التفسير المبين

محمّد جواد مغنية

التفسير المبين

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-465-000-X
الصفحات: ٨٣٠

الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) إن هؤلاء الرسل من الأطايب الأخيار والهداة الأبرار ، استجيبوا لهم ترشدوا وتأمنوا من عذاب النار وغضب الجبار ، ثم أكد الوعظ والنصح لقومه بأسلوب أبلغ وأنفع وقال متحدثا عن نفسه :

٢٢ ـ (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) ثم التفت إلى قومه وخاطبهم (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يشير بذلك أنهم المقصودون بالذات من كلامه.

٢٣ ـ (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ) أصناما لا تضر ولا تنفع؟

٢٤ ـ (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي أنتم في عمى وضلال واضح.

٢٥ ـ (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) أقول كلمة الحق ، وأجابه بها كل مبطل ، ولا أبالي بالموت ، فاصنعوا بي ما تشاءون. وفي الأخبار أن قومه رموه بالحجارة. وفي مجمع البيان نقلا عن تفسير الثعلبي أن رسول الله (ص) قال : سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين : عليّ بن أبي طالب وصاحب يس ومؤمن آل فرعون. ومثله في كشاف الزمخشري.

٢٦ ـ ٢٧ ـ (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) في الكلام حذف يدل عليه السياق كعادة القرآن ، والتقدير لما مات هذا العبد الصالح المخلص قيل له : ادخل الجنة ، ولما دخلها (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي) الذين قتلوني لأني نصحتهم وحذرتهم (يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) قتلوه ونكلوا به أشد التنكيل ، وفي اللحظة التي مات فيها عاين ما عاين من كرامة الله وثوابه ، ففرح واستبشر بأنعم الله ، وأيضا تألم وتحسر على قومه ، وتمنى لو أن مخبرا يحدثهم عما هو فيه من أنعم الله كي يتوبوا ويشاركوه هذه السعادة الجلىّ ... أهذا مؤمن ونحن مؤمنون ، بل وحماة الدين؟ وبعضنا يفخر بمنصبه وآخر بسيارته ، وثالث بما أشبه من زخرف الحياة!!.

٢٨ ـ (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) أي من بعد قتل المؤمن الصالح (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) لأن الله سبحانه يهلكهم بطريق أيسر من نزول ملائكة العذاب.

٢٩ ـ (إِنْ كانَتْ) العقوبة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) من جبريل أو غيره ، فلم تبق روح في الجسم.

٣٠ ـ (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) هذه الحسرة تعبير عن سوء المصير والعاقبة الوخيمة.

___________________________________

الإعراب : ولا ينقذون الأصل ينقذونني. فاسمعون النون للوقاية والأصل فاسمعوا قولي ثم حذف المضاف وهو القول للتخفيف فصار الفعل فاسمعوني ثم حذفت الياء للوقف. يا ليت «يا» للتنبيه. اسم كانت محذوف أي ان كانت الصيحة أو العقوبة إلا صيحة واحدة. و (حَسْرَةً) منادى أي (احضري يا حسرة فهذا وقتك) ونصبت لأن على العباد يتعلق بها. وكم خبرية ومحلها النصب بأهلكنا

٥٨١

٣١ ـ (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) ألا يتعظ اللاحقون بما حلّ في السابقين (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) أي لم يبق من الهالكين المتقدمين أحد يخبر المتأخرين عما جرى وكان فيمن سبق كي يتعظوا ويعتبروا ، ولكن آثار الهالكين تدل عليهم ، وكفى بها عبرة وعظة.

٣٢ ـ (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) لما هنا بمعنى الا ، أي ما من أمة ماضية أو حاضرة أو آتية إلا وتقف بين يدي الله لنقاش الحساب.

٣٣ ـ ٣٤ ـ (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ ...) هذه من آيات البعث والنشور ، وفيها الدلالة الكافية الوافية على إمكان الحياة بعد الموت ، بل ووقوعه أيضا كما نرى الحياة الأرض بعد موتها ، وقد تردد ذلك وتكرر في العديد من الآيات ، ومنها الآية ٩٩ من الأنعام.

٣٥ ـ (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) فيه إيماء إلى أن النعمة حقا هي المال الحلال المكتسب من كد اليمين وعرق الجبين ، وفي الحديث الشريف : «إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها صوم ولا صلاة ولا حج ، وإنما يكفرها سعي الرجل على عياله».

٣٦ ـ (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) أي أصناف المخلوقات من نبات وإنسان وحيوان ... إلى غير ذلك مما نجهل في السماء والفضاء وتحت الثرى.

٣٧ ـ (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) المراد بالسلخ هنا وجود النهار عقب الليل وبعده لا انتزاعه وتجريده منه ، (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) داخلون في الظلام.

٣٨ ـ (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) المراد بالجري هنا حركة الشمس في فلكها الخاص ، وبالمستقر النظام المحكم لا المستقر المكاني كما قال المفسرون القدامى ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) أي حركة الشمس بنظام في فلكها الذي لا تتجاوزه هي من تقديره تعالى وتدبيره ٣٩ ـ (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) ومعنى هذا أن القمر غير ثابت في مكانه ، بل يتدرج تبعا للأرض ودورانه حولها (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) دقة وانحناء في رؤية العين ، والعرجون : غصن النخلة.

