التفسير المبين

محمّد جواد مغنية

التفسير المبين

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-465-000-X
الصفحات: ٨٣٠

سورة الإنسان

مدنيّة وهي احدى وثلاثون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) هل في صورة الاستفهام ، ومعناها التوكيد والتحقيق وقد مرّ الإنسان بمراحل : (١) من العدم إلى الوجود الترابي ، جمود بلا سيلان (٢) الوجود المائي ، سيلان بلا نمو (٣) الوجود النامي بلا إحساس (٤) الوجود الحيواني ، نمو وإحساس بلا إدراك (٥) الوجود الإنساني ، نمو وإحساس وإدراك.

٢ ـ (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) جمع مشيج وهو الخليط (نَبْتَلِيهِ) بلاء ، له صولات وجولات أنطقت المعري بالبيت الشهير ، وقال الإمام علي (ع) : «ان الله يختبر عباده بأنواع الشدائد ويتعبدهم بأنواع المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره إخراجا للتكبر من قلوبهم ، وإسكانا للتذلل في نفوسهم».

٣ ـ (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) وأوجز الإمام جعفر الصادق (ع) هذا المعنى بقوله : «الله يحتج على الناس بما آتاهم وعرفهم» فمن آتاه ما لا يسأله : هل أدى ما فيه من حق؟ ومن آتاه علما : هل عمل بموجبه؟

ومن أتاه جاها وسلطانا : هل أقام به حقا وأنصف مظلوما من ظالمه؟ ويقول لكل عاقل قادر : منحتك العقل والقدرة والحرية والإرادة وأوضحت لك طريق الخير والشر بأدلة العقل والوحي ، ونهيتك عن هذا وأمرتك بذاك ، فهل : عملت بطاعتي أو بأهوائك؟ فمن عمل بطاعته فاز بفضله ومرضاته ومن عمل بالهوى والغرض قامت لله عليه الحجة ، وأخذه بجرمه وجريرته.

٤ ـ (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) السلاسل للجر والسحب والأغلال للأيدي والأعناق ، والسعير نار لها شهيق وفورات وتغيظ وزفرات.

٥ ـ ٦ ـ (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) في طيب رائحته ، قال ابن عباس : كل ما في الجنة ليس منه في الدنيا إلا الاسم.

٧ ـ (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ...) يطيعون الله فيما أوجبه عليهم ، وفوق ذلك يوفون بما ألزموا به أنفسهم من المبرات والمستحبات.

٨ ـ (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) أي وهم في أشد الحاجة إليه (مِسْكِيناً) لا مال له (وَيَتِيماً) لا كفيل الإعراب : (هَلْ) هنا بمعنى قد عند المفسرين. و (السَّبِيلَ) مفعول ثان لهديناه لأن المعنى عرّفناه أو أريناه. (إِمَّا) أداة تفصيل. و (شاكِراً) و (كَفُوراً) حالان من هاء هديناه. و (عَيْناً) مفعول لفعل محذوف أي اعني عينا. وقال صاحب مجمع البيان : الباء في «بها» زائدة.

٧٨١

له (وَأَسِيراً) المراد به كل ذي كبد حراء انسدت عليه المذاهب والمسالك.

٩ ـ ١٠ ـ (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ ...) رغبة في ثوابه وخوفا من عقابه ، ولا نريد مكافأة من غيره ، والقمطرير : الشديد المظلم ، وفي العديد من كتب التفسير وغيره أن سورة هل أتى نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) وأنهم الذين وفوا بالنذر وأطعموا الطعام على شدة الحاجة إليه ، المسكين واليتيم والأسير. أنظر تفسير الرازي لهذه السورة. وأسد الغابة لابن الأثير ج ٥ ص ٥٣٠ طبعة سنة ١٢٨٥ ه‍ وفضائل الخمسة من الصحاح الستة للفيروزآبادي ج ١ ص ٢٥٤. وعليه فأهل البيت (ع) هم المقصودون بالآيات السابقة واللاحقة إلى آخر الآية ٢٢ (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً).

١١ ـ (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) بهجة في القلوب وبهاء في الوجوه ، خافوا شر يوم المحشر فاتقوه بطاعة الله ، فبدلهم من بعد الخوف أمنا.

١٢ ـ (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) على الجوع ليشبع غيرهم ، فكان أجرهم عند الله النعيم والتعظيم.

١٣ ـ ٢٢ ـ (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) جمع أريكة وهي السرير ، والزمهرير : البرد الشديد ، والأكواب : الأقداح ، والقوارير : أوان من زجاج ، والزنجبيل : عروق نبات يشبه القصب كما في تفسير جزء تبارك للشيخ المغربي والسلسبيل : سهل المساغ والانحدار في الحلق ، والسندس : الحرير الرقيق ، والإستبرق : الحرير الغليظ. واكتفينا بتفسير المفردات الغامضة لوضوح الآيات ، ولأنها تقدمت موزعة في الآية ١٩ من الإسراء و ٣١ من الكهف و ٢٣ من الحاقة وأيضا لنفسح المجال للأهم وهو السؤال والجواب كما هو دأبنا في هذه الصفحات الضيقة.

___________________________________

الإعراب : (يَوْماً) مفعول به على حذف مضاف أي عذاب يوم. و (عَلى حُبِّهِ) متعلق بمحذوف حالا من فاعل يطمعون أي كائنين على حبه. و (نَضْرَةً) مفعول ثان للقّاهم لأن المعنى أعطاهم. و (مُتَّكِئِينَ) حال من مفعول جزاهم. و (دانِيَةً) عطف على (مُتَّكِئِينَ). و (ظِلالُها) فاعل دانية. (قَوارِيرَا) الأولى بالتنوين مع انها لا تنصرف لأنها رأس آية لتتناسب مع (تَذْلِيلاً) و (تَقْدِيراً). و (قَوارِيرَ) الثانية بدل من الأولى. و (عَيْناً) بدل من زنجبيل. ثم ظرف بمعنى هناك وفي تفسير البيضاوي وغيره ان عاليهم حال من الضمير في «عليهم» و (ثِيابُ) فاعل عاليهم لأن المعنى تعلوهم ثياب سندس.

٧٨٢

٢٣ ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ) ـ يا محمد ـ (الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) وهو الحق لا ريب فيه ، وقد وعدناك بالنصر ، شريطة أن تصبر على أذى المعاندين وصدهم عن سبيل الله (١).

٢٤ ـ (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) فيما يحاولونه منك ، ويساومونك عليه ، والمراد بالآثم كل من اكتسب إثما ، وبالكفور كل جاحد.

٢٥ ـ (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) صباحا ومساء.

٢٦ ـ (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) صلّ لله في جزء من الليل (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) تهجد لله في الليل أمدا غير قصير ، والأمر هنا للاستحباب لقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) ٧٩ / الاسراء» ٢٧ ـ (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) هؤلاء اشارة الى المشركين والى كل من أحب الدنيا وتولاها ، وابغض الآخرة وعاداها ، ووصف سبحانه يوم القيامة بالثقل لأنه يوم عسير على الكافرين غير يسير.

٢٨ ـ (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) الله هو الذي أوجدهم من العدم ، وصورهم فأحسن صورهم ، فكيف أنكروه وعصوا أمره ونهيه؟ (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) هذا تهديد ووعيد للمكذبين بأن الله قادر على أن يهلكهم ، ويستخلف مكانهم قوما آخرين أفضل وأكمل.

