مصابيح الأصول

علاء الدين بحر العلوم

مصابيح الأصول

المؤلف:

علاء الدين بحر العلوم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز نشر الكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

من الكيف المسموع ، والركوع والسجود من مقولات الوضع. وهكذا بقية أجزاء الصلاة.

مضافا الى تقيد صلاة الصبح بعدم زيادة الركعتين والمغرب بعدم زيادة الثلاث ومع الاختلاف المذكور كيف يمكن انتزاع جامع من المقولات المختلفة بحيث ينطبق عليها انطباق الكلى على مصاديقه.

(الرابع) ان الجامع الذى أمكن تصويره بين الافراد الصحيحة ، وأصبح اللفظ مجعولا له لا بد من ان يلتفت العرف اليه حين يستعمل كلمة الصلاة فى سائر الموارد ، ولا ريب ان القسم الكثير من العرف لا يتوصل الى ادراك الجامع ولو من طريق أثره الذى هو النهى عن الفحشاء والمنكر.

(الخامس) ان ما يكون محصلا للنهى عن الفحشاء والمنكر هو العمل الجامع للاجزاء والشرائط بقيد عدم المزاحم للامر به ، وعدم النهى عنه ووجود التقرب به. والذى محل التسمية للفظ هو الصحيح من جهة تمامية الاجزاء والشرائط فقط من دون ملاحظة عدم المزاحم ، وعدم النهى. ووجود التقرب اذ هذه ليست دخيلة فى المسمى ، فما هو مؤثر للنهى عن الفحشاء ليس بمبحوث عنه فى المقام. وما هو مبحوث عنه فعلا الجامع الاقتضائى وهو غير مؤثر للنهى عن الفحشاء وكيف كان فتصوير الجامع المنطبق على خصوص الافراد الصحيحة ـ كما جاء فى الكفاية غير ممكن.

قد يقال : إن الجامع اذا لم يكن هو المؤثر فى النهى عن الفحشاء فما هو المؤثر إذن؟ وكيف يتحقق ذلك النهى؟ والجواب : ان الاثر يحصل من أحد سببين ، وربما اشتركا معا فى التأثير :

(الاول) حصوله من أجزائها ، فان الصلاة قد اشتملت على مجموعة مؤلفة من الذكر ، والركوع ، والسجود ، وغيرها. أما الذكر فأهمه قراءة

١٠١

الحمد ، والمصلى حين يبدأ بالحمد لربه بقوله : (الحمد لله رب العالمين) يلتفت الى ان هناك صانعا حكيما ، قادرا على كل شىء وهو فى منتهى العدالة ، الى آخر بقية الصفات الثبوتية. ثم يسترسل فى قراءته حتى يصل الى الآية الشريفة (مالك يوم الدين) فيدرك ان هناك يوما للحساب يحضر العبد فيه ليجيب عن أسئلة ترتبط بأفعاله وأعماله التى صدرت منه فى حياته ، واذا ما بدا له الانكار فهناك شهود ضبط عليه كاليد ، والرجل واللسان ... الخ

واذا ما مضى فى قراءته ، وبلغ الفقرات الأخر ـ مثل : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم الخ ـ وقف على عرض تاريخى مر فى العصور السابقة وهو ان هناك أمة من الامم المتقدمة قامت باعمال لا ترضى الله سبحانه وتعالى فكان مصيرها الخيبة ، والخسران ، والسخط من الله عليها ، وجزاؤها العقاب. بينما نرى امة أخرى عملت بما يرضى الله عزوجل لم تخالفه طرفة عين أبدا فنالت النعيم الاوفر والسعادة الابدية التى هى رضا الله تعالى. وهنا يطلب العبد منه تعالى الهداية الى الصراط المستقيم ، صراط هؤلاء الذين أنعم عليهم بمرضاته لا صراط اولئك الذين غضب عليهم ، فأبعدهم عن نيل عفوه ، ورضاه. ولا ريب أن المصلى حين يتلو قراءة الحمد ، ويلتفت إلى تلك المضامين التى وردت فى الآيات الشريفة. تحصل له فى نفسه قوة زاجرة له عن الاقتحام فى ما لا يرضى الله تعالى من المعاصى والامور المنكرة.

أما الركوع والسجود : فالمناسب فيهما كونهما للخضوع والخشوع ، وإزالة التكبر والطموح فى النفس ، وذلك عند ما يرى العبد نفسه العالية تخضع لإله يعبده البشر وسائر المخلوقات أجمع. والذى يدلنا على ذلك ما افادته الروايات الشريفة من أن العرب فى بدو الاسلام عند ما كلفوا

١٠٢

بالصلاة طلبوا من النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يرفع عنهم هذا النوع من التكليف ، والزموا انفسهم بامتثال كل ما يجعله بدلا عنه. بالنظر إلى ما يحصل فى انفسهم من الذلة والخضوع حال الركوع والسجود. فكانت الصلاة باعتبار اجزائها محصلة للنهى عن الفحشاء والمنكر.

(الثانى) باعتبار شرائطها المقيدة بها. فان من جملة شرائط الصلاة إباحة المكان ، واللباس ، وغير ذلك. فان من يرى اشتراط الصلاة باباحة المكان واللباس يعلم ان المغصوب لا يسمح الشارع المقدس فى التصرف فيه ، وان التعدى على حقوق البشر واكل اموالهم بلا رضا منهم غير مرضى لدى الشارع الاعظم.

