مصابيح الأصول

علاء الدين بحر العلوم

مصابيح الأصول

المؤلف:

علاء الدين بحر العلوم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز نشر الكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

القوام له نفس الصورة النوعية. ولا ريب انها تنعدم بانعدام الصورة السابقة. فحيث لم تكن ذات باقية بعد انعدام العنوان لا يشملها النزاع ، ولا يبحث عن ان الاطلاق عليها حال انقضاء الصورة النوعية حقيقة او مجاز.

واما اذا كان الجامد منتزعا عن خارج مقام الذات ، فهو ايضا داخل فى محل النزاع ، وان لم يكن مشتقا اصطلاحا وذلك نظير الزوج ، والحر ، والرق. باعتبار صحة حمله على الذات بلحاظ اتصافها بامر خارج عنها.

ويشهد لما قلناه ـ من دخول هذا القسم من الجامد فى محل الكلام ـ ما ذهب اليه فخر المحققين ، والشهيد الثانى ـ قدس‌سرهما ـ فى المسالك من ابتناء الحرمة فى المرضعة الكبيرة الثانية على مسألة المشتق فى مسألة من كانت له زوجتان كبيرتان ، وزوجة صغيرة ، وقد ارضعت الكبيرتان زوجته الصغيرة. اذ لا اشكال فى حرمة الكبيرة الاولى ، والصغيرة لصدق ام الزوجة على الكبيرة ، والبنتية على الصغيرة ، انما البحث فى الكبيرة الثانية فقد رتب الحكم بالحرمة فيها على النزاع فى المشتق. فبناء على انه حقيقة فى الاعم يصدق عليها ام الزوجة. اما بناء على الاختصاص بالتلبس الفعلى فلا تحرم الكبيرة الثانية لانها ليست بأم زوجة فعلا ، بل هى ام من كانت زوجة سابقا. والغرض من بيان ذلك هو الاستشهاد : على ان الفقهاء تنبهوا لعدم اختصاص البحث بخصوص المشتقات الاصطلاحية ، اما فقه المسألة فقد بيناه فى بحث الرضاع بما لا مزيد عليه.

ثم ان شيخنا الاستاذ ـ قده ـ ذهب الى خروج بعض العناوين عن النزاع وهى العناوين العرضية المنتزعة عن مقام الذات ، وان لم تكن من الذاتيات ـ فى باب الكليات الخمس ـ التى هى مقومة للذات. كعنوان

١٤١

الممكن ، والواجب ، والممتنع. فان الامكان ـ مثلا ـ منتزع عن ذات الانسان بما هى ، ولو كانت الذات غير متصفة به فى نفسها ، بل لحاظ امر خارج عنها ، للزم ان تكون فى مقام الذات متصفة بالوجوب ، او الامتناع لعدم خلو شىء من الاشياء الثلاثة عنها وعليه فالامكان ، وامثاله امور خارجة عن الذات ، لكنها منتزعة عنها بلا ضميمة شىء آخر اليها ، وتسمى بالخارج المحمول. وانما خرجت عن النزاع لانها كالعناوين الذاتية ، باعتبار انه لا يعقل صدق ذات انقضى عنها التلبس بالامكان. ليبحث عن اطلاق الممكن عليها حقيقة او مجازا.

وغير خفى : ان البحث فى المشتق ـ كما اشرنا اليه ـ انما هو فى وضع الهيئات. فيقال : هيئة فاعل ، وضعت لخصوص المتلبس الفعلى ، او للاعم. وقد عرفت ان وضع الهيئات نوعى ، ووضع المواد شخصى. والنزاع هنا فى هيئة مفعل كالمنعم التى هى اسم فاعل من الافعال. ولا ريب ان المادة فى هذه الهيئة قابلة الانفكاك عن الذات فى الجملة. فيقع النزاع عنها عند الانقضاء. ولا يضر ان لا تكون المادة فى بعض افراد الهيئة ، كالممكن كذلك. اى لا يمكن تصور زوال الوصف فيها. اذ لا يعقل فيها ذات انقضى عنها التلبس بالمبدإ فان محط البحث هو الكلى. وعدم قابلية ـ بقاء الذات فى بعض المصاديق ـ لا يوجب لغوية البحث عن سعة المفهوم وضيقه ، بعد ما كانت الذات قابلة للبقاء فى اكثر المواد.

نعم الخارج عن البحث العناوين الذاتية فى الجوامد : كالشجر ، والحجر. باعتبار ان الوضع شخصى فيها ، ويستحيل انفكاك المبدأ فيها عن الذات فيجرى فيها النزاع فقد ـ تحصل ان النسبة ـ بين ما هو البحث فى محل الكلام ، وبين كل من المشتق ، والجامد نسبة العموم

١٤٢

والخصوص من وجه.

اختلاف مبادى المشتقات

ان اختلاف المواد فى سائر المشتقات لا مدخلية له فى البحث عن الهيئة النوعية للمشتق من حيث الوضع للاعم ، او للخصوص. فان بعض المواد كالقيام ، والقعود والتكلم. من الافعال الخارجية يكون انقضاؤها برفع اليد عنها انيا كعدم التكلم مثلا فالمعتبر فيها التلبس الفعلى.

وبعضها : كالاجتهاد ـ مثلا اعتبر فيه القوة ، والشأنية. والانقضاء فيه لا يكون إلّا بزوال تلك القوة ، والملكة لا بزوال الاستنباط فعلا.

