مصابيح الأصول

علاء الدين بحر العلوم

مصابيح الأصول

المؤلف:

علاء الدين بحر العلوم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز نشر الكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

واما عدم لزوم القضاء لو انكشف الخلاف خارج الوقت ، فهو ان وجوب القضاء انما هو بامر جديد وقوامه فوت الواقع فمتى ما تحقق الموضوع وهو فوت الواقع وجب القضاء لا محالة ، وفيما نحن فيه ليس الموضوع محرزا لنا اذ من المحتمل ان يكون اعتبار الامارة على نحو السببية ومعها لا فوت ليجب القضاء.

وغير خفى : ان ما جاء به (قده) فى وجه عدم القضاء متين جدا ، واما من حيث الاعادة فالامر مشكل ، بل الاصل هو البراءة دون الاشتغال ، وذلك لان جريان اصالة الاشتغال يتوقف على اليقين بثبوت حكم واقعى فى الذمة ، وما نحن فيه ليس كذلك فانه على تقدير ان يكون اعتبار الامارة على نحو الطريقية ، او السببية السلوكية فالحكم الواقعى ثابت فى الذمة.

اما على تقدير السببية بالمعينين الاولين فالحكم الواقعى غير متيقن الثبوت اصلا ، بل الواقع ما ادى اليه نظر المجتهد ومعه لا يكون المكلف قد احرز انشغال ذمته على كل تقدير ، بل يتردد فى انشغالها على بعض التقادير وهو مورد للبراءة ، نعم يمكن تصوير العلم الاجمالى هنا بان يقال : الواجب الواقعى هو الفعل الذى جىء به على طبق الامارة السابقة ، او الفعل الذى لم يؤت به على طبق الامارة الثانية ، ومعه لا بد من الاحتياط والاتيان بالفعل على طبق الامارة الثانية ، ولكنه مدفوع : بان هذا العلم الاجمالى حيث قد حدث بعد الاتيان بالعمل على طبق الامارة الاولى لا يكون منجزا لعدم معارضة الاصول فى اطرافه.

* * *

٢٨١

التنبيه على امور

الامر الاول ـ انه ذهب صاحب الكفاية (قده) الى ان القول بالاجزاء على تقدير السببية انما يصح بالاضافة الى متعلقات التكاليف ، واما بالاضافة الى نفس التكليف فلا اجزاء حتى على القول بالسببية ، لان الحكم الذى قامت الامارة عليه وان اشتمل على مصلحة ملزمة ، إلّا انه لا دخل لذلك بمصلحة الواقع ولا معنى لبحث الاجزاء عن ذلك ، وقد مثل (قده) لهذه المسألة بالظهر والجمعة وافاد ان اشتمال الاولى على المصلحة لا ينافى بقاء الاخرى على ملاكها الملزم ، فاذا انكشف الخلاف وجبت الاعادة.

وغير خفى : ان الامارة القائمة على حكم (تارة) ليس لها نظر الى تعيين الواقع بل تفيد ثبوت ما أدّت اليه وهذا خارج عن النزاع فلو قامت الامارة على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال فانكشف بعد ذلك عدم وجوبه ووجوب فعل آخر اجنبى عنه فانه لا وجه فى مثله للقول بالاجزاء ، غاية الامر ان يكون الدعاء فى نفسه من جهة قيام الامارة ذا مصلحة ملزمة مع بقاء الواجب الواقعى على مصلحته و (اخرى) تكون الامارة بحسب مؤداها ناظرة الى الواقع وتفيد ان ما جاءت به هو الذى ثبت فى الواقع فاذا قامت الامارة على وجوب صلاة الجمعة افادت ان المأمور به فعلا هو الجمعة لا الظهر ، وفى مثله كيف يدعى عدم الاجزاء لانه لا بد من الالتزام باشتمال المؤدى على المصلحة الملزمة الوافية بالواقع لا مصلحة اخرى غير مرتبطة به ، وإلّا فيجرى مثل هذا الكلام فى متعلقات التكليف ايضا ، فلا بد فيها من الالتزام بعدم الاجزاء وهو لا يلتزم به.

٢٨٢

الامر الثانى ـ ذكر صاحب الكفاية (قده) ان جريان النزاع يتأتى فى الموارد التى يكون الماتى به من الفعل متعلقا للامر الاضطرارى ، او الظاهرى واقعا ، بحيث يقطع وجدانا ، او تعبدا بان المورد مما تعلق به الامر الاضطرارى ، او الظاهرى اما لو كان قطعه خياليا ، او توهما صرفا بان المقام من مصاديق الامر الاضطرارى ، او الظاهرى فهو اجنبى عن النزاع ، وهذا متين جدا ، ومنه تبدل راى المجتهد حيث يظهر له ضعف السند بعد ان قطع بان الراوى ثقة.

