مصابيح الأصول

علاء الدين بحر العلوم

مصابيح الأصول

المؤلف:

علاء الدين بحر العلوم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز نشر الكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

دليل خارجى ـ كالعلم الاجمالى ـ بان كان احد الظهورين مخالفا للواقع وذلك لرجوع القيد قهرا ، اما الى المادة ، او الهيئة ، فتقديم ما هو الاقوى ظهورا على الآخر للعلم الاجمالى ليس بصحيح حتى لو كان احد الدليلين بالوضع والآخر بالاطلاق.

والحاصل ان الكبرى المتقدمة وهى ـ تقديم الاطلاق الشمولى على البدلى ـ لو تم تسليمها ، إلّا ان الصغرى ليست من مصاديق تلك الكبرى الكلية ، وذلك فان القيد المذكور اما ان يكون متصلا ، او منفصلا ، و ـ الاول ـ يوجب اجمال الدليل لاحتفافه بما يصلح للقرينية فلا ينعقد الاطلاق من البداية و ـ الثانى ـ لا يوجب التقديم المذكور لان التنافى بينهما ليس تنافيا ذاتيا بين الدليلين بل هو مستفاد من امر خارجى وهو لا يستوجب تقديم الاقوى منهما على الآخر.

الوجه الثانى :

فى الدليل الذى جاء به الشيخ (قده) على عود القيد الى المادة دون الهيئة عند التردد ما حاصله : ان كل مورد دار امره بين رفع اليد عن اطلاق واحد ، او اطلاقين ، كان الاول مقدما على الثانى ، وذلك للزوم الاقتصار على الاقل فيما خالف القاعدة من اجل مخالفة الظاهر ، اما تطبيق هذه الكبرى على ما نحن فيه فهو ان القيد اذا عاد الى الهيئة فكما يلزم رفع اليد عن الاطلاق فيها كذلك يلزم رفع اليد عن الاطلاق فى المادة ـ مثلا ـ اذا كان وجوب الصلاة مقيدا بتحقق الزوال فالمتصف بالوجوب حصة خاصة من الصلاة ـ اعنى بها الواقعة بعد الزوال ـ واما اذا رجع القيد الى المادة فلا يلزم منه رفع اليد عن الاطلاق فى الهيئة ، ومتى تردد عود القيد الى احدهما تعيّن الرجوع الى المادة خاصة اقتصارا

٣٢١

على المتيقن فيما خالف القاعدة كما عرفت.

ولقد سلم صاحب الكفاية (قده) هذه المقالة فيما لو كانت القرينة منفصلة ، لانعقاد ظهور كل من الهيئة والمادة فى الإطلاق ، واما لو كانت القرينة متصلة فالوجه السابق لا يتاتى فيها وذلك فان رجوع القيد الى الهيئة لا يستلزم مخالفة اصلين لعدم انعقاد ظهور فى الاطلاق للمادة ومعه لا وقع للترديد المذكور.

وشيخنا الاستاذ (ره) وافق الشيخ الانصارى فى مقالته ولم يفرق فى ذلك بين القرينة المتصلة ، والمنفصلة ، اما فى القرينة المتصلة فلان القدر المتيقن من التقييد هو رجوع القيد الى المادة لانه اما ابتداء ، او من جهة رجوعه اليها بتبع رجوعه الى الهيئة ، واما تقييد الهيئة فانه محتاج الى اعتبار خصوصية زائدة وهى اخذ ذلك القيد مفروض الوجود ومع احتمالها يدفع باطلاق القيد وحديث احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية لينتج عدم انعقاد الاطلاق لا يتم فى المقام وذلك فانه اذا لم يكن تقيد معلوم على كل تقدير وفى المقام تقيد المادة معلوم مفصلا.

ولا يخفى ما فى جميع هذه الدعاوى

اما بطلان ما ادعاه الشيخ (ره) من لزوم تقيد المادة اذا قيدت الهيئة فواضح ، فان تقيد كل من المادة والهيئة محتاج الى خصوصية وهى فى الهيئة عبارة عن اخذ القيد مفروض الوجود غير داخل تحت الطلب اصلا اختياريا كان ، او غير اختيارى ، بمعنى انه اذا تحقق القيد صار الحكم فعليا ، واما الخصوصية فى المادة فهى عبارة عن اخذ التقيد داخلا تحت الطلب ومعناه وجوب تحصيل القيد على المكلف اذا كان اختياريا ، والنسبة بين هاتين الخصوصيتين عموم من وجه ، ومادة الاجتماع لهما

٣٢٢

والتى يقيد كل من المادة والهيئة بقيد فكالوقت الخاص بالنسبة الى الصلاة ، ووجوبها ، فانها من حيث كونه شرطا لصحة الصلاة فهو قيد للواجب ومن حيث انه ما لم يتحقق لا يكون الوجوب فعليا فهو قيد للوجوب ، ومورد افتراق تقيد المادة عن الهيئة بان تكون المادة هى المقيدة دون الوجوب فكاشتراط الصلاة بالاستقبال ، ومورد افتراق تقيد الهيئة عن المادة فكاشتراط وجوب الحج بالاستطاعة فانها شرط للوجوب لكنها لم تعتبر فى الحج نفسه فلو استطاع ووجب عليه لكنه ازال الاستطاعة باختياره وحج متسكعا صح حجه.

