التفسير المبين

محمّد جواد مغنية

التفسير المبين

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-465-000-X
الصفحات: ٨٣٠

٣ ـ (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) تعددت الأقوال وتضاربت في معنى الشاهد والمشهود هنا حتى بلغت ٤٨ قولا كما في بعض التفاسير ، ولكن إذا رجعنا إلى القرآن الذي ينطق بعضه ببعض ـ علمنا بأن المراد بالشاهد الله سبحانه وبالمشهود عليه كل شيء لقوله في العديد من الآيات : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ـ ١٧ الحج».

٤ ـ (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) هذا في ظاهره جواب للقسم ، وفي واقعه دليل على جواب القسم المحذوف ، والتقدير لعن الذين عذبوا الصحابة كبلال وخباب وعمار كما لعن أصحاب الأخدود وهو شق يحفر في الأرض كالخندق ، وأشار سبحانه إلى قصة أصحابه بإيجاز في قوله :

٥ ـ ٩ ـ (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ) كان فيما مضى قوم طغاة كفرة حفروا خندقا وأضرموه نارا وجاءوا بالمؤمنين ، فمن ارتد عن دينه إلى الشرك تركوه ، ومن أصر على إيمانه أحرقوه ، وهم قاعدون حول الخندق يتلذذون بمشاهدة الأجسام تحترق ، ولا ذنب إطلاقا إلا الإيمان بالله ، وهذا بالذات ما فعله طغاة مكة بالمؤمنين المستضعفين.

١٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) بعد أن أشار سبحانه إلى أهل الأخدود الجبابرة ذكر موقف قريش من ضعاف الصحابة وكيف كانوا يفتنونهم عن دينهم ويذيقونهم العذاب الوبيل ، وقد هددهم سبحانه بحريق جهنم إذا لم يتوبوا ويرتدعوا.

١١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ ...) عند ربهم أنهار وجنات ، وتقدم مرات ومرات حيث يقرن سبحانه الهول المفزع للمجرمين بالأمن والأمان للمتقين ، وعذاب الجحيم بثواب النعيم.

١٢ ـ (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) البطش : الأخذ بعنف ، فكيف إذا كان شديدا : ومن جبار السموات والأرض؟

١٣ ـ (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) يحيي ويميت ويبعث الموتى من جديد.

١٤ ـ (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) يحب الخير لجميع الخلق بلا استثناء.

١٥ ـ (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) الجليل في أفعاله الجزيل في نواله.

١٦ ـ (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

١٧ ـ ١٨ ـ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) قوم صالح والكلام مستأنف ، والمعنى واضح وخلاصته قد سمعت يا محمد حديث الطغاة ومصيرهم ، كذبوا بالحق ، فأخذهم ربك أخذ عزيز مقتدر ، فكذلك يفعل بمن كذب رسالتك متى يشاء.

٨٠١

١٩ ـ (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) أبدا ، لا عذر لمن كذب محمدا والقرآن بعد العلم التام بهما ـ الا أنه مولع بالكذب وتكذيب أهل الحق والصدق.

٢٠ ـ (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) انهم في قبضة الله يقلبهم كيف يشاء ، ويهلكهم متى أراد.

٢١ ـ (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) عظيم بدعوته إلى العمل بالعلم والعقل ، ونهيه عن التقليد والتعصب ، وجعله الناس ، كل الناس ، على مستوى واحد في جميع الحقوق والواجبات ، ولا فضل وامتياز إلا لمن قدّم عملا صالحا يفيد الفرد والجماعة.

٢٢ ـ (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) من التحريف والتزييف ، مصون من التغيير والتبديل.

سورة الطّارق

مكيّة وهي سبع عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) أقسم سبحانه بالسماء على وجه العموم وبلا استثناء ، وهي العالم العلوي بكل ما فيه ، وأيضا أقسم بالطارق وهو كل ما يأتي ليلا نجما كان أو غير نجم ، ولكن هذا العموم غير مراد لأنه تعالى فسّر الطارق هنا بقوله : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) أي المنير ، أما قوله :

٢ ـ ٣ ـ (وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ) فهو للتفخيم والتعظيم ، وإنما عظم الله من شأن العالم العلوي والنجم لما فيهما من المنافع.

٤ ـ (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) جواب القسم ، وان نافية ولا بمعنى إلا ، والمراد ما من أحد من بني آدم إلا وعليه رقيب يسجل أعماله ، وتقدم في الآية ١١ من الإنفطار ، إضافة إلى علمه تعالى.

٥ ـ ٧ ـ (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ...) الماء الدافق : النطفة ، والصلب : كل عظم من الظهر فيه فقار ، والمراد به هنا صلب الرجل ، والترائب : موضع القلادة من الصدر ، والمراد بها هنا ترائب المرأة. والمعنى إذا فكر الإنسان : من أين خلق؟ وكيف صار إنسانا كاملا بصورته وأعضائه وشكله وقدرته وإرادته وعقله ـ انتهى لا محالة إلى الإيمان بأن الله تعالى.

٨ ـ (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) لأن القدرة على النشأة الأولى تشهد بالقدرة على الثانية ، ومن أنكر هذه واعترف بتلك فقد أثبت الشيء ونفاه في آن واحد ومن جهة واحدة ، وتجدر الإشارة أن العلم لم يهتد إلى خروج النطفة من بين الصلب والترائب إلا في هذا القرن. وهكذا تزداد آيات القرآن قوة ووضوحا كلما تقدم العلم بتقدم الزمن.

٩ ـ ١٠ ـ (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) كل شيء على المكشوف يوم القيامة ، فالسر علانية والغيب شهادة ، وأيضا لا حول ولا قوة لأحد من نفسه أو من غيره إلا بصالح الأعمال وصدق النوايا والأقوال.

٨٠٢

١١ ـ ١٢ ـ (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) الرجع : الماء لأنه يرجع ويتكرر ، والصدع : النبات لأنه يصدع الأرض ويشقها ، وأقسم سبحانه بالسماء التي تجود بالشراب وبالأرض التي تعطي الطعام.

١٣ ـ ١٤ ـ (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) القرآن يفصل بين الحق والباطل والخير والشر ، وأبعد ما يكون عن السحر والشعر كما ينعته المفترون ، وتقدم في الآية ٤٠ من الحاقة وغيرها.

١٥ ـ ١٦ ـ (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً) يدبّر الطغاة في الخفاء الدسائس والمؤامرات ضد الرسول والمؤمنين والله سبحانه يبطل كيدهم ومكرهم ، ويرد سهامهم إلى نحورهم ، وتقدم في الآية ٥٤ من آل عمران وغيرها.

١٧ ـ (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) لا تعجل يا محمد واصبر قليلا ، فما عذاب ربك من الظالمين ببعيد.

سورة الأعلى

مكيّة وهي تسع عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الخطاب لمحمد (ص) والأمر للجميع ، والمعنى نزه الله عما يصفه الجاهلون والملحدون ولا شيء أوضح وأدل من كلمة التوحيد على أنه تعالى ليس كمثله شيء.

٢ ـ ٣ ـ (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) وخير تفسير لهذا قول الإمام عليّ (ع) : قدّر ما خلق فأحكم تقديره ، ودبّره فألطف تدبيره ، ووجهه لوجهته فلم يتعد حدود منزلته ، ويقصر دون الانتهاء لغايته.

٤ ـ (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) الزرع والنبات بشتى أنواعه.

