التبيان في إعراب القرآن

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

التبيان في إعراب القرآن

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: بيت الأفكار الدوليّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٧

١

٢

٣
٤

مقدمة

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله.

أمّا بعد :

فإنّا في غنى أن نقدّم لهذا الكتاب بمقدمة حول أهمية علم إعراب القرآن ، وأهمّ المتصدرين لهذا العلم من المتقدمين والمتأخرين ، وسرد الكتب التي صنّفت في ذلك. إذ هذا له مواضع مطوّلة ، ليست مقصودة في هذه الطبعة التي نخرجها تبسيطا للطلبة والدارسين في ثوب مميّز.

وسبب اختياري لهذا الكتاب كي ينشر ، يعود لشهرته وكثرة طبعاته ، وسعة مادته على اختصارها ، فقد طبع أول مرة سنة (١٨٦٠) في طهران ، ثم تلاها طبعات أخرى في الهند ومصر ... فانتشر انتشارا واسعا ، وهو أشهر كتب الإعراب فيما ذكر حاجي خليفة.

وقد لا حظنا أثناء تقليبنا للكتاب أنّ أبا البقاء رحمه‌الله اعتنى بذكر القراءات وتوجيهها ، وبيان الراجح منها في بعضها. وتوسّع بذكر شواذّ القراءات ، ووجّه المعنى بعد الإعراب لبيان مواضع الخلاف عند اختلاف القراءة ، وذكر المشكلات والمبهمات ، وحاول أن يسند توجيهه في الإعراب إلى أئمة النحو وعلمائه ومدارسه ، ويغلب انتصاره لأهل البصرة. ثمّ إنّه اعتنى بالتصريف كبير اعتناء ، فأرجع الألفاظ إلى أصولها ، وبيّن عللها ، واستشهد على هذا كلّه بما يحفظ من الشواهد الشعرية في تثبيت قاعدة أو وجهة لغوية.

لذا جاء هذا الكتاب جامعا في بابه ، وإن كان اقتصر فيه على المهمات ، لأنّ سرد ما يعرف ، أو ما كان من نافلة القول لم يكن مرادا في عصره ، وإنّما تطلّبه الناس الآن لبعدهم عن مبادئ النحو ، ومن بعد عن المبادئ لم يلزمه هذا الكتاب ولا غيره ، لأنّه مرحلة في التطبيق بعد المعرفة ، فلا يمكن تجاوز مرحلة عمّا قبلها لمن يريد الاستمرار في طريقة صحيحة للتعليم.

أمّا اعتنائي بهذا الكتاب فكان متابعة للنصّ وتصحيحه ، وتوزيعه على صفحات المصحف حسب الورود ، وحذف نصّ الآية من الكتاب للاستعاضة عنها بما أثبتنا من النصّ الكامل من المصحف. وتنظيم العمل فيه حتى يتمّ التعامل معه بالنظر إلى رقم الآية والبحث عنها في الترويسة ، وعن طريق بروز الحرف.

واعتمدنا في هذه النسخة على طبعة علي محمد البجاوي الواقعة في مجلدين باسم : «التبيان في إعراب القرآن». وقد سبق طبع الكتاب باسم «إملاء ما منّ به الرحمن في وجوه القراءات وإعراب القرآن» وليس من دليل على هذه التسمية ، بل النسخ الخطية والمصادر التي ذكرت الكتاب للمؤلف إنّما نصّت على «التبيان» ، وليس الاسم الذي اشتهر به الكتاب مطبوعا.

ونسأل الله تعالى أن نكون وفّقنا في إخراج هذا الكتاب ليناله القبول ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

١٢ / جمادى الأولى / ١٤١٩

٣ / ٩ / ١٩٩٨

٥

ترجمة المصنّف

هو العلّامة النحويّ ، البارع ، محبّ الدين أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن أبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبريّ ، ثمّ البغداديّ الأزجيّ ، الضرير النحويّ الحنبليّ الفرضيّ ، صاحب التصانيف.

ولد سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة ببغداد. وينسب إلى عكبرا ، وهي بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ ، خرج منها جماعة من العلماء.

قال ابن النجار : كان أضرّ في صباه بجدريّ لحقه ، وكان يحبّ الاشتغال ليلا ونهارا ، ما يمضي عليه ساعة إلّا وأحد يقرأ عليه أو يطالع ، حتى إنّه بالليل تقرأ له زوجته في كتب الأدب وغيرها.

بقي مدة من عمره فقيد النظير ، متوحدا في فنونه التي جمعها من علوم الشريعة والآداب والحساب في سائر البلاد. وكان ثقة متدينا ، حسن الأخلاق متواضعا ، كثير المحفوظ.

قرأ القرآن بالروايات على عليّ بن عساكر البطائحيّ.

وقرأ الحديث وسمعه من أبي الحسن بن البطّي ، وأبي زرعة المقدسيّ ، وأبي بكر بن النقور ، وابن هبيرة الوزير.

وقرأ الفقه على القاضي أبي يعلى الصغير ، وأبي حكيم النهرواني حتى برع فيه.

وأخذ النحو من أبي محمد بن الخشّاب ، وأبي البركات بن نجاح.

وأخذ اللغة من ابن القصّاب ، ومكي بن ريّان الماكسيني الموصلي ، وأبي محمد عبد المنعم بن صالح التميميّ النحويّ.

وأفاد منه ابن الدّبيثي ، وابن النجّار ، والضياء المقدسي ، والجمال بن الصّيرفيّ ، وعلي بن عدلان بن حماد النحوي الموصلي ، وياقوت الحموي ، وعبد العظيم المنذري ، وأبو الفرج بن الحنبلي ، والكمال البزار البغدادي.

قال أبو الفرج بن الحنبلي : قرأت عليه كتاب «الفصيح» لثعلب ، من حفظي ، وقرأت عليه بعض كتاب «التصريف» لابن جني.

وقال المنذري : لنا منه إجازة كتبت لنا عنه غير مرة ، منها ما هو في شوّال سنة ثمان وستّ مئة.

كان معيدا للشيخ أبي الفرج بن الجوزي في المدرسة.

وكان بارعا في فقه الإمام أحمد بن حنبل ، وقد جاء إليه مرة جماعة من الشافعية ، فقالوا : انتقل إلى مذهبنا ، ونعطيك تدريس النحو واللغة بالنظامية ، فأقسم وقال : لو أقمتموني وصببتم عليّ الذهب حتى أتوارى ما رجعت عن مذهبي.

وكان أبو البقاء إذا أراد أن يصنّف كتابا ، أحضرت له عدة مصنفات في ذلك الفنّ ، وقرئت عليه ، فإذا حصّله في خاطره أملاه. فكان بعض الفضلاء يقول : أبو البقاء تلميذ تلامذته ، يعني : هو تبع لهم فيما يلقونه عليه.

وقال الشعر ، ومن شعره في الوزير ناصر بن مهدي العلويّ :

بك أضحى جيد الزمان محلى

بعد أن كان من حلاه مخلى

لا يجاريك في نجاريك خلق

أنت أعلى قدرا وأعلى محلّا

دمت تحيي ما قد أميت من الفض

ل وتنفي فقرا وتطرد محلا

٦

وذكر ابن الشعّار أيضا أبياتا له في جواب سائل عن الحساب ، وأنشد ابن القطيعي له أبياتا نقلها ابن رجب في «الذيل». وادّعى ابن الساعي أنّ أبا البقاء لم يعمل من الأبيات سوى الأبيات في الوزير ناصر العلوي.

توفي أبو البقاء ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر سنة ست عشرة وست مئة ، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب. رحمه‌الله.

كتبه :

١ ـ «تفسير القرآن» : ذكره الصفدي ، وابن الشعار ، والذهبي ، وابن رجب ، وحاجي خليفة ، والسيوطي.

٢ ـ «إعراب القرآن» : ذكره الصفدي ، وأبو شامة ، والذهبي ، والمنذري ، وابن رجب ، وابن خلكان.

وذكره باسم : «إعراب القرآن والقراءات» : القفطي.

وذكره باسم : «البيان في إعراب القرآن» : ابن الشعار ، وحاجي خليفة.

وهو الكتاب الذي نحن بصدده.

٣ ـ «إعراب الشواذّ من القراءات» : ذكره الصفدي ، والذهبي ، وابن الشعار.

٤ ـ «متشابه القرآن» : ذكره الصفدي ، والذهبي.

٥ ـ «عدد آي القرآن» : ذكره الصفدي ، والذهبي ، وابن الشعار.

٦ ـ «إعراب الحديث» : ذكره الصفدي ، وابن رجب ، والقفطي ، والذهبي ، والمنذري ، وابن خلكان.

وهو مطبوع بتحقيق عبد الإله نبهان ، وغيره.

٧ ـ «المرام في نهاية الأحكام» : ذكره الصفدي ، وابن رجب ، والذهبي ، وابن الشعار.

٨ ـ «الاعتراض على دليل التلازم ودليل التنافي» : ذكره ابن رجب. وسمّاه الصفدي : «الكلام على دليل التلازم».

٩ ـ «تعليق في الخلاف» : ذكره الصفدي ، وابن رجب ، والذهبي ، وحاجي خليفة.

١٠ ـ «الملقّح في الخطل» في الجدل : ذكره الصفدي ، وابن رجب ، وابن الشعار ، وحاجي خليفة.

١١ ـ «شرح الهداية لأبي الخطاب» : ذكره الصفدي ، وابن رجب ، والذهبي.

١٢ ـ الناهض في علم الفرائض» : ذكره الصفدي ، والذهبي (لم يسمه) ، وابن رجب ، وابن الشعار.

١٣ ـ «بلغة الرائض في علم الفرائض» : ذكره الصفدي ، وابن رجب ، وابن الشعار ، وحاجي خليفة.

١٤ ـ «التلخيص في الفرائض» : ذكره الصفدي ، وابن رجب ، وابن الشعار ، وحاجي خليفة.

١٥ ـ «الاستيعاب في أنواع الحساب» : ذكره الصفدي ، وابن رجب ، وابن الشعار ، وحاجي خليفة.

١٦ ـ «مقدمة في الحساب» : ذكره الصفدي ، وابن الشعار.

١٧ ـ «شرح الفصيح» : ذكره الصفدي ، والذهبي ، وحاجي خليفة.

١٨ ـ «المشرف المعلم في ترتيب كتاب إصلاح المنطق على حروف المعجم» ذكره الصفدي ، وابن رجب ، وابن الشعار ، وحاجي خليفة.

١٩ ـ «شرح الحماسة» : ذكره الصفدي ، وابن رجب ، والذهبي ، وابن الشعار. وقال حاجي خليفة : هو مقتصر على إعرابه.

٧

٢٠ ـ «شرح المقامات الحريرية» : ذكره الصفدي ، وابن خلكان ، وابن رجب ، وأبو شامة ، والذهبي ، والمنذري ، وابن الشعار ، وحاجي خليفة. وقد حقّق القسم الأول منه في جامعة بغداد ١٩٧١ م باسم : «شرح ما في المقامات الحريرية من الألفاظ اللغوية» تحقيق علي صائب حسون.

٢١ ـ «شرح الخطب النباتية» : ذكره الصفدي ، وابن خلكان ، وابن رجب ، والذهبي ، وابن الشعار ، وحاجي خليفة.

٢٢ ـ «المصباح في شرح الإيضاح» لأبي علي الفارسي : ذكره الصفدي ، وابن خلكان ، وابن رجب ، والقفطي ، وابن الشعار ، وحاجي خليفة.