واذا تبين من هذا الجواب بطلان الملازمة وان هناك موردا يمكن تقيد الهيئة فيه دون المادة وبالعكس ، عرفت ان ما ادعاه الشيخ من الكبرى المتقدمة غير صحيح.

واما تصديق صاحب الكفاية (ره) للدعوى المتقدمة فى خصوص القرينة المنفصلة فقد عرفت بطلانه وذلك حيث انعقد الظهور فى الاطلاق لكل من المادة والهيئة ثم بعده جاءت القرينة الخارجية التى دلت على عدم ارادة احد الظهورين فمقتضى العلم الاجمالى سقوطهما للعلم بالمقيد ، اما المادة ، او الهيئة ، وقد عرفت ان تقيد كل منهما محتاج الى خصوصية زائدة فكان رفع اليد عن الاطلاق فى احدهما دون الآخر ترجيحا بلا مرجح فلا بد من سقوط كلا الظهورين فى الاطلاق.

ومنه اتضح جليا بطلان ما جاء شيخنا الاستاذ (قده) اما فى القرينة المتصلة ، فلا جمال الكلام من اجل احتفافه بما يصلح للقرينية ، واما فى المنفصلة فلما عرفت من الرد السابق من ان تقيد كل من اطلاق المادة والهيئة محتاج الى خصوصية وعناية فرفع اليد عن الاطلاق فى احدهما

٣٢٣

للعلم الاجمالى ترجيح بلا مرجح فيسقط كلا الظهورين فى الاطلاق.

فانقدح مما ذكرناه ان تقيد الهيئة لا يستلزم تقيد المادة بالمعنى الذى قلناه ـ اعنى كون التقيد داخلا تحت الطلب ـ الذى هو محل البحث والنزاع ، نعم هنا معنى آخر لتقيد المادة ونحن لا نناقش به وانه يستلزم تقيد الهيئة تقيد المادة ويحصل بذلك تضيق قهرى وهو لا يرتبط بالبحث.

٣٢٤

تنبيهات

التنبيه الاول

ان المقدمة التى يبحث عن وجوبها لا يفرق فيها بين ان تكون مقدمة لواجب مشروط ، او مطلق ، خلافا لصاحب المعالم (قده) حيث خص النزاع بمقدمة الواجب المطلق كما قال فى صدر البحث : «الاكثرون على ان الامر بالشىء مطلقا يقتضى ايجاب ما لا يتم إلّا به شرعا» الخ.

والصحيح عدم الاختصاص بذلك ، لانه بناء على الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها لا يفرق الحال بين المطلق والمشروط غاية الامر مقدمة الواجب تكون تابعة له فى الاطلاق والاشتراط ، لبداهة ان التفكيك بينهما بالاطلاق والتقييد ينافى ما فرض لهما من الملازمة بين الوجوبين ، اذ مع تقييد احدهما وقبل حصول القيد لا يترتب عليه الوجوب كما هو الفرض ، بينما يترتب الوجوب على الآخر بحكم ما فرض له من الاطلاق ، ووجود احدهما مع عدم الآخر ينافى القول بالملازمة بين وجوبيهما كما هو الفرض.

التنبيه الثانى

ان المقدمات الوجوبية التى اخذت مفروضة الوجود كالاستطاعة بالاضافة الى وجوب الحج خارجة عن بحث وجوب المقدمة ، فانه لا معنى لترشح الوجوب الغيرى عليهما ، اذ الوجوب قبل حصولها مفقود ، وبعد حصولها لا معنى لطلبه لانه تحصيل الحاصل ، نعم يمكن ان تكون المقدمة

٣٢٥

الوجوبية واجبة بوجوب آخر نفسى غير وجوب ذى المقدمة كالنذر واليمين وهذا اجنبى عن مقامنا.

التنبيه الثالث

لا اشكال فى وجوب تعلم الاحكام الشرعية وتعلم موضوعاتها ومتعلقاتها ، لا بملاك وجوب مقدمة الواجب فان معرفة الحكم ليست مما يتوقف عليه وجود الواجب ، او ترك الحرام ، ومعرفة المتعلق وان كانت من المقدمات احيانا ، إلّا ان وجوبها لا يدور مدار القول بوجوب المقدمة بل هو ثابت بالكتاب ، والسنة ، انما الاشكال فى انه وجوب نفسى او طريقى.