٥ ـ (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) هشيما قاتما ، وفيه إيماء إلى أن كل حي إلى زوال ، وتقدم في الآية ٢١ من الزمر وغيرها.

٦ ـ (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) بشرى من الله لنبيه برسوخ القرآن في قلبه ، فلا ينسى منه حرفا واحدا ، وتقدم في الآية ١٧ من القيامة.

٧ ـ (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ليس هذا استثناء بل توكيدا لنفي النسيان عن النبي (ص) ، وانه لا قوة إطلاقا تنسي محمدا شيئا من القرآن إلا الله وهو سبحانه لا ينسيه كيف وقد وعده بالحفظ وعدم النسيان ، والله منجز وعده لا محالة.

٨ ـ (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) وهي الشريعة السهلة السمحة والمعنى أن الله سبحانه يسهل لنبيه سبل الوحي وتبليغه والعمل به كما شاء وأراد.

٨٠٣

٩ ـ (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) التبليغ حتم نفع أم لم ينفع إقامة للحجة وقطعا للمعذرة وإلا امتنع الحساب والعقاب وعليه يكون المعنى عليك أولا أن تبلّغ على كل حال كما في الآية ٨٢ من النحل (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وبعد البلاغ التام ذكر وعظ إن نفعت العظة والذكرى ، وإن يئست فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.

١٠ ـ (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) من كانت الحكمة ضالته والهدية أمنيته.

١١ ـ ١٢ ـ (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) من عاند الحق لأنه لا ينسجم مع أهدافه وأهوائه يستحيل أن يستجيب لدعوته وإن قام عليه ألف دليل لأن الهوى يعمي ويصم كما قال سبحانه لنبيه : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ٤٠ الزخرف».

١٣ ـ (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) ضمير فيها يعود إلى النار الكبرى بشدائدها وأهوالها ، ومن دخلها لا يموت فيستريح ، ولا يحيا حياة من غير نار وجحيم.

١٤ ـ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) من طهّر نفسه بالانقياد للحق وعمل الخير ، والبعد عن الشر والباطل.

١٥ ـ (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) الصلوات الخمس وحافظ عليها ، واهتم بها ، ولا وزن عند الله سبحانه لمن تركها حتى ولو أجرى للناس أنهرا من لبن وعسل. هكذا قال الإسلام ، وما هو من عندنا.

١٦ ـ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) والدنيا المذمومة هي دنيا الحرام ، والذين عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين هم الدّين يمتطون الدين للدنيا.

١٧ ـ (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ) عند ربك وخير أملا ، وتقدم في الآية ٤٦ من الكهف وغيرها.

١٨ ـ ١٩ ـ (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) ما ذكره سبحانه من فلاح المصلي والمزكي ونعيم الآخرة ودوامه وعظمته ـ ثابت في الكتب التي أنزلها سبحانه على إبراهيم الخليل وموسى الكليم (ع).

سورة الغاشية

مكيّة وهي ست وعشرون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) وهي في اللغة الغطاء ، ومنه قوله تعالى : وإذا غشيهم موج كالظلل أي غمرهم الموج وغطاهم ، والمراد بالغاشية هنا القيامة لأنها تغشى الناس بشدائدها وتغمرهم بأهوالها.

٢ ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) يظهر عليها أثر الخزي والهوان.

٨٠٤

٣ ـ (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) من النصب ، وهو التعب ، والمعنى عمل أصحاب هذه الوجوه للدنيا وحدها ولم يعملوا شيئا للآخرة ، فأجهز عملهم عليهم.

٤ ـ (تَصْلى ناراً حامِيَةً) تكوى هذه الوجوه بنار مستعرة.

٥ ـ (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) بلغت حرارتها الغاية والنهاية.

٦ ـ (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) وهو شر طعام وأخبثه ، وقيل : وهو نوع من الشوك سام قاتل.

٧ ـ (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) لا يدفع ضرا ، ولا يجلب نفعا.

٨ ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) بعد الإشارة إلى المجرمين وما يقاسون من عذاب الجحيم ، أشار إلى المتقين وما يتقلبون فيه من النعيم ، والوجوه الناعمة هي التي تظهر عليها نضرة النعيم كما قال سبحانه في الآية ٢٤ من المطففين : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ).

٩ ـ (لِسَعْيِها راضِيَةٌ) رضيت أجرها في الآخرة على عملها في الدنيا.

١٠ ـ (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) بشأنها وخيرها وأمنها وشتى جهاتها ١١ ـ (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) سخفا وجهالة وحماقة ونذالة ١٢ ـ (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) جنات تجري من تحتها الأنهار ١٣ ـ (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) عن الأرض.

١٤ ـ (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) على جانب العين.

١٥ ـ (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) جمع نمرقة ، وهي الوسادة : المسند او المخدة.

١٦ ـ (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) وهي البسط ، ومبثوثة : متفرقة. وكل ما جاء هنا في وصف الجنة تقدم مرات ، والكلمة الجامعة الوافية في وصف الجنة قوله تعالى : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ٧١ الزخرف».

١٧ ـ (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) قال الشيخ محمد عبده : إنما خصّ الإبل لأنها أفضل دواب العرب وأعمها نفعا ، ولأنها خلق عجيب ، فهي على شدتها تنقاد للضعيف ، ثم في تركيبها ما أعدّ لحمل الأثقال ، تبرك لتحمل وتنهض بما تحمل مع الصبر على السير والعطش والجوع ١٨ ـ (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) فوق الأرض بكواكبها اللامعة النافعة ١٩ ـ (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) أوتادا للأرض ، ولو لا الجبال لمادت بأهلها ٢٠ ـ (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) في رؤية العين لا في الواقع ، والمعنى المراد : كيف مهدت واستقرّ عليها كل شيء حتى الأنهار والبحار.

٢١ ـ (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) حدد سبحانه مهمة الرسول وحصرها بالتذكير وكفى ، ولم يجعل له أية سلطة على من رفض الإسلام ولم ينصب له العداء بدليل قوله تعالى ٢٢ ـ (لَسْتَ عَلَيْهِمْ) أي الكافرين (بِمُصَيْطِرٍ) وفي آية ثانية : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) ـ ٤٥ ق» وفي كتاب «من هدي القرآن» لأمين الخولي كلمة حول هذه الآية قليلة المبنى كثيرة المعنى ، وهذا نصها «بهذا الصنع من هدي القرآن صنع القرآن قادة لا جبابرة ، وبهذه الرياضة الإلهية ارتاض محمد رسول القرآن (ص) ودانت له الرقاب ، وتهيأت له الأسباب ، وظل كما هو القائد الرسول يؤثر أن يكون عبد الله ورسوله ، ويكره أن يكون ملكا مرهوبا» فهل يتعظ بهذا عشاق الكبرياء والاستعلاء؟

٨٠٥

٢٣ ـ (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ ...) أي ذكّر وعظ يا محمد كل الناس إلا من أدبر وتولى ويئست من هدايته ، فدعه وشأنه ، فإنه عائد إلى الله وملاقيه لا محالة ، وعليه وحده حسابه وعقابه

سورة الفجر

مكيّة وهي ثلاثون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (وَالْفَجْرِ) وقت تنفس الصبح كما في الآية ١٨ من التكوير : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ).

٢ ـ (وَلَيالٍ عَشْرٍ) قيل : هي العشر الأوائل من ذي الحجة الشهر الأخير من أشهر الحج الثلاثة : شوال وذي القعدة وذي الحجة.

