التفسير المبين

محمّد جواد مغنية

التفسير المبين

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-465-000-X
الصفحات: ٨٣٠

١٦ ـ (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) وهم الذين تخلفوا عن الحديبية (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) وهم هوازن وثقيف كما في جوامع الجامع (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) يخيرون بين السيف والإسلام ، فهل تلبون الدعوة أو تنكصون على أعقابكم كما فعلتم من قبل؟ (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) من قبل إشارة إلى تخلفهم عن الرسول حين خرج إلى الحديبية.

١٧ ـ (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) لا إثم في التخلف مع هذه الأعذار الثلاثة : العمى والعرج والمرض إذا كان الجهاد لنشر الإسلام ، أما الجهاد لردع العدوان فهو حتم على الأصحاء وغيرهم كبارا وصغارا نساء ورجالا من كل حسب طاقته.

١٨ ـ (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ) يا محمد (تَحْتَ الشَّجَرَةِ) يشير سبحانه إلى ما سبق في الآية العاشرة من هذه السورة ، وسميت بيعة الحديبية ببيعة الرضوان وأيضا بيعة الشجرة بهذه الآية (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من الطاعة له ، والخوف منه ، والتوكل عليه (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) وهي الشعور بالغبطة والراحة والاطمئنان (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) ومستمرا من صلح الحديبية إلى خيبر ، ومنها إلى مكة ، ومنها إلى حنين ، إلى شرق الأرض وغربها.

١٩ ـ (وَمَغانِمَ كَثِيرَةً) المراد بها مغانم خيبر فقط التي خص بها سبحانه أهل بيعة الرضوان.

٢٠ ـ (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً) المراد بها كل ما غنمه المسلمون في عهد النبي (ص) وبعده ، وهي لمصالح الإسلام والمسلمين على العموم ، وبهذا يتضح الفرق بين مغانم الآية السابقة ومغانم هذه الآية (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) إشارة إلى مغانم خيبر الخاصة بأهل بيعة الرضوان (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) قال الشيخ الطبرسي : يعني أيدي أهل خيبر وحلفائهم من أسد وغطفان (وَلِتَكُونَ) هذه الفعلة ، وهي كف أيدي الناس عن المؤمنين الذين صنعوا العجائب مع قلة العدد (آيَةً) ظاهرة (لِلْمُؤْمِنِينَ) وللأجيال أيضا بأن الله مع الذي يدافع عن الحق ويحارب الباطل بصدق وإخلاص.

___________________________________

الإعراب : وأخرى صفة لمفعول محذوف وهو مغانم ، والتقدير وعدكم الله مغانم أخرى. وسنة الله نصب على المصدر أي سن الله ذلك سنة.

٦٨١

٢١ ـ (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) أيضا يعدكم الله مغانم أخرى وفتوحا كثيرة ، تعجزون الآن عن أخذها (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) حفظها لكم ، ولا بد أن تأخذوها في المستقبل القريب أو البعيد.

٢٢ ـ (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) هذا وعد من الله سبحانه للذين آمنوا بأنهم إذا ناجزوا الكافرين لكان النصر للمؤمنين على الذين كفروا لا محالة ، لأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، وفي الآية ٤٧ من الروم : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ولا تبديل لوعد الله وكلماته ، وما رأيت لهذه الآية تفسيرا يقنعني فيما لديّ من التفاسير ، والذي أفهمه أن المراد بالمؤمنين هنا الصحابة بقيادة الرسول الأعظم (ص) أو الذين هم كالصحابة في إيمانهم بقيادة من يرتضيه الله والرسول للقيادة ، والذي يؤكد هذا المعنى قوله تعالى بلا فاصل :

٢٣ ـ (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) وسنن الله تعالى أن تجري المسببات على أسبابها والنتائج على مقدماتها ، والسبب الإلهي والطبيعي لنصر المقاتلين هو الإخلاص والصبر والبذل بقيادة من يختاره للقيادة الله ورسوله وصالح المؤمنين ، لا من يغتصب مركز القيادة بالوراثة أو الرشوة أو الخداع أو بالقهر والغلبة.

٢٤ ـ (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ...) دخل النبي (ص) فاتحا ، فأذعن له عتاتها واستسلموا ، وفي طليعتهم رأس الشرك أبو سفيان الذي جيّش الجيوش وقادها مرات ضد الرسول ، فامتن سبحانه على النبي والصحابة بهذا النصر من غير قتال حيث كف أيدي المشركين بإلقاء الرعب في قلوبهم ، وكفّ أيدي المسلمين بالنهي عن القتال.

٢٥ ـ (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) هؤلاء العتاة من مشركي مكة الذين أذعنوا لكم أيها المسلمون واستسلموا صاغرين هم بالذات الذين (صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) عام الحديبية (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) الهدي : ما يهدي إلى بيت الله من الانعام ، وكان مع المسلمين عام الحديبية سبعون ناقة ، والمعكوف : المحبوس ، ومحله : موضع الذبح أو النحر ، وهو مكة ، وسبقت الإشارة إلى أن المشركين منعوا المسلمين من الإحرام في ذاك العام (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ) أن تقتلوهم يقول سبحانه للمسلمين الذين دخلوا مكة : إنما نهاكم الله عن القتل ، لأن في مكة جماعة من المسلمين رجالا ونساء. كتموا إيمانهم خوفا من المشركين ، ولو دارت رحى الحرب لقتلتم بعض إخوانكم في الدين جهلا وخطأ (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ) مساءة ومشقة (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي تقتلونهم بغير علم بإسلامهم ، فيشق عليكم ذلك وتتألمون (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) المراد بالرحمة هنا الإسلام ، والمعنى أن الله سبحانه هيأ أسباب الأمن والسلام في مكة لتدخل قريش في الإسلام طوعا أو كرها ، وهكذا كان و (لَوْ تَزَيَّلُوا) لو تميّز المؤمنون عن الكافرين (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) ولا يرجى دخولهم في الإسلام إطلاقا ، وبعض هؤلاء فرّ من مكة في اللحظة التي دخلها المسلمون.

٢٦ ـ (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) يشير سبحانه إلى عتاة الشرك وجبروتهم وتعصبهم وما تحمله

٦٨٢

النبي والصحابة من عداوتهم وإيذائهم (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) المراد بالسكينة القناعة بحلال الله ، والصبر عن حرامه (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) أوجب سبحانه على كل مسلم العمل بكتاب الله وسنة نبيه (وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) من آمن بالعليم الحكيم ، وبالنبي الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق ، وبالقرآن الذي يهدي للتي هي أقوم ـ فهو أولى الناس في أن يتقي معاصي الله وحرامه.

