تراثنا ـ العددان [ 127 و 128 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 127 و 128 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٩٤

أثناء المعركة يريد حرق فسطاط أبي عبد الله عليه‌السلام ؛ فقال له حميد بن مسلم : «سبحان الله إنّ هذا لا يصلح لك تريد أن تجمع على نفسك خصلتين تعذّب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء ، والله إنّ في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك ، قال : فقال : من أنت؟ قلت : لا أخبرك من أنا. قال : وخشيت والله أن لو عرفني أن يضرّني عند السلطان ، قال : فجاءه رجل كان أطوع له منِّي شبث بن ربعي ، فقال : ما رأيت مقالاً أسوأ من قولك ولا موقفاً أقبح من موقفك ، أمرعباً للنساء صرت؟ قال : فأشهد أنّه استحيى فذهب لينصرف ، وحمل عليه زهير بن القين في رجال من أصحابه عشرة فشدّ على شمر بن ذي الجوشن وأصحابه فكشفهم عن البيوت»(١).

وروى أيضاً فعلة اللعين عقبة بن بشر الذي رمى رضيع الحسين عليه‌السلام بسهم وهو في حجره ، فذبحه(٢) ، وذكر أيضاً أنّ عبد الله بن قطنة التميمي هو الذي قتل عون بن عبد الله بن جعفر(٣) ، وأنّ الذي قتل أخاه محمّداً بن عبد الله بن جعفر هو عامر بن نهشل التميمي(٤) ، وذكر بقيّة من استشهد من بني هاشم كجعفر بن محمّد بن عقيل ، وغيره(٥).

وقال : إنّ أوّل قتيل قتل من ولد أبي طالب مع الحسين هو ولده عليّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٤/٣٣٤ ، وينظر أيضاً الكامل ٤/٦٩ ، والبداية والنهاية ٨/١٩٨.

(٢) مقاتل الطالبيّين ٥٩.

(٣) السابق ٦٠.

(٤) السابق ٦٠.

(٥) السابق ٦٢.

٣٦١

عليهما السلام ، وإنّ الحسين حين استشهد ولده عليّ قال سماع أذني : «قتل الله قوماً قتلوك يا بنيّ ما أجرأهم على الله ، وعلى انتهاك حرمة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ثمّ قال : على الدنيا بعدك العفا ؛ قال حميد : وكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس طالعة تنادي : يا حبيباه يا ابن أخاه فسألت عنها ، فقالوا : هذه زينب بنت عليِّ بن أبي طالب ، ثمّ جاءت حتّى انكبّت عليه ، فجاءها الحسين فأخذ بيدها إلى الفسطاط ، وأقبل إلى ابنه وأقبل فتيانه إليه ، فقال : احملوا أخاكم ، فحملوه من مصرعه»(١).

تحدّث حميد أيضاً عن إحدى حملات أبي الفضل العبّاس عليه‌السلام في رفقة ثلة من أصحاب الحسين عليه‌السلام ، واستطاعتهم كشف جيش ابن سعد عن شريعة الماء وملئهم قِرَبَهُم وعودتهم بها(٢).

وذكر أيضاً أنّه «لمّا بقي الحسين في ثلاثة رهط أو أربعة دعا بسراويل محقّقة يلمع فيه البصر يمانيٌّ محقّق ، ففزره ، ونكثه لكي لا يسلبه ، فقال له بعض أصحابه : لو لبست تحته تبّاناً ، قال : ذلك ثوب مذلّة ، ولا ينبغي لي أن ألبسه. قال : فلمّا قتل أقبل بحر بن كعب فسلبه إيّاه فتركه مجرّداً»(٣).

وسمع أبا عبد الله عليه‌السلام قبل أن يقتل يقول : «وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع ... أعلى قتلي تحاثّون! أما والله لا تقتلون بعدي عبداً من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٤/٣٤٠ ، ومقاتل الطالبيّين ٧٦ ، وتاريخ مدينة دمشق ٦٩/١٦٩.

(٢) مقاتل الطالبيّين ٧٨.

(٣) تاريخ الطبري ٤/٣٤٤ ، وينظر أيضاً بغية الطلب في تاريخ حلب ٢٦١٨.

٣٦٢

عباد الله أسخط عليكم لقتله منِّي ؛ وأيم الله إنّي لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون ، أما والله أن لو قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم ، وسفك دمائكم ، ثمّ لا يرضى لكم حتّى يضاعف لكم العذاب الأليم»(١).