وبعضها : الآخر كما فى البناء ، والحداد. اعتبر فيه الحرفة ، والصناعة. وانقضاؤها يكون بتركها واتخاذ حرفة اخرى. فليس الحداد من اشتغل بعمله فعلا ، بل من اتخذ هذا العمل حرفة وصنعة له. وعلى جميع التقادير فالهيئة صالحة للبحث عن وضعها لخصوص المتلبس بالمبدإ او للاعم. وان اختلفت انحاء التلبس.

ثم ان السعة التى كانت بلحاظ الشأنية ، والقوة. ربما تستفاد من نفس المادة كما مر ـ واخرى ـ تستفاد من الهيئة كما فى المفتاح. فان الفتح وان ظهر فى الفعلية ، إلّا ان هيئة مفعال تدل على ارادة الشأنية والقوة فالمفتاح اسم لكل ما من شأنه الفتح. ولو لم يفتح به بالفعل. نعم لو زالت عنه الشأنية ـ كما لو انكسر بعض اسنانه. وصار غير قابل للانتفاع به كان ذلك من الانقضاء ، فبناء على الاعم يقال : له مفتاح وعلى الاخص لا يقال : له على نحو الحقيقة ويصح استعماله فيه مجازا.

ومن هنا. يظهر ما فى كلام شيخنا الاستاذ ـ قده ـ تبعا لصاحب

١٤٣

الفصول قده من خروج اسماء الآلة ، واسماء المفعولين. عن محل النزاع. من مواضع للتأمل والاشكال اما اسم الآلة ، فقد ذكر فى وجه خروجه. انه يصح صدق المفتاح ـ مثلا ـ حقيقة ولو مع عدم التلبس بالفتح فعلا. ولكنه غير خفى : ان الهيئة فيه موضوعة للدلالة على قابلية الذات ، وشأنيتها للاتصاف بالمبدإ وهو الفتح فى المثال لا للاتصاف الفعلى. اذ يصدق المفتاح عليه ولو لم يفتح به شىء اصلا. فالانقضاء فيه انما يكون بزوال شأنية الفتح دون فعليته ـ كما اذ انكسر احد اسنانه فيجرى فيه النزاع من وضعه للمتلبس بالفعل او للاعم بعد الاتفاق على انه مجاز فيما لم يتلبس بعد كما اذا اطلق المفتاح على حديدة تصر مفتاحا بعد ذلك ، واما اطلاقه على ما هو آلة الفتح بالفعل وان لم يفتح به شىء بالفعل ولا فيما مضى فهو من الاطلاق على المتلبس كما عرفت.

واما اسم المفعول : فقد ذكر فى وجه خروجه عن حريم النزاع : ان الهيئة فيه تدل على وقوع المادة على الذات. فلا يتصور الانقضاء فى ذلك بمعنى انقضاء كونه ممن وقع عليه الضرب ـ مثلا ـ لان الشىء لا ينقلب عما وقع عليه فهو دواما ممن وقع عليه الفعل. فصدق المشتق حال تلبسه وانقضائه على نحو واحد.

وغير خفى : ان ما افاده ـ قده ـ غريب ، اذ لو صح هذا لجرى فى اسماء الفاعلين ايضا فيقال : هيئة فاعل تدل على صدور الفعل من الفاعل. فالانقضاء لا يتصور هنا لان الشىء لا ينقلب عما وقع عليه ، والمادة الواحدة لا يفترق حالها وان كانت بالاضافة الى احدهما بالصدور ، والى الآخر بالوقوع عليه.

فالحل الصحيح : هو ان الالفاظ وضعت للمفاهيم الكلية ، لا الموجودات

١٤٤

الخارجية فلذا يحمل على الموضوع له الوجود ـ تارة ـ فيقال : الضارب ، او المضروب ـ مثلا ـ موجود ـ واخرى ـ يحمل عليه العدم فيقال : الضارب او المضروب معدوم. وهكذا الانسان وضع بازاء مفهوم الحيوان الناطق. لا الحيوان الناطق الموجود خارجا فالمشتقات كذلك وهل وضعت بازاء مفهوم لو تحقق خارجا كان مصداقه خصوص المتلبس بالفعل او بازاء مفهوم لو تحقق خارجا كان مصداقه الاعم من المتلبس بالفعل ، او المنقضى عنه ، وهذا المعنى بنفسه جار فى اسماء المفعولين. وليس الموجود الخارجى هو الموضوع له ليتوهم ان انقضاؤه من باب انقلاب الشىء عما وقع عليه. اذن فاسم الآلة ، واسم المفعول داخلان فى محل النزاع.

اسم الزمان

وقد وقع الخلاف فيه باعتبار ان ملاك البحث هو تلبس الذات ، بالمبدإ وانقضاؤه عنها مع بقاء نفس الذات ، وهذا غير حاصل فى اسم الزمان. لان الذات فيه. وهى الزمان من الامور المنصرمة فلا يعقل بقاؤها وانقضاء المبدأ عنها لتكون موضعا للنزاع وما يشاهد من اطلاق بعض اسماء الازمنة كاطلاق مقتل الحسين ـ عليه‌السلام ـ على يوم العاشر من المحرم فى كل سنة ، فهو من باب التجوز والمسامحة.