٢٩ ـ ٣٠ ـ (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) هذه اشارة الى السورة التي نحن بصددها (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) انظر تفسير الآية ٥٦ من سورة المدثر.

٣١ ـ (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) المراد بالرحمة هنا الجنّة ، وقد اقتضت حكمته تعالى ومشيته ان لا يدخل الجنة أحدا الّا بالجد والعمل (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) للمتقين رحمة الله وجنته وللمجرمين غضبه وعذابه.

___________________________________

اللغة يذرون وراءهم : اي يطرحونه خلف أظهرهم ولا يكترثون به والمراد بأسر هنا : الخلق (١) تفسير الآيات (٢٣ ـ ٣١) غير موجود في الطبعة السابقة وقد أخذنا تفسيرها بايجاز من تفسير الكاشف للمؤلف نفسه ..

٧٨٣

سورة المرسلات

مكيّة وهي خمسون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) الواو للقسم ، والمراد بالمرسلات الرياح لقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) ـ ٤٨ الروم» وعرفا : متتابعة ، ونصب على الحال.

٢ ـ (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) تسير بسرعة ، وتعصف بشدة ، والنصب على المفعول المطلق.

٣ ـ (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) تنشر السحب في الفضاء ، والأمطار في الأرجاء.

٤ ـ (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) هي الملائكة تنزل على الأنبياء بما يفرّق بين حلال الله وحرامه.

٥ ـ ٦ ـ (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً) الوحي الذي تنزل به الملائكة على الرسل هو أنذر للعصاة ، وعذر لله إذا عاقب ، وبكلمة لقد أعذر من أنذر.

٧ ـ (إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ) جواب القسم ، والموعود. به يوم القيامة.

٨ ـ (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) ذهب ضوءها ، وفي آية ثانية انكدرت أي تناثرت.

٩ ـ (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) وفي آية ثانية انفطرت أي تصدعت الكواكب وانشقت ، والمعنى واحد.

١٠ ـ (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) أزيلت من أماكنها ، وذهبت مع الريح.

١١ ـ ١٢ ـ (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) من التوقيت ليوم معلوم وهو الذي أشار إليه سبحانه بقوله :

١٣ ـ (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ) يجمع سبحانه يوم القيامة الأنبياء والأوصياء والعلماء العاملين. ليشهدوا على الخلق بأنهم بلغوا على الوجه المطلوب ، وخرجوا من عهدة التكليف.

١٤ ـ (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ) كرر سبحانه هذا اليوم لشدة أهواله وكثرة زلزاله.

١٥ ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ويل : حلول الشر. ويومئذ : يوم القيامة ، والهلاك لمن كذب به أو آمن ، ولم يعمل له.

١٦ ـ (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) لأنهم كذبوا المرسلين كقوم نوح.

١٧ ـ (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) كقوم لوط.

١٨ ـ (كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) الذين كذبوا محمدا

٧٨٤

١٩ ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) تكررت هذه الآية عشر مرات في هذه السورة ، وقال الدكتور طه حسين في مرآة الإسلام ، وحكمه الفصل على الأساليب : «في القرآن أسلوب من التكرار للتخويف حينا وللتعجيز حينا آخر ، كما ترى في سورة المرسلات من ختام الآيات دائما بقول الله عزوجل : ويل يومئذ للمكذبين ، والسورة كلها تخويف».

٢٠ ـ ٢٤ ـ (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) أتنكرون البعث وأنتم تعلمون أن الله أنشأكم من نطفة حقيرة ، أودعها في ظلمات ثلاث إلى أمد معين ، ينقلها من حال إلى حال حتى أخرجها بشرا سويا ، ومن قدر على هذا الإبداع والاختراع يقدر على مثيله ونظيره.

٢٥ ـ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً) وعاء تضم الخلائف.

٢٦ ـ (أَحْياءً) على ظهرها ، (وَأَمْواتاً) في بطنها ، وتقدم في الآية ١٨ من نوح.

٢٧ ـ ٢٨ ـ (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ) جبالا عاليات ثابتات وتقدم في الآية ١٥ من النحل وغيرها (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) عذبا سائغا للشاربين ، ومن قدر على هذا يقدر على ما هو أيسر وأهون ، وتقدم في الآية ٢٢ من الحجر.

٢٩ ـ (انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) كذبوا بالجحيم ، وعند ورودها يقال لهم : ما ذا ترون؟ وتقدم مرات ، منها الآية ٢٠ من السجدة.

٣٠ ـ (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) من دخان جهنم يرتفع ، ثم يفترق ثلاث شعب : شعبة تظلهم فوق رؤوسهم ، وثانية عن يمينهم ، وثالثة عن شمالهم.

٣١ ـ (لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) هو ظل ولكن كالمستغيث من الرمضاء بالنار.

٣٢ ـ ٣٤ ـ (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) جمالة : جمع جمل ، والمعنى كل شرارة من شرر جهنم كالقصر حجما ، والجمل الأصفر لونا ، وسلام على من قال : ما خير بخير بعده النار.

٣٥ ـ ٣٧ ـ (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) أبدا لا رجاء ولا اعتذار عما سلف بعد المحاكمة وإعلان الحكم ، وتقدم في الآية ٣٩ من الرّحمن وغيرها.

٣٨ ـ (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) بين المحقين والمبطلين (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) كل من كفر بالقيامة من الأولين والآخرين يجمعهم سبحانه في مقر واحد من جهنم ، ويعذبهم عذابا خاصا بهم ، لا أحد يشاركهم فيه.

اشارة : تعرض هذه السورة المرسلات جانبا من مشاهد اليوم الآخر ، وتحذر المجرمين والمكذبين من عذابه وأهواله ... وتقدم ذلك في عشرات الآيات ، ومن أجل هذا نقتصر على التفسير اللغوي ، اللغة والإعراب في فقرة واحدة على خلاف عادتنا في سائر السور.

٧٨٥

٣٩ ـ ٤٠ ـ (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) كانوا في الدنيا ينافقون ويحتالون ، فيقال لهم غدا : ادرأوا العذاب عنكم بالحيلة والغيلة كما كنتم تفعلون في الحياة الدنيا.

٤١ ـ ٤٣ ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) انتقل سبحانه من الترهيب إلى الترغيب ، من عذاب الأشرار إلى ثواب الأخيار.

٤٤ ـ ٤٥ ـ (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ولا يستعمل سبحانه كلمة الإحسان ومشتقاتها إلا في الخير والكمال ، وكلمة السوء إلا في الشر والنقص ، والجزاء من نوع العمل عند أهل الحق والعدل ، ثم هدد سبحانه الذين يعيشون على اللصوصية والاحتيال بقوله :

٤٦ ـ ٤٧ ـ (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) أي انكم معذبون ، لأن الله أعدّ للمجرمين عذابا أليما.

٤٨ ـ ٤٩ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) الركوع لله سبحانه يرمز للخضوع والتسليم بالحق وهم أعدى أعدائه ولكن من صارع الحق صرعه.

٥٠ ـ (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) القرآن لا يأمر إلا بخير ، ولا ينهى إلا عن شر ، ومعنى هذا أن من كفر به فقد كفر بالخير لأنه خير ، وآمن بالشر لأنه شر من حيث يريد أو لا يريد.

