التبيان في إعراب القرآن

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

التبيان في إعراب القرآن

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: بيت الأفكار الدوليّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٧

(فَيُضاعِفَهُ) : يقرأ بالرفع عطفا على يقرض ، أو على الاستئناف ؛ أي فالله يضاعفه.

ويقرأ بالنصب ؛ وفيه وجهان :

أحدهما ـ أن يكون معطوفا على مصدر يقرض في المعنى ، ولا يصحّ ذلك إلا بإضمار «أن» ليصير مصدرا معطوفا على مصدر ، تقديره : من ذا الذي يكون منه قرض فمضاعفة من الله.

والوجه الثاني ـ أن يكون جواب الاستفهام على المعنى ؛ لأن المستفهم عنه وإن كان المقرض في اللفظ فهو عن الإقراض في المعنى ؛ فكأنه قال :

أيقرض الله أحد فيضاعفه ؛ ولا يجوز أن يكون جواب الاستفهام على اللفظ ؛ لأن المستفهم عنه في اللفظ المقرض لا القرض.

فإن قيل : لم لا يعطف على المصدر الذي هو قرضا ، كما يعطف الفعل على المصدر بإضمار أن ؛ مثل قول الشاعر :

للبس عباءة وتقرّ عيني

قيل : لا يصح هذا لوجهين :

أحدهما ـ أنّ قرضا هنا مصدر مؤكّد ، والمصدر المؤكد لا يقدّر بأن والفعل.

والثاني ـ أن عطفه عليه يوجب أن يكون معمولا ليقرض. ولا يصحّ هذا في المعنى ؛ لأن المضاعفة ليست مقرضة ؛ وإنما هي فعل من الله.

ويقرأ : يضعّفه ـ بالتشديد من غير ألف ، وبالتخفيف مع الألف ، ومعنا هما واحد. ويمكن أن يكون التشديد للتكثير.

ويضاعف من باب المفاعلة الواقعة من واحد كما ذكرنا في «حافظوا».

و (أَضْعافاً) : جمع ضعف ، والضعف هو العين ، وليس بالمصدر ، والمصدر الإضعاف أو المضاعفة ؛ فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الهاء ، في يضاعفه.

ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا على المعنى ؛ لأن معنى يضاعفه يصيّره أضعافا.

ويجوز أن يكون جمع ضعف ، والضعف اسم وقع موقع المصدر كالعطاء ؛ فإنه اسم للمعطى ؛ وقد استعمل بمعنى الإعطاء ؛ قال القطامي :

أكفرا بعد ردّ الموت عنّي

وبعد عطائك المائة الرّتاعا

فيكون انتصاب أضعافا على المصدر.

فإن قيل : فكيف جمع؟ قيل : لاختلاف جهات التضعيف بحسب اختلاف الإخلاص ، ومقدار المقرض ، واختلاف أنواع الجزاء.

ويبسط : يقرأ بالسين ، وهو الأصل ، وبالصاد على إبدالها من السين لتجانس الطاء في الاستعلاء.

٢٤٦ ـ (مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) : من تتعلّق بمحذوف ؛ لأنها حال ؛ أي كائنا من بني إسرائيل.

و (مِنْ بَعْدِ) : متعلق بالجار الأول ، أو بما يتعلق به الأوّل ؛ والتقدير : من بعد موت موسى.

و (إِذْ) : بدل من «بعد» ، لأنهما زمان.

(نُقاتِلْ) : الجمهور على النون ، والجزم على جواب الأمر.

وقد قرئ بالرفع في الشاد على الاستئناف.

وقرئ بالياء والرفع على أنه صفة لملك.

وقرئ بالياء والجزم أيضا على الجواب ، ومثله : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي) ـ بالرفع والجزم.

(عَسَيْتُمْ) : الجمهور على فتح السين ؛ لأنه على فعل ، تقول عسى مثل رمى.

ويقرّأ بكسرها ، وهي لغة ، والفعل منها عسى مثل خشي ، واسم الفاعل عس مثل عم ، حكاه ابن الأعرابي.

وخبر عسى (أَلَّا تُقاتِلُوا) ، والشرط معترض بينهما.

(وَما لَنا) : ما استفهام في موضع رفع بالابتداء ، ولنا الخبر ، ودخلت الواو لتدلّ على ربط هذا الكلام بما قبله ، ولو حذفت لجاز أن يكون منقطعا عنه ، وهو استفهام في اللفظ وإنكار في المعنى.

(أَلَّا نُقاتِلَ) : تقديره : في أن لا نقاتل ؛ أي في ترك القتال ، فتتعلق «في» بالاستقرار ، أو بنفس الجار ، فيكون «أن لا نقاتل» في موضع نصب عند سيبويه ، وجر عند الخليل.

وقال الأخفش : أن زائدة ، والجملة حال ؛ تقديره : وما لنا غير مقاتلين ، مثل قوله : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا) ، وقد أعمل «أن» وهي زائدة. (وَقَدْ أُخْرِجْنا) : جملة في موضع الحال ، والعامل نقاتل.

(وَأَبْنائِنا) : معطوف على ديارنا ، وفيه حذف مضاف ، تقديره : ومن بين أبنائنا.

٢٤٧ ـ (طالُوتَ) : هو اسم أعجمي معرفة ؛ فلذلك لم ينصرف ، وليس بمشتق من الطول ، كما أن إسحاق ليس بمشتق من السحق ، وإنما هي ألفاظ تقارب ألفاظ العربية.

و (مَلِكاً) : حال.

و (أَنَّى) : بمعنى أين ، أو بمعنى كيف ، وموضعها نصب على الحال من الملك ، والعامل فيها «يكون» ؛ ولا يعمل فيها واحد من الظّرفين ؛ لأنه عامل معنوي ، فلا يتقدم الحال عليه.

و (يَكُونُ) : يجوز أن تكون الناقصة فيكون الخبر (لَهُ) ، و (عَلَيْنا) حال من الملك ، والعالم فيه يكون أو الخبر.

ويجوز أن يكون الخبر علينا ، وله حال.

ويجوز أن تكون التامة ، فيكون «له» متعلّقا بيكون وعلينا حال ، والعامل فيه يكون.

(وَنَحْنُ أَحَقُ) : في موضع الحال ، والباء ومن يتعلقان بأحقّ.

٦١

وأصل السعة وسعة بفتح الواو ؛ وحقّها في الأصل الكسر ؛ وإنما حذفت في المصدر لما حذفت في المستقبل ، وأصلها في المستقبل الكسر ، وهو قولك : يسع ، ولولا ذلك لم تحذف ، كما لم تحذف في يوجل ونوجل ؛ وإنما فتحت من أجل حرف الحلق ، فالفتحة عارضة ، فأجرى عليها حكم الكسرة ، ثم جعلت في المصدر مفتوحة لتوافق الفعل ؛ ويدلّك على ذلك أنّ قولك وعد يعد مصدره عدة بالكسر لما خرج على أصله.

و (مِنَ الْمالِ) : نعت للسّعة.

(فِي الْعِلْمِ) : يجوز أن يكون نعتا للبسطة ؛ وأن يكون متعلقا بها.

و (واسِعٌ) : قيل هو على معنى النّسب ، أي هو ذو سعة.

وقيل : جاء على حذف الزائد ، والأصل أوسع فهو موسع.

وقيل : هو فاعل وسع ؛ فالتقدير على هذا : واسع الحلم ؛ لأنك تقول : وسعنا حلمه.

٢٤٨ ـ (أَنْ يَأْتِيَكُمُ) : خبر إن.

والتاء في (التَّابُوتُ) أصل ووزنه فاعول ، ولا يعرف له اشتقاق. وفيه لغة أخرى التابوه ـ بالهاء. وقد قرئ به شاذّا ، فيجوز أن يكونا لغتين ، وأن تكون الهاء بدلا من التاء. فإن قيل : لم لا يكون فعلونا من تاب يتوب؟

قيل : المعنى لا يساعده ، وإنّما يشتقّ إذا صحّ المعنى.

(فِيهِ سَكِينَةٌ) : الجملة في موضع الحال ، وكذلك (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ).

و (مِنْ رَبِّكُمْ) : نعت للسكينة.

و (مِمَّا تَرَكَ) : نعت لبقية.

وأصل (بَقِيَّةٌ) : بقيية ، ولام الكلمة واو ؛ ولا حجة في بقي لانكسار ما قبلها ، ألا ترى أنّ شقيّ أصلها واو.

٢٤٩ ـ (بِالْجُنُودِ) : في موضع الحال ؛ أي فصل ومعه الجنود.

والياء في (مُبْتَلِيكُمْ) بدل من واو ؛ لأنه من بلاه يبلوه.

و (بِنَهَرٍ) : بفتح الهاء وإسكانها لغتان ، والمشهور في القراءة فتحها. وقرأ حميد ابن قيس بإسكانها. وأصل النّهر والنهار الاتساع ، ومنه أنهر الدم.

(إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ) : استثناء من الجنس ، وموضعه نصب ، وأنت بالخيار إن شئت جعلته استثناء من «من» الأولى ، وإن شئت من «من» الثانية. واغترف متعدّ.

و (غُرْفَةً) ـ بفتح الغين وضمها ، وقد قرئ بهما ، وهما لغتان ، وعلى هذا يحتمل أن تكون الغرفة مصدرا ، وأن تكون المغروف. وقيل الغرفة ـ بالفتح : المرة الواحدة ، وبالضم ـ قدر ما تحمله اليد.

و (بِيَدِهِ) : يتعلق باغترف. ويجوز أن يكون نعتا للغرفة ، فيتعلق بالمحذوف.

(إِلَّا قَلِيلاً) : منصوب على الاستثناء من الموجب.

وقد قرئ في الشاذ بالرفع ، وقد ذكرنا وجهه في قوله تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ).

وعين الطاقة واو ؛ لأنه من الطّوق ، وهو القدرة ، تقول : طوقته الأمر.

وخبر لا (لَنَا) ؛ ولا يجوز أن تعمل في (الْيَوْمَ) ، ولا في (بِجالُوتَ) الطاقة ؛ إذ لو كان كذلك لنونّت ، بل العامل فيهما الاستقرار. ويجوز أن يكون الخبر بجالوت فيتعلق بمحذوف.

ولنا : تبيين أو صفة لطاقة ، واليوم يعمل في الاستقرار.

وجالوت مثل طالوت.

(كَمْ مِنْ فِئَةٍ) : كم هنا خبرية ، وموضعها رفع بالابتداء.

و (غَلَبَتْ) : خبرها ، ومن زائدة. ويجوز أن تكون في موضع رفع صفة لكم ، كما تقول : عندي مائة من درهم ودينار.

وأصل فئة فيئة ؛ لأنه من فاء يفيء إذا رجع ؛ فالمحذوف عينها.

وقيل أصلها فيؤه ؛ لأنها من فأوت رأسه إذا كسرته ، فالفئة قطعة من الناس.

(بِإِذْنِ اللهِ) : في موضع نصب على الحال.

والتقدير : بإذن الله لهم ؛ وإن شئت جعلتها مفعولا به.

٢٥٠ ـ (لِجالُوتَ) : تتعلق اللام ببرزوا.

ويجوز أن تكون حالا ؛ أي برزوا قاصدين لجالوت.

٢٥١ ـ (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ) : هو حال ، أو مفعول به.

(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ) : يقرأ بفتح الدّال من غير ألف ، وهو مصدر مضاف إلى الفاعل ، و (النَّاسَ) مفعوله. و (بَعْضَهُمْ) : بدل من الناس بدل بعض من كل.

ويقرأ دفاع ـ بكسر الدال وبالألف ، فيحتمل أن يكون مصدر دفعت أيضا ، ويجوز أن يكون مصدر دافعت.

(بِبَعْضٍ) : هو المفعول الثاني يتعدّى إليه الفعل بحرف الجر.

٢٥٢ ـ (تِلْكَ آياتُ اللهِ) : تلك مبتدأ ، وآيات الله الخبر.

و (نَتْلُوها) : يجوز أن يكون حالا من الآيات ، والعامل فيها معنى الإشارة. ويجوز أن يكون مستأنفا.

و (بِالْحَقِ) : يجوز أن يكون مفعولا به ، وأن يكون حالا من ضمير الآيات المنصوب ؛ أي ملتبسة بالحق.

ويجوز أن يكون حالا من الفاعل ؛ أي ومعنا الحق.

ويجوز أن يكون حالا من الكاف ؛ أي ومعك الحق.

٦٢

٢٥٣ ـ (تِلْكَ الرُّسُلُ) : مبتدأ ، وخبر.

و (فَضَّلْنا) : حال من الرسل ، ويجوز أن يكون الرسل نعتا أو عطف بيان ، وفضّلنا الخبر.

(مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) : يجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له. ويجوز أن يكون بدلا من موضع فضّلنا.

ويقرأ «كلّم الله» ـ بالنصب : ويقرأ «كالم الله».

و (دَرَجاتٍ) : حال من بعضهم ؛ أي ذا درجات.

وقيل : درجات مصدر في موضع الحال.

وقيل : انتصابه على المصدر ؛ لأنّ الدرجة بمعنى الرفعة ؛ فكأنه قال : ورفعنا بعضهم رفعات.

وقيل : التقدير : على درجات ، أو في درجات ، أو إلى درجات ؛ فلما حذف حرف الجر وصل الفعل بنفسه.

(مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ) : يجوز أن تكون بدلا من بعدهم بإعادة حرف الجر.

ويجوز أن تكون «من» الثانية تتعلّق باقتتل ، والضمير الأول يرجع إلى الرسل ، والضمير في جاءتهم يرجع إلى الأمم.

(وَلكِنِ) : استدراك لما دلّ الكلام عليه ؛ لأنّ اقتتالهم كان عن اختلافهم.

ثم بيّن الاختلاف بقوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) ؛ والتقدير : فاقتتلوا.

(وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) : استدراك على المعنى أيضا ؛ لأن المعنى : ولو شاء الله لمنعهم ، ولكنّ الله يفعل ما يريد ؛ وقد أراد ألا يمنعهم ، أو أراد اختلافهم واقتتالهم.

٢٥٤ ـ (أَنْفِقُوا) : مفعوله محذوف ، أي شيئا.

(مِمَّا) : «ما» بمعنى الذي ، والعائد محذوف ؛ أي رزقناكموه.

(لا بَيْعٌ فِيهِ) : في موضع رفع صفة ليوم.

(وَلا خُلَّةٌ) : أي فيه.

(وَلا شَفاعَةٌ) ؛ أي فيه.

ويقرأ بالرفع والتنوين ، وقد مضى تعليله في قوله : (فَلا رَفَثَ).

٢٥٥ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) : مبتدأ ، وخبر ؛ وقد ذكرنا موضع هو في قوله : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ).

(الْحَيُّ الْقَيُّومُ) : يجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هو ، وأن يكون مبتدأ والخبر لا تأخذه ، وأن يكون بدلا من هو ، وأن يكون بدلا من لا إله. والقيّوم : فيعول ، من قام يقوم ، فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمتا. ولا يجوز أن يكون فعولا من هذا ؛ لأنه لو كان كذلك لكان قووما بالواو ؛ لأن العين المضاعفة أبدا من جنس العين الأصلية ، مثل : سبّوح وقدّوس ، ومثل : ضرّاب وقتّال ؛ فالزائد من جنس العين ، فلما جاءت الياء دلّ أنه فيعول.

ويقرأ القيّم على فيعل ، مثل سيّد وميّت.

ويقرأ القيام على فيعال ، مثل بيطار.

وقد قرئ في الشاذ القائم ، مثل قوله : (قائِماً بِالْقِسْطِ).

وقرئ في الشاذ أيضا :

«الحيّ القيّوم» ـ بالنصب على إضمار أعنى.

وعين الحيّ ولامه ياءان ، وله موضع يشبع القول فيه.

(لا تَأْخُذُهُ) : يجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون له موضع ، وفي ذلك وجوه :

أحدها ـ أن يكون خبرا آخر لله ، أو خبرا للحىّ.

ويجوز أن يكون في موضع الحال من الضمير في القيوم ؛ أي يقوم بأمر الخلق غير غافل.

وأصل السّنة وسنة ، والفعل منه وسن يسن ، مثل وعد يعد ، فلما حذفت الواو في الفعل حذفت في المصدر.