٣ ـ (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) الشفع : الزوج ، والوتر : الفرد ، والأشياء كلها إما زوج وإما فرد ، وغير بعيد عن ظاهر اللفظ أنهما إشارة إلى الحساب على وجه العموم ، لأنه تعالى أطلق ولم يقيد بشيء خاص ٤ ـ (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) يذهب وفي الآية ٣٣ من المدثر : والليل إذا أدبر».

٥ ـ (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) الاستفهام هنا لتقرير الواقع ، والمراد بالحجر العقل ، والمعنى أن في الأشياء التي أقسم بها سبحانه حجة كافية في الدلالة على وجود الله ٦ ـ ٨ ـ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) عاد قوم هود ، وإرم اسم الجد الأعلى للقبيلة ، وذات العماد كناية عن الغنى والترف الذي قادهم إلى الجبروت والطغيان ، ومعصية الله والرسول ، فأخذهم سبحانه بالهلاك والدمار ، وإذا لم ينته المعاندون والمعادون لمحمد (ص) فسيكون مآلهم مآل عاد ٩ ـ (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) وأيضا قوم صالح الذين اتخذوا من الجبال بيوتا فارهين ، كانوا أقوياء وأغنياء ، ولما طغوا وبغوا وعصوا الرسول ، فعل بهم سبحانه ما فعل بعاد.

١٠ ـ (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) أي المباني العظيمة الشامخة الثابتة كالأهرام ١١ ـ ١٣ ـ (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) لفظ الذين وما بعده صفة لعاد وثمود وفرعون لأنهم بالكامل أكثروا الفساد ، ووقع عليهم العذاب ، وخصّ سبحانه السوط بالذكر لأنه يشير إلى تكرار العذاب ، وتقدم أن عذاب عاد بالريح ، وثمود بالصيحة ، وفرعون بالغرق ١٤ ـ (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) رقيب على العباد محيط بما يقولون ويفعلون ، ويجازي كلا سعيه وفعله ١٥ ـ ١٦ ـ (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) يبتلي سبحانه العباد بما يحبون وما يكرهون إخراجا لما في نفوسهم بالأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب ، لأنه تعالى لا يعاقب إلا على جرم مادي محسوس ، وهو يثيب على مجرد النية ، وأكثر الكسالى إذا افتقروا ألقوا التبعة والمسئولية على قضاء الله وقدره وإذا استغنوا عن طريق الميراث وما أشبه ظنوا أنهم أقرب المقربين عند الله! وهذا هو الجهل بالجهل لأن دار الدنيا للعمل لا للجزاء ، ودار الآخرة للجزاء لا للعمل ، وفي الحديث : «الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها وحدها يجمع من لا عقل له».

٨٠٦

١٧ ـ ١٨ ـ (كَلَّا) ليست الكرامة عند الله بالمال بل بالتقوى وصالح الأعمال ، ولا الإهانة بالفقر ، بل بالفساد والضلال ، بمعصية الله الذي خلق ما في الأرض للناس جميعا بفساد الأوضاع التي ما أنزل الله بها من سلطان ، بجوز الأقوياء الذين احتكروا واستأثروا وحرموا المساكين والضعفاء. وإلى هذا المعنى بالذات أشار سبحانه بقوله : (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) بل يغدرون بالأرامل والأيتام والمشردين والمساكين ، وينتهبون أموالهم ظلما وعدوانا.

١٩ ـ (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) اي أكلا شديدا ، والمراد بالتراث هنا ميراث الأيتام والضعفاء بقرينة السياق ، وكل من لا يخشى الله والحق يأكل أموال الضعفاء والمساكين إذا لم يكن لهم عم ولا خال.

٢٠ ـ (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) ميراثا كان أم غير ميراث ، والجم معناه الكثير ، وقلنا مرات : لا بأس بحب المال الحلال ، والغنى عن الناس ضمان للكرامة ، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ... ونعم المال الصالح للرجل الصالح ، كما قال الرسول الأعظم (ص).

٢١ ـ (كَلَّا) لا ينبغي للإنسان أن يشح بالمال في سبيل الخير ، فإنه مسؤول عن ذلك (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) الدك : الهدم ، والتكرار إشارة للتتابع أي دكا بعد دك ، والمعنى إذا قامت القيامة.

٢٢ ـ (وَجاءَ رَبُّكَ) أمره وقضاؤه (وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) أي صفوفا متعددة.

٢٣ ـ (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) يكشف عنها يوم القيامة لكل ناظر (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) تذهب الغفلة ، وتأتي اليقظة (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) تذكّر خطأه وتقصيره ، ولكن بعد فوات الأوان.

٢٤ ـ (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) عملا أنتفع به عند الحساب والجزاء ، وأجهل الناس من لا يحس بذنبه إلا عند العقوبة ، وأشد سفها منه من أحسن بالذنب ، ولم يندم ويبادر إلى التوبة ، وكل من ذا وذاك.

٢٥ ـ (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) كناية عن أليم العذاب وشدته ، وأنه لا عذاب يضاهيه ويماثله.

٢٦ ـ (وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) الوثاق : ما يشد به من قيد أو حبل أو سلسلة ، وفي الآية ٤ من الإنسان : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً).

٢٧ ـ (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) وهي التي آمنت بالله وجنته ، وعملت بشريعته وطاعته.

٢٨ ـ (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) أي إلى ثوابه ، وكرامته وإلا فإن الله أقرب إلينا من حبل الوريد (راضِيَةً) عن عملها في الدنيا وبأجرها في الآخرة (مَرْضِيَّةً) عند الله لصلاحها وتقواها.

٢٩ ـ (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) في جملة من فازوا بجنات النعيم.

٨٠٧

سورة البلد مكيّة وهي عشرون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) مكة المكرمة ، وأقسم سبحانه بها لشأنها وحرمتها.

٢ ـ (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) هذه جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه ، والخطاب لمحمد (ص) وحلّ من الحلول بمعنى النزول لا من الحلال كما قيل لأن المعنى الأول هو الأظهر المتبادر ، والواو للحال ، وعليه يكون القسم بمكة مقيّدا بوجود محمد (ص) فيها إشعارا بأن مكة زادت به شأنا ورفعة.

٣ ـ (وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) قال الشيخ محمد عبده : «المراد كل والد ومولود من الإنسان والحيوان والنبات كما يرشد إليه التنكير ، وهو مختار ابن جرير وجمع من المحققين والغرض من القسم بذلك التنبيه إلى إنشاء الكائنات الحية وتطورها من حال إلى حال.

٤ ـ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) بفتح الكاف.

والباء ، من المكابدة ، والمعنى أن الله سبحانه خلق الإنسان ليكابد الشدائد من أجل حياة أفضل عند الله والناس ، قال عزّ من قائل : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ـ ٢ الملك ... (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ١٢٩ الأعراف معنى هذا أن من يأكل ولا يعمل موته خير من حياته ، وعدمه خير من وجوده.

٥ ـ (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) أيظن المترف الطاغية أنه في حصن حصين من الضربات والنكبات.

٦ ـ (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) أي أنفقت مالا كثيرا ملبدا ومكدسا بعضه فوق بعض ، وهكذا يفتخر الغني الشقي متعاليا بما أسرف وبذر على شهواته وملذاته.