سورة النّبأ

مكيّة وهي أربعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (عَمَ) الأصل كلمتان : عن وما ، فأدغمت النون في الميم ، وحذفت الألف فصارت عمّ للاستفهام (يَتَساءَلُونَ) يسأل المشركون بعضهم بعضا.

٢ ـ (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) والمراد به هنا البعث.

___________________________________

الإعراب : (عَمَ) كلمتان : عن وما وأدغمت الميم بالنون ، وحذفت الألف للفرق بين الاستفهام والخبر ، ومثلها مم ويم ولم والى م وعلى م وحتى م ، وعم متعلق بيتساءلون. و (عَنِ النَّبَإِ) متعلق بمقدر كأن سائلا يسأل : عن أي شيء يتساءلون بأجابه سبحانه (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) أي يتساءلون عن النبأ العظيم. و (الَّذِي) صفة للنبإ. و (كَلَّا) حرف ردع وزجر. و (أَزْواجاً) حال.

٧٨٦

٣ ـ (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) ضمير الجماعة هنا للناس ، كل الناس ، لا لمشركي مكة فقط لأنهم على وفاق أن البعث حديث خرافة.

٤ ـ (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) أن البعث حق ، ويلاقون عاقبة التكذيب ٥ ـ (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) وهذا التكرار توكيد لوقوع البعث والعذاب وللتهديد أيضا ، ثم ساق سبحانه بعض الأدلة أنه قدير على ما يشاء من البعث وغيره وقال :

٦ ـ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً)؟ من الذي جعل الأرض ملائمة لحياة الإنسان في جميع تصرفاته؟ ولو كانت على غير ما هي عليه الآن لتعذر عليه أن يعيش فيها ويحيا.

٧ ـ (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) أرساها في الأرض بالمكان المناسب كيلا تميد بأهلها.

٨ ـ (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) أصنافا ذكورا ، وإناثا ليتم التزاوج ، فيحصل النسل ، ويكمل العمران.

٩ ـ (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) راحة للأرواح والأجسام ولا حياة بلا نوم ..

١٠ ـ (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) ساترا بعضكم عن بعض.

١١ ـ (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) للسعي على العيال ، وفي الحديث النبوي : «ان من الذنوب ذنوبا لا يكفرها صوم ولا صلاة ولا حج وإنما يكفرها سعي الرجل على عياله».

١٢ ـ (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) المراد بالسبع الشداد الكواكب المعروفة عند الناس وإلا فعدد الكواكب بعلم خالقها وحده ، وتقدم في الآية ٣ من الملك ١٣ ـ (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) تنير الشمس ويتوهج ضوؤها لأهل الأرض.

١٤ ـ (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) منصبا بكثرة ، والمعنى تعصر الرياح والسحاب ، فتهطل بالماء الغزير.

١٥ ـ (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً) ينزل الماء من السماء ، فتخرج به أقوات الإنسان والحيوان.

١٦ ـ (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) حدائق ملتفة بالشجر وما من شك أن من قدر على هذه وأعظم منها فهو على إحياء الموتى أقوى وأقدر ، وتكرر هذا المعنى مرات ومرات ، وتكرار الآيات في التحذر من عذاب الله والتذكير بآلائه أكثر من كثير.

١٧ ـ (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) بعد الإشارة إلى دلائل قدرته تعالى على البعث أشار إلى يومه ، وأن له أجلا لا يعدوه ، ومتى يكون؟

١٨ ـ (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) فينتشر أهل القبور ومتى هذا النفخ؟ الله أعلم.

١٩ ـ (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) تتصدع وتنشق كفتحات الأبواب كما في الآية ١٦ من الحاقة : (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) ٢٠ ـ (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) شيئا كلا شيء حيث تتفتت وتذهب مع الريح كالغبار المنتشر ، وفي الآية ٦ من الواقعة : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) ٢١ ـ ٢٢ ـ (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) تنتظر الطغاة ، وتعد لهم الويلات ٢٣ ـ ٢٤ ـ (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) لا انقطاع لها ، كلما انقضى حقب جاء بعده حقب إلى ما لا نهاية ، وفي مدة الحقب أقوال ، منها ثمانون سنة ، ومنها الدهر.

٢٥ ـ (إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) الحميم ، شديد الغليان بنص الآية ٤٦ من الدخان (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) والغساق. القيح وما أشبه كما قيل.

٧٨٧

٢٦ ـ (جَزاءً وِفاقاً) عذابا يوافق العمل ، وبعض الحاكمين في القرن العشرين يجازون على الحسنة بعقوبة السيئة ٢٧ ـ ٢٨ ـ (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) كيف يؤمنون بالحساب والجزاء ، وقد أنكروا أصله وأساسه وهو الخير والحق؟ وهل يبقى الفرع بعد ذهاب أصله؟ وكل من أنكر اليوم الآخر أعماله كسراب بقيعة حتى ولو آمن بالله ٢٩ ـ (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) مفعول مطلق ، لأن الكتاب هنا بمعنى الكتابة ، ومعنى أحصينا كتبنا ، وهذه الآية ترادف الآية ٤٩ من الكهف : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها).

٣٠ ـ (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) كنتم في الدنيا تزدادون عتوا يوما بعد يوم ، ولا تخافون سوء الحساب ، ولكم اليوم مثل ما كنتم ما تفعلون.

٣١ ـ (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) ذاك خبر الأشقياء في الآخرة ، وهذا خبر السعداء الذين فازوا بالجنة ، وبها أنشأ سبحانه لهم.

٣٢ ـ (حَدائِقَ وَأَعْناباً) بساتين من كل الثمرات ، وخصّ الأعناب بالذكر لشأنها عند المخاطبين.

٣٣ ـ (وَكَواعِبَ أَتْراباً) آنسات في سن واحدة ، لم تتدل أثداؤهن ، مهذبات غير مائعات ، ومصونات غير متبرجات.

٣٤ ـ (وَكَأْساً دِهاقاً) طافحة بما لذّ وطاب.

٣٥ ـ (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً) كل كلام لا طائل فيه فهو لغو ، أما الكذب فرذيلة ومهانه.

٣٦ ـ (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) أي أعطى سبحانه الطيبين المتقين حتى قالوا بلسان المقال أو الحال : حسبنا أي يكفينا ٣٧ ـ (رَبِّ السَّماواتِ ...) خالق الكون بكل ما فيه ومن فيه (الرَّحْمنُ) الذي يملك كل شيء ، ولا أحد يملك معه شيئا حتى السؤال ، : لما ذا فعل أو ترك؟

٣٨ ـ (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) جبريل (وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا ...) تقف الملائكة يوم القيامة صفا واحدا ، فيملؤون النفوس والأجواء هيبة ورهبة ، وهم على قربهم من الله وطاعتهم له لا يتحركون ولا ينطقون إلا بإذنه ، وهو سبحانه لا يأذن بالكلام لمخلوق إلا من كانت حياته صدقا وصوابا وحقا وعدلا ، ولما ذا؟ لأن يوم القيامة هو.

٣٩ ـ (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ) الوصول والحصول على مرضاة الله وثوابه (اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) أي عمل صالحا ينتهي به ويؤوب إلى الله ومرضاته وفضله وجناته.