وروى أيضاً دعاء أبي عبد الله عليه‌السلام في ساعته الأخيرة قبل استشهاده ، قال : «سمعت الحسين يومئذ يقول : اللهمّ أمسك عنهم قطر السماء ، وامنعهم بركات الأرض ، اللهمّ فإن متّعتهم إلى حين ففرّقهم فرقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض عنهم الولاة أبدا ، فإنّهم دعونا لينصرونا ، فعدوا علينا ليقتلونا ..»(٢).

وروى أيضاً الصورة المروّعة لاستشهاده عليه‌السلام ، فقال : «والله ما رأيت مكثوراً قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه عليه‌السلام ، إن كانت الرجالة لتشدّ عليه فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، فلمّا رأى ذلك شمر بن ذي الجوشن استعدى الفرسان فصاروا في ظهور الرجّالة ، وأمر الرماة أن يرموه ، فرشقوه بالسهام حتّى صار كالقنفذ فأحجم عنهم ، فوقفوا بإزائه ، وخرجت أخته زينب إلى باب الفسطاط ، فنادت عمر بن سعد بن أبي وقّاص : ويحك يا عمر! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟ فلم يجبها عمر بشيء. فنادت : ويحكم أما فيكم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٤/٣٤٥ ، والبداية والنهاية ٨/٢٠٤.

(٢) تاريخ الطبري ٤/٣٤٤.

٣٦٣

مسلم؟ فلم يجبها أحد بشيء ، ونادى شمر بن ذي الجوشن الفرسان والرجّالة فقال : ويحكم ما تنتظرون بالرجل؟ ثكلتكم أمهاتكم! فحمل عليه من كلّ جانب ، فضربه زرعة بن شريك على كفّه اليسرى فقطعها ، وضربه آخر منهم على عاتقه فكبا منها لوجهه ، وطعنه سنان بن أنس بالرمح فصرعه ، وبدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي ـ لعنة الله عليهم ـ فنزل ليحتزّ رأسه ، فأرعد ، فقال له شمر : فتّ الله في عضدك ، ما لك ترعد؟ ونزل شمر إليه فذبحه ثمّ دفع رأسه إلى خولي بن يزيد ، فقال : احمله إلى الأمير عمر بن سعد»(١).

ذكر أيضاً من شارك بسلبه عليه‌السلام. هذه الصور المروِّعة التي سوّدت وجه ذلك الجيش الذي تبوّأ مقعده من الجحيم رواها ابن مسلم بأسلوب أدبيٍّ فصيح خال من التعقيد والغموض يندر أن نقف على مثله في روايات الأقدمين.

وجزَّاه الإمام زين العابدين خيراً ، إذ كان سبباً في نجاته من القتل ، فقد ذكر الطبري أنّه انتهى بعد مصرع أبي عبد الله إلى «عليّ بن الحسين وهو منبسطٌ على فراش له ، وهو مريض ، وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجالة معه يقولون : ألا نقتل هذا؟ قال : فقلت : سبحان الله! أنقتل الصبيان! إنّما هذا صبيٌ ، قال : فمازال ذلك دأبي أدفع عنه كلَّ من جاء حتّى جاء عمر بن سعد ، فقال : ألا لا يدخلنّ بيت هؤلاء النسوة أحد ، ولا يعرضنّ لهذا الغلام المريض ... فقال عليّ بن الحسين : جزيت من رجل خيراً! فوالله لقد دفع الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الإرشاد ٢/١١١.

٣٦٤

عنّي بمقالتك شرّاً»(١). على أنّه عليه‌السلام لم يكن صبيّاً آنذاك فقد جاوز العشرين ، ولكن شدّة مرضه هي التي منعته من القتال ، وكأنّ الله سبحانه وتعالى أبقاه لحفظ رسالته ، والإبقاء على أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام.

وممّا رواه أيضاً رؤيته امرأة من بني بكر بن وائل كانت مع زوجها في جيش عمر بن سعد فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه‌السلام وفسطاطهنّ ، وهم يسلبوهنّ أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط ، وقالت : يا آل بكر بن وائل أتُسلب بنات رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، لا حكم إلاّ لله ، يا لثارات رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فأخذها زوجها وردّها إلى رحله(٢).