٢٣ ـ «التكملة» : ذكره الصفدي.

٢٤ ـ «المتبع في شرح اللمع» : ذكره الصفدي ، وابن خلكان ، وابن رجب ، والقفطي ، وابن الشعار ، وحاجي خليفة. ومنه نسخة خطية في مكتبة البلدية بالاسكندرية : ٣٣ نحو.

٢٥ ـ «لباب الكتاب» (كتاب سيبويه) : ذكره الصفدي ، وحاجي خليفة.

٢٦ ـ «شرح أبيات كتاب سيبويه» : ذكره الصفدي ، وزاد ابن الشعار : على حروف المعجم.

٢٧ ـ «إعراب الحماسة» : ذكره الصفدي ، وابن خلكان ، والقفطي ، وابن الشعار. قلت : وكلام حاجي خليفة سابقا يشير أن شرح الحماسة هو إعرابه ، لكن الصفدي وابن الشعار فرّقا بينهما.

٢٨ ـ «الإفصاح عن معاني أبيات الإيضاح» : ذكره الصفدي وابن الشعار.

٢٩ ـ «تلخيص أبيات الشعر لأبي علي» : ذكره الصفدي ، وابن رجب. وسمّاه ابن الشعار : «تلخيص كتاب الشعر».

٣٠ ـ «المحصل في إيضاح الفصل» : ذكره الصفدي ، وابن خلكان ، وأبو شامة ، والقفطي ، وابن الشعار. وسمّاه حاجي خليفة أيضا : الإيضاح في شرح المفصل. وقال ابن رجب : تعليق على مفصل الزمخشري. ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية رقم ٢٩٢ ـ الجزء الثاني.

٣١ ـ «نزهة الطرف في إيضاح قانون الصّرف» : ذكره الصفدي ، وابن الشعار.

٣٢ ـ «الترصيف في علم التصريف» : ذكره الصفدي ، وابن الشعار.

٣٣ ـ «اللباب في علل البناء والإعراب» : ذكره الصفدي ، وابن الشعار ، وحاجي خليفة. وسمّاه ابن خلّكان والقفطي : «اللباب في علل النحو». وسمّاه ابن رجب : «اللباب في البناء والإعراب» ، و «الإعراب عن علل الإعراب». وسماه أبو شامة : «اللباب في النحو». وقد حققه خليل بنيان الحسون في جامعة القاهرة (رسالة دكتوراه) سنة ١٩٧٦.

٣٤ ـ «الإشارة في النحو» : ذكره الصفدي ، وابن رجب ، وابن الشعار ، وحاجي خليفة.

٣٥ ـ «مقدمة في النحو» : ذكره الصفدي.

٣٦ ـ «أجوبة في المسائل الحلبيات» : ذكره الصفدي ، وابن رجب.

٣٧ ـ «التلخيص في النحو» : ذكره الصفدي ، وابن رجب ، وابن الشعار.

٨

٣٨ ـ «التلقين في النحو» : ذكره الصفديّ ، وابن رجب ، وابن الشعار.

٣٩ ـ «التهذيب في النحو» : ذكره الصفدي ، وحاجي خليفة.

٤٠ ـ «شرح شعر المتنبي» : ذكره الصفدي ، وابن خلكان ، وابن رجب ، والقفطي ، وأبو شامة ، والمنذري ، وابن الشعار ، وحاجي خليفة. وقد طبع مرات. ويرى الدكتور مصطفى جواد أنّ المطبوع ليس للعكبري. مجلة دمشق ٢٢ / ١ ، ٢.

٤١ ـ «شرح بعض قصائد رؤبة» : ذكره الصفدي ، وابن رجب ، وابن الشعار.

٤٢ ـ «مسائل في الخلاف في النحو» : ذكره الصفدي ، وابن الشعار. وقد نشره محمد خير الحلواني ، مكتبة الشهباء ـ حلب.

٤٣ ـ «تلخيص التنبيه لابن جني» : ذكره الصفدي ، وسمّاه ابن الشعار : «تلخيص التنبيه في إعراب الحماسة لابن جني».

٤٤ ـ «العروض» (معلّل) : ذكره الصفدي ، وابن الشعار.

٤٥ ـ «العروض» (مختصر) : ذكره الصفدي ، وابن الشعار.

٤٦ ـ «مختصر أصول ابن السراج» : ذكره الصفدي.

٤٧ ـ «مسائل نحو مفردة» : ذكره الصفدي ، وابن رجب.

٤٨ ـ «مسألة في قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّما يرحم الله من عباده الرحماء». ذكره الصفدي.

٤٩ ـ «المنتخب من كتاب المحتسب» : ذكره الصفدي ، وابن الشعار.

٥٠ ـ «لغة الفقه» : ذكره الصفدي ، وابن الشعار. وقال ابن رجب : أملاه على ابن النجار الحافظ.

٥١ ـ «مذاهب الفقهاء» : ذكره ابن رجب.

٥٢ ـ «تهذيب الإنسان بتقويم اللسان» : ذكره ابن رجب. وسمّاه ابن الشعار : «تهذيب اللسان».

٥٣ ـ «كتاب القوافي» : ذكره ابن الشعار.

٥٤ ـ «شرح سيبويه» : ذكره ابن الشعار.

٥٥ ـ «شرح البداية» : ذكره ابن الشعار ، وقال : لم يتمّه.

٥٦ ـ «كتاب في الجبر والمقابلة» : ذكره ابن الشعار.

٥٧ ـ «شرح لامية العرب للشنفرى» : منه نسختان خطيتان في دار الكتب المصرية برقم ٢٨ ش نحو ، ٨٧ ش.

مصادر ترجمته :

١ ـ «إنباه الرواة على أنباه النحاة» (٣ / ١١٦) للقفطي (٦٢٤) ـ دار الفكر العربي القاهرة ـ ت محمد أبو الفضل.

٢ ـ «التكملة لوفيات النقلة» (٢ / ٤٦١) لعبد العظيم المنذري (٦٥٦) ـ ت الدكتور بشار عواد ـ مؤسسة الرسالة.

٣ ـ «قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان» ٣ / ٢٦٥ لابن الشعار (٦٥٤) ـ مصوّرة فؤاد سزكين.

٩

٤ ـ «معجم البلدان» (٤ / ١٤٢) لياقوت الحموي (٦٢٦) ـ دار صادر.

٥ ـ «ذيل الروضتين» (١١٩ ـ ١٢٠) لأبي شامة (٦٦٥) ـ دار الجيل.

٦ ـ «وفيات الأعيان» (٣ / ١٠٠) لابن خلكان (٦٨١) ـ دار صادر.

٧ ـ «المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي» (١٥ / ٢١٤) للذهبي (٧٤٨) ـ الكتب العلمية.

٨ ـ «سير أعلام النبلاء» (٢٢ / ٩١) ، للذهبي (٧٤٨) ـ مؤسسة الرسالة.

٩ ـ «الوافي بالوفيات» (١٧ / ١٣٩) ، للصفدي (٧٦٤) ـ دار النشر فرانز شتاينر.

١٠ ـ «نكت الهميان في نكت العميان» (ص ١٧٨) ، للصفدي (٧٦٤) ـ دار المدينة.

١١ ـ «ذيل طبقات الحنابلة» (٢ / ١٠٩) ، لابن رجب (٧٩٥) ـ دار المعرفة.

١٢ ـ «المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد» (٢ / ٣٠) ، لابن مفلح (٨٨٤) ـ مكتبة الرشد.

١٣ ـ «البداية والنهاية» (١٣ / ٨٥) ، لابن كثير (٧٧٤).

١٤ ـ «بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة» (٢ / ٣٨) ، للسيوطي (٩١١) ـ دار الفكر.

١٥ ـ «كشف الظنون» (٨١ ، ٩٨ ، ١٠٨ ، ١٢٢ ، ٢١٢ ، ٢١٤ ، ٢٥٣ ، ٣٩٩ ، ٤٢٤ ، ٤٤٠ ، ٤٨٠ ، ٥١٨ ، ٦٩٢ ، ٧١٤ ، ٨١١ ، ١٢٧٣ ، ١٤٢٨ ، ١٥٤٣ ، ١٥٦٣ ، ١٧٧٤ ، ١٧٨٩ ، ١٨٢٠) لحاجي خليفة ـ دار الفكر.

١٦ ـ الكتب المطبوعة من كتب العكبري.

١٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وبه عوني

وثقتي قال الشيخ الإمام العالم محبّ الدين أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري رحمه‌الله تعالى ، ورحم أسلافه بمحمد وآله وأصحابه وأنصاره.

الحمد لله الذي وفّقنا لحفظ كتابه ، ووقفنا على الجليل من حكمه وأحكامه وآدابه ، وألهمنا تدبّر معانيه ووجوه إعرابه ، وعرّفنا تفنّن أساليبه ؛ من حقيقته ومجازه ، وإيجازه وإسهابه ؛ أحمده على الاعتصام بأمتن أسبابه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة مؤمن بيوم حسابه ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المبرّز في لسنه وفصل خطابه ، ناظم حبل الحق بعد انقضابه ، وجامع شمل الدين بعد انشعابه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ما استطار برق في أرجاء سحابه ، واضطرب بحر باذيّة وعبابه.

أما بعد : فإن أولى ما عني باغي العلم بمراعاته ، وأحقّ ما صرف العناية إلى معاناته ، ما كان من العلوم أصلا لغيره منها ، وحاكما عليها ولها فيما ينشأ من الاختلاف عنها ، وذلك هو القرآن المجيد ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ؛ وهو المعجز الباقي على الأبد ، والمودع أسرار المعاني التي لا تنفد ؛ وحبل الله المتين ، وحجّته على الخلق أجمعين.

فأوّل مبدوء به من ذلك تلقّف ألفاظه عن حفّاظه ، ثم تلقّي معانيه ممن يعانيه ؛ وأقوم طريق يسلك في الوقوف على معناه ، ويتوصّل به إلى تبيين أغراضه ومغزاه ، معرفة إعرابه واشتقاق مقاصده من أنحاء خطابه ، والنظر في وجوه القراءات المنقولة عن الأئمة الأثبات.

والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا ، مختلفة ترتيبا وحدا ؛ فمنها المختصر حجما وعلما ، ومنها المطوّل بكثرة إعراب الظواهر ، وخلط الإعراب بالمعاني ، وقلما تجد فيها مختصر الحجم كثير العلم ، فلما وجدتها على ما وصفت ، أحببت أن أملي كتابا يصغر حجمه ، ويكثر علمه ، أقتصر فيه على ذكر الإعراب ووجوه القراءات ، فأتيت به على ذلك ؛ والله أسأل أن يوفّقني فيه لإصابة الصواب ، وحسن القصد به بمنّه وكرمه.

إعراب الاستعاذة

(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).

(أعوذ) : أصله أعوذ ، بسكون العين وضمّ الواو ، مثل اقتل ؛ فاستثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين وبقيت ساكنة. ومصدره عوذ وعياذ ومعاذ. وهذا تعليم. والتقدير فيه : قل أعوذ.

و (الشيطان) : فيعال ، من شطن يشطن إذا بعد ، ويقال فيه شاطن. وتشيطن ؛ وسمّي بذلك كل متمردّ لبعد غوره في الشر.

وقيل : هو فعلان ، من شاط يشيط ، إذا هلك ؛ فالمتمرّد هالك بتمرّده.