٢٧ ـ (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) أي في الرؤيا ، قبل أن يخرج النبي (ص) إلى الحديبية رأى في منامه أنه دخل مكة هو والصحابة معتمرين ، وطافوا في البيت العتيق بسلام آمنين ، وقد حلق بعضهم وقصّر آخرون ، فأخبر النبي الصحابة بما رأى ، وحين سار بهم متجها إلى مكة ظنوا أن هذا تفسير رؤياه ، ولما حدث ما حدث من صلح الحديبية وعاد المسلمون قال المنافقون : أين هي الرؤيا؟ فأجاب النبي (ص) : لم أقل في هذا العام ، ويأتي تأويل الرؤيا لا محالة ، وفي العام التالي بلا فاصل دخل الرسول مكة هو والصحابة معتمرين ، ومكثوا ثلاثة أيام وظهر صدق الرؤيا كما قال سبحانه : لقد صدق الله رسوله الرؤيا ... وتسمى هذه العمرة عمرة القضاء (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) علم الله أن في تأجيل العمرة إلى ما بعد صلح الحديبية خيرات ومنافع للإسلام والمسلمين ، منها حقن الدماء ، ومنها دخول العديد من المشركين في الإسلام (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) ذلك إشارة إلى صدق الرؤيا بدخول المسلمين المسجد الحرام ، والفتح القريب صلح الحديبية بدليل أن عمر قال لرسول الله (ص) : أفتح هذا؟ فأجابه : بل هو أعظم الفتوح. وبعد هذا الفتح الأعظم السنة السادسة من الهجرة كما سبقت الإشارة ، جاء الفتح الثاني بعمرة القضاء السنة السابعة ، وبعدها الفتح الثالث بدخول مكة والسيطرة عليها السنة الثامنة ، ثم حجة الوداع السنة العاشرة ، وفي ربيع الأول من الحادية عشرة انتقل الرسول (ص) إلى الرفيق الأعلى.

٢٨ ـ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) محمدا (بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) لا بقوة الجيش والسلاح ، ولا بالمال والدعايات الخادعة ، بل بعقيدته التي تخاطب العقل والفطرة وتستنهض الفكر ، وتقدس العلم ، وبشريعته الخالدة بمبادئها ، ومقاصدها وتوجهها إلى الإنسان كهدف أسمى وقيمة عظمى ، ومن تتبع الآيات القرآنية والسنة النبوية وكتب الفقه الإسلامي ينتهي إلى العلم بهذا المبدأ : «حيثما يكون خبر الإنسان يكون شرع الإسلام». (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) ـ ٣٠ النحل» أنزل ربنا قرآنا كله خير فيما اشتمل عليه من عقيدة وشريعة وأخلاق تدفع الإنسان إلى الكفاح والنضال من أجل حياة أكمل وأفضل ٢٩ ـ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) جنود للحق وأهله ، وحرب على الباطل وحزبه ، وضرب طه حسين مثلا للصحابة بعمار بن ياسر في كتاب مرآة الإسلام ، وقال : كان شيخا بلغ التسعين أو تجاوزها ، ومع ذلك قاتل مع عليّ في صفين عن إيمان أي إيمان بأنه يدافع عن الحق ... وكان قتله تثبيتا لعليّ والصالحين وتشكيكا في معاوية ومن معه لأن كثيرا من الصحابة رأوا النبي يمسح رأس عمار ويقول له : تقتلك الفئة الباغية. (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ

٦٨٣

أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) شطأ الزرع : ما يتفرع عنه من أغصان وورق وثمر ، فاستغلظ ، : صار غليظا ، واستوى : استقام ، وعلى سوقه : على أصوله ، والهدف الأول والأساس من هذه الآية هو الثناء الجميل على من أسرع في الإستجابة لدعوة محمد (ص) وجاهد لتثبيت نبوته ، وإظهار دينه وكلمته ، يرجو به الأجر من الله دون سواه. وهو سبحانه المسئول أن يفرج عنا كل كرب بالنبي وآله صلوات الله عليه وعليهم.

سورة الحجرات

مدنيّة وهي ثماني عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) لا تسرعوا إلى قول أو فعل يتصل بالدين حتى تسألوا عنه النبي الكريم.

٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) رفع الصوت بلا ضرورة غير مستحسن بخاصة في محضر العظماء ، والنبي أشرف الخلق أجمعين (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) لا تخاطبوا النبي كما يخاطب بعضكم بعضا ، ومن يفعل ذلك تبطل عبادته وحسناته.

٣ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى)

اشارة :

الحجرات جمع حجرة ، وهي الغرفة ، وكان للنبي (ص) تسع زوجات لكل واحدة منهن حجرة من جريد النخل ، وعلى بابها ستار من الشعر. وقال المفسرون : انطلق ناس من العرب الى المدينة ، ووقفوا وراء حجرات النبي ونادوا يا محمد اخرج إلينا ، فتربص النبي قليلا ثم خرج اليهم ، ووصفهم سبحانه بأن أكثرهم لا يعقلون لما في فعلهم ذاك من البداوة والجفاء.

___________________________________

الإعراب : (لا تُقَدِّمُوا) الأصل لا تتقدموا. (أَصْواتَكُمْ) منصوبة. بالفتحة لأن التاء من أصل الكلمة. والمصدر من أن تحبط مفعول من أجله.

٦٨٤

أخلصها للعمل الصالح ، وفي الحديث : لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه.

٤ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) كان بعض الإعراب يقفون أمام بيت النبي وينادون : يا محمد اخرج إلينا ، وفي هذا ما فيه من الجفاء وقلة الحياء ، فلقنهم سبحانه هذا الدرس : (لا يَعْقِلُونَ) كيلا يعودوا إلى مثلها.

٥ ـ (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ) لا من أجلهم بل لغايتك (إِلَيْهِمْ) أي يرونك عند خروجك ، ويقولون ما يشاءون (لَكانَ) الصبر (خَيْراً لَهُمْ) أجرا لهم وتعظيما لرسول الله (ص).

٦ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) تدل هذه الآية بصراحة على حرمة الأخذ بقول الفاسق دون التمحيص والتثبت من صدقه خوفا من الوقوع فيما لا تحمد عقباه كالإضرار بالآخرين ، واستدل بهذه الآية جماعة من العلماء على وجوب الأخذ بقول الثقة بلا شرط البحث عن الصدق ، وأثبتنا في كتاب علم أصول الفقه في ثوبه الجديد أن هذه الآية تدل على النهي عن اتباع سبيل المفسدين وكفى.

٧ ـ ٨ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) أي لوقعتم في الحرج والمشقة ، والمعنى الأخص والأدق لهذه الآية الكريمة : عليكم أن تطيعوا الرسول لا أن يطيعكم وإلا كنتم الرسول وكان المرسل إليه (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) بسهولته ويسّره ، والدعوة إليه بالحكمة ، والترغيب فيه بالموعظة الحسنة ، والجزاء عليه بعظيم الأجر والمثوبة (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) بالنهي عنه ، والتحذير منه ، والتهديد عليه (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) كل محب للخير وكاره للشر فهو مهتد وراشد.