وذكر ابن الأثير أنّ عمر بن سعد : «لما قتل الحسين أرسل رأسه ورؤوس أصحابه إلى ابن زياد مع خَوَلي بن يزيد ، وحميد بن مسلم الأزدي) ، وهي رواية لم أقف على من يؤيّدها ، بل إنّ مجريات الأحداث تدفعها ، والذي روي أنّ ابن سعد طلب من حميد أن يبشّر عائلته بما فتح الله عليه(٣) ، فبئس الفتح الذي سوّد وجه الجيش وقائده ، أمّا الذي حمل الرؤوس الشريفة فهو شمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث ، وعمرو بن الحجّاج ، وعروة بن قيس ؛ وهو الصحيح.

روى حميد أيضاً سؤال ابن زياد زين العابدين عليه‌السلام عن اسمه ، وما دار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٤/٣٤٧ ، ومقتل الحسين ٢٠١ ، وبحار الأنوار ٤٥/٦١ ، ومعالم الفتن ٢/٣٠٠.

(٢) اللهوف في قتلى الطفوف ٧٧.

(٣) البداية والنهاية ٨/٢٠٧.

٣٦٥

من حوار أغضب ابن زياد فأمر بقتله ، وما فعلته عقيلة بني هاشم عليها السلام حين طلبت منه أن يأمر بقتلها قبله ، كما روى الحوار الذي دار بينها عليها السلام وبينه حين أذن للناس(١).

وروي عنه موقف زيد بن أرقم من عبيد الله بن زياد حينما رآه يقرع ثنايا أبي عبد الله عليه‌السلام بقضيبه ، إذ قال له : «أعل بهذا القضيب عن هاتين الشفتين ، فوالذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على هاتين الشفتين يقبّلهما ، ثمّ انفضح الشيخ يبكي ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك ، فوالله لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك ، فقام وخرج ، فسمعت الناس يقولون : والله لقد قال زيد بن أرقم قولاً لو سمعه ابن زياد لقتله : فقلت : ما الذي قال؟ قال مرّ بنا وهو يقول : أنتم يا معاشر العرب عبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وأمّرتم ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ، ويستعبد أشراركم ، فبعداً لمن يرضى بالذلّ والعار»(٢).

وروى أيضاً موقف عبد الله بن عفيف الأزدي رضوان الله عليه حينما خطب ابن زياد في مسجد الكوفة ، وحمد الله على نصر يزيد لعنة الله عليه بقتل ريحانة رسول الله أبي عبد الله الحسين واتّهمه بالكذب ، واتّهم أباه عليهما السلام ، وكان ابن عفيف قد فقد عيناً في معركة الجمل وأخرى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٤/٣٠٥ ، وتجارب الأمم ٨١ ، ومثير الأحزان ٧٠ ، والبداية والنهاية ٨/٢١٠.

(٢) تاريخ الطبري ٤/٣٤٩ ، وعمدة القارئ ١٦/٢٤١.

٣٦٦

بصفّين ، فقال حينما سمع خطبة ابن زياد : «يا بن مرجانة إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك والذي ولاّك وأبوه ، يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيّين وتتكلّمون بكلام الصدّيقين» ، فلمّا وثبت الجلاوزة لأخذه وثب إليه فتية من قومه فاستنقذوه ، فأرسل ابن زياد جلاوزته من ورائه وقتله(١).

وقد ذكر الشيخ الطوسي حميداً بن مسلم الكوفي مع أصحاب عليّ بن الحسين عليه‌السلام (٢) من دون تعليق أو إضافة ، وما كان الشيخ يذكره لولا موقفه النبيل في إنقاذه من شمر بن ذي الجوشن وجلاوزته ، وذكره السيّد الخوئي مع أصحابه أيضاً نقلاً عن الشيخ الطوسي(٣) ، ومن دون إضافة أو تعليق.

وممّا روي عنه عن حنظلة بن سفيان عن شهر بن حوشب أنّ الخليفة عمر لمّا دوّن الدواوين بدأ بالحسنين عليهما السلام فقبّلهما وأجلسهما على حجره وحثا في حجرهما حتّى ملأهما ، فاعترض ولده عبد الله وقال : قدّمتهما عليّ ولي صحبة ، وليس لهما صحبة ، ولي هجرة وليس لهما ، فقال : أسكت لا أمّ لك. أبوهما خير من أبيك ، وأمّهما خيرٌ من أمّك(٤).

