التفسير المبين

محمّد جواد مغنية

التفسير المبين

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-465-000-X
الصفحات: ٨٣٠

٣٠ ـ (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ) ثناء على سليمان بأنه سميع لله ومطيع.

٣١ ـ (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ) بدا لسليمان في مساء يوم من الأيام أن يستعرض ما أعده للحرب من رباط الخيل ، فعرضت عليه بأمره.

٣٢ ـ (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) أمر أن يجريها الفرسان أمام عينيه ، وقال أفعل هذا عن أمري لا عن هوى في نفسي ، ولما غابت عن بصره في ركضها قال :

٣٣ ـ (رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) فلما ردوها عليه شرع يمسح بيده سوقها وأعناقها مباركا لها ومسرورا بها ، وهذا التفسير يقبله ظاهر اللفظ ، ولا يصطدم مع الدين والعصمة ، أما القول بأن سليمان تشاغل بالخيل حتى فاتته الصلاة ، فتألم وارتد عليها بالسيف لأنها أنسته وصدته عن العبادة ـ فإنه يتنافى مع النبوة وعصمتها ، ومع قوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).

٣٤ ـ ٣٥ ـ (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) ابتلى سليمان بمرض عضال ألقى به على سريره كجسد بلا روح (ثُمَّ أَنابَ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي) أناب أي دعا الله راجعا إليه ومتوسلا أن يغفر له ويشفيه مما هو فيه ، ومثله الآية ٨ من الزمر : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) طلب ملكا لا مثيل له في الكيف لا في الكم كتسخير الرياح والطير والجن ، فاستجاب سبحانه لدعوته.

٣٦ ـ (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً) طيّعة (حَيْثُ أَصابَ) إلى أية جهة يشاء.

٣٧ ـ (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ) لمحاريب وتماثيل وغيرها (وَغَوَّاصٍ) في البحر على اللئالئ والجواهر.

٣٨ ـ (وَآخَرِينَ) من الشياطين (مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) لأنهم خرجوا عن أمره وطاعته ، وتقدم في الآية ١٢ ـ ١٣ من سبأ.

٣٩ ـ ٤٠ ـ (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) عطاء الله ينبوع فوّار ، لا ينضب ولا ينقص ، فالإنفاق منه تماما كالإمساك.

٤١ ـ (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ) وما عاناه من الضر في جسمه وماله وأهله (إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ

___________________________________

الإعراب : جملة (نِعْمَ الْعَبْدُ) خبر لمبتدأ محذوف أي هو. و (إِذْ) في محل نصب بفعل محذوف أي اذكر إذ عرض. وقيل : (أَحْبَبْتُ) هنا بمعنى آثرت وعليه يكون حب الخير مفعولا به لأحببت. و (فَطَفِقَ) من أفعال المقاربة واسمها ضمير مستتر وخبرها محذوف.

٦٠١

وَعَذابٍ) النصب : التعب والمشقة ، وأيا كان المراد من إسناد العذاب ظاهرا إلى الشيطان فإنه لا يسوغ بحال أن يراد منه المعنى الحقيقي للعذاب ، لقوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) ـ ٦٥ الإسراء» ومن الجائز أن يكون الشيطان قد وسوس لأيوب بأن الله قد فعل بك ما فعل وأنت على طاعته ، فتعوذ أيوب منه وشكاه إلى الله ، وعلى هذا تكون نسبة العذاب إليه على المجاز.

٤٢ ـ (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) استجاب سبحانه لنداء أيوب ودعائه ، وأمره أن يضرب الأرض برجله ، فيخرج منها ماء يغتسل به ويشرب منه ، ففعل وذهب الداء عنه.

٤٣ ـ (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) منّ عليه سبحانه بالشفاء ، ورزقه من الأولاد والأحفاد ضعف ما فقد منهم ، وتقدمت الإشارة إلى قصة أيوب في الآية ٨٣ ـ ٨٤ من الأنبياء.

٤٤ ـ (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ ...) الضغث : القبضة من العيدان ونحوها ، ويبدو أن أيوب كان قد حلف لسبب أو لآخر أن يضرب إنسانا بعض الضرب ، ثم ندم ، فأمره سبحانه أن يضربه بمجموعة من الأغصان وما أشبه فيتحلل من يمينه ، وأخذ بعض الفقهاء بهذه الآية! وقد فات أوانها.

٤٥ ـ (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) المراد بالأيدي هنا القوة في طاعة الله ، وبالأبصار معرفة الحق.

٤٦ ـ ٤٧ ـ (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) كانوا يعملون لله وللدار الآخرة ، ويذكّرون الناس به وبها ، ومن أجل ذلك أخلصهم سبحانه أي اختارهم واصطفاهم.

٤٨ ـ (وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ) تقدم ذكرهم في الآية ٨٦ من الأنعام و ٨٥ من الأنبياء.

٤٩ ـ ٥١ ـ (هذا) الذي تقدم هو (ذِكْرٌ) لمن يتذكر وأراد أن يتقي الله (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ ...) مرجع حسن وجنات وسرور وفاكهة وشراب.

٥٢ ـ ٥٤ ـ (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) على الأزواج فقط (أَتْرابٌ) متساويات في السن.

___________________________________

الإعراب : (أَيُّوبَ) بدل من (عَبْدَنا). والمصدر من (أَنِّي مَسَّنِيَ) مجرور بباء محذوفة. و (رَحْمَةً) مفعول من أجله لوهبنا. و (إِبْراهِيمَ) وما بعده بدل مفصل من مجمل والمبدل منه عبادنا. وذكرى الدار خبر لمبتدأ محذوف أي هي ذكرى. و (لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ) متعلق بمحذوف خبرا لأنهم.

٦٠٢

٥٥ ـ (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) كافح القرآن الطغاة ، ونعتهم بأقبح الصفات ، وتوعدهم بأقصى العقوبات وفسرت القرآن الكريم مرتين فانتهيت إلى علم اليقين بأن أي إنسان يقهر ويتحكم بمن هو أضعف منه فإن الله سبحانه يعامله يوم القيامة معاملة من كفر به وأشرك وإن جرت عليه في الدنيا أحكام المسلم ، بل هو عند الله أسوأ حالا ممن جحد إن لم يظلم أحدا من عيال الله ، وتعال معي لنقرأ ونعتبر قول القهار الجبار لنبيه الرؤوف الرّحيم : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) ـ ٤٥ ق ... لست عليهم بمصيطر ـ ٢٢ الغاشية ... وما أنت عليهم بوكيل ـ ١٠٧ الأنعام» وضمير عليهم للمشركين بالنص القاطع لكل احتمال.

٥٦ ـ (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ) الفراش.

٥٧ ـ (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ) شديد الحرارة وهو خبر لهذا (وَغَسَّاقٌ) قيح شديد النتن.