ذهب المحقق الاردبيلى (قده) وجماعة الى الاول استنادا الى جملة من الادلة حيث ورد فى قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ *) ، وفى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم» ، و «اطلبوا العلم ولو فى الصين» وما ورد فى الخبر : «ان العبد يؤتى به يوم القيامة فيقال : له هلا عملت فيقول : ما تعلمت فيقال : هلا تعلمت» حيث دل على ان التعلم مأمور به شرعا فكان واجبا نفسيا.

ولكن الصحيح هو الثانى كما ذهب اليه المشهور ببيان ، ان العقل يحكم على كل من يحتمل توجه التكليف اليه من قبل مولاه وان ذلك فى معرض الوصول اليه ، بلزوم الفحص عنه وتعلمه لان احتمال التكليف الذى هو فى معرض الوصول مساوق لاحتمال العقوبة على مخالفته ، والعقل يحكم بلزوم تحصيل الامن من العقوبة ، اما قاعدة قبح العقاب بلا بيان فلا تتأتى فى الموارد التى يكون عدم وصول التكليف فيها من

٣٢٦

جهة تساهل العبد وتسامحه فى تعلم الاحكام مع فرض بيان المولى ، وكون بيانه فى معرض الوصول ، نعم لو لم يكن البيان فى معرض الوصول كان التكليف بنفسه قاصرا فلا عقاب على المكلف فى مخالفته ، ومن هنا ظهر انّ الروايات المتقدمة انما تشير الى هذا المعنى وهو الارشاد الى حكم العقل دون ان يكون الوجوب فيها نفسيا.

التنبيه الرابع

لا اشكال فى اطلاق لفظ الواجب على الواجب المطلق حقيقة ، كما ان اطلاقه على الواجب المشروط بلحاظ حال حصول شرطه حقيقة ايضا ، واما اطلاقه عليه لا بهذا اللحاظ : فعلى ما ذهب اليه الشيخ (قده) من رجوع القيد الى المادة يكون حقيقة ايضا وذلك لان الوجوب فعلى وان كان الواجب مشروطا بأمر متأخر ، واما على ما ذهب اليه المشهور من رجوع القيد الى الهيئة فمجاز بعلاقة الاول ، والمشارفة ؛ لعدم تحقق نفس الوجوب فعلا ، وقد ذكرنا ـ فى بحث المشتق ـ ان اطلاق المشتق على الذات التى لم تتلبس بالمبدإ فعلا مجاز ، وان كان بالاضافة الى المنقضى محل خلاف.

التنبيه الخامس

ان استعمال اللفظ الذى يستفاد منه الوجوب كهيئة افعل ، وحرف الجر ، فى قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وامثالهما فى المطلق والمشروط على نحو الحقيقة ، فان كل لفظ من الالفاظ انما وضع للطبيعة المهملة التى قد يطرأ عليها الاطلاق كما يطرأ

٣٢٧

عليها التقييد ، وكل واحد من الامرين خارج عما وضع له اللفظ وانما يستفاد بدال آخر ، فالاطلاق يستفاد من مقدمات الحكمة كما هو الغالب ، او من تصريح المولى بالاطلاق ، اما التقييد فالغالب فيه استفادته من ذكر المولى للقيد ، وقد يستفاد من جهة الانصراف ، ونحوه ، وقد اوضحنا هذا المعنى ـ فى بحث المطلق والمقيد ـ ويترتب عليه ان التقييد لا يوجب المجازية ، وعدم استعمال اللفظ فى غير ما وضع له.

والحاصل : ان اللفظ الذى يستفاد منه الوجوب قد استعمل فيما وضع له من دون فرق بين الواجب المطلق والمشروط فان الاطلاق فى الاول يستفاد من مقدمات الحكمة والقيد فى الثانى يستفاد من ذكر القيد متصلا ، او منفصلا.

٣٢٨

الواجب المعلق

قسم صاحب الفصول (قده) الواجب الى مشروط يرجع القيد فيه الى مدلول الهيئة ، والى مطلق لم يقيد فيه مدلول الهيئة ، ثم قسم المطلق الى منجز كان الواجب فيه كالوجوب فعليا ، ومعلق كان الوجوب فيه فعليا ولكن الواجب مقيد بزمان متأخر ، وبذلك دفع الاشكال عن وجوب المقدمات قبل مجيء زمان الحج ، ولكن الشيخ (قده) حيث يرى استحالة رجوع القيد الى الهيئة وان الواجب المعلق باصطلاح صاحب الفصول (قده) هو بعينه من المشروط عنده انكر وجود القسم الثالث ، فالواجب عنده اما مشروط او مطلق ، ففى الحقيقة ان انكاره للواجب المعلق يرجع الى انكار المشروط الذى يرجع القيد فيه الى مفاد الهيئة ، وحيث ثبت امكان الوجوب المشروط لم يبق مجال لانكار الشيخ (قده) على صاحب الفصول ، نعم يرد على صاحب الفصول (قده) ان الفعل المقيد بزمان متأخر ينحل الى امور ذات الفعل ، وتقيده بالزمان المتأخر ، ونفس الزمان ، اما ذات الفعل ، وتقيده ، فهما امران اختياريان قد تعلق الوجوب بهما على الفرض ، فالوجوب فعلى والواجب متأخر ، واما الزمان نفسه فلا يعقل تعلق الامر به لانه غير اختيارى فلا بد من فرض وجوده فى الايجاب فيكون شرطا للوجوب لا محالة لكنه على نحو الشرط المتأخر ، وعليه فالوجوب المعلق قسم من الوجوب المشروط لا المطلق.

