مصابيح الأصول

علاء الدين بحر العلوم

مصابيح الأصول

المؤلف:

علاء الدين بحر العلوم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز نشر الكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

الامر الغيرى توصلى يتعلق بما هو مقدمة ، والعبادية قد اخذت فى مقدمية الطهارات الثلاث فيستحيل ان تنشأ العبادية من اوامرها الغيرية ، اذن فما هو منشأ عبادية الطهارات الثلاث؟

واجيب عن الاشكال المذكور بما فى الكفاية : بان الطهارات الثلاث فى حد ذاتها مأمور بها فى نفسها بالامر النفسى الاستحبابى ، وذلك الامر النفسى هو الذى اوجب عباديتها.

واشكل على الجواب شيخنا الاستاذ (قده) بامور ثلاثة :

«الامر الاول» ان ما ذكر من وجود الامر الاستحبابى متعلقا بذات الافعال من الطهارات الثلاث غير تام على اطلاقه ، وذلك لتخلفه عن التيمم اذ لم يدل دليل على انه مأمور به بالامر النفسى.

و (يدفع ذلك) بان الدليل كما دل على الاستحباب النفسى فى الوضوء ، والغسل ، كذلك دل على استحباب التيمم نفسا فقد ورد عنه (عليه‌السلام) ـ التراب احد الطهورين ـ ويستفاد منه ان التيمم مصداق للطهور وفرد حقيقى له فهو كالوضوء ، والغسل ، فباطلاق الادلة التى دلت على استحباب الطهور فى نفسه يثبت كون التيمم مستحبا نفسيا ـ كما عرفت ـ

«الامر الثانى» ان وجود الامر النفسى الاستحبابى فى الطهارات الثلاث ، وكونها مقدمة متصفة بالوجوب الغيرى لا يجتمعان ، للتضاد بين الوجوب ، والاستحباب ، فلا بد وان يندك الاستحباب فى ضمن الوجوب ، فكيف يمكن تصحيح العبادية من ناحية الامر الاستحبابى.

و (يدفع ذلك) بان الاندكاك يقتضى زوال مرتبة الاستحباب ، واما محبوبية العمل فى نفسه فهى باقية على حالها فيمكن التقرب به لاجلها.

٣٦١

«الامر الثالث» ان تصحيح الوضوء (مثلا) بالامر النفسى متوقف على الالتفات اليه حين الامتثال لتكون عبادة من جهته ، ولا ريب ان اغلب المكلفين لا يلتفتون الى هذه الجهة بل يأتون به بعنوان المقدمية للصلاة ، فلا بد من الالتزام ببطلان وضوء غالب الناس مع ان احدا لا يلتزم بذلك.

واما ما اجاب به صاحب الكفاية (قده) عن هذا الاشكال بان الامر الغيرى لا يدعو إلّا الى ما هو المقدمة والمفروض ان ما هو المقدمة عبارة عن الفعل المأمور به بالامر النفسى فيكون قصد امتثال هذا الامر النفسى حاصلا ضمنا وان لم يلتفت الى هذا القصد.

فيندفع بان قصد الامر النفسى اذا كان مقوما للمقدمية فكيف يمكن الالتزام بتحققها مع الغفلة عن الامر النفسى رأسا ، على انه لو صح ذلك لزم الحكم بصحة صلاة الظهر اذا اتى بها مقدمة لصلاة العصر مع الغفلة عن وجوبها فى نفسه وهو واضح البطلان ، وهذا الاشكال لا مدفع له ـ بناء على حصر عبادية الطهارات الثلاث باوامرها النفسية ـ بل ان لازم القول بذلك الحكم بطلان صلاة من لا يعتقد بالاستحباب النفسى للوضوء ، فانه اذا كان معتقدا بعدم الامر النفسى امتنع قصده لامتثاله ولو ارتكازا ومع عدم قصده يقع باطلا على الفرض فتبطل الصلاة معه ، مع انه لا يمكن الالتزام به.

وقد اجاب شيخنا الاستاذ (قده) عن اصل الاشكال بمنع حصر عبادية الطهارات الثلاث بالامر الغيرى ، والامر النفسى الاستحبابى ليرد الاشكال على كل منهما وادعى وجود صورة (ثالثة) يمكن ان تكون وجها لعبادية الطهارات الثلاث من دون محذور فى ذلك ، وهى انحلال الامر النفسى المتعلق بذى المقدمة الى اوامر نفسية ضمنية على جميع الاجزاء

٣٦٢

والشرائط التى من جملتها ـ الطهارات الثلاث ـ فكما ان الامر المتعلق بمركب ينحل الى الامر بكل جزء جزء امرا نفسيا ضمنيا فكذلك الامر بالمقيد ينحل الى الامر بذات العمل ، والى الامر بقيده ، فكان كل قيد ـ ومنه الطهارات الثلاث ـ متصفا بالامر النفسى الضمنى ، ثم ان الامر الضمنى يختلف ، فقد لا يكون عباديا ، ولا يعتبر فى سقوطه قصد القربة وهذا هو الغالب فى القيود ، وقد يكون عباديا كما ـ فى الطهارات الثلاث ـ ولا ضير فى اختلاف الاوامر الضمنية فى ذلك ، وعليه فالعبادية انما نشأت من الامر الضمنى الانحلالى وهذا هو الذى اوجب عبادية الطهارات الثلاث.