ويجوز أن يكون سمّي بفعلان لمبالغته في إهلاك غيره.

و (الرجيم) : فعيل بمعنى مفعول ؛ أي مرجوم بالطّرد واللّعن.

وقيل : هو فعيل بمعنى فاعل ؛ أي يرجم غيره بالإغواء.

إعراب التسمية

١ ـ قال تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) :

الباء في (بِسْمِ) متعلقة بمحذوف ، فعند البصريين المحذوف مبتدأ والجار والمجرور خبره ، والتقدير ابتدائي بسم الله ؛ أي كائن باسم الله ؛ فالباء متعلقة بالكون والاستقرار.

وقال الكوفيون : المحذوف فعل تقديره ابتدأت ، أو أبدا ؛ فالجارّ والمجرور في موضع نصب بالمحذوف.

وحذفت الألف من الخط لكثرة الاستعمال ، فلو قلت : لاسم الله بركة ، أو باسم ربك ، أثبتّ الألف في الخط.

وقيل : حذفوا الألف ؛ لأنهم حملوه على سم ، وهي لغة في اسم.

ولغاته خمس : سم ـ بكسر السين وضمها ، اسم ـ بكسر الهمزة وضمها ، وسمى مثل ضحى.

والأصل في اسم سمو ، فالمحذوف منه لامه ، يدلّ على ذلك قولهم في جمعه أسماء وأسام ، وفي تصغيره سمىّ ، وبنوا منه فعيلا ، فقالوا : فلان سميّك : أي اسمه كاسمك. والفعل منه سمّيت واسميت ؛ فقد رأيت كيف رجع المحذوف إلى آخره.

وقال الكوفيون : أصله وسم ؛ لأنه من الوسم ؛ وهو العلامة ، وهذا صحيح في المعنى ، فاسد اشتقاقا.

فإن قيل : كيف أضيف الاسم إلى الله ، والله هو الاسم؟

قيل : في ذلك ثلاثة أوجه :

أحدها ـ أنّ الاسم هنا بمعنى التسمية ، والتسمية غير الاسم ؛ لأن الاسم هو اللازم للمسمّى ، والتسمية هو التلفّظ بالاسم.

والثاني ـ أن في الكلام حذف مضاف ، تقديره باسم مسمّى الله. والثالث ـ أنّ اسم زيادة ؛ ومن ذلك قوله :

إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما وقول الآخر : داع يناديه باسم الماء أي السلام عليكما ، ويناديه بالماء.

والأصل في الله الإلاه ، فألقيت حركة الهمزة على لام المعرفة ، ثم سكنت وأدغمت في اللام الثانية ، ثم فخّمت إذا لم يكن قبلها كسرة ، ورقّقت إذ كانت قبلها كسرة ؛ ومنهم من يرققها في كل حال ، والتفخيم في هذا الاسم من خواصّه.

وقال أبو علي : همزة إلاه حذفت حذفا من غير إلقاء ، وهمزة إلاه أصل ؛ وهو من أله يأله إذا عبد ، فالإله مصدر في موضع المفعول ؛ أي المألوه ، وهو المعبود.

وقيل أصل الهمزة واو ؛ لأنه من الوله ، فالإله تتولّه إليه القلوب ؛ أي تتحيّر.

وقيل أصله لاه على فعل ، وأصل الألف ياء ؛ لأنهم قالوا في مقلوبه لهي أبوك ثم أدخلت عليه الألف واللام.

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : صفتان مشتقّتان من الرحمة.

والرّحمن من أبنية المبالغة. وفي الرحيم مبالغة أيضا ؛ إلا أن فعلانا أبلغ من فعيل.

وجرّهما على الصفة ؛ والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف.

وقال الأخفش : العامل فيها معنوىّ ، وهو كونها تبعا.

ويجوز نصبهما على إضمار أعنى ، ورفعهما على تقدير هو.

سورة الفاتحة

٢ ـ الجمهور على رفع (الْحَمْدُ) بالابتداء.

و (لِلَّهِ) الخبر ، واللام متعلقة بمحذوف ؛ أي واجب ، أو ثابت.

ويقرأ الحمد ـ بالنصب ، على أنه مصدر فعل محذوف ؛ أي أحمد الحمد ؛ والرفع أجود ؛ لأنّ فيه عموما في المعنى.

ويقرأ بكسر الدال ؛ اتباعا لكسرة اللام ؛ كما قالوا : المعيرة ورغيف ؛ وهو ضعيف في الآية ؛ لأن فيه إتباع الإعراب البناء ، وفي ذلك إبطال للإعراب.

ويقرأ بضم الدال واللّام على إتباع اللام الدال ؛ وهو ضعيف أيضا ؛ لأن لام الجر متّصل بما بعده ، منفصل عن الدال ، ولا نظير له في حروف الجرّ المفردة ؛ إلا أنّ من قرأ به فرّ من الخروج من الضم إلى

١١

إلى الكسر ، وأجراه مجرى المتّصل ؛ لأنه لا يكاد يستعمل الحمد منفردا عما بعده.

والربّ : مصدر ربّ يربّ ، ثم جعل صفة كعدل وخصم ؛ وأصله رابّ.

وجرّه على الصفة أو البدل. وقرئ بالنصب على إضمار أعنى ؛ وقيل على النداء. وقرئ بالرفع على إضمار هو.

(الْعالَمِينَ) : جمع تصحيح ، واحده عالم ، والعالم : اسم موضوع للجمع ، ولا واحد له في اللفظ ؛ واشتقاقه من العلم عند من خصّ العالم بمن يعقل ؛ أو من العلامة عند من جعله لجميع المخلوقات.

٣ ـ وفي (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الجر والنصب والرفع ، وبكلّ قرئ على ما ذكرناه في ربّ.

٤ ـ (ملك يوم الدين) :

يقرأ بكسر اللام من غير ألف ، وهو من عمر ملكه ؛ يقال : ملك بيّن الملك ـ بالضم.

وقرئ بإسكان اللام ؛ وهو من تخفيف المكسور ، مثل فخذ وكتف ؛ وإضافته على هذا محضة ، وهو معرفة ؛ فيكون جرّه على الصفة أو البدل من الله ؛ ولا حذف فيه على هذا.

ويقرأ بالألف والجر ، وهو على هذا نكرة ؛ لأن اسم الفاعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال لا يتعرّف بالإضافة ؛ فعلى هذا يكون جرّه على البدل لا على الصفة ؛ لأن المعرفة لا توصف بالنكرة.

وفي الكلام حذف مفعول ، تقديره مالك أمر يوم الدين ، أو مالك يوم الدين الأمر.

وبالإضافة إلى «يوم» خرج عن الظرفية ؛ لأنه لا يصحّ فيه تقدير في ، لأنها تفصل بين المضاف والمضاف إليه.

ويقرأ ـ مالك ـ بالنصب ـ على أن يكون بإضمار أعنى ؛ أو حالا.

وأجار قوم أن يكون نداء.

ويقرأ بالرفع على إضمار هو ، أو يكون خبرا للرحمن الرحيم على قراءة من ويقرأ مليك يوم الدين رفعا ونصبا وجرّا.

ويقرأ ملك يوم الدين على أنه فعل ، ويوم مفعول أو ظرف.

والدين : مصدر دان يدين.

٥ ـ (إِيَّاكَ) : الجمهور على كسرة الهمزة وتشديد الياء.

وقرئ شاذّا بفتح الهمزة. والأشبه أن يكون لغة مسموعة.

وقرئ بكسر الهمزة وتخفيف الياء. والوجه فيه أنه حذف إحدى الياءين لاستثقال التكرير في حرف العلة ، وقد جاء ذلك في الشعر ؛ قال الفرزدق :

تنظرت نصرا والسمّاكين أيهما

عليّ مع الغيث استهلّت مواطره

وقالوا في أما : أيما ، فقلبوا الميم ياء كراهية التضعيف.

وإيّا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر ؛ فأما الكاف فحرف خطاب عند سيبويه لا موضع لها. ولا تكون اسما ؛ لأنها لو كانت اسما لكانت ايا مضافة إليها ، والمضمرات لا تضاف.

وعند الخليل هي اسم مضمر أضيفت إيّا إليه ؛ لأن إيّا تشبه المظهر لتقدّمها على الفعل والفاعل ، ولطولها بكثرة حروفها. وحكى عن العرب : إذا بلغ الرجل الستين فإياه ، وإيّا الشواب.

وقال الكوفيون : إياك بكمالها اسم ؛ وهذا بعيد ؛ لأن هذا الاسم يختلف آخره بحسب اختلاف المتكلم والمخاطب والغائب ؛ فيقال : إياي وإياك وإياه.

وقال قوم : الكاف اسم ، وايا عماد له ، وهو حرف ؛ وموضع إياك نصب بنعبد.

فإن قيل : إياك خطاب ، والحمد لله على لفظ الغيبة ؛ فكان الأشبه أن يكون إياه.

قيل : عادة العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب ، ومن الخطاب إلى الغيبة. وسيمرّ بك من ذلك مقدار صالح في القرآن.

قوله تعالى : (نَسْتَعِينُ) : الجمهور على فتح النون. وقرئ بكسرها وهي لغة ؛ وأصله نستعون ؛ نستفعل من العون ؛ فاستثقلت الكسرة على الواو ، فنقلت إلى العين ، ثم قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.

٦ ـ (اهْدِنَا) : لفظه أمر ، والأمر مبني على السكون عند البصريين ، ومعرب عند الكوفيين ؛ فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذي هو بناء ، وعند الكوفيين هو علامة الجزم.

وهدى يتعدّى إلى مفعول بنفسه ، فأمّا تعدّيه إلى مفعول آخر فقد جاء متعدّيا إليه بنفسه ؛ ومنه هذه الآية ؛ وقد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى : (هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). وجاء متعديا باللام ، ومنه قوله تعالى : (الَّذِي هَدانا لِهذا).

والسّراط ـ بالسين هو الأصل ؛ لأنه من سرط الشيء إذا بلعه ، (وسمّي) الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشيء المبتلع.

فمن قرأه بالسين جاء به على الأصل ، ومن قرأه بالصاد قلب السين صادا لتجانس الطاء في الإطباق ، والسين تشارك الصاد في الصّفير والهمس ؛ فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها ؛ فكانت مقاربتها لها مجوّزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الإطباق.

ومن قرأ بالزاي قلب السين زايا ، لأن الزاى والسين من حروف الصّفير ؛ والزاى أشبه بالطاء ، لأنهما مجهورتان.

ومن أشمّ الصاد زايا قصد أن يجعلها بين الجهر والإطباق.

وأصل (الْمُسْتَقِيمَ) مستقوم ، ثم عمل فيه ما ذكرنا في نستعين ، ومستفعل هنا بمعنى فعيل ؛ أي السراط القويم.

١٢

ويجوز أن يكون بمعنى القائم ؛ أي الثابت.

وسراط الثاني بدل من الأول ، وهو بدل الشيء من الشيء ، وهما بمعنى واحد ، وكلاهما معرفة.

و (الَّذِينَ) : اسم موصول ، وصلته أنعمت ، والعائد عليه الهاء والميم.

والغرض من وضع الذي وصف المعارف بالجمل ؛ لأنّ الجمل تفسّر بالنكرات ، والنكرة لا توصف بها المعرفة.

والألف واللام في الذي زائدتان وتعريفها بالصلة ، ألا ترى أن «من» و «ما» معرفتان ، ولا لام فيهما فدلّ أن تعرّفهما بالصلة.