وهكذا اشتراط الطهارة فى الصلاة ، وإباحة الماء ، وكم اثر إدراك هذه الامور فى الكثير من المصلين فتجنبوا الوقوع فى امثال هذه المعاصى مما يستلزم النجاسة او الغصبية وما شابهها. وقد ثبت بهذا ان الصلاة باعتبار اجزائها وشرائطها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، لا باعتبار الجامع بين افرادها.

تصوير الجامع على القول بالاعم

ويتصور الجامع على الاعم من وجوه :

(الاول) هو ان يقال : ان الصلاة موضوعة للاركان وحدها ، اما بقية الاجزاء والشرائط فهى معتبرة فى المأمور به دون المسمى ، وهذا جامع بين الافراد الصحيحة ، والفاسدة.

وقد اورد شيخنا الاستاذ ـ قده ـ على هذا بايرادين : الاول ـ ان تلك الاجزاء والشرائط ان فرضت غير دخيلة فى المسمّى دائما فلازمه ان يكون استعمال اللفظ فيها وفى الاركان ، استعمالا مجازيا لعلاقة الجزء

١٠٣

والكل. مع أن القائل بالاعم لا يدعى هذا المعنى بل يدعى وضع الصلاة بازاء جامع يصدق على كل من الصحيح والفاسد. وان فرضت حال وجودها دخيلة فى المسمى وحال عدمها خارجة عنه فلازمه كون شىء واحد مقوما للماهية (تارة) وغير مقوم (أخرى) وهو محال.

الثانى ـ ان الاركان التى يدعى وضع اللفظ لها مختلفة بحسب مراتبها. فالركوع فى حالة الاختيار غيره فى حالة الاضطرار ، وهو غيره فى حالة الايماء ... الخ. وهكذا السجود ، وبقية الاركان ، وحيث كانت الاركان مختلفة المراتب فلا بد من اعتبار جامع يجمع افرادها ، ويكون هو الموضوع له اللفظ. وعليه فليست ذات الاركان قد وضع لها اللفظ. بل الجامع بينها هو الموضوع له.

وذكر صاحب الكفاية ـ قده ـ ايرادا آخر ، وهو : ان الصلاة لو كانت موضوعة للاركان لكانت التسمية دائرة مدارها ، وبالضرورة نجد صدق الصلاة تاما مع الاخلال ببعض الاركان ، وكذا بالعكس نجد عدم الصدق مع تمامها مع الاخلال بجميع الاجزاء والشرائط.

والظاهر أن ما جاء به المحقق القمى ـ قده ـ من دعوى وضع الصلاة للاركان خاصة هو الصحيح : وذلك لان المركبات الاعتبارية وحدة وجودها إنما تكون بنظر المعتبر ، وهى قائمة بنفس الاعتبار ، ولا ريب ان الصلاة مركب اعتبارى ، وقد لاحظ الشارع مجموع تلك الامور الخاصة المستقلة واعتبرها شيئا واحدا مستقلا ، ولو لاحظنا اجزاء ذلك المركب لوجدنا لكل جزء استقلالا. فالنية من الكيفيات النفسانية ، والقراءة من الكيف المسموع ، والركوع من مقولة الوضع ، وكل واحد منها له ماهية تغاير ماهية الثانى ، ووجود يغاير وجوده. فالاجزاء مختلفة. إلّا أن جميعها يمكن فرض

١٠٤

وحدة لها فى عالم الاعتبار. وهذا المعتبر الذى قوامه نفس الاعتبار لا مانع من أن تؤخذ مقوماته على نحو اللابشرط ، ويكون غير المقوم من الاجزاء والشرائط دخيلا فى المسمى عند وجوده ، وخارجا عند عدمه. واما مورد النقصان فيوجب عدم الصدق لعدم التسمية لذلك. مثلا (الدار) مركب اعتبارى يتركب من حقائق مختلفة : الجص ، والطابوق ، والاخشاب وغيرها. ويعتبر فيه أمور ثلاثة : وجود الجدران ، والساحة ، والغرف ، ولو واحدة ، وقد اخذت هذه الامور لا بشرط من حيث الزيادة. فلو اضيف الى ذلك حمام ، وسرداب ، ومطبخ. فهى لا تزال دارا وليست دارا وزيادة. نعم لو فقد الجدار ، أو بعض ما أخذ مقوما لما صح الصدق ، وما نحن فيه كذلك. فان المعتبر فى قوام الصلاة نفس الاركان لا بشرط من حيث الزيادة ، فلو اضيف اليها شىء آخر لما أوجب انعدام الصدق.

والوجه فيه ما عرفت من أنها من الماهيات الاعتبارية التى يكون اختيارها بيد المعتبر ، ولا مانع من أن تكون الصلاة مطلقة بالاضافة الى الاجزاء الزائدة على الاركان.

وبهذا البيان لا يرد علينا شىء مما تقدم :

اما الاول ـ فلان الاستعمال فى الجميع لا يكون مجازا ، بل هو حقيقة لما فرضنا من ان المسمى امر اعتبارى ، ومركب من عدة أمور على نحو اللابشرطية ، وزيادة بقية الاجزاء والشرائط كنقيصتها لا تضر فى الصدق ولا تصيره مجازا.

وبهذا البيان يندفع الشق الثانى من الاشكال : من أن كل جزء يلزم ان يكون مقوما تارة ، وغير مقوم اخرى. إذ أن ذلك انما يلزم اذ اخذ على نحو بشرط شىء وجوديا كان ام عدميا دون اللابشرطية كما ذكرناه.