٩ ـ (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) الخطاب لجميع المؤمنين على الكفاية ، لأن عقيدة الإيمان تجعل المؤمنين أمة واحدة كيانا ومصلحة ومصيرا ، فإذا حدث خصام بين فئتين منهم فعلى الآخرين أن يتلافوا ذلك ، ويصلحوا بينهما على أساس العدل حرصا على مصلحة الجماعة ، وفي الحديث : إصلاح ذات البين أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي

___________________________________

الإعراب : (لا تَجْهَرُوا). وأولئك الذين امتحن الله الخ مبتدأ وخبر والجملة خبر ان الذين يغضون. ولهم مغفرة جملة ثانية. والمصدر من انهم صبروا فاعل لفعل محذوف أي لو ثبت صبرهم. المصدر من (أَنْ تُصِيبُوا) مفعول من أجله ل (فَتَبَيَّنُوا) أي لئلا تصيبوا. (فَتُصْبِحُوا) منصوب بأن مضمرة. و (نادِمِينَ) خبر (فَتُصْبِحُوا). (فِيكُمْ) خبر (أَنَ) و (رَسُولَ اللهِ) اسمها ، والغرض من هذا الاخبار أن يعظموا الرسول ، ولا يخبروه إلا بالصدق والواقع

٦٨٥

تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) إن أبت إحدى الفئتين المتقاتلتين الرضوخ للحق بالحسنى ، وأصرت على العدوان فعلى المؤمنين الآخرين أن يحموا الفئة المظلومة من الظالمة ، فإن لم ترتدع إلا بالقوة قاتلوها في حدود الدفاع المشروع.

١٠ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) من حيث انتسابهم إلى عقيدة واحدة تثير اهتمام الجماعة بالفرد والفرد بالجماعة (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) لأن الأخوة الإنسانية والدينية تفرض هذا الصلح وتحتمه (وَاتَّقُوا اللهَ) في التهاون بالصلح والانحياز لفئة بغير حق (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بمنع الشر والفساد من أن يعم ويشمل.

١١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ...) لا يسخر بعض الرجال من بعض ولا بعض النساء من بعض ، فربما كان المسخور منه أتقى عند الله وأبر من الساخر ، هذا إلى أن من سخر من الأبرياء فهو ظالم وسفيه ، وقد هدده الله بأشد العقوبات ، من ذلك : (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٧٩ التوبة» (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) اللمز : العيب ، والمعنى لا يطعن بعضكم بعضا ، ويذكره بمكروه (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) التنابز : التعاير ، أي لا يخاطب أحدكم أخاه بلقب يكرهه ، ولا بأس بلقب أعرج وأحدب وما أشبه لمن اشتهر بذلك مع عدم قصد النقص والاستخفاف (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) من عاب آخر بما يكره يصير فاسقا بعد أن كان مؤمنا.

١٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) من أحسن الظن بإنسان فلا بأس عليه وإن أخطأ ، قال الرسول الأعظم (ص) : ظنوا بالمؤمنين خيرا ومن أساء به الظن أيضا لا بأس عليه وإن كان مخطئا في ظنه حيث لا حرية للإنسان في ظنونه وتصوراته ، أجل عليه أن لا يعول على سوء الظن ولا يرتب عليه أي أثر في قول أو فعل وإلا استحق الذم والعقاب ، وفي الحديث : «إذا ظننت فلا تحقق» ولم يقل : لا تظن لأنه تكليف بما لا يطاق تماما كما لو قال : لا تتصور (وَلا تَجَسَّسُوا) التجسس : تتبع العورات والعثرات والبحث عنها في الخفاء ـ غالبا ـ وهو محرّم كتابا وسنة وعقلا وإجماعا ، قال رسول الله (ص) : «من اطلع عليك فحذفته بحصاة ففقأت عينيه فلا جناح عليك (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) إذا ذكرت شخصا معينا بما يكره وكان فيه ما تقول ، فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول ، فقد بهته. والبهتان أعظم جرما من الغيبة ، وقد شبّه سبحانه من استغيب بالميت لأنه غائب ، وشبّه عرضه بلحمه ، وقول السوء فيه بالأكل والنهش ، أما معنى فكرهتموه فهو إذا أنفقتم من أكل لحم الميت فينبغي أن تأنفوا أيضا من غيبة الغائب ، لأنهما من باب واحد.

___________________________________

الإعراب : (طائِفَتانِ) فاعل لفعل مقدر أي وان اقتتل طائفتان. وجمع سبحانه (اقْتَتَلُوا) بالنظر إلى المعنى لأن الطائفة جماعة من الناس ، وثنّى (بَيْنَهُما) بالنظر الى لفظ طائفتين. (عَسى) هنا تامة والمصدر من ان يكونوا فاعل. و (هُمُ) ضمير فصل.

٦٨٦

١٣ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) ليست هذه الآية من آيات الأحكام والتشريع ، لأنها لم تأت بجديد يمكن وضعه. ورفعه ، وإيجاده أو نفيه ، وإنما هي تحكي وتعبّر عن المساواة الطبيعية الحتمية بين الناس ، كل الناس ، على صعيد الحقوق والواجبات ، أجل إن القرآن الكريم ألبسها ثوب الدين لتكون لهذه المساواة قدسية وحصالة حتى لا يجرأ على التلاعب بها عابث ومحرف أما قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فمعناه أن من آمن بالله وائتمر بأمره ، وانتهى بنهيه فهو أكرم وأعظم عنده تعالى ممن كفر به أو آمن ولكن تجاوز الحدود : أما الناس فلا يفضلون أحدا على غيره إلا أن يقدم عملا ينتفع به الفرد والجماعة كائنا من كان العامل المحسن ومن هنا اشتهر على ألسنتهم : الدين لله ، والوطن للجميع.

١٤ ـ (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) جاء في الحديث : «الإيمان معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان» أما شرط العمل فلأن الإيمان عمل كله ولا إيمان بلا عمل ، وأما الإقرار باللسان فلكي يجري عليه حكم الإسلام ، ولوجوب الذكر في الصلاة ، أما الإسلام فهو دخول في سلم المسلمين وخروج من حربهم بإظهار الشهادتين : «لا إله إلا الله محمد رسول الله» بصرف النظر عما في القلب ، ومعنى هذا أن كل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمنا ، قال الإمام عليّ (ع) : المؤمن إذا نظر اعتبر وإذا سكت تفكّر ، وإذا تكلم ذكر ، وإذا استغنى شكر ، وإذا افتقر صبر (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) لسبب أو لآخر (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ومن هؤلاء الذين يتخذون من الدين حرفة يعيشون بها ومنها. (لا يَلِتْكُمْ) لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا.

١٥ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ويستجيبون لما يدعون إليه بلا شك وتردد ، وبلا تطبيل وتزمير وهتاف وتصفيق.

١٦ ـ (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) وهذا التوبيخ يعم ويشمل الذين يهللون ويسبحون في مكبرات الصوت ، كأن الله أصم! تعالى عن ذلك علوا كبيرا.

١٧ ـ (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) يستحيل أن يمنوا لو ذاقوا حلاوة الإسلام والإيمان ، إن المؤمن حقا يتجاهل ويتنكر لو نسبت إليه كرامة ، وسلام على من قال : أللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واغفر لي ما لا يعلمون (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) من عمل صالحا فلنفسه (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) بالإرشاد إليه ، والترغيب فيه لا لشيء إلا لخيركم وصالحكم ، هذا إن كنتم حقا من المؤمنين وإلا فلعنة الله على الكاذبين.

٦٨٧

سورة ق

مكيّة وهي خمس وأربعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) الرفيع في كل ما يحويه.

٢ ـ (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) قال عتاة قريش كيف يرسل الله لنا محمدا ونحن أكثر منه مالا وأعز نفرا؟ وتقدم في الآية ٢ من يونس وغيرها.