الامر الثالث ـ قد عرفت مما ذكرناه عدم الاجزاء فيما اذا انكشف مخالفة الحجة للحكم الواقعى ، ولا فرق فى ذلك بين الاحكام الكلية ، والموضوعات الخارجية إلّا ان القول بعدم الاجزاء فى الاحكام الكلية اوضح لان الاجزاء ـ كما عرفت ـ مستلزم للتصويب ، وهو فى الاحكام الكلية مع انه مجمع على بطلانه ، قد دلت الروايات الشريفة على خلافه.

واما الموضوعات الخارجية فالتصويب فيها من جهة تعلق نفس العلم ، او الامارة بالموضوع الخارجى واضح البطلان ولم يقل به عاقل ، واما التصويب من جهة الحكم الشرعى فما دل على بطلانه من الاجماع والروايات الدالة على اشتراك العالم والجاهل يختص بالاحكام الكلية ولا يعم الموارد الجزئية فيمكن دعوى اختصاص الحكم الشرعى بالعالم بالموضوع الخارجى بان يكون العلم به مأخوذا فى موضوع الحكم الشرعى ، ولذا ذهب بعض الفقهاء الى اختصاص الحكم بالنجاسة بما علم بوليته (مثلا) ومن هنا يمكن القول بالاجزاء فى موارد مخالفة الامارة للواقع فى الشبهات الموضوعية ، إلّا ان هذا ايضا لا يمكن الالتزام به من جهة ان اطلاق الادلة المثبتة للاحكام على موضوعاتها الخارجية يقتضى

٢٨٣

ثبوت الحكم لذات الموضوع من دون تقييده بالعلم به ، فمثل قوله عليه‌السلام (اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه) يدل على نجاسة البول فى نفسه علم المكلف ام لم يعلم به ، غاية الامر انه حال الجهل يكون معذورا لا ان البول لا يكون محكوما بالنجاسة واقعا وعليه فلا موجب للقول بالاجزاء فى موارد الشبهات الموضوعية.

فان قلت : نعم الادلة المثبتة للاحكام وان كانت مطلقة إلّا انه يمكن الالتزام بتقييد موضوعاتها بعدم قيام الامارة على الخلاف وذلك من جهة اطلاق دليل حجيتها لمورد الاصابة وعدمها فالعمل على طبق الامارة اذا كان مأمورا به على كلا التقديرين لزمه القول بالسببية لا محالة ، لكن القول بالسببية فى الامارات القائمة على الاحكام الواقعية غير ممكن من جهة الاجماع على بطلان التصويب وادلة الاشتراك ، واما الموضوعات الخارجية فحيث لا دليل فيها على بطلان التصويب من جهة الاحكام ـ كما مرّ ـ فلا مانع من الاخذ بظهور ادلة حجية الامارات والقول بالسببية فيها ، ونتيجة ذلك هو القول بالاجزاء.

قلت : لو سلم ان ظاهر جعل الحجية لشىء هو وجوب العمل على طبقه كى يترتب عليه لزوم القول بالسببية ما لم يدل دليل على بطلانه فهو انما يتم فيما اذا كانت الحجية مجعولة شرعا ابتداء ، ومن الظاهر انه ليس شىء من الحجج الشرعية كذلك بل انها حجج عقلائية قد امضاها الشارع المقدس.

الامر الرابع ـ لا فرق فى انكشاف الخلاف وجريان بحث الاجزاء بين المجتهد والمقلد ، فالامارة القائمة على حكم لدى المجتهد لو ظهر خلافها يبحث عن اجزاء المأتى به ـ كما ان المقلد لو عمل على طبق فتوى

٢٨٤

المجتهد الاول ثم عدل عنه ، او مات (مثلا) فقلد آخرا واتفق مخالفة فتوى الثانى للاول جرى النزاع فى ذلك ايضا ، والحق فى المقامين عدم الاجزاء.

لا يقال : ان فى الاخذ بكلام المجتهد السابق مصلحة يتدارك بها ما فات من الواقع فلا معنى للبحث عن الاجزاء.

والجواب عنه : ان حكم فتوى المجتهد هو حكم الامارة التى يعتمد عليها فى مرحلة الافتاء ، فكما لا نقول بالنسبة لها لا نقول بها بالنسبة الى فتواه.

الامر الخامس ـ ان قيام الامر الظاهرى عند شخص هل ينفذ فى حق الغير؟ فلو قامت الامارة عند امام جماعة على ان المائع الخارجى ماء فتوضأ به وقد علم غيره الخلاف بانه ليس بماء فهل يصح لذلك الغير الاقتداء به؟

الظاهر عدم نفوذ ذلك الحكم فى حق الغير ، وذلك لاطّلاعه على الواقع ، وعلمه بان امام الجماعة (مثلا) انما يعمل على خلاف الواقع من حيث لا يدرى ، ومعه كيف يكون معذورا فى مقام العمل ، نعم يستثنى من ذلك مورد خاص وهو النكاح فمن عقد على امرأة باللغة الفارسية (مثلا) حيث يرى صحة العقد بذلك تحرم تلك المرأة على ابن العاقد وان كان الابن يرى اعتبار العربية فى صحة العقد ، وكذلك ليس له ان يحرم الزوجة من الميراث مدعيا ان العقد غير صحيح بحسب نظره بل يجب عليه ترتيب جميع لوازم النكاح وآثاره لما ورد عنهم عليهم‌السلام (لكل قوم نكاح).