١٠٥

واما الثانى ـ فلان ما ادعاه ـ قده ـ من ثبوت اختلاف مراتب الاركان أمر صحيح. إلّا انه غير محتاج الى تصوير جامع اصلا ، بل الملحوظ فى مقام الركنية أحد هذه المراتب. فالحلوى ـ مثلا ـ المركبة من السكر ، وشىء من الجرز ، او الطحين. يصح لنا ان نقول : إنها عبارة عن السكر ، واحد هذه الامور ، ولا يلزم من ذلك محذور.

واما الثالث ـ فأحد شقى الاشكال واضح البطلان ، والثانى محتاج الى البيان :

اما الشق الاول ـ وهو دعوى عدم صدق الصلاة ، مع تمامية الاركان عند الاخلال ببقية الاجزاء والشرائط ـ فهو واضح البطلان. حيث نرى بالوجدان صدق الصلاة شرعا فضلا عن العرف فيمن كبر فى صلاة ، وركع ، وسجد : وسلم متطهرا. ولكنه لم يأت بشىء من بقية الاجزاء والشرائط ، اما نسيانا فيما يحكم معه بصحة الصلاة لحديث لا تعاد ، او غيره ، وإما اضطرارا لعدم القدرة. فان الصلاة لا تسقط بحال. فاذا حكم الشارع بصحة ذلك فكيف تصح دعوى ان الصلاة لا تصدق عليه حقيقة؟

واما الجواب عن الشق الثانى من الايراد ، فهو يحتاج الى تفصيل ، وبسط فى الكلام. وحاصله : ان المركبات الاختراعية الاعتبارية لا يعرف حقيقتها من اجزائها وشرائطها ، وما به قوامها من الامور الوجودية والعدمية إلا بالمراجعة الى مخترعها وواضعها ، وليست من الامور الوجدانية لنستكشفها بالوجدان. ونحن إذا راجعنا الشارع فى استكشاف ما اعتبره فى حقيقة الصلاة وقوامها نرى ان التكبيرة معتبرة فى حقيقتها ، وفقدانها يوجب انتفاء الصلاة ، وهذا لما ورد فى جملة من الاخبار : من ان التكبيرة افتتاح الصلاة. نعم لم يشتمل عليها حديث لا تعاد ، ومقتضاه

١٠٦

عدم اعتبارها فى حقيقة الصلاة ، إلا ان الصحيح اعتبارها ـ كما عرفت ـ ولعل عدم ذكرها فى الحديث ـ والله العالم بحقيقة الحال ـ بلحاظ ان الاعادة التى هى وجود ثان للشىء تتوقف على ايجاد ذلك الشىء اولا وتحققه ولو فاسدا ، ومع الاخلال بالتكبيرة لم يتحقق وجود للصلاة رأسا ، حيث لم يأت بافتتاحها بمقتضى الاخبار المتقدمة ، ومعه لا تصدق للاعادة على اتيانها ثانيا.

ثم إذا نظرنا الى الركوع والسجود : نرى اعتبارهما ايضا فى حقيقة الصلاة لما ورد من ان الركوع والسجود كل منهما ثلث الصلاة.

واما التسليمة : ففى اعتبارها فى قوام الصلاة خلاف بين الاعلام : ففى العروة عدم كونها مقومة للصلاة فلا تبطل بنقصانها سهوا. وذهب شيخنا الاستاذ (قده) فى هامشها الى البطلان. وانها معتبرة فى حقيقتها ، وهذا لما ورد فى جملة من الروايات من ان التسليمة اختتام الصلاة ، وعليه فلو وقع شىء من منافيات الصلاة قبل التسليمة ، ولو مع نسيانها فقد وقع فى اثنائها فتفسد. هذا ولكن مقتضى (حديث لا تعاد) عدم اعتبار التسليمة فى حقيقة الصلاة ، لعدم ذكرها فى الحديث. ومن هنا ذكرنا فى تعليقة العروة تبعا للماتن (ره) عدم كون التسليمة من مقومات الصلاة. تقديما للحديث على الاخبار المتقدمة ـ من جهة الحكومة ـ وعليه فاجزاء الصلاة منحصرة فى التكبيرة ، والركوع ، والسجود.

واما شرائطها : فالمعتبر منها فى قوام الصلاة ـ عند الشارع ـ هو الطهارة. لما ورد من (ان الطهور ثلث الصلاة) وقد علمنا ـ بالكتاب والسنة ـ انه اعم من الطهارة المائية ، والترابية.

واما الاستقبال فقد ورد فى اعتباره فى الصلاة انه (لا صلاة إلّا الى القبلة)

١٠٧

ولكن الاظهر ان الصلاة لا تتقوم به ، لصحتها فيما اذا وقعت الى غير القبلة. فى موارد النسيان ، والاشتباه ، والجهل ، بل مع الاستدبار ايضا ـ كما عند الاضطرار ـ وفى النوافل.

ومن مجموع ذلك يستكشف عدم تقوم طبيعى الصلاة بالاستقبال. فانه كغيره من الامور الواجبة فى الصلاة. معتبر فى المأمور به لا فى حقيقتها. فعلى هذا المعتبر فى تحقق الصلاة عند مخترعها هو التكبيرة ، والركوع ، والسجود ، والطهور ، والتسليمة على خلاف فى الاخير. فمع وجودها تصدق الصلاة حقيقة صحيحة او فاسدة. ومع انتفاء شىء منها رأسا ينتفى الصدق على وجه الحقيقة ، ولا مضايقة فى الصدق مجازا ، ومع العناية.