٧ ـ (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) أيظن هذا المفتون بماله أن الله غافل عن أعماله؟ كلا ، سيسأل عن كل درهم مم اكتسبه وفيم أنفقه؟ ويعامل بما استحق.

٨ ـ (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) يبصر بهما.

٩ ـ (وَلِساناً) ينطق به (وَشَفَتَيْنِ) يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام.

١٠ ـ (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) المراد بالهدى هنا العقل الذي يكون الإنسان به شيئا مذكورا ، وإليه ينتهي العلم بكل سر وحقيقة سواء أكانت طبيعية أم دينية أم اجتماعية حيث لا علم بلا عقل ، وكل ما يرفضه العقل فهو وهم وخرافة ، وبهذا يتضح أن المراد بالنجدين : الحق والباطل ، الأول يرتضيه العقل أو لا يعارضه ـ على الأقل ـ والثاني ينكره العقل ويأباه.

١٦ ـ ١٧ ـ (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً

٨٠٨

ذا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) اقتحام العقبة : الكفاح لعمل أفضل ، وفك الرقبة : تحرير الإنسان من العبودية والهوان ، والمسغبة : المجاعة ، والمقربة : القرابة بالنسب أو بالإنسانية ، والمتربة : الفقر الشديد ، والتواصي بالصبر والمرحمة : التعاون على تحقيق العدالة الاجتماعية ، بعد ان بيّن سبحانه في الآية ٤ أنه خلق الإنسان ليكابد ويجاهد ، حدد في هذه الآيات السبع نوع هذه المكابدة بالعمل لتحرير الضعيف من الضعف والعبودية ، وتأمين العمل لكل من يقدر عليه ، ولقمة العيش لمن يعجز عن السعي والتعاون على ترابط المجتمع وتماسكه وقدرته على البقاء ومواجهة الخطوب والأحداث.

١٨ ـ (أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أولئك إشارة إلى الذين تعاونوا على تحقيق العدالة الاجتماعية والعمل لحياة أفضل ، وأصحاب الميمنة في اصطلاح القرآن هم السعداء الذين لهم قدم صدق عند ربهم.

١٩ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) الذين غضب الله عليهم ، وأعد لهم نارا موقدة وعليهم موصدة مطبقة مغلقة.

سورة الشّمس

مكيّة وهي خمس عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) أقسم سبحانه في هذه السورة ببعض مخلوقاته العظيمة في منافعها وآثارها ، وضحى ٢ ـ (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) جاء بعد غياب الشمس ، وذلك في الليالي البيض ١٣ و ١٤ و ١٥ حيث يضيء الليل بالكامل من غروب الشمس إلى الفجر.

٣ ـ (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) النهار يبرز الشمس للعيان واضحة جلية ، وإن قال قائل : النهار عبارة عن ضوء الشمس وإذن هي أوجدت النهار وأظهرته للعيان مع أن الآية تقول : هو الذي أظهر الشمس وأبرزها ـ قلنا في جوابه : الشمس توجد النهار إيجاد المؤثر لأثره ، والنهار يدل على الشمس دلالة الأثر على المؤثر ، وعليه يكون المراد بالجلاء المعنى الحقيقي وهو الدليل على وجود الشمس لا على إيجادها ٤ ـ (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) يغطي الليل ضوء الشمس ولا يبقي لها من أثر في الليلة الأولى والأخيرة من الشهر القمري ٥ ـ (وَالسَّماءِ وَما بَناها) أي وبنائها لأن «ما» مصدرية ، والمراد أن الله خلق ما في الفضاء من الكواكب ، وتقدم في الآية ٤٧ من الذاريات وغيرها ٦ ـ (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) أي وطحوها وهو البسط والتمهيد ، وتقدم مرات ، منها في الآية ٢٢ من البقرة ٧ ـ (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) النفس شيء يكون به الإنسان إنسانا والحيوان حيوانا ، وهي لا ترى ولا تلمس بحال ، وإنما نعرفها بالآثار كالجاذبية. ومن آثارها النمو والحركة والشعور بالألم واللذة والإدراك الذي أشار إليه سبحانه بقوله : ٨ ـ (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) الفجور والتقوى من صفات الإنسان دون الحيوان ، والله سبحانه وهب الإنسان القدرة والعقل والإرادة ، وبيّن له الخير وأمره به ، والشر ونهاه عنه ، فمن أطاع أصاب سبيل السلامة ، ومن عصى فعليه عاقبة معصيته ، وتقدم في الآية ٣ من الإنسان وغيرها.

٩ ـ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) هذا جواب القسم والمعنى قد ربح وفاز من كفّ أذاه عن الناس ، وعف عن أكل الحرام ،

٨٠٩

ولم يعبث بأموال المنكوبين والأيتام باسم الدين وثوب الصلاح والصالحين.

١٠ ـ (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) من الدسيسة أي أخفى نفسه الخبيثة بالخداع والرياء ، قال الشيخ محمد عبده : «هل تكون خيبة أعظم وخسران أكبر من خيبة هذا الذي مسخ نفسه بسوء عمله؟ فما أجمل هذا التعبير! وما أحواه للمعاني الرفيعة»! ١١ ـ (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) مفعول كذبت محذوف أي كذبت ثمود نبيها صالحا بسبب غيها وطغيانها.

١٢ ـ (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) أسرع أشقى قبيلة ثمود إلى عقر ناقة الله.

١٣ ـ (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ) صالح : اتقوا (ناقَةَ اللهِ) التي هي معجزة تدل على نبوة صالح (وَسُقْياها) إشارة إلى ما جاء في الآية ١٥٥ من الشعراء : (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ).

١٤ ـ (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) قال سبحانه : عقروها : مع أن العاقر واحد ، لأنهم رضوا بفعله ، ودمدم عليهم : أطبق عليهم العذاب ، فسواها : دمّر مساكنها على ساكنيها بالكامل ، ولم يفلت منهم أحد.

١٥ ـ (وَلا يَخافُ عُقْباها) لأن سبب الخوف لا يخلو من أحد فرضين : الخوف أو الظلم ، وتعالى الله عن هذا وذاك.

سورة اللّيل

مكيّة وهي احدى وعشرون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ ٢ ـ (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) يغشى : يغطي الأشياء ، وتجلى : ظهر ، ومثله تماما في الآية ٣ و ٤ من سورة الشمس : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) ٣ ـ (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) «ما» هنا مصدرية أي وخلق الذكر والأنثى يستحيل أن يكون بمحض الصدفة والاتفاق ، لأن العناصر واحدة والطبيعة واحدة ، وإذن لا بدّ أن يكون وراء التخالف في الأنوثة والذكورة مدبر عليم يخطط لبقاء النوع بالتناسل والتوالد ٤ ـ (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) جمع شتيت ، وهو جواب القسم والمعنى أن في الناس المحسن والمسيء ، وإذن لا بد من الجزاء ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر حيث لا يستقيم في عدله تعالى أن يستوي المحسن والمسيء ، وإلى هذا أشار سبحانه بقوله :

٥ ـ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) جاهد أعداء الحق ، وكفّ عن البغي والأذى.

٦ ـ (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) آمن بالجنة والنار والحلال والحرام ، وعمل بموجب إيمانه.

٧ ـ (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) يسهل الله عليه ما يبتغيه ويرضيه ، قال الإمام عليّ (ع) : «لو أن السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجا» ٨ ـ (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى) أمسك عن كل خير واكتفى بطعامه وشرابه عن كل شيء تماما كالبهيمة.