و (غير خفى) ان ما قاله (قده) انما يتم حيث يدعى عدم الفرق بين الاجزاء ، والشرائط ، واما بناء على وجود الفارق بينهما ـ كما هو الصحيح ـ فالحديث غير تام ، وذلك حيث اوضحنا فيما تقدم : ان الجزء هو ما كان القيد والتقيد فيه داخليين فى المأمور به لذلك يكون مأمورا بالامر النفسى الضمنى ، واما الشرط فهو ما كان تقيده داخلا فى المأمور به دون اصل القيد فكان القيد غير مأمور بالامر النفسى الضمنى لامكان كونه غير اختيارى فلا يمكن تعلق التكليف به ـ مضافا الى ذلك لزوم اتصاف الشرائط ـ حينئذ ـ بالوجوب النفسى ، والغيرى على القول باتصاف المقدمة بالوجوب الغيرى وهو غير صحيح.

و (الصحيح فى الجواب) ان يقال : ان عبادية الطهارات الثلاث انما تتم باحد وجهين : على سبيل منع الخلو :

«الوجه الاول» قصد امتثال الامر النفسى الاستحبابى المتعلق بالطهارات الثلاث مع الغفلة عما يتوقف عليها من الواجب ، او مع القطع بعدم الاتيان به ـ كاغتسال الجنب ـ وهو غافل عن اتيان الصلاة بعده ،

٣٦٣

او قاطع بعدم اتيانها فان الاغتسال يقع عبادة بهذا اللحاظ ، والمعنى المذكور موقوف على وجود الامر النفسى وقد عرفت ثبوته فى الطهارات الثلاث.

«الوجه الثانى» قصد التوصل بالمقدمة المذكورة الى الواجب النفسى فانه محقق لعباديتها وان لم يكن ملتفتا الى امرها النفسى ، فلو اتى المكلف بالطهارات الثلاث بقصد التوصل الى الواجب بلا نظر الى امرها النفسى كان ذلك عبادة ولا يتوقف المعنى المذكور على القول بوجوب المقدمة شرعا فانه حتى مع القول بعدم الوجوب شرعا لو جاء بذلك مع القصد المذكور تحققت العبادة لانه يكفى فيها اتيان الفعل مضافا به الى المولى كما مر فى بحث التعبدى والتوصلى ، ولا ريب ان الواجب لا يحتاج إلّا الى مقدمة عبادية.

فالمتحصل مما ذكرنا ان الامر الغيرى لا يوجب عبادية الطهارات الثلاث وانما الذى اوجبها قصد التوصل الى الواجب ، او لحاظ امرها النفسى بخصوصه.

تنبيه

وجدير بنا ان نتعرض لبعض الفروع التى لها ارتباط بالبحث المتقدم.

منها : ما لو اراد المكلف ان يأتى بالطهارات الثلاث قبل حصول وقت الواجب بعد الالتزام باستحبابها النفسى فهل يمكن ذلك؟ فى المسألة صور يختلف حكمها باختلاف صور التقرب.

«الصورة الاولى»

الاتيان بها قبل الوقت بداعى امرها النفسى الاستحبابى ، ولا اشكال

٣٦٤

فى صحتها وصحة ايقاع الواجب بعد دخول الوقت ، وذلك لان المقدمة التى يتوقف عليها الواجب النفسى هى الطهارة العبادية اى ـ الافعال بوصف العبادة ـ واتيانها بداعى امرها النفسى الاستحبابى محقق لعباديتها ـ كما عرفت ـ ومتى تحققت العبادة خارجا حصلت المقدمة التى توقف عليها ذلك الواجب فلو دخل الوقت واراد المكلف ايقاع الصلاة ـ مثلا ـ امكنه ذلك لتحقق المقدمة خارجا.

«الصورة الثانية»

الاتيان بالطهارة قبل الوقت بداعى التوصل الى الواجب ، والظاهر صحة ذلك ، ـ لما تقدم منا ـ من ان عبادية الطهارات تتأتى باحد امرين :

(الاول) الاتيان بها بداعى امرها النفسى الاستحبابى (الثانى) الاتيان بها بداعى قصد التوصل الى الواجب النفسى ، والمفروض تحققه فلا مانع من الحكم بالصحة ، نعم المعروف : انه لا يصح التيمم للصلاة قبل الوقت وفيه كلام مذكور فى الفقه.

«الصورة الثالثة»

الاتيان بالطهارة بعد الوقت بداعى امرها النفسى الاستحبابى ، والظاهر كفاية ذلك وتحقق المقدمية وان عرض عليها الوجوب الغيرى.

واشكل على هذه الصورة : بان الاستحباب النفسى لا يجتمع مع الوجوب الغيرى بل لا بدّ من اندكاكه به ، ومعه لا بد من اتيانه بداعى امره الغيرى دون النفسى الاستحبابى.