٥٨ ـ (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) أشكال وألوان من العذاب للطغاة أيضا غير الحميم والغساق.

٥٩ ـ (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) يدخل المجرمون إلى جهنم أفواجا ، كلما دخلت أمة لعنت أختها.

٦٠ ـ (قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) هذا من كلام اللاحقين المستضعفين ، وهو جواب للسابقين المستكبرين الذين استقبلوهم بالشر ، فردوا عليهم بمثله وزادوا (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ) أي العذاب (لَنا) حيث منعتمونا عن الإيمان برسل الله.

٦١ ـ (قالُوا) ما زال القول للمستضعفين : (رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) طلبوا زيادة العذاب كما وكيفا لمن خدعهم وغرر بهم ، وتكرر هذا المعنى في العديد من الآيات ، منها الآية ٣٨ من الأعراف.

٦٢ ـ ٦٣ ـ (وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) إذا قرأت ـ أيها المسلم ـ هذه الآية فتصور معها وتدبر الآية ١١١ من الشعراء : (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) كان أهل النار الطغاة يسمون المؤمنين الأخيار الأرذلين ، ولما دخلوا النار ما رأوا واحدا من الذين كانوا يعدونهم من الأرذلين الأشرار ، فدهشوا وتساءلوا أين هم؟ اقرأ واعتبر كي لا ترى نفسك كبيرا ، فيصبح الناس صغارا في عينيك ، وسلام على من قال : الغنى والفقر بعد العرض على الله.

٦٤ ـ (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) هذا التساؤل من أهل النار عن الأخيار وتلاعن الأشرار واقع لا محالة.

٦٥ ـ ٦٦ ـ (قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ ...) أدعو إلى عبادة الواحد القهار الذي يقصم ظهور الجبابرة الطغاة ، والعزيز الذي ليس كمثله شيء ، والغفار الذي يستر القبيح ، ويظهر الجميل ، ويقبل التوبة

٦٠٣

٦٧ ـ (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) النبأ : الخبر ، والمراد به هنا القرآن ، وهو عظيم بعلمه وعقيدته وشريعته.

٦٨ ـ (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) والخطاب هنا موجه لمن يدين بالقرآن ولا يعمل بموجبه ، ولغير المسلم الذي أهمل البحث والنظر في حقيقة القرآن وصدقه.

٦٩ ـ ٧٠ ـ (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) المراد بالملإ الأعلى على ما يأتي من الإشارة إلى خلق آدم وسجود الملائكة له إلا إبليس. والمعنى أن محمدا (ص) قال للجاحدين بنبوته : لو لا الوحي من أين يأتيني العلم بقصة آدم والملائكة وإبليس.

٧١ ـ ٧٢ ـ (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) أعلمهم سبحانه بخلق آدم قبل أن يخلق تمهيدا للأمر بالسجود له.

٧٣ ـ ٧٦ ـ (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) اعترضته الحمية ، فافتخر على آدم بخلقه ، وتعصب لأصله ، فعدو الله إمام المتعصبين. كما قال الإمام عليّ (ع) (قالَ) سبحانه لإبليس :

٧٧ ـ ٨٥ ـ (فَاخْرُجْ مِنْها ...) أي من السماء ، وقيل : من الجنة ، وتقدمت قصة خلق آدم وذيولها بكل ما جاء في هذه الآيات ـ في البقرة والأعراف والحجر والإسراء والكهف.

اللغة : المراد بالملإ الأعلى الملائكة. وخلقت بيديّ أي من غير أب وأم بل بأسباب أخرى أنا أوجدتها. ومن العالين أي من أهل الرفعة والعلو.

___________________________________

الإعراب : (رَبُّ السَّماواتِ) بدل من الله الواحد. ان يوحي «ان» نافية. وانما «ما» زائدة ، والأصل اني نذير مبين ، والمصدر من ان واسمها وخبرها نائب فاعل ليوحى أي ما يوحى إلي إلا الانذار. و (ساجِدِينَ) حال. وأجمعون تأكيد. والمصدر من أن تسجد مجرور بمن محذوفة. (وَاسْتَكْبَرْتَ) الأصل أاستكبرت الهمزة الأولى للاستفهام والثانية همزة الوصل ، وحذفت هذه لمكان تلك.

٦٠٤

٨٦ ـ (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) المدعين النبوة كذبا على الله ، وتسأل : لما ذا يكرر كل نبي هذا القول ويردده على مسامع المرسل إليهم؟ الجواب : أولا لو طلب منهم الأجر على التبليغ لثقل ذلك عليهم وتهربوا منه ، وإلى هذا أشارت الآية ٤٠ من الطور : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) ثانيا ان الارتزاق بالدين لا يسوغ بحال سؤال ثان : ولكن الله سبحانه أمر نبيه الكريم أن يقول لأمته : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ـ ٢٣ الشورى»؟ الجواب : هذه المودة ليست أجرا على تبليغ الدين ، بل هي من الدين في الصميم تماما كالصوم والصلاة.

٨٨ ـ (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) سيتبين لكم عما قليل أيها المكذبون بالقرآن أنه الحق الذي لا ريب فيه ، ومن قرأ ما كتبه الغربيون عن محمد والإسلام في العصور الوسطى يجد اللغو والجهل والتعصب الأعمى ، أما في هذا العصر فقد أنصف محمدا والإسلام كثير من الغربيين ، ولا سر إلا الحضارة والروح العلمية الحديثة.

سورة الزّمر

مكيّة وهي خمس وسبعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) مبتدأ ، وخبره (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) القرآن من عند الله الذي ليس كمثله شيء ذاتا وصفاتا.

٢ ـ (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) يا محمد (الْكِتابَ بِالْحَقِ) لأنه من عند الحق ، وكل ما فيه على طبق الواقع (فَاعْبُدِ اللهَ) في الدعوة إليه أيضا (مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) حيث لا دين بلا إخلاص.

٣ ـ (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) أما المشوب بالأهواء والأغراض فهو للشيطان (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ)

___________________________________

الإعراب : (تَنْزِيلُ) مبتدأ ، وخبره «من الله» ويجوز أن يكون تنزيل خبرا لمبتدأ محذوف ومن الله متعلق بتنزيل أي هذا تنزيل الكتاب. وبالحق متعلق بأنزلناه. و (مُخْلِصاً) حال من ضمير فاعبد. و (أَلا) أداة تنبيه. والذين مبتدأ والخبر لا محذوف أي يقولون ما نعبدهم. وزلفى مفعول مطلق مثل قمت وقوفا.

