التفسير المبين

محمّد جواد مغنية

التفسير المبين

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-465-000-X
الصفحات: ٨٣٠

الدين سلما للدنيا واتخذنا الدنيا سلّما للدين (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) وهو الشيطان الذي اصطادهم بأحابيله ، وتحكم في عقولهم وقلوبهم.

١٥ ـ (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) لا يفتدى أسير جهنم بشيء منافقا كان أو كافرا (مَأْواكُمُ النَّارُ) أنتم لها وقود وهي لكم دار وقرار.

١٦ ـ (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ) هذه الآية تستنهض المؤمنين الكسالى الذين يقفون على الحياد من كل صراع ونزاع بين العدل والجور والحق والباطل ، وتقول لهم : ألم يأت ويحين الوقت الذي تغضبون فيه لله والحق؟ (وَلا يَكُونُوا) المسلمون (كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ ...) حرّف اليهود التوراة بعد موسى ، وحرّف النصارى الإنجيل بعد عيسى ، وجعلوا التحليل والتحريم بإرادتهم لا بإرادة الله كيلا يكون كتابه حجّة عليهم ، أما المسلمون فقد صانوا آيات القرآن من التحريف وأبقوه كما نزل على محمد (ص) ولكنهم لم يعملوا بموجبه ، كما قال الرسول الأعظم : (ص) سيأتي على أمتي زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه ، وفي حديث ثان إلّا درسه. وعليه فالنتيجة واحدة من حيث الجرأة على دين الله والخروج من طاعته ، والفرق أن المسلمين أساءوا إلى الدين مع الاحتفاظ بألقابه.

١٧ ـ (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) وكذلك البعث والنشور ، وتقدم في الآية ٣٩ من فصلت وغيرها.

١٨ ـ (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) بتشديد الصاد ، من الصدقة لا من الصدق (وَأَقْرَضُوا اللهَ) فعل ماض لا فعل أمر (يُضاعَفُ لَهُمُ) الجملة خبر انّ ، والمعنى أن الله يضاعف أجر من أنفق وتصدق ، وتقدم مرات ، آخرها الآية ١١ من هذه السورة.

١٩ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) هنا تنتهي الجملة ، وما بعدها كلام مستأنف ، ومعناها أن المؤمنين حقا وواقعا هم الصدّيقون الذين يصدقون القول بالعمل والإيمان بفعل الخير وترك الشر ، ومعنى هذا أن العمل جزء متمم للإيمان ولا إيمان بلا عمل (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) العظيم على استشهادهم في سبيل الله ، وأيضا يتولد من هذا الاستشهاد نور يهتدون به إلى الجنة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) على العكس من المؤمنين والشهداء والصديقين ، مأواهم جهنم وبئس المهاد.

___________________________________

الإعراب : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ) مبتدأ وخبر لأنه بمعنى الذي تبشرون به اليوم جنات مثل طعامك اليوم كذا. و (يَوْمَ يَقُولُ) بدل من يوم ترى لأن المراد باليومين واحد وهو يوم القيامة. و (نَقْتَبِسْ) مجزوم بجواب الأمر وهو انظرونا. المصدر من (أَنْ تَخْشَعَ) فاعل يأن على حذف مضاف أي ألم يأن وقت الخشوع. و (ما نَزَلَ) عطف على ذكر الله. و (كَالَّذِينَ) الكاف بمعنى مثل خبرا ليكونوا. وجملة يضاعف خبر ان المصدقين. و (الَّذِينَ آمَنُوا) مبتدأ و (أُولئِكَ) مبتدأ ثان و «هم» ضمير فصل والصديقون خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر الأول.

٧٢١

٢٠ ـ (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا ...) دنيا الحلال لا تنفصل عن الدين ، بل هي مطية للآخرة أما دنيا السلب والنهب ، والخداع والنفاق ، والفسوق والفجور ، والكبرياء والخيلاء ، والجشع والطمع ، والحرص والشح ، والجهل والسفه ، أما هذه الدنيا الحرام فهي أعدى أعداء الدين ، وهي التي عناها المعصوم بقوله : «الدنيا والآخرة ضرتان لا تجتمعان» وتقدم في الآية ٣٢ من الأنعام وغيرها (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) للجبابرة الطغاة وغيرهم من العصاة (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) للذين جاهدوا الظلم والطغيان ، وعملوا لمصلحة الإنسان وشريعة القرآن.

٢١ ـ (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي إلى سبب المغفرة كالتوبة والأعمال الصالحة (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) يريد سبحانه بهذا العرض عظمتها لا تقدير مساحتها.

٢٢ ـ (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) أي من قبل أن توجد ، والمراد بالكتاب هنا علمه تعالى ، وأنه يعلم بالشرور والمصائب وأين ومتى وكيف تقع سواء أكان حدوثها بأسباب طبيعية كالطوفان والزلزال أم بأسباب اجتماعية كالحروب والمظالم والشرك والفسق ، وعلمه تعالى بأن هذا العبد سيختار الشرك ـ مثلا ـ لا يجعله مسيّرا غير مخيّر ، لأن علمه هذا حكاية عن المعلوم تماما كعلمنا بأن فلانا سيختار هذا الكتاب دون ذاك وتقدم في الآية ٤١ من الروم : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ).

٢٣ ـ (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) قيل لبزرجمهر : مالك أيها الحكيم لا تأسف على ما فات ولا تفرح بما هو آت؟ فقال : ان الفائت لا يتلافى بالعبرة والآتي لا يستدام بالحبرة. وقال آخر : ما كنت قائلا لشيء كان : ليته لم يكن أو لشيء لم يكن ليته كان (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) ما تكبر أحد وافتخر إلا لأنه يرى الناس صغارا! وهذا يترك وشأنه لأنه يحطم نفسه بنفسه.

٢٤ ـ (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) الذين يبخلون بدل من كل مختال فخور ، والمعنى من دأب كل مختال فخور أن يفعل المنكر ، ويحض الناس على فعله ، وتقدم في الآية ٣٧ من النساء.

___________________________________

الإعراب : (كَمَثَلِ) الكاف زائدة اعرابا ومثل صفة للدنيا أو خبر بعد خبر. و (فِي كِتابٍ) متعلق بمحذوف خبرا لمبتدأ ، محذوف أي الا هي كائنة أو مكتوبة في كتاب. (لِكَيْلا تَأْسَوْا) كي ناصبة للفعل واللام جارة والمجرور بها متعلق بما تعلق به في كتاب. (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بدل من كل مختال فخور.

٧٢٢

٢٥ ـ (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ ...) الواضحات والمعجزات الدالة على صدقهم ، وأيضا أنزل سبحانه عليهم الكتب ، وفيها شرائع الحق والعدل ليدعوا الخلق إليها والعمل بها (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) فيه بأس شديد إشارة إلى الأسلحة الهجومية الوقائية ، ومنافع للناس إشارة إلى ما يصنعون منه لحاجاتهم ، ويستخدمونه في مصالحهم (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) خلق سبحانه الحديد ليميز الطيب الذي يستعمله فيما ينفع الناس كالمصانع والمعامل تنتج الكساء والدواء وأدوات البيت ووسائل المواصلات ـ عن الخبيث الذي يستخدم الحديد في التقتيل والتدمير والتشريد.