٤٠ ـ (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) وهو يوم القيامة ، ونعته تعالى بالقريب لأنه واقع لا محالة ، هذا إلى أن من مات فقد قامت قيامته (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) فإن كان خيرا نظر إليه ضاحكا مستبشرا ، وإن يك شرا نظر إليه باكيا متحسرا ، والعاقل ينتهز الفرصة ما دام فيه الروح (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) وهكذا كل من سوف وضيّع تذهب نفسه مع الحسرات والعبرات.

٧٨٨

سورة النّازعات

مكيّة وهي ست وأربعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) المراد بالنازعات الكواكب ، لأنها ترمي بالشهب ، يقال : نزع عن القوس أي رمى عنها ، وغرقا أي إغراقا ، يقال : أغرق في الشيء إذا بالغ.

٢ ـ (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) تنتقل الكواكب من برج إلى برج.

٣ ـ (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) تتحرك في الفضاء.

٤ ـ (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) تتمم دورتها حول ما تدور عليه ، ومن المعلوم أن سرعة كل شيء بحسبه.

٥ ـ (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) قال الشيخ محمد عبده هنا ما معناه : إن الكواكب يظهر أثرها بما ينفع الناس من معرفة الأوقات والأقطار ، وما أشبه ذلك.

٦ ـ (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) وهي الأرض لقوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ) ـ ١٤ المزمل».

٧ ـ (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) وهي السماء بما فيها تردف الأرض أي تتبعها خرابا ودمارا.

٨ ـ (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) خائفة مضطربة أي ان قلوب المجرمين تنخلع يوم القيامة خوفا ورعبا.

٩ ـ (أَبْصارُها خاشِعَةٌ) ذليلة وحقيرة ، لأنهم سمعوا بيوم القيامة وأهواله ، فأنكروا وسخروا ، ولما جاء شاهدوا فوق ما سمعوا ، وفي نهج البلاغة : كل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه ، وكل شيء في الآخرة عيانه أعظم من سماعه.

١٠ ـ (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) وهي العودة إلى الحياة الدنيا بعد الموت حيث ظنوا البعث خروجا من بطن الأرض إلى ظهرها تماما كما كانوا من قبل.

١١ ـ (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) بالية ، والمعنى كيف نرد إلى الحياة وقد بليت منا العظام ولم يبق لها أي أثر؟

١٢ ـ (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) قالوا في هزء وسخرية : إذا صحت الرجعة إلى الحياة وحدثت فهم أخسر الناس صفقة مع أنهم الرابحون وغيرهم الخاسر أبدا ودائما كما يزعمون ١٣ ـ (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) هذا رد منه تعالى على من يرى الرجعة محالا ، بأنهم تحدث وتتم بكلمة واحدة ممن يقول للشيء : كن فيكون.

١٤ ـ (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) وهي الأرض البيضاء كما قال المفسرون ، ومنهم الشيخ محمد عبده والشيخ الطبرسي والبيضاوي ، ونقل هذا الأخير قولا بأن الساهرة اسم لجهنم ، وهذا أقرب للاعتبار وأنسب حيث يكون المعنى أنكروا جهنم فإذا هم منها في الأعماق.

١٥ ـ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) يا محمد ، فالله سبحانه سينصرك على أعدائك كما نصره على فرعون ، وتقدم في الآية ٩ من طه وغيرها.

١٦ ـ (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) هو واد في أسفل جبل طور سيناء ، وطوى اسم للوادي ، وتقدم في الآية ١٢ من طه.

٧٨٩

١٧ ـ (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) وقال : أنا ربكم الأعلى وتقدم في الآية ٢٤ من طه.

١٨ ـ ١٩ ـ (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) يعرض عليه بلطف ولين التطهير من الشرك والرذائل والهداية إلى الله والحق.

٢٠ ـ (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) وهي انقلاب العصا حية ٢١ ـ (فَكَذَّبَ وَعَصى) أنكر المعجزة وقال : هي سحر.

٢٢ ـ (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى) في تدبير الكيد لموسى.

٢٣ ـ (فَحَشَرَ فَنادى) جمع السحرة والأعوان.

٢٤ ـ (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) وكل من يدّعي ما ليس فيه فهو على مبدأ فرعون وسنته ، ولو وجد من يصدقه في ادعاء الربوبية كما وجد فرعون ـ لم يتعفف.

٢٥ ـ (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ) إلى سواء الجحيم (وَالْأُولى) إلى عذاب أليم.

٢٦ ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) فيتدبر العواقب ويحتاط لها.

٢٧ ـ ٢٨ ـ (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) عاد سبحانه إلى المكذبين بالبعث وقرعهم بهذا السؤال : أيهما أعظم؟ إعادة الميت إلى الحياة كما بدأه الله أول مرة أم إنشاء هذه السماء في إتقانها ونظامها. وتقدم في الآية ١١ من الصافات.

٢٩ ـ (وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها) الهاء تعود إلى السماء باعتبار كواكبها ، وأغطش : أظلم ، وأخرج ضحاها : أبرز ضوءها وشمسها.

٣٠ ـ (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) بسطها ومهدها كي تصلح للسكن والسير.

٣١ ـ (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها) يتفجر عيونا وأنهارا (وَمَرْعاها) النبات يأكله الناس والدواب.

٣٢ ـ (وَالْجِبالَ أَرْساها) أثبتها كي لا تميد وتضطرب بمن فيها.

٣٣ ـ (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) رفع السماء فوقنا ، ومهد الأرض تحتنا ، وأخرج منها الماء والغذاء لنا ولأنعامنا ، فكيف نجحده أو نتمرد على طاعته أو نشك في ناره وجنته؟

٣٤ ـ (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) هي الداهية العظمى ، والمراد بها هنا القيامة ، لأن ما من طامة إلا وفوقها طامة ، والقيامة فوق كل طامة كما قيل وهي كذلك في الواقع ، وتجدر الإشارة إلى أن الله سبحانه أعاد وكرر حديث القيامة مرات لأن كثيرا من العرب امتنعوا عن الإسلام حيث تصور واستحالة الحياة بعد الموت ، وبما أن الله قد أرسل محمدا بالقيامة كما أرسله بالتوحيد فكان ولا بد من أن يبين أنه القادر على نشر الأموات كما قدر على خلق الحياة والكائنات تصديقا لرسوله الأعظم (ص) ٣٥ ـ (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) ما مهّد لنفسه وادخر لغده.

٣٦ ـ (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) بالبصر والعيان ، ولا ينجو منها إلا الذين رأوها من قبل بالبصيرة ، واتقوها بالصالحات والكف عن المحرمات ٣٧ ـ ٣٩ ـ (فَأَمَّا مَنْ طَغى ...) وكل من لا ينصف الناس من نفسه أو رأى عدوانا ولم ينكره فهو طاغ أو في حكمه ، فكيف بمن ظلم أو رضي بالظلم أو ركن إلى الظالمين؟

٧٩٠

٤٠ ـ ٤١ ـ (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ...) أي خاف من حسابه وانتقامه ، واكتفى بحلاله عن حرامه ، وتكرر هذا المعنى في كل السور أو جلها ، لأنه تعالى ما ذكر الإنذار أو الترهيب إلا وقرنه بالتبشير والترغيب.