٦٠٥

وقالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) ليشفعوا لهم عند الله ، وتقدم في الآية ١٨ من يونس (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ) بين أهل الأديان في يوم القيامة ، أما في الدنيا فعليهم أن يعيشوا بسلام بلا إراقة دماء وسلب ونهب ، وتقدم في الآية ١١٣ من البقرة وغيرها (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) الهداية من الله لعبده أو من الوالد لولده أو من العالم للجاهل لا تكون وتتحقق إلا لنفس ترضى بالهداية تمام الرضا ، وعلى هذا يكون معنى الآية أن الله سبحانه لا يلجئ إلى الهداية من يصر على الكفر والضلال والكذب والنفاق حيث لا هداية مع الجبر والإكراه.

٤ ـ (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) هذا من باب فرض المحال ، وفرض المحال ليس بمحال ، والوجه في منعه واستحالته أن اتخاذ الولد يستدعي الافتقار إليه ، والله الغني عن كل شيء (سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) يقهر كل شيء بالقدرة عليه والخضوع له.

٥ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي بنظام محكم ومستقر ، وما من شك أن مثل هذا النظام لا يحدث إلا من قادر عليم ومدبّر حكيم (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) وكلمة «يكور» تشير إلى أن الأرض كروية ، وأن جانبها الذي يحاذي الشمس حين دوران الأرض يكون نهارا ، وغير المحاذي يكون ليلا (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ...) تقدم في الآية ٢ من الرعد وغيرها.

٦ ـ (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ...) فأنتم أخوان لأب وأم على اختلاف ألسنتكم وألوانكم ، وعليكم أن تتواصلوا وتتعاونوا وأن يرجو كل واحد منكم الخير لأخيه ، ويكف الأذى عنه ، وتقدم في الآية ١ من النساء وغيرها (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) تقدم في الآية ١٤٣ من الأنعام (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) من نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم لحم وعظم وعروق (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) وهي ظلمة البطن والرحم والمشيمة (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) الذي خلقكم وخلق كل شيء ولا شريك له في ملكه وخلقه (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) وتتحولون عن عبادة الخالق إلى عبادة المخلوق؟

٧ ـ (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) لا تضره معصية من عصى ، ولا تنفعه طاعة من أطاع (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) كيف وقد نهاهم عنه ، ويعاقبهم عليه.

___________________________________

الإعراب : ذلكم مبتدأ والله عطف بيان و (رَبُّكُمْ) خبر ، و (لَهُ الْمُلْكُ) مبتدأ وخبر والجملة خبر ثان لذلكم. و (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أي إلى أين تصرفون. ومنيبا حال من ضمير دعا. وقليلا أي زمنا أو تمتعا قليلا.

٦٠٦

وما هو بظلّام للعبيد (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) ويزدكم من فضله (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) لا تجزي نفس عن نفس شيئا ، وتقدم بالنص الحرفي في الآية ١٦٤ من الأنعام وغيرها

٨ ـ (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) يتضرع ويستغيث في ساعة العسرة (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) ينسى تضرعه إلى خالقه ساعة اليسرة ، وتقدم في الآية ١٢ من يونس (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي كانت نتيجة جعله لله أندادا الضلال عن سبيل الله والحق (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) هذا تهديد شديد لكل كافر ، وبالخصوص من يؤمن عند الشدة والضراء ، ويكفر ساعة اليسر والرخاء.

٩ ـ (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) من مبتدأ وخبره محذوف أي كغيره ، وهو قانت مبتدأ وخبر والجملة صلة من (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) بترك الحرام خوفا من العقاب (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) بفعل الواجب رغبة في الثواب ونفهم من مجموع هذا الكلام أن العبادة بالقيام ليلا والصيام نهارا ، لا وزن لها إلا منضمة إلى فعل الواجبات وترك المحرمات بالكامل ، ويؤكد هذا قول الإمام أمير المؤمنين (ع) : نوم على يقين خير من صلاة في شك. ومعناه أن نوم من يطيع الله في جميع أحكامه أحب إلى الله من صلاة من يعصيه في بعض أحكامه (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) إذا أثنى القرآن أو أي إنسان على العلم والعلماء فهم العالم والجاهل من هذا الثناء أن المراد به العلم النافع وبهم العلماء العاملون في طاعة الله وخدمة عباده وعياله أيا كان نوع العلم والمعرفة. هذا إضافة إلى سياق الآية حيث قال سبحانه بلا فاصل :

١٠ ـ (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) في العمل الصالح النافع وكف الأذى عن عباده وعياله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) والمحسن هو الذي يتعاطف مع الناس ويعمل من أجلهم ولخدمتهم ، وما من شك أن إشباع الجائع وإيواء المشرد وما إلى هذه الأعمال الجزئية الفردية ـ من الإحسان ، ولكن أفضل من ذلك وأعظم العمل من أجل الإنسانية بوجه العموم كالحرص على كرامة الناس وحريتهم وصيانة حقوقهم الكاملة العادلة ، وكل ما يحل مشكلة اجتماعية ويحقق غاية إنسانية (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) فمن ضاق عليه بلده ، وعجز عن القيام فيه بواجبه الديني أو الدنيوي ، فليهاجر إلى أرض الله الواسعة (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) وهم الذين صبروا على الجهاد والكفاح لنصرة الحق وطلب الرزق الحلال للأهل والعيال ، أما الذين قعدوا ورضوا بالفقر والهوان ، فما لهم عند الله سبحانه إلا ما اختاروه لأنفسهم.

١١ ـ ١٣ ـ (قُلْ) يا محمد : (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً ...) هذا هو الإسلام في حقيقته ، يضع محمدا وأهل بيته وسائر الناس على مستوى واحد في العبودية لله ووجوب الإخلاص له والعمل بأمره ونهيه ، ونقل الشيعة الإمامية عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنه قال : «ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا ، والله ما لنا على الله حجة ، ولا معنا من الله براءة ، وإنا لميتون وموقوفون ومسؤولون ، من أحب الغلاة فقد أبغضنا ، ومن أبغضهم فقد أحبنا ، الغلاة كفار».

٦٠٧

١٤ ـ (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) وقد يسأل سائل : لما ذا كل هذا الترديد والتوكيد الشديد على أن محمدا عبد من عباد الله مخلص في دينه وعقيدته؟ الجواب لأمرين : الأول أن يفهم الناس والأجيال. وبالخصوص أعداء محمد الذين حاولوا أن يثنوه عن دعوته بكل وسيلة ـ أن محمدا هو رجل الحق والإيمان الراسخ ، وأن غايته من حياته أبعد الغايات وأسماها ، وهي هداية الخلق إلى الحق واحترام الناس وتحريره من العبودية لغير الله ، وخلاص الإنسانية من كل ما تعانيه وتقاسيه. الأمر الثاني أن لا يقول المسلمون في محمد ما قاله النصارى في السيد المسيح.

١٥ ـ (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) انه لكم بالمرصاد (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) لأنها إلى جهنم وبئس المصير (وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) لأنهم إن كانوا من أهل النار فالخسارة مشتركة وإن كانوا من أهل الجنة تنقطع كل الصلات والعلائق.