٣ ـ (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ...) من مات فات! والجواب : من أحيا وأمات يعيد الموتى إلى الحياة.

٤ ـ (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) قال منكرو البعث : الأرض تأكل لحم الميت فكيف يعاد؟ فأجاب سبحانه (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) الله يعلم أن الأرض تأكل الميت ومع هذا ، إنه على رجعه لقادر.

٥ ـ (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) المراد بالحق هنا القرآن ، ومريج : مضطرب ، والمعنى ما كذب المشركون بالقرآن والبعث إلا لأنهم كالعميان يسيرون بلا هاد ودليل.

٦ ـ (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها) ما لهم؟ ألا يرون هذا الكون وصنعه العجيب ، ويدركون أن وراءه الصانع الأعظم؟ (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) أي ليس في كوكب من كواكبها شقوق وفتوق.

٧ ـ (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) مهدناها وجعلناها مستقرا للإنسان (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) أقمنا الجبال فيها كيلا تميد

اللغة :

المجيد : الكريم العظيم. والرجع هنا الرد الى الحياة بعد الموت. وتنقص منهم تأكل من لحومهم. ومريج مختلط ومضطرب. وفروج شقوق. ورواسي جبال. وكل زوج كل صنف. ومنيب راجع. وحب الحصيد حب الزرع المحصود. وباسقات طويلات. والطلع أول ما يخرج من النخلة في أكمامها. ونضيد منضود بعضه ملتصق ببعض وعلى بعض.

___________________________________

الإعراب : (وَالْقُرْآنِ) الواو للقسم والجواب محذوف انكم لمبعوثون ، والدليل على هذا الجواب (أَإِذا مِتْنا) الخ ... والمصدر من (أَنْ جاءَهُمْ) مجرور بمن مقدرة.

٦٨٨

وتضطرب (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أخرجنا منها أشكالا وألوانا من الحبوب والثمار والأشجار.

٨ ـ (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) كل مشاهد الكون تدل على المكون عند من أبصر وفكّر.

٩ ـ (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) لأنه لا حياء بلا ماء.

١٠ ـ (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) شاهقات (لَها طَلْعٌ) أول ما يظهر من الثمر (نَضِيدٌ) منضود بعضه ملتصق ببعض ويتراكم كحب الرمان.

١١ ـ (رِزْقاً لِلْعِبادِ) وهم أعجز من أن يرزقوا أنفسهم (وَأَحْيَيْنا بِهِ) بالماء (بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) يخرج الموتى من القبور كما يخرج النبات من الأرض ، وتقدم مرات ، منها في الآية ٥٧ من الأعراف.

١٢ ـ (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) هذا تهديد ووعيد للذين كذبوا محمدا (ص) كل المذكورين في هذه الآيات تقدم الكلام عنهم ، لذا نكتفي بالإشارة الخاطفة (وَأَصْحابُ الرَّسِ) البئر ، وتقدم في الآية ٣٨ من الفرقان (وَثَمُودُ) قوم صالح.

١٣ ـ (وَعادٌ) قوم هود (وَفِرْعَوْنُ) تكررت قصته مع موسى كما هو معلوم (وَإِخْوانُ لُوطٍ) أي الذين بعث إليهم.

١٤ ـ (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) قوم شعيب (وَقَوْمُ تُبَّعٍ) تقدم في الآية ٣٧ من الدخان (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) وهو العذاب الذي توعدهم به سبحانه.

١٥ ـ (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) هل عجزنا عن النشأة الأولى كي نعجز عن الثانية (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) اللبس : الشك ، والخلق الجديد : البعث.

١٦ ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ...) الله بعلمه قريب من كل شيء لأن ما من شيء إلا منه ، وإذن فلا شيء بعيد عنه.

١٧ ـ (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) وهما الملكان الحافظان يسجلان الحسنات والسيئات (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) يجلس كاتب الخيرات عن اليمين وكاتب المحرمات عن الشمال.

١٨ ـ (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أي حاضر ومهيأ ، والآية توضيح وتوكيد لكتاب الملكين ، وانه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة كما في الآية ٤٩ من الكهف.

___________________________________

الإعراب : و (كَيْفَ) مفعول مطلق لأن المعنى أيّ بناء بنيناها. و (تَبْصِرَةً وَذِكْرى) مفعول من أجله لأنبيتنا.

٦٨٩

١٩ ـ ٢٠ ـ (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) غمرته وشدته (بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أي تنكر ، الموت أول لحظة من الآخرة وآخر لحظة من الدنيا ، وفي هذه اللحظة بالذات ينكشف لمنكر البعث أنه حق ويقال له بلسان الحال أو المقال : هذا ما استبعدت وأنكرت.

٢١ ـ (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ) يسوقها إلى محشرها (وَشَهِيدٌ) يشهد عليها بعملها.

٢٢ ـ (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا ...) في الدنيا غفلة وحجاب ، أما في الآخرة فكل شيء على المكشوف ، يبرز أمام الجاهل الكثير مما قد أنكر ، وينكر الكثير مما كان به من الموقنين.

٢٣ ـ (وَقالَ قَرِينُهُ) وهو الملك الموكل بكتابة الأعمال والأقوال : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) أحضرت السجل الصادق العادل لمن وكلت به.

٢٤ ـ (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) الخطاب لملكين من ملائكة العذاب (كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) كثير الكفر بالحق والعناد له.

٢٥ ـ ٢٦ ـ (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) لا يفعله ويصد الناس عن فعله (مُعْتَدٍ مُرِيبٍ) يتجاوز الحدود في قوله وفعله ، ويشك فيما ليس فيه شك.

٢٧ ـ (قالَ قَرِينُهُ) هذا القرين غير الأول ، ذاك من الكرام الكاتبين ، وهذا شيطان غاو أثيم : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) ولكن هو الذي ضلّ وطغى بسوء اختياره.

٢٨ ـ (قالَ) سبحانه : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) لا كلام هنا ، لقد أعذرت بما أنذرت.

٢٩ ـ (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) سبقت كلمته تعالى بأن الجنة لمن أطاع ، والنار لمن عصى ، ولا مبدل لكلماته وما هو بظلام للعبيد.

٣٠ ـ (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) جاء في صحيح البخاري ج ٦ بعنوان «سورة ق» ما نصه بالحرف الواحد : «عن النبي (ص) قال : يلقى في النار وتقول هل من مزيد حتى يضع قدمه فتقول قط قط» ولا أدري كيف سجّل البخاري هذا الحديث في صحيحه وهو يعارض ويخالف قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ـ ١١ الشورى» وقد ثبت عن النبي (ص) انه قال ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله» وهل من عالم يشك في أن حديث الرجل والجسم المنسوب للذات القدسية ـ مخالف للعقل والوحي؟.

٣١ ـ (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) هي أقرب ما تكون إليهم ، وهم أقرب من يكون إليها.

___________________________________

الإعراب : (هذا ما لَدَيَ) معناه هذا شيء ثابت لدي ، وعليه فهذا مبتدأ ، و (ما) نكرة موصوفة خبر ، و (لَدَيَ) متعلق بمحذوف صفه وعتيد صفة ثانية. و (الَّذِي جَعَلَ) بدل من كفار.