واجاب عن ذلك السيد الطباطبائى (قده) فى عروته بما حاصله : ان اجتماع الوجوب والاستحباب لا محذور فيه ، ما دام اجتماع الامر والنهى حاصلا لاختلاف جهاته ، فان جهة الوجوب الغيرى هى المقدمية ،

٣٦٥

وجهة الاستحباب النفسى هى ذات الافعال ، وقد عرفت ان اختلاف الجهة يصحح اجتماع الحكمين.

«ولا يخفى ما فيه» فان جواز الاجتماع انما يتم حيث تكون الجهة تقييدية ، اما اذا كانت تعليلية فالاجتماع غير جائز لتحققه فى ذات واحدة ، والمقام من قبيل الثانى فلا يجوز اجتماع الوجوب الغيرى ، والاستحباب النفسى فيه.

و (الصحيح فى الجواب ان يقال) : ان عروض الوجوب الغيرى على الاستحباب النفسى لا يرفع المحبوبية ، وملاكها الكامنين فى الفعل ، وانما الوجوب يرفع حد الاستحباب النفسى ، وهو الترخيص فى الترك ، فاذا كان اصل المحبوبية والملاك باقيين على حالهما ، وجاء العبد بالطهارة بداعى المحبوبية بعد الوقت فقد تحققت العبادة منه.

«الصورة الرابعة»

الاتيان بالطهارة بعد الوقت بقصد التوصل الى الواجب النفسى ، وهذا لا اشكال فى صحته ، ووقوعه عبادة ـ كما عرفت ـ

انما الاشكال فيما لو قصد المكلف التوصل بالوضوء (مثلا) الى واجب وكان غافلا عن محبوبيته النفسية ، ثم بدا له فى الاتيان بذلك الواجب فهل يقع الوضوء (حينئذ) عبادة؟

وليعلم انه على القول : بوجوب المقدمة الموصلة لا اشكال فى عدم اتصاف هذا الوضوء بالوجوب الغيرى ، وذلك لعدم التوصل به الى الواجب ، إلّا ان وقوعه قربيا لا يتوقف على الوجوب ، فان المفروض ان المكلف اتى به بداعى التوصل به الى الواجب ، وهذا المقدار محقق لعباديته فلا اثر لترتب الواجب عليه وعدمه ، واما على القول بوجوب المقدمة مطلقا فالامر واضح.

٣٦٦

تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها

لا اشكال فى متابعة وجوب المقدمة لوجوب ذيها فى الاطلاق ، والاشتراط ، بعد البناء على ثبوت الملازمة بينهما ، فلو كان الواجب النفسى مطلقا كان وجوب مقدمته مطلقا ، ولو كان مشروطا بشىء كان وجوب مقدمته مشروطا بذلك.

ولكن صاحب المعالم (ره) اعتبر فى وجوب المقدمة ، العزم ، والارادة ، على اتيان ذيها فمع انتفاء الارادة والعزم عن اتيانه لا تجب المقدمة.

ولا يخفى : مخالفته ـ لما قرّر من لزوم المتابعة فى الاطلاق ، والاشتراط ـ اذ لو فرضنا عدم العزم على الاتيان بذى المقدمة ، فالمقدمة لا تجب على الفرض و ـ حينئذ ـ لا يخلو حال ذى المقدمة ، اما ان يبقى على وجوبه ، او يسقط عنه ، وعلى الاول : يلزم التفكيك بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها وهو خلاف ما فرض من ثبوت الملازمة بينهما ، لان نتيجة ذلك فعلية وجوب ذى المقدمة وعدم فعلية وجوب المقدمة وهو باطل لاستحالة التفكيك فى الامور العقلية ، وعلى الثانى ، يلزم ان يكون وجوب الشىء تابعا لارادة العبد ودائرا مدار اختياره وعزمه وهو محال.

هذا وقد وقع النزاع فيما هو الواجب من المقدمة وهل هو حصة خاصة منها او مطلق المقدمة؟

٣٦٧

اعتبار قصد التوصل

وقد نسب الى الشيخ الانصارى (قده) اختصاص وجوب المقدمة بما اذا قصد بها التوصل الى الواجب دون مطلق المقدمة ، فمتى خلت الافعال الخارجية عن هذا القصد لم تقع على صفة الوجوب ـ والفرق بين مقالة صاحب المعالم (ره) ومقالة العلامة الانصارى (قده) هو ان الاول ، يجعل قيد العزم والارادة من قيود الوجوب نفسه ، بمعنى ان وجوب المقدمة لا يتم إلّا بما قصد به ارادة الواجب ، اما الثانى : فيجعله من قيود الواجب لا الوجوب.

واشكل عليه بما فى الكفاية : بان الملاك الذى يقتضى اتصاف المقدمة بالوجوب هو توقف الواجب النفسى ، والتمكن منه عليها ، وهذا الملاك حاصل فى كلتا المقدمتين سواء قصد التوصل ام لم يقصد ، فاذا كان قصد التوصل غير دخيل فى واجدية الملاك لم يكن دخيلا فى الوقوع على صفة الوجوب ايضا.