(الوجه الثانى) فى تصوير الجامع على الاعم ان يقال : إن الجامع عبارة عن معظم الاجزاء ، فلو فرض ان الاجزاء عشرة فستة منها هى المعظم ـ مثلا ـ وتكون الصلاة موضوعة لها.

واشكل على هذا صاحب الكفاية ـ قده ـ بأمرين :

الاول ـ هو ان الوضع لو كان لخصوص المعظم فلو استعمل اللفظ فيه ، وفى بقية الاجزاء كان مجازا ، لعلاقة الجزء والكل.

الثانى ـ انه يستلزم الترديد فى المقوم للصلاة عند اجتماع جميع الاجزاء والشرائط. باعتباران مبدأ الستة هل الاول ، او الوسط ، او الآخر. والترديد ـ فيما يتقوم به الماهية ـ غير معقول.

والجواب عن الاول ـ علم مما تقدم ـ حيث فرضنا ان الصلاة من الامور الاعتبارية وصححنا ان يكون الشارع قد اتخذ وحدة من هذه الاجزاء المختلفة ماهية ووجودا ، فاعتبر المعظم منها هو المسمى باللفظ. ولكن لا على سبيل التقييد ، بل لا بشرط. بمعنى ان الزيادة لا تضر فى صدق المسمى ،

١٠٨

فلا يكون معظم وزيادة عند اجتماع الجميع. وعلى هذا فالاستعمال حقيقى لا مجازى.

والجواب عن الثانى ـ يظهر ـ مما ذكرناه ـ إذ لم نعتبر المعظم ما كان محددا ، ومقيدا بمقدار خاص ، بل اخذ لا بشرط ، فكما يصدق فى مورد الستة يصدق فى مورد الثمانية والعشرة.

(وبعبارة اخرى) اعتبر المعظم بنحو لا ينقص عن هذا المقدار ولا يقل عن العدد المذكور. اما ما زاد عليه فهو فى فرض وجوده جزء لا انه خارج عن الماهية ، ومثله ما قالوا فى الكلمة انها تتركب من حرفين فصاعدا ، فان هذا لا يستلزم ان يكون اطلاق الكلمة على كلمة سفر جل ـ مثلا ـ مجازا لاشتمالها على حرفين وزيادة. ولا موقع معه للبحث عن ان الحرفين الذين يتقوم بهما معنى الكلمة هل هما الحرفان الاولان من كلمة سفرجل او الاخيران او الاول والثالث ، او الرابع والثانى ، او غير ذلك. وهكذا سائر الكلمات التى تزيد على الحرفين.

والوجه فيه ـ ما عرفت ـ ان الملحوظ فى نظر المولى ان لا يقل عن التحديد المذكور ، واما ما زاد فلا مانع منه. وقد اخذ الاقل لا بشرط بالاضافة اليه. وهذا التقريب من الجامع لا بأس به ان لم يتم الاول ، ومهما كان فأحدهما كاف هنا.

ولعل من ذكر فى تصوير الجامع ان الموضوع له ما يطلق عليه الصلاة عرفا. يريد به هذا المعنى. اذ الالتزام بظاهره غير معقول باعتبار تأخر مرتبة الصدق العرفى عن مرتبة الموضوع له. فلا بد من تصوير جامع يوضع اللفظ له ثم يستعمل اللفظ فيه ثم يفهمه العرف.

اللهم إلّا ان يريد بذلك ـ ما ذكرناه ـ من ان الصلاة وضعت لمعظم

١٠٩

الاجزاء بحيث لو استعملت فيه لصدق على ذلك عرفا. ومهما يكن قلنا بهذا الوجه ام لم نقل لا بد من اشتراط التوالى فى الصلاة ، لان العرف ـ بحسب المناسبات المرتكزة فى اذهانهم ـ يرى عدم صحة إطلاق الصلاة على من كبّر اول الزوال ، ثم اشتغل بكتابة له ، وبعد الانتهاء قام فقرا الحمد ثم عاد الى حالته السابقة فأخذ فى كتابة صحائف له. وبعد ساعات طويلة عاد الى الركوع. وهكذا حتى انتهى وقت الغروب. فالعرف لا يطلق على فعله هذا لفظ الصلاة أبدا.

الوضع للاعم

ومما ذكرنا. من عدم معقولية الجامع بين الافراد الصحيحة. يتعين ان تكون الالفاظ موضوعة بازاء المعانى الاعم من الصحيحة والفاسدة من دون احتياج فى ذلك الى اقامة الدليل ، لان الامر كان يدور بين الوضع للجامع الصحيح بالخصوص ، وبين الوضع للاعم ، فبطلان الوضع لاحدهما اى ـ للصحيح ـ من جهة عدم المعقولية يوجب تعيين الوضع للاعم اذ لا ثالث لهما.

مضافا الى امكان الاستدلال على الوضع للاعم بصحة اطلاق الفاظ العبادات على فاسدها فى عرف المتشرعة ، كما يصح اطلاقها على صحيحها ، حيث لا نرى احتياجا الى المئونة عند اطلاق كلمة الصلاة على الفاسدة عند ما نجد شخصين يصليان فنقول : كلاهما يصليان. وهذا يكشف عن ان الصلاة وضعت للاعم لا للصحيح. وقد عرفت انه لو لا ذلك لكان اطلاقها وارادة الاعم من الصحيح والفاسد محتاجا الى المئونة الزائدة. ولكان من قبيل استعمال اللفظ الواحد فى اكثر من معنى واحد ، او فى المسمى بالصلاة.