٣٢٩

ادلة استحالة الواجب المعلق

ويقع النزاع فى امكان الواجب المعلق ، واستحالته.

وقد ادعى بعضهم : استحالة الواجب المعلق مستدلا عليه ـ بامرين ـ

الامر الاول ـ ما جاء فى الكفاية ولعله للعلامة الاصفهانى (قده) ان الايجاب ، والطلب ، انما يكون بازاء الارادة المحركة للعضلات نحو المراد ، فكما ان الارادة التكوينية لا تنفك زمنا عن تحريك العضلات ، والتحريك لا ينفك زمنا عن الحركة ، وان تأخرت عنه رتبة ، كذلك الارادة التشريعية لا تنفك عن الامر ، غير المنفك عن التحريك ، غير المنفك عن الحركة ، نعم الفرق بينهما انما هو فى متعلق الارادة ، فان الارادة التكوينية انما تتعلق بفعل نفس المريد ؛ بينما الارادة التشريعية تتعلق بفعل الغير ، وهذا لا يوجب اختلافا من ناحية المراد ، فعلى هذا يستحيل تعلق الارادة بالامر المتأخر ، ونحن اذا لاحظنا الواجب المعلق نجد المراد فيه متأخرا زمانا عن الارادة وهو غير صحيح.

واجاب صاحب الكفاية (قده) عن الاشكال بان القائل بذلك قد توهم من تعريف الارادة ان التحريك نحو المتأخر لا يكاد يمكن ، ولكنه غفل عن ان المحركية قد تكون نحو فعل غير متوقف على مقدمات كالضرب ـ مثلا ـ وقد تكون نحو فعل له مقدمات كثيرة ـ كالا كل ، والشرب ـ فانهما لا يتحققان بمجرد الاشتياق اليهما بل لا بد من تحقق مقدماتهما لتحريك العضلات لايجاد المقدمات ، فحركة العضلات اعم من كونها مقصودة بنفسها ، او مقدمة له.

ثم ترقّى (قده) وادعى ان مرادهم من الوصف فى تعريف الارادة

٣٣٠

بيان حدها وانها مرتبة من الشوق وليس فى صدد انها لو حصلت لتحقق تحريك العضلات بعدها ، لما عرفت من انه يمكن تحقق الشوق المؤكد بالنسبة الى امر استقبالى ليس له مقدمات سابقة وان لم يكن هناك تحريك فعلا ، ـ مضافا الى ذلك ـ ان البعث لا يكاد يتعلق إلّا بأمر متأخر عن زمان البعث ، ضرورة ان البعث انما هو لاجل احداث الداعى فى نفس المكلف نحو العمل وهذا يحتاج الى تصور الفائدة وما شاكلها ، ثم تهيئة ما يلزم له ثم ايقاعه خارجا ، وهذا يستلزم التفكيك قهرا بحسب الزمان بين البعث ، والمراد نفسه ، وقصر الزمان وطوله لا يوجب اختلافا فى الاستحالة بنظر العقل ، وعليه فلا يرد الاشكال على الفصول.

والصحيح ان يقال فى جواب الاشكال : هو ان الارادة ، ان اريد بها : الشوق الحاصل من مقدمات اختيارية وغير اختيارية فهذا لا محذور فيه ، من جهة تعلقها بامر متأخر اذ الشوق كما يتعلق بامر فعلى كذلك يتعلق بامر استقبالى ـ كالشوق الى مشاهدة زيد غدا ـ بل يتعلق حتى بالامر الممتنع ، او بالجمع بين الضدين ، او النقيضين إلّا ان القائل باستحالة التفكيك لا يقصد من الارادة هذا المعنى فان امكان التفكيك بهذا المعنى ليس بمستحيل.