وربما يوجه مراد الشيخ (قده) بما حاصله : ان الذى يتصف بالوجوب الغيرى انما هو الفعل بعنوان المقدمية ، ولا بد حين اتيانها من لحاظ هذا العنوان وقصده ، ولما كان قصد التوصل الى الواجب عين عنوان المقدمية ، لزم قصده لا محالة ، نعم ان اتيان الافعال الخارجية وحدها مجردة من قصد التوصل يكون مسقطا للغرض المطلوب لا انه يكون اتيانا للواجب ومصداقا له ، ـ لما عرفت ـ ان الواجب ما كان بعنوان المقدمة وهو عين قصد التوصل.

٣٦٨

واشكل عليه : بان عنوان المقدمية من الجهات التعليلية التى تكون باعثة على انشاء الحكم على الفعل ، لا انها متعلقة للحكم وموردا للتكليف ، فهى كالمصالح ، والمفاسد الكامنة فى المتعلقات ، والافعال الخارجية هى التى تعلق الخطاب بها من دون مدخلية للعنوان فى ذلك

هذا وقد تصدى بعض مشايخنا المحققين (ره) الى توجيه مراد الشيخ (ره) واتيناه على مقدمتين :

«اولاهما» ما ذكره من ان الجهات التعليلية فى الاحكام الشرعية وان كانت تختلف عن الجهات التقييدية ، إلّا انها لا تختلف عنها فى الاحكام العقلية فانها عينها سواء ذلك فى الاحكام العقلية النظرية ام الاحكام العقلية العملية.

اما بيان الاختلاف فى الاحكام الشرعية ، فذلك ـ كالصلاة ـ فان جهتها التقييدية نفس هذا العنوان الذى يعبّر عن جملة امور ـ كالنية ، والتكبيرة ، والقراءة ، والركوع ، والسجود ، وغير ذلك ـ واما الجهة التعليلية فيها فهى نفس المصلحة الحاصلة فى الحكم او المتعلق التى اوجبت الحكم عليها ، ومن البديهى ان احدى الجهتين تغاير الاخرى.

واما بيان عدم الاختلاف بينهما فى الاحكام العقلية فواضح ، اما فى الاحكام العقلية النظرية مثل ـ قولنا ـ العقل يحكم باستحالة اخذ داعى الامر فى المتعلق للزوم الدور ـ فلان الدور وهو الجهة التعليلية هنا عين الحكم وهو المحالية فى المثال وليس بينهما اثنينية اصلا الا من حيث كون احدهما وهو الدور مصداقا للآخر وهو المحالية ، وان شئت ان تقول : ان الجهة التقيدية هنا من مصاديق الجهة التعليلية ، واما الاحكام العقلية العملية ـ كحكم العقل بحسن ضرب اليتيم ـ للتأديب ـ

٣٦٩

فالجهة التعليلية فيها انما هى حسن التأديب ، ولا ريب ان هذه الجهة هى نفس الجهة التقيدية حيث يقال : التأديب حسن وانما يكون الضرب حسنا لانطباقه عليه ، ومن هذه المقدمة الاولى تعرف ان ما نحن فيه كذلك فاننا لو قلنا : الوضوء واجب عند وجوب الصلاة بحكم العقل لانه مقدمة ، فالجهة التعليلية هى المقدمية والواجب بحكم العقل انما هو المقدمة والوضوء انما يجب لانطباقها عليه ، ففى الحقيقة ان الوضوء من مصاديق تلك الجهة التعليلية.

والحاصل : المستفاد من المقدمة الاولى اتحاد الجهات التعليلية والتقيدية فى الاحكام العقلية.

«ثانيهما» ان الواجبات العبادية وغير العبادية انما هى من الامور الاختيارية التى تحتاج الى قصد والتفات نظرا الى ان متعلق البعث لا يكون إلّا امرا مقدورا فلو اتى بالفعل بلا قصد والتفات فقد سقط الغرض ان كان توصليا ولكن ما اتى به لا يتصف بالوجوب ـ لما عرفت ـ من ان المتصف بالوجوب ما كان واقعا عن اختيار ، وارادة ، والنتيجة من ضم هاتين المقدمتين : ان المقدمة ما لم يقصد بها التوصل الى ذيها لا يمكن اتصافها بصفة الوجوب ، ومن الواضح ان قصد عنوان المقدمة هو بنفسه قصد الواجب النفسى والعزم على اتيانه ، فان المقدمة الاولى اثبتت ورود الوجوب على عنوان المقدمة ، والمقدمة الثانية اثبتت عدم اتصاف المقدمة بالوجوب عند عدم قصد التوصل بها الى الواجب وان اسقطت الغرض.

ولا يخفى : ما فى كلتا المقدمتين.

(اما المقدمة الاولى) فلان ما جاء به (ره) من رجوع الجهات التعليلية الى الجهات التقيدية فى الاحكام العقلية اجنبى عن مورد

٣٧٠

النزاع ، وذلك فان نزاعنا ليس فى الوجوب العقلى بل هو فى الوجوب الشرعى ـ لما سبق منا فى بداية البحث ـ ان اللابدية العقلية لا يمكن انكارها ، وانما النزاع فى الوجوب الشرعى الكاشف عنه العقل ، ومن المعلوم ان الجهات التعليلية فى الاحكام الشرعية ليست جهات تقيدية ـ كما عرفت ـ فما جاء به (قده) لا ينطبق على مورد النزاع.