٤٢ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) متى قيامها وأيامها؟

٤٣ ـ ٤٥ ـ (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ...) أنكر المعاندون القيامة أشد الإنكار ، وحاولوا إحراج النبي (ص) بتكرار السؤال عن وقتها ، فتمنى النبي لو أمكن الجواب كما يوحي أسلوب (فِيمَ أَنْتَ) لأنه إنكار في صورة الاستفهام ، ومعناه لا تشغل نفسك بالجواب عن هذا السؤال ، فما هو من اختصاصك في شيء ، والمطلوب منك أن تخوف الناس من القيامة وأهوالها ، وتقدم مرات ، منها في الآية ١٨٧ وما بعدها من الأعراف.

٤٦ ـ (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) الضحى : أول النهار ، والعشية : آخره ، وأضاف سبحانه الضحى إلى العشية لأنهما من يوم واحد ، والمعنى يوم يحشر المعاندون إلى ربهم يظنون أنهم لم يلبثوا في القبور إلا ساعة من نهار كما في الآية ٤٥ من يونس

سورة عبس

مكيّة وهي اثنتان وأربعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ ٢ ـ (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) هو ابن أم مكتوم ، قصد النبي (ص) ليسأله عن أحكام دينه ، وكان عنده نفر من عتاة الشرك يحاول هدايتهم إلى الإسلام ، عسى أن يسلم غيرهم بإسلامهم ، وكان الأعمى يكرر على النبي : علمني مما علمك الله ، والنبي لا يجيبه ، والأعمى المسكين لا يدري أن النبي في شغل بما هو أهم ، فنزلت هذه الآيات ، وقال المفسرون بما فيهم الشيخ محمد عبده : إن الله عاتب النبي على إعراضه عن الأعمى! ونحن لا نرى فيها شائبة عتاب أو لوم على النبي ، والذي نفهمه أنها توبيخ واحتقار للمشركين الذين كانوا عند النبي ، وتقول له أعرض عن هؤلاء الأرجاس وأغلظ لهم ، إنهم أحقر من أن ينصر الله بهم الدين ، وأقبل على هذا الأعمى الطيب المؤمن ، ولا خوف على الإسلام فإن الله سيظهره على الدين كله ، ويذلّ أعداءه مهما بلغوا من الجاه والمال. ومن أحبّ المزيد فليرجع إلى تفسيرنا الكاشف.

٣ ـ ٤ ـ (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) إن هذا الأعمى يستمع لك يا محمد ، وينتفع بموعظتك ، ويتخذ منها منهجا لعمله ودليلا في سلوكه وحياته.

___________________________________

الإعراب : المصدر من (أَنْ جاءَهُ) مفعول من أجله لعبس. و (ما يُدْرِيكَ) مبتدأ وخبر.

٧٩١

٥ ـ ٦ ـ (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) أتطمع في العتاة القساة أن يسمعوا منك أو يعقلوا قولك ويؤمنوا بك وهم كالأنعام بل أضل سبيلا.؟

٧ ـ (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) لا بأس عليك ولا على الإسلام ممن ركب الجهل والضلال ، وقاده إلى الهلاك والوبال.

٨ ـ ١٠ ـ (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) أقبلت على المشركين الأقوياء طمعا في هدايتهم ، وأوكلت المؤمن إلى إيمانه ، فدع الطغاة فإن الله لهم بالمرصاد ، وأقبل على من فتح للهدى قلبه ، والله ينصر دينه بالقلة الهداة على الكثرة الطغاة ، وفي الخطبة ١٤٤ من خطب نهج البلاغة : «إن هذا الأمر ـ يريد الإسلام ـ لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة ، وهو دين الله الذي أظهره ، وجنده الذي أعده وأمده حتى بلغ ما بلغ».

١١ ـ ١٢ ـ (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) المراد بالتذكرة هنا أن الله لا ينصر الحق بمن يقول : أنا أكثر عدة وعددا ، بل بالمؤمنين المخلصين الذين تزدريهم الطغاة العتاة.

١٣ ـ (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) هذه التذكرة التي بيّناها لك يا محمد ولكل الناس ، مسجلة في الكتب الإلهية.

١٤ ـ (مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ) عالية بتعاليمها النافعة ، طاهرة من الجهالة والضلالة.

١٥ ـ (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) جمع سافر ، وهو الذي يسعى بين الناس لإصلاح ذات البين.

١٦ ـ (كِرامٍ بَرَرَةٍ) جمع بار ، وهو صانع البر والخير ١٧ ـ (قُتِلَ الْإِنْسانُ) هذه كلمة دعاء وإنشاء في صورة الفعل الماضي ، ومعناها أهلكه الله وعذبه لأنه لا يستحق الحياة (ما أَكْفَرَهُ) ما أشد عناده للحق وتمرده عليه ، وتدل هذه الآية بظاهرها أن الإنسان شرير أو مخطئ بطبعه ، وهذا ما تقوله التعاليم المسيحية ، أما القرآن الكريم فلا يصف الإنسان من حيث هو بخير ولا بشر ، وإنما يقيسه بما يترك من عمل وأثر كما في العديد من الآيات ، ومنها على سبيل المثال : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) ـ ٣٩ ـ النجم ... (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) ـ ٢١ الطور» وعليه فالمراد من الإنسان في (قُتِلَ الْإِنْسانُ) من ضل سواء السبيل بعمله وسوء اختياره ، وأيضا (ما أَكْفَرَهُ) توحي بذلك ، إضافة إلى قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ـ ٢ التغابن» ١٨ ـ ١٩ ـ (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ؟ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) من أنت أيها الإنسان الضعيف حتى تنساق مع العناد والغرور ، وتحاول القفز وراء الحدود والمقاييس؟

٢٠ ـ (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) إن الله سبحانه زود الإنسان بالقدرة والعقل للبناء لا للهدم ، ولإصلاح الحياة لا للفساد في الأرض ٢١ ـ ٢٢ ـ (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) الحياة الدنيا قصيرة الأمد ، وكلها مصائب وآلام ، وما بعدها أدهى وأمر ، ولا نجاة لأحد إطلاقا إلا لمن ملك نفسه وكفها عن الحرام ٢٣ ـ (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) أمر سبحانه بالخير ، ونهى عن الشر ، فأبى أكثر الناس إلا الشهوات والأهواء ، وهنا يكمن شقاء الإنسانية وبلاؤها ٢٤ ـ (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) ويسأل عقله من الذي يسّر هذا الطعام؟ الطبيعة وقوانينها؟ والطبيعة ومن طبّعها؟ كما قال شوقي ٢٥ ـ ٢٧ ـ (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) الله سبحانه هو الذي أنزل الماء من السماء ، وشق الأرض بالحرث وغيره ، وأنبت الزرع وخلق الحب ، لأنه مصدر الوجود وسبب الأسباب

٧٩٢

مهما طالت وامتدت سلسلة المؤثرات لاستحالة وجود الممكن بلا واجب والحادث بلا قديم وأزل.

٢٨ ـ ٢٩ ـ (وَعِنَباً وَقَضْباً) نباتا طريا كالبقول والخضار والقت ، يقطع المرة تلو المرة.

٣٠ ـ (وَحَدائِقَ غُلْباً) ضخمة الأشجار ملتفة الأغصان.

٣١ ـ ٣٢ ـ (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) مرعى الدواب.