والأصل في الذين اللّذيون ؛ لأن واحده الذي ، إلا أنّ ياء الجمع حذفت ياء الأصل لئلا يجتمع ساكنان.

والذين بالياء في كل حال ؛ لأنه اسم مبني ، ومن العرب من يجعله في الرفع بالواو ، وفي الجر والنصب بالياء ، كما جعلوا تثنيته بالألف في الرفع وبالياء في الجر والنصب.

وفي الذي خمس لغات :

إحداها لذي ـ بلام مفتوحة من غير لام التعريف ، وقد قرئ به شاذا.

والثانية الذي بسكون الياء.

والثالثة بحذفها وإبقاء كسرة الذال.

والرابعة بحذف الياء وإسكان الذال.

والخامسة بياء مشددة.

٧ ـ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) : يقرأ بالجر ، وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها ـ أنه بدل من الذين.

والثاني ـ أنّه بدل من الهاء والميم في عليهم.

والثالث ـ أنه صفة للذين.

فإن قلت : الذين معرفة وغير لا يتعرّف بالإضافة ، فلا يصحّ أن يكون صفة له؟

ففيه جوابان :

أحدهما ـ أنّ غير إذا وقعت بين متضادين ، وكانا معرفتين ، تعرفت بالإضافة ، كقولك : عجبت من الحركة غير السكون ؛ وكذلك الأمر هنا ؛ لأنّ المنعم عليه والمغضوب عليه متضادّان.

والجواب الثاني ـ أنّ الذين قريب من النكرة ؛ لأنه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم ، وغير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالإضافة ؛ فكلّ واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه.

ويقرأ غير بالنصب ، وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه حال من الهاء والميم ، والعامل فيها أنعمت ، ويضعف أن يكون حالا من الذين ، لأنه مضاف إليه ، والصراط لا يصحّ أن يعمل بنفسه في الحال ؛ وقد قيل : إنه ينتصب على الحال من الذين ، ويعمل فيها معنى الإضافة.

والوجه الثاني ـ أنه ينتصب على الاستثناء من الذين أو من الهاء والميم.

والثالث ـ أنه ينتصب بإضمار أعنى.

والمغضوب : مفعول ، من غضب عليه ، وهو لازم ، والقائم مقام الفاعل (عَلَيْهِمْ). والتقدير : غير الفريق المغضوب ، ولا ضمير في المغضوب لقيام الجار والمجرور مقام الفاعل ، ولذلك لم يجمع ، فيقال الفريق المغضوبين عليهم ، لأنّ اسم الفاعل والمفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة.

(وَلَا الضَّالِّينَ) : «لا» زائدة عند البصريين للتوكيد ، وعند الكوفيين هي بمعنى غير ، كما قالوا :

جئت بلا شيء ، فأدخلوا عليها حرف الجر ، فيكون لها حكم غير.

وأجاب البصريون عن هذا بأن «لا» دخلت للمعنى ، فتخطّاها العامل ، كما يتخطى الألف واللام.

والجمهور على ترك الهمز في الضالين ؛ وقرأ أيوب السّختياني بهمزة مفتوحة ؛ وهي لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدّد نحو :

ضالّ ، ودابة ، وجان.

والعلة في ذلك أنه قلب الألف همزة لتصحّ حركتها ؛ لئلا يجمع بين ساكنين.

فصل

وأما (آمين) فاسم للفعل ، ومعناها : اللهم استجب ، وهو مبنيّ لوقوعه موقع المبني ، وحرّك بالفتح لأجل الياء قبل آخره كما فتحت أين ؛ والفتح فيها أقوى ؛ لأن قبل الياء كسرة ؛ فلو كسرت النون على الأصل لوقعت الياء بين كسرتين.

وقيل (آمين) : اسم من أسماء الله تعالى ؛ وتقديره : يا آمين ؛ وهذا خطأ لوجهين : أحدهم ـ أنّ أسماء الله لا تعرف إلا تلقّيا ، ولم يرد بذلك سمع.

والثاني ـ أنه لو كان كذلك لبني على الضم ؛ لأنه منادى معرفة أو مقصود.

وفيه لغتان : القصر ، وهو الأصل. والمد ، وليس من الأبنية العربية ؛ بل هو من الأبنية الأعجمية ؛ كهابيل ، وقابيل. والوجه فيه أن يكون أشبع فتحة الهمزة ، فنشأت الألف ؛ فعلى هذا لا تخرج عن الأبنية العربية.

فصل

في هاء الضمير نحو : عليهم وعليه ، وفيه وفيهم وإنما أفردناه لتكرّره في القرآن :

الأصل في هذه الهاء الضم ؛ لأنها تضمّ بعد الفتحة والضمة والسكون ، نحو : إنّه وله ، وغلامه ، ويسمعه ، ومنه ؛ وإنّما يجوز كسرها بعد الياء نحو :

عليهم وأيديهم ، وبعد الكسر نحو : به وبداره ؛ وضمّها في الموضعين جائز ؛ لأنه الأصل ؛ وإنّما كسرت لتجانس ما قبلها من الياء والكسرة ؛ وبكلّ قد قرئ.

فأما عليهم ففيها عشر لغات ، وكلها قد قرئ به : خمس مع ضمّ الهاء ، وخمس مع كسرها.

فالتي مع الضم : إسكان الميم ، وضمها من غير إشباع ، وضمها مع واو ، وكسر الميم من غير ياء ، وكسرها مع الياء.

وأما التي مع كسر الهاء فإسكان الميم ، وكسرها من غير ياء ، وكسرها مع الياء ، وضمها من غير واو ، وضمها مع الواو.

والأصل في ميم الجمع أن يكون بعدها واو ، كما قرأ ابن كثير ، فالميم لمجاوزة الواحد ، والألف دليل التثنية نحو : عليهما ، والواو للجمع نظير الألف ؛ ويدل على ذلك أن علامة الجمع في المؤنث نون مشدّدة ، نحو : عليهنّ ؛ فكذلك يجب أن يكون علامة الجمع للمذكر حرفين ، إلا أنهم حذفوا الواو تخفيفا ؛ ولا لبس في ذلك ؛ لأنّ الواحد لا ميم فيه ، والتثنية بعد ميمها ألف ، وإذا حذفت الواو سكنت الميم ؛ لئلا تتوالى الحركات في أكثر المواضع ؛ نحو : ضربهم ويضربهم.

فمن أثبت الواو أو حذفها وسكّن الميم فلمّا ذكرنا.

ومن ضمّ الميم دلّ بذلك على أنّ أصلها الضم ، وجعل الضمة دليل الواو المحذوفة.

ومن كسر الميم وأتبعها ياء فإنه حرّك الميم بحركة الهاء المكسورة قبلها ، ثم قلب الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.

ومن حذف الياء جعل الكسرة دليلا عليها.

ومن كسر الميم بعد ضمّة الهاء فإنه أراد أن يجانس بها الياء التي قبل الهاء.

ومن ضمّ الهاء قال : إنّ الياء في «عليه» ، حقّها أن تكون ألفا كما ثبتت الألف مع المظهر ، وليست

١٣

الياء أصل الألف ؛ فكما أن الهاء تضمّ بعد الألف فكذلك تضمّ بعد الياء المبدلة منها.

ومن كسر الهاء اعتبر اللفظ ، فأمّا كسر الهاء وإتباعها بياء ساكنة فجائز على ضعف ، أما جوازه فلخفاء الهاء بيّنت بالإشباع ، وأما ضعفه فلأنّ الهاء خفيّة ، والخفيّ قريب من الساكن ، والساكن غير حصين ، فكأن الياء وليت الياء.

وإذا لقى الميم ساكن بعدها جاز ضمّها ، نحو : عليهم الذّلّة ؛ لأنّ أصلها الضم ، وإنما أسكنت تخفيفا ، فإذا احتيج إلى حركتها كان الضمّ الذي هو حقّها في الأصل أولى ، ويجوز كسرها اتباعا لما قبلها.

وأما : فيه ، وبنيه ، ففيه الكسر من غير إشباع ، وبالإشباع ، وفيه الضمّ من غير إشباع ، وبالإشباع.

وأما إذا سكن ما قبل الهاء ، نحو : منه ، وعنه ، وتجدوه ، فمن ضمّ من غير إشباع فعلى الأصل ، ومن أشبع أراد تبيين الهاء لخفائها.

سورة البقرة

١ ـ (الم) : هذه الحروف المقطعة كلّ واحد منها اسم ؛ فألف : اسم يعبّر به عن مثل الحرف الّذي في قال. ولام يعبّر بها عن الحرف الأخير من قال ، وكذلك ما أشبهها.

والدليل على أنها أسماء أنّ كلا منها يدلّ على معنىّ في نفسه.

وهي مبنية ؛ لأنك لا تريد أن تخبر عنها بشيء ؛ وإنما يحكى بها ألفاظ الحروف التي جعلت أسماء لها ؛ فهي كالأصوات ؛ نحو : غاق ـ في حكاية صوت الغراب.

وفي موضع (الم) ثلاثة أوجه :

أحدها ـ الجر على القسم ، وحرف القسم محذوف ، وبقي عمله بعد الحذف ؛ لأنه مراد ، فهو كالملفوظ به ، كما قالوا : الله لتفعلنّ ، في لغة من جرّ.

والثاني ـ موضعها نصب ؛ وفيه وجهان : أحدهما ـ هو على تقدير حذف القسم ، كما تقول : الله لأفعلن ، والناصب فعل محذوف تقديره : التزمت الله ؛ أي اليمين به. والثاني ـ هي مفعول بها تقديره : اتل آلم.

والوجه الثالث ـ موضعها رفع بأنها مبتدأ وما بعدها الخبر.

٢ ـ (ذلِكَ) : ذا اسم إشارة ، والألف من جملة الاسم.

وقال الكوفيون : الذال وحدها هي الاسم ، والألف زيدت لتكثير الكلمة ، واستدلوا على ذلك بقولهم : ذه أمة الله ؛ وليس ذلك بشيء ؛ لأنّ هذا الاسم اسم ظاهر ، وليس في الكلام اسم ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه ؛ ويدلّ على ذلك قولهم في التصغير : ذيّا ؛ فردّوه إلى الثلاثي ، والهاء في ذه بدل من الياء في ذي.

وأما اللام فحرف زيد ليدلّ على بعد المشار إليه.

وقيل : هي بدل من ها ؛ ألا تراك تقول : هذا ، وهذاك ؛ ولا يجوز هذلك.

وحرّكت اللام لئلا يجتمع ساكنان ، وكسرت على أصل التقاء الساكنين ؛ وقيل : كسرت للفرق بين هذه اللام ولام الجر ؛ إذ لو فتحتها فقلت ذلك لا لتبس بمعنى الملك.

وقيل : ذلك هاهنا بمعنى هذا.

وموضعه رفع ؛ إما على أنه خبر آلم ، والكتاب عطف بيان ، ولا ريب في موضع نصب على الحال ؛ أي هذا الكتاب حقّا ، أو غير ذي شك ؛ وإمّا أن يكون ذلك مبتدأ والكتاب خبره ، ولا ريب حال. ويجوز أن يكون الكتاب عطف بيان ، ولا ريب فيه الخبر.