وربما قيل : باستثناء بابى الطهارة ، والنجاسة عن ذلك ـ كالنكاح ـ

٢٨٥

لاننا كثيرا ما نخالط العامة وغيرهم الذين لا يعتبرون فى زوال عين النجاسة ما نعتبره من الشرائط ، بل واكثر من هذا نرى مخالطتنا مع من لا يعتنى بالنجاسة مع سكوت الائمة عليهم‌السلام عن ذلك وهذا كاشف عن استثناء موردى الطهارة والنجاسة عن الحكم المتقدم.

والصحيح ان يقال : ان جواز المخالطة وعدم وجوب الاجتناب عن الاشخاص المذكورين ليس من جهة نفوذ الحكم الظاهرى الثابت لاحد فى حق الآخرين وذلك لعدم وجوب الاجتناب عمن لم يثبت له حكم ظاهرى ايضا كالعصاة وغير المبالين بالنجاسة فينحصر تصحيح ذلك باحد وجهين.

الوجه الاول ـ الاكتفاء بغيبة المسلم فى الحكم بالطهارة فاذا فارقناه وقتا ما واحتملنا انه قد تطهر كفى هذا القدر فى الحكم بطهارته.

الوجه الثانى ـ العلم الاجمالى بطرو حالتين متعاقبتين عليه اذ كما نعلم بنجاسة يده نعلم بطهارته ايضا ومع الشك فى المتقدم والمتأخر لا يجرى الاستصحاب فى شىء منهما للمعارضة ، او لوجه آخر على الخلاف ، واما فيما اذا فرض عدم الغيبة ، او لم يحتمل التطهير ولم يكن المورد من من موارد تعاقب الحالتين فلا موجب للحكم بالطهارة ، ولو فرضنا ثبوت الحكم الظاهرى فى حق ذلك المسلم (مثلا) اذا غسل مسلم يده من البول مرة لاجتهاد ، او تقليد صحيح ثم لاقت يده ماء قليلا فليس لمن يرى لزوم الغسل مرتين ترتيب آثار الطهارة على ذلك لعدم الدليل على ذلك اصلا.

التنبيه السادس ـ انه ذكر شيخنا الاستاذ (قده) قيام الاجماع على اجزاء من كان ساريا على طبق الاجتهاد الاول فى الجملة ، وقسمه الى ثلاثة اقسام (القسم الاول) فى الاحكام التكليفية العبادية ومثاله واضح

٢٨٦

(القسم الثانى) فى الاحكام الوضعية مع بقاء الموضوع وذلك كما لو عقد على امرأة بالعقد الفارسى وكانت محلا لابتلائه ، او ذبح بغير الحديد والذبيحة موجودة ثم انكشف الخلاف وظهر عدم الصحة ، (القسم الثالث) فى الاحكام الوضعية مع عدم بقاء الموضوع ، وذلك كما لو اجتهد شخص ، او قلد من يقول بصحة البيع المعاطاتى ، او اللغة الفارسية واجرى بيعا على طبق ذلك ثم انكشف له الخلاف مع تلف المال المنقول اليه بتلك المعاملة.

وقد ادعى (قده) قيام الاجماع على الاجزاء فى القسم الاول لانه المتيقن ومقتضاه صحة ما جاء به سابقا ، بخلاف القسم الثانى فلم يدع قيام الاجماع على ذلك ومقتضاه عدم الاجزاء ، واما القسم الثالث فقد تردد (قده) فى دعوى الاجماع عليه وتأمل.

وغير خفى : ان عدم القول بجريان الاجماع فى القسم الثانى متين جدا ، واما التردد فى القسم الثالث فلا وجه له ، اذ الموضوع وان لم يكن باقيا إلّا ان دفع بدله لصاحبه ممكن فيتعين القول بالضمان ، فالمال التالف يجب دفع بدله ان قلنا : بعدم جريان الاجماع على الاجزاء فى القسم الثالث ؛ فكان الاحرى به ان يلحق هذا القسم ، بالقسم الثانى ويدعى عدم الجريان فيه ، واذا اتحد القسمان فى عدم جريان الاجماع على الاجزاء كان الحكم هو عدم الاجزاء.