١١٠

وكلاهما خلاف الوجدان.

(ثمرة النزاع)

وقد ذكروا لهذا النزاع ثمرات عديدة مترتبة عليه. وربما يظهر من بعضهم انها ثمرات للمسألة الاصولية ، والحق انها ليست كذلك ـ لما سيأتى ـ وهذا البحث ليس بحثا اصوليا ، وانما هو من مبادى علم الاصول :

الثمرة الاولى ـ الرجوع الى البراءة ـ بناء على القول بالاعم ـ عند الشك فى جزئية شىء للمامور به ، او شرطيته. باعتباران ما عدا هذا الجزء ، او الشرط المشكوك فيه لما كان مصداقا للمسمى ـ والشك انما هو فى اعتبار امر زائد على ـ ما يصدق عليه كان مجرى للبراءة لكون الشك بالنسبة الى الزائد شكا فى اصل التكليف.

وهذا بخلاف القول بالصحيح : فان نتيجته الرجوع الى الاشتغال ـ لان الشك فى جزئية شىء شك فى صدق المسمى اذا جىء به خاليا من ذلك المشكوك فيه ، ومتى كان الشك فى المحقق ، كان مجرى للاشتغال.

ولا يخفى : ان الثمرة المذكورة ـ كما تعرض لها الشيخ الانصارى (قده) ـ لا ترجع الى محصل. اما بناء على الوضع للاعم ـ فلان الشك فى اعتبار الامر الزائد على ما يصدق عليه المسمى يرجع الى الشك فى ان الامر المتعلق بالاجزاء التى هى عبارة عن الركوع ، والسجود ، وغيرهما. مما كان يصدق عليها الصلاة هل اعتبر بنحو الاطلاق ، واللابشرط ، او اعتبر بنحو التقييد ، وبشرط شىء ، وهذا من دوران الامر بين الاطلاق والتقييد. فالقول بالبراءة فيه مبتن على انحلال العلم الاجمالى فى مثل ذلك ـ دوران امر الواجب بين الاقل والاكثر الارتباطيين ـ كما ان القول بالاشتغال ـ

١١١

يبتنى على عدم انحلال العلم الاجمالى فى ذلك ، فان قلنا هنا : بانحلال العلم الاجمالى الى معلوم تفصيلى ، وهو القدر المتيقن ، والى شك بدوى ، فلا بد من اجراء البراءة فى الزائد.

وان لم نقل بالانحلال ـ وقلنا بان هناك علما اجماليا قد تعلق بوجوب احد الامرين : اما المطلق ، او المقيد ـ حيث ان الاهمال فى الواقع مستحيل ـ وكل منهما مشكوك امره ، فلا بد من الاشتغال دون البراءة.

فالقائل بالاعم لا يستطيع التمسك بالبراءة مطلقا ، بل تمسكه بها يبتنى على القول بانحلال العلم الاجمالى فى موارد الاقل والاكثر الارتباطيين. اما على القول بعدمه فلا بد من الاشتغال.

واما بناء على الوضع للصحيح : فلان الصحة لما كانت من الامور الانتزاعية التى تنشأ من مطابقة المأتى به للمأمور به فى مرحلة الامتثال ، كما ان الفساد عبارة عن عدم المطابقة بالمعنى المذكور ، كانت من شئون الامتثال لا الامر ، اذ لا معنى للصحة فيه فان معنى المطابقة يعطى ان هناك امرا متعلقا بشىء ، والعبد قد يمتثله وقد لا يمتثله. وبناء على هذا فلا بد من تعيين متعلق الامر على القول بالصحيح ليكون الاتيان به موافقا للمامور به.

وهو اما ان يكون مركبا : او بسيطا ، فان كان مركبا ، وكانت الاجزاء مع القيود بانفسها متعلقة للامر ، بان كان الجامع بين الافراد الصحيحة مركبا ـ مع الغض عما بيناه سابقا من عدم امكانه ـ فعند الشك فى اعتبار شىء فى المامور به زائدا على المقدار المتيقن يرجع الى البراءة بناء على صحة الانحلال ـ فيما اذا دار امر المامور به بين الاقل والاكثر الارتباطيين ـ لان الامر حسب الفرض قد تعلق بذوات الاجزاء ، وقد علم تعلقه بمقدار منها وشك فى الباقى. فالمرجع البراءة.

١١٢

وان كان بسيطا : وكانت الاجزاء والقيود محصلة له ـ بان كانت نسبة لاجزاء والقيود اليه نسبة السبب الى المسبب ـ فالشك فى انضمام شىء الى الاجزاء المتيقنة يكون شكا فى المحصل ، والمرجع فيه الاشتغال اذ لا شك فى تعلق الطلب بالامر البسيط وانما الشك فى محصله.