٨١٠

٩ ـ (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) وقال : لا جنة ولا نار ولا حرام وآثام.

١٠ ـ (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) تطغى عليه الشهوات والملذات ، وتعميه عن كل خير ، وتقوده إلى كل شر.

١١ ـ (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) إذا سقط في الهاوية لا مال ينفعه ، ولا ناصر يسعفه.

١٢ ـ (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) المراد بالهدى بيان الحلال والحرام ، والمعنى كتب سبحانه على نفسه أن يبلغ شريعته لعباده بلسان العقل أو الرسول ، ويترك الطاعة والعمل لمشيئتهم حيث لا دين مع الإكراه ، ولا طاعة بلا حرية ، وتقدم في الآية ١٩ من المزمل وغيرها.

١٣ ـ (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) هو سبحانه مالك كل شيء دنيا وآخرة ، وتنفذ إرادته فيمن يشاء كما يشاء ، وتقدم مرات ومرات.

١٤ ـ (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) حذر سبحانه من ناره ، وبشّر بجنته ، وقد أعذر من بشر وأنذر ، وتقدم في الآية ٢٨ من آل عمران وغيرها.

١٥ ـ ١٦ ـ (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) يصلاها : يدخل النار ، وكذب : لم يؤمن بالحق أو آمن ولم يعمل بموجبه ، وتقدم في الآية ١٠٦ من هود وغيرها.

١٧ ـ ١٨ ـ (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) الهاء تعود إلى النار والمعنى المؤمن حقا يبتعد عن الأسباب المؤدية إلى النار ، وهي محارم الله.

١٩ ـ ٢٠ ـ (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) يبذل من نفسه وماله لا بدافع الظهور وحب الشهرة ، ولا بقصد الربح والتجارة ، ولا للهتافات وكسب الأصوات ... لا لشيء إلا لوجه ربه الأعلى ، وتقدم في الآية ٩ من الإنسان.

٢١ ـ (وَلَسَوْفَ يَرْضى) برضا خالقه عنه ومضاعفة الثواب له ، والويل كل الويل لمن أسخط ربه إرضاء لشهوته.

سورة الضّحى

مكيّة وهي احدى عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ ٢ ـ (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) الضحى : صدر النهار ، والمراد به هنا النهار بكامله بقرينة المقابلة بالليل ، وسجى : أظلم وسكن بمعنى سكون أهله ، مثل ليل نائم ونهار صائم أي فيه.

٣ ـ (ما وَدَّعَكَ) يا محمد (رَبُّكَ وَما قَلى) هذا جواب القسم ، ومعناه ما تركك ولا أبغضك منذ خلقك كما تشير كلمة يتيم وعائل ، وقيل : ان الوحي انقطع عن النبي (ص) فترة ، فاشتد إليه شوقه ، وخاف أن الله قد تركه وقلاه فنزلت هذه السورة ليطمئن قلبه.

٨١١

٤ ـ (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) أنت في الدنيا عظيم الشأن عند الله والناس ، وفي الآخرة لا يساويك في منزلتك ملك مقرب ولا نبي مرسل.

٥ ـ (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) أعطاه النبوة والقرآن ، وقرن اسمه باسمه في الصلاة والأذان ، وختم به الوحي والنبوة ، وما ذا بعد هذا؟ أما في الآخرة فقد أعطاه الشفاعة وما من أحد يملكها إلا إذا اتخذ عند الرّحمن عهدا ٦ ـ (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) عند من أودع الله محمدا اليتيم وآواه؟ ومن الذي نصره وحماه؟ وأكرم مقامه ومثواه؟

وأرضى الله في خدمته وأرضاه؟ ونفاه الأهل والعشيرة من أجله وضحى بالسيادة والقيادة في سبيله؟ ومحال أن ينسى الله ومحمد هذه التضحية والفضيلة لأبي طالب.

٧ ـ (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) كان النبي (ص) حائرا في أمر قومه ، كيف يحملهم على الهدى وينقذهم من الضلالة والعمى حتى نزل عليه القرآن هدى ورحمة للعالمين ، وعليه فالمراد بالضلال هنا الحيرة في إيقاظ قومه من سباتهم ، وقد شاع وذاع أنه لم يسجد لصنم إطلاقا ، ولم يقترف ذنبا مدى حياته حتى عرف بين المشركين بالصادق الأمين.

٨ ـ (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) العائل هو الفقير سواء أكان عنده عيال أم لم يكن ، وقال الرواة : ان رسول الله لم يرث من أبيه إلا ناقة وجارية ، فأغناه الله برعاية عمّه أبي طالب ومال خديجة بنت خويلد.

٩ ـ (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) محمد هو المثل الأعلى في رأفته ورحمته لكل العالمين بنص الآية ١٠٧ من الأنبياء وكفى بقلبه دليلا على لطفه ولينه. والغرض من هذا النهي الاهتمام بشأن الأيتام ، والعناية بتربيتهم ، وإصلاح حالهم ١٠ ـ (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) إجابة المضطر فرض كفاية على كل عالم وقادر فإن انحصرت القدرة على الإجابة بواحد تصبح الكفاية عينا عليه ، فإن أهمل ولم يكترث أذلّه الله وأخزاه لأن المضطر لا يسامح بحال وللكبد الحرى شأن عظيم عند الله ١١ ـ (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) حامدا شاكرا لا مكاثرا ومفاخرا.

سورة الانشراح

مكيّة وهي ثماني آيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ضاق النبي ذرعا بفساد مجتمعه قبل البعثة كما سبقت الإشارة في سورة الضحى ، فأنار الله له السبيل إلى ما يبتغيه ، فطمأن قلبه ، وانشرح صدره فامتنّ سبحانه على نبيّه بهذه النعمة الكبيرة تماما كما امتنّ عليه في السورة السابقة بقوله : «(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً) ... ولذا قال كثير من العلماء ، ومنهم علماء الشيعة الإمامية : ان الضحى وألم نشرح سورة واحدة لعلاقة إحداهما بالأخرى ٢ ـ ٣ ـ (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) الوزر : الحمل الثقيل وأنقض : أثقل ، والمراد بالحمل هنا هم النبي وغمه مما كان عليه قومه ، فأزاح سبحانه هذا الغم والهم عن نبيه بالقرآن.

٤ ـ (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) وقدرك ، وأي شيء أرفع من اقتران اسم محمد باسم الله وطاعته بطاعته ، ومن جحد

٨١٢

برسالة محمد فهو بحكم من جحد بالله.

٥ ـ ٦ ـ (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) وللمفسرين كلام طويل وعريض حول هذا التكرار والفرق بين العسر الأول والثاني واليسر الثاني والأول ، وتأملنا فيما قالوا مليا ، فوجدناه تكثير ألفاظ وكفى ، ومعنى الآية واضح ، وهو أن الشدة يعقبها الفرج عاجلا أو آجلا ، ولا هدف من التكرار إلا توطيد الرجاء والثقة بالله وإلا ألى الأمل يسوق إلى السعي والعمل ، أما اليأس فهو بالانتحار أشبه ، قال سبحانه : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ـ ٢٩ الرّحمن» وضمير هو لليوم وقال العلم الحديث : «كل شيء يتغير إلا مبدأ التغير والتطور».