(وَلا نَوْمٌ) : لا زائدة للتوكيد ، وفائدتها أنها لو حذفت لا حتمل الكلام أن يكون لا تأخذه سنة ولا نوم في حال واحدة ، فإذا قال ولا نوم ـ نفاهما على كل حال.

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ) : يجوز أن يكون خبرا آخر لما تقدم ، وأن يكون مستأنفا.

(مَنْ ذَا الَّذِي) : قد ذكر في قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ).

و (عِنْدَهُ) : ظرف ليشفع.

وقيل : يجوز أن يكون حالا من الضمير في يشفع ؛ وهو ضعيف في المعنى ؛ لأن المعنى يشفع إليه. وقيل : بل الحال أقوى ؛ لأنه إذا لم يشفع من هو عنده وقريب منه فشفاعة غيره أبعد.

(إِلَّا بِإِذْنِهِ) : في موضع الحال ؛ والتقدير : لا أحد يشفع عنده إلّا مأذونا له ؛ أو إلا ومعه إذن ، أو إلا في حال الإذن.

ويجوز أن يكون مفعولا به ؛ أي بإذنه يشفعون ؛ كما تقول : ضرب بسيفه ؛ أي هو آلة الضرب.

و (يَعْلَمُ) : يجوز أن يكون خبرا آخر ؛ وأن يكون مستأنفا.

(مِنْ عِلْمِهِ) : أي معلومه ؛ لأنه قال : إلا بما شاء ؛ وعلمه الّذي هو صفة له لا يحاط به ولا بشيء منه ؛ ولهذا قال : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً).

(إِلَّا بِما شاءَ) : بدل من شيء ؛ كما تقول : ما مررت بأحد إلا بزيد.

(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) : الجمهور على فتح الواو وكسر السين على أنه فعل ، والكرسيّ فاعله.

ويقرأ بسكون السين على تخفيف الكسرة كعلم في علم.

ويقرأ بفتح الواو وسكون السين ورفع العين. كرسيّه ـ بالجرّ.

٦٣

و (السموات والأرض) ـ بالرفع على أنه مبتدأ وخبر.

والكرسيّ : فعليّ من الكرس ، وهو الجمع ، والفصيح فيه ضم الكاف. ويجوز كسرها للإتباع.

(وَلا يَؤُدُهُ) : الجمهور على تحقيق الهمزة على الأصل.

ويقرأ بحذف الهمزة ، كما حذفت همزة أناس.

ويقرأ بواو مضمومة مكان الهمزة على الإبدال.

و (الْعَلِيُ) : فعيل ، وأصله عليو ؛ لأنه من علا يعلو.

٢٥٦ ـ (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ) : الجمهور على إدغام الدال في التا ، لأنها من مخرجها ؛ وتحويل الدال إلى التاء أولى ؛ لأن الدال شديدة والتاء مهموسة ، والمهموس أخفّ.

ويقرأ بالإظهار ، وهو ضعيف لما ذكرنا.

والرّشد ـ بضم الراء وسكون الشين هو المشهور ، وهو مصدر من رشد ـ بفتح الشين ـ يرشد بضمّها.

ويقرأ بفتح الراء والشين ، وفعله رشد يرشد ، مثل علم يعلم.

(مِنَ الْغَيِ) : في موضع نصب على أنه مفعول ، وأصل الغي غوى ؛ لأنه من غوى يغوي ؛ فقلبت الواو ياء لسكونها وسبقها ثم أدغمت.

و (بِالطَّاغُوتِ) : يذكر ويؤنث ، ويستعمل بلفظ واحد في الجمع والتوحيد والتذّكير والتأنيث ، ومنه قوله : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها). وأصله طغيوت ؛ لأنه من طغيت تطغى.

ويجوز أن يكون من الواو ؛ لأنه يقال فيه : يطغو أيضا ، والياء أكثر. وعليه جاء الطّغيان ؛ ثم قدّمت اللام فجعلت قبل الغين ، فصار طيغوتا أو طوغوتا ، فلما تحرّك الحرف وانفتح ما قبله قلب ألفا ، فوزنه الآن فلعوت ، وهو مصدر في الأصل مثل الملكوت والرّهبوت.

(الْوُثْقى) : تأنيث الأوثق ، مثل الوسطى والأوسط ، وجمعه الوثق ، مثل الصغر والكبر. وأما الوثق ـ بضمتين ـ فجمع وثيق.

(لَا انْفِصامَ لَها) : في موضع نصب على الحال من العروة.

ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الوثقى.

٢٥٧ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) : مبتدأ ، (أَوْلِياؤُهُمُ) : مبتدأ ثان ، (الطَّاغُوتُ) خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول.

وقد قرئ الطّواغيت على الجمع ؛ وإنما جمع وهو مصدر ؛ لأنه صار اسما لما يعبد من دون الله.

(يُخْرِجُونَهُمْ) : مستأنف لا موضع له.

ويجوز أن يكون حالا ، والعامل فيه معنى الطاغوت ، وهو نظير ما قال أبو علي في قوله : (إِنَّها لَظى. نَزَّاعَةً). وسنذكره في موضعه.

فأما (يُخْرِجُهُمْ) : فيجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون حالا من الضمير في (وَلِيُّ).

٢٥٨ ـ (أَنْ آتاهُ اللهُ) : في موضع نصب عند سيبويه ، وجرّ عند الخليل ؛ لأن تقديره : لأن آتاه الله ؛ فهو مفعول من أجله ؛ والعامل فيه (حَاجَّ) ، والهاء ضمير إبراهيم. ويجوز أن تكون ضمير الذي.

و (إِذْ) : يجوز أن تكون ظرفا لحاجّ ، وأن تكون لآتاه. وذكر بعضهم أنه بدل من «أن آتاه» ؛ وليس بشيء ؛ لأنّ الظرف غير المصدر ؛ فلو كان بدلا لكان غلطا ؛ إلا أن تجعل «إذ» بمعنى أن المصدرية ، وقد جاء ذلك ؛ وسيمرّ بك في القرآن مثله.

(أَنَا أُحْيِي) : الاسم الهمزة والنون ، وإنما زيدت الألف عليها في الوقف لبيان حركة النون ؛ فإذا وصلته بما بعده حذفت الألف للغنية عنها.

وقد قرأ نافع بإثبات الألف في الوصل ؛ وذلك على إجراء الوصل مجرى الوقف ، وقد جاء ذلك في الشعر.

(فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي) : دخلت الفاء إيذانا بتعلّق هذا الكلام بما قبله.

والمعنى إذا ادّعيت الإحياء والإماتة ولم تفهم فالحجة أنّ الله يأتي بالشمس ؛ هذا هو المعنى.

و (مِنَ الْمَشْرِقِ) ، و (مِنَ الْمَغْرِبِ) : متعلّقان بالفعل المذكور وليسا حالين ، وإنما هما لابتداء غاية الإتيان.

ويجوز أن يكونا حالين ؛ ويكون التقدير : مسخّرة ، أو منقادة.

(فَبُهِتَ) : على ما لم يسمّ فاعله.

ويقرأ بفتح الباء وضم الهاء ، وبفتح الباء وكسر الهاء ؛ وهما لغتان ؛ والفعل فيهما لازم.

ويقرأ بفتحهما ؛ فيجوز أن يكون الفاعل ضمير إبراهيم ، و (الَّذِي) مفعول.

ويجوز أن يكون الذي فاعلا ، ويكون الفعل لازما.

٢٥٩ ـ (أَوْ كَالَّذِي) : في الكاف وجهان :

أحدهما ـ أنها زائدة ، والتقدير : ألم تر إلى الذي حاجّ ، أو الذي مرّ على قرية ، وهو مثل قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ).

والثاني ـ هي غير زائدة ، وموضعها نصب ، والتقدير : أو رأيت مثل الذي ؛ ودلّ على هذا المحذوف قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ).

و «أو» للتفصيل ، أو للتخيير في التعجب بحال أي القبيلين شاء ، وقد ذكر ذلك في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ) ، وغيره.

وأصل القرية من قريت الماء إذا جمعته ، فالقرية مجتمع الناس.

(وَهِيَ خاوِيَةٌ) : في موضع جرّ صفة لقرية.

(عَلى عُرُوشِها) : يتعلق بخاوية ؛ لأنّ معناه واقعة على سقوفها.

٦٤

وقيل : هو بدل من القرية ، تقديره : مرّ على قرية على عروشها ؛ أي مرّ على عروش القرية ؛ وأعاد حرف الجر مع البدل.

ويجوز أن يكون على عروشها على هذا القول صفة للقرية ، لا بدلا ؛ تقديره : على قرية ساقطة على عروشها ؛ فعلى هذا يجوز أن يكون (وَهِيَ خاوِيَةٌ) حالا من العروش ، وأن يكون حالا من القرية ؛ لأنها قد وصفت ، وأن يكون حالا من هاء المضاف إليه ؛ والعامل معنى الإضافة ، وهو ضعيف مع جوازه.

(أَنَّى) : في موضع نصب بيحيي ؛ وهي بمعنى متى ؛ فعلى هذا يكون ظرفا.

ويجوز أن يكون بمعنى كيف ، فيكون موضعها حالا من هذه ـ وقد تقدم ـ لما فيه من الاستفهام.

(مِائَةَ عامٍ) : ظرف لأماته على المعنى ؛ لأنّ المعنى ألبثه ميّتا مائة عام.

ولا يجوز أن يكون ظرفا على الظاهر ؛ لأن الإماتة تقع في ادنى زمان.

ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف ، تقديره : فأماته ، فلبث مائة عام ؛ ويدلّ على ذلك قوله : (كَمْ لَبِثْتَ) ؛ ثم قال : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ).

(كَمْ) : ظرف للبثت.

(لَمْ يَتَسَنَّهْ) : الهاء زائدة في الوقف ، وأصل الفعل على هذا فيه وجهان :

أحدهما ـ هو يتسنّن ، من قوله : (حَمَإٍ مَسْنُونٍ) ؛ فلما اجتمعت ثلاث نونات قلبت الأخيرة ياء كما قلبت في تظّنيت ، ثم أبدلت الياء ألفا ، ثم حذفت للجزم.

والثاني ـ أن يكون أصل الألف واوا ، من قولك : أسنى يسني إذا مضت عليه السّنون.

وأصل سنة سنوة ، لقولهم سنوات.

ويجوز أن تكون الهاء أصلا ، ويكون اشتقاقه من السنة ، وأصلها سنهة ، لقولهم سنهاء ، وعاملته مسانهة ؛ فعلى هذا تثبت الهاء وصلا ووقفا ؛ وعلى الأول تثبت في الوقف دون الوصل ، ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف.

فإن قيل : ما فاعل يتسنّى؟

قيل : يحتمل أن يكون ضمير الطعام والشراب لاحتياج كلّ واحد منهما إلى الآخر بمنزلة شيء واحد ؛ فلذلك أفرد الضّمير في الفعل.

ويحتمل أن يكون جعل الضمير لذلك ، وذلك يكنّى به عن الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد.

ويحتمل أن يكون الضمير للشراب ؛ لأنه أقرب إليه ؛ وإذا لم يتغيّر الشراب مع سرعة التغير إليه فأن لا يتغيّر الطعام أولى. ويجوز أن يكون أفرد في موضع التثنية ، كما قال الشاعر :

فكأنّ في العينين حبّ قرنفل أو سنبل كحلّت به فانهلّت (وَلِنَجْعَلَكَ) : معطوف على فعل محذوف ، تقديره : أريناك ذلك لتعلم قدر قدرتنا ولنجعلك.

وقيل الواو زائدة. وقيل التقدير : ولنجعلك فعلنا ذلك.

كيف ننشرها : في موضع الحال من العظام ، والعامل في «كيف» ننشرها ؛ ولا يجوز أن تعمل فيها (انْظُرْ) ؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، ولكن كيف وننشرها جميعا حال من العظام ، والعامل فيها «انظر» ، تقديره : انظر إلى العظام محياة.

«وننشرها» يقرأ بفتح النون وضمّ الشين ، وماضيه نشر ؛ وفيه وجهان :

أحدهما ـ أن يكون مطاوع أنشر الله الميت فنشر ، ويكون نشر على هذا بمعنى أنشر ، فاللازم والمتعدي بلفظ واحد.

والثاني ـ أن يكون من النّشر الذي هو ضدّ الطيّ ؛ أي يبسطها بالإحياء.

ويقرأ بضم النون وكسر الشين ؛ أي نحييها ، وهو مثل قوله : (إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ).

ويقرأ بالزاي أي نرفعها ، وهو من النّشز ؛ وهو المرتفع من الأرض ، وفيها على هذا قراءتان : ضمّ النون وكسر الشين من أنشزته.

وفتح النون وضم الشين وماضيه نشزته ؛ وهما لغتان : و (لَحْماً) : مفعول ثان.

(قالَ أَعْلَمُ) : يقرأ بفتح الهمزة واللام ، على أنه أخبر عن نفسه.

ويقرأ بوصل الهمزة على الأمر ، وفاعل قال (اللهَ). وقيل فاعله عزيز ؛ وأمر نفسه كما يأمر المخاطب ، كما تقول لنفسك : اعلم يا عبد الله ، وهذا يسمّى التجريد. وقرئ بقطع الهمزة وفتحها وكسر اللام ، والمعنى : أعلم الناس.

٢٦٠ ـ (وَإِذْ قالَ) : العامل في «إذ» محذوف ، تقديره : اذكر ؛ فهو مفعول به لا ظرف.

و (أَرِنِي) : يقرأ بسكون الراء ؛ وقد ذكر في قوله : (وَأَرِنا مَناسِكَنا).

(كَيْفَ تُحْيِ) : الجملة في موضع نصب بأرني ؛ أي أرني كيفية إحياء الموتى ، فكيف في موضع نصب بتحيي.

(لِيَطْمَئِنَ) : اللام متعلقة بمحذوف ، تقديره : سألتك ليطمئنّ.

والهمزة في يطمئن أصل ، ووزنه يفعل ؛ ولذلك جاء : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) ، مثل اقشعررتم.

(مِنَ الطَّيْرِ) : صفة لأربعة ، وإن شئت علقتها بخذ.

وأصل الطير مصدر طار يطير طيرا ، مثل باع يبيع بيعا ، ثم سمّي الجنس بالمصدر.

ويجوز أن يكون أصله طيّرا مثل سيّد ، ثم خففت كما خفف سيّد.

ويجوز أن يكون جمعا ، مثل تاجر وتجر.

٦٥

والطّير واقع على الجنس ، والواحد طائر.

(فَصُرْهُنَ) : يقرأ بضم الصاد وتخفيف الراء ، وبكسر الصاد وتخفيف الراء ؛ ولهما معنيان :

أحدهما ـ أملهن ، يقال صاره يصوره ويصيره ، إذا أماله ؛ فعلى هذا تتعلّق «إلى» بالفعل ؛ وفي الكلام محذوف ، تقديره : أملهنّ إليك ثم قطّعهنّ.

والمعنى الثاني ـ أن يصوره ويصيره بمعنى يقطعه ؛ فعلى هذا في الكلام محذوف يتعلّق به «إلى» ؛ أي فقطعهن بعد أن تميلهنّ إليك.

والأجود عندي أن تكون (إِلَيْكَ) حالا من المفعول المضمر ، تقديره : فقطّعهن مقربة إليك ، أو ممالة ، ونحو ذلك.

ويقرأ بضمّ الصاد وتشديد الراء ؛ ثم منهم من يضمّها ، ومنهم من يفتحها ، ومنهم من يكسرها ، مثل مدهن ، فالضمّ على الإتباع ، والفتح للتخفيف ، والكسر على أصل التقاء الساكنين ؛ والمعنى في الجميع من صرّه يصرّه إذا جمعه.

(مِنْهُنَ) : في موضع نصب على الحال من (جُزْءاً) ؛ وأصله صفة للنكرة قدّم عليها فصار حالا.

ويجوز أن يكون مفعولا لا جعل.

وفي الجزء لغتان : ضمّ الزاي ، وتسكينها ، وقد قرئ بهما ، وفيه لغة ثالثة كسر الجيم ، ولم أعلم أحدا قرأ به.