و (رَيْبَ) : مبنىّ عند الأكثرين ، لأنه ركب مع لا وصيّر بمنزلة خمسة عشر ؛ وعلّة بنائه تضمّنه معنى من ؛ إذ التقدير : لا من ريب ، واحتيج إلى تقدير من لتدلّ «لا» على نفي الجنس ؛ ألا ترى أنك تقول : لا رجل في الدار ، فتنفي الواحد وما زاد عليه ، فإذا قلت : لا رجل في الدار ، فرفعت ونوّنت نفيت الواحد ولم تنف ما زاد عليه ؛ إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر.

وقوله : (فِيهِ) فيه وجهان :

أحدهما ـ هو في موضع خبر لا ، ويتعلّق بمحذوف ، تقديره : لا ريب كائن فيه ، فتقف حينئذ على «فيه».

والوجه الثاني ـ أن يكون لا ريب آخر الكلام ، وخبره محذوف للعلم به ، ثم تستأنف ، فتقول : فيه هدى ، فيكون هدى مبتدأ وفيه الخبر ؛ وإن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ؛ ويتعلّق «فى» على الوجهين بفعل محذوف.

وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء ؛ لقولك : هديت ، والهدي.

وفي موضعه وجهان :

أحدهما ـ رفع ، إما مبتدأ ، أو فاعل على ما ذكرنا ؛ وإما أن يكون خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هو هدى ؛ وإما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر.

والوجه الثاني ـ أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه ؛ أي لا ريب فيه هاديا ؛ فالمصدر في معنى اسم الفاعل ، والعامل في الحال معنى الجملة ، تقديره : أحقّقه هاديا.

ويجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه والإشارة الحاصل من قوله ذلك.

(لِلْمُتَّقِينَ) : اللام متعلقة بمحذوف تقديره كائن ، أو كائنا على ما ذكرناه من الوجهين في الهدى ؛ ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى ؛ لأنه مصدر ، والمصدر يعمل عمل الفعل.

وواحد المتقين متّقي ؛ وأصل الكلمة من وقى فعل ، ففاؤها واو ولامها ياء ، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء وأدغمتها في التاء الأخرى ، فقلت : اتّقى ، وكذلك في اسم الفاعل وما تصرّف منه ؛ نحو متّق ومتّقى.

ومتّق : اسم ناقص ، وياؤه التي هي لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها ؛ كقولك : متّقون ومتّقين ، ووزنه في الأصل مفتعلون ؛ لأنّ أصله موتقيون ، فحذفت اللام لما ذكرنا ، فوزنه الآن مفتعون ومفتعين ؛ وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع ؛ لأن علامة الجمع دالة على معنى ، إذا حذفت لا يبقى على ذلك المعنى دليل ، فكان إبقاؤها أولى.

٣ ـ (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) : هو في موضع جرّ صفة للمتقين.

ويجوز أن يكون في موضع نصب ، إما على موضع للمتقين ، أو بإضمار أعني.

ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار «هم» ، أو مبتدأو خبره أولئك على هدى.

وأصل يؤمنون يؤامنون ؛ لأنه من الأمن ، والماضي منه آمن ، فالألف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين ، ولم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها وانفتاح ما قبلها.

ونظيره في الأسماء : آدم ، وآخر.

فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الأصل ؛ لأن ذلك يفضي بك في التّكلم إلى ثلاث همزات : الأولى همزة المضارعة ، والثانية همزة افعل التي في آمن ، والثالثة الهمزة التي هي فاء الكلمة ؛ فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم لئلا تجتمع الهمزات ، وكان حذف الوسطى أولى من حذف الأولى ؛ لأنها حرف معنى ، ومن حذف الثالثة ؛ لأنّ الثالثة فاء الكلمة. والوسطى زائدة.

وإذا أردت تبيين ذلك فقل : إن آمن أربعة أحرف ، فهو مثل دحرج ، فلو قلت : أدحرج لأتيت بجميع ما كان في الماضي وزدت عليه همزة المتكلم ، فمثله يجب أن يكون في أومن ، فالباقي من الهمزات : الأولى ، والواو التي بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التي هي فاء الكلمة ، والهمزة الوسطى هي المحذوفة ؛ وإنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها وانضمام ما قبلها.

١٤

فإذا قلت : نؤمن وتؤمن ، ويؤمن ، جاز لك فيه وجهان :

أحدهما ـ الهمز على الأصل.

والثاني ـ قلب الهمزة واوا تخفيفا ، وحذفت الهمزة الوسطى حملا على أومن ، والأصل يوأمن ؛ فأما أومن فلا يجوز همز الثانية بحال لما ذكرنا.

والغيب هنا : مصدر بمعنى الفاعل ، أي يؤمنون بالغائب عنهم.

ويجوز أن يكون بمعنى المفعول ؛ أي المغيّب ؛ كقوله : (هذا خَلْقُ اللهِ) ؛ أي مخلوقه. ودرهم ضرب الأمير ؛ أي مضروبه.

(وَيُقِيمُونَ) : أصله يؤقومون ، وماضيه أقام ، وعينه واو ؛ لقولك فيه : يقوم ، فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين ، وكذلك جميع ما فيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة. وأما الواو فعمل فيها ما عمل في نستعين ، وقد ذكرناه.

وألف الصلاة منقلبة عن واو ؛ لقولك : صلوات ، والصلاة مصدر صلى ؛ ويراد بها هاهنا الأفعال والأقوال المخصوصة ؛ فلذلك جرت مجرى الأسماء غير المصادر.

(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) : «من» متعلقة بينفقون ؛ والتقدير : وينفقون مما رزقناهم ؛ فيكون الفعل قبل المفعول ، كما كان قوله : يؤمنون ، ويقيمون كذلك ، وإنما أخّر الفعل عن المفعول لتتوافق رؤوس الآي.

وما بمعنى الذي.

ورزقنا يتعدّى إلى مفعولين ؛ وقد حذف الثاني منهما هنا ، وهو العائد على «ما» ، تقديره : رزقناهموه ، أو رزقناهم إياه.

ويجوز أن تكون «ما» نكرة موصوفة بمعنى شىء ؛ أي : ومن مال رزقناهم ؛ فيكون رزقناهم في موضع جرّ صفة لما.

وعلى القول الأول لا يكون له موضع ؛ لأن الصلة لا موضع لها ، ولا يجوز أن تكون ما مصدرية ؛ لأن الفعل لا ينفق.

ومن للتبعيض ، ويجوز أن تكون لابتداء غاية الإنفاق.

وأصل ينفقون : يؤنفقون ، لأن ماضيه أنفق ، وقد تقدّم نظيره.

٤ ـ (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) : «ما» هاهنا بمعى الذي ؛ ولا يجوز أن تكون نكرة موصوفة ، أي بشيء أنزل إليك ؛ لأنه لا عموم فيه على هذا ، ولا يكمل الإيمان إلا أن يكون بجميع ما أنزل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما للعموم ، وبذلك يتحقق الإيمان.

والقراءة الجيدة أنزل إليك ، بتحقيق الهمزة.

وقد قرئ في الشاذ أنزل ليك ـ بتشديد اللام.

والوجه فيه أنه سكّن لام أنزل ، وألقى عليها حركة الهمزة ، فانكسرت اللام ، وحذفت الهمزة ، فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما أنزل ليك ، فسكنت اللام الأولى ، وأدغمت في اللام الثانية.

والكاف هنا ضمير المخاطب ، وهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ ويجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب ، ويكون في معنى الجمع.

وقد صرح به في آي أخر ؛ كقوله : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ).

(وَبِالْآخِرَةِ) : الباء متعلقة بيوقنون ؛ ولا يمتنع أن يعمل الخبر فيما قبل المبتدأ ، وهذا يدلّ على أن تقديم الخبر على المبتدأ جائز ؛ إذ المعمول لا يقع في موضع لا يقع فيه العامل.

والآخرة صفة ، والموصوف محذوف ، تقديره : وبالساعة الآخرة ، أو بالدار الآخرة ، كما قال : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ). وقال : (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).

(هُمْ يُوقِنُونَ) : هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد ، ولو قال : وبالآخرة يوقنون لصحّ المعنى والإعراب ، ووجه التوكيد في «هم» تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم ، ويوقنون الخبر.

وأصله يؤيقنون ، لأن ماضيه أيقن ، والأصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضي ، إلا أنّ الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون ، وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها.

٥ ـ (أُولئِكَ) : هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده ، وواحده ذا ؛ ويكون أولئك للمؤنث والمذكر ، والكاف فيه حرف للخطاب وليست اسما ؛ إذ لو كانت اسما لكانت إمّا مرفوعة أو منصوبة ؛ ولا يصحّ شىء منهما ؛ إذ لا رافع هنا ولا ناصب ؛ وإما أن تكون مجرورة بالإضافة ، وأولاء لا تصح إضافته لانه مبهم ، والمبهمات لا تضاف ؛ فبقى أن تكون حرفا مجرّدا للخطاب.

ويجوز مدّ أولاء ، وقصره في غير القرآن.

وموضعه هنا رفع بالابتداء ، و (عَلى هُدىً) الخبر ، وحرف الجر متعلق بمحذوف ، أي أولئك ثابتون على هدى.

ويجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب ، وقد ذكر.

فإن قيل : أصل «على» الاستعلاء ، والهدى لا يستعلى عليه ، فكيف يصحّ معناها هاهنا؟

قيل : معنى الاستعلاء حاصل ؛ لأنّ منزلتهم علت باتّباع الهدى.

ويجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلّها على مقتضى الهدى كان تصرّفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه.

(مِنْ رَبِّهِمْ) : في موضع جرّ صفة لهدى ، ويتعلق الجارّ بمحذوف تقديره : هدى كائن ، وفي الجارّ والمجرور ضمير يعود على الهدى.

ويجوز كسر الهاء وضمّها على ما ذكرنا في عليهم في الفاتحة.

(وَأُولئِكَ) : مبتدأ ، و (هُمُ) مبتدأ ثان ، و (الْمُفْلِحُونَ) خبر المبتدأ الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول.

١٥

ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الإعراب ، والمفلحون خبر أولئك.

والأصل في مفلح مؤفلح ، ثم عمل فيه ما ذكرناه في يؤمنون.

٦ ـ (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) رفع بالابتداء ، وأ أنذرتهم أم لم تنذرهم جملة في موضع الفاعل ، وسدّت هذه الجملة مسدّ الخبر ؛ والتقدير : يستوي عندهم الإنذار وتركه ؛ وهو كلام محمول على المعنى.

ويجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدأ ، وسواء خبر مقدم ، والجملة على القولين خبر «إنّ». ولا يؤمنون : لا موضع له على هذا.

ويجوز أن يكون سواء خبر إنّ وما بعده معمول له.

ويجوز أن يكون لا يؤمنون خبر إنّ ، وسواء عليهم وما بعده معترض بينهما.

ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر.

وسواء : مصدر واقع موقع اسم الفاعل وهو مستو ، ومستو يعمل عمل يستوى ؛ ومن أجل أنه مصدر لا يثنّى ولا يجمع.

والهمزة في سواء مبدلة من ياء ؛ لأن باب طويت وشويت أكثر من باب قوة وحوّة ، فحمل على الأكثر.

(أَأَنْذَرْتَهُمْ) ـ قرأ ابن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر ، وهمزة الاستفهام مرادة ، ولكن حذفوها تخفيفا ؛ وفي الكلام ما يدلّ عليها ؛ وهو قوله : (أَمْ لَمْ) ؛ لأنّ «أم» تعادل الهمزة.