٣٣ ـ (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) القيامة ، وفيها أصوات تصك الآذان حتى تكاد تصمها.

٣٤ ـ ٣٧ ـ (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ...) أبدا لا أحباب ولا أنساب يوم القيامة لأن كل إنسان مشغول بنفسه منصرف لما هو به عن غيره ، وتقدم في الآية ١٠ وما بعدها من المعارج.

٣٨ ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) مضيئة من أسفر الصبح.

٣٩ ـ (ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) فرحا وسرورا بثواب الله ورحمته.

٤٠ ـ (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ) ذل وهوان.

٤١ ـ (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) يعلوها السواد من الحزن والكآبة ، وتقدم في الآية ٢٢ من القيامة. وما بعدها.

سورة التكوير

مكيّة وهي تسع وعشرون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) التكوير في اللغة : اللف ، والمراد بتكوير الشمس سقوطها وذهاب ضوئها.

٢ ـ (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) انكدار الشيء في اللغة : انقلابه ، والمراد بانكدار النجوم تساقطها وتناثرها.

٣ ـ (وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) اقتلعت من أماكنها وسارت في الفضاء.

٤ ـ (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) العشار : الناق الحوامل ، وعطّلت : تركت وأهملت.

___________________________________

الإعراب : (إِذَا) ظرف زمان بمعنى وقت.

٧٩٣

٥ ـ (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) تنفر مذعورة عند خراب الكون ، وتموت خوفا ٦ ـ (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) تنطلق مياه البحار هنا وهناك لا يمسكها شيء.

٧ ـ (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) عادت كل نفس آدمية إلى الجسم الذي فارقته عند الموت ، والإيمان بحشر الإنسان جسما وروحا من ضرورات الدين ، ولا اجتهاد فيه تماما كالتوحيد والنبوة ٨ ـ ٩ ـ (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) هي البنت الصغيرة تدفن حية ، فإنها تبعث ، وتسأل على مسمع من وائدها : لما ذا وأدك الوائدون ، وتقدم في الآية ١٥١ من الأنعام ١٠ ـ (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) يعطى غدا لكل إنسان كتاب يبلغه ما فعل من محرمات وما ترك من واجبات. ثم يؤخذ بما قدمت يداه ١١ ـ (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) كشفت بذهاب الكواكب ١٢ ـ (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) وأوقدت وأضرمت ١٣ ـ (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) تقرب من المتقين ، ويقربون منها ، وتقدم في الآية ٣١ من «ق».

١٤ ـ (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) إذا قامت القيامة بحدوث ما ذكر من تكوير الشمس إلى كشط السماء وغير ذلك ـ يعلم عندئذ كل إنسان مصيرة وعاقبة أمره ، فمن استقام فإلى الجنة ونعم أجر الصالحين ، ومن زل فإلى النار وبئس مثوى المجرمين ١٥ ـ ١٦ ـ (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ) أسلفنا أن «لا» إعرابا زائدة عند أكثر المفسرين ، والجواري : النجوم السيارة ، تختفي في النهار فتغيب عن العيون ، والكنس تظهر أي تضيء وتطلع في أماكنها. كما في جوامع الجامع للطبرسي ، ونقله ابن كثير عن الإمام عليّ (ع).

١٧ ـ (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) كناية عن آخره حيث يدبر شيئا فشيئا ١٨ ـ (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) من كابوس الليل بطلوع الفجر وضيائه ، وقال أديب معاصر : إنك تكاد تسمع من قوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) سقسقة العصفور وصيحة الديك ١٩ ـ (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) هذا جواب القسم ، وضمير الغائب للقرآن ، والرسول جبريل ، ونسب القرآن إليه حيث نقله من الله إلى رسوله محمد (ص).

٢٠ ـ (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) لجبريل صلابة وحصانة في نفسه ، ومكانة وكرامة عند الله.

٢١ ـ (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) مطاع في الملائكة وأمين على الوحي وتبليغه ، ومعنى هذه الآيات بإيجاز أن القرآن من عند الله حمله جبريل الكريم والقوي الأمين وأداه بصدق وإخلاص إلى النبي العظيم ، ونحن نسأل من شكّ ويشك في القرآن : هل درسته دراسة علمية ، وفهمت معانيه ومراميه فتبين لك أنها غير صحيحة ولا مقنعة أو أنك أعرضت عن القرآن واعترضت لا لشيء إلا ظنا منك بأن الله ما أنزل كتابا على أحد من الأساس؟ وعلى هذا الفرض نسألك : أليس هذا الحكم على القرآن قاسيا ومجحفا لأنه بلا أساس؟ تواضع وتنازل للعلم وادرس القرآن إن تك من أهل الفكر ، ثم احكم بما يوحيه عقلك ويطمئن إليه قلبك ٢٢ ـ (وَما صاحِبُكُمْ) محمد (بِمَجْنُونٍ) أيها العتاة المعاندون اقرأوا سيرته وانظروا إلى آثاره وأعماله ان كنتم تعقلون وتنصفون وتقدم في الآية ٢ من القلم وغيرها ٢٣ ـ (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) رأى محمد جبريل على صورته ، وبلّغه القرآن على حقيقته في مكان معلوم عند الله وعند محمد وجبريل ٢٤ ـ (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) لا يكتم محمد القرآن ، ويسكت عن إعلانه مخافة أن يقول قائل : هو مجنون ٢٥ ـ (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) هذا رد على من قال بأن القرآن نفثة الشيطان على لسان محمد (ص) وهل توحى الشياطين بالهدى. والخير والحق والصدق؟

٧٩٤

٢٦ ـ (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) في الافتراء والبغضاء؟.

٢٧ ـ (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) يهدي إلى ما هو أسلم وأقوم ، وتكرر هذا المعنى في العديد من الآيات بلفظ ذكر وذكرى وموعظة وعبرة ورحمة ، وكل هذه الكلمات توحي بأن القرآن يتجه بالحياة إلى ما هو أنفع وأكمل.

٢٨ ـ (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) القرآن كالدواء يشفي من أراد الشفاء ، ومن أبى يترك الأمر لمشيئته ، وعليه تبعة ما فرط وأهمل.

٢٩ ـ (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) بموجب علمه وعدله وحكمته ، وتقدم في الآية ٨ من فاطر وغيرها. هذه السورة تماما كالسابقة ، تشير إلى بعض ما يحدث عند قيام الساعة ، وما يعقبها من حساب وجزاء.

سورة الانفطار

مكيّة وهي تسع عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) انشقت كواكبها وتساقطت وتكرر مرات ، لأن البعث من أصل أصول الدين يجب الاهتمام به كالتوحيد ، وأيضا في التكرار موعظة وتخويف من هول الحساب عسى أن يعتبر المجرم أو يخشى.

٢ ـ (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) هوت وبادت ، وعندئذ يختل توازن الكون.

٣ ـ (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) فاضت مياهها ، وارتفعت أمواجها ، واندلعت النيران من باطنها.

٤ ـ (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) أخرجت من بطنها الأموات أحياء تماما كما تلد الحامل ، والفرق أن هذه لا تلد الأطفال ، والقبور تخرج ما أودع فيها.

٥ ـ (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) ما فعلت وتركت ، وأخسر الناس صفقة من باع دائما بزائل.