مع التوّابين في ثورتهم :

لاشكّ في أنّ الندم ركب حميداً بعدما رأى بأمّ عينه تلك المجزرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٤/٣٥٠ ، وترجمته في كتابنا الثوية بقيع الكوفة ٢/١٢٠ ـ ١٢١.

(٢) رجال الطوسي ١١٢/٨.

(٣) معجم رجال الحديث ٧/٣١٢ برقم ٤٠٩٩.

(٤) المسترشد ٢٨٤.

٣٦٧

الرهيبة التي راح ضحيّتها أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام وصحبه الكرام البررة رضوان الله عليهم ، فالتحق من بعد بمعسكر التوّابين ، وروى جميع أخبارهم ، ثمّ روى أخبار معركة عين الوردة التي قدّر له أن يشارك في قيادة بعض فصائلها ، وكتبت له النجاة.

ويبدو أنّه كان مع الرعيل الأوّل منهم ، فقد ذكر أنّ مائة من وجوه الشيعة وفرسانهم حضروا اجتماعاً في بيت سليمان بسرية تامّة(١) خوفاً من طغمة يزيد التي كانت تحكم الكوفة بالحديد والنار ، ومثَّل ذلك الاجتماع بداية التخطيط لثورتهم.

وبعد هلاك يزيد ومبايعة غالبية الكوفيّين لعبد الله بن الزبير كان الصحابي سليمان بن صرد ورفاعة بن شدّاد والمسيّب بن نجبة وعبد الله بن سعد بن نفيل وعبد الله بن وأل وغيرهم ممّن تخلّف عن بيعته ، وباقتراح رفاعة تولّى الصحابي سليمان بن الصرد قيادة جيش التوّابين ، وقد بايعه نحو ستّة عشر ألفاً على الثأر وإعادة الحقّ إلى نصابه أو الشهادة ؛ إلاّ أنّ من التحق به يوم قرّر الخروج لا يتجاوزون الأربعة آلاف بكثير.

وبعد وصول جيش التوّابين إلى عين الحلوة بعث سليمان المسيّب طليعة في أربعمائة فارس ، وطلب منه شنّ الغارة على أوّل عسكر عبيد الله بن زياد ، وكان في خيل المسيّب حميد بن مسلم ، قال : فسرنا يوماً وليلة ، وهو منّا عند الفجر بمقدار ما أكلت دوابّنا علفها ، ثمّ صلّينا الصبح ، ثمّ بعث

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٤/٤٢٨ ، وينظر أيضاً جمهرة أنساب العرب ٥٨.

٣٦٨

المسيّب مائة فارس مع أبي جويرية بن الأحمر ، ومائة وعشرين مع عبد الله بن عوف ، ومثلها مع حنش بن ربيعة الكناني وهو ممّن روى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) ، وبقي هو في مائة ، وطلب منهم أن يأتوه بأوّل من يلتقونه كي يعرف أخبار جيش بن زياد ؛ قال حميد بن مسلم : فلقينا أعرابيّاً يقول :

يا مال لا تعجل إلى صحبي

واسرح فإنّك آمن السرب

فتفاءل القوم واستبشروا وسألوه ، فأخبرهم أنّ أدنى عساكر بن زياد منهم هو عسكر ابن ذي الكلاع ، لا يبعد عنهم أكثر من ميل ، فهرع أصحاب المسيّب إليهم وهم غارون فقَتلوا وجَرحوا وترك ابن ذي الكلاع والناجون من أصحابه عسكرهم وفرُّوا هاربين ، فأخذ المسيّب وأصحابه ما خفّ حمله من ذلك العسكر ، وعادوا إلى معسكرهم.

وحين تواقف الطرفان في صبيحة يوم المعركة الأوّل أملى كلّ طرف شروطه على الآخر ، وكانت شروط التوّابين تسليم ابن زياد ، وخلع عبد الملك ومبايعة الرضا من آل البيت عليهم‌السلام ، قال حميد بن مسلم ، وكان من رجالها الفرسان : «جاء حصين بن نمير مسرعاً فنزل في اثني عشر ألفاً ، فخرجنا إليهم يوم الأربعاء لثمان بقين من جمادى الأولى ... فحملت ميمنتنا على ميسرتهم ، وهزمتهم ، وحملت ميسرتنا على ميمنتهم ، وحمل سليمان في القلب على جماعتهم ، حتّى اضطررناهم إلى عسكرهم ، فمازال الظفر لنا عليهم حتّى حجز بيننا وبينهم الليل ... فلمّا كان الغد صبّحهم ابن ذي الكلاع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ترجمته في كتابنا الثوية بقيع لكوفة ١/٢٤٠.