٢٦ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ) وجعل سبحانه من ذريتهما كل الأنبياء ، وأنزل عليهم الكتب يتلونها على الناس ليعملوا بها (فَمِنْهُمْ) أي من الناس الذين أرسلت الرسل إليهم (مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) وهكذا في كل زمان. تقف الكثرة الكاثرة مع الأعور الدجال ، ينهق ويهرف. والشعب الجاهل يصفّق ويهتف.

٢٧ ـ (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) أرسل سبحانه بعد نوح وإبراهيم كثيرا من الأنبياء الواحد تلو الآخر ، ومنهم هود وصالح وموسى (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى) توالت الرسل وتتابعت حتى انتهوا إلى عيسى (ع) ، وأنزل عليه الإنجيل الأصيل (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) وهم الذين أطاعوا السيد المسيح (ع) وعملوا بتعاليمه نصا وروحا ، وما حرّفوا حرفا على ما تهوى أنفسهم ، ويومئ إذ ذلك كلمة «اتبعوه» أما رجال محاكم التفتيش ومن على شاكلتهم من الذين يهتفون بالصليب ، ويصلبون وينهبون ـ فالسيد المسيح والعذراء وكل الأنبياء يبرءون منهم (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) من عند أنفسهم (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) ما أنزل الله بها من سلطان (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) الاستثناء منقطع عما قبله والمعنى ولكن النصارى هم الذين ابتدعوها وفعلوها من تلقاء أنفسهم ظنا منهم أنها تقربهم من الله ورضوانه (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) أي على الرغم أنهم هم الذين ابتدعوا الرهبانية والتزموا بها فإنهم لم يقوموا بواجبها حيث ساندت الكنيسة الملوك الجبابرة والمترفين المحتكرين ، وأقامت محاكم التفتيش وحرقت آلاف المسيحيين الأبرياء وهم أحياء! (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) والمراد بهؤلاء القلة القليلة الذين ثبتوا على دين المسيح ، والتزموا بالمسيحية التي هي محبة وإنسانية لا تعصب وأحقاد ، ولا إثارة فتن وحروب (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) وفي طليعتهم الذين يحتلون مركز الصدارة في عالم الجريمة ، ويفجرون الاضطرابات وأعمال العنف في كل بلد يرتفع فيه صوت العدالة والحرية.

٢٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي نطقوا بكلمة الإيمان

___________________________________

الإعراب : (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) مبتدأ وخبر ، والجملة حال من الحديد.

٧٢٣

(اتَّقُوا اللهَ) اعملوا بموجب اعترافكم ولا يكن عملكم مكذبا لقولكم (وَآمِنُوا) فعل أمر لا فعل ماض (بِرَسُولِهِ) محمد أي أطيعوه وسيروا على هديه وسنته (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) الكفل : النصيب ، والمعنى من آمن وعمل بموجب إيمانه فله ضعفا ما يستحق ، وأيضا يجعل في قلبه وعقله هدى يتبصر به من العمى والجهالة.

٢٩ ـ (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) «لا» في قوله لئلا زائدة ، والمعنى ليعلم أهل الكتاب (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) «أن» مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف أي أنهم لا يقدرون واسمها محذوف أي أنهم لا يقدرون ، والمعنى أنه تعالى سجّل في القرآن أجرين لمن آمن بمحمد (ص) حتى يعلم غيرهم أنه لا شيء له عند الله من الفضل والثواب ، وهذا هو المراد بقوله : (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ) تبعا لعلمه وحكمته (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ـ ٨٣ الأنعام» بمن يستحق الدرجات.

سورة المجادلة

مدنيّة وهي اثنتان وعشرون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ) تحاورك وتراجعك يا محمد (فِي زَوْجِها) قال رجل من الصحابة لزوجته : أنت عليّ كظهر أمّي. وكان هذا طلاقا في الجاهلية ، فندمت الزوجة وندم الزوج فقال لها : اذهبي إلى النبي وأخبريه بأمرنا فذهبت إليه وقصت عليه ، وإلى هذا أشار سبحانه بقوله : قد سمع الله (وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ) حيث كانت تقول في معرض كلامها : أللهم إليك المشتكى (وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) لأن النبي (ص) قال لها : ما عندي في هذا شيء ، وأنزل تعالى حكمه في الظهار بقوله :

٢ ـ (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ)

___________________________________

الإعراب : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ) مبتدأ ، و «ما» تعمل عمل ليس وهن اسمها وأمهاتهم خبرها ، والجملة خبر الذين. و (مُنْكَراً) صفة لمفعول مطلق محذوف أي قولا منكرا و (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) مبتدأ. (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) مبتدأ والخبر محذوف أي فعليهم تحرير رقبة ، والجملة خبر الذين يظاهرون. والمصدر من (لِتُؤْمِنُوا) متعلق بمحذوف خبرا لذلك.

٧٢٤

إنزال الزوجة منزلة الأم مخالف للواقع (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) الأم من ولدتك وأرضعتك لا من تزوجت وافترشت (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) الظهار كذب وقبيح ينكره الشرع وأهل العقاب (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) كثير المصالح والصفح لمن تاب وأناب.

٣ ـ (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) أي يندمون ويرجعون عن الظهار ، فعلى المظاهر منهم أن يكفّر بواحدة من ثلاث على هذا الترتيب : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) أولا أن يمنح المظاهر الحرية لعبد مملوك قبل أن يتصل بأهله اتصالا جنسيا (ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ) أي أوجب سبحانه الكفارة تأديبا وزجرا عن الظهار.

٤ ـ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فإن عجز المظاهر عن تحرير رقبة صام شهرين متوالية لا يفصل بالفطر بين أيام الشهر الأول ولا بينه وبين الشهر الثاني ـ بيوم ، أيضا قبل أن يتصل بأهله (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) مرة واحدة لكل منهم ، أيضا قبل الاتصال حملا للإطعام على التحريم والصيام خلافا لأبي حنيفة (ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) لا تؤمنون بالله والرسول إلا إذا نبذتم حكم الجاهلية ، وعملتم بأحكام الله التي بيّنها سبحانه في كتابه وسنّة نبيّه (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) وفرائضه فلا تضيّعوها وتتعدوها.

٥ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ) يخالفون ويشاقون (اللهَ وَرَسُولَهُ) وهم أصحاب الثورة المضادة لكل إصلاح وتصحيح أولئك (كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أصابهم الخزي والهوان تماما كما أصاب السابقين من أمثالهم (وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ) واضحات الدلالة على الفرائض والأحكام ، ولمن جحد بها وكفر عذاب مهين ومقيم.

