْ﴾ ويقتلوكم بالرّمي بالأحجار إن ثبتّم على دينكم ﴿أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ﴾ من عبادة الأصنام ، ويدخلوكم فيها إن لم توطّنوا أنفسكم على القتل ﴿وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً﴾ لا في الدنيا ولا في الآخرة. فإنّ الإجابة الظّاهريّة قد تؤدّى إلى الإجابة الحقيقيّة الواقعيّة.

ثمّ قيل : إنّهم بعثوا تمليخا - وكان له كمال عقل وفطانة - إلى المدينة ، فلمّا وصل إليها رأى بابها متغيّرا ، فلمّا دخلها رأى أسواقها وسككها وأوضاع أهلها على غير النحو الذي رآها سابقا ، فغلبت الحيرة عليه ، فجاء إلى دكّة الخبّاز فأعطاه درهما ليشتري به الخبز ، وكان عليه اسم دقيانوس أو صورته ، فتخيّل أنّه وجد كنزا فأراه أهل السوق ، فانتشر الخبر فيه حتى اتّصل الخبر بحاكم المدينة ، فطلب تمليخا وهدّده وقال : جئني ببقيّة الكنز ، فقال تمليخا : إنّا ما وجدنا كنزا ، إنّما أخذت هذا الدّرهم من دار أبي بالأمس ، وجئت اليوم لأشتري به من السوق طعاما. فسألوه عن اسم أبيه وحليته فأخبرهم ، فلم يعرفه أحد فكذّبوه ، فأخذته الدهشة. فقال : أذهبوا بي إلى دقيانوس الملك. فإنّه عارف بي وبأبي فاستهزءوا به (١) وقالوا : إنّ دقيانوس مات قريبا من ثلاثمائة سنة ، فقال تمليخا : أنا وجماعة من أصحابي فررنا منه بالأمس إلى جبل قريب من هذا البلد ، واليوم بعثني أصحابي لأشتري لهم الطعام ، لا أعلم غير هذا الذي أقول.

فذهب الحاكم به إلى الملك ، فاستخبره الحال ، فأخبره تمليخا بمثل ما أخبر به غيره ، فتوجّه الملك وأشراف البلد مع تمليخا إلى الغار ، فتقدّمهم تمليخا ، وأخبر أصحابه بالقضيّة ، فلمّا وصل الملك إلى الكهف رأى لوحا منصوبا على بابه ، مكتوب فيه أسامي أصحاب الكهف وقصّتهم ، فقرءوه وأطّلعوا على أحوالهم (٢) .

﴿وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ

 يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ

 غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١)

ثمّ بيّن سبحانه علّة إطّلاع النّاس عليهم بقوله : ﴿وَكَذلِكَ﴾ الإنامة ، والبعث الدالّين على كمال قدرتنا وحكمتنا ﴿أَعْثَرْنا﴾ النّاس واطّلعناهم ﴿عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا﴾ بتلك الإنامة والبعث ﴿أَنَّ وَعْدَ اللهِ﴾ بالإحياء بعد الموت للحساب ﴿حَقٌ﴾ وصدق ، لا خلف فيه لوقوع نظيره في الفتية ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ

__________________

(١) في النسخة : فاستهزؤه.

(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢٣٠.

١١٧

والقيامة آتية ﴿لا رَيْبَ فِيها﴾ ولا مجال للشّك في وقوعها ، اذكر يا محمّد ﴿إِذْ﴾ الناس ﴿يَتَنازَعُونَ﴾ فيما ﴿بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ﴾ وفي تدبير إخفاء مكانهم ﴿فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ﴾ وعلى باب كهفهم ﴿بُنْياناً﴾ وجدارا يمنع من تطرّق الناس إليهم ، ومن إطّلاع النّاس على مكانهم ﴿رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ وبشأنهم ، لا حاجة إلى إطّلاع الغير بمكانهم.

وقيل : إنّ الكفار قالوا : إنّهم منّا فابنوا عليهم صومعة (١) . ثمّ قال سبحانه : ﴿رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ منهم ، فتكون الجملة معترضة.

﴿قالَ﴾ الملك والمؤمنون ﴿الَّذِينَ غَلَبُوا﴾ واطّلعوا ﴿عَلى أَمْرِهِمْ﴾ وحالهم : والله ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ﴾ ونبنينّ على باب كهفهم ﴿مَسْجِداً﴾ يصلّي فيه المسلمون ، ويتبرّكون بمكانهم. وقيل : إنّ كلمة ( إذ ) متعلّقة بأعثرنا ، والمعنى : أعثرنا عليهم حين يتنازعون في أمر البعث (٢) .