وقد اجيب عن ذلك فى الكفاية. بان انحصار مفهوم عام فى فردين : احدهما ممكن الوقوع ، والآخر ممتنع. لا يوجب وضع اللفظ بازاء الفرد الممكن ، بل يمكن ملاحظة الجامع ووضع اللفظ له. وما نحن فيه كذلك. فان الزمان المتلبس بالضرب فعلا ممكن ، والزمان المنقضى عنه الضرب ممتنع لعدم بقاء الذات بعد الانقضاء ، ولا مانع من وضع اللفظ

١٤٥

بازاء الجامع بينهما.

وقد استشهد على مدعاه : بانه لو لا امكان الوضع للكلى مع امتناع بعض افراده لما صح النزاع فى لفظ الجلالة ـ الله ـ فى انه موضوع للجامع ، او علم لذاته المقدسة. مع انه لو كان موضوعا للمفهوم الكلى لكان مثل ما نحن فيه اذ سائر افراده ممتنعة.

ثم ترقى ـ قده ـ وقال : بل ان ذلك واقع ايضا كما فى كلمة ـ الواجب ـ باعتبار انه اسم لمفهوم كلى ، وليس علما لذاته المقدسة مع امتناع سائر افراده.

وغير خفى : ان وضع لفظ لمفهوم كلى مع امتناع بعض افراده ممكن ، بل وضع لفظ لخصوص الممتنع لا مانع منه كوضع لفظ بسيط لمفهوم اجتماع النقيضين. فضلا عن الوضع لما هو الجامع للممتنع والممكن ـ كما فى لفظى الدور والتسلسل. فانهما اسمان لما يدور ، ولما يتسلسل ، ونحن لو نظرنا الى افراد كل منهما نجد بعضها ممكنا كحركة الانسان الخاصة حول نفسه ، وبعضها ممتنعا كتوقف العلة على المعلول. وبالعكس وكذلك التسلسل فانه ممكن فيما يتناهى ، ومستحيل فيما لا يتناهى. مع وضعهما للجامع بين الافراد الممكنة والممتنعة ، ونظير هذا لفظ الاجتماع فانه موضوع لجامع كلى مع امتناع بعض افراده ، كاجتماع النقيضين ، وذلك لان الغرض من الوضع التفهيم ، والتفاهم فى المعانى التى تتعلق الحاجة بها ، ومن المعلوم ان الزمان المنقضى عنه التلبس لا يقع متعلقا للحاجة والغرض فلا حاجة لوضع اللفظ له.

ومن هنا يظهر عدم ورود النقض على ذلك بوضع اسم الجلالة الذى وقع الخلاف فيه ، وذلك لتعلق الحاجة ، والغرض ببيان المفهوم الكلى ،

١٤٦

وبيان افراده الممتنعة ليحكم عليها بالامتناع بخلاف الزمان المنقضى عنه التلبس. فان الحاجة لا تتعلق به.

واما نقضه بلفظ الواجب فهو عجيب. لان الوجوب بمعنى الثبوت ، وهو اعم من التكوينى والتشريعى ، وباضافة الوجود الى الواجب. بان يقال : واجب الوجود يشمل الواجب لذاته ، وبغيره ، كالممكنات فانها واجبات بارادة الله تعالى ، وباضافة كلمة لذاته ، وان كان يختص بالله تعالى. إلّا انه ليس من جهة وضع واحد ، بل من جهة اوضاع متعددة فيكون من باب تعدد الدال والمدلول. فهو خارج عن محل الكلام.

(عدم دلالة الفعل على الزمان)

والذى يسهل الخطب. ان هيئة اسم الزمان لم توضع لاسم الزمان فقط ، بل ان اسم الزمان والمكان موضوع بوضع واحد لما وقع فيه الفعل بمعنى ظرف الفعل الاعم من كونه زمانا او مكانا ، وهو معنى عام. غاية الامر فى بعض الافراد لا يمكن بقاء الذات ، وانقضاء التلبس عنها ـ كما فى الزمان بخلاف الفرد الآخر ، كالمكان فانه يمكن فرض بقاء الذات فيه ، وهو المكان مع انقضاء التلبس وقد عرفت : انه لا يضر بوضع اللفظ للعموم.

والحاصل : ان هيئة مفعل موضوعة للدلالة على ان الذات ظرف الفعل ، وله فردان : احدهما الزمان والآخر المكان ، ووضع اللفظ لمفهوم يمتنع بعض افراده دون بعضها ممكن ، وعليه فلا اشكال فى اسم الزمان ، ودخوله فى البحث.

الامر الثانى ـ انك عرفت ـ مما سبق ـ خروج الافعال عن محل النزاع لعدم صحة حملها ، وجريها على الذات وذلك لعدم دلالتها الا على

١٤٧

انتساب المادة وقد اشرنا ـ سابقا ـ الى عدم دلالتها على الزمان. ويجدر بنا ان نتعرض لذلك تفصيلا فنقول :

ان اعتبار مفهوم الزمان فى الافعال على ان يكون جزء من المعنى باطل جزما ، لان كل فعل مشتمل على مادة ، وهيئة. اما المادة. فتفيد نفس الحدث واما الهيئة : فمفادها مفاد المعنى الحرفى. وهو عبارة عن نسبة المادة الى الذات بنحو من النسبة. والزمان اجنبى عن كليهما.