وقرأ الأكثرون على لفظ الاستفهام ، ثم اختلفوا في كيفية النطق به ؛ فحقّق قوم الهمزتين ولم يفصلوا بينهما ؛ وهذا هو الأصل ؛ إلا أنّ الجمع بين الهمزتين مستثقل ؛ لأنّ الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة ، فالنطق بها يشبه التهوّع ، فإذا اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم ، فمن هنا لا يحققهما أكثر العرب.

ومنهم من يحقّق الأولى ويجعل الثانية بين بين ؛ أي بين الهمزة والألف ، وهذه في الحقيقة همزة ملينة وليست ألفا.

ومنهم من يجعل الثانية ألفا صحيحا كما فعل ذلك في آدم وآمن.

ومنهم من يليّن الثانية ويفصل بينها وبين الأولى بالألف.

ومنهم من يحقّق الهمزتين ويفصل بينهما بألف.

ومن العرب من يبدل الأولى هاء ويحقق الثانية ؛ ومنهم من يلين الثانية مع ذلك ، ولا يجوز أن يحقّق الأولى ، ويجعل الثانية ألفا صحيحا ، ويفصل بينهما بألف ؛ لأن ذلك جمع بين ألفين.

ودخلت همزة الاستفهام هنا للتسوية ، وذلك شبيه بالاستفهام ؛ لأن المستفهم يستوي عنده الوجود والعدم ، فكذلك يفعل من يريد التسوية ؛ ويقع ذلك بعد سواء كهذه الآية ، وبعد ليت شعري ؛ كقولك : ليت شعري أقام أم قعد ، وبعد : لا أبالي ، ولا أدري.

وأم هذه هي المعادلة لهمزة الاستفهام ، ولم تردّ المستقبل إلى معنى المضيّ حتى يحسن معه أمس ، فإن دخلت عليها إن الشرطية عاد الفعل إلى أصله من الاستقبال.

٧ ـ (وَعَلى سَمْعِهِمْ) : السمع في الأصل مصدر سمع ، وفي تقديره هنا وجهان :

أحدهما ـ أنه استعمل مصدرا على أصله ، وفي الكلام حذف تقديره : على مواضع سمعهم ؛ لأن نفس السمع لا يختم عليه. والثاني ـ أنّ السمع هنا استعمل بمعنى السامعة ، وهي الأذن ، كما قالوا : الغيب بمعنى الغائب ، والنّجم بمعنى الناجم ، واكتفى بالواحد هنا عن الجمع ، كما قال الشاعر :

بها جيف الحسرى فأما عظامها

فبيض وأما جلدها فصليب

يريد جلودها.

(وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) : يقرأ بالرفع على أنه مبتدأ ، وعلى أبصارهم خبره ، وفي الجار على هذا ضمير.

وعلى قول الأخفش غشاوة مرفوع بالجار ، كارتفاع الفاعل بالفعل ، ولا ضمير في الجار على هذا لارتفاع الظاهرية ، والوقف على هذه القراءة على (وَعَلى سَمْعِهِمْ).

ويقرأ بالنصب بفعل مضمر ، تقديره : وجعل على أبصارهم غشاوة ؛ ولا يجوز أن ينتصب بختم ؛ لأنه يتعدّى بنفسه.

ويجوز كسر الغين وفتحها ، وفيها ثلاث لغات أخر ، غشوة ـ بغير ألف ، بفتح الغين وضمها وكسرها.

(وَلَهُمْ عَذابٌ) : مبتدأ وخبر ، أو فاعل عمل فيه الجار على ما ذكرنا قبل.

وفي (عَظِيمٌ) ضمير يرجع على العذاب ، لأنه صفته.

٨ ـ (وَمِنَ النَّاسِ) : الواو دخلت هنا للعطف على قوله : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ؛ وذلك أنّ هذه الآيات استوعبت أقسام الناس ؛ فالآيات الأول تضمّنت ذكر المخلصين في الإيمان ، وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) تضمّن ذكر من أظهر الكفر وأبطنه ، وهذه الآية تضمّنت ذكر من أظهر الإيمان وأبطن الكفر ؛ فمن هنا دخلت الواو لتبيّن أنّ المذكورين من تتمّة الكلام الأول.

ومن هنا للتبعيض ، وفتحت نونها ولم تكسر لئلا تتوالى الكسرتان.

وأصل الناس عند سيبويه أناس ، حذفت همزته ، وهي فاء الكلمة ، وجعلت الألف واللام كالعوض منها ، فلا يكاد يستعمل الناس إلا بالألف واللام ، ولا يكاد يستعمل أناس بالألف واللام ؛ فالألف في الناس على هذا زائدة ، واشتقاقه من الأنس.

وقال غيره : ليس في الكلمة حذف ، والألف منقلبة عن واو ، وهي عين الكلمة ، واشتقاقه من ناس ينوس نوسا إذا تحرك ، وقالوا في تصغيره : نويس.

(مَنْ يَقُولُ) : من : في موضع رفع بالابتداء ، وما قبله الخبر ، أو هو مرتفع بالجار قبله على ما تقدم.

١٦

ومن هنا نكرة موصوفة ، ويقول : صفة لها ؛ ويضعف أن تكون بمعنى الذي ؛ لأن «الذي» يتناول قوما بأعيانهم ، والمعنى هاهنا على الإبهام. والتقدير : ومن الناس فريق يقول.

ومن موحّدة اللفظ ، وتستعمل في التثنية والجمع والتأنيث بلفظ واحد ، والضمير الراجع إليها يجوز أن يفرد ؛ حملا على لفظها ، وأن يثنّى ويجمع ويؤنث حملا على معناها. وقد جاء في هذه الآية على الوجهين ؛ فالضمير في يقول مفرد ، وفي آمنّا وما هم : جمع.

والأصل في يقول : يقول ـ بسكون القاف وضمّ الواو ؛ لأنه نظير يقعد ويقتل ، ولم يأت إلا على ذلك ، فتقلت ضمة الواو إلى القاف ؛ ليخفّ اللفظ بالواو ، ومن هاهنا إذا أمرت لم تحتج إلى الهمزة ؛ بل تقول : قل ؛ لأن فاء الكلمة قد تحركت فلم تحتج إلى همزة الوصل.

(آمَنَّا) : أصل الألف همزة ساكنة ، فقلبت ألفا لئلا تجتمع همزتان ، وكان قلبها ألفا من أجل الفتحة قبلها ، ووزن آمن أفعل من الأمن.

و (الْآخِرِ) : فاعل ، فالألف فيه غير مبدلة من شيء.

(وَما هُمْ) : «هم» ضمير منفصل مرفوع ب «ما» عند أهل الحجاز ، ومبتدأ عند بني تميم ، والباء في الخبر زائدة للتوكيد غير متعلقة بشيء ؛ وهكذا كلّ حرف جر زيد في المبتدأ أو الخبر ، أو الفاعل ، و «ما» تنفي في الحال ، وقد تستعمل لنفي المستقبل.

٩ ـ (يُخادِعُونَ اللهَ) : في الجملة وجهان :

أحدهما : لا موضع لها.

والثاني : موضعها نصب على الحال ، وفي صاحب الحال والعامل فيها وجهان :

أحدهما ـ هي من الضمير في يقول ، فيكون العامل فيها يقول ، والتقدير : يقول آمنّا مخادعين.

والثاني : هي حال من الضمير في قوله :

بمؤمنين ، والعامل فيها اسم الفاعل ؛ والتقدير :

وما هم بمؤمنين في حال خداعهم.

ولا يجوز أن يكون في موضع جرّ على الصفة لمؤمنين ؛ لأنّ ذلك يوجب نفي خداعهم ؛ والمعنى على إثبات الخداع.

ولا يجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في آمنّا ؛ لأن آمنّا محكيّ عنهم بيقول ، فلو كان يخادعون حالا من الضمير في آمنّا لكانت محكيّة أيضا ، وهذا محال لوجهين :

أحدهما : أنهم ما قالوا آمنّا وخادعنا. والثاني : أنه أخبر عنهم بقوله : يخادعون ، ولو كان منهم لكان : نخادع ـ بالنون.

وفي الكلام حذف تقديره : يخادعون نبيّ الله.

وقيل : هو على ظاهره من غير حذف.

وما يخادعون. وأكثر القراءة بالألف ، وأصل المفاعلة أن تكون من اثنين ، وهي على ذلك هنا ؛ لأنهم في خداعهم ينزلون أنفسهم منزلة أجنبي يدور الخداع بينهما ، فهم يخدعون أنفسهم ، وأنفسهم تخدعهم ؛ وقيل المفاعلة هنا من واحد ؛ كقولك : سافر الرجل ، وعاقبت اللّص.

ويقرأ يخدعون بغير ألف مع فتح الياء.

ويقرأ بضمها على أن يكون الفاعل للخدع الشيطان ؛ فكأنه قال : وما يخدعهم الشيطان.

(إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) ؛ أي عن أنفسهم ، وأنفسهم منصوب بأنه مفعول ، وليس نصبه على الاستثناء ؛ لأن الفعل لم يستوف مفعوله قبل إلا.

١٠ ـ (فَزادَهُمُ اللهُ) : زاد يستعمل لازما ، كقولك : زاد الماء. ويستعمل متعديا إلى مفعولين ، كقولك : زدته درهما ، وعلى هذا جاء في الآية.

ويجوز إمالة الزاي ؛ لأنها تكسر في قولك زدته ، وهذا يجوز فيما عينه واو ؛ مثل خاف ؛ إلا أنه أحسن فيما عينه ياء.

(أَلِيمٌ) : هو فعيل بمعنى مفعل ؛ لأنه من قولك : الم فهو مؤلم ، وجمعه آلام وإلام ، مثل شريف وشرفاء وشراف.

(بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) : هو في موضع رفع صفة لأليم ، وتتعلق الباء بمحذوف ، تقديره : أليم كائن بتكذيبهم ، أو مستحقّ.

وما هنا مصدرية ، وصلتها يكذبون ، وليست «كان» صلتها لأنها الناقصة ، ولا يستعمل منها مصدر.

ويكذبون في موضع نصب خبر كان.

وما المصدرية حرف عند سيبويه ، واسم عند الأخفش ، وعلى كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شيء.

١١ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) : إذا في موضع نصب على الظرف ، والعامل فيها جوابها ، وهو قوله : قالوا.

وقال قوم : العامل فيها قيل ؛ وهو خطأ ؛ لأنه في موضع جر بإضافة إذا إليه ، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف.

وأصل قيل قول ، فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت ، وكسرت القاف لتنقلب الواو ياء ، كما فعلوا في أدل وأحق. ومنهم من يقول : نقلوا كسرة الواو إلى القاف ؛ وهذا ضعيف ؛ لأنك لا تنقل إليها الحركة إلا بعد تقدير سكونها ، فيحتاج في هذه إلى حذف ضمة القاف ، وهذا عمل كثير.

ويجوز إشمام القاف بالضمة مع بقاء الياء ساكنة تنبيها على الأصل.

ومن العرب من يقول في مثل قيل وبيع : قول وبوع ، ويسوّى بين ذوات الواو والياء ، قالوا : وتخرّج على أصلها ، وما هو من الياء تقلب فيه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، ولا يقرأ بذلك ما لم تثبت به رواية.

والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر ، وهو القول ، وأضمر لأنّ الجملة بعده تفسره. والتقدير : وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا. ونظيره : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) ؛ أي بدا لهم بداء ورأي. وقيل : «لهم» هو القائم مقام الفاعل ؛ لأن الكلام لا يتم به ، وما هو مما تفسره الجملة بعده.