٦ ـ (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) يقفون بين يديه للحساب فيعلمهم بما كانوا يفعلون وهم قد نسوا ما اقترفوا ، فيتذكرون موقف الحسير الكسير ، وقد أحصى عليهم أخبارهم وآثارهم وينهارون ... ونتساءل : هل من أحد على يقين مائة بالمائة أنه بمنجاة من هذا الموقف؟ أللهم إلا من مات قلبه وغاب لبّه ، ثم أية خسارة من الإيمان بالبعث سوى فوات بعض الملذات الآنية الفانية؟

٧ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) كل شأن من شئون خلقه

___________________________________

الإعراب : (جَمِيعاً) حال من ضمير يبعثهم أي مجتمعين. و «ما» نافية ، ويكون تامة و «من» زائدة ونجوى فاعل وثلاثة مجرورة بالاضافة.

٧٢٥

(ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى) المكالمة السرية الا ويعلمها سبحانه سواء أكانت بين ثلاثة أم أقل ، بين خمسة أم أكثر (أَيْنَ ما كانُوا) في السماء أو على وجه الأرض أو تحتها ، وفوق ذلك يعلم كل خاطر يمر بالخيال ، وكل عزيمة يعقدها القلب ، وكل نظرة تسترقها العين (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) فأما الذين أصلحوا فيوفيهم أجورهم وزيادة ، وأما الذين سعوا في الأرض فعليهم غضب من الله وعذاب عظيم.

٨ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) تناجي فريق بالإثم والعدوان ، فنهاهم الرسول بالحسنى ، فعصوا ولم ينتهوا (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ) ومع إصرارهم على معصية الرسول كانوا يبدءونه بالتحية (بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) روي أن أناسا من اليهود دخلوا على النبي (ص) وقالوا : بدل السلام عليك السام عليك يا أبا القاسم ، والسام هو الموت. فقال : وعليكم. فنزلت الآية (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) : لو كان محمد نبيا ونحن نعامله بهذه المعاملة لعاجلنا الله بنقمته ، فرد سبحانه عليهم بقوله : (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها) لا تعجلوا فالنار أمامكم هي مأواكم وبئس مثوى الظالمين.

٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) المؤمن حقا وواقعا يتقي معصية الله والرسول ، ولا ينطق بكلمة الإثم والظلم ، أما الذين يصومون ويصلّون ويتنجسون من الكلب والخنزير ، ثم يحقدون ويحسدون ويستغيبون ويفترون ـ فما هم من الإيمان في شيء إلا في الاسم والادعاء ، وهم المقصودون بالنداء في هذه الآية ، والمعنى يا أيها الذين يدعون الإيمان ... (وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) هذي هي صفة المؤمنين : يتواصون بالحق والخير لا بالباطل والشر.

١٠ ـ (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ) أي نجوى الحقد والحسد ، والخدش والنهش (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) يتناجى اخوان الشياطين بالإثم ، ليسيئوا إلى ذوي الصدق والفضل

___________________________________

الإعراب : ولو لا بمعنى هلا. و (جَهَنَّمُ) مبتدأ مؤخر و (حَسْبُهُمْ) خبر مقدم. واسم ليس ضمير مستتر يعود الى الشيطان. و (بِضارِّهِمْ) الباء زائدة وضارهم خبر ، و (شَيْئاً) مفعول مطلق لضارهم.

٧٢٦

ومن الحكم البالغة : الحسد موكل بأهل الفضل (وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً) أقاويل تذهب مع الريح ، ويبقى إثمها على قائلها.

١١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) هذه الآية في آداب الجلوس ، ومعناها واضح ، وهو أن يحسن أهل المجلس بعضهم إلى بعض ، ويحترم الصغير منهم الكبير ولا يتنافسوا على الصدر (فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) لأن الجزاء من جنس العمل ، وفي نهج البلاغة : كان رسول الله (ص) يجلس جلسة العبيد ، ويخصف نعله بيده (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) كان النبي (ص) يقيم نفرا ـ من مقاعدهم ليجلس الأفضل إيمانا وعلما ، ويوحي بذلك قوله تعالى بلا فاصل : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) فثقل ذلك على بعض من كان يأمرهم النبي (ص) بالقيام والنشوز ، ولما نزلت هذه الآية تأدب الصحابة بآدابها عن طيب نفس.

١٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) روي أن الصحابة كانوا يسألون النبي (ص) ويكثرون حتى شق ذلك عليه ، فأمرهم سبحانه أن يتصدقوا قبل أن يسألوا الرسول تخفيفا عليه ، وتزكية لهم (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) أي فمن لم يجد ما يتصدق به واضطرّ إلى السؤال فلا حجة عليه ، لأن الله يحتج على عبده بما أعطاه ، فأحجموا بالكامل عن الصدقة والسؤال إلا الإمام عليّ (ع) فإنه تصدق وسأل كما جاء في العديد من التفاسير ، منها تفسير الطبري والرازي وابن كثير ، وبعد أن عمل الإمام وحده بهذه الآية رخّص سبحانه بإسقاط وجوب الصدقة ، وعاتب الصحابة بقوله :

١٣ ـ (أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) هل خفتم أيها الأغنياء النقص في الأموال؟ كيف وهي تربو وتزكو بالصدقات (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) ما أمرتم به من الصدقة قبل المناجاة وعفى الله ـ فاحرصوا على سائر الواجبات ولا تفرطوا بها (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في ترك المحرمات ولا عذر إطلاقا لمن يستهين ويهمل شيئا من هذه الطاعات والواجبات.

١٤ ـ ١٥ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) نزلت هذه الآية في المنافقين المذبذبين حيث كانوا يقابلون المسلمين بوجه ويحلفون لهم أنهم منهم ، ويقابلون اليهود بوجه ، وأيضا يحلفون الأيمان المغلظة أنهم على دينهم ، وما هم من هؤلاء ولا أولئك (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ

___________________________________

الإعراب : (يَرْفَعِ) مجزوم لأنه جواب الأمر وهو انشزوا أي إن نشرتم يرفع الخ. و (دَرَجاتٍ) منصوبة بنزع الخافض أي الى درجات. ومفعول أشفقتم محذوف. والمصدر من (أَأَشْفَقْتُمْ) مجرور بمن مقدرة أي أأشفقتم الفقر من تقديم الصدقة.

٧٢٧

يَعْلَمُونَ) أنهم كاذبون في كل ما يقولون ، وهكذا كل من لا يؤمن بقيمة ودين لا يرى فرقا بين الصدق والكذب والفضيلة والرذيلة.

١٦ ـ (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) سترا ووقاية يدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ظن بهم الصدق والإخلاص من يجهل حقيقة أمرهم فخدعوه بالأكاذيب وتاه عن الحق.

١٧ ـ (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) كل القوى مجتمعة لا تدفع عنهم شيئا حين يجدّ الجد وتأتي ساعة الفصل.