اما اعتبار الزمان قيدا فى الافعال على ان يكون معنى الفعل الحدث المقيد بالزمان ، بنحو يكون القيد خارجا عن المدلول ، والتقييد به داخلا. فهو امر ممكن فى نفسه ولكنه غير ماخوذ فى الافعال ـ لما نرى من صحة استعمال الافعال. واسنادها الى نفس الزمان. او الى ما فوق الزمان. من دون عناية. وتجريد عن الخصوصية ، فيقال : مضى الزمان ، وعلم الله. ولو كان الزمان ماخوذا فى الفعل لما صح اسناده الى الزمان. اذ الزمان لا يقع فى الزمان ، وإلّا لدار او تسلسل. كما ان افعال ما فوق الزمان لا تقع فى الزمان لعدم تحديدها بحد.

هذا والانصاف اننا نجد الفرق بين الفعل الماضى والمضارع ، اذ لا يصح استعمال احدهما فى موضع الآخر ، وهو كاشف عن وجود خصوصية فى كل منهما.

فالتحقيق ان يقال : ان الفعل الماضى يدل على تحقق المادة مقيدا بكونه قبل زمن التكلم ، وهو لا يكشف عن وقوعها فى الزمن الماضى. فلو قلنا : الزمان وجد او كان فمفاده تحقق الزمان قبل زمن التكلم دون وقوعه فى الماضى.

١٤٨

نعم لو اسند الفعل الى الزمانى مثل ضرب زيد فيدل بالمطابقة على تحقق مادة الضرب قبل زمن التلفظ به ، وبالالتزام على وقوعه فى الزمن الماضى من جهة ان الفاعل زمانى ، ولا تصدر الافعال منه الا فى الزمان وبما انه وقع قبل هذا الكلام فلا محالة يدل بالملازمة على تحققه فى الزمن السابق.

واما المضارع : فيدل على تحقق المادة فى زمن التكلم ، او فى الازمنة المتاخرة عنه وهذا لا يدل على وقوعها فى الزمن الحالى ، او الاستقبالى. فلو قلنا : يمضى الزمان ، او يعلم الله. فمفاده تحقق المادة حال تحقق التلفظ دون وقوعه فى الحال ، او الاستقبال.

نعم لو كان المسند اليه زمانيا فبالدلالة الالتزامية يدل المضارع على الحال ، او الاستقبال باعتباران الزمانى يقع فى الزمان.

هذا كله لو كان الفعل مطلقا ، واما اذا قيد بالسبق واللحوق بالاضافة الى امر آخر غير التكلم فلا بد ـ حينئذ ـ من لحاظهما بالاضافة الى ذلك الامر ، او باللحوق اليه ـ كما فى مثل يجىء زيد فى هذه السنة وقد ضرب غلامه. فالسبق انما هو بالاضافة الى شىء آخر وهو المجىء لا زمن التكلم.

فالمتحصل : ان الافعال لا تدل على الزمان بنحو الجزء ، او القيد دلالة مطابقية. نعم بالدلالة الالتزامية لا مانع من دلالتها عليه اذا كان المسند اليه زمانيا ، وهو لا يوجب صيرورة الزمان جزء او قيدا ، فى المعنى لاشتراك الجمل الاسمية فى ذلك اى دلالتها بالالتزام ، على وقوع المحمول فى احد الازمنة الثلاثة. فيما لو كان الفاعل زمانيا مثل قولنا : زيد قائم.

الامر الثالث ـ هل يراد بالحال الماخوذ فى عنوان المسألة ، حال

١٤٩

النطق او التلبس. لا اشكال فى عدم دلالة الاسماء على خصوص زمان ، لا بنحو الجزئية ولا القيدية سواء فى ذلك اسماء الاجناس ام غيرها ـ كما لا دلالة فيها على احد الازمنة الثلاثة ، لان تلك الاوصاف ـ كما تستند الى الزمانيات ـ كذلك تستند الى نفس الزمان ، والى ما فوقه. فمرجع النزاع ـ حينئذ ـ الى سعة المفاهيم الاشتقاقية ، وضيقها. بمعنى انها وضعت بازاء مفاهيم لو وجدت فى الخارج لكانت منطبقة على خصوص المتلبس بالفعل ، او بازاء مفاهيم كلية لو حصلت خارجا كان مصداقها الاعم من المتلبس بالفعل او من انقضى عنه.

واما ما يدعى من ان ظاهر حمل المشتق على شىء فعلية التلبس ، بمعنى ظهوره فى تلبسه بالمبدإ حين النطق ، والتكلم لان ظاهر ـ قولنا زيد آكل ـ كونه كذلك بالفعل فهو صحيح ، لكنه لا يستلزم ان يكون ذلك من جهة الوضع لخصوص المتلبس بالمبدإ حين النطق. بل هذا الظهور مستفاد من الاطلاق وعدم التقييد بغير حال النطق ، وعليه فالمراد بالحال هو حال التلبس لصحة ـ قولنا زيد كان ضاربا بالامس ـ او ـ سيكون ضاربا غدا ـ حقيقة بلا اشكال ، وان لم يكن حال النطق متلبسا به.

الادلة على الوضع لخصوص المتلبس

ذكر شيخنا الاستاذ ـ قده ـ انه لا حاجة الى اقامة الدليل على الوضع لخصوص المتلبس ، فان القائل بالوضع للاعم ، لا بد له من تصوير جامع بين المتلبس ، والمنقضى عنه المبدأ ، ليكون هو الموضوع له على على مذهبه ، وهو غير معقول على القول ببساطة المفاهيم الاشتقاقية ، والقول بتركبها.