وان اريد من الارادة : ـ الاختيار ـ اعنى به اعمال القدرة فى الفعل فهى فعل من افعال النفس لا من صفاتها ، فالارادة التكوينية ، او التشريعية لا يمكن تعلقها بأمر متأخر ، اما فى الارادة التكوينية فلان اعمال القدرة انما يمكن حيث يمكن صدور الفعل خارجا فاذا فرضنا ان متعلق الارادة امر متأخر فكيف تتعلق الارادة التكوينية به فعلا ، و ـ على الجملة ـ الارادة بمعنى الاختيار انما يمكن تحققه حيث يمكن صدور الفعل

٣٣١

خارجا ، والامر المتأخر مستحيل صدوره فعلا فيستحيل تعلق الارادة به ، واما فى الارادة التشريعية فالامر اوضح لان تعلق الارادة بهذا المعنى بفعل الغير امر مستحيل سواء كان المتعلق امرا فعليا او متأخرا لان فعل الغير ليس واقعا تحت قدرة المولى حتى يعملها فيه بل هو تحت اختيار المكلف نفسه ، نعم اعمال القدرة فى تشريع الحكم وجعله على المكلف امر ممكن ، وان تسميته بالارادة التشريعية بالنظر الى متعلقها وانه امر تشريعى لا مانع منه ، إلّا انها فى الحقيقة بهذا المعنى ارادة تكوينية لا محالة.

وان اريد بالارادة : الطلب والبعث نحو المطلوب فلا مانع منه ، والوجه فى تسمية الطلب بالارادة مشابهته لها فى السببية لتحقق الفعل ، إلّا ان تسرية احكام الارادة ولوازمها الى الطلب والبعث لا وجه له فان من جملة احكامها عدم جواز تعلقها بامر متأخر ولا يتصف الطلب بهذا المعنى لجواز تعلقه بامر متأخر ، وذلك فان الارادة من الامور التكوينية الحقيقية التى لا تخضع لاعتبار معتبر ، واما الطلب فهو ابراز ما فى النفس من الاعتبار خارجا ، وهذا خفيف المئونة ، نعم يختلف متعلقه وهو المعتبر بحسب كيفية الاعتبار فقد يعتبر المولى الوجوب والواجب فعليا كما لو قال لعبده ـ صل الآن ـ وقد يعتبر كليهما متأخرا كما فى الواجب المشروط مثل ـ اكرم زيدا غدا ـ وقد يعتبر الوجوب فعليا والواجب استقباليا كما فى الواجب المعلق ، فكان الاعتبار فى جميع الصور فعليا ولكن متعلقه مختلف ، هذا كله فى الدليل الاول.

الامر الثانى ـ الذى استدل به على استحالة الواجب المعلق ما جاء به شيخنا الاستاذ (قده) من ان القيد الذى فرضه صاحب الفصول (ره)

٣٣٢

قيدا للواجب انما هو غير اختيارى ـ كالزمان ـ وهذا لا يمكن توجه الطلب نحوه لانه غير مقدور فلا بد من اخذه مفروض الوجود ومعه يعود القيد الى الحكم اى ـ الهيئة ـ دون المادة ومتى كان كذلك استحال تحقق الوجوب قبل تحقق القيد ـ بناء على ما سبق منا من استحالة الشرط المتأخر ـ وعليه فليس عندنا الا واجب مطلق ، ومشروط ، فقط ، اما الواجب المعلق فمستحيل.

وغير خفى : ان ما افاده (قده) مبنى على استحالة الشرط المتأخر وقد ـ عرفت مما تقدم امكانه ـ وان ما يأخذه المولى شرطا للحكم يمكن ان يكون متقدما عليه ، ومقارنا له ، ومتأخرا عنه ، فاذا كان الشرط موجودا على النحو الذى لاحظه المولى كان الحكم فعليا ، ففعلية الحكم لا تتوقف على وجود الشرط فعلا فيما اذا كان الشرط هو الوجود المتاخر ، نعم قد تقدم ان الالتزام بالشرط المتأخر مما لا يساعد عليه ظاهر الادلة ، وان الظاهر منها هو تقارن الحكم مع موضوعه بحسب الفعلية وانه لو لم تقم قرينة على الخلاف حكم بالتقارن ، ولكن فى مثل قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) حكم بفعلية الوجوب عند تحقق الاستطاعة ولكن نفس الواجب وهو الحج مأخوذ فيه التقيد بامر استقبالى وهو الزمان ، فالزمان شرط متأخر للوجوب وتقيد الفعل به من قيود صحة الواجب وهو مقدور للمكلف فلا مانع من طلبه.

وكيف كان فالواجب المعلق امر ممكن وليس بمستحيل ثبوتا وان كان محتاجا الى الدليل فى مقام الاثبات.