٧ ـ (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) النصب : التعب ، والمعنى إذا فرغت يا محمد من التبليغ فخذ في عمل آخر ، واتعب في إتقانه لكي تنتفع به أنت وغيرك.

٨ ـ (وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) لا تتجه بقلبك لغير الله ، ولا تستعن بأحد سواه. وكان الرسول الأعظم (ص) يكرر هذا الدعاء : أللهم أعوذ بك من الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، ومن الخوف إلا منك.

سورة التّين

مكيّة وهي ثماني آيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) اختلف المفسرون فيما أراد الله بهاتين الكلمتين ، على أقوال ، أبعدها عن ظاهر اللفظ قول الشيخ محمد عبده : «التين إشارة إلى عهد الإنسان الأول ـ يريد آدم ـ ... والزيتون إشارة إلى عهد نوح وذريته» وهذا التفسير بعيد عن أصول اللغة وقواعدها حيث لا دليل على هذا التأويل ، وظاهر القول أن المراد هذا التين الذي يؤكل وهذا الزيتون الذي يعصر ، وأقسم سبحانه بهما للتنبيه إلى فوائدهما أو إلى أرضهما القريبة من طور سيناء أو غير ذلك ، وما أكثر ما نجهل ٢ ـ (وَطُورِ سِينِينَ) الجبل الذي كلم الله عليه موسى وتقدم في الآية ١٢ طه و ٢٠ المؤمنون ٣ ـ (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) مكة المكرمة ، ومثله تماما (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) ـ ١ البلد» ٤ ـ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) هذا جواب القسم وهو المقصود من هذه السورة ، والمعنى خلق سبحانه الإنسان في أجمل شكل ، وأشرف عقل ، وأحسن قوام ، وأحكم نظام ، فالأليق به أن يعمل ما ينسجم مع عقله وشكله ، وفي نهج البلاغة ؛ «وآخر قد تسمى عالما وليس به ... فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان» وتقدم في الآية ٦٤ من غافر.

٥ ـ (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) خلق سبحانه الإنسان في أحسن تقويم ، وكرمه وفضّله على كثير ممن خلق كما. في الآية ٧٠ من الإسراء ، فكان عاقبة أمره عذاب الحريق بسوء فعله ، ومعنى هذا أن الإنسان الضال المنحرف أسوأ حالا وعاقبة من الحيوان ، لأن الحيوان غير محاسب ولا معاقب حتى ولو قتل وافترس لأنه لا يصدر عن حقد وتجاوز الحد كالإنسان ، بل عن طبعه وفطرته التي فطره الله عليها ، وهذا هو المراد برد الإنسان الفاسد المعاند إلى أسفل سافلين أي إلى نار الجحيم ـ (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) لكن الإنسان الطيب الذي احتفظ بإنسانيته ، وشكر نعمة الله عليه ، وقدر الكرامة التي خصّه بها حق قدرها ، ونزهها عما يشين ـ فهو عند الله في أعلى عليين ، وتقدم في الآية ٨ من فصلت وغيرها.

٧ ـ (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) ما الذي حملك أيها الكنود العنود على الكفر بدين الله وحسابه وجزائه وقد

٨١٣

عرفت ـ ان كان لك عقل وقلب ـ أنه تعالى خلقك بشرا سويا ، وكرمك بخير الصفات وأحسنها؟

٨ ـ (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) ومن حكمه بالحق والعدل أن يبعث الخلق غدا ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذي أحسنوا بالحسنى. ومن الجهل والاغترار أن يسيء الإنسان ويظن أنه معفو عنه ومغفور له.

سورة العلق

مكيّة وهي تسع عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) الخطاب لرسول الله (ص) وهو أول نزول الوحي عليه ، والأمر بالقراءة يرادف الأمر بالعلم. وفي القرآن عشرات الآيات ترفع من شأن العلم وتثني على الراسخين فيه ، وقد عرف واعترف الجاهل قبل العالم والبعيد قبل القريب أنه ما من دين على وجه الأرض حثّ على العلم وطلبه كدين الإسلام ، وأعظم تكريم للعلم أن يكون الأمر به هو الأمر الأول في القرآن وعقيدة الإسلام ، أما قيد العلم باسم الله في هذه الآية فهو إشاره إلى أن العلم بشتى أنواعه يجب أن يكون للخير لا للشر للحياة والبناء لا للهدم وأسلحة الموت والفناء ، للعدل والمساواة لا للتسلط والهوى ، والتنافس على لقب الأعظم والأقوى.

٢ ـ (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) جمع علقة وهي الدم الجامد في رحم المرأة ، ومن خلق الإنسان السوي من هذه العلقة فهو قادر على أن يجعل من محمد الأمي رجل العالم بكامله ٣ ـ ٥ ـ (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ...) أمر سبحانه أولا بالعلم وهو معرفة الشيء على حقيقته ، ومكانه الفكر ، ويعبّر عنه باللسان تارة وحينا بالكتابة ، والإنسان ينتفع وينفع الآخرين بفكره ولسانه ما دام حيا ، ولا يبقى شيء من علمه إلا ما كتبه بقلمه ، وللكتابة من الفوائد ما لا يبلغه الإحصاء ، من ذلك أنها تربط المستقبل بالماضي ، وتنشر العلم في شرق الأرض وغربها ، وتجعله مشاعا للجميع ، وإلى هذه النعم وغيرها يشير قوله سبحانه : «علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم» ولكن الله سبحانه لا يقذف العلم بالقلب ، ويمنحه لأحد إلا بالجد والمتابعة في البحث والمطالعة ٦ ـ ٧ ـ (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) كل المفسرين قالوا : المراد بالغنى المال وسعته! ولكن سياق الكلام وحديثه عن العلم يدل أن المراد به العلم بعامة ومصانع الأسلحة المدمرة بخاصة ، وأن من يملكها يحاول جاهدا أن يخضع العالم لاستغلاله وسيطرته كما هو الشأن في العهد الراهن وهكذا تزداد معاني القرآن وضوحا كلما تقدم الزمان ٨ ـ (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) إليه المرجع والمصير وللطغاة عذاب السعير.

٩ ـ ١٠ ـ (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) لا يفعل الخير ، وينهى عن فعله ١١ ـ (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى) هل هذا الذي نهى عن الخير هو على حق في نهيه؟

١٢ ـ (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) أو أن نهيه عن عبادة الله وأمره بعبادة الأصنام هو أمر بتقوى الله وطاعته ١٣ ـ (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) لقد كذب بالحق وأعرض عنه.

١٤ ـ (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) ألا يخشى عذاب الله الذي يعلم سره وعلانيته.

١٥ ـ (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) ويرجع عن فساده وعناده (لَنَسْفَعاً) السفع : الأخذ ، والأصل لنسفعن بنون التوكيد

٨١٤

الخفيفة ، وكتبت ألفا لأنها كالتنوين (بِالنَّاصِيَةِ) الشعر في مقدم الرأس ، يجرّ به إلى النار.

١٦ ـ (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) أي صاحبها كاذب خاطئ ، والفرق بينه وبين المخطئ أن الخاطئ يفعل الجريمة عن عمد وعلم ، والمخطئ من غير قصد وعزم.

١٧ ـ (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) ليستنصر الطاغية يوم الجزاء بأعوانه وجلسائه في النادي ليدفعوا عنه سوء العذاب.