١٥٠

اما على البساطة : فلان معناه ان مفهوم المشتق عين المبدأ ، وليس بينهما فرق الامن ناحية الاعتبار واللحاظ ، فالمبدأ لوحظ بشرط لا ، فلا يصح معه الحمل ، والمشتق لوحظ لا بشرط ، وهو يقبل الحمل. واذا صار كل منهما عين الآخر ، والاختلاف فى مرحلة اللحاظ. فلو انقضى التلبس عن زيد ، وزالت عنه صفة العلم ـ مثلا ـ لا يكون هناك شىء يصدق عليه العلم ، فينتفى صدق العالم ـ حينئذ ـ لانهما متحدان ، فاى جامع بين الواجد والفاقد ليوضع له هيئة المشتق.

بل المشتقات بهذا المعنى أسوأ حالا من الجوامد ، فان الجوامد تدل على مادة متصفة بصورة نوعية. فلو زالت الانسانية ـ مثلا ـ وتبدلت الى صورة اخرى ، فقد انسلخت الصورة النوعية من المادة الاولى ، وتصوّرت بصورة ثانية. اما المادة الاصلية فهى لا تزال محفوظة ، وهذا بخلاف المشتقات. فانها بعد ان كانت عين المبدأ ، فبانقضائه لا يبقى شىء اصلا.

واما على التركيب : فلان غاية ما يدعيه القائل بالوضع للاعم ـ ان المشتق موضوع للذات المقيدة بالمبدإ ، معرى عن الزمان ، بداهة خروجه عن مدلول الاسماء. ولكنه من المعلوم انه ليس هناك جامع بين الانقضاء ، والتلبس الا الزمان ـ فلو كان الزمان جزء مدلول المشتق لامكن للقائل بالتركيب ، ان يدعى ان الهيئة موضوعة للذات التى يثبت لها المبدأ فى زمن ما ، الصادق على المتلبس ، والماضى. واما لو لم يكن الزمان جزء مدلول اللفظ ، فلا يكون هناك جامع يمكن وضع اللفظ بازائه. فعلى كلا القولين : لا يمكن تصوير الجامع للاعم. فيتعين الوضع لخصوص المتلبس بالمبدإ.

١٥١

هذا ولا يخفى : انه يمكن تصوير الجامع على القول بالتركيب باحد امرين :

الاول ـ ان يكون مفهوم المشتق ، ما خرج من مرحلة عدم الاتصاف بالمبدإ الى مرحلة الاتصاف به ، بمعنى ان الذات المبهمة الماخوذة فى المفهوم الاشتقاقى ، حيث كانت فى نفسها غير متصفة بهذه الصفة. فقد اخذت فيه عنوانا للمتصف بها ، على الوجه الاعم من اتصافها ، حال النسبة والجرى ، او قبل ذلك : (او فقل) الوصف الماخوذ فى الذات. قد اعتبر خروجه من مرحلة العدم الى الوجود ، من دون اعتبار امتداده ، وبقائه فى الوجود. وبهذا يشمل احوال التلبس كلها.

الثانى ـ ان يؤخذ عنوان احدهما فى مفهوم المشتق ، فيتصور الواضع عنوان المتلبس بالمبدإ ، ويتصور عنوان المنقضى عنه ، ثم يضع المشتق للجامع بينهما بعنوان احدهما ـ كما تقدم هذا فى تصوير الجامع الانتزاعى فى الاركان على القول بالوضع للاعم من الصحيح والفاسد ـ وحينئذ ـ يكون مفهوم احدهما لا واقعه قدرا جامعا بين الامرين.

واما بناء على البساطة ، فتصوير الجامع ، وان لم يمكن. إلّا ان البساطة بهذا المعنى لا اساس ولا واقعية لها ، على ما ستعرف إن شاء الله تعالى. (هذا كله ثبوتا).

واما (اثباتا) فالظاهر ان المشتق موضوع لخصوص المتلبس بالمبدإ ، والدليل عليه امور

الاول ـ التبادر العرفى. فان اهل العرف لا يفهمون من كلمة ـ قائم ـ ولا يتبادر منها عندهم إلّا اتصاف الذات بالمبدإ ، ولا بد من فعلية الاتصاف فى مرحلة الصدق ، وصدقه. وان امكن على من انقضى عنه المبدأ ،

١٥٢

ولكنه خلاف المتبادر. وليس التبادر مختصا بالجمل التامة الحملية ، ليتوهم ان سببه ظهور الحمل فى فعلية التلبس ، بل سببه نفس ذلك اللفظ وان كان فى الجمل الناقصة ـ مثل ـ عالم البلد ـ وزوجة زيد ـ التى ظاهرها التلبس الفعلى. كما لا اختصاص لهذا التبادر فى الهيئات ، بلغة دون لغة ، فكما يتبادر من كلمة ـ ضارب ـ المتلبس الفعلى ، كذلك يتبادر من كلمة ـ زننده ـ نفس المعنى المذكور. نعم التبادر فى المواد يختلف باختلاف اللغة ، فالعربى لا يتبادر له من لفظ العجمى شيئا ، وبالعكس نظرا الى اختصاص الوضع باهله ، بخلاف الهيئات ، فانها على اختلاف اللغات ، موضوعة لمعنى واحد المتلبس او الاعم ، فمن تبادر عنده من كلمة ـ زننده ـ فى لغة الفرس خصوص المتلبس يعلم ان كلمة ـ ضارب ـ ايضا كذلك.