* * *

٣٣٣

فوائد الواجب المعلق

ان الذى دعا صاحب الفصول (قده) الى الالتزام بالواجب المعلق هو جملة فوائد تترتب عليها ثمرات فقهية لها اهميتها ـ منها ـ ايجاب مقدمات الفعل الذى يلزم الاتيان به فى ظرف خاص كلزوم الخروج قبل الموسم الى الحج و ـ منها ـ اغتسال الجنب والحائض ليلا لصوم غد ؛ حيث يجب تهيئة لوازم السفر ووسائل النقل فى الاول وان كان يؤتى بالحج فى الاشهر المخصوصة ، كما ويجب منه ايقاع الغسل ليلا فى الثانى وان كان يؤتى بالصوم عند الفجر فان المستفاد من الآية الشريفة : «ومن شهد منكم الشهر فليصمه» هو ان شهور الشهر تقتضى وجوب الصوم والشهود كناية عن احد امرين : اما الحضور فى قبال السفر ، او الرؤية الحقيقية للهلال ، والمفهوم من هذا ان وجوب الصوم يتحقق بمجرد الرؤية ، او الحضور ، وان كان يؤتى بالصوم فى زمن مستقبل فيستفاد منها وجوب صوم الشهر كله فيكون من الواجب المعلق.

ومن هذا القبيل وجوب الصلوات الخمس حيث يدعى : ان الوجوب فعلى قبل الزوال وان كان يؤتى بالواجب بعد الزوال ، ومن هنا وجب التعلم على كل احد قبل اتيان الوقت إلّا ان ظاهر قوله عليه‌السلام «اذا زالت الشمس فقد وجب الطهور والصلاة» تحقق الوجوب بعد الزوال لا قبله.

نعم بناء على ما تقدم لا بدّ من الالتزام بما فى الكفاية من ان الوجوب لو صار فعليا لوجب حفظ القدرة على المقدمات فى مورد يعلم المكلف انه يعجز عن الاتيان بها فى زمن الواجب ولا مانع من الالتزام به بالاضافة الى سائر المقدمات العامة ، اما المقدمات التى اعتبرت القدرة الخاصة

٣٣٤

فيها فيجوز تفويتها قبل مجيء الوقت بل وحتى بعده وهى ـ مثل ـ إجناب الرجل نفسه بمواقعة اهله وهو يعلم بعدم تمكنه من الطهارة المائية بعد دخول وقت الصلاة اذ لا مانع من ذلك باعتبار ان القدرة المأخوذة هنا قدرة خاصة فان الصلاة مع الطهارة عن الحدث الاكبر انما تجب فيمن كان قادرا عليها من غير سبق جماع ، اما إجناب نفسه بطريق النوم وغيره فغير جائز ، ومثله تفويت الطهارة المائية بالنسبة للصلاة اذ لا يجب على المكلف حفظ القدرة قبل الزوال وان قلنا : بوجوب الظهرين قبله كما قد يدعى ، وان علم بفقدانها بعد الزوال باعتبار ان المطلوب من المكلف تحصيل الماء بعد الزوال فان وجد وإلّا فقد انتقل فرضه الى التيمم ، نعم يجوز له ابقائها قبله ليتحقق الزوال لكنه ليس بواجب.

وجوب المعرفة والتعلم

عرفت مما تقدم الاشكال فى المقدمات المفوتة ، وانه يندفع بالالتزام بالواجب التعليقى ، والكلام فعلا يقع فى دفع الاشكال على القول باستحالة الواجب التعليقى ، كما ويقع البحث ايضا على القول بامكانه ولكن فى مورد لا يمكن الالتزام فيه بسبق الوجوب لعدم مساعدة الدليل عليه ، وهذا كوجوب تعلم الصبى احكام الصلاة قبل البلوغ ، فانه ان قلنا : بعدم وجوبه فلازمه جواز تفويت الصلاة اول بلوغه بمقدار يتمكن من التعلم فيه ، ولا يمكن الالتزام بوجوب التعلم من جهة سبق وجوب الصلاة على البلوغ فانه لا تكليف على الصبى قطعا ، فالكلام فعلا فى دفع الاشكال بالنسبة الى المقدمات المفوتة فى هذين الموردين ، وقبل الدخول فى النزاع يجدر بنا تقديم مقدمتين.

٣٣٥

المقدمة الاولى :

اشتهر بين القوم ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار عقابا لا خطابا ، فلو اضطر الانسان الى ارتكاب محرم اختيارا ـ كما لو القى نفسه من شاهق ـ فتكليفه بحفظ نفسه حال النزول ساقط عنه ، ولا يمكن انبعاثه نحو العمل لعدم القدرة عليه ـ حينئذ ـ وان كان باستطاعته فى بداية الامر ان لا يجعل نفسه كذلك ، ولكن عقابه صحيح.

وخالف فى تمامية هذه القاعدة طائفتان ـ فقد ادعى ابو هاشم ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار عقابا وخطابا ، فللمولى ان يأمر الانسان بحفظ نفسه نظرا الى ان تكليفه بغير المقدور مسبب عن سوء اختياره ، كما وقد ادعى بعض : منافاته للاختيار عقابا وخطابا نظرا الى ان كل ما ليس بمقدور لا يمكن البعث نحوه ، ولا العقاب على تركه.