و (اما المقدمة الثانية) فلان القدرة التى تعتبر فى المأمور به (تارة) تكون قدرة شرعية كقوله تعالى ـ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) الخ ـ بناء على ان معنى الاستطاعة هى القدرة ، وكقوله تعالى ـ (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ* فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً*) ـ فان ادراج هذه الامور فى سلسلة واحدة يعطى ان المراد من عدم الوجدان انما هو عدم القدرة على استعمال الماء ، فان المريض يوجد لديه الماء غالبا ولكنه لا يقدر على استعماله ، ومعنى هذا انه فى مورد عدم القدرة على الاستعمال ينقلب التكليف الى التيمم لعدم تحقق شرط الطهارة المائية وفى هذا القسم من الواجب لا ينكشف إلّا ان ما هو المقدور من الافراد هو الذى يشتمل على الملاك المقتضى لا يجابه ، واما غير المقدور منها فلا كاشف عن اشتماله على الملاك.

و (اخرى) تكون القدرة المعتبرة فى المأمور به عقلية ، وفى هذا القسم قد يكون المكلف عاجزا عن الامتثال بالمرة ولا بدّ معه من سقوط الحكم عنه ، وقد يكون عاجزا عن امتثال بعض الافراد دون بعض ـ كالصلاة ـ مثلا ـ فان المكلف ربما يتمكن من امتثالها فى بلده ، واما فى غير بلده من البلدان البعيدة عنه ، فهو غير قادر فعلا على اتيانها فيه وفى هذه الصورة لا موجب لتخصيص الخطاب شرعا بالافراد المقدورة بل

٣٧١

المأمور به نفس الطبيعة الجامعة فانه يكفى فى القدرة عليها المعتبرة فى التكليف بحكم العقل القدرة على امتثال فرد منها ، وما نحن فيه كذلك فان اعتبار القدرة فى ايجاب المقدمة انما هو بحكم العقل فلا يختص الواجب بما يصدر عن ارادة واختيار ، بل الواجب هو الطبيعى الجامع ويكفى فى صحة ايجابه القدرة على ايجاده فى ضمن فرد ما ، فاذا اتى به لا بقصد التوصل كان مصداقا للواجب لا محالة.

ثم ان شيخنا الاستاذ (قده) ادعى ان المقرر افاد ما هو مراد الشيخ (ره) من اعتبار قصد التوصل ، وهو اعتباره فى مقام تحقق الامتثال دون اخذه قيدا فى المقدمة ، بمعنى ان من لم يقصد التوصل الى الواجب باتيانه المقدمة لم يكن ممتثلا ، وهذه الجهة لا ترتبط بجهة اعتبار القيد فى اتصاف المقدمة بالوجوب.

وهذا ان تم فله وجه صحيح فانه بعد اثبات الوجوب الشرعى على المقدمة ـ كما هو مفروض الكلام ـ لا يحصل الثواب إلّا بان يؤتى بالمقدمة بقصد التوصل فيكون من اتى بها وبذيها مستحقا لثوابين.

كما وافاد (قده) ـ مرة اخرى ـ بان المراد من اشتراط قصد التوصل انما هو اعتباره فى مقام المزاحمة ، وقد نقل شيخنا ان شيخه العلامة السيد محمّد الاصفهانى (قده) كان جازما بان مراد الشيخ من اشتراط قصد التوصل هو ذلك ، ولكن شيخنا الاستاذ (قده) كان مترددا بان هذا كان استنباطا منه ، او انه حكاه عن شيخه السيد الشيرازى (قده) وحاصل هذا الوجه : هو ان الواجب النفسى ـ كانقاذ الغريق ـ لو توقف امتثاله على ارتكاب فعل محرم ـ كالسلوك فى الارض المغصوبة ـ فالمزاحمة تقع بين الوجوب الغيرى الثابت للمقدمة وبين الحرمة النفسية و ـ حينئذ ـ

٣٧٢

فان قصد المكلف التوصل بالمقدمة الى الواجب النفسى ارتفعت الحرمة عن ذلك الفرد المحرم لاجل التوصل به الى الواجب النفسى ، لان انقاذ النفس المحترمة من الغرق اهم من التصرف بمال الغير المتحقق بسلوك الارض المغصوبة ، وان لم يقصد ذلك بل قصد التنزه وما شاكله كانت الحرمة باقية لا محالة.

و (غير خفى) ـ ان المزاحمة فى الحقيقة انما هى بين الحرمة النفسية والوجوب النفسى الثابت لذى المقدمة و (بعبارة اخرى) بين وجوب انقاذ الغريق ، وحرمة سلوك الارض المغصوبة ، لان المكلف لا يستطيع الجمع بين الامتثالين فى عرض واحد ، وهذا التزاحم موجود قلنا : بوجوب المقدمة ام لم نقل ، وانما يقدم الواجب النفسى لان ملاكه اهم من ملاك التحريم ، واما سلوك الارض المغصوبة فانما ترتفع حرمته فيما اذا وقع فى طريق الانقاذ فان من المستحيل ان يبقى على حرمته والانقاذ واجب عليه فعلا سواء قصد به التوصل ام لا ، غاية الامر انه لو لم يقصد بها التوصل الى الواجب كان متجريا ، واما لو لم يقع السلوك فى سلسلة علة الانقاذ ولم يترتب الانقاذ عليه لم يكن موجب لارتفاع حرمته قصد به التوصل ام لم يقصد ، غاية الامر انه ان قصد التوصل به ولم يترتب الواجب عليه احيانا كان معذورا فى ارتكاب الحرام.