٦٩٠

٣٢ ـ ٣٣ ـ (هذا ما تُوعَدُونَ) هذا إشارة إلى الجنة ، والخطاب في توعدون للذين توافرت فيهم أربع خلال : (١) يرجعون إلى الله في جميع أمورهم (٢) يحفظون عهد الطاعة ولا ينقضونه (٣) يخافون الله في السر حيث لا يراهم أحد إلا هو (٤) يأتون ربهم يوم القيامة بقلوب زاكية خالية من كل ما يشين.

٣٤ ـ ٣٥ ـ (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) والفرق بين السلام في الآخرة والسلام في الدنيا أن هذا السلام الأخير في كف عفريت معرّض للزوال والآفات والمخبآت ، أما سلام الآخرة فهو باق ببقاء الله سبحانه ، ولذا قال عز من قائل : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) وفي الآية ٤٦ من الحجر (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) أي من التقلبات والمفاجئات.

٣٦ ـ (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) القرن : أهل العصر الواحد ، فإذا هلك أكثرهم قيل : انقضى قرنهم ، فنقبوا في البلاد : ساروا فيها وطافوا ، والمحيص : المهرب ، وتقدم مرات ومرات وآخرها الآية ١٢ وما بعدها من هذه السورة.

٣٧ ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى) عظة وعبرة (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) عقل يعي العواقب ، ويبتعد بصاحبه عن المخاطر (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) أقبل على العظة بكله ، وتابعها وانفعل بها.

٣٨ ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) المراد بالأيام هنا الدفعات أو الأطوار ، وتقدم في ٥ آيات ، منها الآية ٥٤ الأعراف (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) أي تعب وإعياء.

٣٩ ـ (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من سفه وأباطيل ، وما ذا يهم؟ وما هي النتيجة؟ أبدا لا شيء سوى رياح تقذفها الرئة إلى الأنف ، ومنه إلى هباء ، فعلام الغضب؟ (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) إشارة إلى صلاة الفجر (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) صلاة العصر ٤٠ ـ (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) صلاة المغرب والعشاء ، وبالمناسبة قال قائل : أنا أؤمن بالله ولكن لا أرى في الصلاة أية ضرورة. قلت : يخيل إليك أنك من المؤمنين ، ولست هناك. قال : كيف؟ قلت لأنك ترد على الله بوقاحة وصلافة هو يقول : تجب الصلاة. وأنت تقول : كلا ، لا وجوب فسكت متحيرا ، ثم سأل : وما جدواها؟ قلت : أنت تطلب الرحمة من الله ، إن كنت مؤمنا كما تزعم. قال : بكل تأكيد قلت : الصلاة استرحام وسؤال الهداية والأمان (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) بالتسبيح والتعقيب ندبا لا وجوبا.

٤١ ـ (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ) في هذه حذف ، والتقدير : استمع يا محمد لوحي الله الذي يخبرك به عن يوم القيامة الذي ينادي فيه المنادي (مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أي يسمعه جميع الخلائق حتى كأنه قريب من كل واحد منهم ، ويخاطبه مواجهة لا بمكبر الأصوات.

٤٢ ـ ٤٣ ـ (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ) المراد بهذه الصيحة عين المراد بنفخة الصور في الآية ٥١ من يس : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) وقوله تعالى (بِالْحَقِ) رد على من أنكر البعث (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) من القبور.

٦٩١

٤٤ ـ (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ) التي منها خلقنا ، وإليها نعود ، ومنها نخرج تارة أخرى مسرعين .. ولكن إلى أين؟ إلى اللهو واللعب ، أو إلى إثارة الفتن والشغب ، أو الخداع واللصوصية ، أو الدعايات الغادرة الفاجرة؟ كلا ، بل إلى الوقوف بين يدي جبار قهار ، لنقاش الحساب على الفساد وظلم العباد ، والسلب والنهب ، والحقد والغش ، وتشريد الشعوب وامتصاص الدماء ...

٤٥ ـ (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) ويخدعون ويذيعون من أباطيل وأضاليل ، وما عليك أيها النبي أو النائب عنه إلّا أن تجهر بكلمة الحق ، وتجاهد بها من غير هوادة ، فإن استجابوا وإلا فالحق لهم بالمرصاد ، ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون.

سورة الذّاريات

مكيّة وهي ستون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ ٤ ـ (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً فَالْجارِياتِ يُسْراً فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) الوقر بكسر الواو : الحمل ، والمراد به هنا السحاب المثقل بالماء ، وفي تفسير هذه الأوصاف آراء وأقوال ، وفي رأينا أنها بالكامل للرياح ، فهي تذرو الغبار وما أشبه ، وتحمل السحاب الممطر ، وتجري بيسر وسهولة ، وتقسم أو توزع السحاب على البلاد (سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) ـ ٥٧ الأعراف» وأقسم سبحانه بالرياح ، لأن له أن يقسم بما يشاء من خلقه ، ولا يسوغ لأحد أن يقسم إلّا بالله.

٥ ـ ٦ ـ (إِنَّما تُوعَدُونَ) من النشر والحشر (لَصادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) المراد بالدين هنا الحساب والجزاء.

٧ ـ (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) والحبك : الإحكام تقول : حبكه أي أحكمه ، وفي الكواكب حسن وجمال إضافة إلى النظام والإحكام.

٨ ـ (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) الخطاب لمن كذّب الصادق الأمين (ص) وأقوالهم فيه متنافرة لا تلتئم ولا تنسجم.

٩ ـ (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) يصرف عن القرآن والهدى من صرفه الجهل والهوى.

١٠ ـ (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) لعن المرتابون في الحق والبعث.

١١ ـ (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) غمرهم الجهل والضلال ، فسهوا عن الحق وأهله.

___________________________________

الإعراب : (يَوْمَ تَشَقَّقُ) يوم متعلق بالمصير. و (سِراعاً) جمع سريع ، وهو حال من ضمير عنهم والعامل تشقق. (وَالذَّارِياتِ) الواو للقسم. و (ذَرْواً) مفعول مطلق. (وِقْراً) مفعول به. (يُسْراً) صفة لمفعول مطلق مقدر أي جريا يسيرا. (أَمْراً) مفعول به. وانما توعدون «انما» كلمتان «ان» التي تنصب الاسم وترفع الخبر و «ما» الموصولة ، والعائد محذوف أي ان الذي توعدونه من الحساب والجزاء ، والجملة جواب القسم في والذاريات. والسماء الواو للقسم. و (إِنَّكُمْ) جوابه. وضمير عنه يعود الى الدين.

٦٩٢

١٢ ـ (يَسْئَلُونَ) يسأل منكروا البعث ساخرين : (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) يوم القيامة ، فأجابهم سبحانه بقوله :

١٣ ـ (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يعذبون.

١٤ ـ ١٥ ـ (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) عذابكم (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) ومنه تسخرون ، فكيف رأيتم مذاقه ومحاقه.