وفى كلا القولين نظر ، (اما الاول) : فلان حقيقة التكليف هو البعث نحو المأمور به وايجاد الداعى للمكلف بالنسبة اليه فلا بدّ من كونه مقدورا وإلّا لكان التكليف لغوا ، اما كون العجز مسببا عن سوء الاختيار فهذا لا يصحح تكليف المولى للعاجز وإلّا لصح للمولى ان يأمر عبده بالجمع بين الضدين على تقدير الصعود على السطح وهو باطل اتفاقا ، (واما فى الثانى) فلان الخطاب وان تعذر فى حقه لانه بعث نحو امر غير مقدور فيكون التكليف لغوا لعدم امكان التحريك نحوه ، إلّا ان العقاب لا مانع منه باعتبار استطاعته فى بداية الامر ان لا يجعل نفسه مضطرا الى الارتكاب فيكون بحكم العقل عاصيا ، ومستحقا للعقوبة ، لانه ارتكب مبغوض المولى بسوء اختياره ، فالصحيح ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار عقابا لا خطابا.

٣٣٦

الامر الثانى :

ان حكم العقل باستحقاق العقوبة عند المخالفة لا يفرق فيه بين ان تكون المخالفة لامر ، او نهى مولويين ، او لغرض ملزم لا يستطيع المولى من جعل التكليف على طبقه ، ـ اما لقصور فى ناحية المولى نفسه كما لو كان نائما ـ واتفق غرق ، ولده ـ مع تمكن العبد من الانقاذ فلو خالف العبد ـ حينئذ ـ ولم ينقذه فقد استحق العقاب على مخالفته للغرض الملزم ـ او لقصور فى نفس العبد كما لو كان غير قابل للتكليف لعدم قدرته عنده ولم يكن التكليف مأخوذا فيه قدرة خاصة ، فان عجز العبد فى ظرف التكليف وان كان مانعا عن توجه التكليف اليه لعدم القدرة لكنه يستحق العقاب على تفويت الغرض الملزم اذا كان قادرا على حفظ قدرته ليكون قابلا لتوجه التكليف اليه فى ظرفه ، والحاصل ان العقل لا يفرق فى حكمه باستحقاق العقاب بين ان تكون المخالفة لامر او نهى مولويين ، او لغرض ملزم لا يستطيع المولى من جعل التكليف على طبقه.

اذا عرفت هذا فنقول : ان القدرة المعتبرة فى الواجب قد تكون ـ عقلية ـ وقد تكون ـ شرعية ـ

وعلى الاول ـ فوجوب هذا القسم من المقدمة واضح ، وذلك فان العبد بعد ان يرى الحج ـ مثلا ـ من دعائم الاسلام ولم يوجبه المولى فعلا لعدم تحقق شرط وجوبه وهو الاستطاعة يعلم بوجود غرض ملزم متعلق باتيان العمل عند حصول الشرط فلو ترك المقدمات فعلا صار عاجزا عن اتيان الواجب فى وقته ، ولكن اضطراره الى ترك الواجب انما هو بالاختيار فالعقل يحكم لا محالة فعلا باستحقاق العقوبة على تقدير تركه لما عرفت ـ ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار عقابا ـ ومعه لا بدّ

٣٣٧

ان يبادر العبد الى اتيان المقدمة دفعا للضرر عن نفسه ، وهكذا باقى الامثلة ، و (بعبارة اخرى) العبد لما كان قادرا على اتيان الواجب باتيان المقدمة بحيث يعلم فوات الواجب فى وقته اذا ترك مقدمته فالعقل يحكم عليه بالعصيان فى فرض الترك لانه فوت غرضا ملزما للمولى باختياره ، وامتناعه فى وقته انما كان باختياره والامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار عقابا ـ هذا كله فيما كانت القدرة المعتبرة فى الواجب عقلية.

وعلى الثانى ـ وهو ما كانت القدرة شرعية فالاقسام ثلاثة.

(القسم الاول) ما كانت القدرة دخيلة فى الملاك شرعا بنحو من التوسعة والاطلاق بحيث اعتبرت فيه فى الجملة ، ففى هذا القسم يحرم تفويت القدرة سواء كانت موجودة قبل زمان الوجوب او الواجب فان التمكن على اتيان الواجب بالقدرة على اتيان المقدمة مما يستدعى حكم العقل بصحة معاقبة العبد لو تخاذل عن الامتثال ، لان ترك ذلك يستلزم تفويت غرض ملزم للمولى ومعه يلزم الاتيان بالمقدمة ، فلا فرق فى وجوب المقدمة المفوتة بين هذا القسم ، والقسم السابق ، وانما الفرق بينهما فى جهة اخرى وهى كون القدرة دخيلة فى الملاك هنا بخلافها هناك فانها ليست دخيلة فى الملاك اصلا وانما اعتبرها العقل من جهة توقف صحة توجيه الخطاب عليها.