روي أنّ ملك ذلك الوقت كان ينكر البعث إلّا أنّه مع كفره كان منصفا ، فجعل الله أمر الفتية دليلا للملك (٣) . وقيل : بل اختلفت الأمّة في ذلك الزمان ، فقال بعضهم : الجسد والروح يبعثان ، وقال آخرون : الروح تبعث ، وأمّا الجسد فتأكله الأرض (٤) .

وروي أنّ قوم تندروس لمّا اختلفوا في البعث مقرّين وجاحدين ، دخل الملك بيته وأغلق بابه ، ولبس مسحا (٥) ، وجلس على رماد ، وسأل ربّه أن يظهر الحقّ ، فألقى الله في قلب رجل من الرّعاة ، فهدّ السدّ الذي بناه دقيانوس على باب الكهف لإهلاك الفتية ليتّخذ حظيرة لغنمه ، فعند ذلك بعثهم الله تعالى. فلمّا انتشر خبرهم واطّلع عليهم الملك وأهل المدينة مسلمهم وكافرهم ، كلّموهم وحمدوا الله على الآية الدالّة على البعث.

ثم قالت الفتية للملك : نستودعك الله ونعيذك به من شرّ الجن والإنس ، ثمّ رجعوا إلى مضاجعهم فناموا وماتوا ، فألقى الملك عليهم ثيابه ، وأمر فجعل لكلّ واحد تابوتا من ذهب ، فرآهم في المنام كارهين للذّهب فجعلها من الساج ، وبنى على باب الكهف مسجدا (٦) .

وقيل : إنّهم كانوا يتنازعون في أنّ أصحاب الكهف ماتوا بعد العود إلى الكهف ، أو ناموا كنومهم السابق ؟ (٧) وقيل : يتنازعون في أنّهم على أيّ دين ؟ قال الكفّار : إنّهم كانوا على ديننا ، فنبني عليهم بنيانا ، وقال المؤمنون : إنّهم على ديننا ونتّخذ عليهم مسجدا. وقيل : إنّ التنازع كان في مدّة لبثهم. وقيل : في عددهم ، وأسمائهم ، وأحوالهم ، ومدّة لبثهم ، فلمّا لم يهتدوا إلى شيء منه قالوا : ربّهم أعلم بهم. وقيل :

__________________

(١ - ٤) تفسير الرازي ٢١ : ١٠٥.

(٥) المسح : الكساء من شعر.

(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٢٣٢.

(٧) تفسير الرازي ٢١ : ١٠٥.

١١٨

إنّ هذا اعتراض وكلام من الله ، ردّا للخائضين في حديثهم (١) .

﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ

 وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا

 تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢)

ثمّ حكى سبحانه التنازع في عددهم بقوله : ﴿سَيَقُولُونَ﴾ إنّ أصحاب الكهف عددهم ﴿ثَلاثَةٌ﴾ لا أزيد و﴿رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ وظاهر الآية أنّ هذا التنازع كان في عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما روي أنّ السيّد والعاقب وأصحابهما من أهل نجران كانوا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجرى ذكر أصحاب الكهف ، فقال السيّد - وكان يعقوبيّا - : كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم ، وقال العاقب - وكان نسطوريّا - : كانوا خمسة سادسهم كلبهم ، وقال المسلمون : كانوا سبعة وثامنهم كلبهم (٢) ، فنزل : ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ وهذان القولان يكونان ﴿رَجْماً بِالْغَيْبِ﴾ ورميا بما يخفى على الناس ، وكلاما من غير دليل ، أو ظنّا به ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ.

قيل : في تعقيب القولين الأوّلين بقوله : ﴿رَجْماً بِالْغَيْبِ﴾ دلالة على أنّ القول الثالث ليس كذلك (٣) .

وقيل : إنّ ذكر الواو هنا دالّ على إثبات هذا القول وتصحيحه (٤) .

عن ابن عباس قال : حين وقعت الواو انقطعت العدّة ، يعني لم يبق بعدها عدّة عادّ يعتدّ بها ، وثبت أنّهم سبعة وثامنهم كلبهم قطعا وجزما (٥) .