واما ما ذهب اليه (قده) من دعوى قيام الاجماع على الاجزاء فى القسم الاول فمشكل جدا لا سيما وان مسألة الاجزاء من المسائل الاصولية المستحدثة واين هذا من اتفاق اقوال الفقهاء على ذلك فالاجماع المحصل غير معقول ، والمنقول منه غير مقبول ، فما جاء به (قده) غير تام ، نعم

٢٨٧

الصحيح هو القول بالاجزاء فى خصوص باب الصلاة ـ بناء على ما اخترناه ـ من عدم اختصاص ـ حديث لا تعاد ـ بالناسى وشموله للجاهل القاصر ، والمجتهد ، والمقلد سواء من ناحية الحكم لا عن تقصير وهو ما ورد عن زرارة عن ابى جعفر الباقر عليهما‌السلام «انه قال عليه‌السلام لا تعاد الصلاة الا من خمس الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود ، ثم قال القراءة سنة ، والتشهد سنة ، ولا تنقض السنة الفريضة» فان المستفاد منها ان الموارد الخمسة مضافا اليها التكبير فيمن كبر قائما وحقه التكبير جالسا ، وبالعكس ، تعاد الصلاة من اجلها لو ظهر الخلل فيها ، اما غيرها مما عدى الموارد الخمسة فالصلاة لا تعاد من اجل الخلل الواقع فيها ، كمن ركع عن غير سورة ، لدخولها فى عقد المستثنى منه ، نعم لو قامت الامارة على ان المائع الخارجى ماء فتوضأ به المكلف ثم ظهر له الخلاف لزمه الاعادة قطعا ، وكذا الامر فى الشبهات الحكمية فيمن ادى نظره الى الوضوء جبيرة ثم انكشف له الخلاف بعد الوضوء فعدل عن الجبيرة لزمه اعادة الوضوء ايضا.

والحاصل ان القول بالاجزاء فى هذه الموارد فى الصلاة متعين ـ لكنه ـ لا للاجماع ، بل لحديث لا تعاد بعد فرض شموله للجاهل القاصر.

هذا تمام الكلام فى الاجزاء

* * *

٢٨٨

مقدمة الواجب

ويقع البحث عن امور :

(الامر الاول) : فى بيان الوجوب المبحوث عنه فى المقام فنقول : ان الوجوب المبحوث عنه هنا. ليس هو الوجوب العقلى ، ضرورة ان العقل بعد ان ادرك توقف الواجب خارجا على وجود المقدمة ، وراى ان تركها يؤدى الى ترك نفس الواجب فلا بد ان يحكم بلزوم اتيانها مراعاة للامتثال ، وتأمينا من العقوبة ، وعلى هذا فان معنى الوجوب العقلى هو اللابدية العقلية ، وانكار اللابدية العقلية مساوق لانكار نفس المقدمية ، وان بحثنا انما كان عن وجوب المقدمة بعد الفراغ عن اصل مقدميتها.

كما وان الوجوب المبحوث عنه هنا ليس هو الوجوب النفسى الثابت لذى المقدمة باعتبار صحة اسناده الى المقدمة مجازا ، وعدم صحته ، وذلك فان الاصولى ليس من شأنه ان يبحث عن صحة الاسناد المجازى وعدم صحته ، بل وظيفته البحث عما يقع فى طريق الاستنباط.

كما وايضا ان الوجوب المبحوث عنه ليس هو الوجوب الغيرى الترشحى الفعلى ، بان يدعى ان المولى متى اوجب شيئا فقد اوجب جميع مقدماته فعلا ، وذلك فان الوجوب الفعلى يقتضى التفات الآمر دائما اليه ، وملاحظة نفس المقدمة عند ايجاب ذيها وكثيرا ما لا يلتفت الآمر الى نفس المقدمة فضلا عن وجوبها لغفلة منه.

٢٨٩

فالصحيح ان يقال : ان وجوب المقدمة المبحوث عنه هنا ، وجوب غيرى ترشحى تبعى بمعنى ان الآمر لو التفت الى نفس المقدمة لأوجبها كما اوجب ذيها ، فكل مقدمة متصفة بالوجوب لاشتمالها على هذا الملاك ، والاولى تسمية ذلك بالوجوب الترشحى الارتكازى.

(الامر الثانى) : هل المسألة المبحوث عنها هنا من المسائل الفقهية؟ ربما يدعى ذلك : فان البحث عن ثبوت الوجوب يسمى بحث فقهى لا محالة فان الوجوب احد الاحكام الخمسة التى يبحث عنها فى علم الفقه.

وقد اورد على ذلك شيخنا الاستاذ (قده) بان الفقه انما يبحث فيه عن بيان احوال موضوعات خاصة كالصلاة ، والزكاة ، والخمس ، والحج ، (مثلا) ومن المعلوم ان وجوب المقدمة حكم لكلى المقدمة التى تنطبق على مفاهيم مختلفة ولا ينحصر صدقها بموضوع خاص فلا تدخل ضمن مسائل الفقه.

ولا يخفى ما فيه : فان المباحث الفقهية لا تقتصر فى البحث عن بيان احوال الموضوعات الخاصة ؛ بل تشمل حتى العناوين العامة القابلة للصدق على الافعال المختلفة ماهية وعنوانا ـ كوجوب الوفاء بالنذر ـ فانه منطبق على النذر المتعلق بالصوم ، والمتعلق بزيارة الحسين عليه‌السلام ، والمتعلق بصلاة ركعتين ، وغير ذلك من المصاديق المختلفة التى تندرج عنوان النذر.