وقرئ بتشديد الزاي من غير همزة. والوجه فيه أنه نوى الوقف عليه ، فحذف الهمزة بعد أن ألقى حركتها على الزاي ثم شدّد الزاي ؛ كما تقول في الوقف : هذا فرحّ ، ثمّ أجرى الوصل مجرى الوقف.

و (يَأْتِينَكَ) : جواب الأمر.

و (سَعْياً) : مصدر في موضع الحال ؛ أي ساعيات.

ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا ؛ لأن السّعي والإتيان متقاربان ، فكأنه قال : يأتينك إتيانا.

٢٦١ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) : في الكلام حذف مضاف تقديره : مثل إنفاق الذين ينفقون ، أو مثل نفقة الّذين ينفقون. ومثل مبتدأ ، و (كَمَثَلِ حَبَّةٍ) خبره ؛ وإنما قدّر المحذوف ، لأنّ الذين ينفقون لا يشبّهون بالحبّة ؛ بل إنفاقهم أو نفقتهم.

(أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ) : الجملة في موضع جرّ صفة لحبة.

(فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) : ابتداء وخبر في موضع جرّ صفة لسنابل. ويجوز أن يرفع مائة حبّة بالجار ، لأنه قد اعتمد لمّا وقع صفة.

ويجوز أن تكون الجملة صفة لسبع ؛ كقولك : رأيت سبعة رجال أحرار وأحرارا.

ويقرأ في الشاذ مائة ـ بالنصب ، بدلا من سبع ، أو بفعل محذوف تقديره : أخرجت.

والنون في «سنبلة» زائدة ، وأصله من أسبل ؛ وقيل هي أصل.

والأصل في مائة مئية ، يقال : أمأت الدراهم إذا صارت مائة ، ثم حذفت اللام تخفيفا ؛ كما حذفت لام يد.

٢٦٢ ـ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) : مبتدأ ، والخبر (لَهُمْ أَجْرُهُمْ).

ولام الأذى ياء ، يقال : أذى يأذى أذى ، مثل نصب ينصب نصبا.

٢٦٣ ـ (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) : مبتدأ ، و (مَغْفِرَةٌ) معطوف عليه ؛ والتقدير : وسنت مغفرة ؛ لأنّ المغفرة من الله ، فلا تفاضل بينها وبين فعل عبده.

ويجوز أن تكون المغفرة مجاوزة المزكّي واحتماله للفقير ؛ فلا يكون فيه حذف مضاف ، والخبر (خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ).

و (يَتْبَعُها) : صفة لصدقة.

وقيل : قول معروف مبتدأ ، خبره محذوف ؛ أي أمثل من غيره ، ومغفرة مبتدأ ، وخير خبره.

٢٦٤ ـ (كَالَّذِي يُنْفِقُ) : الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف ، وفي الكلام حذف مضاف ، تقديره : إبطالا كإبطال الذي ينفق.

ويجوز أن يكون في موضع الحال من ضمير الفاعلين ؛ أي لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذي ينفق ماله ؛ أي مشبهين الذي يبطل إنفاقه بالرّياء.

و (رِئاءَ النَّاسِ) : مفعول من أجله. ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ؛ أي ينفق مرائيا.

والهمزة الأولى في رئاء عين الكلمة ، لأنه من راءى ؛ والأخيرة بدل من الياء ، لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة كالقضاء والدّماء.

ويجوز تخفيف الهمزة الأولى بأن تقلب ياء فرارا من ثقل الهمزة بعد الكسرة ، وقد قرئ به ، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول.

ودخلت الفاء في قوله : (فَمَثَلُهُ) لربط الجملة بما قبلها.

والصّفوان : جمع صفوانة ، والجيّد أن يقال هو جنس لا جمع ؛ ولذلك عاد الضمير إليه بلفظ الإفراد في قوله : (عَلَيْهِ تُرابٌ). وقيل : هو مفرد. وقيل واحده صفا ، وجمع فعل على فعلان قليل ، وحكي صفوان ـ بكسر الصاد ، وهو أكثر الجموع.

ويقرأ بفتح الفاء ، وهو شاذّ ؛ لأنّ فعلانا شاذ في الأسماء ؛ وإنما يجئ في المصادر مثل الغليان ، والصفات مثل يوم صحوان.

و (عَلَيْهِ تُرابٌ) : في موضع جرّ صفة لصفوان ، ولك أن ترفع ترابا بالجرّ ، لأنه قد اعتمد على ما قبله ؛ وأن ترفعه بالابتداء.

والفاء في : (فَأَصابَهُ) عاطفة على الجار ؛ لأنّ تقديره : استقر عليه تراب فأصابه. وهذا أحد ما يقوّي شبه الظرف بالفعل.

والألف في «أصاب» منقلبة عن واو ؛ لأنه من صاب يصوب.

(فَتَرَكَهُ صَلْداً) : هو مثل قوله : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ). وقد ذكر في أوّل السّورة.

(لا يَقْدِرُونَ) : مستأنف لا موضع له ؛ وإنما جمع هنا بعد ما أفرد في قوله : «كالذي» ، وما بعده ؛ لأنّ الذي هنا جنس ، فيجوز أن يعود الضمير إليه مفردا وجمعا ؛ ولا يجوز أن يكون حالا من الذي ؛ لأنه قد فصل بينهما بقوله : (فَمَثَلُهُ) وما بعده.

٢٦٥ ـ (ابْتِغاءَ) : مفعول من أجله ، (وَتَثْبِيتاً) : معطوف عليه.

ويجوز أن يكون حالين ؛ أي مبتغين ومتثبّتين.

(مِنْ أَنْفُسِهِمْ) : يجوز أن يكون من بمعنى اللام : أي تثبيتا لأنفسهم ، كما تقول : فعلت ذلك كسرا من شهوتي.

ويجوز أن تكون على أصلها ؛ أي تثبيتا صادرا من أنفسهم. والتثبيت : مصدر فعل متعدّ ؛ فعلى الوجه الأول يكون من أنفسهم مفعول المصدر.

وعلى الوجه الثاني يكون المفعول محذوفا تقديره : ويثبتون أعمالهم بإخلاص النيّة.

ويجوز أن يكون تثبيتا بمعنى تثبّت فيكون لازما ، والمصادر قد تختلف ويقع بعضها موقع بعض ؛ ومثله قوله تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) ؛ أي تبتّلا.

وفي قوله : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) حذف تقديره : ومثل نفقة الذين ينفقون ؛ لأنّ المنفق لا يشبه بالجنة ، وإنما تشبّه النفقة التي تزكو بالجنة التي تثمر.

و (الرّبوة) ـ بضم الراء وفتحها وكسرها ثلاث لغات ، وفيها لغة أخرى رباوة ، وقد قرئ بذلك كله.

٦٦

(أَصابَها) : صفة للجنة.

ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال من الجنة ؛ لأنها قد وصفت.

ويجوز أن تكون حالا من الضمير في الجار ، و «قد» مع الفعل مقدّرة.

ويجوز أن تكون الجملة صفة لربوة ؛ لأنّ الجنّة بعض الرّبوة.

والوابل من وبل ، ويقال أوبل فهو موبل ، وهي صفة غالبة لا يحتاج معها إلى ذكر الموصوف.

و (آتت) : متعدّ إلى مفعولين ، وقد حذف أحدهما ؛ أي أعطت صاحبها.

ويجوز أن يكون متعديا إلى واحد ؛ لأن معنى آتت أخرجت ، وهو من الإيتاء وهو الرّيع.

والأكل ـ بسكون الكاف وضمها لغتان ، وقد قرئ جمعا ، والواحد منه أكلة وهو المأكول ، وأضاف الأكل إليها لأنها محلّه أو سببه.

و (ضِعْفَيْنِ) : حال ؛ أي مضاعفا.

(فَطَلٌ) : خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : فالذي يصيبها طلّ ، أو فالمصيب لها ، أو فمصيبها.

ويجوز أن يكون فاعلا ، تقديره : فيصيبها طلّ ، وحذف الفعل لدلالة فعل الشرط عليه.

والجزم في (يُصِبْها) بلم لا بإن ؛ لأنّ «لم» عامل يختص بالمستقبل ، وإن قد وليها الماضي ، وقد يحذف معها الفعل ، فجاز أن يبطل عملها.

٢٦٦ ـ (مِنْ نَخِيلٍ) : صفة لجنة ، ونخيل جمع ، وهو نادر ، وقيل هو جنس.

و (تَجْرِي) : صفة أخرى.

(لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) : في الكلام حذف ، تقديره : له فيها رزق من كلّ ، أو ثمرات من كل أنواع الثمرات.

ولا يجوز أن يكون من مبتدأ وما قبله الخبر ؛ لأن المبتدأ لا يكون جارا ومجرورا إلا إذا كان حرف الجر زائدا ؛ ولا فاعلا ؛ لأنّ حرف الجر لا يكون فاعلا ، ولكن يجوز أن يكون صفة لمحذوف.

ولا يجوز أن تكون «من» زائدة على قول سيبويه ، ولا على قول الأخفش ؛ لأن المعنى يصير : له فيها كلّ الثمرات ، وليس الأمر على هذا إلا أن يراد به هاهنا الكثرة لا الاستيعاب فيجوز عند الأخفش ؛ لأنه يجوّز زيادة «من» في الواجب ؛ وإضافة «كل» إلى ما بعدها بمعنى اللام ؛ لأنّ المضاف إليه غير المضاف.

(وَأَصابَهُ) : الجملة حال من أحد ، و «قد» مرادة ، تقديره : وقد أصابه. وقيل : وضع الماضي موضع المضارع. وقيل حمل في العطف على المعنى ؛ لأن المعنى : أيودّ أحدكم أن لو كانت له جنّة فأصابها ، وهو ضعيف ؛ إذ لا حاجة إلى تغيير اللفظ مع صحة معناه.

(وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ) : جملة في موضع الحال من الهاء في أصابه.

واختلف في أصل الذرية على أربعة أوجه :

أحدها ـ أن أصلها ذرّورة ، من ذرّ يذرّ إذا نشر ، فأبدلت الراء الثانية ياء لاجتماع الراءات ، ثم أبدلت الواو ياء ، ثم أدغمت ، ثم كسرت الراء اتباعا ، ومنهم من يكسر الذال اتباعا أيضا ، وقد قرئ به.

والثاني ـ أنه من ذرّ أيضا إلا أنه زاد الياءين ، فوزنه فعليّة.

والثالث ـ أنه من ذرا بالهمز ، فأصله على هذا ذرّوءة فعّولة ، ثم أبدلت الهمزة ياء ، وأبدلت الواو ياء فرارا من ثقل الهمزة والواو والضمة.

والرابع ـ أنه من ذرا يذرو ، لقوله : (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) ؛ فأصله ذرّووة ، ثم أبدلت الواو ياء. ثم عمل ما تقدم. ويجوز أن يكون فعليّة على الوجهين.

(فَأَصابَها) : معطوف على صفة الجنة.

٢٦٧ ـ (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ) : المفعول محذوف ؛ أي شيئا من طيبات. وقد ذكر مستوفى فيما تقدم.

(وَلا تَيَمَّمُوا) : الجمهور على تخفيف التاء ، وماضيه تيمم ، والأصل تتيمّموا ، فحذف التاء الثانية ، كما ذكر في قوله : (تَظاهَرُونَ).

ويقرأ بتشديد التاء وقبله ألف. وهو جمع بين ساكنين ؛ وإنما سوّغ ذلك المدّ الذي في الألف.

وقرئ بضم التاء وكسر الميم الأولى على أنه لم يحذف شيئا ووزنه تفعلوا.

(مِنْهُ) : متعلقة ب (تُنْفِقُونَ) ، والجملة في موضع الحال من الفاعل في تيمّموا ، وهي حال مقدرة ؛ لأن الإنفاق منه يقع بعد القصد إليه. ويجوز أن يكون حالا من الخبيث ؛ لأن في الكلام ضميرا يعود إليه ؛ أي منفقا منه.

و (الْخَبِيثَ) : صفة غالبة ؛ فلذلك لا يذكر معها الموصوف.

(وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) : مستأنف لا موضع له.

(إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا) : في موضع الحال ؛ أي إلا في حال الإغماض.

والجمهور على ضمّ التاء وإسكان الغين وكسر الميم ، وماضيه أغمض ، وهو متعدّ ، وقد حذف مفعوله ؛ أي تغمضوا أبصاركم أو بصائركم.

ويجوز أن يكون لازما مثل أغضى عن كذا ، ويقرأ كذلك ، إلا أنه بتشديد الميم وفتح الغين ؛ والتقدير : أبصاركم.

ويقرأ تغمضوا ـ بضم التاء والتخفيف وفتح الميم على ما لم يسمّ فاعله ؛ والمعنى : إلا أن تحملوا على التغافل عنه والمسامحة فيه.

ويجوز أن يكون من أغمض إذا صودف على تلك الحال ؛ كقولك : أحمد الرجل ؛ أي وجد محمودا.

ويقرأ بفتح التاء وإسكان الغين وكسر الميم ، من غمض يغمض ، وهي لغة في غمض.

ويقرأ كذلك إلا أنه بضمّ الميم ، وهو من غمض ، كظرف ، أي خفي عليكم رأيكم فيه.

٦٧

٢٦٨ ـ (يَعِدُكُمُ) : أصله يوعدكم ، فحذفت الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة ، وهو يتعدّى إلى مفعولين. وقد يجيء ـ بالباء ، يقال : وعدته بكذا.

(مَغْفِرَةً مِنْهُ) : يجوز أن يكون صفة ، وأن يكون مفعولا متعلقا بيعد ؛ أي يعدكم من تلقاء نفسه.

(وَفَضْلاً) : تقديره : منه ؛ استغنى بالأولى عن إعادتها.

٢٦٩ ـ (وَمَنْ يُؤْتَ) : يقرأ بضمّ الياء وفتح التاء ، و «من» على هذا مبتدأ ، وما بعدها الخبر.

ويقرأ بكسر التاء ؛ فمن على هذا في موضع نصب بيؤت ، ويؤت مجزوم بها ، فقد عمل فيما عمل فيه ، والفاعل ضمير اسم الله.

والأصل في (يَذَّكَّرُ) : يتذكر ، فأبدلت التاء ذالّا لتقرب منها فتدغم.

٢٧٠ ـ (وَما أَنْفَقْتُمْ) : ما شرط. وموضعها نصب بالفعل الذي يليها ، وقد ذكرنا مثله في قوله : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ).

٢٧١ ـ (فَنِعِمَّا) : نعم فعل جامد لا يكون فيه مستقبل ، وأصله نعم كعلم ، وقد جاء على ذلك في الشعر إلا أنهم سكّنوا العين ، ونقلوا حركتها إلى النون ليكون دليلا على الأصل.

ومنهم من يترك النون مفتوحة على الأصل.

ومنهم من يكسر النون والعين اتباعا ، وبكلّ قد قرئ.

وفيه قراءة أخرى هنا ؛ وهي إسكان العين والميم مع الإدغام ، وهو بعيد لما فيه من الجمع بين الساكنين ؛ وقيل : إن الراوي لم يضبط القراءة ؛ لأن القارئ اختلس كسرة العين فظنّه إسكانا.

وفاعل نعم مضمر ، وما بمعنى شيء ، وهو المخصوص بالمدح ؛ أي نعم الشيء شيئا.

(هِيَ) : خبر مبتدأ محذوف ؛ كأن قائلا قال : ما الشيء الممدوح؟ فيقال : هي ؛ أي الممدوح الصدقة.

وفيه وجه آخر ؛ وهو أن يكون هي مبتدأ مؤخرا ، ونعم وفاعلها الخبر ؛ أي الصدقة نعم الشيء ، واستغنى عن ضمير يعود على المبتدأ لاشتمال الجنس على المبتدأ.

(فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) : الجملة جواب الشرط ، وموضعها جزم ، وهو ضمير مصدر لم يذكر ، ولكن ذكر فعله ؛ والتقدير : فالإخفاء خير لكم ، أو فدفعها إلى الفقراء في خفية خير.

ونكفّر عنكم : يقرأ بالنون على إسناد الفعل إلى الله عزوجل.

ويقرأ بالياء على هذا التقدير أيضا ؛ وعلى تقدير آخر ؛ وهو يكون الفاعل ضمير الإخفاء.

ويقرأ : وتكفّر ـ بالتاء ـ على أنّ الفعل مسند إلى ضمير الصدقة.