١٨ ـ (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) في يوم القيامة مواقف. منها ما يعجز الإنسان فيها عن الكذب ومحاولة التمويه والخداع ، ومنها ما يرجع فيها إلى طبيعته وعادته في الحياة الدنيا ، وفي هذا الموقف يحلف المنافقون كاذبين كما كانوا يفعلون في دار البوار والأقذار (وَيَحْسَبُونَ) أن أيمانهم الفاجر. تدفع عنهم العذاب. ذلك ظن الذين كفروا بالله ، وما لهم من عذابه وليّ ولا واق.

١٩ ـ (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) أعمتهم الأهواء عن الهدى والخير فانصرفوا بكلهم إلى الشر والضلال (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ) دعاهم إلى النار فاستجابوا وأقبلوا. ودعاهم الرّحمن إلى الجنة فنفروا وولّوا ، وهكذا الجاهل والضال يمكن عدوه من نفسه بنفسه.

٢٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) يحادون الله : يخالفون أحكامه ، ويتجاوزون حدوده عنادا وشقاقا. ومن يفعل ذلك فمصيره الخزي والهوان.

٢١ ـ (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) الغلبة في الآخرة لأهل الحق من غير شك ، أما في الدنيا فهم الغالبون بالحجة والبرهان في شتى الأحوال ، وكذلك في خلود الذكر وجميل الأحدوثة ، وكثيرا ما تكون الغلبة على الطغاة بالانتفاضات التحررية ، وتقدم في الآية ٣٨ من الحج وغيرها.

٢٢ ـ (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ ...) تنص هذه الآية بصراحة لا تقبل التأويل أن الإيمان بالله واليوم الآخر يستحيل أن يجتمع مع محبة الطغاة الكفرة وقوى الشر الفجرة وتقدم

___________________________________

الإعراب : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ) تعدت «تر» هنا بإلى لأنها متضمنة معنى تنظر. و (شَيْئاً) مفعول مطلق. و (أَلا) أداة تنبيه. (لَأَغْلِبَنَ) اللام في جواب كتب لأن فيه معنى القسم. وجملة (يُوادُّونَ) مفعول ثان لتجد. و (خالِدِينَ) حال. وألا أداة تنبيه.

٧٢٨

في الآية ٢٨ من آل عمران (أُولئِكَ) الذين لا يؤثرون شيئا على إيمانهم حتى الآباء والأبناء (كَتَبَ) الله (فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) ثبته فيها حتى كأنه طبعت عليه (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) أي بالتوفيق لكل خير ، وبالحجج البالغة والبراهين القاطعة (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ومرضاة الله وحدها هي الصلاح والفلاح ، كما قال الرسول الأعظم (ص) : إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي. وقال سيد الشهداء وإمام الأتقياء الحسين (ع) : ما ذا فقد من وجدك وما ذا وجد من فقدك؟

سورة الحشر

مدنيّة وهي اربع وعشرون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (سَبَّحَ لِلَّهِ ...) المخلوقات بالكامل تسبّح لخالقها بدلالتها عليه ، وتقدم بالحرف الواحد في أول سورة الحديد.

٢ ـ (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ) نزلت هذه السورة في يهود بني النضير ، وكانوا في حصونهم بضاحية المدينة ، ولما هاجر النبي (ص) إليها صالحوه على أن يقفوا على الحياد ، لا له ولا عليه ، ثم نقضوا العهد ، فحاصرهم النبي (ص) وضيّق عليهم الخناق حتى صالحوه على أن يخرجوا من حصونهم وديارهم ، فخرجوا منها وتفرقوا في البلاد (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) أي هذا أول جلاء وطرد لليهود من المدينة (ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) ما توقعتم أيها المسلمون أن يخرج بنو النضير من ديارهم ، ويتركوها

اللغة : الحشر الجمع. والجلاء الخروج عن الوطن. واللينة النخلة. ويشاق يخالف.

___________________________________

ملاحظة : والخلاصة أن الإنسان بالغا ما بلغ من المقدرة فإنه أعجز من أن يجمع بين مرضاة الله ومرضاة أعدائه تعالى ، فإن أرضاهم أغضب الله ، وإن أرضى الله أغضبهم .. ومستحيل أن يرضوا الا عمن هو على شاكلتهم بشهادة الله عزوجل : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ). ـ ١٢٠ البقرة وفي الحديث الشريف أن رسول الله (ص) قال : «اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة فإني وجدت فيما أوحيت : لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من جاد الله ورسوله».

٧٢٩

لأعدائهم (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) وأيضا ما دار في خلد بني النضير أن يقهروا لكثرة عدتهم ومنعة حصونهم (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) وكثيرا ما يؤخذ المتحصّن من حصنه والآمن من مأمنه (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) من هيبة رسول الله وعظمته ، فاستسلموا لأمره رهبة وجزعا من غير قتال (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) هدم يهود بني النضير ما بنوا قبل الجلاء والرحيل ظنا به على المسلمين ، أما نسبة الهدم إلى المؤمنين فلأنهم السبب الموجب له وللجلاء (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) بهذا المصير فإن دائرة السوء لا بد «ان تدور على رأس من لجّ في الغي وتمادى في البغي.

٣ ـ (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) على يهود بني النضير النفي من ديارهم (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) بالقتل الاستئصال كما فعل بيهود بني قريظة ، أما عذابهم في الآخرة فهو أشد وطأة وتنكيلا.

٤ ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) ما عذب سبحانه اليهود في الدنيا ، ويعذبهم في الآخرة إلا لأنهم يعاندون كل حق ، ويرفضون كل خير إلا أن يكون لهم وحدهم غير شريك.

٥ ـ (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) اللينة : النخلة ، قطع المسلمون بعضا من نخيل بني النضير للتضييق عليهم ، فقالوا للنبي (ص) : انك تنهى عن الفساد ، فنزلت هذه الآية ، ومعناها أن ما قطع من النخيل نكاية بالناكثين وما ترك منها من غير قطع فهو بأمره تعالى ليغيظ به من عاند وتمرد.