فالصحيح ان يقال : فى وجه خروج المسألة عن المباحث الفقهية ان البحث هنا ليس عن ثبوت الوجوب للمقدمة وعدمه ، وانما هو عن ثبوت الملازمة بين طلب الشىء وطلب مقدماته سواء كان الطلب وجوبيا او استحبابيا وهو ليس بحثا فقهيا.

٢٩٠

وقد يدعى : ان البحث عن وجوب المقدمة بحث كلامى ، لان المسألة عقلية ، ولكنه غير صحيح اذ ليس كل مسألة عقلية هى من المسائل الكلامية.

وربما يدعى : ان البحث فى هذه المسألة داخل فى المبادى الاحكامية ، ولكنه يندفع بما سبق بيانه من ان المبادى لا تخلو عن ان تكون اما تصورية ، او تصديقية ، والمبادى التصورية هى التى يبحث فيها عن نفس الموضوع او المحمول ، والبحث عن وجوب المقدمة لا يعود الى ذلك ، واما المبادى التصديقية فهى التى يتوقف عليها تشكيل قياس العلم ومنها المسائل الاصولية بالنسبة الى علم الفقه لانها التى تقع نتيجتها فى طريق الاستنباط وقد قلنا : بان المبادى الاحكامية لا نتصورها فى قبال المبادى التصورية والتصديقية.

والحق فى المقام ان يقال : ان البحث عن وجوب المقدمة من المسائل الاصولية العقلية غير المستقلة ، اما كونها من المسائل العقلية فواضح ، لان الحاكم بهذه الملازمة على تقدير تحققها هو العقل ، خلافا لصاحب المعالم (قده) حيث يستفاد من كلامه ان البحث لفظى ، فقد علل نفى وجوب المقدمة «بانه لو دل عليه لدل باحدى الدلالات الثلاث المطابقة او التضمن او الالتزام» ، واما كونها من المسائل العقلية غير المستقلة ، فلان استنتاج الحكم الشرعى منها موقوف على ضم مقدمة شرعية وهى حكم الشارع فى وجوب ذيها ، بخلاف الاحكام العقلية المستقلة كباب التحسين والتقبيح العقليين لعدم توقفه على آية مقدمة اخرى غير عقلية.

الامر الثالث : فى تقسيمات المقدمة.

لقد ذكروا للمقدمة تقسيمات متعددة (اولاها) : تقسيمها باعتبار

٢٩١

دخولها فى المأمور به وعدمه الى اقسام ثلاثة.

(القسم الاول) المقدمة الداخلية : ويراد بها المقدمة التى تكون دخيلة فى الواجب قيدا وتقيدا كما فى اجزاء المأمور به ـ مثل القراءة بالنسبة للصلاة فانها ملحوظة فى الواجب ذاتا ـ كما ان تقيد الواجب بها ملحوظ ايضا.

(القسم الثانى) المقدمة الخارجية بالمعنى الاخص : وهى التى لا تكون دخيلة قيدا ولا تقيدا وانما يتوقف وجود الواجب عليها كالمقدمات العقلية مثل ، الكون فى مسجد الكوفة المتوقف على طى المسافة.

(القسم الثالث) المقدمة الخارجية بالمعنى الاعم : وهى التى لا تكون دخيلة فى الواجب على نحو القيدية وان كان دخيلة فيه على نحو التقيد كما فى شرائط المأمور به ـ مثل ـ الوضوء بالنسبة للصلاة فانه غير دخيل فى الواجب قيدا وانما هو دخيل فيه تقيدا.

(والاولى) من هذه المقدمات خارجة عن محل النزاع ـ والثانية ـ داخلة فيه قطعا ، واختلفوا فى الثالثة : والظاهر انها داخلة فيه ، اما خروج الاولى فقد وقع الكلام فيه من جهتين.

(اولاهما) فى صلاحية وقوع الجزء مقدمة للكل وعدمه.

و (الثانية) فى وجود المقتضى للوجوب الغيرى للاجزاء على تقدير ثبوت المقدمية لها ، او وجود المانع عنه.

(اما البحث عن الجهة الاولى) فقد يراد من المقدمية توقف شىء على شىء خارجا بحيث يكون فى الخارج وجودان متغايران (احدهما) للمقدمة و (ثانيهما) لذى المقدمة ويتوقف وجود الثانى على الاول بلا عكس ، وقد يراد منها ما هو اوسع من ذلك وهو كل شىء توقف عليه وجود شىء

٢٩٢

آخر ، بمعنى ان المقدمة هى التى لا تتوقف فى وجودها على وجود ذيها ، بخلاف العكس فان ذا المقدمة موقوفة فى وجودها على المقدمة كالواحد والاثنين ، والمقدمة بالمعنى الاول لا تصدق على الاجزاء اذ ليس للجزء وجود مغاير لوجود الكل بل وجود الكل عين وجود اجزائه ، نعم بالمعنى الثانى تتصف الاجزاء بها قطعا.