٣٦٩

في ثمانية آلاف ... فقاتلناهم قتالاً لم يرَ الشيب والمرد مثله قط في يومنا كلِّه لا يحجز بيننا وبين القتال إلاّ الصلاة ، حتّى أمسينا فتحاجزنا .. فكان رفاعة يقصُّ ويحضض الناس في ميمنته لا يبرحها .. فاقتتلنا اليوم الثالث يوم الجمعة قتالاً شديداً إلى ارتفاع الضحى ، ثمّ إنّ أهل الشام كاثرونا وتعطَّفوا علينا من كلّ جانب»(١).

واستشهد القادة الواحد تلو الآخر ، وسقطت راية الفرسان ، وليس هناك من يرفعها ، قال حميد بن مسلم : فنادينا عبد الله بن وأل الذي آلت إليه القيادة ، وكان في اشتباك مع فرسان من جيش الشام ، فحمل رفاعة بن شدّاد فاستنقذه منهم ، وفي هذه الأثناء حمل الراية حين سقطت عبد الله بن خازم الكندي ، وبعد فكّ الاشتباك أخذها ابن وأل من بعد ، وقال : «من أراد الحياة التي ليس من بعدها موت ، والراحة التي ليس من بعدها نصب ، والسرور الذي ليس بعده حزن ، فليتقرّب إلى ربّه بجهاد هؤلاء المحلّين ، والرواح إلى الجنَّة رحمكم الله»(٢). وروى أبو مخنف بسنده عمّن شارك بالمعركة أنّ عبد الله بن وأل شدَّ على القوم عصر ذلك اليوم فأصبنا رجالاً منهم وكشفناهم ، ثمّ إنّهم تعطّفوا علينا من كلّ جانب فحازونا إلى المكان الذي كنّا فيه ، ولا يستطيعون أن يأتونا إلاّ من مكان واحد ، واستمرّ القتال إلى الليل ، وشدّ أدهم بن محرز الباهلي بخيله فقتل عبد الله بن وأل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٤/٤٦٤.

(٢) المصدر السابق.

٣٧٠

ولم يجد رفاعة بن شدّاد بدّاً من الانسحاب بعد استشهاد غالبية أصحابه ، فلما جنَّ الليل عليهم انسحب ببقيّتهم ليأسهم من تحقيق انتصار على جيش ابن زياد.

حميد في ثورة المختار :

يبدو أنّ حميداً كان على صلة بالمختار قبل التحاقه بثورة التوّابين ، بل زاره قبل خروج سليمان بأيّام وحدّث سليمان أنّه يثبّط الناس عن الالتحاق به ، وأنّ أصحابه بلغ عددهم ألفين(١).

وبعد نجاته من معركة عين الحلوة التحق بالمختار ، فزاره في سجنه ، وسمعه يقول : «أما وربِّ البحار والنخيل والأشجار والمهامة والقفار والملائكة الأبرار والمصطفين الأخيار لأقتلنّ كلَّ جبّار بكلِّ لدن خطّار ، ومهنّد بتّار ، في جموع من الأنصار ، ليسوا بميل أغمار ولا بعزل أشرار ، حتّى إذا أقمت عمود الدين ، ورأيت شعب صدع المسلمين ، وشفيت غليل صدور المؤمنين ، وأدركت بثأر النبيّين ، لم يكبر عليّ زوال الدنيا ، ولم أحفل بالموت إذا أتى ، قال : وكنَّا إذا أتيناه وهو في السجن ردّد علينا هذا القول»(٢).

وبعد خروج المختار من سجنه اتّفق مع أنصاره أن يكون موعد الثورة ليلة الخميس لأربع عشرة من ربيع الأوّل سنة ستّ وستّين ، ولكن المقادير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٤/٤٥٢.

(٢) المصدر السابق ٤/٤٥٠ ، وينظر أيضاً البحار ٤٥/٣٥٧.

٣٧١

جرت بالطريق الذي رسم لها ، ففي يوم الإثنين خرج إبراهيم بن مالك الأشتر بعد صلاة المغرب يريد المختار في رفقة كتيبة من أصحابه فيهم حميد ، فاصطدم بإياس بن مضارب قائد شرطة والي ابن الزبير ، فكان الانتصار الذي أدّى إلى تردّد صدى شعار (يا لثارات الحسين) في أرجاء الكوفة(١) مرة ثانية ، إذ كانت الأولى عند خروج التوّابين.