وكيف كان فالعرف ـ بحسب ارتكازه ـ يستفيد من هيئة المشتق التلبس الفعلى ، فلا يصدق فى مورد الانقضاء انه ضارب. نعم يصدق انه كان فى الزمن الماضى ضاربا.

الثانى ـ صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ فيقال : زيد ليس بقائم ، بل هو جالس. وان كان باعتباره فى الزمن الماضى قائما ، وصحة السلب آية ان المسلوب عنه ليس من افراد المسلوب.

وربما يقال : بان المراد من صحة السلب : ان كان صحة السلب مطلقا فغير سديد ، وان كان مقيدا بخصوص حال الانقضاء فغير مفيد ، فان صحة سلب المقيد لا يقتضى صحة سلب المطلق ،

والجواب عنه : ان الترديد المذكور انما يصح فيما اذا لم يتبادر المعنى الخاص من حاق اللفظ ودار مفهومه بين امرين : السعة ، والضيق. كالعمى المتردد معناه بين مطلق عدم الابصار ، ولو من جهة انه لا عين له كالممسوح ،

١٥٣

وبين خصوص عدم الابصار مع وجود العين ، فانه ان اريد اثبات اختصاصه بالثانى بدعوى صحة سلب العمى عمن لا عين له فيقال : ـ حينئذ ـ ان اريد بصحة السلب صحة سلب العمى بالمعنى المطلق ، فهو ممنوع. ضرورة صحة حمله بهذا المعنى وان اريد بها صحة سلبه بالمعنى الثانى ، وهو عدم البصر مع فرض وجود عين له ، فهو وان كان صحيحا ، لكنه غير مفيد. لان صحة سلب المقيد لا يدل على ان اللفظ لم يوضع للاعم ، لان سلب الاخص لا يلازم سلب الاعم ، واما فى المقام فلا يتم ذلك ، لان المتبادر العرفى من المشتق خصوص المتلبس ، واذا صح سلبه بما له من المعنى عمن انقضى عنه المبدأ ـ كما ندعيه ـ فهو من باب السلب المطلق وهو آية كونه مجازا فيه ، وحقيقة فى غيره.

الثالث ـ لو قلنا : بوضع الهيئة للاعم لزم اجتماع الضدين ، حين صدق كلا الوصفين على الذات ، فان المشتقات كالمبادى ، فكما لا يصدق السواد والبياض ، على شىء واحد فى آن واحد للتضاد بينهما ، كذلك المشتقات يحصل التضاد بينهما. فلا يقال : هذا قائم وجالس. ففرض الوضع للاعم ، وصيرورة الاطلاق حقيقيا فى كل منهما ، يستلزم اجتماع الضدين ، وهو محال. فيختص الوضع بخصوص المتلبس لا محالة.

ولا يخفى : ان المعتبر فى تحقق التضاد ـ اى مورد كان ـ وحدة الزمان ـ كما عرفت من اعتبار الوحدات الثمان او التسع ـ ومع الاختلاف فيه ينتفى التضاد بالمرة فيقال : كان زيد قائما فى الامس اما الآن فهو جالس. كما انه يعتبر فيه ان يكون الاطلاق فى كلا الحملين حقيقيا ، فاذا كان فى احدهما بالعناية ، وفى الآخر حقيقة ، كما فى مثل ـ زيد اسد وزيد انسان ، فلا يتم التضاد بينهما.

١٥٤

والذى يؤيد ما ذكرناه من اختصاصه بخصوص المتلبس : ان الفقهاء لا يلتزمون ببقاء الحكم المعلق على العنوان الاشتقاقى ، بعد الانقضاء ـ مثلا ـ لا يرون جواز النظر الى الزوجة بعد طلاقها ، ولا يفتون بوجوب النفقة عليها بعد الطلاق ، مع ان المشتق لو كان فى الاعم حقيقة ، لزمهم القول بثبوت هذه الاحكام لصدق الزوجة بعد الطلاق.

ادلة القول بالاعم

وقد استدل القائل بالاعم : اولا ـ بان موارد استعمال المشتق فى المنقضى عنه المبدأ اكثر من استعماله فى موارد التلبس الفعلى ، حيث يقال ـ مثلا ـ لشمر انه قاتل الحسين عليه‌السلام وللرجل المعلوم (قاتل بكر) (وضارب عمرو) ولو كان الوضع متمحضا لخصوص المتلبس لزم مجازية هذه الاستعمالات ، وما شاكلها ، وهى لا تلائم حكمة الوضع التى هى التفهيم ، والتفاهم. فان الواضع الحكيم لا يجعل اللفظ حقيقة فيما هو اقل تفهيما وتفهما.

وغير خفى : اولا ـ ان هذا مجرد استبعاد ولا مانع من ان يكون المجاز اكثر استعمالا من الحقيقة ما دامت القرينة موجودة.

وثانيا ـ يمكن ان ندعى انه ليس هناك مورد جاء فى كلام الفصحاء وكان الاستعمال فيه فى المنقضى ، بل جميع الاستعمالات انما هى بلحاظ حال التلبس دون زمن التكلم ، فاطلاق قاتل الحسين عليه‌السلام على شمر ليس باعتبار اتصافه به فعلا بل لحاظ حال تلبسه ، ومن الظاهر ان الاطلاق بلحاظ حال التلبس حقيقة على كل حال.