ويقرأ بجزم الراء عطفا على موضع فهو ، وبالرفع على إضمار مبتدأ ؛ أي ونحن ، أو وهي.

و (مِنْ) هنا زائدة عند الأخفش ؛ فيكون (سَيِّئاتِكُمْ) المفعول ، وعند سيبويه المفعول محذوف ؛ أي شيئا من سيئاتكم.

والسيئة : فعيلة ، وعينها واو ؛ لأنها من ساء يسوء ، فأصلها سيوئه ؛ ثم عمل فيها ما ذكرنا في : صيّب.

٢٧٣ ـ (لِلْفُقَراءِ) : في موضع رفع خبر ابتداء محذوف ، تقديره : الصدقات المذكورة للفقراء.

وقيل : التقدير أعطوا للفقراء.

(فِي سَبِيلِ اللهِ) : «في» متعلقة بأحصروا على أنها ظرف له.

ويجوز أن تكون حالا ؛ أي أحصروا مجاهدين.

(لا يَسْتَطِيعُونَ) : في موضع الحال ، والعامل فيه أحصروا ؛ أيّ أحصروا عاجزين.

ويجوز أن يكون مستأنفا.

(يَحْسَبُهُمُ) : حال أيضا. ويجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له.

وفيه لغتان : كسر السين وفتحها ، وقد قرئ بهما.

و (الْجاهِلُ) : جنس ، فلذلك لم يجمع ، ولا يراد به واحد.

(مِنَ التَّعَفُّفِ) : يجوز أن يتعلق «من» بيحسب ؛ أي يحسبهم من أجل التعفّف.

ولا يجوز أن يتعلق بمعنى أغنياء ؛ لأن المعنى يصير إلى ضدّ المقصود ؛ وذلك أنّ معنى الآية أنّ حالهم يخفى على الجاهل بهم فيظنهم أغنياء ، ولو علقت «من» بأغنياء صار المعنى أن الجاهل يظنّ أنهم أغنياء ولكن بالتعفّف ؛ والغنيّ بالتعفف فقير من المال.

(تَعْرِفُهُمْ) : يجوز أن يكون حالا ؛ وأن يكون مستأنفا ، و (لا يَسْئَلُونَ) : مثله.

و (إِلْحافاً) : مفعول من أجله.

ويجوز أن يكون مصدرا لفعل محذوف دلّ عليه يسألون ؛ فكأنه قال : لا يلحفون.

ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ؛ تقديره : ولا يسألون ملحفين.

٢٧٤ ـ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) : الموصول وصلته مبتدأ ، وقوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) جملة في موضع الخبر ، ودخلت الفاء هنا لشبه «الذي» بالشّرط في إبهامه ووصله بالفعل.

(بِاللَّيْلِ) : ظرف ، والباء فيه بمعنى في.

و (سِرًّا ، وَعَلانِيَةً) : مصدران في موضع الحال.

٢٧٥ ـ (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) : مبتدأ. (لا يَقُومُونَ) : خبره.

والكاف في موضع نصب وصفا لمصدر محذوف تقديره : إلا قياما مثل قيام الذي يتخبّطه.

٦٨

ولام الربا واو ؛ لأنّه من ربا يربو ، وتثنيته ربوان ، ويكتب بالألف.

وأجاز الكوفيون كتبه وتثنيته بالياء ؛ قالوا لأجل الكسرة التي في أوله ؛ وهو خطأ عندنا.

و (مِنَ الْمَسِ) : يتعلق بيتخبّطه ؛ أي من جهة الجنون ، فيكون في موضع نصب.

(ذلِكَ) : مبتدأ ، و (بِأَنَّهُمْ قالُوا) الخبر ؛ أي مستحق بقولهم.

(جاءَهُ مَوْعِظَةٌ) : إنما لم تثبت التاء لأن تأنيث الموعظة غير حقيقي ، فالموعظة والوعظ بمعنى.

٢٧٦ ـ (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) : روى أبو زيد الأنصاري أنّ بعضهم قرأ بكسر الراء ، وضمّ الباء ، وواو ساكنة ، وهي قراءة بعيدة ، إذ ليس في الكلام اسم في آخره واو قبلها ضمّة لا سيما وقبل الضمة كسرة ؛ وقد يؤوّل على أنه وقف على مذهب من قال هذه افعوا ، فتقلب الألف في الوقف واوا ؛ فإما أن يكون لم يضبط الراوي حركة الباء ، أو يكون سمى قربها من الضمة ضمّا.

٢٧٨ ـ (ما بَقِيَ) : الجمهور على فتح الياء ، وقد قرئ شاذّا بسكونها ، ووجهه أنه خفّف بحذف الحركة عن الياء بعد الكسرة ، وقد قال المبرد : تسكين ياء المنقوص في النصب من أحسن الضرورة ، هذا مع أنه معرب ؛ فهو في الفعل الماضي أحسن.

٢٧٩ ـ (فَأْذَنُوا) : يقرأ بوصل الهمزة وفتح الذال وماضيه أذن ، والمعنى : فأيقنوا بحرب.

ويقرأ بقطع الهمزة والمد وكسر الذال وماضيه آذن ؛ أي أعلم ، والمفعول محذوف ؛ أي فأعلموا غيركم.

وقيل المعنى : صيروا عالمين بالحرب.

(لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) : يقرأ بتسمية الفاعل في الأوّل ، وترك التسمية في الثاني ؛ ووجهه أنّ منعهم من الظلم أهمّ فبدئ به.

ويقرأ بالعكس ؛ والوجه فيه أنه قدم ما تطمئن به نفوسهم من نفي الظلم عنهم ، ثم منعهم من الظلم.

ويجوز أن تكون القراءتان بمعنى واحد ؛ لأن الواو لا ترتب.

٢٨٠ ـ (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) : كان هنا التامة ؛ أي إن حدث ذو عسرة. وقيل : هي الناقصة ، والخبر محذوف تقديره : وإن كان ذو عسرة لكم عليه حقّ أو نحو ذلك.

ولو نصب فقال : ذا عسرة ـ لكان الذي عليه الحق معنيا بالذكر السابق ، وليس ذلك في اللفظ إلا أن يتمحل لتقديره. والعسرة والعسر بمعنى.

فنظرة ـ بكسر الظاء ـ مصدر بمعنى التأخير ، والجمهور على الكسر. ويقرأ بالإسكان إيثارا للتخفيف كفخذ وفخذ ، وكتف وكتف.

ويقرأ فناظرة بالألف ، وهي مصدر كالعاقبة والعافية ؛ ويقرأ فناظره على الأمر ، كما تقول : ساهله بالتأخير.

(إِلى مَيْسَرَةٍ) : أي إلى وقت ميسرة ، أو وجود ميسرة.

والجمهور على فتح السين والتأنيث.

وقرئ بضم السين وجعل الهاء ضميرا ، وهو بناء شاذّ لم يأت منه إلا مكرم ومعون ، على أن ذلك قد يؤوّل على أنه جمع مكرمة ومعونة.

وتحتمل القراءة بعد ذلك أمرين :

أحدهما ـ أن يكون جمع ميسرة ، كما قالوا في البناءين.

والثاني ـ أن يكون أراد ميسورة ، فحذف الواو اكتفاء بدلالة الضمة عليها.

وارتفاع نظرة على الابتداء والخبر محذوف ؛ أي فعليكم نظرة ، وإلى يتعلّق بنظرة.

(وَأَنْ تَصَدَّقُوا) : يقرأ بالتشديد ، وأصله تتصدقوا ، فقلب التاء الثانية صادا وأدغمها.

ويقرأ بالتخفيف على أنه حذف التاء حذفا.

٢٨١ ـ (تُرْجَعُونَ فِيهِ) : الجملة صفة يوم.

ويقرأ بفتح التاء على تسمية الفاعل ، وبضمّها على ترك التسمية على أنه من رجعته ؛ أي رددته ؛ وهو متعدّ على هذا الوجه ؛ ولولا ذلك لما بني لما لم يسمّ فاعله.

ويقرأ بالياء على الغيبة.

(وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) : يجوز أن يكون حالا من «كلّ» ؛ لأنّها في معنى الجمع.

ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يرجعون على القراءة بالياء ، على أنه خرج من الخطاب إلى الغيبة ؛ كقوله : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ).

٢٨٢ ـ (إِلى أَجَلٍ) : هو متعلّق بتداينتم.

ويجوز أن يكون صفة لدين ؛ أي مؤخر ومؤجّل.

وألف (مُسَمًّى) منقلبة عن ياء ، وكذا كلّ ألف وقعت رابعة فصاعدا إذا كانت منقلبة فإنها تكون منقلبة عن ياء ، ثم ينظر في أصل الياء.

(بِالْعَدْلِ) : متعلّق بقوله : (وَلْيَكْتُبْ) ؛ أي ليكتب بالحق ؛ فيجوز أن يكون : أي وليكتب عادلا ؛ ويجوز أن يكون مفعولا به ؛ أي بسبب العدل.

وقيل الباء زائدة ، والتقدير : وليكتب العدل.

وقيل : هو متعلّق بكاتب ؛ أي كاتب موصوف بالعدل ، أو مختار.

(كَما عَلَّمَهُ اللهُ) : الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ، وهو من تمام أن يكتب.

وقيل : هو متعلّق بقوله : (فَلْيَكْتُبْ) ؛ ويكون الكلام قد تمّ عند قوله : أن يكتب ؛ والتقدير : فليكتب كما علّمه الله.

(وَلْيُمْلِلِ) : ماضي هذا الفعل أملّ ، وفيه لغة أخرى أملى ، ومنه قوله : (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ) ؛ وفيه كلام يأتي في موضعه إن شاء الله.

(مِنْهُ شَيْئاً) : يجوز أن يتعلّق من بيبخس ، ويكون لابتداء غاية البخس.

٦٩

ويجوز أن يكون التقدير شيئا منه ، فلما قدّمه صار حالا. والهاء للحق.

(أَنْ يُمِلَّ هُوَ) : «هو» هنا توكيد ، والفاعل مضمر ، والجمهور على ضمّ الهاء ؛ لأنّها كلمة منفصلة عما قبلها ، فهي مبدوء بها.

وقرئ بإسكانها على أن يكون أجرى المنفصل مجرى المتصل بالواو أو الفاء أو اللام ؛ نحو ؛ وهو ، فهو ، لهو.

(بِالْعَدْلِ) : مثل الأولى.

(مِنْ رِجالِكُمْ) : يجوز أن يكون صلة لشهيدين. ويجوز أن يتعلّق باستشهدوا.

(فَإِنْ لَمْ يَكُونا) : الألف ضمير الشاهدين.

(فَرَجُلٌ) : خبر مبتدأ محذوف ؛ أي فالمستشهد رجل وامرأتان.

وقيل : هو فاعل ؛ أي فليستشهد رجل.

وقيل : الخبر محذوف ، تقديره : رجل وامرأتان يشهدون.

ولو كان قد قرئ بالنصب لكان التقدير فاستشهدوا.

وقرئ في الشاذ : وامرأتان بهمزة ساكنة ، ووجهه أنه خفّف الهمزة ، فقربت من الألف ؛ والمقرّبة من الألف في حكمها ؛ ولهذا لا يبتدأ بها ؛ فلما صارت كالألف قلبها همزة ساكنة ، كما قالوا خأتم وعالم.

قال ابن جنى : ولا يجوز أن يكون سكّن الهمزة ؛ لأنّ المفتوح لا يسكن لخفة الفتحة ؛ ولو قيل إنه سكن الهمزة لتوالي الحركات ، وتوالي الحركات يجتنب ، وإن كانت الحركة فتحة كما سكنوا باء ضربت لكان حسنا.

(مِمَّنْ تَرْضَوْنَ) : هو في موضع رفع صفة لرجل وامرأتين ؛ تقديره : مرضيّون.

وقيل : هو صفة لشهيدين ، وهو ضعيف للفصل الواقع بينهما.

وقيل : هو بدل من «من رجالكم».

وأصل ترضون ترضوون ؛ لأنّ لام الرضا واو ؛ لقولك الرضوان.

(مِنَ الشُّهَداءِ) : يجوز أن يكون حالا من الضمير المحذوف ؛ أي ترضونه كائنا من الشهداء.

ويجوز أن يكون بدلا من «من».

(أَنْ تَضِلَ) : يقرأ بفتح الهمزة على أنها المصدرية الناصبة للفعل ، وهو مفعول له ، وتقديره : لأن تضلّ إحداهما.

(فَتُذَكِّرَ) ـ بالنصب : معطوف عليه.

فإن قلت : ليس الغرض من استشهاد المرأتين مع الرجل أن تضلّ أحداهما. فكيف يقدّر باللام؟

فالجواب ما قاله سيبويه : إنّ هذا كلام محمول على المعنى ، وعادة العرب أن تقدّم ما فيه السبب ، فيجعل في موضع المسبب ؛ لأنّه يصير إليه ؛ ومثله قولك : أعددت هذه الخشبة أن تميل الحائط فأدعمه بها ؛ ومعلوم أنك لم تقصد بإعداد الخشبة ميل الحائط ؛ وإنما المعنى لأدعم بها الحائط إذا مال.

فكذلك الآية ؛ تقديرها : لأنّ تذكّر إحداهما الأخرى إذا ضلّت أو لضلالها.

ولا يجوز أن يكون التقدير : مخافة أن تضلّ ؛ لأنّه عطف عليه فتذكر ؛ فيصير المعنى : مخافة أن تذكّر إحداهما الأخرى إذا ضلّت ، وهذا عكس المراد. ويقرأ فتذكر بالرفع على الاستئناف.

ويقرأ إن بكسر الهمزة على أنها شرط ، وفتحة اللام على هذا حركة بناء لالتقاء الساكنين ، فتذكر جواب الشرط ، ورفع الفعل لدخول الفاء الجواب.

ويقرأ بتشديد الكاف وتخفيفها ، يقال : ذكّرته وأذكرته. و (إِحْداهُما) الفاعل ، و (الْأُخْرى) المفعول.

ويصحّ في المعنى العكس ، إلا أنه يمتنع في الإعراب على ظاهر قول النحويين ؛ لأنّ الفاعل والمفعول إذا لم يظهر فيهما علامة الإعراب أوجبوا تقديم الفاعل في كل موضع يخاف فيه اللبس ؛ فعلى هذا إذا أمن اللبس جاز تقديم المفعول ؛ كقولك : كسر عيسى العصا ؛ وهذه الآية من هذا القبيل ؛ لأنّ النسيان والإذكار لا يتعيّن في واحدة منهما ؛ بل ذلك على الإبهام ؛ وقد علم بقوله : «فتذكر».

أنّ التي تذكّر هي الذاكرة ، والتي تذكر هي الناسية ، كما علم من لفظ كسر من يصحّ منه الكسر ؛ فعلى هذا يجوز أن يجعل إحداهما فاعلا ، والأخرى مفعولا ، وأن يعكس.

فإن قيل : لم لم يقل فتذكّرها الأخرى؟

قيل : فيه وجهان :

أحدهما ـ أنه أعاد الظاهر ليدلّ على الإبهام في الذكر والنسيان ، ولو أضمر لتعيّن عوده إلى المذكور.

والثاني ـ أنه وضع الظاهر موضع المضمر ، تقديره : فتذكّرها ، وهذا يدلّ على أنّ إحداهما الثانية مفعول مقدّم ، ولا يجوز أن يكون فاعلا في هذا الوجه ؛ لأنّ الضمير هو المظهر بعينه ، والمظهر الأول فاعل تضلّ ؛ فلو جعل الضمير لذلك المظهر لكانت الناسية هي المذكرة ؛ وذا محال.

والمفعول الثاني لتذكر محذوف تقديره : الشهادة ونحو ذلك ؛ وكذلك مفعول (يَأْبَ). وتقديره : ولا يأب الشهداء إقامة الشهادة وتحمّل الشهادة.

و (إِذا) : ظرف ليأب.

ويجوز أن يكون ظرفا للمفعول المحذوف.

و (أَنْ تَكْتُبُوهُ) : في موضع نصب بتسأموا ، وتسأموا يتعدّى بنفسه ، وقيل بحرف الجر.

و (صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) : حالان من الهاء.

و (إِلى) : متعلّقة بتكتبوه. ويجوز أن تكون حالا من الهاء أيضا.