٦ ـ (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) أي من الكفار المحاربين للإسلام والمسلمين ، و «ما» في قوله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ) ـ اسم موصول (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) «ما» في قوله : فما أوجفتم عليه ـ نافية ، ومعنى أوجفتم عليه عملتم عليه ، والمراد بالركاب الإبل ، وقد بيّن سبحانه وحدد في كلامه هذا معنى الفيء في دينه وشريعته بأنه المال الذي يؤخذ بلا قتال وجهاد ، من الكفار المحاربين للإسلام والمسلمين ، وأموال بني النضير هي من الفيء ، ولكن لها حكم خاص وهو أن تكون خالصة لرسول الله (ص) وحده ولا تقسم على الجيش كالغنائم التي تؤخذ بقتال وجهاد ، أما الفيء من غير أموال بني النضير فله حكم آخر ، ويتضح بقوله تعالى :

٧ ـ (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) المراد بأهل القرى هنا غير بني النضير ، والمعنى أن الذين كفروا ـ من غير بني النضير ـ إذا أعلنوا الحرب على الإسلام والمسلمين ، ثم استسلموا من غير قتال ـ فلا تقسم أموالهم على الجيش قسمة الغنيمة بل هي فيء ، وتكون خالصة لله ورسوله وقرباه من مؤمني بني هاشم ، أما اليتامى والمساكين وابن السبيل وهو المنقطع عن وطنه ـ فقال الإمامية : المراد بهم من كان من بني هاشم دون غيرهم ، وعند المذاهب الأربعة العموم والشمول

٧٣٠

لبني هاشم وغيرهم (كَيْ لا يَكُونَ) مال الفيء (دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) أي متداولا فيما بينهم ولا يصل منه شيء إلى الفقراء كما كانت الحال في الجاهلية حيث كان الأمراء والأغنياء يتصرفون في الفيء بمحض الشهوات والأهواء. (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) يقول سبحانه : اعملوا بالقرآن ، فإن لم تجدوا فيه النص على ما تريدون فارجعوا إلى السنة النبوية ، والشرائع الوضعية على هذا المبدأ ، قال السنهوري في شرح القانون المدني : «نصت المادة الأولى على أنه إذا لم يوجد نص شرعي حكم القاضي بمقتضى العرف ، فإذا لم يوجد فبمقتضى المبادئ الإسلامية ، فإذا لم توجد فبمقتضى مبدأ القانون الطبيعي وقواعد العدالة».

٨ ـ (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) من مكة إلى المدينة نصيب من فيء أهل القرى أيضا لأنهم (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) لا لشيء إلا لوقوفهم مع الحق وإعلان كلمة الإسلام وتضحيتهم في سبيله (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) إيمانا وقولا وعملا ، وبهؤلاء المهاجرين وأمثالهم من الأنصار استقام الإسلام ، وانتشر في شرق الأرض وغربها ، ولا بدع فإن قائدهم محمد ، ولن تكون الأمة فاسدة وقائدها صالحا ، كما لا تكون صالحة وقائدها فاسدا ، وإذا وجدت فئة فاسدة في عهد الحاكم الصالح فاعلم أن الكلمة لأهل الصلاح ، والعكس بالعكس ، هذا إذا كان الحكم للحرية والإختيار لا للحديد والنار.

٩ ـ (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) المراد بالذين الأنصار ، وتبوؤا : سكنوا ، والدار : دار الهجرة وهي المدينة ، والإيمان مفعول لفعل محذوف أي وأخلصوا الإيمان ، ومن قبلهم أي من قبل أن يهاجر اليهم المهاجرون. وقد أثنى سبحانه على الأنصار بأنهم (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة ، فأحسن الأنصار استقبالهم في الحب والبذل والمساواة ، وكان النبي (ص) يخص المهاجرين بالغنيمة كلّا أو بعضا ، لأنهم غرباء في المدينة ، ولا يملكون شيئا على الإطلاق ، وكان الأنصار يرضون عن ذلك ، ولا يجدون في أنفسهم أي شيء بل ويرونه حقا وعدلا (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) فاقة ، والمعنى يفضلون غيرهم على أنفسهم في الشيء الذي يحتاجون إليه أشد الحاجة وبتعبير الآية ٨ من الإنسان (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الشح لغة : أشد البخل ، والمراد به هنا البخل بالخير والمعروف ، لأن كلمة الشح في الآية جاءت بعد الإشارة إلى الذين يؤثرون على أنفسهم ، وفي الحديث : لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا.

١٠ ـ (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا ...) جاء في التفاسير أن المراد بالذين جاءوا من بعد الصحابة ، التابعون لهم بإحسان أخذا بقرينة السياق ، ومع هذا فإن الثناء يعم ويشمل كل من سار بسيرة الصحابة إلى يوم القيامة.

١١ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ

٧٣١

كَفَرُوا ...) هذه الآية نزلت في رأس المنافقين عبد الله بن أبي وجماعته حيث بعثوا إلى يهود بني النضير ، وقالوا لهم : اثبتوا في قتال محمد والصحابة ، ونحن عليهم معكم ، وإن جلاكم محمد عن المدينة نزحنا عنها ولا نفارقكم ، ولن نسمع من أحد يأمرنا أو ينصحنا بالتخلي عنكم (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ) إن المنافقين (لَكاذِبُونَ) في قولهم هذا.

١٢ ـ (لَئِنْ أُخْرِجُوا) يهود بني النضير (لا يَخْرُجُونَ) المنافقون (مَعَهُمْ) بل يقبعون في بيوتهم (وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) إذا وقعت الحرب بين المؤمنين ويهود بني النضير فالمنافقون يخذلون هؤلاء حتى ولو قاتلوا معهم فستكون الهزيمة للإثنين معا لا محالة.

١٣ ـ (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) اليهود والمنافقون يخافون من القوة ويفهمون بلغتها فقط ، ولا يخافون من الله وعذابه في اليوم الآخر ، لأنهم أجهل الناس بالله وعظمته ، وعلى أساس الخوف منكم ومن قوتكم أيها المؤمنون تستر المنافقون بكلمة الإسلام وإعلانها.

١٤ ـ (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) أو من وراء جدار ، اليهود جبناء في الحرب لا ينازلون المسلمين وجها لوجه ، بل يلوذون بالجدران والحصون ، ويرشقون بالنبال والأحجار (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) إنهم منحلون متخاذلون ، وإن تظاهروا بالإلفة والمحبة.

١٥ ـ (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) إن حال يهود بني النضير الذين نصبوا العداء لرسول الله تماما كحال غيرهم من أعدائه حيث انتهوا إلى الخزي والهوان.

١٦ ـ (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) قال المنافقون ليهود بني النضير : قاتلوا محمدا ، ونحن معكم في القتال والجلاء ، ولما نزل بهم البلاء اختفى المنافقون في أوكارهم تماما كالشيطان يغرى الإنسان بالرذيلة حتى إذا فعلها تنكر له وأنكر عليه ، وتقدم في الآية ٤٨ من الأنفال.

___________________________________

الإعراب : و (الَّذِينَ تَبَوَّؤُا) مبتدأ وجملة يحبون خبر. و (الْإِيمانَ) مفعول لفعل مقدر أي وآثروا أو أخلصوا الايمان ، ومثله علفتها تبنا وماء باردا أي وسقيتها ماء باردا. ومفعول يؤثرون محذوف أي يؤثرون غيرهم. (أَبَداً) ظرف زمان لاستغراق المستقبل منصوب بنطيع. و (مِنَ اللهِ) أي من رهبتهم من الله. و (جَمِيعاً) حال أي مجتمعين. و (كَمَثَلِ) خبر لمبتدأ مقدر أي مثلهم كمثل الذين الخ. و (قَرِيباً) صفة لمقدر أي زمنا قريبا والزمن منصوب بذاقوا أي ذاقوا وبال أمرهم في زمن قريب.