ومما تقدم تظهر لنا الثمرة ـ بناء على ما ذهب اليه الشيخ الانصارى (ره) ـ من ايجاب المقدمة التى يقصد بها التوصل ، اذ ـ بناء عليه فى مسألة سلوك الارض المغصوبة ـ ترتفع الحرمة عن المقدمة التى يقصد بها التوصل لا غير ، ولكن بناء على ما ذهب اليه صاحب الكفاية (قده) من ايجاب جميع المقدمات فليس هناك مقدمة محرمة بل ترتفع الحرمة

٣٧٣

فى الجميع سواء قصد التوصل ام لا.

هذا وقد تعرض شيخنا الاستاذ (قده) للفروع التى ذكرها المقرر عن الشيخ (ره) تفريعا على مطلبه ، ولكنه فى نفس الوقت استبعد صدورها عن الشيخ (قده).

«الفرع الاول»

ما لو جهل المكلف القبلة ، فلزمته الصلاة الى اربع جهات ، او جهل النجس فى ثوبين ، فلزمته الصلاة بكل واحد منهما ولكنه تماهل وجاء بصلاة واحدة الى جهة من الجهات الاربع ، او بصلاة واحدة فى ثوب واحد ، ولم يأت بالباقى وصادف عمله الواقع كانت صلاته باطلة ، وذلك : لان الاتيان بالصلاة الى جهة واحدة ، او فى ثوب واحد ، انما هو مقدمة لتحصيل الواجب النفسى وهذه المقدمة لم يأت بها بقصد التوصل الى الواجب النفسى ولا بدّ من الاتيان بما هو واجب عليه فالاعادة لازمة.

و (غير خفى) ان استبعاد شيخنا (قده) فى محله ، فان وجوب الصلاة الى الجهات الاربع انما هو من باب المقدمة العلمية ، والبحث فيها لا يبتنى على القول بوجوب المقدمة وعدمه ، فان الحاكم فيها هو العقل ، اما مورد النزاع من اعتبار قصد التوصل وعدمه فانما هو فى المقدمة الوجودية ولا ربط لاحدى المقدمتين بالاخرى ، نعم ذكر شيخنا الانصارى (قده) فى رسائله فى اواخر بحث البراءة ما حاصله : ان الاطاعة الاحتمالية هل هى فى طول الاطاعة اليقينية التفصيلية ، او الاجمالية ، او فى عرضها؟ فان قلنا : بالثانى كان ما جاء به صحيحا وممتثلا ، اذ المفروض تحقق الواجب فى الخارج وقد قصد التقرب به احتمالا ، وان قلنا : بالاول كان ما جاء به فاسدا وان صادف عمله الواقع لان الطريقة التى جاء بها غير صحيحة ،

٣٧٤

لفقدها حصول التقرب ، فان التقرب بالامتثال الاحتمالى انما يكون مع العجز عن الامتثال اليقينى ولو اجمالا ، والمفروض انه متمكن من الاطاعة الاجمالية بسبب التكرار فلا يجوز له الرجوع الى الاطاعة الاحتمالية.

«الفرع الثانى»

لو توضأ المكلف لغاية خاصة ـ كقراءة القرآن ـ فلا يجوز له الدخول الى الصلاة بذلك الوضوء باعتبار ان الغاية الثانية لم تكن مقصودة حين الوضوء ، وانما كان المقصود غاية اخرى ، فلو اتى بالصلاة بذلك الوضوء فقد جاء بها بدون مقدمة وذلك باطل.

والحاصل ان الغايات المشروطة بالطهارة اذا لم تكن مقصودة لا يمكن الاتيان بها ما دام المكلف قد اتى بها لغاية اخرى.

وقد اشكل المقرر نفسه على هذا الفرع ، وادعى عدم تحقق ثمرته فى الوضوء ، وانما تظهر فى الغسل بدعوى : ان الوضوء ماهية واحدة لا تقبل التعدد وهى عبارة عن ذات الافعال مع قصد التقرب وهذه الماهية حقيقة واحدة وان اختلف سببها ، فلو جىء بها لغاية خاصة ، ترتبت عليها غاية اخرى ، فلا يكون لاعتبار قصد التوصل ـ حينئذ ـ ثمرة.

واما الغسل فليس كذلك ، فانه عبارة عن ماهيات مختلفة ، فلو قصد بالغسل غاية مخصوصة ، فلا تترتب عليه غاية اخرى لان كل غاية محتاجة الى ماهية تختلف حقيقتها عن الماهية الاولى ، فهذا المعنى يتأتى فى الغسل دون الوضوء.