﴿قُلْ﴾ يا محمّد تحقيقا للحقّ وردّا على القولين الأوّلين : ﴿رَبِّي أَعْلَمُ﴾ من أهل الكتاب ، من اليهود والنصارى ﴿بِعِدَّتِهِمْ﴾ وعددهم ، وبعده تعالى ﴿ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ من النّاس كالنبيّ والوصيّ والذين وفّقهم الله للاستشهاد بالقرائن على الحقّ. قال ابن عباس : أنا من ذلك القليل (٦) .

روى الفخر الرازي وبعض العامة عن علي عليه‌السلام : « أنّهم سبعة نفر وأسماؤهم هذا : يمليخا ، ومكسلمينا ، ومسلثينا ، وهؤلاء الثلاثة كانوا أصحاب يمين الملك ، وكان عن يساره مرنوس ، ودبرنوس ، وسادنوس ، وكان الملك يستشير هؤلاء الستّة في مهمّاته ، والسابع هو الراعي الذي وافقهم لما هربوا من ملكهم ، واسمه كفشططيوش أو كفيشيططيوش ، واسم كلبهم قطمير (٧) .

__________________

(١ و٢) تفسير الرازي ٢١ : ١٠٥.

(٣) تفسير الرازي ٢١ : ١٠٦.

(٤) تفسير الرازي ٢١ : ١٠٦.

(٥) جوامع الجامع : ٢٦٤ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٣٣.

(٦) جوامع الجامع : ٢٦٤ ، تفسير الرازي ٢١ : ١٠٦ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٣٣.

(٧) تفسير الرازي ٢١ : ١٠٦ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٢١٦ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٣٣.

١١٩

وعن ( المجمع ) : أسماؤهم : مكسلمينا ، تمليخا ، ومرطولس ، ونينونس ، وسارينونس ، ودربرنس ، وكشوطبنونس (١) .

وقيل : مكشلينا ، وتمليخا ، ومثلنيا ، ودبرنوش ، ومرنوش ، وشادنوش ، ومرطونس (٢) .

وقيل : مكشلينا ، ونملسا ، وتمليخا ، ومرطونس ، أوبسوطولس ، ونيورس أوبسرطوس ، وبكريوس ، وبطيوس (٣) .

عن ابن عبّاس : أنّ أسماء أصحاب الكهف تصلح للطلب ، والهرب ، وإطفاء الحريق ، تكتب في خرقة ويرمى بها في وسط النار ، ولبكاء الطفل تكتب وتوضع تحت رأسه في المهد ، وللحرث تكتب في قرطاس وترفع على خشب منصوب في وسط الزرع ، وللضربان وللحمّى المثلّثة (٤) ، والصّداع ، والغنى ، والجاه ، والدخول على السلاطين تشدّ على الفخذ اليمنى ، ولعسر الولادة تشدّ على الفخذ اليسرى ، ولحفظ المال ، والركوب في البحر ، والنجاة من القتل (٥) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « أنّه يخرج مع القائم عليه‌السلام من ظهر الكعبة سبعة وعشرون رجلا ، خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، وسبعة من أهل الكهف ، ويوشع بن نون ، وسلمان ، وأبو دجانة الأنصاري ، والمقداد ، ومالك الاشتر ، فيكونون بين يديه أنصارا وحكّاما » (٦) .

ثمّ لمّا أخبر الله نبيّه بعدد أصحاب الكهف ، نهاه عن مناظرة أهل الكتاب فيهم بقوله : ﴿فَلا تُمارِ﴾ ولا تجادل يا محمّد أهل الكتاب ﴿فِيهِمْ﴾ وفي شأنهم ﴿إِلَّا مِراءً﴾ وجدالا ﴿ظاهِراً﴾ غير متعمّق فيه ، بأن تخبرهم بما اوحي إليك من غير تجهيل لهم والردّ عليهم ، لظهور جهلهم به ، فإنّ الجدال مع وضوح بطلان قول الخصم مناف لمكارم الأخلاق ﴿وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ﴾ ولا تسأل شأنهم ﴿مِنْهُمْ﴾ ومن غيرهم من الخائضين فيه ﴿أَحَداً﴾ بعد ما علّمك الله أحوالهم بالوحي ، فلا حاجة لك إلى الاستفتاء والسؤال ، خصوصا مع جهل غيرك.

﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً * إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ

 وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً * وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ

 مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً * قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ

 وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ

__________________

(١) مجمع البيان ٦ : ٧١٠.

(٢ و٣) تفسير روح البيان ٥ : ٢٣٣.

(٤) التي تعاود المريض كل ثلاثة أيام مرّة.

(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٢٣٣.

(٦) روضة الواعظين : ٢٦٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٧.

١٢٠