وروى أبو مخنف قال حدّثني الوالبي قال : «خرجت أنا وحميد بن مسلم والنعمان بن أبي الجعد إلى المختار ليلة خرج فأتيناه في داره وخرجنا معه إلى معسكره ، قال : فوالله ما انفجر الفجر حتّى فرغ من تعبئته ، فلمّا أصبح استقدم فصلّى بنا الغداة بغلس ثمّ قرأ والنازعات ، وعبس وتولّى ، قال : فما سمعنا إماماً أمّ قوماً أفصح لهجة منه»(٢).

وما إن حقّق المختار النصر على والي ابن الزبير حتّى استسلم أصحابه ، وعاهدوه على عدم الخروج عليه أو نصرة أعدائه ، ولكن ما إن أرسل إبراهيم بن مالك الأشتر بجيش لقتال عبيد الله بن زياد حتّى قرّر أعداء المختار كشبث بن ربعي وشمر بن ذي الجوشن ومحمّد بن الأشعث اغتنام الفرصة للقضاء على المختار ، واستطاع هذا النفر إقناع عبد الرحمن بن مخنف بالخروج معهم ، ولم يكن من رأيه الخروج ، فخرج ، وقد أصيب ابن مخنف إصابة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٤/٤٩٦ ، وذوب النضار ١٠١

(٢) تاريخ الطبري ٤/٤٩٩ ـ ٥٠٠.

٣٧٢

قاتلة إلاّ أنّه نجا منها(١).

هل انحاز حميد إلى أعداء المختار؟

تذهب رواية إلى أنّ رجلاً اسمه حميد بن مسلم خرج مع عبد الرحمن عصبية وقاتل دفاعاً عنه ، وليس دفاعاً عن الخارجين على المختار ، فقد روي أنّه قال(٢) :

لأضربنّ عن أبي حكيم

مفارق الأعبد والصميم

ولا يستبعد أن حميداً هذا أزديّاً اختلط اسمه باسم صاحبنا ، وهو أمر لا أستبعده.

وبعد النصر الذي حقّقه المختار بدأ بالثأر ممّن شارك في قتال أبي عبد الله عليه السلام ، فقتل من عثر عليه منهم بالكوفة ، ولم ينج منهم إلاّ من استطاع الفرار ، وبحسب رواية حميد هذا أرسل المختار من يأتيه بعبد الله ، وعبد الرحمن ابني صلخب الأزدي ، وحميد بن مسلم ، وبسبب انشغال جند المختار بهما استطاع حميد الفرار والاختباء عند عبد قيس(٣). وقال بعد نجاته(٤) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ترجمة المختار وأحداث ثورته في كتابنا رجال من بقيع ثوية الكوفة ٢٢٩ ـ ٢٥١.

(٢) تاريخ الطبري ٤/٥٢٤.

(٣) السابق ٤/٥٣٠.

(٤) أنساب الأشراف ٤٠٩.

٣٧٣

ألم ترني على دهش

نجوت ولم أكد أنجو

رجاء الله أنقذني

ولم أك غيره أرجو

ثمّ لا أقف لحميد هذا على خبر أو ذكر حتّى سنة خمس وسبعين إذ رثى عبد الرحمن بن مخنف(١) الذي قتل في حربه مع الأزارقة برامهرمز ، باستثناء خبر انحياز القاسم بن حبيب بن مظاهر الأسدي إلى خيل مصعب بن الزبير للثأر من قاتل أبيه البديل بن صريم التميمي ، الذي استطاع الهرب من المختار والالتحاق بمصعب بن الزبير ، فلمّا وجد القاسم غرّة من البديل قتله وهو في قيلولته(٢).

ولعلّ ما يوثق الظنّ أنّ حميداً صاحبنا لم يكن هو المطلوب ، إذ إنّه لم يكن معدوداً مع الشعراء ، ولم أقف له على شعر يروى في سابقات أيّامه ؛ كما أنّه كان بجانب المختار من اليوم الأوّل من ثورته ، فكيف انحاز عنه إلى معسكر شمر بن ذي الجوشن وأصحابه وقد خرج حين خرج للثأر من قتلة أبي عبد الله عليه‌السلام ، والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) السابق ٤٢٦.

(٢) موسوعة التاريخ الإسلامي ٦/٤٣٨ عن الطبري في تاريخه.