٧٣٢

١٧ ـ (فَكانَ عاقِبَتَهُما) عاقبة الخادع والمخدوع في جهنم وساءت مصيرا ..

١٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) بفعل ما أمر وترك ما زجر ، بخاصة كف الأذى عن الناس (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) لا تقدم نفس على ربها نقية ومرضية إلا بمغالبة الهوى والكف عما نهى (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) وأشقى الناس إطلاقا من فرح بما خفي من عيوبه ، والله خبير بها وعليم.

١٩ ـ ٢٠ ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ) وهم الذين يذكرونهم بألسنتهم ، ويعصونه بأعمالهم (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) نسوا ما أمرهم الله به ، وأمنوا ما حذّرهم منه ، فصرفهم عن كل عمل يعود عليهم بالخير والصلاح. فجاء الجزاء من جنس العمل (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) ـ ٥ الصف».

٢١ ـ (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ) وكان له حس وشعور (لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) هذا كناية عن عظمة القرآن في عظته ، وقسوة الإنسان في غلظته ، ومن لا يتأثر بنصيحة الله فبأي شيء يتأثر؟ ولا شيء أوضح في الدلالة على عظمة القرآن من الذي أنزله جلّ وعزّ.

٢٢ ـ ٢٤ ـ (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وحده المعبود الحق (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) يعلم ما غاب عن الخلق وما شاهدوه (هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) من الرحمة والإحسان (الْمَلِكُ) غني في ذاته وصفاته ، ولا غنى لغيره عنه (الْقُدُّوسُ) تنزه عما لا يليق بالخالق الرازق (السَّلامُ) والأمان للصالحين المخلصين. (الْمُؤْمِنُ) من الإيمان بمعنى التصديق مثل (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ، أي بمصدق ، والله سبحانه يصدق عباده المؤمنين ما وعدهم من الثواب (الْمُهَيْمِنُ) بالإشراف على كل شيء (الْعَزِيزُ) الذي لا يقهر (الْجَبَّارُ) تنفذ مشيئته بالقهر والإجبار (الْمُتَكَبِّرُ) له الكبرياء والعظمة

___________________________________

الإعراب : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ) خبر لمبتدأ مقدر أي مثلهم كمثل الشيطان. و (عاقِبَتَهُما) خبر كان والمصدر من (أَنَّهُما فِي النَّارِ) اسمها. و (خالِدَيْنِ) حال من اسم ان. و (لْتَنْظُرْ) مجزوم بلام الأمر. و (ما قَدَّمَتْ) «ما» بمعنى أي في محل نصب بقدمت والمعنى أيّ شيء قدمت.

٧٣٣

(الْبارِئُ) الخالق على غير مثال كما قيل (الْمُصَوِّرُ) خالق الصور والأشكال (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) كل ما ينسب إليه تعالى ويحكي صفة من صفاته الجلى فهو حسن وجميل وعظيم وجليل. وتقدم في الآية ١٨٠ من الأعراف.

سورة الممتحنة

مدنيّة وهي ثلاث عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) حذّر سبحانه المؤمنين من موالاة أعداء الدين ، وكرر ذلك في العديد من الآيات ، منها الآية ٢٨ من آل عمران ، ولكن لنزول الآية التي نحن بصددها سبب ، وهو أن رسول الله (ص) حين عزم على فتح مكة كتب واحد من الصحابة إلى قريش بذلك ، فأوحى سبحانه إلى نبيه بما كان من هذا الكاتب ، فبعث النبي (ص) في طلب الكتاب ولما اطلع عليه سأل المرسل فاعتذر بأن له أهلا في مكة يخاف عليهم من المشركين. فصانعهم وهو على دينه ، فنهى سبحانه عن مثل هذه المصانعة لأنها تضر بمصلحة المسلمين ، وهذه الآية حجة قاطعة على من يتخذ يدا عند أعداء الدين جلبا لمصلحة أو دفعا لمضرة عن نفسه أو عن غيره (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) كيف تثقون بهم. ولا يرونكم على شيء ، ويرون أنفسهم كل شيء؟ (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) المصدر من أن تؤمنوا مفعول من أجله ليخرجون ، والمعنى ما انتقموا منكم تنكيلا وتشريدا إلا لأنكم عبدتم الله مخلصين له الدين (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) جواب الشرط محذوف ، والمعنى إن كنتم مسلمين حقا مجاهدين في سبيل الله وراغبين في ثوابه ومرضاته ـ فلا تركنوا إلى المشركين أعداء الله وأعداءكم (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) أتوادّون أعداء الله سرا وهو العليم بما تكنّ الصدور؟

٢ ـ (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ

___________________________________

الإعراب : (أَوْلِياءَ) مفعول ثان لتتخذوا. وقال كثير من المفسرين : ان الباء زائدة بالمودة وان المودة مفعول تلقون مثل ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة ، وقال صاحب البحر المحيط : مفعول تلقون محذوف والباء للسبب أي تلقون اليهم أخبار رسول الله بسبب ما بينكم من المودة. و (إِيَّاكُمْ) عطف على الرسول. والمصدر من (أَنْ تُؤْمِنُوا) مفعول من أجله لتخرجون. و (جِهاداً) مفعول من أجله لخرجتم و (ابْتِغاءَ) عطف عليه. و (يَوْمَ الْقِيامَةِ) منصوب بلن تنفعكم.

٧٣٤

أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ) لو ظفر أعداء الحق بأنصاره لمزقوم بالسنان واللسان ، والتاريخ متخم بالشواهد على ذلك ، وأنصار الحق على العكس ، والسر سمو المبدأ ونزاهة القصد عند هؤلاء دون أولئك ، فإذا عاد الحق إلى نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه فلا شيء وراءه ومن الأمثلة على ذلك ما فعله النبي بأعدى أعدائه حين عاد إلى مكة فاتحا.

٣ ـ (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ولا مصانعكم ومصارفكم وأسلحتكم الجهنمية ... أبدا لا شيء بنافع إلا العمل الصالح.

٤ ـ (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) يقول سبحانه لرجال الصحابة تآسوا بمن آمن مع خليل الرّحمن (ع) فقد لاقوا من الجهد والمشقة ما لاقيتم حتى الهجرة من الأوطان ، فصبروا صبر الأحرار ، وهو سبحانه يوفي الصابرين أجورهم بغير حساب (إِذْ قالُوا) إبراهيم والضعفاء الذين معه (لِقَوْمِهِمْ) الأقوياء عدة وعددا : (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ) أنتم عل ضلال ، ونحن المحقون. وهكذا إذا كانت القلة القليلة تجابه أمة بكاملها شعبا وحكومة ، ولا تملك من شيء إلا كلمة الحق (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) ومعنى هذا بصراحة أن دين المرء لن يستقيم حتى يكره في الله ، ويحب في الله. وفي الحديث : المؤمن لا يخون أخاه المؤمن ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يغتابه. فهل يتعظ بهذا من يدعي الإيمان وهو يظلم أخاه المؤمن بالحقد والحسد؟ (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ...) كأن سائلا يسأل : كيف تبرأ إبراهيم (ع) من المشركين علما بأنه قد قال لأبيه آزر : سأستغفر لك ربي كما في الآية ٤٧ من مريم؟ فأجاب سبحانه بأن آزر كان قد وعد إبراهيم بأن يؤمن كما في الآية ١١٤ من التوبة (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ).