١٦ ـ (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) المجرمون يعصون الله سبحانه ، ومع ذلك يرجون خيره ، ولا يخشون أن يكونوا مردودين عنده ، أما المتقون فقد أطاعوا الله ، وأعطوه الكثير من أنفسهم وأعمالهم ، وهم خائفون من غضبه لأنهم ـ كما يشعرون ـ مقصرون عن طاعته ولا يستحقون شيئا من رحمته ، ولما رأى سبحانه منهم هذا الخوف والإخلاص ، أفاض عليهم من فضله ، ومدحهم بقوله : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) أحسنوا من قبل فأحسن الله إليهم من بعد ، وهكذا يتعامل سبحانه مع عباده ، يعملون صالحا ، ثم يدخلون الجنة ، يدفعون الثمن سلفا ، ثم يقبضون المثمن ، ولا نسيئة.

١٧ ـ (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) الهجوع : النوم ، والمعنى أن شعورهم بالمسؤولية كان يمنعهم من النوم ليلا إلا لحظات خوفا أن يبيتوا والله عليهم غاضب وناقم لتقصيرهم ، على العكس من المجرمين الذين لا همّ لهم ولا شاغل إلا الشهوات والملذات.

١٨ ـ (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الله من التقصير ، ويسألونه الهداية والعون على العمل بطاعته ومرضاته ، فلا ينطقون إلا بالحق والصدق ، ولا يتعاطون أي عمل يسيء إلى مخلوق.

١٩ ـ (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) لا أحد يستطيع أن يتصور مجتمعا قويا وسعيدا ، وفيه فريق يقاسون ألوانا من البؤس والحرمان ، وآخرون يملكون أكثر مما يحتاجون وأكد الرسول الأعظم (ص) هذه الحقيقة بقوله : «المؤمنون كرجل واحد ، إذا اشتكت عينه اشتكى كله ، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله» وعلى هذا الأساس جعل سبحانه للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ، على سبيل الحق الذي لا يقبل الإبطاء والتأخير ولا التهاون والتسويف لا على سبيل المنحة والإحسان من الأعلى إلى الأدنى ٢٠ ـ ٢١ ـ (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) تربط هذه الآية وما بعدها بين الإيمان من جهة والحس والعقل من جهة ثانية ، إذ تقول بصراحة : انظر بعينك ، واستنبط بعقلك ، وآمن بما يوحي عقلك.

٢٢ ـ (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) لا أحد يعلم بالضبط واليقين ما ذا يأتيه غدا من دخل ورزق مهما كانت مهنته ، وأيضا لا يدري صاحب النعمة أتدوم له أو تزول ، ولا البائس هل يزداد بؤسا أو يتحول إلى غني وثري؟

٢٣ ـ ٢٥ ـ (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) أقسم سبحانه بعزته وجلاله ، وعظمته وكماله إن الله حق ، والبعث حق ، والقرآن حق ، والنبوة حق تماما كقول القائل : أنا أتكلم وأفكر فأنا موجود. و «قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا» كما قال سيد الكونين (ص) وروي أن أعرابيا قال حين سمع هذه الآية : من الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين ، وتسأل : هل تثبت الدعوى بمجرد اليمين؟ ونجيب : تفصل الدعوى بالبينات والأيمان ، والأولى على المدعي والثانية على المنكر ، وعلم القاضي بواقع الحال يغني عنهما معا ـ كما نرى ـ فكيف

٦٩٣

بعلام الغيوب؟ وأثبت سبحانه قوله ، عز من قائل ، بالبينات القاطعة من الأنفس والآفاق ، ثم أقسم توكيدا لهذا الإثبات ، إضافة إلى علمه تعالى ، وإلى أنه هو الذي خلق اللسان وأنطقه ، فجمع بين وسائل الإثبات وفصل الخصومات بالكامل ، فالويل لمن أنكر الخالق القادر. (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) مجهولون.

٢٦ ـ ٣٠ ـ (فَراغَ) انسل خفية (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) صيحة ، وتقدم أكثر من مرة من ذلك في الآية ٧٠ من هود ، ومن دأبنا أن نمسك في هذا التفسير الصغير إلّا عما هو غامض أو مفيد.

٣١ ـ (قالَ) إبراهيم (ع) للملائكة : (فَما خَطْبُكُمْ) ما شأنكم؟ وفيم جئتم؟.

٣٢ ـ (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ) لوط. قال : ولم قالوا : ٣٣ ـ ٣٥ ـ (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً) عليها علامة ، أعدها سبحانه لمن تجاوز الحد في البغي والفساد.

٣٦ ـ ٣٨ ـ (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) حتى هذا البيت الطاهر المقدس فيه جرثومة فاسدة حاقدة ، وهي امرأة لوط.

٣٩ ـ ٤٢ ـ (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) أي أعرض فرعون عن موسى واثقا بقوته وسلطانه (وَهُوَ مُلِيمٌ) فعل ما كان به ملوما.

اللغة : فما خطبكم فما شأنكم؟ ومسومة عليها علامة. وبسلطان مبين بحجة واضحة. والمراد بالركن هنا القوة والسلطان أي أعرض لأنه يملك السلطان والقوة ، ومثله : (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) ـ ٨٠ هود». والمليم هو الذي يفعل ما يلام عليه. والريح العقيم هي التي لا خير فيها من المطر أو تلقيح الشجر ونحوه. والرميم البالي. والصاعقة العذاب.

___________________________________

الإعراب : (فَما خَطْبُكُمْ) مبتدأ وخبر. و (مُسَوَّمَةً) صفة لحجارة. وفي موسى متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي وفي موسى آية .. و (ساحِرٌ) خبر لمبتدأ مقدر أي هذا ساحر.

٦٩٤

٤٣ ـ ٤٦ ـ (وَفِي عادٍ) قوم هود (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) لا شيء فيها إلا العذاب ، لا تمر بشيء (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) هباء ويبابا (وَفِي ثَمُودَ) قوم صالح ، وتقدمت هود وصالح ونوح مرارا وتكرارا.

٤٧ ـ (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) نلخص هنا ما قاله أحمد أمين العراقي حول هذه الآية في كتاب التكامل في الإسلام : حاول آنيشتين أن يحسب وزن العالم بكامله ، ثم عدل لما تبين له أن الكون لا حد له ولا نهاية حيث دلت البحوث العلمية الدقيقة أن المجرات يبعد بعضها عن بعض ملايين السنين الضوئية ، وكذلك الأنظمة الشمسية ، وأن هذا البعد يزداد ويستمر يوما بعد يوم ، مما يكشف عن أن الفضاء الرحب يتسع آنا بعد آن ، وقد نزلت هذه الآية حيث لا علم يومئ إلى هذه الحقيقة من قريب أو بعيد.

٤٨ ـ (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) بسطها سبحانه لمخلوقاته من أجل العيش والحياة لا للأسلحة الجهنمية والمشكلات.

٤٩ ـ (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) ذكرا وأنثى في الإنسان والحيوان والنبات وفي مجلة عالم الفكر الكويتية العدد الثالث من المجلد الأول ص ١١٤ : «مما يستوقف الذهن إشارة القرآن أن أصل الكائنات جميعا تتكون من زوجين اثنين ... وقد اكتشف العلم الحديث وحدة التركيب الذري للكائنات على اختلافها وأن الذرة الواحدة تتكون من إلكترون أو بروتون. أي من زوجين اثنين (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) بأن الخالق قادر عليم ومدبر حكيم.