و (عِنْدَ اللهِ) : ظرف لأقسط.

واللام في قوله : (لِلشَّهادَةِ) ـ يتعلّق بأقوم ، وأفعل يعمل في الظروف وحروف الجر ، وصحّت الواو في «أقوم» كما صحّت في فعل التعجب ، وذلك لجموده وإجرائه مجرى الأسماء الجامدة.

٧٠

(وَأَقْوَمُ) : يجوز أن يكون من أقام المتعدية ، لكنه حذف الهمزة الزائدة ثم أتى بهمزة أفعل ، كقوله تعالى : (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) ؛ فيكون المعنى : أثبت لإقامتكم الشهادة.

ويجوز أن يكون من قام اللازم ؛ ويكون المعنى : ذلك أثبت لقيام الشهادة. وقامت الشهادة : ثبتت.

وألف (أَدْنى) منقلبة عن واو ؛ لأنّه من دنا يدنو.

و (أَلَّا تَرْتابُوا) : في موضع نصب ؛ وتقديره : وأدنى لئلا ترتابوا ، أو إلى أن لا ترتابوا.

(تِجارَةً) : يقرأ بالرفع على أن تكون التامة ، و (حاضِرَةً) صفتها.

ويجوز أن تكون الناقصة ، واسمها تجارة ، وحاضرة صفتها ، و (تُدِيرُونَها) الخبر ، و (بَيْنَكُمْ) : ظرف لتديرونها.

وقرئ بالنصب على أن يكون اسم الفاعل مضمرا فيه ، تقديره : إلا أن تكون المبايعة تجارة ، والجملة المستثناة في موضع نصب ؛ لأنّه استثناء من الجنس ؛ لأنّه أمر بالاستشهاد في كل معاملة ؛ واستثنى منه التجارة الحاضرة ، والتقدير : إلا في حال حضور التجارة.

ودخلت الفاء في : (فَلَيْسَ) إيذانا بتعلّق ما بعدها بما قبلها.

و (أَلَّا تَكْتُبُوها) : تقديره في ألّا تكتبوها ، وقد تقدّم الخلاف في موضعه من الإعراب في غير موضع.

(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ) : فيه وجوه من القراءات قد ذكرت في قوله : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ).

وقرئ هنا بإسكان الراء مع التشديد وهي ضعيفة ؛ لأنّه في التقدير جمع بين ثلاث سواكن إلا أنّ له وجها ؛ وهو أن الألف لمدّها تجري مجرى المتحرك فيبقى ساكنان ، والوقف عليه ممكن ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ، أو يكون وقف عليه وقفة يسيرة ، وقد جاء ذلك في القوافي.

والهاء في : (فَإِنَّهُ) تعود على الإباء أو الإضرار.

و (بِكُمْ) : متعلّق بمحذوف ، تقديره : لاحق بكم.

(وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) : مستأنف لا موضع له.

وقيل : موضعه حال من الفاعل في اتّقوا ، تقديره : واتقوا الله مضمونا التعليم أو الهداية.

ويجوز أن يكون حالا مقدرة.

٢٨٣ ـ (فَرِهانٌ) : خبر مبتدأ محذوف تقديره : فالوثيقة أو التوثّق.

ويقرأ بضم الهاء وسكونها ، وهو جمع رهن ، مثل سقف وسقف ، وأسد وأسد ، والتسكين لثقل الضمة بعد الضمة.

وقيل : رهن جمع رهان ، ورهان جمع رهن ، وقد قرئ به مثل كلب وكلاب ، والرّهن : مصدر في الأصل ، وهو هنا بمعنى مرهون.

(الَّذِي اؤْتُمِنَ) : إذا وقفت على الذي ابتدأت أوتمن ، فالهمزة للوصل ، والواو بدل من الهمزة التي هي فاء الفعل ؛ فإذا وصلت حذفت همزة الوصل ، وأعدت الواو إلى أصلها وهو الهمزة ، وحذفت ياء «الذي» لالتقاء الساكنين ، وقد أبدلت الهمزة ياء ساكنة ؛ وياء الذي محذوفة لما ذكرنا ، وقد قرئ به.

(أَمانَتَهُ) : مفعول يؤدّ لا مصدر اؤتمن ؛ والأمانة بمعنى المؤتمن.

(وَلا تَكْتُمُوا) : الجمهور على التاء للخطاب كصدر الآية.

وقرئ بالياء على الغيبة ؛ لأنّ قبله غيبا ، إلا أن الذي قبله مفرد في اللفظ وهو جنس ؛ فلذلك جاء الضمير مجموعا على المعنى.

(فَإِنَّهُ) : الهاء ضمير من ، ويجوز أن تكون ضمير الشأن.

و (آثِمٌ) : فيه أوجه :

أحدها ـ أنه خبر إن ، و (قَلْبُهُ) مرفوع به.

والثاني ـ كذلك ، إلا أنه قلبه بدل من آثم ، لا على نيّة طرح الأول.

والثالث ـ أن قلبه بدل من الضمير في آثم.

والرابع ـ أنّ قلبه مبتدأ ، وآثم خبر مقدم ، والجملة خبر إن.

وأجاز قوم قلبه بالنصب على التمييز ؛ وهو بعيد ، لأنّه معرفة.

٢٨٤ ـ (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ) : يقرآن بالرفع على الاستئناف ؛ أي فهو يغفر. وبالجزم عطفا على جواب الشرط. وبالنصب عطفا على المعنى بإضمار أن ، تقديره : فأن يغفر ؛ وهذا يسمّى الصّرف ، والتقدير : يكن منه حساب فغفران.

وقرئ في الشاذ بحذف الفاء ، والجزم على أنه بدل من يحاسبكم.

٢٨٥ ـ (وَالْمُؤْمِنُونَ) : معطوف على الرسول ، فيكون الكلام تاما عنده. وقيل المؤمنون مبتدأ ، و (كُلٌّ) مبتدأ ثان ، والتقدير : كلّ منهم ، و (آمَنَ) خبر المبتدأ الثاني ، والجملة خبر الأول.

وأفرد الضمير في آمن ردّا على لفظ كل.

(وَكُتُبِهِ) : يقرأ بغير ألف على الجمع ؛ لأنّ الذي معه جمع.

ويقرأ : وكتابه على الإفراد وهو جنس ؛ ويجوز أن يراد به القرآن وحده.

(وَرُسُلِهِ) : يقرأ بالضم والإسكان ، وقد ذكر وجهه.

(لا نُفَرِّقُ) : تقديره : يقولون ، وهو في موضع الحال ؛ وأضاف (بَيْنَ) إلى أحد ، لأنّ أحدا في معنى الجمع.

(وَقالُوا) : معطوف على آمن.

(غُفْرانَكَ) : أي اغفر غفرانك ، فهو منصوب على المصدر.

وقيل التقدير : نسألك غفرانك.

٢٨٦ ـ (كَسَبَتْ). وفي الثانية (اكْتَسَبَتْ) ؛ قال قوم : لا فرق بينهما ، واحتجّوا بقوله : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها). وقال : (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) ؛ فجعل الكسب في السيئات كما جعله في الحسنات.

وقال آخرون : اكتسب افتعل يدلّ على شدة الكلفة ، وفعل السيئة شديد لما يؤول إليه.

(لا تُؤاخِذْنا) : يقرأ بالهمز والتخفيف ؛ والماضي آخذته ، وهو من الأخذ بالذنب ، وحكي : وأخذته بالواو.

٧١

سورة آل عمران

١ ـ (الم) : قد تقدم الكلام عليها في أول البقرة ، والميم من «ميم» حرّكت لالتقاء الساكنين وهو الميم ولام التعريف في اسم الله ، ولم تحرّك لسكونها وسكون الياء قبلها ، لأنّ جميع هذه الحروف التي على هذا المثال تسكّن إذا لم يلقها ساكن بعدها ، كقوله : لام ميم ذلك الكتاب ، وحم ، وطس ، وق ، وك. وفتحت لوجهين :

أحدهما ـ كثرة استعمال اسم الله بعدها.

والثاني ـ ثقل الكسرة بعد الياء والكسرة ، وأجاز الأخفش كسرها ، وفيه من القبح ما ذكرنا.

وقيل : فتحت لأنّ حركة همزة الله ألقيت عليها. وهذا بعيد ؛ لأنّ همزة الوصل لا حظّ لها في الثبوت في الوصل حتى تلقى حركتها على غيرها.

وقيل : الهمزة في الله همزة قطع ، وإنما حذفت لكثرة الاستعمال ؛ فلذلك ألقيت حركتها على الميم ، لأنّها تستحقّ الثبوت ؛ وهذا يصحّ على قول من جعل أداة التعريف أل.

٢ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) : قد ذكر إعرابه في آية الكرسي.

٣ ـ (نَزَّلَ عَلَيْكَ) : هو خبر آخر ، وما ذكرناه في قوله : (لا تَأْخُذُهُ) فمثله هاهنا. وقرئ : نزل عليك ، بالتخفيف ، و «الكتاب» بالرفع ، وفي الجملة وجهان :

أحدهما ـ هي منقطعة.

والثاني ـ هي متصلة بما قبلها ، والضمير محذوف ، تقديره : من عنده.

و (بِالْحَقِ) : حال من الكتاب.

و (مُصَدِّقاً) : إن شئت جعلته حالا ثانيا ، وإن شئت جعلته بدلا من موضع قوله «بالحق» ، وإن شئت جعلته حالا من الضمير في المجرور.

(التَّوْراةَ) : فوعلة ، من ورى الزّند يرى إذا ظهر منه النار ؛ فكأنّ التوراة ضياء من الضلال ، فأصلها وورية ، فأبدلت الواو الأولى تاء ، كما قالوا تولج ، وأصله وولج ، وأبدلت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.

وقال الفراء : أصلها تورية على تفعلة كتوصية ، ثم أبدل من الكسرة الفتحة ، فانقلبت الياء ألفا ، كما قالوا في ناصية ناصاة ، ويجوز إمالتها لأنّ أصل ألفها ياء.

(وَالْإِنْجِيلَ) : إفعيل من النّجل ، وهو الأصل الذي يتفرع عنه غيره ، ومنه سمّي الولد نجلا ، واستنجل الوادي إذا نزّ ماؤه.

وقيل : هو من السّعة ، من قولهم : نجلت الإهاب إذا شققته ، ومنه عين نجلاء : واسعة الشقّ ؛ فالإنجيل الذي هو كتاب عيسى تضمّن سعة لم تكن لليهود.

وقرأ الحسن «الإنجيل» بفتح الهمزة ، ولا يعرف له نظير ؛ إذ ليس في الكلام أفعيل ، إلا أنّ الحسن ثقة ؛ فيجوز أن يكون سمعها.

٤ ـ و (مِنْ قَبْلُ) : يتعلّق بأنزل ، وبنيت «قبل» لقطعها عن الإضافة ، والأصل من قبل ذلك ، فقبل في حكم بعض الاسم ، وبعض الاسم لا يستحقّ إعرابا.

(هُدىً) : حال من الإنجيل والتوراة ؛ ولم يثنّ ، لأنّه مصدر.

ويجوز أن يكون حالا من الإنجيل ، ودلّ على حال للتوراة محذوفة ، كما يدلّ أحد الخبرين على الآخر. (لِلنَّاسِ) : يجوز أن يكون صفة لهدى ، وأن يكون متعلّقا به.

و (الْفُرْقانَ) : فعلان من الفرق ، وهو مصدر في الأصل ، فيجوز أن يكون بمعنى الفارق أو المفروق ، ويجوز أن يكون التقدير : ذا الفرقان.

(لَهُمْ عَذابٌ) : ابتداء وخبر في موضع خبر إن.

ويجوز أن يرتفع العذاب بالظرف.

٥ ـ (فِي الْأَرْضِ) : يجوز أن يكون صفة لشيء ، وأن يكون متعلّقا بيخفى.

٦ ـ (فِي الْأَرْحامِ) : متعلقة بيصوّر.

ويجوز أن يكون حالا من الكاف والميم ؛ أي يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ.

(كَيْفَ يَشاءُ) : كيف في موضع نصب بيشاء ، وهو حال ، والمفعول محذوف ، تقديره : يشاء تصويركم.

وقيل : كيف ظرف ليشاء ، وموضع الجملة حال. تقديره : يصوّركم على مشيئته ؛ أي مريدا ؛ فعلى هذا يكون حالا من ضمير اسم الله.

ويجوز أن تكون حالا من الكاف والميم ؛ أي يصوّركم متقلّبين على مشيئته.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) : هو مثل قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ).

٧ ـ (مِنْهُ آياتٌ) : الجملة في موضع نصب على الحال من الكتاب.

ولك أن ترفع آيات بالظرف ؛ لأنّه قد اعتمد ، ولك أن ترفعه بالابتداء والظرف خبره.

(هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) : في موضع رفع صفة لآيات ؛ وإنما أفرد «أمّ» وهو خبر عن جمع ؛ لأنّ المعنى أن جميع الآيات بمنزلة آية واحدة ، فأفرد على المعنى.

ويجوز أن يكون أفرد في موضع الجمع على ما ذكرنا في قوله : (وَعَلى سَمْعِهِمْ).

ويجوز أن يكون المعنى كل منهن أمّ الكتاب ؛ كما قال الله تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ) ؛ أي فاجلدوا كلّ واحد منهم.

(وَأُخَرُ) : معطوف على آيات.

و (مُتَشابِهاتٌ) : نعت لأخر.

فإن قيل : واحدة متشابهات متشابهة ، وواحدة أخر أخرى ، والواحد هنا لا يصحّ أن يوصف بهذا الواحد ، فلا يقال أخرى متشابهة ، إلا أن يكون بعض الواحدة يشبه بعضا ؛ وليس المعنى على ذلك ؛ وإنما المعنى أنّ كلّ آية تشبه آية أخرى ، فكيف صحّ وصف هذا الجمع بهذا الجمع ، ولم يوصف مفرده بمفرده.

٧٢

قيل : التّشابه لا يكون إلا بين اثنين فصاعدا ؛ فإذا اجتمعت الأشياء المتشابهة كان كلّ منهما مشابها للآخر ، فلما لم يصح التشابه إلا في حالة الاجتماع وصف الجمع بالجمع ؛ لأنّ كلّ واحد من مفرداته يشابه باقيها ؛ فأما الواحد فلا يصحّ فيه هذا المعنى.

ونظيره قوله تعالى : (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) ؛ فثنّى الضمير وإن كان لا يقال في الواحد يقتتل.

(ما تَشابَهَ مِنْهُ) : ما بمعنى الذي ، و «منه» حال من ضمير الفاعل ، والهاء تعود على الكتاب.

(ابْتِغاءَ) : مفعول له.

و «التأويل» : مصدر أوّل يؤوّل ، وأصله من آل يؤول ، إذا انتهى نهايته.

(وَالرَّاسِخُونَ) : معطوف على اسم الله.

والمعنى أنهم يعلمون تأويله أيضا.

و (يَقُولُونَ) : في موضع نصب على الحال.

وقيل : الراسخون مبتدأ ، ويقولون الخبر.

والمعنى : أن الراسخين لا يعلمون تأويله ، بل يؤمنون به.

(كُلٌ) : مبتدأ ؛ أي كلّه ، أو كل منه.

و (مِنْ عِنْدِ) : الخبر ، وموضع (آمَنَّا) ، (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) نصب بيقولون.

٨ ـ (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) : الجمهور على ضمّ التاء ونصب القلوب ؛ يقال زاغ القلب وأزاغه الله.

وقري بفتح التاء ورفع القلوب على نسبة الفعل إليها.

و (إِذْ هَدَيْتَنا) : ليس بظرف ؛ لأنّه أضيف إليه بعد.

(مِنْ لَدُنْكَ) : لدن مبنية على السكون ، وهي مضافة لأنّ علّة بنائها موجودة بعد الإضافة ، والحكم يتبع العلة ، وتلك العلّة أنّ لدن بمعنى «عند» الملاصقة للشيء ، فعند إذا ذكرت لم تختص بالمقاربة ، ولدن عند مخصوص ؛ فقد صار فيها معنى لا يدّلّ عليه الظرف ؛ بل هو من قبيل ما يفيده الحرف ، فصارت كأنها متضّمنة للحرف الذي كان ينبغي أن يوضع دليلا على القرب ؛ ومثله ثمّ وهنا ؛ لأنّهما بنيا لمّا تضمّنا حرف الإشارة.