وان كان الجامع بسيطا : وكانت نسبته الى الافراد نسبة الماهيات الحقيقية المتأصلة. كماهية الانسان الى الافراد ـ مع الغض عما اشكلناه من عدم امكان الجامع البسيط ـ فلا محالة يكون الجامع موجودا بوجود افراده فالامر المتعلق به متعلق بالاجزاء ، والشرائط. بلا فرق بين القول بتعلق الاحكام بالطبائع ، والقول بتعلقه بالافراد : اذ على الاول ـ يكون الامر المتعلق بالطبيعى متعلقا بالافراد لاتحاده معها. غاية الامر انه لا دخل فى ذلك ـ حينئذ ـ للخصوصيات الفردية.

وعلى الثانى يكون متعلق الامر نفس الافراد ، ويكون للخصوصيات الفردية دخل فى ذلك ، وعلى كلا التقديرين تكون الافراد متعلقة للامر فلو شك فى زيادة جزء او قيد على ما علم تعلق الامر به. فيرجع الى البراءة بناء على الانحلال فى الاقل والاكثر الارتباطيين.

وان كان الجامع البسيط من العناوين الانتزاعية : التى لا وجود لها الا بوجود منشأ الانتزاع فالامر اوضح لان الامور الانتزاعية لا يتعلق بها الامر لعدم وجودها واقعا اذ الموجود اولا وبالذات ، هو منشأ انتزاعها وان نسب اليها الوجود ثانيا وبالعرض. ومثل هذا الوجود لا يصلح ان يكون متعلقا للامر ، فالامر فى الحقيقة متعلق بمنشإ الانتزاع ، وهو نفس الاجزاء والشرائط ، ومع الشك فى تقييدها بقيد او جزء زائدا على المقدار المعلوم يكون الاصل هو البراءة. بناء على الانحلال فى الاقل والاكثر

١١٣

والارتباطيين.

وعلى هذا فالقول بالصحيح لا يلازم ـ دواما ـ جريان الاشتغال عند الشك ومما ذكرنا ـ يظهر عدم صحة ما افاده شيخنا الاستاذ (قده) من ان القول بالصحيح ملازم للقول بالاشتغال. باعتباران الوضع على الصحيح ملازم لتقييد المسمى ـ لما عرفت من ان المتعلق : اما ان يكون مركبا ، او بسيطا ، والبسيط : اما ان يكون من الماهيات الحقيقية المتأصلة او يكون من الامور الانتزاعية ، وعلى جميع هذه الصور فهى مجرى للبراءة ـ على القول بالانحلال ـ لا الاشتغال.

اللهم إلّا ان يكون الامر متعلقا بعنوان بسيط ، والاجزاء والشرائط محصلة له. فالاصل هو الاشتغال إلّا ان هذا الوجه ليس بمراد للقائل بالصحيح. لان غرضه ـ من دعوى الوضع على الصحيح ـ هو ان يكون للصلاة ـ مثلا ـ اسم لما يصح انطباقه على تلك الاجزاء الخارجية فيقال : ان هذا الركوع ، والسجود ، والقراءة ، صلاة لا أن الصلاة اسم لامر بسيط ، لا يصدق على تلك الافعال ، وانما تكون هذه الافعال محققات لها فحسب فما افاده فى الكفاية ـ من عدم ابتناء البراءة والاشتغال على القول بالاعم والصحيح ـ هو الصحيح ـ

الثمرة الثانية ـ ما ذكره جماعة منهم صاحب الكفاية (قده) ـ من جواز التمسك بالاطلاق ، على القول بالاعم عند الشك فى جزئية شىء ، او شرطيته ، والرجوع الى الاصول العلمية على القول بالصحيح. وبيان ذلك : ان التمسك بالاطلاق موقوف على مقدمات.

اولا ـ ان يحرز المراد الاستعمالى للمتكلم من تعلق الحكم بما فيه القابلية للانقسام كتعلقه بالقدر الجامع بين نوعين ، او انواع.

١١٤

ثانيا ـ ان يحرز كونه فى مقام البيان.

ثالثا ـ ان لا ينصب قرينة على تعيين احد النوعين ، او الانواع وبذلك يستكشف ان مراده الجدى هو بعينه المراد الاستعمالى ، وليس لايّة خصوصية من الخصوصيات دخل فيه فاذا شك فى صدق المسمى ـ كما هو الحال فيما اذا شك فى جزئية شىء او شرطيته للمامور به بناء على وضع الالفاظ على الصحيح ـ لا تصل النوبة الى التمسك بالاطلاق لعدم احراز المراد الاستعمالى وانه قابل الانطباق على الفاقد لما يشك فى اعتباره ، وبقية المقدمات لا نجدى فى اثبات القابلية لانها انما تجرى فى رتبة لاحقة له. اذ بعد احراز قابلية المتعلق للصدق على النوعين يستكشف ببقية المقدمات ارادة الجامع بينهما ومع عدم احراز القابلية يكون الخطاب مجملا ، فيتعين الرجوع الى الاصل العملى.

نعم بناء على الاعم. وبعد احراز المراد الاستعمالى بواسطة الوضع له. لا مانع من جريان مقدمات الحكمة والتمسك بالاطلاق.

وربما يورد على هذه الثمرة بوجهين :

الاول ـ ان التمسك بالاطلاق ـ كما يصح للقائل بالاعم يصح للقائل بالصحيح ـ بيان ذلك ان المتكلم اذا كان بصدد تمام بيان مراده الجدى ، ولم يأت بقيد ، او جزء فى كلامه فلا محالة يستكشف من ذلك عدم ارادته له. بلا فرق بين القول بالصحيح ، والقول بالاعم وذلك ـ مثل ـ ما افاده الامام عليه‌السلام فى رواية حماد ، من تعرضه لجميع اجزاء الصلاة وهو فى مقام البيان ولم يذكر الاستعاذة قبل القراءة فيستكشف من ذلك عدم ارادته لها. وانها ليست بجزء للصلاة ، واذا لم يكن المتكلم فى مقام البيان لا يصح التمسك بالاطلاق سواء فى ذلك القول بالوضع للصحيح ، والقول

١١٥

بالوضع للاعم.