٥٠ ـ (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) بكف الأذى عن عباده وعياله (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ) لكل من أساء إلى الآخرين ، قال نبي الرحمة (ص) : شر الناس عند الله الذين يتقي الناس شرهم ... أعجل الشر عقوبة البغي.

٥١ ـ (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) ومن الكفر والشرك بالله أن يزيف المرء ويحرف حكما من أحكام الله ، فيحلل حرامه أو يحرم حلاله.

٥٢ ـ (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) كما قال لك يا محمد المشركون : إنك ساحر أو مجنون أيضا قال الأولون من أمثال هؤلاء لرسلهم : أنتم سحرة ومجانين.

٥٣ ـ (أَتَواصَوْا بِهِ) هذا التشابه بين أهل العصور السابقة واللاحقة ، في موقفهم ضد الدعاة الهداة؟ هل أوصى الجيل الأول للثاني أن يخلفه في معاندة الحق وأهله.

___________________________________

الإعراب : وفي عاد وفي ثمود مثل وفي موسى. و (قَوْمَ نُوحٍ) بالنصب على تقدير وأهلكنا قوم نوح. (وَالسَّماءَ) مفعول لفعل مقدر أي بنينا السماء بنيناها. (وَالْأَرْضَ) أيضا مفعول لفعل مقدر أي فرشنا الأرض فرشناها. (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) المخصوص بالمدح محذوف أي نحن. و (كَذلِكَ) خبر لمبتدأ مقدر أي الأمر كذلك. أتوصوا الهمزة للإنكار.

٦٩٥

٥٤ ـ (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) أعرض عنهم يا محمد فما أنت بملوم على عنادهم ولا بمأثوم لأنك بلّغت وبالغت في النصيحة.

٥٥ ـ (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) امض في دعوتك وموعظتك ، فسيهتدي بها وينتفع من يسأل عن الحق ويسعى إليه ليؤمن به ، ويعمل بموجبه.

٥٦ ـ (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) إلا ليطيعوا الله بفعل الخير وترك الشر ، لا ليعبدوا الأهواء والأموال والأنساب.

٥٧ ـ ٥٨ ـ (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) وكأنه ـ تعالى علوا كبيرا ـ يقول : ما خلقت الخلق لأستغلهم في المعامل والمصانع أو لتصريف السلع والبضائع ، ولا لأضاهي بهم الأنداد والأضداد ، وفي الخطبة ١٠٧ من نهج البلاغة «لم تخلق الخلق لوحشة ، ولا استعملتهم لمنفعة».

٥٩ ـ (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) المراد بالذنوب هنا العذاب على الذنوب من باب إطلاق السبب على المسبب ، والمعنى سيعذب الله الذين كذبوا محمدا كما يعذب الأولين الذين كذبوا الرسل كقوم نوح وعاد.

٦٠ ـ (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) وبه يستعجلون ، فكم من مستعجل أمرا ودّ أنه لم يكن.

سورة الطّور

مكيّة وهي تسع وأربعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (وَالطُّورِ) الجبل الذي كلم الله عليه موسى.

٢ ـ (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) كل كتاب سماوي.

٣ ـ (فِي رَقٍ) جلد رقيق كالورق يكتب فيه (مَنْشُورٍ) على العالمين حيث لا شيء في دين الله باطن وخفي.

اللغة : قال الفيروزآباديّ في قاموسه المحيط : يطلق الطور على فناء الدار وعلى كل جبل ، وعلى جبل قرب أيلة يضاف الى سيناء وسينين ، وعلى جبلين بالقدس ، وآخر برأس العين ، وعلى جبل مطل على طبرية. والرق جلد رقيق يكتب فيه. والبحر المسجور أي امتلأ وفاض.

وتمور تضطرب. والمراد بالخوض هنا حديث الباطل. ويدعون يدفعون. أصولها قاسوا حرها.

___________________________________

الإعراب : (وَالطُّورِ) الواو للقسم. وما بعد الطور عطف عليه. (فِي رَقٍ) متعلق ب (مَسْطُورٍ).

٦٩٦

٤ ـ (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) الكعبة الشريفة.

٥ ـ (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) السماء.

٦ ـ (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) المملوء بالماء.

٧ ـ ٨ ـ (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) يوم القيامة على المجرمين لا محالة ، والجملة جواب القسم.

٩ ـ (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) تمور : تضطرب حيث تذهب الجاذبية ، وتحدث الفوضى ويعم الخراب.

١٠ ـ (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) إذا مارت الأرض والسماء زالت الجبال من أماكنها ...

١١ ـ ١٢ ـ (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بالبعث.

١٣ ـ (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) يدفعون إليها بعنف.

١٤ ـ (هذِهِ النَّارُ الَّتِي) تغمركم من قرن إلى قدم هي بالذات ما كنتم منها تسخرون.

١٥ ـ (أَفَسِحْرٌ هذا) حذركم النبي (ص) من نار جهنم فنعتّموه بالسحر ، فما رأيكم الآن؟ وهل أنتم في يقظة أو منام؟

١٦ ـ (اصْلَوْها) ذوقوا حرها وشرها (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) فالعذاب حتم لا مفر منه ؛ صبرتم أم جزعتم ، هل يهلك إلا القوم الظالمون؟

١٧ ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) انتقل سبحانه من ذكر العقوبة على فعل الشر إلى ذكر المثوبة على الخير ، لجمع الإنسان بين الخوف والرجاء ، والأول يبتعد به عن المعصية ، والثاني يقوده إلى الطاعة ...

١٨ ـ (فاكِهِينَ) يتمتعون بأكل الفاكهة ، وأيضا بملح الكلام.

١٩ ـ ٢٠ ـ (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) هذا دليل قاطع على عدم الفاصل بين الإيمان والعمل.

٢١ ـ ٢٢ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) أطفال المؤمنين في الجنة مع آبائهم المتقين بنص الحديث ، أما أطفال الكافرين فلا يدخلون النار مع الآباء ، ما في ذلك ريب ، حيث لا عقاب بلا تكليف ، وهل يدخلون الجنة؟ الجواب : العقل لا يحتم ذلك ، أما الكبار من أبناء المؤمنين وغير المؤمنين ، فكل امرئ بما كسب رهين ، أجل إذا كان كل من الوالد والولد مؤمنا ومن أهل الجنة ، ولكن منزلة الوالد فيها أعلى وأرفع ، ألحق سبحانه الولد بوالده إكراما له ، ولتقر به عينه ، ولا ينقص ذلك من ثواب الوالد ومنزلته شيئا ، وإلى هذا

___________________________________

الإعراب : ان عذاب ربك الخ جواب القسم. يوم تمور «يوم» متعلق بواقع. ويوم يدعون «يوم» بدل من يوم المتقدمة. و (فَسِحْرٌ) خبر مقدم وهذا مبتدأ مؤخر. و (سَواءٌ) خبر لمبتدأ محذوف أي الصبر وعدمه سواء.

٦٩٧

أشار سبحانه بقوله : (بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ) أي ما أنقصنا من ثواب عمل الآباء شيئا.