١٦ ـ (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ) جمع ظلة أي ما يستظل به من حرّ أو برد (مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) ينزل العذاب من فوقهم إلى أسفلهم ، ويصعد من أسفلهم إلى فوقهم (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) يعلن سبحانه نقمته على المجرمين عسى أن يكفوا ويعفوا.

١٧ ـ ١٨ ـ (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) مصدر بمعنى الطغيان ، ويطلق على رأس الضلال ، والمراد به هنا الأصنام ، ولذا عاد الضمير مؤنثا في (أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى) أي النجاة لمن نبذ الشر وعمل صالحا وإن بدرت منه خطيئة تاب إلى الله (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) هذا هو الإسلام في مبادئه وشريعته ، لا يمين ويسار ، ولا شيوعية ورأسمالية ، ولا ماضي وحاضر ، بل الأحسن والأفضل والأقوم والأكمل عقلا وإنسانية لحياة الفرد والمجتمع ، وفي الحديث الشريف : «الحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها فهو أحق بها» تماما كالمريض يفتك به الداء ، ويريد له الدواء الشافي سواء أجاء من موسكو أو من واشنطن ، وقد حدد القرآن الكريم رسالة النبي الأعظم بهذه الآية : «يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ـ ١٥٧ الأعراف».

١٩ ـ (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) كمن أنجاه الله منه (أَفَأَنْتَ) يا محمد (تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) كلا ، لا خلاص منها إلا بالعمل الصالح.

٢٠ ـ (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ ...) هذا على المألوف من كتاب الله ، يقرن الوعد بالوعيد ، فللمجرمين عذاب الجحيم ، وللمتقين جنات النعيم.

___________________________________

الإعراب : و (لِأَنْ أَكُونَ) أي من أجل أن أكون وقيل اللام زائدة. (اللهَ أَعْبُدُ) ، الله مفعول مقدم و (مُخْلِصاً) حال.

٦٠٨

٢١ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) ... نفذ في جوف الأرض ، ثم خرج عيونا صغارا وكبارا ، يسقي الزرع المختلف لونا وطعما ، كل ذلك وغير ذلك يجري على سنن الله الكونية التي لا تتغير ولا تتبدل (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا) يذهب شبابه ونضارته (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) هشيما تذروه الرياح (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) بأنه لا بد من صانع قدير وحكيم ، يقدر ويدبر.

٢٢ ـ (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) من مبتدأ وخبره محذوف أي كالقاسي قلبه ، والمعنى أن الله سبحانه إذا علم من عبده الإخلاص وصدق النية في طلب الهداية ـ هداه إلى الخير ، وأخذ بيده إلى بغيته (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) أي على بينة من دينه وإيمانه (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) كل من عاند وتمرد على الحق فهو كالصخور القاسية والأنعام السائمة.

٢٣ ـ (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) القرآن العليم الحكيم في عقيدته وشريعته ومواعظه وحكمه وجميع تعاليمه ومبادئه (كِتاباً مُتَشابِهاً) مبنى ومحتوى ، لا تهافت وتنافر بين معانيه لأنها من لدن حكيم خبير (مَثانِيَ) أي تثنى أحكامه ومواعظه فيجمع بين الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، والكفر والإيمان ، والجنة والنار (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) إذا تليت عليهم آية العذاب (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) إذا سمعوا آية الثواب ، وأوضح تفسير لهذه الآية قول الإمام عليّ (ع) في وصف المتقين : «فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون» (ذلِكَ هُدَى اللهِ) علم سبحانه فيهم خيرا فأسمعهم وهداهم كما جاء في الآية ٢٣ من الأنفال (يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) الله سبحانه يدع الإنسان وما يختار حيث لا دين وإيمان مع الجبر والإكراه ، فإن اختار لنفسه الهدى شمله بعنايته ، ومن أراد الضلال تخلى عنه بعد البيان والإنذار.

٢٤ ـ (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) قال الشيخ الطبرسي : المراد بيتقي هنا يستقبل ، والمعنى أن الإنسان يتقي الضرر بيده ، ولكن الذي في النار مغلول اليدين ، فيضطر أن يتقي النار بوجهه (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) تماما كما تزرع تحصد.

___________________________________

الإعراب : المصدر من (أَنْ يَعْبُدُوها) بدل اشتمال من الطاغوت. و (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ) مبتدأ وأولئك (الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) خبر. و (أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) مبتدأ وخبر وهم ضمير الفصل. أفمن «من» مبتدأ وخبره محذوف أي كمن نجا من العذاب. وألوانه فاعل مختلفا وحطاما مفعول ثان ليجعله. (أَفَمَنْ) شرح «من» مبتدأ وخبره محذوف أي كمن قسا قلبه ، ومثله (أَفَمَنْ يَتَّقِي). و (كِتاباً) بدل من (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ). و (مُتَشابِهاً) صفة كتاب. ومثاني صفة ثانية. وجملة تقشعر صفة ثالثة.

٦٠٩

٢٥ ـ ٢٦ ـ (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...) يهدد سبحانه الذين كذبوا محمدا (ص) أن يصيبهم من الهلاك ما أصاب الأمم الماضية لأنهم كذبوا الرسل ، وتقدم مرات ، منها في الآية ١١ من آل عمران.

٢٧ ـ (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ ...) بيّن سبحانه معاني القرآن بآيات واضحات ، وزيادة في التوضيح ضرب لها العديد من الأمثال ، لنعلم ونعمل ، وتقدم في الآية ٥٤ من الكهف.

٢٨ ـ (قُرْآناً عَرَبِيًّا) في ألفاظه ، إنسانيا في معانيه ، وعليه فلا يحق لأحد أن يقول : القرآن لقوم دون قوم أو لقرن دون قرن (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) مستقيما بكل ما في هذه الكلمة من معنى ، وبكل ما في القرآن من حقائق وتوجيهات ومعلومات.

٢٩ ـ (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) هذا المثل ضربه سبحانه للفرق بين المشرك والمؤمن ، فالمشرك يشبه رجلا مستعبدا لرجال لا يتفقون على رأي ، وأحد يأمره بهذا الفعل ، والثاني ينهاه عنه ، والثالث يريده لفعل آخر ، والعبد المأمور حائر في أمره ، ومثل المؤمن الموحد كالعبد المملوك لواحد حكيم فيما يأمره وينهاه ، فلا يستوي هذا وذاك ، أيضا لا يستوي من يعبد الواحد الأحد ، ومن يعبد أربابا أشكالا وألوانا (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الذي هدى المؤمنين به إلى أدلة التوحيد.

٣٠ ـ ٣١ ـ (إِنَّكَ) يا محمد (مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) الكل إلى ربهم منقلبون ، ويحكم فيما كانوا فيه يختلفون من الجحود والإيمان ، والشرك والتوحيد ، والبعث والنشر.