ثم ان استعمال المشتق بلحاظ حال الانقضاء ، وان كان محتملا فى

١٥٥

القضايا الشخصية فى الجملة ، إلّا انه غير محتمل فى القضايا الحقيقية وهذا كما فى قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) وقوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) فان المراد بالزانى ، والسارق ، هو كل انسان فرضناه متلبسا فى الخارج بالسرقة ، او الزنى فهو محكوم عليه بقطع يده ، او بجلده ، فالمشتق فى الآيتين مستعمل فيمن تلبس بالمبدإ ، وهو الموضوع فى القضية الحقيقية ، وغاية الامر ان زمان القطع او الجلد متاخر لتوقفه على ثبوت التلبس باحد المبدءين عند الحاكم بالبينة حتى يحكم باحدهما. وعليه فلا يمكن الاستدلال بشىء من الآيتين. على ان المشتق حقيقة فى الاعم بدعوى اطلاق المشتق فيهما على من انقضى عنه المبدأ.

فلا يقال : آية السرقة كان الاستعمال فيها بلحاظ حال الانقضاء ، فيكون مجازا.

ليجاب عن ذلك فى الكفاية ، بانه كان باعتبار زمن التلبس لا زمن الفعلية. فان جميع ذلك غير محتاج اليه ما دام ان الحكم فى مقام الجعل لا يحتاج إلّا على فرض وجوده. وفى مقام الفعلية لا ينفك عن وجود موضوعه.

واستدل ثانيا ـ باستدلال الامام عليه‌السلام بقوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) على عدم لياقة من عبد الاصنام للخلافة ولو بعد اسلامه. ومن الواضح ان الاستدلال بهذه الآية لا يتم الاعلى تقدير كون المشتق حقيقة فى الاعم ، دون الاخص.

وغير خفى ـ : ان الترديد فى استعمال المشتق فى خصوص المتلبس ، او الاعم انما يتاتى كما عرفت فى القضايا الخارجية ، التى يمكن ان يؤخذ الحكم فيها باعتبار فعلية التلبس ، او باعتبار الاعم منها ومن الانقضاء.

١٥٦

واما فى القضايا الحقيقية ، التى يكون الموضوع فيها مفروض الوجود. فالنزاع لا يتاتى فيها فان فعلية الحكم فيها تابعة لفعلية العنوان الماخوذ مفروض الوجود حين جعل الحكم وانشائه ، نعم النزاع يتاتى فيها من جهة اخرى. وهى ان حدوث العنوان هل يكفى فى بقاء الحكم؟ او ان بقائه يدور مدار بقائه. وحيث علق الحكم فى الآية المباركة على عنوان (الظالم) الذى اخذ مفروض الوجود ، فيقع البحث عن ان حدوث العنوان موجب لحدوث الحكم وبقائه او لحدوثه فقط.

وبعبارة اخرى : العناوين (تارة) تلاحظ معرفة الى الافراد ، ومشيرة اليها ، بلا دخل لها فى الحكم كالقضايا الخارجية ، فيقال : اكرم زوجة زيد. فعنوان الزوجة لم يكن سببا للحكم ، بل معرفا للفرد. (واخرى) تلاحظ العناوين دخيلة فى الحكم ـ كما هو الغالب فى القضايا الحقيقية ـ فيقال : اكرم العالم ، او صدق العادل ـ وحينئذ ـ يرد النزاع ان العنوان المذكور هل هو علة فى حدوث الحكم فقط؟ او فى حدوثه وبقائه ، وهذا النزاع لا يرتبط بحديث المشتق حيث يتاتى على كلا التقديرين.

والظاهر ان الآية الشريفة مما كان العنوان فيها علة محدثة ومبقية للحكم لان الخلافة منصب الهى ، وولاية شاملة. فكان حرى بكل شخص ، يتصدى لهذا المنصب ان يكون نزيها فى افعاله ، تدعوه نفسه الطيبة للعمل الخير ، والصالح بحيث يكون قدوة ، ومثالا صحيحا للمجتمع الذى يقتفى اثره ، ـ مثلا ـ لو اعتاد شخص على شرب الخمر ، وعمل الزنى مدة من الزمن ، ثم بعد ذلك تاب ، وامن فلو تقدم لمنصب الامامة ، وارشد الناس الى الطريق الصحيح ، لما اهتدى احد بحديثه ، واذا كان الامر كذلك فى المعاصى الموجبة للفسق فما ظنك بمن عبد الاصنام ، والاوثان مدة غير

١٥٧

قليلة ثم تاب واسلم ، فاراد ان يتسنم ذلك الكرسى الرفيع ، ان ظلمه السابق يوجب عدم لياقته ، لهذا المركز الحساس ، فكانت تلك العلة السابقة التى اوجبت عدم نيل الخلافة حدوثا هى العلة فى بقاء الحكم الى الابد.

ومن هذا القبيل المحدود ، فان الصلاة مكروه ، او غير حائز خلفه والسبب فى ذلك : هو ان الذى اوجب الحكم بالكراهة او عدم الجواز سبب محدث ومبق.

على ان ما ذكرناه يستفاد من اطلاق الحكم فى الآية المباركة مع قطع النظر عن مناسبة الحكم والموضوع ، فان الاتيان بصيغة المضارع وهى كلمة (لا ينال) غير موقت بوقت خاص ، يدل على ان من تلبس بالظلم لا يناله عهد الله ابدا.