وفيها لغات هذه إحداها ، وهي فتح اللام وضمّ الدال وسكون النون.

والثانية ـ كذلك ، إلا أن الدال ساكنة ، وذلك تخفيف كما خفّف عضد. والثالثة ـ بضمّ اللام وسكون الدال.

والرابعة ـ لدى.

والخامسة ـ لد ـ بفتح اللام وضمّ الدال من غير نون.

والسادسة ـ بفتح اللام وإسكان الدال ، ولا شيء بعد الدال.

٩ ـ (جامِعُ النَّاسِ) : الإضافة غير محضة ، لأنّه مستقبل. والتقدير : جامع الناس.

(لِيَوْمٍ) : تقديره : لعرض يوم ، أو حساب يوم.

وقيل اللام بمعنى في ؛ أي في يوم.

والهاء في «فيه» : تعود على اليوم ؛ وإن شئت على الجمع ، وإن شئت على الحساب أو العرض.

و (لا رَيْبَ) : في موضع جر صفة ليوم.

(إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ) : أعاد ذكر الله مظهرا تفخيما ، ولو قال : إنك لا تخلف كان مستقيما.

ويجوز أن يكون مستأنفا وليس محكيّا عمّن تقدم.

و (الْمِيعادَ) : مفعال ، من الوعد ، قلبت واوه ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.

١٠ ـ (لَنْ تُغْنِيَ) : الجمهور على التاء لتأنيث الفاعل ، ويقرأ بالياء ؛ لأنّ تأنيث الفاعل غير حقيقي ، وقد فصل بينهما أيضا.

(مِنَ اللهِ) : في موضع نصب ، لأنّ التقدير : من عذاب الله. والمعنى : لن تدفع الأموال عنهم عذاب الله.

و (شَيْئاً) : على هذا في موضع المصدر ، تقديره : غنى.

ويجوز أن يكون شيئا مفعولا به على المعنى ؛ لأنّ معنى تغني عنهم تدفع ؛ ويكون «من الله» صفة لشيء في الأصل قدّم فصار حالا ؛ والتقدير : لن تدفع عنهم الأموال شيئا من عذاب الله.

والوقود ـ بالفتح : الحطب. وبالضم : التوقّد.

وقيل : هما لغتان بمعنى.

١١ ـ (كَدَأْبِ) : الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف ؛ وفي ذلك المحذوف أقوال :

أحدها ـ تقديره : كفروا كفرا كعادة آل فرعون ، وليس الفعل المقدّر هاهنا هو الذي في صلة الذين ؛ لأنّ الفعل قد انقطع تعلّقه بالكاف لأجل استيفاء الذين خبره ، ولكن بفعل دلّ عليه «كفروا» التي هي صلة. والثاني ـ تقديره : عذبوا عذابا كدأب آل فرعون ، ودلّ عليه أولئك هم وقود النار.

والثالث ـ تقديره : بطل انتفاعهم بالأموال والأولاد كعادة آل فرعون.

والرابع ـ تقديره : كذّبوا تكذيبا كداب آل فرعون ؛ فعلى هذا يكون الضمير في كذّبوا لهم ، وفي ذلك تخويف لهم لعلمهم بما حلّ بآل فرعون ، وفي أخذه لآل فرعون.

(وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : على هذا في موضع جرّ عطفا على آل فرعون.

وقيل : الكاف في موضع رفع خبر ابتداء محذوف ، تقديره : دأبهم في ذلك مثل دأب آل فرعون ؛ فعلى هذا يجوز في (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وجهان :

أحدهما ـ هو جرّه بالعطف أيضا ، وكذّبوا في موضع الحال و «قد» معه مرادة. ويجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له ، ذكر لشرح حالهم.

والوجه الآخر ـ أن يكون الكلام تمّ على فرعون ، والذين من قبلهم مبتدأ ، و (كَذَّبُوا) خبره.

و (شَدِيدُ الْعِقابِ) : تقديره : شديد عقابه ؛ فالإضافة غير محضة.

وقيل : شديد هنا بمعنى مشدد ؛ فيكون على هذا من إضافة اسم الفاعل إلى المفعول ، وقد جاء فعيل بمعنى مفعل ومفعل.

١٢ ـ (سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ) : يقرآن بالتاء على الخطاب ؛ أي واجههم بذلك. وبالياء ، تقديره : أخبرهم بأحوالهم ؛ فإنهم سيغلبون ويحشرون.

(وَبِئْسَ الْمِهادُ) : أي جهنّم ، فحذف المخصوص بالذم.

١٣ ـ (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) : آية اسم كان ؛ ولم يؤنّث ، لأنّ التأنيث غير حقيقي ، ولأنّه فصل ؛ ولأنّ الآية والدليل بمعنى. وفي الخبر وجهان :

أحدهما ـ «لكم» ، و (فِي فِئَتَيْنِ) : نعت لآية.

والثاني ـ أنّ الخبر «في فئتين» ، ولكم متعلّق بكان.

ويجوز أن يكون لكم في موضع نصب على الحال على أن يكون صفة لآية ؛ أي آية كائنة لكم ، فيتعلّق بمحذوف.

و (الْتَقَتا) : في موضع جرّ نعتا لفئتين.

و (فِئَةٌ) : خبر مبتدأ محذوف ؛ أي إحداهما فئة.

(وَأُخْرى) : نعت لمبتدأ محذوف ، تقديره : وفئة أخرى «كافرة».

٧٣

فإن قيل : إذا قررت في الأول إحداهما مبتدأ كان القياس أن يكون والأخرى ؛ أي والأخرى فئة كافرة.

قيل : لما علم أنّ التفريق هنا لنفس المثنى المقدّم ذكره كان التعريف والتنكير واحدا.

ويقرأ في الشاذ «فئة تقاتل ، وأخرى كافرة» بالجر فيهما على أنه بدل من فئتين.

ويقرأ أيضا بالنصب فيهما على أن يكون حالا من الضمير في التقتا ؛ تقديره : التقتا مؤمنة وكافرة.

وفئة وأخرى على هذا للحال.

وقيل : فئة ، وما عطف عليها على قراءة من رفع بدل من الضمير في التقتا.

(تَرَوْنَهُمْ) : يقرأ بالتاء مفتوحة ، وهو من رؤية العين.

و (مِثْلَيْهِمْ) : حال ؛ و (رَأْيَ الْعَيْنِ) : مصدر مؤكد.

ويقرأ في الشاذ «ترونهم» ـ بضم التاء على ما لم يسمّ فاعله ، وهو من أري إذا دلّه غيره عليه ؛ كقولك ، أريتك هذا الثوب.

ويقرأ في المشهور بالياء على الغيبة.

فأما القراءة بالتاء فلأنّ أول الآية خطاب ، وموضع الجملة على هذا يجوز أن يكون نعتا صفة لفئتين ؛ لأنّ فيها ضميرا يرجع عليهما.

ويجوز أن يكون حالا من الكاف في لكم.

وأما القراءة بالياء فيجوز أن يكون في معنى التاء ، إلا أنه رجع من الخطاب إلى الغيبة ؛ والمعنى واحد ، وقد ذكر نحوه.

ويجوز أن يكون مستأنفا ؛ ولا يجوز أن يكون من رؤية القلب على كلّ الأقوال لوجهين :

أحدهما ـ قوله : رأي العين.

والثاني ـ أن رؤية القلب علم ، ومحال أن يعلم الشيء شيئين.

(يُؤَيِّدُ) : يقرأ بالهمز على الأصل وبالتخفيف ؛ وتخفيف الهمزة هنا جعلها واوا خالصة لأجل الضمة قبلها ، ولا يصحّ أن تجعل بين بين ، لقربها من الألف ، ولا يكون ما قبل الألف إلا مفتوحا ؛ ولذلك لم تجعل الهمزة المبدوء بها بين بين لاستحالة الابتداء بالألف.

١٤ ـ (زُيِّنَ) : الجمهور على ضمّ الزاي ، ورفع (حُبُّ).

ويقرأ بالفتح ونصب حبّ ، تقديره : زيّن للناس الشيطان ، على ما جاء صريحا في الآية الأخرى ، وحركت الهاء في (الشَّهَواتِ) لأنّها اسم غير صفة.

(مِنَ النِّساءِ) : في موضع الحال من الشهوات.

والنون في القنطار أصل ، ووزنه فعلال مثل حملاق.

وقيل : هي زائدة ، واشتقاقه من قطر يقطر إذا جرى.

والذهب والفضة يشبّهان بالماء في الكثير وسرعة التقلب.

و (مِنَ الذَّهَبِ) : في موضع الحال من المقنطرة.

(وَالْخَيْلِ) : معطوف على النساء ، لا على الذهب والفضة ؛ لأنّها لا تسمى قنطارا.

وواحد الخيل خائل ، وهو مشتقّ من الخيلاء ، مثل طير وطائر. وقال قوم : لا واحد له من لفظه ، بل هو اسم للجمع ، والواحد فرس ، ولفظه لفظ المصدر.

ويجوز أن يكون مخففا من خيل.

ولم يجمع (الْحَرْثِ) ، لأنّه مصدر بمعنى المفعول ؛ وأكثر الناس على أنه لا يجوز إدغام الثاء في الذال هنا لئلا يجمع بين ساكنين ؛ لأنّ الراء ساكنة ، فأما الإدغام في قوله : (يَلْهَثْ ذلِكَ) فجائز.

و (الْمَآبِ) : مفعل ، من آب يؤوب ، والأصل مأوب ، فلما تحرّكت الواو وانفتح ما قبلها في الأصل ، وهو آب ، قلبت ألفا.

١٥ ـ (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ) : يقرأ بتحقيق الهمزتين على الأصل ، وتقلب الثانية واوا خالصة لانضمامها ؛ وتليينها ؛ وهو جعلها بين الواو والهمزة ؛ وسوّغ ذلك انفتاح ما قبلها.

(بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) : «من» في موضع نصب بخير ؛ تقديره : بما يفضل من ذلك ، ولا يجوز أن يكون صفة لخير ؛ لأنّ ذلك يوجب أن تكون الجنة وما فيها مما رغبوا فيه بعضا لما زهدوا فيه من الأموال ونحوها.

(لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) : خبر المبتدأ الذي هو (جَنَّاتٌ). و (تَجْرِي) : صفة لها.

و (عِنْدَ رَبِّهِمْ) : يحتمل وجهين :

أحدهما ـ أن يكون ظرفا للاستقرار.

والثاني ـ أن يكون صفة للجنات في الأصل قدّم فانتصب على الحال ، ويجوز أن يكون العامل تجري.

و (مِنْ تَحْتِهَا) : متعلّق بتجري.

ويجوز أن يكون حالا من (الْأَنْهارُ) ؛ أي تجري الأنهار كائنة تحتها.

ويقرأ : جنات ـ بكسر التاء ، وفيه وجهان :

أحدهما ـ هو مجرور بدلا من خير ، فيكون للذين اتقوا على هذا صفة لخير.

والثاني ـ أن يكون مصوبا على إضمار أعنى ، أو بدلا من موضع بخير.

ويجوز أن يكون الرفع على خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هو جنات ؛ ومثله : (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ). ويذكر في موضعه إن شاء الله تعالى.

و (خالِدِينَ فِيها) : حال إن شئت من الهاء في تحتها ، وإن شئت من الضمير في اتقوا ، والعامل الاستقرار ، وهي حال مقدرة.

(وَأَزْواجٌ) : معطوف على جنات بالرفع.

فأمّا على القراءة الأخرى فيكون مبتدأ وخبره.

محذوف ، تقديره : ولهم أزواج.

٧٤

(وَرِضْوانٌ) : يقرأ بكسر الراء وضمّها ، وهما لغتان ؛ وهو مصدر ؛ ونظير الكسر الإتيان والحرمان ، ونظير الضمّ الشّكران والكفران.

١٦ ـ (الَّذِينَ يَقُولُونَ) : يجوز أن يكون في موضع جرّ صفة للذين اتقوا ، أو بدلا منه.

ويضعف أن يكون صفة للعباد ؛ لأنّ فيه تخصيصا لعلم الله ، وهو جائز على ضعفه ؛ ويكون الوجه فيه إعلامهم بأنه عالم بمقدار مشقّتهم في العبادة ؛ فهو يجازيهم عليها ؛ كما قال : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ).

ويجوز أن يكون في موضع نصب على تقدير أعني ، وأن يكون في موضع رفع على إضمارهم.

١٧ ـ (الصَّابِرِينَ) : وما بعده يجوز أن يكون مجرورا ، وأن يكون منصوبا صفة للذين إذا جعلته في موضع جرّ أو نصب ؛ وإن جعلت الذين رفعا نصبت الصابرين بأعني.

فإن قيل : لم دخلت الواو في هذه وكلّها لقبيل واحد؟

ففيه جوابان :

أحدهما ـ أنّ الصفات إذا تكررت جاز أن يعطف بعضها على بعض بالواو ، وإن كان الموصوف بها واحدا ، ودخول الواو في مثل هذا الضّرب تفخيم ؛ لأنّه يؤذن بأن كلّ صفة مستقلّة بالمدح.

والجواب الثاني ـ أن هذه الصفات متفرقة فيهم ؛ فبعضهم صابر ، وبعضهم صادق ، فالموصوف بها متعدّد.

١٨ ـ (شَهِدَ اللهُ) : الجمهور على أنه فعل وفاعل.

ويقرأ «شهداء لله» : جمع شهيد ، أو شاهد ، بفتح الهمزة ، وزيادة لام مع اسم الله ، وهو حال من يستغفرون.

ويقرأ كذلك إلا أنه مرفوع على تقدير : هم شهداء.

ويقرأ «شهداء الله» ـ بالرفع والإضافة.

و (أَنَّهُ) : أي بأنه في موضع نصب ، أو جرّ ، على ما ذكرنا من الخلاف في غير موضع.

(قائِماً) : حال من هو ، والعامل فيه معنى الجملة ؛ أي يفرد قائما.

وقيل : هو حال من اسم الله ؛ أي شهد لنفسه بالوحدانية ؛ وهي حالّ مؤكدة على الوجهين.

وقرأ ابن مسعود : القائم ، على أنه بدل ، أو خبر مبتدأ محذوف.

(الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) : مثل الرحمن الرحيم في قوله : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ). وقد ذكر.

١٩ ـ (إِنَّ الدِّينَ) : الجمهور على كسر الهمزة على الاستئناف.

ويقرأ بالفتح على أنّ الجملة مصدر ، وموضعه جرّ ، بدلا من أنّه لا إله إلا هو ؛ أي شهد الله بوحدانيته بأنّ الدّين.

وقيل : هو بدل من القسط.

وقيل : هو في موضع نصب بدلا من الموضع.

والبدل على الوجوه كلّها بدل الشيء من الشيء ، وهو هو.

ويجوز بدل الاشتمال.

(عِنْدَ اللهِ) : ظرف ، العامل فيه الدين ، وليس بحال منه ، لأنّ إنّ لا تعمل في الحال.

(بَغْياً) : مفعول من أجله ؛ والتقدير : اختلفوا بعد ما جاءهم العلم للبغي.

ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال.

(وَمَنْ يَكْفُرْ) : «من» مبتدأ ، والخبر يكفر.

وقيل : الجملة من الشرط والجزاء هي الخبر.

وقيل : الخبر هو الجواب ؛ والتقدير : سريع الحساب له.

٢٠ ـ (وَمَنِ اتَّبَعَنِي) : «من» في موضع رفع عطفا على التاء في أسلمت ؛ أي وأسلم من اتبعني وجوههم لله.

وقيل : هو مبتدأ والخبر محذوف ؛ أي كذلك.

ويجوز إثبات الياء على الأصل ، وحذفها ؛ تشبيها له برؤوس الآي والقوافي ، كقول الأعشى :

فهل يمنعنّي ارتيادي البلا

دمن حذر الموت أن يأتين

وهو كثير في كلامهم.

(أَأَسْلَمْتُمْ) : هو في معنى الأمر ؛ أي أسلموا ، كقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ؛ أي انتهوا.