٣٢ ـ (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) فجعل له أندادا أو صاحبة أو ولدا أو ابتدع أحكاما ونسبها إليه تعالى (وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ) من الله مدعوما بالحجج والبينات.

٣٣ ـ (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) المراد «بالذي» محمد (ص) وبالصدق القرآن (وَصَدَّقَ بِهِ) أي ومن صدق به بدليل قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) قال سبحانه المتقون ولم يقل المسلمون للإشارة إلى أن مجرد التسليم بالقرآن لا يجدي ، بل لا بد من العمل بموجبه ، ويعزز ذلك قوله سبحانه بلا فاصل :

___________________________________

الإعراب : (قُرْآناً) حال مؤكدا من القرآن. و (عَرَبِيًّا) صفة. وغير ذي عوج صفة بعد صفة. و (ضَرَبَ) هنا بمعنى جعل ومثلا مفعول أول ورجلا مفعول ثان وقيل : ان رجلا بدل من «مثلا». وفيه خبر مقدم وشركاء مبتدأ مؤخر ومتشاكسون صفة لشركاء. ويستويان مثلا ، «مثلا» تمييز. (فَمَنْ) استفهام انكاري ومحلها الرفع بالابتداء وأظلم خبر. (وَالَّذِي جاءَ) مبتدأ ، والمراد به الجنس حيث أخبر عنه بالجمع ، وهو (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).

٦١٠

٣٤ ـ (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) للمحسن عند الله كل ما يشتهي ويريد بلا عد وحد.

٣٥ ـ (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) من تاب من الذنب كمن لا ذنب له حتى ولو كان من المشركين.

٣٦ ـ ٣٧ ـ (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) المراد به هنا رسول الله بالخصوص تقوية لقلبه كيلا يهتم بعتاة الشرك وحزبه (وَيُخَوِّفُونَكَ) يا محمد (بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) هددوه بالأصنام وأنها سوف تقتص منه لا محالة (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ...) المراد بالضلال هنا الهلاك ، وبالهدى النصر ، والمعنى أن الله سبحانه سينصر محمدا ، ويهلك أعداءه ، والدليل على أن هذا هو المقصود بالذات سياق الكلام وقوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ) ممن كفر به وعاند المرسلين.

٣٨ ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) يعترفون بأن الله خالق كل شيء ، ومع ذلك يعبدون سواه ، ولا بدع فإن الجاهل بجهله يدين بالتنافر والتناقض (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَ) أي الأصنام (كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) قل يا محمد للمشركين : أصنامكم هذه ليست بشيء ، لأن الله لو أراد بعبد شرا فلا تدفعه عنه أصنامكم ، وإن أراد به خيرا لا تسلبه منه (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ) عن كل ما عداه.

٣٩ ـ ٤٠ ـ (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) منهجكم وطريقتكم (إِنِّي عامِلٌ) بما أنا عليه مدى حياتي ، ولن أحيد عنه ولو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) إلى أي خزي تنتهون ، وبأية عاقبة تؤخذون ، وتقدم في الآية ١٣٥ من الأنعام.

اللغة : حسبي كافيني. ومكانتكم الحال التي أنتم عليها. وأصل التوفي الإيفاء وهو أخذ الشيء كاملا وافيا ، ومن مات فقد استوفى عمره. واشمأزت انقبضت ونفرت.

___________________________________

الإعراب : والمصدر من (لِيُكَفِّرَ) متعلق بيشاءون. وبكاف الباء زائدة إعرابا وكاف خبر ليس ومثله بعزيز. وعبده مفعول كاف لأنه بمعنى يكفي. الله فاعل لفعل محذوف أي خلقهن الله. وحسبي مبتدأ والله فاعل سادّ مسد الخبر. (فَلِنَفْسِهِ) متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي فاهتداؤه كائن لنفسه.

٦١١

٤١ ـ (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ) يا محمد (الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِ) وبلغت الرسالة على أكمل وجه (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ) أجر الهداية لا لك ولا لغيرك (وَمَنْ ضَلَ) فعليها وزر الضلالة لا عليك ولا على غيرك ، وتقدم في الآية ١٠٤ من الأنعام.

٤٢ ـ (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) للوفاة نوعان : الموت الذي يترك الجسم جثة هامدة ، والنوم الذي يسلب الإدراك واليقظة فقط ، وأشار سبحانه إلى النوع الأول بقوله : (حِينَ مَوْتِها) أي يقبض الروح حين يأتي الأجل ، وأشار إلى الثاني بقوله : (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) أي ويقبض هذه أيضا حين النوم (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) ولا يردها إلى الجسم إلى يوم يبعثون (وَيُرْسِلُ الْأُخْرى) يردها إلى الجسم ، ولكن على أمد معيّن ، وفي تفسير المراغي أن الإمام عليّ (ع) قال : الله يتوفى الأنفس كلها ، فما رأته وهي عنده فهي صادقة ، وما تراه بعد إرسالها فهي كاذبة فعجب عمر من قول الإمام.

٤٣ ـ ٤٤ ـ (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ ...) ينحتون بأيديهم أحجارا ، ويقولون : هذه تشفع وتنفع عند الله ، وأقسم مرتين أن هؤلاء الجاهلين بجهلهم هم أفضل عند الله من الذين ائتمنوا على طعام الجياع ، وكساء العراة وأجرة المأوى للمشردين ، فخافوا الأمانة ، واغتصبوا أرزاق المساكين وهم متخمون ، وتركوا المعذبين في الأرض يموتون من الجوع والبرد ، وتقدم في الآية ١٨ من يونس.

٤٥ ـ (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ) انقبضت ونفرت (قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) يوحشهم الحق لأنهم ليسوا من أهله (وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) الأصنام (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) يأخذ الباطل موخذه في كل مجتمع يفقد الوعي ويسوده الجهل ، وأي فرق بين هؤلاء وبين الذين يختارون الآن من اللصوص والقراصنة نوابا وحكاما؟

٤٦ ـ (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ابتدعهما من غير مثال سابق (عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) السر والعلانية (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ) وحكمك الفصل.

___________________________________

الإعراب : (أَوَلَوْ كانُوا) الهمزة للإنكار والواو للحال أي تتخذونهم شفعاء وهم لا يعقلون. وجميعا حال من الشفاعة. (اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ) أي يا الله يا فاطر السموات يا عالم الغيب.

٦١٢

٤٧ ـ (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) وهم عتاة الشرك وطغاة الجور (ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) لا يفادى أسير جهنم إطلاقا ، كان ذلك على ربك حتما مقضنا ، وتقدم في الآية ٩١ من آل عمران وغيرها (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ) أي من عذابه ما لم يخطر لهم على بال ، ونعوذ بالله من المخبآت والمفاجئات.