٢٣ ـ ٢٥ ـ (يَتَنازَعُونَ فِيها) يتعاطون فيها (كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها) لا سكر ولا عربدة (وَلا تَأْثِيمٌ) لا تستوجب الإثم والمؤاخذة كخمر الدنيا (كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) لؤلؤ : جوهر ، ومكنون : مصون كناية عن الصفاء والبهاء.

٢٦ ـ (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) اتقينا الله في دار الدنيا خوفا من عذاب الآخرة.

٢٧ ـ (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) برحمته ، وتفضل بنعمته.

٢٨ ـ (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ) بإخلاص فاستجاب لنا (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) وسع برحمته وإحسانه كل شيء.

٢٩ ـ (فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ) أنت يا محمد أكمل ما في البشرية من فضل وخير ، وقد اختارك سبحانه عن علم ، فبلّغ رسالة ربك لعباده ، وأعرض عمن نعتك بنعوت هي به ألصق وأليق.

٣٠ ـ (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) قال بعض المشركين لبعض : محمد شاعر ، والشعراء قد يتنبئون لأنهم في كل واد يهيمون ، فانتظروا به الموت والهلاك كما مات غيره من الشعراء.

٣١ ـ (قُلْ) يا محمد لهؤلاء : (تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) أنتم تنتظرون ، وأنا أنتظر ، وسوف تعلمون لمن العاقبة دنيا وآخرة؟.

٣٢ ـ (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا) الافتراء والضلال والمراد بأحلامهم عقولهم البالية (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) ينكرون الحق بغيا وعنادا.

٣٣ ـ (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) اختلق القرآن من تلقائه.

___________________________________

الإعراب : وألحقنا بهم خبر. و (بِما كَسَبَ) متعلق برهين. و (فِي أَهْلِنا) متعلق بمشفقين. انت اسم «ما» النافية. و (بِكاهِنٍ) الباء زائدة إعرابا. وكاهن خبر. و (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) اعتراض بين الاسم والخبر. والباء لبيان السبب وليست للقسم كما في مجمع البيان ، ويتعلق المجرور بها بما دل عليه معنى الكلام أي ان الله نزّهك يا محمد عن الجنون والكهانة بفضله وكرمه. و «ام» المكررة في الآيات معناها الاستفهام مع التوبيخ والإنكار.

٦٩٨

(بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) بحق ، ولا ينتهون عن باطل.

٣٤ ـ (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في أن القرآن شعر وكهانة ، وتقدم مرات ، منها في الآية ٢٣ من البقرة.

٣٥ ـ (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) إما أن يكون وجودهم بمحض الصدفة ، وإما (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) لأنفسهم ، وكل من الفرضين هراء وحماقة.

٣٦ ـ (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وما من شك أنهم لا يدعون هذا ، لأنه جنون محكم ، ولكنه كناية عن تصرفهم مع خالق الكون من حيث تركهم لعبادته والخضوع لأمره ، ولذا قال سبحانه : (بَلْ لا يُوقِنُونَ) أي يعملون عمل من لا يؤمن بالله من الأساس ، وما أكثر هذا الفريق في الذين ينتسبون إلى الدين.

٣٧ ـ (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) يتصرفون فيها كما يشتهون (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) بقدرتهم على الكائنات ، والمحاسبون للمخلوقات.

٣٨ ـ (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) هل صعدوا إلى الله تعالى وسمعوا منه أن محمدا يفتري عليه الكذب؟

٣٩ ـ (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) إن افتراءهم على الرسول بأنه شاعر وكاهن ومجنون تماما كافترائهم على الله بأن له أندادا وبنات.

٤٠ ـ (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أي يثقل ويشق عليهم أدنى طلب من أموالهم.

٤١ ـ (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) هل كتبوا نسخة طبق الأصل عن معلوماته تعالى ، فتبين لهم منها أنه لا بعث ولا قرآن ولا رسالة من الله لمحمد (ص)؟

٤٢ ـ ٤٣ ـ (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً) بمحمد (ص) والإساءة إليه (فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) عليهم تدور دائرة السوء.

٤٤ ـ (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً) عذابا (مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) متراكم بعضه فوق بعض ، وتقدم في الآية ٢٤ من الأحقاف.

٤٥ ـ (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ) للظالمين يوم لا مفر لهم منه ، فدعهم يا محمد في طغيانهم يعمهون إلى يومهم هذا وعواصفه وصواعقه.

٤٦ ـ (يَوْمَ لا يُغْنِي ...) أبدا لا حيلة في هذا اليوم تدفع ، ولا ناصر ينفع.

٦٩٩

٤٧ ـ (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً) آخر دون عذاب الآخرة الذي ذكره سبحانه في كتابه ، وهو في علمه تعالى يختاره بمقتضى عدله وحكمته.

٤٨ ـ (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) وهو إمهال الطغاة إلى يومهم الموعود (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) في كل حال وحين ، فإن ذكره أحسن الذكر ، ووعده للمتقين أصدق الوعد.

سورة النّجم

مكيّة وهي اثنتان وستون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) المراد بالنجم هنا كل نجم في أرجح الأقوال ، لأن الألف واللام للجنس ، وقد أقسم سبحانه بتناثر الكواكب في الفضاء يوم القيامة كما في الآية ٢ من الإنفطار : (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ).

٢ ـ (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ) محمد ، والخطاب لمن أنكر رسالته ، والجملة جواب القسم ، وهي شهادة من الله سبحانه على أن محمدا أبعد الخلق عن الضلالة والغواية ، وأن من ظن به شيئا من هذا فهو الغوي المبين.

٣ ـ (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) لا خطأ ولا خطيئة في أقوال محمد ، وكذلك في أفعاله للملازمة بين العصمة في الأقوال والعصمة في الأفعال.

٤ ـ (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) ضمير هو للقرآن لأن محمدا (ص) ليس بوحي بل موحى إليه.

٥ ـ (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) أخذ النبي (ص) القرآن من جبريل عن الله ، وجبريل شديد القوى في الصفات التي تؤهله لأمانة الوحي وأدائها لأنبياء الله ورسله ـ.

٦ ـ (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) المرة بكسر الميم : الهيئة والصورة ، واستوى : استقام ، والمعنى أن جبريل ظهر للنبي (ص) مستويا كما خلقه الله.

٧ ـ (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) أي أن جبريل حين ظهر للنبي على صورته امتد مرتفعا في الجو.

٨ ـ (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) في الكلام تقديم وتأخير ، والأصل بعد أن ارتفع جبريل بقامته في الفضاء ، تدلى ونزل بها حتى أصبح قريبا من النبي (ص).

٩ ـ (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) القاب : المقدار ، أي بعد أن تدلى ونزل جبريل قرب من النبي حتى لم يكن بينهما سوى مقدار قوسين ، بل أقل من ذلك.

___________________________________

الإعراب : (يَوْمَهُمُ) مفعول به ل (يُلاقُوا) لان المعنى إنهم يلاقون اليوم بالذات ، ولو قال : يلاقون عملهم يوم القيامة لكان يوم مفعولا فيه ويوم لا يغني بدل من يومهم. و (إِدْبارَ) مفعول فيه لفعل محذوف أي وسبّحه في إدبار النجوم. (وَالنَّجْمِ) الواو للقسم.

٧٠٠