٢١ ـ (فَبَشِّرْهُمْ) : هو خبر إنّ ، ودخلت الفاء فيه حيث كانت صلة الذي فعلا ، وذلك مؤذن باستحقاق البشارة بالعذاب جزاء على الكفر. ولا تمنع إنّ من دخول الفاء في الخبر ؛ لأنّها لم تغيّر معنى الابتداء ، بل أكّدته ؛ فلو دخلت على الذي «كأن» ، أو «ليت» لم يجز دخول الفاء في الخبر. ويقرأ : «ويقاتلون النبيين» ؛ ويقتلون هو المشهور ؛ ومعناهما متقارب.

٢٣ ـ (يُدْعَوْنَ) : في موضع حال من الذين.

(وَهُمْ مُعْرِضُونَ) : في موضع رفع صفة لفريق ؛ أو حالا من الضمير في الجار. وقد ذكرنا ذلك في قوله : (أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

٢٤ ـ (ذلِكَ) : هو خبر مبتدأ محذوف ؛ أي ذلك الأمر ذلك ؛ فعلى هذا يكون قوله : (بِأَنَّهُمْ قالُوا) في موضع نصب على الحال مما في «ذا» من معنى الإشارة ؛ أي ذلك الأمر مستحقا بقولهم. وهذا ضعيف.

والجيّد أن يكون ذلك مبتدأ ، وبأنهم خبره ؛ أي ذلك العذاب مستحقّ بقولهم.

٢٥ ـ (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ) : كيف في موضع نصب على الحال ، والعامل فيه محذوف ، تقديره : كيف يصنعون ، أو كيف يكونون.

وقيل : كيف ظرف لهذا المحذوف ، وإذا ظرف للمحذوف أيضا.

٢٦ ـ (قُلِ اللهُمَ) : الميم المشدّدة عوض من ياء.

وقال الفراء : الأصل يا الله أمّنا بخير ، وهو مذهب ضعيف ؛ وموضع بيان ضعفه في غير هذا الموضع.

(مالِكَ الْمُلْكِ) : هو نداء ثان ؛ أي يا مالك الملك.

٧٥

ولا يجوز أن يكون صفة عند سيبويه على الموضع ؛ لأنّ الميم في آخر المنادى تمنع من ذلك عنده.

وأجاز المبرد والزجاج أن يكون صفة.

(تُؤْتِي الْمُلْكَ) : هو وما بعده من المعطوفات خبر مبتدأ محذوف ، أي أنت.

وقيل هو مستأنف.

وقيل : الجملة في موضع الحال من المنادى ؛ وانتصاب الحال على المنادى مختلف فيه ؛ والتقدير : من يشاء إتيانه إياه ، ومن يشاء انتزاعه منه.

(بِيَدِكَ الْخَيْرُ) : مستأنف.

وقيل : حكمه حكم ما قبله من الجمل.

٢٧ ـ (الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) : يقرأ بالتخفيف والتشديد ، وقد ذكرناه في قوله : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ).

(بِغَيْرِ حِسابٍ) : يجوز أن يكون حالا من المفعول المحذوف ؛ أي ترزق من تشاؤه غير محاسب.

ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل ؛ أي تشاء غير محاسب له ، أو غير مضيّق له.

ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، أو مفعول محذوف ؛ أي رزقا غير قليل.

٢٨ ـ (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ) : هو نهي. وأجاز الكسائي فيه الرفع على الخبر ، والمعنى لا ينبغي.

(مِنْ دُونِ) : في موضع نصب صفة لأولياء. (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) : التقدير : فليس في شيء من دين الله ؛ فمن الله في موضع نصب على الحال ؛ لأنّه صفة للنكرة قدّمت عليها.

(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) : هذا رجوع من الغيبة إلى الخطاب ، وموضع «أن تتّقوا» نصب ؛ لأنّه مفعول من أجله.

وأصل (تُقاةً) وقية ، فأبدلت الواو تاء لانضمامها ضمّا لازما مثل تجاه ، وأبدلت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ؛ وانتصابها على الحال.

ويقرأ تقيّة ؛ ووزنها فعيلة ؛ والياء بدل من الواو أيضا.

(وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ؛ أي عقاب نفسه ، كذا قال الزجاج.

وقال غيره : لا حذف هنا.

٢٩ ـ (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ) : هو مستأنف ؛ وليس من جواب الشرط ؛ لأنّه يعلم ما فيها على الإطلاق.

٣٠ ـ (يَوْمَ تَجِدُ) : يوم هنا مفعول به ؛ أي اذكر.

وقيل : هو ظرف والعامل فيه «قدير».

وقيل : العامل فيه (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ).

وقيل : العامل فيه : (وَيُحَذِّرُكُمُ) ؛ أو يحذركم الله عقابه يوم تجد ؛ فالعامل فيه العقاب لا التحذير.

(ما عَمِلَتْ) : ما فيه بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، وموضعه نصب مفعول أوّل ، و (مُحْضَراً) : المفعول الثاني ، هكذا ذكروا. والأشبه أن يكون محضرا حالا وتجد المتعدية إلى مفعول واحد.

(وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) : فيه وجهان :

أحدهما ـ هي بمعنى الذي أيضا معطوفة على الأولى ؛ والتقدير : وما عملت من سوء محضرا أيضا.

و (تَوَدُّ) على هذا في موضع نصب على الحال ، والعامل تجد.

والثاني ـ أنها شرط ، وارتفع تودّ على أنه أراد الفاء. أي فهي تودّ.

ويجوز أن يرتفع من غير تقدير حذف ؛ لأنّ الشرط هنا ماض. وإذا لم يظهر في الشرط لفظ الجزم جاز في الجزاء الجزم والرفع.

٣٢ ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا) : يجوز أن يكون خطابا ، فتكون التاء محذوفة ؛ أي فإن تتولّوا ؛ وهو خطاب كالذي قبله.

ويجوز أن يكون للغيبة ، فيكون لفظه لفظ الماضي.

٣٤ ـ (ذُرِّيَّةً) : قد ذكرنا وزنها وما فيها من القراءات ، فأما نصبها فعلى البدل من نوح وما عطف عليه من الأسماء.

ولا يجوز أن يكون بدلا من آدم ؛ لأنّه ليس بذريّة.

ويجوز أن يكون حالا منهم أيضا ، والعامل فيها اصطفى.

٧٦

(بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) : مبتدأ وخبر في موضع نصب صفة لذرّيّة.

٣٥ ـ (إِذْ قالَتِ) : قيل تقديره اذكر.

وقيل : هو ظرف لعليم.

وقيل العامل فيه اصطفى المقدّرة مع آل عمران.

(مُحَرَّراً) : حال من «ما» ، وهي بمعنى الذي ؛ لأنّه لم يصر ممّن يعقل بعد.

وقيل : هو صفة لموصوف محذوف ؛ أي غلاما محرّرا ، وإنما قدّروا غلاما ، لأنّهم كانوا لا يجعلون لبيت المقدس إلا الرجال.

٣٦ ـ (وَضَعْتُها أُنْثى) : أنثى حال من الهاء ، أو بدل منها.

(بِما وَضَعَتْ) : يقرأ بفتح العين وسكون التاء على أنه ليس من كلامها ، بل معترض ؛ وجاز ذلك لما فيه من تعظيم الربّ تعالى.

ويقرأ بسكون العين وضمّ التاء ، على أنه من كلامها.

والأوّل أقوى ؛ لأنّ الوجه في مثل هذا أن يقال : وأنت أعلم بما وضعت.

ووجه جوازه أنها وضعت الظاهر موضع المضمر تفخيما.

ويقرأ بسكون العين وكسر التاء ، كأنّ قائلا قال لها ذلك.

(سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) : هذا الفعل مما يتعدّى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه وتارة بحرف الجر ، تقول العرب : سميتك زيدا ، وبزيد.

٣٧ ـ (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) : هو هنا مصدر على غير لفظ الفعل المذكور وهو نائب عن إنبات.

وقيل : التقدير فنبتت نباتا ، والنبت والنبات بمعنى ؛ وقد يعبّر بهما عن النابت.

وتقبّلها : أي قبلها.

ويقرأ على لفظ الدعاء في : تقبّلها وأنبتها وكفلها ؛ وربّها بالنصب ؛ أي يا ربّها ، و (زَكَرِيَّا) : المفعول الثاني.

ويقرأ في المشهور كفلها ـ بفتح الفاء.

وقرئ أيضا بكسرها ، وهي لغة ، يقال كفل يكفل ، مثل علم يعلم.

ويقرأ بتشديد الفاء ، والفاعل الله ، وزكريّا المفعول.

وهمزة زكرياء للتأنيث ؛ إذ ليست منقلبة ولا زائدة للتكثير ولا للإلحاق.

وفيه أربع لغات : هذه إحداها. والثانية القصر. والثالثة زكريّ ـ بياء مشدّدة من غير ألف.

والرابعة زكر بغير ياء. (كُلَّما) : قد ذكرنا إعرابه أوّل البقرة.

و (الْمِحْرابَ) : مفعول دخل ، وحقّ «دخل» أن يتعدّى بفي أو بإلى ، لكنه اتّسع فيه فأوصل بنفسه إلى المفعول.

و (عِنْدَها) : يجوز أن يكون ظرفا لوجد ، وأن يكون حالا من الرّزق ، وهو صفة له في الأصل ؛ أي رزقا كائنا عندها.

و (وَجَدَ) المتعدي إلى مفعول واحد ، وهو جواب كلّما.

وأما (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ) فهو مستأنف ؛ فلذلك لم يعطفه بالفاء ؛ ولذلك (قالَتْ : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ).

ولا يجوز أن يكون قال بدلا من وجد ؛ لأنّه ليس في معناه.

ويجوز أن يكون التقدير : فقال ، فحذف الفاء كما حذفت في جواب الشرط ؛ كقوله : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ) ؛ وكذلك قول الشاعر :

من يفعل الحسنات الله يشكرها وهذا الموضع يشبه جواب الشرط ؛ لأنّ «كلما» تشبه الشرط في اقتضائها الجواب.

(هذا) : مبتدأ ، وأنّى خبره ؛ والتقدير من أين. و «لك» : تبيين.

ويجوز أن يرتفع هذا بلك ، وأنّى ظرف للاستقرار.

٣٨ ـ (هُنالِكَ) : أكثر ما يقع هنا ظرف مكان ، وهو أصلها ، وقد وقعت هنا زمانا ، فهي في ذلك كعند ؛ فإنك تجعلها زمانا وأصلها المكان ؛ كقولك : أتيتك عند طلوع الشمس.

وقيل : هنا مكان ؛ أي في ذلك المكان دعا زكريا.

والكاف حرف للخطاب ، وبها تصير هنا للمكان البعيد عنك ، ودخلت اللام لزيادة البعد ، وكسرت على أصل التقاء الساكنين هي والألف قبلها.

وقيل : كسرت لئلا تلتبس بلام الملك. وإذا حذفت الكاف فقلت «هنا» كان للمكان الحاضر ؛ والعامل في هنا (دَعا).

(قالَ) : مثل قال : «أنّي لك».

(مِنْ لَدُنْكَ) : يجوز أن يتعلّق بهب لي ؛ فيكون «من» لابتداء غاية الهبة. ويجوز أن يكون في الأصل صفة ل (ذُرِّيَّةً) قدّمت فانتصبت على الحال.

و (سَمِيعُ) : بمعنى سامع.

٣٩ ـ (فَنادَتْهُ) : الجمهور على إثبات تاء التأنيث ؛ لأنّ الملائكة جماعة.

وكره قوم التاء ، لأنّها للتأنيث ؛ وقد زعمت الجاهلية أنّ الملائكة إناث ؛ فلذلك قرأ من قرأ فناداه بغير تاء ؛ والقراءة به جيّدة ؛ لأنّ الملائكة جمع ؛ وما اعتلّوا به ليس بشيء ، لأنّ الإجماع على إثبات التاء في قوله : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ).

(وَهُوَ قائِمٌ) : حال من الهاء في نادته.

(يُصَلِّي) : حال من الضمير في قائم.

ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لقائم.

(أَنَّ اللهَ) : يقرأ بفتح الهمزة ؛ أي بأن الله.

وبكسرها : أي : قالت إن الله ؛ لأنّ النداء قول.

(يُبَشِّرُكَ) : الجمهور على التشديد.

ويقرأ بفتح الياء وضم الشين مخفّفا ؛ وبضم الياء وكسر الشين مخفّفا أيضا ؛ يقال : بشرته وبشّرته وأبشرته ؛ ومنه قوله : (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ).

(يحيى) : اسم أعجمي ؛ وقيل : سمّي بالفعل الذي ماضيه حيي.

(مُصَدِّقاً) : حال منه.

٧٧

(وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا) : كذلك.

٤٠ ـ (غُلامٌ) : اسم يكون ، ولي خبره.

ويجوز أن يكون فاعل يكون على أنها تامة ؛ فيكون لي متعلّقا بها ، أو حالا من «غلام» ؛ أي «أنّى» يحدث غلام لي؟

وأنى بمعنى كيف ، أو من أين؟

(بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) : وفي موضع آخر : (بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ). والمعنى واحد ؛ لأنّ ما بلغك فقد بلغته.

(عاقِرٌ) : أي ذات عقر ؛ فهو على النّسب ؛ وهو في المعنى مفعول ؛ أي معقورة ؛ ولذلك لم تلحق تاء التأنيث.

(كَذلِكَ) : في موضع نصب ؛ أي يفعل ما يشاء فعلا كذلك.

٤١ ـ (اجْعَلْ لِي آيَةً) : أي صيّر لي ؛ فآية مفعول أوّل ، ولي مفعول ثان.

(آيَتُكَ) : مبتدأ ، و (أَلَّا تُكَلِّمَ) خبره ؛ وإن كان قد قرئ تكلم بالرفع فهو جائز على تقدير : أنك لا تكلم ؛ كقوله : (أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً).

(إِلَّا رَمْزاً) : استثناء من غير الجنس ؛ لأنّ الإشارة ليست كلاما.

والجمهور على فتح الراء وإسكان الميم ، وهو مصدر رمز.

ويقرأ بضمّها ، وهو جمع رمزة ـ بضمتين ، وأقرّ ذلك في الجمع.

ويجوز أن يكون مسكّن الميم في الأصل ؛ وإنما أتبع الضم الضم.

ويجوز أن يكون مصدرا غير جمع ، وضم اتباعا كاليسر واليسر.

(كَثِيراً) : أي ذكرا كثيرا.

و (العشيّ) : مفرد : وقيل : جمع عشية.

(وَالْإِبْكارِ) : مصدر ، والتقدير : ووقت الإبكار ؛ يقال : أبكر إذا دخل في البكرة.

٤٢ ـ (وَإِذْ قالَتِ) : تقديره : واذكر إذ قالت. وإن شئت كان معطوفا على : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ).

والأصل في اصطفى اصتفى ، ثم أبدلت التاء طاء لتوافق الصاد في الإطباق.

وكرّر اصطفى إما توكيدا ، وإما ليبين من اصطفاها عليهم.

٤٤ ـ (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) : يجوز أن يكون التقدير الأمر ذلك ؛ فعلى هذا يكون (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) حال من ذا.

ويجوز أن يكون ذلك مبتدأ ، ومن أنباء خبره.

ويجوز أن يكون (نُوحِيهِ) خبر ذلك ، ومن أنباء حالا من الهاء في نوحيه.

ويجوز أن يكون متعلقا بنوحيه ؛ أي الإيحاء مبدوء به من أنباء الغيب.

(إِذْ يُلْقُونَ) : ظرف لكان. ويجوز أن يكون ظرفا للاستقرار الذي تعلّق به لديهم.

والأقلام : جمع قلم ، والقلم بمعنى المقلوم ؛ أي المقطوع ؛ كالنّقض بمعنى المنقوض ، والقبض بمعنى المقبوض.

(أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) : مبتدأ وخبر في موضع نصب ؛ أي يقترعون أيّهم ، فالعامل فيه ما دلّ عليه «يلقون».

و (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) : مثل : «إذ يلقون».

ويختصمون بمعنى اختصموا ، وكذلك يلقون ؛ أي ألقوا. ويجوز أن يكون حكى الحال.

٤٥ ـ (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) : إذ بدل من إذ التي قبلها.

ويجوز أن يكون ظرفا ليختصمون.