واشكل عليه شيخنا الاستاذ (قده) بان الغسل وان اختلفت ماهيته بحسب اسبابه ـ كالجنابة ـ إلّا انها لا تختلف بحسب غاياته ، ولا يحتمل

٣٧٥

احد ان غسل الجنابة لاجل ـ قراءة القرآن ـ غيره لاجل الدخول فى الصلاة ، فكان الغسل ، والوضوء ، من هذه الجهة شيئا واحدا ، فكما تترتب الغايات على الوضوء ، كذلك تترتب على الغسل ايضا.

المقدمة الموصلة

اما صاحب الفصول (ره) فقد ذهب الى اختصاص الوجوب الغيرى بالمقدمة الموصلة التى هى عبارة عن الحصة الخاصة المترتب عليها ذوها وهو الواجب النفسى ، دون مطلق المقدمة وان لم توصل الى الواجب النفسى ، وادعى البداهة على ذلك ، بان العقل يرى محبوبية المقدمة الموصلة التى يترتب عليها الواجب خارجا ، اما المقدمة التى لا توصل الى الواجب النفسى فلا يرى محبوبيتها ، وللآمر ان يصرح بعدم ارادته لها.

واورد عليه شيخنا الاستاذ (قده) وادعى ان الالتزام باختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة مستلزم للدور ، او التسلسل ، وكلاهما محالان.

(اما بيان الدور) ـ فحاصله : ان ترتب الواجب النفسى ان اخذ قيدا فى اتصاف المقدمة بالوجوب فلازمه ان يترشح وجوب غيرى من المقدمة الى الواجب النفسى باعتبار ان الواجب النفسى اخذ قيدا فى الواجب الغيرى وقد فرض ان الوجوب قد ترشح من ذى المقدمة على مقدمته فهذا دور.

و (الجواب عن ذلك) : ان اتصاف المقدمة بالوجوب الغيرى موقوف على اتصاف ذيها بالوجوب النفسى ، إلّا ان ذا المقدمة لا يتوقف اتصافه بالوجوب النفسى على اتصاف المقدمة بالوجوب الغيرى بل هو

٣٧٦

تابع لدليله ، ولكنه فى نفس الوقت لا ينافى ترشح الوجوب الغيرى من المقدمة على ذيها ، فيجتمع على ذى المقدمة وجوبان ، نفسى ، وغيرى ، ولا محذور فيه ما دام الالتزام بالاندكاك ممكنا.

و (التحقيق ان يقال) ان القول : باختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة لا يقتضى اعتبار الواجب النفسى قيدا للواجب الغيرى اصلا ، فان الغرض من التقييد بالايصال انما هو الاشارة الى ذات المقدمة التى تقع فى سلسلة علة وجود الواجب النفسى ، فالقائل : باختصاص الوجوب الغيرى بالمقدمة الموصلة انما يدعى الملازمة بين وجوب الشىء ووجوب مقدماته الملازمة له فى الوجود ، واما المقدمات المفارقة له فى الوجود فلا مقتضى لايجابها اصلا ، وعليه فلا يتصف الواجب النفسى بالوجوب الغيرى ليتوهم الدور.

و (اما بيان التسلسل) فحاصله : ان الواجب لو كان خصوص المقدمة الموصلة فذات المقدمة كانت من مقدماتها ، باعتبار ان ذات المقدمة ، مقدمة للمقدمة الموصلة و ـ حينئذ ـ فذات المقدمة ، اما ان تجب على الاطلاق بلا قيد انضمام جزئها الآخر وهو الايصال ، وهو خلاف ما التزم به من اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة ، بل لازمه وجوب جميع المقدمات بلا خصوصية لواحدة منها ، او تجب مع قيد الانضمام ـ فحينئذ ـ لا بد من ملاحظة ذات هذا المقيد بالانضمام ، باعتبار ان الذات قد صارت مقيدة بقيد الانضمام فكل مقيد له ذات ، وتلك الذات ، اما ان تجب على الاطلاق وهو خلاف الملتزم به ، او تجب على نحو التقييد فينقل الكلام الى ذاتها ، وهكذا الى ما لا نهاية له.

و (الجواب عنه) ـ يظهر مما تقدم من ان الايصال لم يؤخذ قيدا فى

٣٧٧

الواجب ، بل الغرض من التقييد بالايصال هو الاشارة الى الحصة الخاصة من المقدمة الملازمة للواجب النفسى فى الوجود ، وعليه فذات المقدمة لا تغايرها فى الوجود لتكون مقدمة للمقدمة ، ويلزم من اعتبار الايصال فى اتصاف المقدمة بالوجوب التسلسل.

ثم ان هنا ثلاثة ايرادات اوردوها على الفصول.

(الايراد الاول) ما ذكره صاحب الكفاية ، وشيخنا الاستاذ (قده) وحاصله : ان ايجاب خصوص المقدمة الموصلة يستلزم الاخذ بمقالة صاحب المعالم (ره) من ايجاب خصوص الاسباب التوليدية التى لا يتخلف المسبب عنها دون سائر المقدمات ، مع انه لا يلتزم بذلك (قده).

و (الجواب عنه) ان المراد بالايصال هو كل ما وقع فى سلسلة علل وجود الشىء وينتهى بالاخرة اليه ، وذلك هو الذى يتصف بالوجوب ، واما ما خرج عن تلك السلسلة فلا يتصف بالوجوب ، ومن البديهى ان المعنى المذكور لا يختص بالاسباب التوليدية فقط.