١٨ ـ (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) ملائكة العذاب الشداد الغلاظ تقوده إلى مقعده ومثواه في نار لا يخمد لهبها ، ولا ينتهي أمدها ١٩ ـ (كَلَّا لا تُطِعْهُ) لا تطع أيها المؤمن بل ولا تسمع لدعوة من ضلّ سبيل الرشاد (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) تقرب إلى الله بالسجود له لا إلى سواه. والسجود هنا من العزائم الأربع من سورة فصلت وسورة السجدة ألم تنزيل وسورة النجم وسورة العلق

سورة القدر

مكيّة وهي خمس آيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) نزل القرآن على محمد (ص) بين وقت وآخر ، ولم يوح إليه جملة واحدة ، وابتدأ نزوله في ليلة القدر ، وهي ليلة عبادة وخشوع وإحدى ليالي شهر رمضان إجماعا وسنة وكتابا بنصّ الآية ١٨٥ من البقرة (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) معطوفة على (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) واختلفوا في تحديدها وتعيينها فمن قائل : هي ليلة ٢٧ وقائل : بل ١٩ ـ أو ٢١ ـ أو ٢٣.

٢ ـ (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) هذا تعظيم لشأنها.

٣ ـ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي من عمل الخير في ليلة القدر كتب الله له أجر من عمل الخير في ألف شهر ، قال الرازي في تفسير هذه الآية : «وهذا كقول النبي (ص) لعليّ (ع) : لمبارزة عليّ مع عمرو بن ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة ، فلم يقل مثل عمله بل قال أفضل كأنه يقول : حسبك من هذا من الوزن والباقي جزاف».

٤ ـ (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) الروح : جبريل ، وضمير فيها يعود إلى ليلة القدر ، والمعنى الظاهر أن الله يأمر في ليلة القدر الملائكة بالنزول إلى كل مكان من أجل كل شيء. هذا هو الظاهر وما زاد يحتاج إلى دليل ، وفي شتى الأحوال فإن هذه الآية تعظيم لليلة القدر وانها رحمة للذين آمنوا وعملوا فيها صالحا.

٥ ـ (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) تمتد ليلة القدر من الغروب إلى الفجر ، وأي عمل فيها لوجه الله تعالى فهو أمان لفاعله من غضب الله وعذابه يوم تجزى كل نفس بما كسبت.

٨١٥

سورة البيّنة مدنيّة وهي ثماني آيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) أهل الكتاب في اصطلاح القرآن هم اليهود والنصارى ، والمشركون هم عبدة الأصنام والأوثان من العرب وغيرهم ، قال الشيخ الطبرسي في جوامع الجامع : كان أهل الكتاب وعبدة الأوثان يقولون قبل بعثة النبي (ص) لا ننفك عن ديننا ولا نتركه حتى يبعث النبي الموعود المكتوب اسمه في التوراة والإنجيل ، وهو محمد المقصود بكلمة البينة اي الحجة الواضحة.

٢ ـ (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) المراد برسول الله محمد ، وبالصحف القرآن ، والجمع باعتبار تعدد سوره ، أو أوراقه ، ومطهرة : منزهة عن الباطل والتحريف.

٣ ـ (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) ضمير فيها يعود إلى الصحف ، والمراد بالكتب أن القرآن فيه تبيان الكثير مما أنزل في الكتب السماوية السابقة كصحف إبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود ، والمراد بالقيمة المستقيمة على الحق ونهجه. وقد تلا رسول الله ذلك على أهل الكتاب والمشركين الذين سمعوا أوصاف محمد من اليهود والنصارى ، ولكنهم نكثوا وأخلفوا بما وعدوا إلا قليلا.

٤ ـ (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) اتفق أهل الكتاب على نبوة محمد قبل البعثة لوجود النص عليه في التوراة والإنجيل ، ولما بعث اختلفوا فيه وتفرقوا ، فمنهم من آمن ، ومنهم من كفر ، وتقدم في الآية ١٤ من الشورى.

٥ ـ (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) حنفاء : جمع حنيف وهو من استقام على الحق مائلا عن الباطل ، والمعنى أن الله سبحانه أمر أهل الكتاب بالتوحيد والاستقامة على الحق ، وأن يصلّوا ويؤدوا زكاة أموالهم ، وهذا هو دين الكتب السماوية المستقيمة على الصراط القويم ، ولكن أهل الكتاب خالفوها وحرفوها.

٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) وماتوا على الكفر والشرك أولئك هم شر الأشرار ومآلهم إلى النار ، وتقدم مرارا.

___________________________________

الإعراب : (مُنْفَكِّينَ) خبر لم يكن. و (رَسُولٌ) بدل من البينة. و (مِنَ اللهِ) متعلق بمحذوف صفة لرسول. و (فِيها) خبر مقدم و (كُتُبٌ) مبتدأ مؤخر والجملة صفة لصحف. و (مُخْلِصِينَ) حال من فاعل ليعبدوا. و (الدِّينَ) مفعول مخلصين. و (حُنَفاءَ) حال ثانية. في نار جهنم خبر ان الذين كفروا. وأولئك مبتدأ أول وهم مبتدأ ثان وشر خبر الثاني والجملة خبر الأول. وأبدا ظرف زمان متعلق بالخلود ومؤكد له.

٨١٦

٧ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) كل من آمن بالله وحسابه وجزائه ، وحمل بين جنبيه روحا أبية وإرادة قوية تدفع به إلى عمل الخير وقول الصدق ونصرة الحق ، وتحول بينه وبين الباطل والحرام ـ فهو من خير البرية بنص القرآن الكريم ، أما من يمالئ الكفرة ، ويعين الظلمة ، ويصاحب الطغاة ، ويتخذ أعداء الله أولياء ونصراء ـ فهو شر الأشرار وأقذر الأقذار.

سورة الزّلزال

مدنيّة وهي ثماني آيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) هذا تخويف من أهوال القيامة حيث تضطرب الأرض ، وتهتز اهتزازا شديدا ، وتقدم مرات ، منها في الآية ٤ من الواقعة.

٢ ـ (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) ما طوته في جوفها من أموات وكنوز وحضارات.

٣ ـ (وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها) ثارت على أهلها؟

٤ ـ (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) أي يظهر ما يحدث للأرض ويحل فيها من خراب ودمار.

٥ ـ (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) أوجد الأسباب الموجبة لخراب الأرض.

اشارة :

وتسأل : هل المؤمن والكافر في ذلك سواء أم ان من كفر بالله لا يقبل منه عمل الخير ولا يثاب عليه حتى ولو أتى به لوجه الخير والانسانية؟ الجواب : كل شيء بحسابه ، فإذا فعل الكافر خيرا يعذب عذاب الكفر ، ويجزى على عمل الخير بما تستدعيه الحكمة الإلهية من ثواب الدنيا أو التخفيف من عذاب الآخرة. وتكلمنا عن هذا الموضوع مفصلا في ج ٢ ص ٢١١ بعنوان : الكافر وعمل الخير. المبين

___________________________________

الإعراب : (زِلْزالَها) مفعول مطلق. ومالها؟ مبتدأ وخبر. و (يَوْمَئِذٍ) تحدّث : «يومئذ» بدل من «إذا» لأنها بمعنى حين. والمصدر من ان ربك أوحى متعلق بتحدث. ويومئذ منصوب بيصدر. وأشتاتا حال. والمصدر من (لِيُرَوْا) متعلق بيصدر و (خَيْراً) تمييز مبين لمثقال ذرة لأن المعنى ذرة من خير ، ومثله شرا.