٥ ـ (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) لا تسلط علينا شرار خلقك ، فيبتلونا بمحن لا نقوى على حملها.

٦ ـ (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ) الخطاب للصحابة ، وضمير الغائب لإبراهيم ومن معه ، عاد سبحانه يؤكد الأخذ بما كان عليه إبراهيم الخليل ومن معه من الإخلاص في الإيمان والصبر في الجهاد (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عن

___________________________________

الإعراب : (فِي إِبْراهِيمَ) متعلق بحسنة ، وقيل بمقدر صفة ثانية لأسوة. و (الَّذِينَ مَعَهُ) عطف على (إِبْراهِيمَ). (وَإِذْ قالُوا) «إذ» ظرف والعامل فيه خبر كان المقدر. و (بُرَآؤُا) خبر انّ و «نا» اسمها. و (أَبَداً) ظرف زمان لاستغراق المستقبل. (وَحْدَهُ) حال من الله. وربنا منادي بحذف النداء. ولمن كان يرجو بدل بعض من «لكم» بإعادة حرف الجر.

٧٣٥

العالمين (الْحَمِيدُ) بحمده لنفسه أزلا وبحمد عباده له أبدا

٧ ـ (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) وذلك بأن يدخل الأعداء المشركون في دين الله ، ويتبادلوا مع المسلمين الألفة والمودة ، والله على كل شيء قدير.

٨ ـ (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) لصلة المسلم بغير المسلم ثلاثة أحكام في القرآن الكريم : الحرمة والوجوب والإباحة تبعا لنوع الصلة وكنهها (١) يحرم على المسلم أن يوالي من نصب العداء لدين الإسلام ، ويلقي إليه بالمودة بنص العديد من الآيات المتقدمة ، لأن هذه الموالاة والمودة تشجيع أو رضى بالعداء لدين الله ، وفي الآية ١٤٠ من النساء (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) (٢) يجب على الحاكم المسلم أن يحكم بالعدل بين أعداء الدين تماما كما يحكم بين أبنائه ، لأن الهدف من العدل حماية الإنسان وحقوقه من الظلم من حيث هو إنسان بصرف النظر عما يدين ، وعلى هذا الأساس قال سبحانه لنبيه : (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ـ ٤٢ المائدة» (٣) يسوغ للمسلم أن يبر ويحسن نصير المسلمين الذين لم يسبق أن قاتلوهم أو اضطروهم للهجرة والتشريد كما تنص الآية التي نحن بصددها.

٩ ـ (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ) ناصبوكم العداء ، وحاربوكم على الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، وتعاونوا على تشريدكم من الأوطان والديار ، فهؤلاء هم الذين تجب معاداتهم ، ومن يتولهم فقد ظلم نفسه ، وعصى ربه.

١٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ) إذا فرت زوجة الكافر منه إلى المسلمين وقالت : أتيت مؤمنة بالله ورسوله ـ فعلى المسلمين أن يتثبتوا في أمرها ويبحثوا ، فإن تبيّن أنها تركت الزوج سخطا عليه ونشوزا منه أرجعوها إليه ، أو تركوها وشأنها ـ على الأقل ـ وإلا أخذوا بظاهر الحال ، على أن تشهد علانية لله بالوحدانية ولمحمد (ص) بالرسالة (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) الظاهر للناس ، والباطن لله (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) أي نطقن بالشهادتين (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) لانقطاع العصمة بإيمان الزوجة وبقاء الزوج على الكفر (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) ردوا أيها المسلمون للأزواج الكفار مثل ما كانوا قد أعطوا الزوجات من المهر ، ويختص هذا بحال الهدنة بين الرسول (ص) والمشركين فقط ، وفيما عداها لا شيء للزوج لأن المهر يثبت للزوجة بمجرد الدخول ، والتفصيل في كتب الفقه (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) للمسلم أن يتزوج المؤمنة المهاجرة التي حرمت على زوجها المشرك ، ولكن بشرط انقضاء العدة وفرض المهر (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) إذا كان الزوجان مشركين ، وأسلم أحدهما دون الآخر انقطعت العصمة بينهما ، وكذلك لو كانا مسلمين وارتد أحدهما عن الإسلام دون آخر (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) إذا فرت زوجة المشرك مؤمنة إلى المسلمين فله كل الحق أن يطالب بمهرها ، وإذا فرت زوجة المسلم مشركة إلى المشركين فأيضا للزوج أن يطالب بمهرها ويختص هذا الحكم بحال الهدنة بين النبي (ص) والمشركين كما سبقت الإشارة.

٧٣٦

١١ ـ (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ ...) امتثل المسلمون ما أمر الله به ، وأعطوا للمشرك مهر زوجته التي نفرت منه مؤمنة إلى المسلمين ، ورفض المشركون أن يعطوا للمسلم مهر زوجته التي نفرت منه مرتدة إلى المشركين ، فأمر سبحانه المسلمين أن يعوّضوا على هذا المسلم ويعطوه من غنائم الحرب مع الكفار ما يعادل مهر زوجته الفارة منة ، ومعنى قوله تعالى (فَعاقَبْتُمْ) ظفرتم بالكفار وكانت العقبى لكم عليهم ، وغنمتم منهم الأموال ، فأعطوه منها مثل ما أعطى لزوجته المرتدة.

١٢ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) لما فتح رسول الله (ص) مكة بايعه الرجال على الطاعة والجهاد ، وبايعه النساء بالكلام لا باليد (١) ـ (عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً) لا صنما ولا غيره (٢) ـ (وَلا يَسْرِقْنَ) وعند هذا الشرط قالت هند أم معاوية : إن أبا سفيان شحيح وقد أصبت من ماله. فأقرها النبي على أن لا تزيد عن الحاجة (٣) ـ (وَلا يَزْنِينَ) تقدم في الآية ٢ من النور (٤) ـ (وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) كما كانت الحال في الجاهلية ، وتقدم في الآية ٣١ عن الإسراء (٥) ـ (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) أي البطن لأن مكانها وسط بين اليدين والرجلين ، والمعنى لا ينسبن لقيطا إلى الأزواج ، ولا يكذبن في الحمل والطهر والحيض (٦) ـ (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) يعملن بشريعة الله حلالها وحرامها (فَبايِعْهُنَ) إذا أقررن بكل ما ذكر.

١٣ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا) ختم سبحانه هذه السورة بما بدأها من التحذير والنهي عن موالاة أعداء الله وأعداء المسلمين ، وفي طليعتهم اليهود المعنيون بقوله تعالى : (قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) ولعنهم بحقدهم على الإنسان والإنسانية جمعاء (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) على حذف مضاف أي من خير الآخرة وثوابها (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ) المكذبون بالبعث من عودة أصحاب القبور إلى الحياة الثانية.