(واما الجهة الثانية) فقد ادعى صاحب الكفاية (قده) وجود المانع من اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيرى وهو اجتماع المثلين ، فان كل جزء باعتباره نفس الكل مع باقى الاجزاء فهو واجب نفسى ، وباعتباره مقدمة للكل فهو واجب غيرى ، واجتماع الوجوبين فى امر واحد محال ، لانه من اجتماع المثلين ، وهذا لا ينافى القول بجواز اجتماع الامر والنهى فان ذلك فيما اذا كانت الجهتان فيهما تقيديتين ، واما فى المقام فالجهة تعليلية لان الواجب بهذا الوجوب الغيرى ما كان بالحمل الشائع مقدمة لانه المتوقف عليه لا عنوان المقدمية.

ولكنه علق (قده) على هامش الكفاية نفى الاقتضاء لاتصاف الاجزاء بالوجوب الغيرى باعتبار ان مورد الوجوب الغيرى ما كان له وجود مستقل يغاير وجود المأمور به بالامر النفسى ويتوقف هو عليه ، والاجزاء ليس كذلك فان وجودها عين وجود الكل فالاقتضاء منتف عنها.

وغير خفى : ان ما جاء به (قده) من نفى الاقتضاء للاتصاف متين جدا ، ولكن ادعاء وجود المانع من الاتصاف على تقدير ثبوت المقتضى غير مسلم ، لان اجتماع الحكمين فى مورد واحد لا يؤدى الى اجتماع المثلين بل يندك احدهما بالآخر ويتأكد الحكمان بالضرورة ـ مثلا ـ صلاة الظهر فى حد ذاتها واجبة نفسا وباضافتها للعصر واجبة غيريا فهى ذات ملاكين ،

٢٩٣

فلو قدر ان شخصا علم بعدم تكليفه بصلاة العصر لموت او غيره فلا ريب فى لزوم اتيان الظهر لاشتماله على ملاك الوجوب النفسى ، كما انه لو نذر الاتيان بواجب فلا بد من الالتزام بالتأكد.

وقد اعترض على حديث الاندكاك بعض الاساطين (قده) بان الاندكاك لا يتم إلّا فى مورد اتحاد الحكمين رتبة ، وموردنا ليس مما اتحد الحكمان فيه بحسبها فان اتصاف الجزء بالوجوب الغيرى لكونه مقدمة متأخر عن اتصافه بالوجوب النفسى لان الوجوب النفسى علة لترشح الوجوب الغيرى ، ومع الاختلاف فى المرتبة لا يحصل الاندكاك بالضرورة.

وغير خفى : ان ما جاء به (قده) انما هو من الخلط بين احكام الرتبة والزمان ، فان الموجب للتأكد والاندكاك هو اجتماع الحكمين زمانا لا اجتماعهما رتبة سواء اتحدا فى الرتبة ام اختلفا فيها ـ مثلا ـ لو فرضنا ان جسما اتصف ببياض مولد لبياض آخر ، فالبياضان وان اختلفا رتبة إلّا ان اتحادهما زمانا يوجب الالتزام بالاندكاك ، وكذا لو نذر الصلاة جماعة مع اعتبار الرجحان فى المتعلق قبل النذر فهو مما اتحد الحكمان فيه زمانا وان اختلفا رتبة ، ولا بد من تأكد الحكمين فى ذلك.

وقد ادعى بعض الاساطين (قده) ان الثمرة المرتبة على عدم اتصاف الاجزاء بالمقدمية هى انحلال العلم الاجمالى بين الاقل والاكثر الى متيقن تفصيلا ، ومشكوك بدوا ، كما لو علمنا بوجوب احد الامرين الاقل ، او الاكثر ، فعلى القول بعدم اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيرى فالعلم الاجمالى بوجوب احدهما وجوبا نفسيا ينحل الى علم تفصيلى متعلق بوجوب الاقل وشك بدوى متعلق بوجوب الاكثر و ـ حينئذ ـ تجرى البراءة فى الزائد ، واما على القول باتصاف الاجزاء بالوجوب الغيرى ،

٢٩٤

فما ادعى وجها للانحلال من ان الاقل معلوم الوجوب تفصيلا بنحو الجامع بين النفسى والغيرى لا يوجب الانحلال ما لم يرجع الى العلم التفصيلى بالوجوب النفسى فان المعلوم بالتفصيل اذا لم يكن من سنخ المعلوم الاجمالى لم يكن وجه لانحلال العلم الاجمالى.