وقد نقل شيخنا الاستاذ (قده) عن الفخر الرازى. انه اعترف بما ذكرناه من عدم ارتباط الآية الشريفة بحديث المشتق ، وان الاستدلال بها فى الحقيقة كان من جهة التلبس بالظلم ، ولوانا ما الذى يوجب عدم اللياقة للخلافة الى يوم القيامة ، ولذا ذكرنا فى التقريرات : ان الحق يظهر على لسان منكريه ، فهو ينطق منصفا وعنيدا.

((الاصل العملى عند الشك))

هذا كله اذا تمت الادلة على تعيين الوضع لاحدهما اما اذا لم تتم ، وبقينا عاجزين عن التماس الدليل على الوضع. فهل لدينا اصل عملى يعين احدهما ، عند الشك. نفى صاحب الكفاية ـ قده ـ ذلك. بتقريب ان جريان الاصل فى احدهما معارض بجريانه فى الآخر ، فاصالة عدم لحاظ

١٥٨

الاعم عند وضعه ، تعارضها اصالة عدم لحاظ الخصوصية ، على ان هذين الاصلين لا يجدى جريانهما حتى مع فرض عدم المعارضة لكونها من الاصول المثبتة.

ومع عدم حجية مثل هذه الاصول العامة ، يرجع فى كل مورد الى ما يقتضيه الاصل فيه ، وهو يختلف ـ فيما يراه صاحب الكفاية ـ باختلاف الموارد ـ فتارة ـ يشك ، فى الحكم ابتداء بعد زوال الوصف الذى اخذ عنوانا فى الحكم عن الذات فالاصل هو البراءة ، كما لو كان زيد عالما فى الامس وزال الوصف المذكور عنه ثم امر المولى بوجوب اكرام كل عالم ، فاحتملنا وجوب اكرام زيد لاجل احتمال وضع المشتق للاعم. ـ واخرى ـ يشك فى بقاء الحكم بعد وروده على ذات متلبسة بالمبدإ ثم زال الوصف عنها ، فالاصل هو الاستصحاب. كما لو كان زيد عالما بالفعل وامر المولى بوجوب اكرام كل عالم ، ثم زال الوصف عنه بعد ذلك ، فشككنا فى بقاء الحكم لنفس الاحتمال المتقدم.

وغير خفى : ان ما افاده ـ قده ـ من انتفاء اصل يعتمد عليه هنا ، لا نقاش فيه اذ لم تكن هيئة المشتق سابقا موضوعة لخصوص المتلبس ، ولا للاعم منه بل حين ما علمنا بحدوث الوضع ، ترددنا فى سعة المفهوم ، وضيقه فكان كل منهما مسبوقا بالعدم ، واصالة عدم لحاظ الخصوص معارض باصالة عدم لحاظ العموم. وعلى تقدير عدم المعارضة فالاصل مثبت كما عرفت.

انما النقاش معه فيما افاده من اختلاف الاصل العملى لاختلاف الموارد الفرعية ، والظاهر ان الجميع مورد للبراءة دون الاستصحاب.

اما فى المورد الاول : فلما مر منه (قده)

١٥٩

واما فى المورد الثانى ـ فلان الاستصحاب غير جار فيه ، لان الشبهة فيه شبهة حكمية فى سعة المجعول وضيقه ، اعنى للشك فى ان الحكم هل جعل لخصوص المتلبس بالمبدإ ، او للاعم منه ومن المنقضى عنه ، ومعه لا يجرى الاستصحاب.

بل حتى على مذهب المشهور من جريان الاستصحاب فى الشبهات الحكمية ، فالمورد مجرى لاصل البراءة ، وذلك لاختصاص الاستصحاب ، بالموارد التى يتعين المعنى ، والمفهوم فيها ، ويتمحض الشك فى خصوص الحكم ، كما لو حكم الشارع بنجاسة القليل الملاقى للنجس ، ثم تمم كرا ، وشك فى بقاء النجاسة ، فالمرجع هو استصحاب الحكم ،

واما فى الشبهات المفهومية ، فلا يجرى الاستصحاب فيها حتى على المشهور ، لاختلاف القضية المتيقنة مع المشكوكة ـ وقد عرفت اعتبار الاتحاد بينهما فى الاستصحاب.

وتوهم جريانه فى الموضوع ـ مندفع ـ بعدم تحقق الشك فى امر حادث زمانى ، اذ مع قطع النظر عن وضع الالفاظ لا يبقى لنا شك فى شىء بالاضافة الى من انقضى عنه المبدأ.

وبالجملة : العالم ، بماله من المفهوم لما كان موضوعا للحكم ، وكان مرددا بين خصوص المتلبس ، او الاعم منه تعذّر جريان استصحاب الحكم للتردد فى نفس الموضوع اما استصحاب الموضوع نفسه (كالعالمية) فلا يمكن ايضا. لان المعتبر فى جريان الاستصحاب امران : اليقين السابق ، والشك اللاحق. مع وحدة المتعلق فيهما ، وهو غير تام فى موردنا لان زوال المبدأ فعلا واتصاف الذات به سابقا ، كل منهما متيقن. انما الشك فى بقاء الحكم ، وفى سعة الوضع ، وضيقه. اما بالنسبة الى الحكم ـ فقد

١٦٠