٨١٧

٦ ـ (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) يصدرون : يخرجون من القبور ، أشتاتا : متفرقين تبعا لأحوالهم ومراتبهم ، وليروا أعمالهم : ليجازوا عليها بما يستحقون إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وهذا معنى قوله تعالى :

٧ ـ ٨ ـ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) وقال الرسول الأعظم (ص) : إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه. وقال الإمام أمير المؤمنين (ع) : «أشد الذنوب ما استهان به صاحبه».

سورة العاديات

مكيّة وهي احدى عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ ٥ ـ (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) العاديات : من العدو وهو الجري ، والمراد بها خيل الجهاد لردع الطغاة بالخصوص ، والمشار إليها في قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) ـ ٦٠ الأنفال» والضبح : أنفاس الخيل ، والموريات قدحا : من وري الزند إذا خرجت ناره ، والمراد هنا أن الخيل تضرب الصخرة بحوافرها فتقدح شررا ، والمغيرات : من أغارت الخيل على العدو إذا هجمت عليه ، والنقع : الغبار ، والمراد بالجمع هنا جمع الأعداء الطغاة وقد يقال : وأية حكمة من ذكر الخيل والقسم بها في كتاب الله؟ الجواب : الإسلام دين الحياة والعدل والمساواة ، ولا عدل بلا قوة منفذة ورادعة كما أن القوة بلا عدل ظلم وفساد ، وكانت الخيل هي القوة الأولى في الحرب آنذاك ، وتسمى خيل الجهاد بخيل الله ، ومن هنا رفع سبحانه من شأنها ، وأوجب على المسلمين العناية بها لصيانة الحق والعدل من عبث المعتدين.

٦ ـ (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) وهو من كفر بنعمة الله عليه ، والمعنى أكثر الناس لا يؤدون النعمة ، ولا يشكرونها بالتضحية والبذل في سبيل الله.

٧ ـ (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) الضمير في انه يعود إلى الإنسان ، والمعنى تصرفات الإنسان تشهد عليه انه كافر بأنعم الله.

٨ ـ (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) المراد بالخير هنا المال ، ولا بأس بحبه شريطة أن لا ينسي الوقوف بين يدي الله للحساب عليه وإلا أخذ بأقسى العقوبات.

٩ ـ (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) على الإنسان أن يعلم ويوقن بأنه خارج من قبره للحساب والجزاء لا محالة.

___________________________________

الإعراب : (ضَبْحاً) مصدر في موضع الحال أي ضابحة. و (قَدْحاً) مفعول مطلق للموريات لأن الوري فيه معنى القدح ، فهو مثل قمت وقوفا. و (صُبْحاً) منصوب على الظرفية. فأثرن النون علامة التأنيث. ونقعا مفعول به ، ومثله جمعا ، وقال أبو البقاء : جمعا حال.

٨١٨

١٠ ـ ١١ ـ (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) ظهر ما فيها من النيات والمخبآت ، ولا رحمة أو عفو عن شيء لمن طغى وبغى على عباد الله وعياله ، لأن من لا يرحم لا يرحم.

سورة القارعة

مكيّة وهي احدى عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ ٣ ـ (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) اسم من أسماء القيامة لأنها تقرع القلوب بأهوالها ، أما الاستفهام والتكرار فلمجرد التهويل والتخويف ، عسى أن يتقي من كان له قلب وسمع.

٤ ـ (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) في انتشارهم وحيرتهم وتساقط أكثرهم في النار ، وفي الآية ٧ من القمر : يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر».

٥ ـ (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) العهن : الصوف ، ونقشه أن تتفرق شعراته بعضها عن بعض ، وتقدم في الآية ٩ من المعارج.

٦ ـ (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) بإخلاصه في نيته وصدقه في كلامه وصلاحه في عمله.

٧ ـ (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي يرضاعا ويهنأ بها.

٨ ـ (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) بخبث السريرة وسوء العمل.

٩ ـ ١٠ ـ (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) المراد بالأم هنا المقر والمأوى لأن الولد يأوي إلى أمه ، أما الهاوية فقد أوضحها سبحانه بقوله :

١١ ـ (نارٌ حامِيَةٌ) وفي نهج البلاغة : زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا ... واعلموا انه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها لا زاجر ولا واعظ.

___________________________________

الإعراب : القارعة مبتدأ ، ما القارعة «ما» مبتدأ ثان والقارعة خبر والجملة خبر المبتدأ الأول. وما أدراك «ما» مبتدأ وجملة أدراك خبر. ما القارعة مبتدأ وخبر يوم منصوب بفعل محذوف أي تحدث القارعة يوم يكون الخ. ماهية «ما» خبر مقدم وهي مبتدأ مؤخر والهاء للسكت. نار خبر لمبتدأ محذوف أي هي نار حامية.

٨١٩

سورة التكاثر

مكيّة وهي ثماني آيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) شغلكم عن الحق وصالح الأعمال التضاهي والتباهي بكثرة الأموال وتبذيرها على الفساد والمظاهر الفارغة.

٢ ـ (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) حيث يتساوى العبد ورب الصولجان.

٣ ـ ٤ ـ (كَلَّا) ارتدعوا عن التكاثر والتفاخر (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ما يحل بكم من العذاب.

٥ ـ (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) مصير الطغاة والمتفاخرين لارتدعتم عن الفخر والتفاخر ، قال الإمام عليّ (ع) : ضع فخرك ، واحطط كبرك ، واذكر قبرك ، فإن عليه ممرك.

٦ ـ (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) هذا تهديد لمن أنكر عذاب الآخرة ٧ ـ (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) ويقال لكم : ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون.

٨ ـ (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) يسألون عن الأموال التي كانوا بها يفاخرون ويباهون : من أين اكتسبوها؟ من كد اليمين أو السلب والنهب ، وأيضا يسألون : في أي شيء أنفقوها في حلال أو حرام؟ ثم يعرضون على الجنة ، ويقال لهم : انظروا جيدا هل هذا هو الغنى والنعيم أم أموالكم في الحياة الدنيا ، ثم يقادون إلى عذاب الحريق ليزدادوا ألما على ألم.

سورة العصر

مكيّة وهي ثلاث آيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (وَالْعَصْرِ) اختلفوا في المعنى المراد من العصر ، على أقوال : أقربها أنه الوقت والزمان الذي تقع فيه الأفعال والحوادث ، والسياق يعزز ذلك ، فإن قوله تعالى بلا فاصل : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) يشعر بأن الإنسان الخاسر هو الذي لا يغتنم فرصة الوقت ، ويبادر إلى عمل ينتفع به قبل فوات الأوان ، ومن الحكم الخالدة : الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.

٢ ـ ٣ ـ (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

___________________________________

الإعراب : (كَلَّا) حرف ردع وزجر والثانية والثالثة تأكيد. لو تعلمون الجواب محذوف أي لما ألهاكم التكاثر. أو لارتدعتم عما أنتم فيه. و (عِلْمَ الْيَقِينِ) مفعول مطلق وهو من باب إضافة الشيء الى نفسه مثل مسجد الجامع. لترونّ اللام في جواب القسم. لترونها تأكيد لترون. لتسألن اللام في جواب القسم. ويومئذ منصوب بتسألن.

٨٢٠