٦ ـ ٧ ـ (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) قال الإمام عليّ (ع) حول هذه الآيات ما خلاصته : أي شيء جرأك على معصية ربك ، وأنت مقيم في كنفه تتقلب في نعمته؟ هل غرك منه أنه خلقك فأحسن صورتك وأمهلك ... فالحذر الحذر لقد ستر حتى كأنه قد غفر.

٨ ـ (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) ما زائدة إعرابا والمعنى شاء سبحانه خلقك على ما أنت فيه من جمال وكمال في الغرائز والأعضاء لتفهم وتعلم أن الذي أنشأك في هذا الإتقان والإحكام قادر على أن يعيدك إلى الحياة ثانية.

٩ ـ (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) أي بالحساب والجزاء والمعنى ارجعوا عن ضلالكم الذي لا مصدر له إلا التكذيب بالبعث.

١٠ ـ ١٢ ـ (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ

٧٩٥

ما تَفْعَلُونَ) من خير وشر ، ولا يستركم منهم أي حاجب ، ومعنى كرام أنهم أقوياء أمناء ، وتقدم في الآية ٨٠ من الزخرف.

١٣ ـ (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) وكل من كان الخير منه مأمول والشر منه مأمون فهو من الأبرار والأخيار.

١٤ ـ ١٥ ـ (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) وكل من يخاف الناس من شره فهو فاجر غادر.

١٦ ـ (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) بل هم في شقاء قائم وعذاب دائم.

١٧ ـ (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) لا يفرج فيه عن كرب ، ولا يسمح عن ذنب إلا لمن تاب من ظلمه وأصلح.

١٨ ـ (ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) والتكرار للتوكيد والتهويل.

١٩ ـ (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) لا أحد في ذاك اليوم يملك نفعا أو ضرا لنفسه أو لغيره (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) وحده ، فلا وساطة ولا شفاعة بل لا مودة ورحمة إلا ما شاء ربك.

سورة المطفّفين

مكيّة وهي ست وثلاثون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ ١٧ ـ (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ...) هدد سبحانه في هذه الآيات الذين ينهبون أقوات الناس بأساليب شيطانية ويعكرون صفو الحياة ويهدرون كرامة البشرية وحرمتها ، ونعتهم في الآية الأولى بالمطففين ـ أي الذين يبخسون الناس أشياءهم ـ وفي الآية السابعة بالفجار ، وفي الآية ٨٥ من هود : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) وبتقدم العلم تطورت أساليب الاستغلال ، وانقسم الفجار المستأثرون إلى فئتين في عهدنا الراهن تحتلان مركز الصدارة في شرق الأرض وغربها : الشيوعية تلغي وجود الفرد بدعوى الحرص على مصلحة الجماعة ، وتركز كل شيء في رجالها وأنصارها ، فتقبض على زمام السلطة والإنتاج الاقتصادي بالكامل ، وعلى التشريع والتنفيذ والقضاء ، ولا رأي وكلام إلا لها ومنها ، وما على الآخرين إلا السمع والطاعة. ـ الرأسمالية تعترف بوجود الفرد وحريته في التعبير عما يشاء وتفسح له مجال الاستفتاء ، ولكن هذا الاعتراف شكلي لا واقعي ، وهذه الحرية وهمية لا واقعية ، وذلك أن هذه الفئة تحدد وتخطط سلفا للمواطنين الآخرين ، الطريق الذي تريد هي أن يسلكوه ، ومرادها الذي ينبغي أن يؤيدوه ، وتدفعهم إليه بأحدث الوسائل العلمية التي تتلاعب بعقول الناس وميولهم كيف تشاء ، ومن هذه الوسائل الصحف والإذاعات والدعايات والخطابات الجذابة الخلابة ، والدراسات النفسية التي يقوم بها أخصائيون بارعون في استهواء النفوس وتوجيهها حيث يشاءون إلى غير ذلك من المؤثرات والانفعالات ، ومعنى هذا أن الفئتين تلتقيان في النتيجة على صعيد اللاحرية واللاديمقراطية بل واللاإنسانية. وتقدمت الآيات ال ١٧ أكثر من مرة إضافة إلى وضوحها مع ضيق المقام. وللضرورة أحكام.

٧٩٦

١٨ ـ (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) لما ذكر سبحانه حال الفجار المستغلين المعتدين أشار إلى الأبرار المتقين وهم الذين لا يسيئون إلى مخلوق ، ولا يعصون الله في شيء ، والمراد بالكتاب هنا كتاب الأعمال.

١٩ ـ (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) تفخيم وتعظيم لهذا العلو والسمو ، ويأتي تفسيره بعد لحظة.

٢٠ ـ (كِتابٌ مَرْقُومٌ) فيه علامات تدل على جليل الأفعال والصفات.

٢١ ـ (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) تقرأه ملائكة الرحمة ، والقصد من هذا الإخبار أن الجنة حق لا ريب فيه.

٢٢ ـ (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) هذا بيان وتفسير لعليين وأنه جنات النعيم ، ومنها :

٢٣ ـ (عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) الأرائك : الأسرّة ، وينظرون : تتمتع أبصارهم بأبهى المناظر وأجملها.

اشارة :

لا يظن الذين يأكلون أموال الناس بالباطل انهم غير مبعوثين ليوم عظيم يقف فيه الناس بين يدي الله للحساب والجزاء. قال الشيخ محمد عبده : لا فرق بين من أنكر اليوم الآخر وبين من تأوّل فيما يدفع عنه العقاب وينجيه من الحساب ، فإن التأويل لا يبتعد به عن منزلة المنكر ، بل هو معه في النار وبئس القرار (ان كتاب الفجار لفي سجين). كتاب هنا مصدر بمعنى الكتابة. واختلفوا في معنى سجين ، وأقرب الأقوال الى الافهام انه اسم للسجل الذي أثبت فيه أسماء الفجار وأعمالهم ، والى هذا ذهب صاحب مجمع البيان لأنه قال : «هو ظاهر التلاوة» ووافقه الشيخ محمد عبده وقيل : هو من السجن بمعنى الحبس (وما أدراك ما سجين). من الذي جعلك به داريا؟ فان علمه عند الله وحده (كتاب مرقوم) فيه علامات تدل على أعمال المسيئين.

___________________________________

الإعراب : ويل مبتدأ ، وللمطففين خبر. الذين صفة للمطففين. والمصدر من أنهم مبعوثون ساد مسد المفعولين ليظن. ويوم يقوم «يوم» منصوب بمبعوثين وما أدراك مبتدأ وخبر ، ومثله ما سجّين. وكتاب خبر لمبتدأ مقدر أي هو كتاب مرقوم. والذين يكذبون صفة للمكذبين. وأثيم صفة لمعتد. وأساطير خبر لمبتدأ مقدر أي هي أساطير.

٧٩٧

٢٤ ـ (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) تدل سمتهم على السرور والسعة والراحة والدعة ، وتقدم في الآية ٣٨ من عبس.

٢٥ ـ (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) الرحيق : خمر الجنة لا تذهب بالعقل وتفسده ، وقد ختمت أوانيها بالمسك كما قال سبحانه :

٢٦ ـ (خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) إلى مرضاة الله وجناته يتسابق أهل القرآن والمنتمون إلى الإسلام لا إلى التصفيق والهتاف والجلوس في الصدر وتقبيل الأيدي ونهب أموال الفقراء والمساكين ليتركوها للأبناء والأصهار.