والجواب ـ يظهر مما سبق ـ اذ ان كونه فى مقام البيان انما يجدى فى اثبات الاطلاق اذا احرز مراده الاستعمالى. ومع عدم احرازه لا تصل النوبة الى التمسك بالاطلاق.

نعم لا مانع من التمسك به لو كان شكه من جهة الاطلاق الاحوالى ، وهو عبارة عن سكوت المتكلم عن بيان شىء مع العلم بانه لو اراده لبينه فيستكشف من عدم بيانه عدم ارادته له ، وهذا كما اذا كان المولى فى مقام بيان ما يحتاجه من الغذاء. فأمر خادمه بشراء بعض اللوازم التى يرغب فيها. ولكنه لم يتعرض الى ذكر السكر ـ مثلا ـ فحيث كان فى مقام البيان ولم يذكر ذلك يستكشف منه عدم ارادته له ، وهذا النحو من الاطلاق لا يحتاج الى وجود لفظ مطلق فى الكلام ، بخلاف الاطلاق اللفظى فانه يحتاج الى لفظ فى الكلام ، والذى هو محل البحث فى المقام هو الاطلاق اللفظى لا الاحوالى.

فما جاء به القائل من الايراد. غير صحيح.

وقد يقال ـ ان القائل بالصحيح كما لا يتمكن من التمسك بالاطلاق. كذلك القائل بالاعم لا يتمكن من التمسك بذلك. والوجه فيه انه ليس لنا مورد فى العبادات يكون المتكلم فيه فى مقام البيان ، ومع عدمه لا يصح التمسك بالاطلاق ـ على كلا القولين ـ غاية الامر على القول بالاعم المفقود جهة واحدة ، وهى عدم ورود مطلقات الكتاب ، والسنة فى مقام البيان ، بل فى صدد التشريع فقط.

وعلى القول بالصحيح المفقود جهتان وهما : عدم كون المطلقات فى مقام البيان ، وعدم ورود الحكم على مقسم ، وجامع بين القسمين.

١١٦

والجواب عنه ـ ان بعض الآيات الشريفة وردت فى الكتاب العزيز ـ وهى فى مقام البيان ـ

منها ـ قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فان الصيام ثابت فى سائر الاديان المختلفة ، وان كان يتفاوت بتفاوت كيفياته. ويظهر من هذا : ان المراد منه هو المعنى اللغوى بقرينة. قوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) وهو عبارة عن نفس الكف عن الاكل والشرب ، واما الكف عن بقية الامور كالكذب على الله تعالى ، او الجماع ، او الارتماس فى الماء ، فتستفاد بالتعبد الشرعى. فلو حصل الشك فى اشتراط شىء ، وعدم اشتراطه فى هذه الماهية. فلنا المجال للتمسك باطلاق قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ولا نرى فرقا بين هذا الاطلاق ، واطلاق قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) فان هذين الدليلين ـ كما يتمسك باطلاقهما ـ فى المعاملات كذلك يتمسك باطلاق الآية المباركة اذا شك فى اعتبار أمر ما فى صحة الصوم شرعا.

مضافا الى ما يوجد فى السنة من الروايات المطلقة ـ كما فى التشهد من قوله عليه‌السلام يتشهد ـ فلو شك فى اعتبار التوالى ـ مثلا ـ بين الشهادتين يرجع الى الاطلاق ، ويحكم بعدم اعتباره.

ولكنها مع ذلك ليست هذه بثمرة المسألة الاصولية ، لان ضابط المسألة الاصولية. ما امكن بنفسها ، ان يستنبط منها حكم كلى فرعى ـ مع قطع النظر عن بقية المسائل الاصولية ـ ومسألة الصحيح ، والاعم خارجة عن علم الاصول لعدم وقوعها كذلك. نعم هى محققة لموضوع التمسك بالاطلاق ، والبحث عن جواز التمسك بالاطلاق ، وان كان بحثا اصوليا

١١٧

إلّا ان البحث عن تحقق الاطلاق ، وعدمه بحث عن المبادى.

الثانى ـ من الايراد على الثمرة : هو ان القائل بالوضع للصحيح ـ كما لا يمكنه التمسك بالاطلاق كذلك القائل بالاعم لا يمكنه ذلك ـ اما عدم تمكن الصحيحى من ذلك فلعدم احراز صدق اللفظ على الصلاة ـ مثلا ـ الفاقدة لما هو المشكوك جزئيته ، او شرطيته. اذ من الممكن ان يكون المجموع هو الصلاة.