وغير خفى : ان الانحلال لا يترتب على القول بعدم اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيرى بل يجرى على القول الآخر ايضا ، وذلك فان الوجوب المتعلق بالمجموع المركب ان قلنا : بانبساطه على الاجزاء بحيث كان كل جزء متصفا بالوجوب النفسى الضمنى ، فلا بد من الالتزام بانحلال العلم الاجمالى باعتبار ان الاقل متيقن الوجوب النفسى اما ضمنا ، او استقلالا فهو واجب على كل تقدير ، ووجوب الاكثر مشكوك فيه ، وان لم نقل : بالانبساط فالمكلف لا يعلم ما هو الواجب عليه من الاقل او الاكثر ويلزمه الاتيان بالاكثر لقاعدة الاشتغال من دون فرق فى ذلك بين اتصاف الاقل بالوجوب الغيرى وعدمه ، فالمناط فى الانحلال وعدمه انبساط الامر المتعلق بالمركب على الاجزاء وعدمه ولا ربط له باتصاف الاجزاء بالوجوب الغيرى وعدمه.

فالمتحصل من جميع ما قلناه ان المقدمة الداخلية خارجة عن مورد النزاع والذى هو مورد البحث المقدمة الخارجية بكلا قسميها.

(ثانيها) تقسيم المقدمة الى الوجوبية ، والعلمية ، والوجودية ، والصحة ، ولو امعنا النظر فى هذه الاقسام لوجدناها بين ما هو راجع الى المقدمات السابقة الثلاث ، وما هو خارج عن محل البحث.

(اما المقدمة الوجوبية) فهى خارجة عن البحث ما دام الوجوب معلقا على حصولها ـ كالاستطاعة للحج ـ اذ قبل حصولها لا وجوب ليلزم

٢٩٥

تحصيلها ، وبعد حصولها لا معنى لايجابها فانه من طلب الحاصل.

(واما المقدمة العلمية) كالصلاة الى الجهات الاربع لتحصيل العلم بوقوعها الى القبلة ، فهى خارجة عن البحث ايضا ـ لان الصلاة التى وقعت الى القبلة كما فى المثال هى نفس الواجب وليست مقدمة له ، واما غيرها فهى لا تكون مقدمة للواجب وانما هى مقدمة للعلم بالتخلص عما انشغلت به الذمة من التكليف والامن من العقوبة.

(واما المقدمة الوجودية) وهى التى يتوقف وجود الواجب عليها خارجا بحيث لو لا وجودها لما حصل الواجب نفسه ، فهى تعود الى المقدمة الخارجية بالمعنى الاخص.

(واما مقدمة الصحة) وهى التى تتوقف صحة الواجب عليها خارجا فهى ترجع الى المقدمة الخارجية بالمعنى الاعم.

(ثالثها) تقسيم المقدمة الى العقلية ؛ والشرعية ، والعادية.

(اما المقدمة العقلية) فهى حقيقة المقدمة والامر فيها واضح.

(واما المقدمة الشرعية) فالمراد بها ما اعتبر التقيد بها دخيلا فى الواجب و ـ حينئذ ـ ترجع الى المقدمة العقلية بداهة استحالة تحقق المشروط بدون الشرط.

و (بعبارة اخرى) ان اريد بها الاجزاء الداخلية فهى خارجة عن مورد النزاع ، وان اريد بها الشروط التى تقيد الواجب بها فهى راجعة الى المقدمات العقلية.

(واما المقدمة العادية) فان اريد منها ما جرت العادة على اتيانها قبل الواجب وان لم يكن تحصيل الواجب مستحيلا بدونها فهى خارجة عن مورد النزاع اذ لا يتوقف الواجب عليها ، وان اريد منها ما يستحيل

٢٩٦

تحقق الواجب بدونها عادة من جهة عدم التمكن من غيرها عادة كنصب السلّم للصعود على السطح حيث يستحيل تحقق الواجب بدونه بحسب العادة فان الفرد الآخر من المقدمة اعنى الطيران مستحيل التحقق عادة ، فهى ترجع الى المقدمة العقلية ايضا فلا معنى لذكر العادية فى قبالها.

٢٩٧

الشرط المتأخر

وتنقسم المقدمة ثانيا : الى المقدمة المتقدمة ، والمقارنة ، والمتأخرة.

وقد اشكل على المقدمة المتأخرة ، بان المقدمة من اجزاء العلة وشأن كل علة ان تقدم على معلولها رتبة ، وتقارنه زمانا ، ومعه كيف صارت المقدمة متأخرة عن المعلول زمانا.

وربما يقال : بان الشروط ليس هو ذات الوجود الخارجى ليستحيل تأخره عن المشروط وانما الشرط هو الوجود المتأخر بوصف تأخره ، فالعلة لم تتأخر عن المعلول بل المتأخر بوصف تأخره يكون علة.

و ـ الجواب عنه ـ ان لازم هذا ان يكون المعدوم بوصف انه معدوم مؤثرا فى الوجود اذ المفروض ان الشرط من اجزاء العلة المؤثرة فى وجود المعلول ، فكيف يعقل وجود المعلول ، والعلة التامة بعد غيره موجودة ، فهذا الكلام ساقط جدا.