٤٨ ـ (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) من آثام وعدوان (وَحاقَ) نزل وأحاق (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ما كفاهم الجحود بالبعث حتى سخروا منه ، فكان جزاؤهم مقطعات النيران وسرابيل القطران.

٤٩ ـ (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا) خاضعا متضرعا ، وتقدم في الآية ٦ من هذه السورة (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا) كالمال وما أشبه (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) مني ، هذا هو الغرور واللغو والجهل والسهو عن الخالق والرازق! أبدا ما من شيء جليل أو حقير إلا ولله فيه قدرة فاعلة ، ونعمة ظاهرة من الإبرة إلى سفينة القضاء ، أو من عود الثقاب إلى العقل الإلكتروني ، وهل في مقدور قادر من الناس بالغا ما بلغ من العلم أن يوجد شيئا من لا شيء مستغنيا عن الله وخلقه؟ ولو سلمنا ـ جدلا ـ أنه قادر على ذلك فهل أوجد هو نفسه بنفسه؟ (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) أي انه تعالى أنعم عليه بما هو فيه لتظهر مقاصده وأفعاله التي يستحق عليها المدح أو الذم والعقاب والثواب.

٥٠ ـ ٥١ ـ (قَدْ قالَهَا) أي تلك المقالة أو الدعوى بأن نعمته من علمه لا من فضل الله (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...) فكان مآلهم إلى الهلاك والوبال ، وتقدم في الآية ٧٢ من القصص (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) الذين كذبوا محمدا (ص) (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) كما أصاب قوم نوح وعاد وثمود (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) كيف وكل الخلائق رهن بمشيئته تعالى.

٥٢ ـ (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ ...) تكرر في العديد من الآيات ، منها الآية ٢٦ من الرعد.

٥٣ ـ (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا

___________________________________

الإعراب : والمصدر أن (لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) فاعل لفعل محذوف أي لو ثبت ملك الذين ظلموا و (جَمِيعاً) حال من ما في الأرض. وبل هي أي النعمة.

٦١٣

تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) تفتح هذه الآية باب التوبة على مصراعيه لكل مذنب مهما عظم الذنب وقبح ، ولا تدع له من عذر وكذلك آيات التخويف والتحذير فإنها تتضمن الدعوة إلى التوبة ، وقد وصف سبحانه نفسه بالتواب ـ بمعنى يقبل التوبة ويهيء أسبابها ـ في أكثر من عشر آيات معطوفا على كل ذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) ـ ٨٧ يوسف ... (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) ـ ٥٦ الحجر».

٥٤ ـ (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ...) بعد ما دعا سبحانه المذنبين إلى التوبة ردد وأكد الأمر بها والإخلاص فيها عملا لا قولا ، فإنها الدرع الواقية من غضب الله يوم الحساب والجزاء.

٥٥ ـ (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً) ما زال الكلام مع المذنبين وعنهم وكل الآيات التي نزلت في حقهم نهي وذم وتهديد ، وأحسنها بالنسبة إليهم آيات التوبة والبشارة بقبولها وإلا فلا شيء مما أنزل الله أحسن من شيء بالنسبة إليه تعالى.

٥٦ ـ (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى ...) من أهمل التوبة في دنياه يشعر غدا بالخسران ، وتذهب نفسه حسرات على ما فات.

٥٧ ـ (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) وهكذا المهمل الفاشل يلقي التبعة على الله أو الحظ أو الزمن أو على الناس والمجتمع.

٥٨ ـ (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) رجعة إلى الدنيا لاتقيت وأحسنت. هيهات أن يرجع ما قد فات.

٥٩ ـ (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي ...) كيف تقول : لو أن الله هداني! لقد دعاك سبحانه إلى الهداية ، فأبيت عن إرادتها بإرادتك ، وعليه فأنت المسيء إلى نفسك بنفسك.

٦٠ ـ (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا) من أشرك بالله أو حلل وحرم من غير علم أو تولى منصبا عاما بلا أهلية وكفاءة أو ادعى العلم بدين الله من غير حق ـ فقد كذب على الله بلا شك ، وجهنم مقامه ومثواه.

٦١ ـ ٦٢ ـ (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ)

___________________________________

الإعراب : (جَمِيعاً) حال من الذنوب. و (بَغْتَةً) مصدر في موضع الحال من العذاب أي باغتا. والمصدر من أن تقول نفس مفعول من أجله لاتبعوا. (يا حَسْرَتى) الأصل يا حسرتي ثم قلبت الياء ألفا ، وان كنت «ان» مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي واني كنت واللام في «من» هي الفارقة بين ان النافية والمخففة. فأكون مضارع منصوب بأن مضمرة في جواب لو التي تفيد التمني. وبلى واقعة في جواب لو ان الله هداني لأن لو تتضمن معنى النفي. ترى هنا بصرية لا قلبية ولها مفعول واحد وهو الذين كذبوا. و (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) مبتدأ وخبر والجملة حال من الذين كذبوا.

٦١٤

أي بسبب فوزهم في طاعة الله ورضوانه (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) يوم القيامة (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) كل الأمور موكولة إليه تعالى وهو قائم عليها.

٦٣ ـ (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بيد الله خزائن الكون ومفاتيحها.

٦٤ ـ (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) دعاهم إلى الإيمان بالله بالحجة والبرهان القاطع ، فدعوه إلى الكفر جهلا وحمقا ، فقال : أخطأتم القصد أيها الجاهلون.

٦٥ ـ (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) اي وإلى كل نبي من الأنبياء السابقين وقيل له مثل ما قيل لك (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) الإحباط : بطلان العمل وسقوط حكمه حتى كأنه لم يكن ، والقضية هنا شرطية ، تصح وإن كان فعل الشرط محالا تماما كقوله تعالى : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) ـ ٨١ الزخرف».

٦٦ ـ (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) أيها الإنسان أو يا محمد بمعنى امض على ما أنت عليه من عبادة الله وشكره والدعوة إليه ، والله يحفظك من الناس.

٦٧ ـ (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما أطاعوه وشكروه كما يجب ، ولا نزهوه عما لا يليق ، فبعضهم صوره في شكل إنسان ، وآخرون في هيئة كوكب ... إلى أمثال هذه الخرافات وقال الإمام عليّ (ع) : كيف يصف الخالق من يعجز عن وصف المخلوق؟ (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ ...) المقصود من هذا مجرد تعظيم الذات القدسية وصفاتها ، وانها فوق التصور والأوهام وأنها لا تعرف إلا بالآثار البارزة للعيان.

٦٨ ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ) أي مات ، وعليه يكون النفخ هنا كناية عن سبب الموت الشامل لكل مخلوق حي (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) قال المفسرون : هذا استثناء لبعض الملائكة كجبريل (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) هذه الصيحة الثانية كناية عن قيام القيامة حيث يحيي سبحانه الأموات وهي رميم ، فتنظر زلزال هذا اليوم وأهواله.