٣٧٤

المصادر

١ ـ الأخبار الطوال : ابن قتيبة الدينوري (ت٢٨٢ هـ) ، مصوّر على قرص أصدرته مكتبة آل البيت عليهم‌السلام لتحقيق التراث سنة ١٤٢٦هـ.

٢ ـ الإرشاد : الشيخ المفيد (ت ٤١٣هـ) ، مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لتحقيق التراث ط٢ ، دار المفيد للطباعة والنشر ، بيروت ١٩٩٣م.

٣ ـ أنساب الأشراف : البلاذري (ت ٢٧٩ هـ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ، مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ١٩٧٤م.

٤ ـ البحار : المجلسي (ت ١١١١هـ) ، مؤسّسة الوفاء ، بيروت ١٩٨٣م.

٥ ـ البداية والنهاية : ابن كثير (ت ٧٧٤هـ) ، مكتبة المعارف ، بيروت.

٦ ـ بغية الطلب في تاريخ حلب : كمال الدين عمر بن أحمد بن جرادة (ت٦٦٠هـ) ، تحقيق : سهيل زكار ، دمشق ١٩٨٨م.

٧ ـ تاريخ الطبري : الطبري (ت ٣١٠ هـ) ، دار الكتب العلمية ، ط ٤ ، بيروت ٢٠٠٨م.

٨ ـ تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر (ت ٥٧١هـ) ، تحقيق : علي شيري ، دار الفكر ، بيروت ١٩٩٥م.

٩ ـ تجارب الأمم : ابن مسكويه ، تحقيق : د. أبو القاسم إمامي ، ط٢ ، ، مطابع دار سروش للنشر ، طهران ١٩٨٧م.

٣٧٥

١٠ ـ الثوية بقيع الكوفة : أ ، د ، صلاح مهدي الفرطوسي ، دار الجواهري ، بغداد ، ٢٠١٣م.

١١ ـ جمهرة أنساب العرب : ابن حزم (ت٤٥٦) ، راجعه : عبد المنعم خليل ، ط٥ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ٢٠٠٩م.

١٢ ـ ذوب النضار في شرح الثار : ابن نما الحلّي (ت ٦٤٥هـ) ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ١٤١٦هـ.

١٣ ـ رجال الطوسي : الشيخ الطوسي (ت٤٦٠هـ) ، تحقيق : جواد القيّومي الأصفهاني ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم المقدّسة ، ١٤٢٥هـ.

١٤ ـ روضة الواعظين : الفتّال النيسابوري (ت٥٠٨هـ) ، تقديم : مهدي الخرسان ، منشورات الرضي ، قم.

١٥ ـ عمدة القاري : العيني (ت٨٥٥ هـ) ، نسخة مصوّرة على قرص أصدرته مكتبة أهل البيت عليهم‌السلام سنة ١٤٢٦هـ.

١٦ ـ الكامل في التاريخ : ابن الأثير (ت٦٣٠ هـ) ، دار صادر ، بيروت ٢٠٠٨م.

١٧ ـ اللهوف في قتلى الطفوف : ابن طاووس (ت٦٦٤هـ) ، الأنوار الهدى ، قم.

١٨ ـ مثير الأحزان : ابن نما الحلّي (ت٦٤٥هـ) ، منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٠م.

١٩ ـ المسترشد : محمّد بن جرير الطبري (الشيعي) (ق ٤) ، تحقيق : أحمد المحمودي ، مطبعة سلمان الفارسي ، قم.

٢٠ ـ معالم الفتن : سعيد أيّوب ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ، قم المقدّسة ١٤١٦هـ.

٣٧٦

٢١ ـ معجم رجال الحديث : السيّد الخوئي ، ط٥ ، ١٩٩٢م.

٢٢ ـ مقاتل الطالبيّين : أبو الفرج الأصفهاني (ت٣٥٦ هـ) ، تحقيق : أحمد صقر ، ط ٣ ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ١٩٩٨م.

٢٣ ـ مقتل الحسين : أبو مخنف الأزدي (ت١٥٧هـ) ، بقلم : الحسن الغفّاري ، المطبعة العلمية ، قم ١٣٩٨هـ.

٢٤ ـ مناقب آل أبي طالب : ابن شهرآشوب (ت ٥٨٨هـ) ، طبعه : محمّد كاظم الكتبي ، المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٦م.