وقد سرّى الاشكال صاحب الكفاية (قده) الى المقدمة المتقدمة ، باعتبار ان الشرط من اجزاء العلة ولا بد من مقارنتها مع المعلول زمانا ، فكما يستحيل تأخر الشرط عن مشروطه يستحيل تقدمه عليه اذا كان الشرط منصرما ومنعدما حين وجود المشروط ، فالاشكال الجارى فى تاخر الشرط جار فى الشرط المتقدم ايضا.

وغير خفى : ان ما جاء به صاحب الكفاية (قده) من سراية الاشكال الى الشرط المتقدم غير تام ، وذلك لان التقدم الزمانى للشرائط التى هى

٢٩٨

بحسب الحقيقة مما يؤثر اثرا اعداديا لا مانع منه ، بل هو واقع فى التكوينيات فضلا عن التشريعيات ، ولا يجب ان يكون كل ما له دخل فى تحقق المعلول مقارنا له زمانا (مثلا) قتل زيد والقضاء على حياته يتوقف خارجا على فرى الاوداج ، ثم رفض العروق جميع الدم الى الخارج ، ثم وقف الحركة القلبية ، وبعده يتحقق القتل وبديهى ان فرى الاوداج قد تقدم على الموت زمانا ، واذا جاز ذلك فى الامور التكوينية جاز فى الامور التشريعية ايضا.

هذا وقد ذهب شيخنا الاستاذ (قده) الى عدم جريان الاشكال بالنسبة الى شرائط المأمور به ، بدعوى ان شرائط المأمور به بمنزلة الاجزاء من حيث انبساط الامر النفسى عليها المتعلق بالمجموع ، فكما ان تاخر الاجزاء بعضها عن بعض لا محذور فيه وان الامتثال يتوقف على تماميتها كالتسليم بالنسبة الى الصلاة ، كذلك لا محذور فى تاخر الشرط عن المشروط ، وحكم الشرط المتاخر حكم الجزء الاخير فى عدم تحقق الواجب بتمامه ما لم يتحقق ، والمثال الواضح لذلك هو ـ الغسل ليلا للمستحاضة الكثيرة لصحة صوم يومها السابق ـ على القول به فحال الغسل بالنسبة الى الصوم على هذا القول حال التسليم بالاضافة الى الصلاة فانهما متحدان من جهة توقف الامتثال عليهما.

والجواب عن ذلك ـ ان الفارق بين الجزء والشرط واضح كما اعترف به (قده) وهو ان القيد فى الثانى غير داخل فى المأمور به ، وانما التقيد به دخيل فى المأمور به ، بخلاف الاول فانه داخل قيدا وتقيدا ، فلا يمكن الالتزام بتعلق الامر بنفس القيد فى الشرائط ، ومن هنا ذهب (قده) الى امكان اتصاف الشرائط بالوجوب الغيرى دون الاجزاء ، فلو فرضنا

٢٩٩

ان الشرائط كالاجزاء فى انبساط الامر النفسى عليها ، فما هو الفارق بينهما ، وكيف يمكن القول باتصاف الشرائط بالوجوب الغيرى دون الاجزاء ، فالصحيح : ان اشكال تاخر الشرط فى شرائط الحكم وشرائط المأمور به على حدّ سواء ، ولا بدلنا من التكلم فى كل منهما.

شرائط المامور به

قد عرفت ان شرط المامور به ما يكون التقيد به دخيلا فى المأمور به دون نفس القيد ، بخلاف الجزء ، فالمأمور به يكون حصة خاصة من الكلى متحصصة بامر مقارن ، او سابق ، او لاحق ، من دون ان يكون لذلك القيد اثر فى الملاك الذى دعا المولى الى طلب تلك الحصة ، فنفس تلك الحصة الخاصة المقيدة هى التى يقوم به الملاك ، اما القيد فهو امر خارجى لا تأثير له ، وانما يكشف عن كون الطبيعى الموجود هو الحصة الخاصة ، واذا كان القيد امرا متأخرا ـ كالغسل فى الليل للمستحاضة ـ فلو صامت فى النهار وجاءت بالغسل ليلا كشف ذلك عن ان المأتى به كان تلك الحصة الخاصة من الكلى فانطبق عليه المأمور به ، وعليه فالشرط الذى نقصده هنا هو ما يكون تقيده دخيلا فى الواجب دون نفس القيد ، فلا يضر تقدمه وتأخره خارجا ، نعم ان للشرط معنى آخر لا يمكن ان يكون متأخرا ، وهو ما كان له دخل فى تاثير المقتضى فيكون من اجزاء العلة ، ومن البديهى عدم امكان تاخره عن وجود المعلول ، فمن منع من تأخر الشرط اشتبه عليه ما هو المراد منه فتوهم ارادة الشرط بالمعنى الآخر ، فالمغالطة مغالطة لفظية ناشئة من الاشتراك اللفظى ، فقد اخذ الشرط بمعنى فى الصغرى ، وبآخر فى الكبرى ، فلم يتكرر الحد الوسط.

٣٠٠