٦٩ ـ (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) المراد أرض المحشر ، وهي مشرقة بالحق والعدل ، وطاهرة مطهرة من

___________________________________

الإعراب : وجملة (لا يَمَسُّهُمُ) حال من الذين اتقوا. وغير الله مفعول اعبد ، وجملة (تَأْمُرُونِّي) معترضة ، وتقدير الكلام أفغير الله أعبد تأمروني. بل الله فاعبد «الله» مفعول مقدم. وحق قدره مفعول مطلق. وجميعا حال من الأرض ، واختلف النحاة في العامل بالحال ، والذي نراه ان هذه الحالة لا تحتاج الى عامل لأنها حال إعرابا وتأكيد واقعا ، والمعنى الأرض كلها. وقبضته خبر للأرض. والسموات مطويات مبتدأ وخبر ، وبيمينه متعلق بمطويات.

٦١٥

الظلم والعدوان (وَوُضِعَ الْكِتابُ) كتاب الأعمال وصفحاته (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) وهم نواب الأنبياء في البيان والتبليغ ، فيشهد النبي على نائبه أنه أخذ العلم منه ليعمل به ويبلغه إلى الناس ، ثم يشهد العالم النائب بدوره عليهم أنه علم وبلغ ، فيقضي الله بين الخلق بالحق.

٧٠ ـ (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) لا ينقص من ثواب المطيع بل يزيد ، ولا يزيد في عقاب العاصي وقد يعفو ، وتقدم في الآية ٢٥ من آل عمران وغيرها.

٧١ ـ ٧٢ ـ (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وأيضا الذين نهبوا أقوات المستضعفين ، والذين كذبوا واعتدوا وحسدوا وكل آثم ومجرم (إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) جمع زمرة وهي الجماعة (حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها) أبواب جهنم مفتوحة للداخلين على مصراعيها ليل نهار لا حاجب عنها ولا مانع ، على العكس من أبواب الجنة (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) الذين يقدمون لها الوقود : ما ذا فعلتم بأنفسكم؟ ولما ذا عن رسل الله أعرضتم؟ قال أهل النار : (حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) ندموا واعترفوا حيث لا جدوى ، والعاقل يحذر ولا يسلك الطريق إلا على بينة (فَبِئْسَ مَثْوَى) مقام (الْمُتَكَبِّرِينَ) المتمردين على الحق والعدل.

٧٣ ـ (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ) المجرمون إلى عذاب الجحيم ، والطيبون إلى جنات النعيم. وبعد فإن الجنة محرمة إلا على من ضحّى في سبيل الحق ، ولا تنحصر هذه التضحية بالقتال وحمل السلاح ، فكل مكروه يتحمله الإنسان ويصبر دفاعا عن الحق والعدل فهو تضحية في سبيل الله والحق حتى ولو كان الدفاع بكلمة يجابه بها مبطلا. ويناصر محقّا ، وفي الحديث : حفت الجنة بالمكاره ، والنار بالشهوات.

٧٤ ـ (وَقالُوا) أي أهل الجنة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) لما رأوا الجنة فرحوا وشكروا الله ، وتذكروا ما قرأوه في الدنيا من آيات الجنة وحورها وقصورها وأنهارها وثمارها وأمنها وأمانها ، فعاينوا أكثر مما سمعوا. قال الإمام أمير المؤمنين (ع) : «كل شيء في الدنيا سماعه أعظم من عيانه ، وكل شيء في الآخرة عيانه أعظم من سماعه.

___________________________________

الإعراب : (زُمَراً) حال من الذين كفروا. و (خالِدِينَ) حال من واو ادخلوا. (رَمْزاً) حال. وجواب إذا محذوف أي إذا جاءوها اطمأنوا. وفتحت الواو للحال أي وقد فتحت. وسلام عليكم مبتدأ وخبر والجملة مفعول قال. و (خالِدِينَ) حال.

٦١٦

٧٥ ـ (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) المراد بالعرش أن الأمر كله بيد الله (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) يقدسونه وينزهونه عن الظلم والجور (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بين أهل الجنة وأهل النار (بِالْحَقِ) حيث حلّ كل فريق منهما المكان اللائق به والصالح له (وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الكون بأكمله من أعلى ملكوت السماء إلى منتهى الثرى يحمد الله على عدله الذي أعطى كل شيء خلقه ، ثم هدى.

سورة غافر

مكيّة وآياتها خمس وثمانون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (حم) تقدم في أول البقرة.

٢ ـ (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) القرآن (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) الذي لا يخفى عليه شيء ، وليس كمثله شيء ذاتا وصفاتا وسلطانا.

٣ ـ (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ) قدّم الذنب وأخّر التوبة ، لأنها العفو عما سلف (شَدِيدِ الْعِقابِ) لمن طغى وعمل بما يهوى (ذِي الطَّوْلِ) ذي النعم التي لا يحصيها العادون ، ويعجز عن شكرها المجتهدون.

٤ ـ (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) لا يعاكس الحق إلا الجحود والعنود (فَلا يَغْرُرْكَ) ما يملكون من أموال يتاجرون بها في البلاد ، فإنها إلى زوال ونفاد.

٥ ـ (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ) وهم كل قوم تحزبوا ضد الحق وأهله (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ

اللغة : التوب والتوبة كلاهما مصدر تاب. وذي الطول ذي الفضل. وتقلبهم في البلاد تصرفهم فيها بالذهاب والإياب للتجارة ونحوها. ليدحضوا ليبطلوا. وحقت وجبت

___________________________________

الإعراب : (الْمَلائِكَةَ) مفعول ترى البصرية وحافين حال من الملائكة. (تَنْزِيلُ) خبر لمبتدأ محذوف أي هذا تنزيل. و (الْعَزِيزِ) وما بعده صفات لله تعالى. والمصدر من ليأخذوه متعلق بهمت.

٦١٧

لِيَأْخُذُوهُ) بالقتل والتنكيل (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) يحاولون توهين الحق بالشبهات الباطلة والأقوال الكاذبة (فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) حقا كان الهلاك شديدا مدمرا

٦ ـ (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ) العذاب على كل طاغ وباغ.

٧ ـ (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) إله العالم لا يحمل جالسا على العرش أولا لأنه منزه عن المادة ثانيا لأن الحامل أقوى من المحمول ، وإذن لا بد من تأويل الظاهر بما يتفق مع العقل والقوانين اللغوية وجلال الذات القدسية ، والذي نتصوره الآن أن العرش وحملته ومن حوله كل ذلك وما إليه كناية عن العظمة والجلال والسلطان المطلق والدائم (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) أمر سبحانه الملائكة أن يستغفروا ويدعوا للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فاستجابوا ودعوا ومن جملة ما قالوا :

٨ ـ (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) اجمع غدا شمل الأسرة المؤمنة تماما كما كانوا في الدنيا ، ليزدادوا سرورا على سرور.