٢٧ ـ (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) قد مزج الرحيق بشراب يقال له تسنيم ، وسمي بذلك لأنه يتدفق من علو.

٢٨ ـ (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) عينا مفعول لفعل محذوف أي أعني عينا ، والمعنى أن التسنيم ليس عصيرا من فاكهة أو ما أضيف إليه شيء آخر ، بل هو من عين طبيعية.

٢٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) المراد بالمجرمين أعداء النبي (ص) والإسلام ومن صفاتهم الجهل والكفر والتعصب والغرور ، والمراد بالمؤمنين الصحابة ، ومن صفاتهم العلم والإيمان والتواضع والإخلاص ، وإذن فلا بدع أن يسخر أولئك من هؤلاء.

٣٠ ـ (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) عليهم استخفافا وتهكما.

٣١ ـ ٣٢ ـ (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ...) قال الرازي في تفسير هذه الآية مر الإمام عليّ (ع) ونفر من المسلمين بجماعة من المنافقين ، فضحكوا وتغامزوا ، ثم رجعوا إلى أصحابهم وقالوا : رأينا الأصلع فضحكوا منه ، فنزلت هذه الآية قبل أن يصل عليّ إلى رسول الله (ص).

٣٣ ـ (وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ) شقي يسخر من تقي.؟ وفي نهج البلاغة : حاسب نفسك لنفسك ، فإن غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك ٣٤ ـ ٣٥ ـ (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) وهكذا الجاهل السافل يفرح بالقبيح من فعله ، وهو لا يشعر أنه يطعن نفسه بنفسه.

٣٦ ـ (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) هل عاقب سبحانه المجرمين بأعمالهم؟ أجل ، ما في ذلك ريب ، حيث لا يستقيم مع عدله أن يستوي المحسن والمسيء والمجرم والبريء.

___________________________________

الإعراب : ما أدراك «ما» مبتدأ وأدراك فعل ماض والجملة خبر. (ما عِلِّيُّونَ) مبتدأ وخبر. (كِتابٌ) خبر لمبتدأ محذوف أي هو كتاب. (عَيْناً) مفعول لفعل مقدر أي أعني عينا. (فَكِهِينَ) حال ، ومثله حافظين.

٧٩٨

سورة الانشقاق

مكيّة وهي خمس وعشرون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) تنشق وتنفطر حين تقوم الساعة.

٢ ـ ٥ ـ (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) استمعت له وأطاعت (وَحُقَّتْ) وحق لها أن تسمع وتطيع.

٦ ـ (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) أبدا لا وجود للإنسان ولا كيان إلا بالجد والاجتهاد والتعب والكدح في سبيل العلم والرزق ومنفعة الآخرين ، بل لا دين ولا أخلاق إلا بالكدح والعمل ، قال سبحانه : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ـ ٢ الملك» الحياة إشارة إلى الدنيا ، والموت إلى الآخرة : ومعنى هذه الآية بالعبارة أو بالإشارة أن الله خلق الإنسان كي يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا ، ولآخرته كأنه يموت غدا ، وأن كل الأعمال التي أحلّ الله هي عبادة لله ، وأن من لا يعمل لا يستحق الحياة ولا اسم إنسان حتى وإن لقب نفسه أو لقبه الناس بالعالم والنائب والوزير والزعيم.

٧ ـ (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) وهو الصالح الذي كفّ أذاه عن الناس.

٨ ـ (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) أي صورة بلا تحقيق وتدقيق ، فقد روي عن النبي في تفسير هذه الآية أن هذا عرض لا حساب لأن من نوقش الحساب عذّب.

٩ ـ (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) أي إلى أمثاله من أهل الجنة ، وتقدم في الآية ٧١ من الإسراء وغيرها.

١٠ ـ (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) وهو من ساء قصده ، وقبح فعله ، وأدبر خيره ، وأقبل شره.

١١ ـ ١٢ ـ (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً) الثبور : الهلاك ، والسعير : النار ، وتقدم في الآية ١٤ من الفرقان.

١٣ ـ (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) كان في الدنيا يضحك لها وتضحك عليه لاهيا ساهيا عن العاقبة وسوء المصير.

١٤ ـ (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) يرجع بعد الموت إلى ربه.

___________________________________

الإعراب : العامل بإذا محذوف أي أذكر (إِذَا السَّماءُ) الخ وأيضا جواب إذا محذوف أي لقيّ الإنسان خالقه. (فَمُلاقِيهِ) خبر لمبتدأ محذوف أي أنت ملاقيه. و (مَسْرُوراً) حال.

٧٩٩

١٥ ـ (بَلى) رجع إليه ورأى الآفات فخرس وجزع.

١٦ ـ (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) حمرة تبقى في الأفق عند غروب الشمس.

١٧ ـ (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) ضم وجمع ما تفرق وانتشر في النهار فأفراد الأسرة يجمعهم الليل بعد أن فرقهم النهار ، وكذا الجيران والأصحاب يجتمعون للسمر.

١٨ ـ (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) تم نوره وتكامل ليله ١٣ و ١٤ و ١٥ وتسمى هذه الليالي الثلاث بالليالي البيض.

١٩ ـ (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) هذا جواب القسم والمعنى لا بد أن يمر الإنسان بالعديد من الأطوار ، فمن النطفة إلى الجنين ، ومنه إلى الطفولة ثم الشباب والكهولة ، ثم إلى الهرم وأرذل العمر ، إلى القبر ثم النشر والحشر والحساب والجزاء.

٢٠ ـ (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بالله وما ترك عذرا لمتعلل؟

٢١ ـ (وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) وكأن هذه الآية تعنى الشباب المتطرف اللامبالي ... تقرع آيات القرآن أسماعهم ، ولا يحاول أحدهم أن يقرأ سورة واحدة بتدبر وإمعان ، أو يرجع إلى تفسير معروف ولو من باب الكشف ومجرد الإطلاع! وفي نفس الوقت يلهث وراء الكتب الجنسية والجاسوسية وما أشبه من كتب الإلحاد والفساد.

٢٢ ـ (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) بالحق دون أن يقرءوا أو يتدبروا ويسألوا ويفكّروا.

٢٣ ـ ٢٤ ـ (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) هو سبحانه يعلم أنهم يقيسون الحق بالشهوات والخير بالملذات.

٢٥ ـ (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) هذا كلام مستأنف وغير ممنون : غير منقطع ولا منقوص ولا يمن به عليهم ، وتقدم بالحرف في الآية ٨ من فصلت.

سورة البروج

مكيّة وهي اثنتان وعشرون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) يقسم سبحانه بالسماء ذات المنازل التي تنتقل بها الكواكب والغرض من هذا القسم التنبيه على ما في الكواكب من النظام والإتقان الدال على وجود الخالق وعظمته.

٢ ـ (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) وهو يوم القيامة لأن الله وعد به وهو منجز وعده لا محالة.

___________________________________

الإعراب : وان لن «ان» مخففة من الثقيلة أي انه. (بَلى) إيجاب بعد النفي (وَالسَّماءِ) الواو للقسم. و (ذاتِ الْبُرُوجِ) صفة للسماء. و (الْيَوْمِ) وما بعده عطف على السماء. وقتل جواب القسم ، وقيل الجواب محذوف. دل عليه قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ).

٨٠٠