واما القائل بالاعم ـ فلانه يعلم بتقيد المسمى بالصحة ، وانها اخذت فى المامور به. اذ الشارع لا يأمر بالفاسدة قطعا. فاللفظ وان وضع للاعم ـ إلّا ان مراده من الصلاة الحصة الخاصة من الطبيعى ، وهى المقيدة بوصف الصحة. فمع كون المسمى اعم مع العلم بان المامور به مقيد لا يصحح التمسك بالاطلاق. اذ لا فرق بين ان تكون الصحة دخيلة فى المامور به ، وفى المسمى فهما من هذه الناحية سيان فى المنع من التمسك بالاطلاق. فاذا امر الشارع بالصلاة وشككنا فى اعتبار السورة فيها لا يمكننا الركون الى الاطلاق فى رفع ما شك فيه. وذلك لاجل العلم بتقييد الصلاة بالصحة ، ومع هذا يحتمل عدم صدق الصلاة الصحيحة على ما كانت فاقدة للسورة ، فلا يمكن التمسك بالاطلاق.

وقد اعتنى بهذه الشبهة المحقق الانصارى (قده) فى بحث البراءة. واطال الحديث فيها ، إلّا ان الشبهة بنظر شيخنا الاستاذ (قده) ليست بذات اهمية. وذلك لعدم اخذ عنوان الصحة فى المامور به بل هى منتزعة من المطابقة فى مورد الامتثال. فلا بد من سبق امر متعلق بشىء ثم يقوم العبد بامتثاله. فتنتزع المطابقة ـ حينئذ ـ فلو قلنا بالوضع للاعم. وشككنا

١١٨

فى اعتبار شىء لا مانع من التمسك بالاطلاق لرفع ذلك المشكوك فيه لصدق اللفظ على المأتى به ، وهذا بخلاف ما لو قلنا. بالوضع للصحيح. فان معنى اللفظ غير معلوم الصدق على المأتى به ، لاحتمال مدخلية المشكوك فيه فى ذلك ويكون فقد انه مضرا به.

وعليه. فبالاطلاق على الاعم. يستكشف منه ان الطبيعى المامور به غير مقيد. بالسورة ، وانه بالاضافة الى ذلك مطلق ، واذا انطبق الطبيعى اللابشرط على المأتى به الفاقد للسورة. لا محالة ينتزع منه الصحة.

وربما قيل ـ ان ثمرة النزاع تظهر فى النذر ، وذلك ـ كما لو نذر اعطاء درهم للمصلى ـ فبناء على الاعم يستطيع الناذر ان يدفع الدرهم لكل مصل وان كانت صلاته فاسدة ، وهذا بخلاف الصحيح فان ذمته لا تبرأ لو دفعها الى المصلى صلاة فاسدة.

وغير خفى ـ ان هذه الثمرة انما تترتب فيما اذا كان قصد الناذر اعطاء الدرهم لمن يأتى بما ينطبق عليه مفهوم الصلاة ، فلو قصد اعطاءه لمن يأتى بها ولو فاسدة ، او لخصوص من يأتى بالصحيحة لم تترتب الثمرة على البحث فان وجوب الوفاء بالنذر تابع لقصد الناذر لا لصدق المفهوم وعدمه.

هذا : مع ان مثل هذه لا تكون ثمرة للمسألة الاصولية ، فان ثمرة البحث الاصولى عبارة عن استنباط الحكم الكلى الفرعى ، واما تطبيق الحكم المستنبط على موارده ـ كما فى مسألة النذر ـ فليس بثمرة للمسألة الاصولية. بل لا يصلح ذلك ثمرة لاى مسألة علمية ، فلو نذر اعطاء درهم للفقير اذا كانت مساحة مسجد بلده كذا مقدارا لم يكن البحث عن مساحة ذلك المسجد بحثا اصوليا ولا بحثا عن مسألة سائر العلوم.

١١٩

وربما قيل ـ ان ثمرة النزاع المتقدم. عبارة عن اختلاف الحكم الوارد على مفهوم الصلاة على ـ كلا القولين ـ مثلا ـ لو قال المولى لا تصل وبحذائك امرأة تصلى ، فبناء على الاعم. لو علمنا ان المرأة تصلى بحذاء الرجل صلاة فاسدة لجهة من الجهات ، فالصلاة باطلة بناء على الحرمة. ومكروهة بناء على الكراهة. وذلك لصدق الصلاة عليها.

وهذا بخلاف الصحيح ـ فان صلاة المرأة حيث كانت فاسدة وليست بصلاة صحيحة ، فهى لا توجب بطلان صلاة الرجل او كراهته.

وهذه ثمرة متينة جدا ، ولا باس بها ـ إلّا انها ليست ثمرة اصولية على ما ظهر مما تقدم. ـ

الكلام فى المعاملات

ويقع البحث فيها فى مقامين :

الاول ـ فى تحقيق ما ذهب اليه صاحب الكفاية ـ قده ـ وغيره من ان الفاظ المعاملات ـ انما يجرى فيها النزاع ـ اذا كانت موضوعة للاسباب ، لا المسببات اذ بناء على وضعها للمسببات لا يعقل فيها الاتصاف بالصحة والفساد. باعتبار انها من الامور البسيطة فلا يجرى فيها النزاع فى الوضع لخصوص الصحيحة منها او الاعم ، بل انها تتصف بالوجود اذا وجدت اسبابها ، وبالعدم اذا لم توجد.

الثانى ـ فى ترتب الثمرة السابقة ، وعدمها من امكان التمسك بالاطلاق ـ بناء على الوضع للاعم ـ وعدمه بناء على الصحيح ـ حيث انكر الفقهاء ترتبها فى باب المعاملات ، ولذا تمسكوا باطلاق الفاظ المعاملات حتى القائلون بالصحيح ـ كالشهيد (قده) حيث التزم بوضعها ، كالعبادات

١٢٠