___________________________________

الإعراب : (مُهاجِراتٍ) حال من المؤمنات. و (مُؤْمِناتٍ) مفعول ثان لعلمتموهن. و (تَرْجِعُوهُنَ) هنا بمعنى تردوهن ولذا عدي الفعل الى المفعول. والمصدر من (أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) مجرور بفي مقدرة. (فَبايِعْهُنَ) جواب إذا جاءك. ومن أصحاب القبول على حذف بعث أصحاب القبور والمجرور متعلق بيئس.

٧٣٧

سورة الصّف

مدنيّة وهي اربع عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (سَبَّحَ لِلَّهِ ...) كل مخلوق يسبّح بالدلالة على وجود خالقه ، وتقدم في الكثير من الآيات ، منها في أول الحشر والحديد.

٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) كيف تدعون الإيمان وتكذبون في الوعد وغيره.

٣ ـ (كَبُرَ مَقْتاً) وهو أشد البغض (عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) قال الإمام أمير المؤمنين (ع) في وصف أحد أصحابه : «كان يقول ما يفعل ، ولا يقول ما لا يفعل». وكل من كثر كلامه قلّ خيره ، ومن الحكم الخالدة ، خساسة المرء بكثرة كلامه فيما لا ينفع.

٤ ـ (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) كناية عن الأمة أو الجماعة تلفها كلمة واحدة وتعمل بكامل أفرادها لمصلحة الجميع ، ولا يشذ منها فرد واحد لنزعة عاطفية ومصلحة شخصية.

٥ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي) وهذا السؤال يحمل الإجابة عنه في صلبه وأصل تكوينه تماما كما تقول : لما ذا تلسع العقرب وتلدغ الحية؟ وقد لسع ولدغ أبناء إسرائيل أباهم يعقوب وأخاهم يوسف ، وتوارث هذا اللسع واللدغ الأحفاد عن الأجداد جيلا بعد جيل (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) انحرفوا إلى طريق الضلال ، فأخذهم الله إلى نهايته (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) ـ ٤٥ المدثر».

٦ ـ (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي

___________________________________

الإعراب : (مَقْتاً) تمييز. والمصدر من (أَنْ تَقُولُوا) فاعل كبر أي كبر هذا القول مقتا. و (صَفًّا) مصدر في موضع الحال من فاعل يقاتلون أي مصطفين. و (مُصَدِّقاً) حال من رسول الله. وجملة اسمه احمد محلها الجر صفة لرسول المجرور بالباء.

٧٣٨

رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) يعني محمدا (ص) أعلن القرآن الكريم في هذه الآية وغيرها أن الكتب السماوية بشرت بنبوة محمد (ص) وما من أحد استطاع أن يكذب بدليل هذا التحدي ، بل اعترف المنصفون من أهل الكتاب بهذه الحقيقة كعبد الله بن سلام وغيره ، ووضع علماء الإسلام عشرات الكتب في ذلك ، منها كتاب إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي ، وكتاب الرحلة المدرسية للشيخ جواد البلاغي ، وكتاب محمد رسول الله في بشارات الأنبياء لمحمد عبد الغفار ، وتقدم في الآية ١٤٦ من البقرة و ١٥٧ من الأعراف.

٧ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) ابتدأ رسول الله (ص) دعوته إلى الإسلام ، بقومه فلم يكتفوا بالإعراض عنه وعنها بل تألبوا عليه وقالوا : إنه يفتري على الله! وقولهم هذا هو عين الظلم وعين الافتراء على الله.

٨ ـ ٩ ـ (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) والكون بمن فيه وما فيه فيض من نوره (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) بإعلاء كلمة الإسلام ومظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

١٠ ـ ١١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ) عرض سبحانه على عباده تجارة يربحون بها النجاة من غضبه وعذابه ، والفوز بمرضاته وثوابه ، وهي أن تلتهب قلوبهم بحرارة الإيمان والإخلاص ، ويسخوا بأموالهم وأنفسهم وسائر دنياهم من أجل العمل بما يدينون ويعتقدون ، لا يحرفون ويزيفون عقيدة ولا مبدأ تبعا للأهواء والأغراض ، ومتى توافرت هذه الصفات.

١٢ ـ (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ) فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.

اللغة : المراد بالإسلام هنا الاستسلام لأمر الله والانقياد لأوامره ونواهيه. والمراد بنور الله دينه وبراهينه. وأفواههم كناية عن أكاذيبهم وأباطيلهم. ومتم مظهر وحواريو الرجل خاصته. وظاهرين غالبين.

___________________________________

الإعراب : (وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) الجملة حال. ومفعول يريدون محذوف ، والمصدر من (لِيُطْفِؤُا) مفعول لأجله مع ذكر اللام أي يريدون الافتراء لأجل إطفاء نور الله. والله متم نوره الجملة حال. و (يَغْفِرْ) بالجزم جوابا لتؤمنوا لأنه أمر بصيغة الخبر أي امنوا يغفر لكم. و (يُدْخِلْكُمْ) طف على يغفر و (مَساكِنَ) عطف على جنات.

٧٣٩

١٣ ـ (وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) هذه بشارة من الله تعالى إلى الصحابة بالنصر على أعدائهم ، ودخول مكة التي أخرجوا منها بالقهر والغلبة.

١٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ...) أمر سبحانه الصحابة أن يكونوا مع رسول الله كما كان الحواريون مع عيسى ، وهو يعلم ، تقدست كلمته أنه كان في الصحابة فريق أشد حبا وإخلاصا لمحمد من الحواريين ، ولكنه تعالى أراد الذين يتخوفون من الجهاد ، ويتثاقلون إذا سمعوا الدعوة إليه (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ) بعيسى وأنه عبد الله ورسوله (مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) بنبوته ، ورمت أمة بما يهتز له العرش ، وهم اليهود (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) بالحجة والبرهان ، وتنزيه القرآن للسيدة العذراء من الرجس والدنس ، وغير ذلك ،

سورة الجمعة

مدنيّة وهي احدى عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ...) قال سبحانه : يسبّح تارة ، وتارة سبّح إشارة إلى دوام تنزيهه في كل حين (الْمَلِكِ) الذي لا أحد يملك معه شيئا (الْقُدُّوسِ) المتصف بالكمال

___________________________________

الإعراب : وأخرى مبتدأ والخبر محذوف أي ولكم أخرى ، وجملة تحبونها صفة لأخرى. و (نَصْرٌ) بدل من أخرى. (مِنْهُمْ) متعلق بمحذوف صفة للرسول. وجملة (يَتْلُوا) صفة ثانية. و (آخَرِينَ) عطف على الأميين. ولما أي لم. (يَتْلُوا) صفة ثانية. و (آخَرِينَ) عطف على الأميين. ولما أي لم.

٧٤٠