ولا يجوز أن يكون قوله : لا تفسدوا قائما مقام الفاعل ؛ لأنّ الجملة لا تكون فاعلا فلا تقوم مقام الفاعل.

ولهم في موضع نصب مفعول قيل.

(فِي الْأَرْضِ) : الهمزة في الأرض أصل ؛ وأصل الكلمة من الاتّساع ، ومنه قولهم : أرضت القرحة إذا اتّسعت. وقول من قال : سميت أرضا لأنّ الأقدام ترضّها ليس بشيء ؛ لأنّ الهمزة فيها أصل ، والرضّ ليس من هذا.

ولا يجوز أن يكون في الأرض حالا من الضمير في تفسدوا ؛ لأنّ ذلك لا يفيد شيئا ، وإنما هو ظرف متعلق بتفسدوا.

(إِنَّما نَحْنُ) : «ما» هاهنا كافّة لإنّ عن العمل ، لأنها هيّأتها للدخول على الاسم تارة وعلى الفعل اخرى ، وهي إنما عملت لاختصاصها بالاسم.

وتفيد «إنما» حصر الخبر فيما أسند إليه الخبر ، كقوله : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) ؛ وتفيد في بعض المواضع اختصاص المذكور بالوصف المذكور دون غيره ، كقولك : إنما زيد كريم ؛ أي ليس فيه من الأوصاف التي تنسب إليه سوى الكرم ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ؛ لأنهم طلبوا منه ما لا يقدر عليه البشر ؛ فأثبت لنفسه صفة البشر ، ونفى عنه ما عداها.

(نَحْنُ) : هو اسم مضمر منفصل مبنيّ على الضم. وإنما بنيت الضمائر ؛ لافتقارها إلى الظواهر التي ترجع إليها ؛ فهي كالحروف في افتقارها إلى الأسماء ، وحرّك آخرها لئلا

١٧

يجتمع ساكنان ؛ وضمّت النون ؛ لأن الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم ، فأشبهت التاء في قمت. وقيل ضمّت لأنّ موضعها رفع ؛ وقيل النون تشبه الواو ، فحركت بما يجانس الواو.

ونحن ضمير المتكلم ومن معه ، وتكون للاثنين والجماعة ويستعمله المتكلم الواحد العظيم. وهو في موضع رفع بالابتداء. و (مُصْلِحُونَ) خبره.

١٢ ـ (أَلا) : هي حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب.

وقيل معناه : حقّا ، وجوّز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقّا ، وهو في غاية البعد.

(هُمُ الْمُفْسِدُونَ) : هم مبتدأ ، والمفسدون خبره ، والجملة خبر إن.

ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيدا لاسم إن.

ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها ؛ لأنّ الخبر هنا معرفة ، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة ، فيعين ما بعده للخبر.

١٣ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا) : القائم مقام المفعول هو القول ، ويفسّره آمنوا ، لأن الأمر والنهي قول.

(كَما آمَنَ النَّاسُ) : الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ؛ أي إيمانا مثل إيمان الناس ؛ ومثله : (كَما آمَنَ السُّفَهاءُ).

(السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ) : في هاتين الهمزتين أربعة أوجه :

أحدها ـ تحقيقهما ، وهو الأصل.

والثاني ـ تحقيق الأولى وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالي الهمزتين ، وجعلت الثانية واوا لانضمام الأولى.

والثالث ـ تليين الأولى ، وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو وتحقيق الثانية.

والرابع ـ كذلك ، إلا أنّ الثانية واو.

ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة والواو ؛ لأنّ ذلك تقريب لها من الألف ، والألف لا يقع بعد الضمة والكسرة. وأجازه قوم.

١٤ ـ (لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) : أصله لقيوا ، فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ، ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها ، وحرّكت القاف بالضم تبعا للواو.

وقيل : نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ثم حذفت. وقرأ ابن السميفع : لاقوا بألف وفتح القاف وضمّ الواو ، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ).

(خَلَوْا إِلى) : يقرأ بتحقيق الهمزة ، وهو الأصل.

ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو ، وحذف الهمزة ، فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة.

وأصل خلوا خلووا ، فقلبت الواو الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت الألف لئلا يلتقي ساكنان ، وبقيت الفتحة تدل على الألف المحذوفة.

(إِنَّا مَعَكُمْ) : الأصل : إنّنا ، فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح ، كما حذفت في إن إذا خفّفت ، كقوله تعالى (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ). ومعكم ظرف قائم مقام الخبر ، أي كائنون معكم.

١٥ ـ (مُسْتَهْزِؤُنَ) : يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الأصل ، وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها ؛ ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الأصلية في مثل قولك : يرمون ، ويضمّ الزاي.

وكذلك الخلاف في تليين همزة (يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ).

(يَعْمَهُونَ) : هو حال من الهاء والميم في يمدّهم.

وفي طغيانهم متعلق بيمدّهم أيضا ، وإن شئت بيعمهون. ولا يجوز أن تجعلها حالين من يمدّهم ؛ لأنّ العامل الواحد لا يعمل في حالين.

١٦ ـ (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) : الأصل اشتريوا ، فقلبت الياء ألفا ، ثم حذفت الألف لئلا يلتقي ساكنان الألف والواو.

فإن قلت : فالواو هنا متحركة؟

قيل : حركتها عارضة ، فلم يعتدّ بها ، وفتحة الراء دليل على الألف المحذوفة.

وقيل : سكنت الياء لثقل الضمة عليها ، ثم حذفت لئلا يلتقي ساكنان.

وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ليفرق بين واو الجمع والواو الأصلية في نحو قوله : لو استطعنا.

وقيل : ضمّت ، لأنّ الضمة هنا أخفّ من الكسرة ؛ لأنها من جنس الواو.

وقيل : حركت بحركة الياء المحذوفة.

وقيل : ضمّت لأنها ضمير فاعل ، فهي مثل التاء في قمت.

وقيل : هي للجمع ، فهي مثل نحن. وقد همزها قوم ؛ شبّهوها بالواو المضمومة ضمّا لازما ، نحو : أثؤب.

ومنهم من يفتحها إيثار للتخفيف.

ومنهم من يكسرها على الأصل في التقاء الساكنين.

ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين ، وهو ضعيف ، لأنّ قبلها فتحة ؛ والفتحة لا تدلّ عليها.

١٧ ـ (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ) : ابتداء وخبر.

والكاف يجوز أن يكون حرف جرّ فيتعلق بمحذوف.

ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل ، فلا يتعلّق بشيء.

(الَّذِي اسْتَوْقَدَ) : الذي هاهنا مفرد في اللفظ ، والمعنى على الجمع ، بدليل قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) وما بعده.

وفي وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان :

أحدهما ـ هو جنس ، مثل : من ، وما ؛ فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد ، وتارة بلفظ الجمع.

والثاني ـ أنه أراد الذين ، فحذفت النون لطول الكلام بالصلة ، ومثله : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) ، ثم قال : (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).

واستوقد بمعنى أوقد ، مثل استقرّ بمعنى قرّ ؛ وقيل : استوقد استدعى الإيقاد.

(فَلَمَّا أَضاءَتْ) : لما هاهنا اسم ، وهي ظرف زمان ، وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضي ، وكان لها جواب. والعامل فيها جوابها ، مثل : إذا.

وأضاءت : متعدّ ، فيكون «ما» على هذا مفعولا به ؛ وقيل أضاء لازم ، يقال : ضاءت النار وأضاءت بمعنى ؛ فعلى هذا يكون «ما» ظرفا.

وفي «ما» ثلاثة أوجه :

أحدها : هي بمعنى الذي.

والثاني : هي نكرة موصوفة ؛ أي مكانا حوله.

والثالث : هي زائدة.

(ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) : الباء هنا معدّية للفعل ، كتعدية الهمزة له. والتقدير : أذهب الله نورهم. ومثله في القرآن كثير.

وقد تأتى الباء في مثل هذا للحال ؛ كقولك : ذهبت بزيد ، أي ذهبت ومعي زيد.

(وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) : تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين ؛ لأنّ المعنى صيّرهم ؛ وليس المراد به التّرك الذي هو الإهمال ؛

١٨

فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثاني في ظلمات ، فلا يتعلق الجارّ بمحذوف ، ويكون (لا يُبْصِرُونَ) حالا.

ويجوز أن يكون لا يبصرون هو المفعول الثاني ، وفي ظلمات ظرف يتعلق بتركهم أو ب «يبصرون».

ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون ، أو من المفعول الأول.

١٨ ـ (صُمٌّ بُكْمٌ) : الجمهور على الرفع ، على أنه خبر ابتداء محذوف ؛ أي هم صمّ.

وقرئ شاذّا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون.

قوله تعالى : (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) : جملة مستأنفة ؛ وقيل : موضعها حال ؛ وهو خطأ ؛ لأنّ ما بعد الفاء لا يكون حالا ؛ لأنّ الفاء ترتّب ، والأحوال لا ترتيب فيها.

و «يرجعون» فعل لازم ؛ أي لا ينتهون عن باطلهم ، أو لا يرجعون إلى الحق.

وقيل : هو متعدّ ومفعوله محذوف ، تقديره : فهم لا يردّون جوابا ، مثل قوله : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ).

١٩ ـ (أَوْ كَصَيِّبٍ) : في «أو» أربعة أوجه :

أحدها ـ أنها للشك ، وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين ؛ فلا يدري أيشبههم بالمستوقد ، أو بأصحاب الصيّب ؛ كقوله : (إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) ؛ أي يشك الرائي لهم في مقدار عددهم.

والثاني ـ أنها للتخيير ؛ أي شبّهوهم بأيّ القبيلتين شئتم.

والثالث ـ أنها للإباحة.

والرابع ـ أنها للإبهام ؛ أي بعض الناس يشبههم بالمستوقد ، وبعضهم بأصحاب الصيّب. ومثله قوله تعالى : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) ؛ أي قالت اليهود : كونوا هودا ، وقالت النصارى : كونوا نصارى.

ولا يجوز عند أكثر البصريين أن تحمل «أو» على الواو ، ولا على «بل» ما وجد في ذلك مندوحة.

والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله : (كَمَثَلِ الَّذِي).

ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ، تقديره : أو مثلهم كمثل صيّب.

وفي الكلام حذف تقديره : أو كأصحاب صيّب ، وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله : يجعلون.

والمعنى على ذلك ؛ لأنّ تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لا بنفس المطر.

وأصل صيّب : صيوب على فيعل ؛ فأبدلت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها ، ومثله : ميّت وهيّن. وقال الكوفيون : أصله صويب على فعيل ؛ وهو خطأ ؛ لأنه لو كان كذلك لصحّت الواو كما صحّت في طويل وعويل.

(مِنَ السَّماءِ) : في موضع نصب. و «من» متعلقة بصيّب ؛ لأن التقدير : كمطر صيّب من السماء ، وهذا الوصف يعمل عمل الفعل. ومن لابتداء الغاية.

ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيّب ؛ فيتعلق من بمحذوف ؛ أي كصيّب كائن من السماء.

والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة ، ونظائره تقاس عليه.

(فِيهِ ظُلُماتٌ) : الهاء تعود على صيّب ، وظلمات رفع بالجار والمجرور ؛ لأنه قد قوي بكونه صفة لصيّب.

ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ ، وفيه خبر مقدم ، وفيه على هذا ضمير ، والجملة في موضع جر صفة لصيّب.

والجمهور على ضمّ اللام ، وقد قرئ بإسكانها تخفيفا ، وفيه لغة أخرى بفتح اللام.

والرعد : مصدر رعد يرعد ، والبرق : مصدر أيضا ؛ وهما على ذلك موحّدتان هنا ؛ ويجوز أن يكون الرعد والبرق بمعنى الراعد والبارق ، كقولهم : رجل عدل وصوم.

(يَجْعَلُونَ) : يجوز أن يكون في موضع جر صفة لأصحاب صيّب ، وأن يكون مستأنفا.

وقيل : يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه ، والراجع على الهاء محذوف ، تقديره : من صواعقه ؛ وهو بعيد ؛ لأن حذف الراجع على ذى الحال كحذفها من خبر المبتدأ ، وسيبويه يعدّه من الشذوذ.

(مِنَ الصَّواعِقِ) : أي من صوت الصواعق.

(حَذَرَ الْمَوْتِ) : مفعول له. وقيل مصدر ؛ أي يحذرون حذرا مثل حذر الموت. والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به.

(مُحِيطٌ) : أصله محوط ؛ لأنه من حاط يحوط ، فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء. ٢٠ ـ (يَكادُ) : فعل يدن على مقاربة وقوع الفعل بعدها ؛ ولذلك لم تدخل عليه أن ؛ لأنّ أن تخلّص الفعل للاستقبال. وعينها واو ، والأصل : يكود ، مثل خاف يخاف ، وقد سمع فيه ، كدت ـ بضم الكاف ؛ وإذا دخل عليها حرف نفي دل على أن الفعل الذي بعدها وقع ، وإذا لم يكن حرف نفي لم يكن الفعل بعدها واقعا ، ولكنه قارب الوقوع.

وموضع (يَخْطَفُ) نصب ، لأنه خبر كاد.

والمعنى : قارب البرق خطف الأبصار.

والجمهور على فتح الياء والطاء وسكون الخاء ، وماضيه خطف ، كقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ).

وفيه قراءات شاذة :

إحداها ـ كسر الطاء على أن ماضيه خطف بفتح الطاء.

والثانية ـ بفتح الياء والخاء والطاء وتشديد الطاء ، والأصل : يختطف ، فأبدل من التاء طاء ، وحركت بحركة التاء.

والثالثة ـ كذلك ، إلا أنها بكسر الطاء على ما يستحقّه في الأصل.

والرابعة ـ كذلك ، إلا أنها بكسر الخاء أيضا على الإتباع.

والخامسة ـ بكسر الياء أيضا اتباعا أيضا.

١٩

والسادسة ـ بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء ، وهو ضعيف لما فيه من الجمع بين الساكنين.

(كُلَّما) : هي هنا ظرف ، وكذلك كلّ موضع كان لها جواب.

و «ما» مصدرية ؛ والزمان محذوف ؛ أي كل وقت إضاءة.

وقيل «ما» هنا نكرة موصوفة ، ومعناها الوقت ، والعائد محذوف ؛ أي كل وقت أضاء لهم فيه. والعامل في كلّ جوابها.

و (فِيهِ) ؛ أي في ضوئه. والمعنى بضوئه.

ويجوز أن يكون ظرفا على أصلها. والمعنى : إنهم يحيط بهم الضوء.

(شاءَ) : ألفها منقلبة عن ياء ؛ لقولهم في مصدره : شئت شيئا ؛ وقالوا : شيّأته ؛ أي حملته على أن يشاء.

(لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) : أي أعدم المعنى الذي يسمعون به.

و (عَلى كُلِ) متعلق ب (قَدِيرٌ) في موضع نصب.

٢١ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ) : أي : اسم مبهم لوقوعه على كل شيء أتي به في النداء توصّلا إلى نداء ما فيه الألف واللام ؛ إذ كانت «يا» لا تباشر الألف واللام ؛ وبنيت لأنها اسم مفرد مقصود.

وها مقحمة للتنبيه ؛ لأن الأصل أن تباشر «يا» الناس ، فلما حيل بينهما بأي عوض من ذلك «ها».

والناس : وصف لأي لا بدّ منه ؛ لأنه المنادى في المعنى ، ومن هاهنا رفع ؛ ورفعه على أن يجعل بدلا من ضمة البناء.

وأجاز المازني نصبه كما يجيز : يا زيد الظريف ؛ وهو ضعيف لما قدمنا من لزوم ذكره ، والصفة لا يلزم ذكرها.

(مِنْ قَبْلِكُمْ) : من هنا لابتداء الغاية في الزمان. والتقدير : والذي خلقهم من قبل خلقكم ؛ فحذف الخلق ، وأقام الضمير مقامه.

(لَعَلَّكُمْ) : متعلق في المعنى باعبدوا ؛ أي اعبدوه ليصحّ منكم رجاء التقوى ؛ والأصل توتقيون ، فأبدل من الواو تاء ، وأدغمت في التاء الأخرى ، وسكنت الياء ثم حذفت ، وقد تقدمت نظائره ، فوزنه الآن تفتعون.

٢٢ ـ (الَّذِي جَعَلَ) : هو في موضع نصب بتتقون ، أو بدل من ربّكم ، أو صفة مكررة ، أو بإضمار أعنى.

ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو الذي.

وجعل هنا متعدّ إلى مفعول واحد ، وهو الأرض.

وفراشا حال ، ومثله : (وَالسَّماءَ بِناءً).

ويجوز أن يكون جعل بمعنى صيّر ، فيتعدى إلى مفعولين ؛ وهما الأرض. وفراشا. ومثله : والسماء بناها. و (لَكُمُ) متعلق بجعل ؛ أي لأجلكم.

(مِنَ السَّماءِ) : متعلق بأنزل ، وهي لابتداء غاية المكان.

ويجوز أن يكون حالا. والتقدير : ماء كائنا من السماء ؛ فلما قدّم الجارّ صار حالا وتعلّق بمحذوف.

والأصل في ماء موه ؛ لقولهم : ماهت الركيّة تموه ، وفي الجمع أمواه ، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، ثم أبدلوا من الهاء همزة ، وليس بقياس.

(مِنَ الثَّمَراتِ) : متعلق بأخرج ، فيكون «من» لابتداء الغاية.

ويجوز أن يكون في موضع الحال ، تقديره : رزقا كائنا من الثمرات.

و (لَكُمُ) : أي من أجلكم. والرّزق هنا بمعنى المرزوق ، وليس بمصدر.

(فَلا تَجْعَلُوا) : أي لا تصيّروا ، أو لا تسمّوا ، فيكون متعديّا إلى مفعولين. والأنداد : جمع ندّ ونديد.

(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) : مبتدأ وخبر في موضع الحال.

ومفعول تعلمون محذوف ؛ أي تعلمون بطلان ذلك.

والاسم من أنتم «أن» ، والتاء للخطاب ، والميم للجمع ، وهما حرفا معنى.

٢٣ ـ (وَإِنْ كُنْتُمْ) : جواب الشرط (فَأْتُوا بِسُورَةٍ). و (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) شرط أيضا جوابه محذوف أغنى عنه جواب الشرط الأول ؛ أي إن كنتم صادقين فافعلوا ذلك.

ولا تدخل إن الشرطية على فعل ماض في المعنى ، إلا على كان لكثرة استعمالها ، وأنها لا تدل على حدث.

(مِمَّا نَزَّلْنا) : في موضع جر صفة لريب ؛ أي ريب كائن مما نزلنا.

والعائد على «ما» محذوف ؛ أي نزلناه ، و «ما» بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة.

ويجوز أن يتعلق «من» بريب ؛ أي إن ارتبتم من أجل ما نزّلنا.

(فَأْتُوا) : أصله : ائتيوا ، وماضيه أتى ، ففاء الكلمة همزة ؛ فإذا أمرت زدت عليها همزة الوصل مكسورة ، فاجتمعت همزتان والثانية ساكنة ، فأبدلت الثانية ياء لئلا يجمع بين همزتين ، وكانت الياء الأولى للكسرة قبلها ، فإذا اتصل بها شيء حذفت همزة الوصل استغناء عنها ثم همزة الياء ؛ لأنك أعدتها إلى أصلها لزوال الموجب لقلبها.

ويجوز قلب هذه الهمزة ألفا إذا انفتح ما قبلها مثل هذه الآية ؛ وياء إذا انكسر ما قبلها ؛ كقوله : «الذي إيتمن» ، فتصيرها ياء في اللفظ ؛ وواوا إذا انضمّ ما قبلها كقوله : (يا صالِحُ ائْتِنا). ومنهم من يقول : ذن لي.

(مِنْ مِثْلِهِ) : الهاء تعود على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فيكون من للابتداء ؛ ويجوز أن تعود على القرآن ، فتكون من زائدة ، ويجوز أن تعود على الأنداد بلفظ المفرد ، كقوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ).

(وَادْعُوا) : لام الكلمة محذوف ؛ لأنه حذف في الواحد دليلا على السكون الذي هو جزم في المعرب ، وهذه الواو ضمير الجماعة.

(مِنْ دُونِ اللهِ) : في موضع الحال من الشهداء ، والعامل فيه محذوف ، تقديره شهداءكم منفردين عن الله ، أو عن أنصار الله.

٢٤ ـ (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) : الجزم بلم لا بإن ؛ لأن «لم» عامل شديد الاتصال بمعموله ، ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ ، وإن قد دخلت على الماضي في اللفظ ، وقد وليها الاسم ، كقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

(وَقُودُهَا النَّاسُ) : الجمهور على فتح الواو وهو الحطب ، وقرئ بالضم ، وهو لغة في الحطب ؛ والجيّد أن يكون مصدرا بمعنى التوقد ، ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره : توقّدها احتراق الناس ، أو تلهّب الناس ، أو ذو وقودها الناس.

(أُعِدَّتْ) : جملة في موضع الحال من النار ؛ والعامل فيها فاتّقوا.

ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير في وقودها لثلاثة أشياء :

أحدها ـ أنّها مضاف إليها.

والثاني ـ أنّ الحطب لا يعمل في الحال.

والثالث ـ أنك تفصل بين المصدر أو ما عمل عمله ، وبين ما يعمل فيه بالخبر ، وهو النّاس.

٢٥ ـ (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) : فتحت أنّ هاهنا ؛ لأن التقدير بأنّ لهم ، وموضع أنّ وما عملت فيه نصب ببشّر ؛ لأن حرف الجر إذا حذف وصل الفعل بنفسه. هذا مذهب سيبويه.

وأجاز الخليل أن يكون في موضع جرّ بالباء المحذوفة ؛ لأنه موضع تزاد فيه ؛ فكأنها ملفوظ بها ؛ ولا يجوز ذلك مع غير أن ، ولو قلت بشره بأنه مخلّد في الجنة جاز حذف الباء لطول الكلام ، ولو قلت بشره الخلود لم يجز ؛ وهذا أصل يتكرر في القرآن كثيرا ، فتأمله واطلبه هاهنا.

(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) : الجملة في موضع نصب صفة للجنّات ، والأنهار مرفوعة بتجري ؛ لا بالابتداء ، ومن تحتها الخبر ، ولا بتحتها ؛ لأنّ تجري لا ضمير فيه ؛ إذ كانت الجنات لا تجري ، وإنما تجري أنهارها.

والتقدير : من تحت شجرها ، لا من تحت أرضها ، فحذف المضاف.

٢٠