٢٥ ـ موسوعة التاريخ الإسلامي : الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي ، مجمع الفكر الإسلامي ، قم ١٤٢٠.

٣٧٧

أبو مخنف والمقتل المنسوب إليه

د. كامل سلمان الجبوري

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة

الحمدُ لله على نعمه ، وصلّى الله على نبيّه الكريم ، وآله الطيّبين الطاهرين ، وصحبه المنتجبين.

قسّم العلماء رواية أحداث التاريخ الإسلامي بين ثلاثة رواة :

«أبي مِخنف بأمر العراق وأخباره وفتوحه يزيد على غيره ، والمدائني بأمر خراسان والهند وفارس ، والواقدي بالحجاز والسيرة ، وقد اشتركا في فتوح الشام»(١).

وهنا تبرز أهمّية أبي مِخنف في تغطية أخبار ثلث أحداث العالم الإسلامي يومذاك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ابن النديم : الفهرست ١٣٧ ؛ معجم الأدباء ١٧/٤١ ـ ٤٣.

٣٧٨

ولغرض وضع القارئ أمام واقع أبي مِخنف ورواياته وكتابه أودّ أن أضع خطوطاً عامّةً عن حياة هذا المؤرّخ الجليل ، وهي بطبيعة الحال لا تساعد على إيضاح الجوانب الهامّة من حياته بصورة شافية وافية ، ذلك لأنّ كتب الرجال والتراجم لا تسعفنا بترجمة وافية عن حياة هذا المؤرّخ ، وكلّما نجده عن هذا الرجل في كتب الرجال والتراجم والفهارس أسطراً معدودات تهتمّ في العادة بتعداد مؤلّفاته.

وقد استطعت أن أجمع بعض تلك الشتات وأقدّمها لتكون تمهيداً لهذا الكتاب.

وسيكون حديثي أوّلاً عن أبي مِخنف وما وصلنا من : نسبه وأسرته ، وولادته ونشأته ، وشخصيّته ووثاقته ، ومن روى عنهم ، ومن رووا عنه ، ورواياته وكتبه ، ومن ترجم أو تعرّض له.

ثمّ عن تاريخه هذا : التاريخ المفقود ، كيفية جمع نصوصه ، مصادرها ومراجعها ، والتعامل معها.

نسبه وأسرته :

لوط بن يحيى بن سعيد بن مِخنف(١) بن سليم(٢) بن الحارث بن عوف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ترجمته في الإصابة ٣/٣٧٣ ، الاستيعاب ٤/١٤٦٧.

(٢) وفي جمهرة أنساب العرب ٣٧٧ ، ومعجم الأدباء ١٧/٤١ ، وفوات الوفيات ، ٣/٢٢٥ : (سليمان).

٣٧٩

ابن ثعلبة بن عامر بن ذهل بن مازن بن ذبيان بن ثعلبة بن الدؤل بن سعد مناة(١) ابن غامد(٢) ـ (واسم غامد : عمرو) ـ بن عبد الله بن كعب بن الحارث ابن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ(٣) الأزدي الغامدي.

وكنيته : أبو مِخنف ـ كمِنْبَر(٤) ـ.

فهو غامديّ ، أزديّ ، كوفيّ ، من أصل نابه ، فقد كان جدّه مِخنف بن سليم صحابيّاً روى عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، ومن أصحاب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام شهد الجمل حاملاً راية الأزد فاستشهد في تلك الواقعة سنة (٣٦هـ)(٥).

وقد حفظ لنا التاريخ بعض أسماء من أسرته ، فكان محمّد وعبد الرحمن ابني مِخنف أخوين لجدّه(٦).

وأبو رملة عامر بن مِخنف بن سليم ذكره صاحب منتهى المقال (٢٩٩) وقال إنّه روى عن أبيه مِخنف.

وحبيب بن مِخنف ذكره الحافظ أبو عمرو.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) هكذا جاء نسبه في جمهرة أنساب العرب ٣٣٧ ، وفي معجم الأدباء ١٧/٤١ : (... بن ثعلبة بن سعد مناة) بإسقاط (الدؤل).

(٢) الإصابة ٣/٣٧٣.

(٣) الجمهرة ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(٤) هكذا ضبطه الفيروزآبادي في القاموس المحيط ـ مادّة الخنيف ـ ٣/١٣٩.

(٥) ابن النديم : الفهرست ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٦) فلهوزن : تاريخ الدولة العربية / الكلمة التمهيدية صفحة (ق).

٣٨٠