«الايراد الثانى»

ما جاء به صاحب الكفاية (قده) من ان الغرض الداعى الى ايجاب المقدمة هو تمكن العبد من الاتيان بذيها ومعنى ذلك : هو ان العبد لما لم يكن ابتداء متمكنا من امتثال الواجب النفسى احتاج الى وسيلة يقتدر بسببها على امتثال ذلك الواجب ، وتلك الوسيلة هى المقدمة ، فكان الغرض من ايجاب المقدمة هو التمكن من وجود ذيها ، وهذا المعنى حاصل فى مطلق المقدمة دون خصوص الموصلة منها.

و (الجواب عنه) ـ ان الغرض من ايجاب المقدمة ليس هو حصول التمكن من امتثال الواجب النفسى ، فان ذلك حاصل حتى فى صورة عدم

٣٧٨

الاتيان بالمقدمة ، فان التمكن من الاتيان بالمقدمة يكفى فى القدرة على امتثال الواجب النفسى بلا حاجة الى اتيان نفس المقدمة ، ولو كان التمكن من الواجب متوقفا على الاتيان بالمقدمة لجاز تفويت الواجب بترك مقدمته ، فان القدرة ليست بواجبة التحصيل ، بل الغرض من ايجاب المقدمة ايصالها الى الواجب ، بمعنى ان المولى يوجب كل ما يقع فى سلسلة علل الواجب النفسى لان الاشتياق الى شىء لا ينفك عن الاشتياق الى ما يقع فى سلسلة علته دون ما لا يقع فى سلسلتها فلا وجه للايراد.

«الايراد الثالث»

ما ذكره صاحب الكفاية (قده) من ان الايصال لو اعتبر قيدا فى المقدمة ، فالمكلف لو جاء بالمقدمة مع عدم الاتيان بذيها وهو الواجب النفسى فالامر لا يخلو ، اما من الالتزام بسقوط الامر الغيرى عنه ، او الالتزام بعدم السقوط ، ولا مجال للثانى لانه موجب للتكرار ، و (على الاول) فاما ان يكون السقوط للعصيان ، او لفقد الموضوع ، او لموافقة الخطاب ، والعصيان غير حاصل ، لفرض الاتيان بالمقدمة ، وفقد الموضوع كذلك ، فلا بد من تعين الثالث وهو السقوط موافقة للخطاب والامتثال ، وهذا هو المطلوب فالمكلف يكون ممتثلا بالاتيان بهذه المقدمة وان لم توصل الى ذيها ، فالوجوب الغيرى متعلق بمطلق المقدمة دون ما ترتب عليها ذوها.

و (الجواب عنه) ـ اولا ـ بالنقض باجزاء الواجب المركب ، فان الامر لو تعلق بالمركب فكل جزء من اجزائه يكون مأمورا به بالامر الضمنى النفسى ، فلو جاء المكلف باول جزء ولم يأت ببقية الاجزاء فلا يخلو الامر الضمنى المتعلق بذلك الجزء اما من الالتزام بسقوطه ، او بقائه ،

٣٧٩

و (الثانى) غير ممكن لاستدعائه التكرار و (الاول) ايضا كذلك ، لان لازمه ان يكون الجزء وحده مأمورا به دون بقية الاجزاء ، وهو خلاف المفروض من كونه جزءا دون ان يكون واجبا مستقلا.

و (ثانيا) ـ بالحل وحاصله : ان يلتزم بسقوط التكليف عنه مراعى باتيان جميع الاجزاء دون ما اذا استقل الجزء فى الوجود ، وذلك فان الامر المتعلق بالمركب امر بكل جزء بشرط انضمام الباقى من الاجزاء اليه ، واما الجزء المجرد عن بقية الاجزاء فلا امر به من الاول ليسأل عن سقوطه وعدم سقوطه ، فاذا جاء المكلف بجزء ثم اتى بالباقى كشف ذلك عن سقوط التكليف وإلّا فلا ، ومقامنا كذلك : فان الواجب من المقدمة انما هو الحصة التى يترتب عليها ذوها ، واما مجرد الاتيان بالمقدمة بلا ترتب ذيها عليها فلا اثر له ، فسقوط الامر عن المقدمة انما يكون حيث ينضم اليها ذو المقدمة ، واما التى لا يترتب عليها ذوها فلا تتصف بالوجوب من الاول.

ادلة صاحب الفصول

استدل صاحب الفصول (قده) على مدعاه بادلة ثلاثة :

«الدليل الاول»

هو ان الحاكم بوجوب المقدمة انما هو العقل المدرك للملازمة بين وجوب الشىء ووجوب مقدمته ، ومن الظاهر انه لا يدرك إلّا الملازمة بين طلب شىء ، وطلب ما يقع فى سلسلة علة وجود ذلك الشىء فى الخارج ، واما ما ينفك عنه ، ولا يترتب عليه فى الخارج فالعقل لا يدرك الملازمة بين طلبه ، وطلب ما يتوقف عليه.

٣٨٠