ويجوز أن يكون التقدير اذكر. (مِنْهُ) : في موضع جرّ صفة للكلمة ، ومن هنا لابتداء الغاية.

(اسْمُهُ) : مبتدأ ، و (الْمَسِيحُ) خبره ، و (عِيسَى) بدل منه ، أو عطف بيان.

ولا يجوز أن يكون خبرا آخر ؛ لأنّ تعدّد الأخبار يوجب تعدّد المبتدأ. والمبتدأ هنا مفرد ، وهو قوله : اسمه ، ولو كان عيسى خبرا آخر لكان أسماؤه أو أسماؤها على تأنيث الكلمة ، والجملة صفة لكلمة.

و (ابْنُ مَرْيَمَ) : خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هو ابن ولا يجوز أن يكون بدلا مما قبله ولا صفة ؛ لأنّ ابن مريم ليس باسم ؛ ألا ترى أنك لا تقول : اسم هذا الرجل ابن عمرو إلا إذا كان قد علق علما عليه.

وإنما ذكّر الضمير في اسمه على معنى الكلمة ؛ لأنّ المراد يبشّرك بمكوّن ، أو مخلوق.

(وَجِيهاً) ـ (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) ـ (وَيُكَلِّمُ) : أحوال مقدرة ، وصاحبها معنى الكلمة ؛ وهو مكوّن أو مخلوق. وجاز أن ينتصب الحال عنه وهو نكرة ؛ لأنّه قد وصف.

ولا يجوز أن تكون أحوالا من المسيح ، ولا من عيسى ، ولا من ابن مريم ؛ لأنّها أخبار. والعامل فيها الابتداء ، أو المبتدأ ، أو هما ، وليس شيء من ذلك يعمل في الحال.

ولا يجوز أن تكون أحوالا من الهاء في اسمه ؛ للفصل الواقع بينهما ، ولعدم العامل في الحال.

٤٦ ـ (فِي الْمَهْدِ) : يجوز أن يكون حالا من الضمير في يكلّم ؛ أيّ يكلمهم صغيرا. ويجوز أن يكون ظرفا.

(وَكَهْلاً) : يجوز أن يكون حالا معطوفة على وجيها ، وأن يكون معطوفا على موضع «في المهد» إذا جعلته حالا.

(وَمِنَ الصَّالِحِينَ) : حال معطوفة على وجيها.

٤٧ ـ (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ) : قد ذكر في قوله : (كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) في قصة زكريا.

و (إِذا قَضى أَمْراً) : مشروح في البقرة.

٤٨ ـ (وَيُعَلِّمُهُ) : يقرأ بالنون حملا على قوله : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ).

ويقرأ بالياء حملا على (يُبَشِّرُكِ) وموضعه حال معطوفة على وجيها.

٤٩ ـ (وَرَسُولاً) : فيه وجهان :

أحدهما : هو صفة مثل صبور وشكور ، فيكون حالا أيضا ؛ أو مفعولا به على تقدير : ويجعله رسولا ، وفعول هنا بمعنى مفعل ؛ أي مرسلا.

والثاني : أن يكون مصدرا ، كما قال الشاعر :

أبلغ أبا سلمى رسولا تروّعه

فعلى هذا يجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ، وأن يكون مفعولا معطوفا على الكتاب ؛ أي ونعلّمه رسالة ؛ فإلى على الوجهين تتعلّق برسول ؛ لأنّهما يعملان عمل الفعل.

٧٨

ويجوز أن يكون (إِلَى) نعتا لرسول ، فيتعلّق بمحذوف.

(أَنِّي) : في موضع الجملة ثلاثة أوجه :

أحدها ـ جرّ ؛ أي بأني ، وذلك مذهب الخليل ، ولو ظهرت الباء لتعلّقت برسول ، أو بمحذوف يكون صفة لرسول ؛ أي ناطقا بأنّي ، أو مخبرا.

والثاني ـ موضعها نصب على الموضع ، وهو مذهب سيبويه ، أو على تقدير : يذكر أنّي.

ويجوز أن يكون بدلا من رسول إذا جعلته مصدرا ، تقديره : ونعلمه أني قد جئتكم.

والثالث ـ موضعها رفع ؛ أي هو أني قد جئتكم ، إذا جعلت رسولا مصدرا أيضا.

(بِآيَةٍ) : في موضع الحال ؛ أي محتجّا بآية.

(مِنْ رَبِّكُمْ) : يجوز أن يكون صفة لآية ، وأن يكون متعلّقا بجئت.

(أَنِّي أَخْلُقُ) : يقرأ بفتح الهمزة ، وفي موضعه ثلاثة أوجه :

أحدها ـ جرّ بدلا من آية.

والثاني ـ رفع ؛ أي هي أنّي.

والثالث ـ أن يكون بدلا من «أنّي» الأولى.

ويقرأ بكسر الهمزة على الاستئناف ، أو على إضمار القول.

(كَهَيْئَةِ) : الكاف في موضع نصب نعتا لمفعول محذوف ؛ أي هيئة كهيئة الطير ، والهيئة مصدر في معنى المهيّأ كالخلق بمعنى المخلوق.

وقيل : الهيئة اسم لحال لشيء ، وليست مصدرا ، والمصدر التّهيّؤ والتّهيئة.

ويقرأ كهية الطّير على إلقاء حركة الهمزة على الياء وحذفها.

وقد ذكر في البقرة اشتقاق الطّير وأحكامه.

والهاء في (فِيهِ) تعود على معنى الهيئة ؛ لأنّها بمعنى المهيّأ.

ويجوز أن تعود على الكاف ، لأنّها اسم بمعنى مثل ، وأن تعود على الطير ، وأن تعود على المفعول المحذوف.

(فَيَكُونُ) : أي فيصير ، فيجوز أن تكون كان هنا التامة ؛ لأنّ معناها صار ، وصار بمعنى انتقل.

ويجوز أن تكون الناقصة ؛ و «طائرا» على الأول حال ، وعلى الثاني خبر.

و (بِإِذْنِ اللهِ) يتعلّق بيكون. (بِما تَأْكُلُونَ) : يجوز أن تكون بمعنى الذي ، ونكرة موصوفة ، ومصدرية ، وكذلك ما الأخرى.

والأصل في (تَدَّخِرُونَ) : تذتخرون إلا أن الذال مجهورة والتاء مهموسة ، فلم يجتمعا ؛ فأبدلت التاء دالّا ، لأنّها من مخرجها لتقرّب من الذال ، ثم أبدلت الذال دالا وأدغمت.

ومن العرب من يقلب التاء ذالا ، ويدغم.

ويقرأ بتخفيف الذال وفتح الخاء ، وماضيه ذخر.

٥٠ ـ (وَمُصَدِّقاً) : حال معطوفة على قوله : (بِآيَةٍ) ؛ أي جئتكم بآية ومصدقا (لِما بَيْنَ يَدَيَّ).

ولا يجوز أن يكون معطوفا على وجيها ؛ لأنّ ذلك يوجب أن يكون «ومصدقا لما بين يديه» على لفظ الغيبة.

(مِنَ التَّوْراةِ) : في موضع نصب على الحال من الضمير المستتر في الظرف ، وهو بين. والعامل فيها الاستقرار ، أو نفس الظرف.

ويجوز أن يكون حالا من «ما» فيكون العامل فيها مصدقا.

و (لِأُحِلَ) : هو معطوف على محذوف ، تقديره : لأخفّف عنكم ، أو نحو ذلك.

(وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ) : هذا تكرير للتوكيد ؛ لأنّه قد سبق هذا المعنى في الآية التي قبلها.

٥٢ ـ (مِنْهُمُ الْكُفْرَ) : يجوز أن يتعلّق «من» بأحسّ ، وأن يكون حالا من الكفر.

(أَنْصارِي) : هو جمع نصير ، كشريف وأشراف.

وقال قوم : هو جمع نصر ؛ وهو ضعيف ، إلا أن تقدّر فيه حذف مضاف ؛ أي من صاحب نصري ؛ أو تجعله مصدرا وصف به.

و (إِلَى) : في موضع الحال متعلّقة بمحذوف ؛ وتقديره : من أنصاري مضافا إلى الله ، أو إلى أنصار الله.

وقيل : هي بمعنى مع ، وليس بشيء ؛ فإن «إلى» لا تصلح أن تكون بمعنى مع ، ولا قياس يعضّده.

(الْحَوارِيُّونَ) : الجمهور على تشديد الياء ، وهو الأصل ؛ لأنّها ياء النسبة.

ويقرأ بتخفيفها ؛ لأنّه فرّ من تضعيف الياء ، وجعل ضمّة الياء الباقية دليلا على الأصل ؛ كما قرؤوا «يستهزيون» ، مع أن ضمة الياء بعد الكسرة مستقل.

واشتقاق الكلمة من الحور ؛ وهو البياض ، وكان الحواريّون يقصّرون الثياب. وقيل : اشتقاقه من حار يحور إذا رجع ، فكأنهم الراجعون إلى الله ؛ وقيل : هو مشتق من نقاء القلب وخلوصه وصدقه.

٥٣ ـ (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) : في الكلام حذف ، تقديره : مع الشاهدين لك بالوحدانية.

٥٤ ـ (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) : وضع الظاهر موضع المضمر تفخيما ؛ والأصل وهو خير الماكرين.

٥٥ ـ (مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) : كلاهما للمستقبل ، ولا يتعرفان بالإضافة ، والتقدير : رافعك إليّ ومتوفّيك ؛ لأنّه رفع إلى السماء ثم يتوفّى بعد ذلك.

وقيل : الواو للجمع ، فلا فرق بين التقديم والتأخير.

وقيل : متوفّيك من بينهم ، ورافعك إلى السماء ؛ فلا تقديم فيه ولا تأخير.

(وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) : قيل هو خطاب لنبينا عليه الصّلاة والسلام ، فيكون الكلام تامّا على ما قبله.

وقيل : هو لعيسى. والمعنى : أن الذين اتبعوه ظاهرون على اليهود وغيرهم من الكفّار إلى قبل يوم القيامة بالملك والغلبة. فأمّا يوم القيامة فيحكم بينهم فيجازى كلّا على عمله.

٥٦ ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) : يجوز أن يكون «الذين» مبتدأ (فَأُعَذِّبُهُمْ) خبره.

ويجوز أن يكون الذين في موضع نصب بفعل محذوف يفسّره فأعذبهم ؛ تقديره : فأعذب بغير ضمير مفعول لعمله في الظاهر قبله فحذف ، وجعل الفعل المشغول بضمير الفاعل مفسّرا له ، وموضع الفعل المحذوف بعد الصلة.

ولا يجوز أن يقدّر الفعل قبل الذين ؛ لأنّ «أمّا» لا يليها الفعل. ومثله : (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ). (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) ـ فيمن نصب.

٥٨ ـ (ذلِكَ نَتْلُوهُ) : فيه ثلاثة أوجه :

أحدها ـ ذلك مبتدأ ، ونتلوه خبره.

والثاني ـ المبتدأ محذوف وذلك خبره ؛ أي الأمر ذلك ؛ ونتلوه في موضع الحال ؛ أي الأمر المشار إليه متلوا ، و (مِنَ الْآياتِ) : حال من الهاء.

والثالث ـ ذلك مبتدأ ؛ ومن الآيات خبره ؛ ونتلوه حال ، والعامل فيه معنى الإشارة.

ويجوز أن يكون ذلك في موضع نصب بفعل دلّ عليه «نتلوه» ؛ تقديره : نتلو ذلك ، فيكون من الآيات حالا من الهاء أيضا.

٧٩

و (الْحَكِيمِ) هنا بمعنى المحكم.

٥٩ ـ (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) : هذه الجملة تفسير للمثل ، فلا موضع لها. وقيل موضعها حال من آدم ، و «قد» معه مقدّرة ، والعامل فيها معنى التشبيه ، والهاء لآدم ؛ و «من» متعلقة بخلق ؛ ويضعف أن يكون حالا ، لأنّه يصير تقديره : خلقه كائنا من تراب ، وليس المعنى عليه.

(ثُمَّ قالَ لَهُ) : ثم هاهنا لترتيب الخبر ، لا لترتيب المخبر عنه ؛ لأنّ قوله : (كُنْ) لم يتأخّر عن خلقه ؛ وإنما هو في المعنى تفسير لمعنى الخلق ، وقد جاءت «ثم» غير مقيّدة بترتيب المخبر عنه ، كقوله : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ). وتقول : زيد عالم ، ثم هو كريم.

ويجوز أن تكون لترتيب المخبر عنه على أن يكون المعنى صوّره طينا ، ثم قال له : كن لحما ودما.

٦١ ـ (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) : الهاء ضمير عيسى ، ومن شرطية ، والماضي بمعنى المستقبل.

و (ما) : بمعنى الذي ، و (مِنَ الْعِلْمِ) : حال من ضمير الفاعل. ولا يجوز أن تكون ما مصدرية على قول سيبويه والجمهور ؛ لأنّ ما المصدرية لا يعود إليها ضمير ، وفي «حاجّك» ضمير فاعل ؛ إذ ليس بعده ما يصحّ أن يكون فاعلا ، و «العلم» لا يصح أن يكون فاعلا ، لأنّ «من» لا تزاد في الواجب ، ويخرّج على قول الأخفش أن تكون مصدرية ومن زائدة ، والتقدير : من بعد مجيء العلم إياك. والأصل في (تَعالَوْا) تعاليوا ؛ لأنّ الأصل في الماضي تعالى ، والياء منقلبة عن واو ، لأنّه من العلوّ ، فأبدلت الواو ياء لوقوعها رابعة ، ثم أبدلت الياء ألفا ؛ فإذا جاءت واو الجمع حذفت لالتقاء الساكنين ، وبقيت الفتحة تدلّ عليها.

و (نَدْعُ) : جواب لشرط محذوف.

و (نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ) معطوفان عليه.

ونجعل المتعدية إلى مفعولين ؛ أي نصير ، والمفعول الثاني (عَلَى الْكاذِبِينَ).

٦٢ ـ (لَهُوَ الْقَصَصُ) : مبتدأ وخبر في موضع خبر إن.

(إِلَّا اللهُ) : خبر (مِنْ إِلهٍ) ، تقديره : وما إله إلا الله.

٦٣ ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا) : يجوز أن يكون اللفظ ماضيا ، ويجوز أن يكون مستقبلا ، تقديره : يتولّوا ؛ ذكره النحاس ، وهو ضعيف ، لأنّ حرف المضارعة لا يحذف.

٦٤ ـ (سَواءٍ) : الجمهور على الجرّ ، وهو صفة لكلمة.

ويقرأ «سواء» بالنصب على المصدر.

ويقرأ «كلمة» ـ بكسر الكاف وإسكان اللام على التخفيف والنقل ، مثل فخذ وكبد. (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) : ظرف لسواء ؛ أي لتستوي الكلمة بيننا.

ولم تؤنّث سواء ، وهو صفة مؤنث ، لأنّه مصدر وصف به.

فأما قوله : (أَلَّا نَعْبُدَ) : ففي موضعه وجهان :

أحدهما ـ جرّ بدلا من سواء ، أو من كلمة ، تقديره : تعالوا إلى ترك عبادة غير الله.

والثاني ـ هو رفع ، تقديره : هي أن لا نعبد إلا الله ، وأن هي المصدرية.

وقيل : تمّ الكلام على سواء ، ثم استأنف ، فقال : بيننا وبينكم أن لا نعبد ؛ أي بيننا وبينكم التوحيد ؛ فعلى هذا يجوز أن يكون أن لا نعبد مبتدأ والظرف خبره ، والجملة صفة لكلمة ؛ ويجوز أن يرتفع : ألا نعبد بالظرف.

(فَإِنْ تَوَلَّوْا) : هو ماض ، ولا يجوز أن يكون التقدير : يتولوا لفساد المعنى ؛ لأنّ قوله : (فَقُولُوا اشْهَدُوا) خطاب للمؤمنين ، ويتولّوا للمشركين ؛ وعند ذلك لا يبقى في الكلام جواب الشرط ؛ والتقدير : فقولوا لهم.

٦٥ ـ (لِمَ تُحَاجُّونَ) : الأصل لما ، فحذفت الألف لما ذكرنا في قوله : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ) ، واللام متعلّقة بتحاجّون.

(إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) : من يتعلّق بأنزلت ؛ والتقدير من بعد موته.

٨٠