٩ ـ (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) من الوقاية بمعنى الصيانة ، تقول : وقاك الله من كل سوء أي صانك من كل مكروه وعليه يكون المراد بالسيئات المكروهات.

١٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ ...) بالبناء للمجهول والمعنى يقال غدا للكافرين وهم في قعر جهنم : أنتم الآن تكرهون أنفسكم حيث أدت بكم إلى هذا المصير ، وكنتم تحبونها وأنتم في الدنيا ، ولكن الله كان آنذاك يمقتها ويمقتكم مقتا أشد من مقتكم لها اليوم حيث كان يدعوكم إلى النجاة والحياة الطيبة ، فتعرضون وتنفرون ، فذوقوا اليوم ما قدمتم لأنفسكم.

___________________________________

الإعراب : ومن ليدحضوا بجادلوا. ومن انهم أصحاب النار بدل من كلمة ، ويجوز جره بلام محذوفة أي لأنهم من أصحاب النار. (وَمَنْ حَوْلَهُ) عطف على الذين يحملون. (رَحْمَةً وَعِلْماً) تمييز محول عن فاعل أي وسعت رحمته وعلمه. ومن صلح «من» مفعول لفعل محذوف أي وادخل من صلح. واللام في لمقت في جواب قسم محذوف أي والله لمقت. وأنفسكم مفعول مقتكم. وإذ في محل نصب بفعل محذوف أي مقتكم الله إذ يدعون.

٦١٨

١١ ـ (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) : الموتة الأولى قبل خروجهم من بطون الأمهات ، والثانية الموت المعهود (وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) : الأولى في الدنيا ، والثانية في الآخرة (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) بيدك الموت والحياة والنعيم والجحيم ، وقد أدخلتنا النار بالحق والعدل ، ونحن لها أهل ، فأخرجنا منها بجودك وكرمك! ولو كان هذا التضرع في الدنيا وقبل أن يذوقوا العذاب ـ لأثّر وأثمر ، أما أن يعترفوا وهم يتلظون في النيران فلا ينفعهم شيئا تماما كالإقرار ، ينتزع بالضغط والإجبار.

١٢ ـ (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ...) دعوناكم في الدنيا فلم تستجيبوا لنا ، وتدعوننا في الآخرة فلا نستجيب لكم ، وكما تكونون يولى عليكم.

١٣ ـ (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) أرانا سبحانه الكثير من عجائب خلقه ، وقال لنا فيما ذكّر وأرشد : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) ـ ٢١ الذاريات» ولكن لا يبصر ويعتبر (إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) أي يتحرر من التقليد ، ويرجع إلى الحق لوجه الحق.

١٤ ـ (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) كونوا من أهل الدين واقعا لا شكلا ، وفعلا لا قولا (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) أي حتى ولو عانيتم من أعداء الله والإنسانية الأذى والتنكيل.

١٥ ـ (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ) كناية عن الجلال والكمال (يُلْقِي الرُّوحَ) الوحي (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وهم الرسل والأنبياء (لِيُنْذِرَ) الله أو الوحي بالعذاب (يَوْمَ التَّلاقِ) يوم القيامة حيث يلتقي الإنسان بجزاء عمله.

١٦ ـ (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) لا سر ولا حجاب يوم القيامة ، فكل شيء على المكشوف (لِمَنِ الْمُلْكُ) من يمضي حكمه وينفذ يوم القيامة؟ الله الذي يبطش البطشة الكبرى بكل معتد وجبار أثيم ، وكل حسود وحقود لئيم.

١٧ ـ (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ...) هذه قضية رياضية عقلية ومن المسلمات الأولية ، وليس للدين والشريعة إلا إمضاؤها والعمل بموجبها.

١٨ ـ (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) اسم ليوم القيامة مثل عبد الكريم أو عبد الكرامة ، والآزفة : القريبة الدانية لأن

___________________________________

الإعراب : (اثْنَتَيْنِ) صفة لمفعول مطلق محذوف أي إماتتين اثنتين وإحياءتين اثنتين. و (ذلِكُمْ) مبتدأ ، وبأنه متعلق بمحذوف خبرا. (وَحْدَهُ) مصدر في موضع الحال من الله. ومخلصين حال من فاعل فادعوا ، و (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) خبر ثان لهو الذي يريكم. والمصدر من ليندر متعلق بيلقي. ويوم هم «يوم» بدل من يوم التلاق وهم مبتدأ وبارزون خبر. والملك فاعل فعل محذوف أي ثبت الملك. ولله متعلق بمحذوف أي ثبت لله. اليوم تجزي اليوم ظرف لتجزي. لا ظلم اليوم ظلم اسم لا واليوم خبرها.

٦١٩

هذا اليوم آت ، وكل آت قريب (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) هلعا وجزعا (كاظِمِينَ) محزونين (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) صديق ينفع ولا شفيع يشفع.

١٩ ـ (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) كغمزات السخرية والاحتقار ، ونظرات الخبث والريبة.

٢٠ ـ (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) يجزي السيئة بمثلها والحسنة بالأحسن (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) الأصنام ونحوها (لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) لأنهم لا يملكون أي شيء حتى السمع والبصر.

٢١ ـ (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ...) تقدم في الآية ١٠٩ من سورة يوسف وغيرها.

٢٢ ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ ...) أهلك. سبحانه الأمم الماضية لأنها كذبت المرسلين ، وتقدم مرات.

٢٣ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بالمعجزات ، ومنها العصا واليد.

٢٤ ـ (إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ) الأول تعالى وتربب ، والثاني شيطانه المقرّب ، والثالث أطغاه المال وأرداه.

٢٥ ـ (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ...) أمر فرعون بقتل الذكور من بني إسرائيل ، وإبقاء الإناث منهم قبل موسى ، ولما جاء وثار على فرعون أكد أمره السابق ، وأصر على استمراره والتشدد فيه.

اللغة : الآزفة القريبة الدانية لأن يوم القيامة آت ، وكل آت قريب. وكاظمين محزونين. وحميم صديق. وخائنة الأعين هي التي تنظر ما لا يحل. وواق حافظ.

___________________________________

الإعراب : (يَوْمَ الْآزِفَةِ) مفعول به لأنذرهم. و (إِذِ الْقُلُوبُ) بدل من الآزفة. و (كاظِمِينَ) حال من القلوب. و (ما لِلظَّالِمِينَ) خبر مقدم. ومن حميم «من» زائدة إعرابا وحميم مبتدأ ، وجملة يطاع صفة لشفيع. هم ضمير فصل. وأشدّ خبر كانوا. وقوة تمييز.

٦٢٠