(القسم الثانى) ما لو كانت القدرة المعتبرة فى الواجب شرعا ودخيلة فى ملاكه ـ قدرة خاصة ـ وهى التى تحصل بعد وجود شرط خاص من شرائط الوجوب ، ففى هذا القسم يجوز تفويت القدرة للمكلف قبل تحقق هذا الشرط ولا يجوز له تفويتها بعده وذلك كالقدرة المعتبرة شرعا فى وجوب الحج بعد تحقق الاستطاعة المالية فان القدرة المعتبرة فى وجوبه ليست

٣٣٨

قدرة مطلقة بل قدرة خاصة ـ بعد الاستطاعة ـ ولذلك يجوز للمكلف تفويت هذه القدرة الخاصة كالمنع من تحقق الاستطاعة فيما لو وجد المقتضى لها ـ كما اذا اراد ان يهب شخص لآخر ما يصير به مستطيعا ـ فللآخر ان لا يقبل ، او اراد ان يبذل له ما يكفيه للحج فيلتمس منه ان لا يبذل له ، فالمقدمات التى يستوجب تركها ترك الواجب لا تصير واجبة بحكم العقل قبل حصول شرط الوجوب لعدم تمامية الملاك ، اما بعد حصول ما هو شرط الوجوب فالعقل يحكم بوجوب كل مقدمة يتوقف عليها الواجب فى ظرفه.

(القسم الثالث) ما كانت القدرة المعتبرة فى الواجب شرعا قدرة خاصة وهى ـ القدرة على الفعل زمن الواجب ـ و (بعبارة اخرى) ما كانت القدرة بعد زمن الواجب دخيلة فى الملاك شرعا ، ففى هذا القسم لا يجب الاتيان بالمقدمة قبل مجىء زمن الواجب المتوقف عليها لان الواجب انما يتصف بالمصلحة فى صورة وجود القدرة عليه فى زمانه ، فلا ملاك قبله كما هو المفروض فالترك للمقدمة لا يستلزم تفويت الغرض الملزم ، ويمكن ان يستفاد من قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) الى قوله : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) ان القدرة على الصلاة مع الطهارة المائية من هذا القبيل فان قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ) كناية عن دخول الوقت و (بعبارة اخرى) الصلاة مع الطهارة المائية انما تكون ذات مصلحة وملاك ملزم بشرط حصول القدرة عليها زمن الواجب اى ـ بعد الزوال ـ فلا تجب المبادرة على العبد الى اتيان المقدمة اذ لا يستلزم تركها ترك الفرض الملزم.

ومن هنا يعلم انه لا يجب على المكلف ان يحفظ الماء ، او يبقى

٣٣٩

طهارته الى ما بعد الزوال ليأتى بالواجب مع الطهارة وان علم بفقدانها بعد الزوال اذ لا يجب عليه تحصيل ما يوجب اتصاف الفعل بالمصلحة ، نعم لا يسمح له تفويت ما هو ذو ملاك فعلا كما لو صار الزوال ووجد الماء ثم اراد اراقته فانه لا يجوز ذلك.

هذا وقد فرق شيخنا الاستاذ (قده) بين حفظ الماء ، وابقاء الوضوء فاوجب الاول استنادا الى النص ، دون الثانى ، ولكنه قد تحقق لدينا عدم النص فى للمقام اصلا ، وقد ظهر من هذا انه لا يجوز تفويت الطهارة بعد دخول الوقت ، نعم ورد فى خصوص الجنابة انه بعد دخول الوقت ووجدان المكلف للماء غير الكافى للاغتسال له ان يجامع اهله ، فالقدرة على الطهارة من الحدث الاكبر هاهنا مأخوذة بلحاظ حال الاتيان بالعمل ولكن بالنسبة الى الجماع مع الاهل ، ولا يعم ما اذا اجنب نفسه بسبب الاحتلام او غيره كما لو علم ـ مثلا ـ انه لو نام لاستيقظ جنبا من جهة الاحتلام فانه غير جائز له.

ثم ان شيخنا الاستاذ (قده) ذكر ان الملاك فى وجوب التعلم ليس هو الملاك فى بقية المقدمات المفوتة اعنى ـ حرمة تفويت الغرض الملزم ـ والامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار ـ بل هو امر آخر ، ولا بد من تنقيحه. فنقول : ان ترك التعلم قبل حصول وقت الواجب المقيد اتيانه فى ظرف خاص يقع على اقسام.

(القسم الاول) ان لا يكون ترك التعلم قبل الوقت مؤثرا فى عدم امتثال الواجب تفصيلا فى وقته بل باستطاعة العبد ان يأتى بالواجب فى وقته كذلك لامكان تعلمه حين ذاك ، وفى هذا القسم لا يجب عليه التعلم قبل الوقت اذ لا يفوت شىء بتركه ، نعم لو جاء وقت الواجب وترك العبد

٣٤٠