٤٠ ـ (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) لكل من الشمس والقمر فلكه الخاص يدور فيه بنظام ، ويجري في منازل مقدرة إلى ما شاء الله ، وتقدم في الآية ٣٣ من الأنبياء. وأخيرا فلسنا من علماء الفلك حتى نجول في هذا الميدان ، والمهم أن نعلم بأن القرآن وحي من خالق الكون ، ويستحيل أن ينطق بشيء على خلاف الواقع ، فإن اتفق ظاهر الوحي مع واقع الطبيعة فذاك والأوجب تأويل الظاهر بما يتفق مع الواقع. وهذه قاعدة عقلية ودينية مطلقة ترفض التغيير والتقييد ٤١ ـ (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) المملوء منهم وما يبتغون ، وتقدم في الآية ١١٩ من الشعراء ٤٢ ـ (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) وضمير «مثله» يعود إلى الفلك ، والطائرة والسيارة به أشبه من البغال والحمير والإبل والخيل.

٥٨٢

٤٣ ـ (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) ولو كانوا في المدرعات وحاملات الطائرات ، والغرض من هذه الإشارة مجرد التذكير بنعمة النجاة (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) لا مغيث يستجيب لصراخهم حين الإشراف على الغرق.

٤٤ ـ (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) حتى المشي على اليابسة يفتقر إلى رحمة الله وعنايته (وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) إلى الأجل المعلوم عند الله وهو درع وجنة.

٤٥ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) للجاحدين المعاندين : (اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) من الذنوب والمحرمات (وَما خَلْفَكُمْ) من العذاب على المعاصي ، وجواب إذا محذوف تقديره اعرضوا.

٤٦ ـ (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) عتوا وعنادا.

٤٧ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) للمترفين المحتكرين : (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) على المحاويج قالوا : كيف؟ وقد قضى الله عليهم بالفقر والعوز ، وقدر لنا العز والغنى ، ونحن لا نخالف ما قضى الله وقدر! قالوا هذا وتجاهلوا أن الفقر من صنع الأرض لا من صنع السماء ، ومن فساد الأوضاع وأنظمة الطغيان لا من شريعة الرّحمن. وفي كتاب الوسائل عن الإمام الصادق (ع) : ان الله جعل للفقراء من أموال الأغنياء ما يكفيهم ، ولو لا ذلك لزادهم ، وإنما يؤتون من منع من منعهم ... إن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء ...

٤٨ ـ (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) بقيام القيامة.

٤٩ ـ (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وهي صيحة البعث والنشر (تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) يتشاجرون ويتنافسون على الدنايا والشهوات.

٥٠ ـ (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) ولمن يوصون ولا من باق وباقية.

٥١ ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) كناية عن النشور ، والأجداث القبور ، وينسلون : يسرعون في العدو.

٥٢ ـ (قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) قد يقال : إن هذا التعجب من الأموات يشعر بأنهم لم يحاسبوا في قبورهم بل كانوا في رقدة وسبات حتى من كفر منهم. الجواب : يبدأ حساب القبر بعد الدفن بلا فاصل ثم ينتقل الأموات إلى حالة ثانية يطول أمدها ، ثم يحدث النشر ، وقد عبّروا عن الحالة الثانية بالرقاد لسبب أو لآخر.

___________________________________

الإعراب : و (رَحْمَةً) مفعول من أجله ومتاعا عطف على رحمة. جواب (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا) محذوف أي أعرضوا بدلالة قوله : معرضين في الآية التالية.

٥٨٣

٥٣ ـ (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) الصيحة الأولى لقيام القيامة لذا قال سبحانه : (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) أي في الحياة الدنيا كما أشرنا ، وهذه الصيحة الثانية للحضور بين يدي الله للحساب بدليل قوله تعالى : (فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) للسؤال عما كانوا يعملون.

٥٤ ـ (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) يتنزه سبحانه عن ظلم عباده ، ولما ذا الظلم والأمر كله لله وحده ، وكل له خاشعون.

٥٥ ـ (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) فرحون مرحون حيث لا خوف ومشكلات ، ولا مشاحنات طائفية وخلافات عائلية ، ولا حسد على المناصب والرغائب.

٥٦ ـ (هُمْ وَأَزْواجُهُمْ) الحوريات ، لا بنات حواء المشاكسات.

٥٧ ـ ٥٨ ـ (لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ. سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) هذا السلام يهديه سبحانه لأهل الجنة ، ومعناه الأمان والرحمة ، والسعادة والنعمة.

٥٩ ـ (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) كنتم من قبل تستترون بالنفاق والشعارات الكاذبة ، أما اليوم فكل شيء على المكشوف ، فلا رياء ولا رداء ، وقد فضحكم سبحانه بالخزي والعذاب المهين.

٦٠ ـ ٦١ ـ (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ ...) يقول سبحانه لعباده بالعموم ولأهل النار بالخصوص : لقد أعذرت إليكم بما أنذرت وحذرت ، وأقمت الحجج والبراهين بالبصيرة والبصر وبالوحي على لسان الأنبياء والرسل ، فقست قلوبكم ، وأبت الهداية ، فعلى من تقع الملامة؟

٦٢ ـ ٦٤ ـ (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) خلقا كبيرا (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) طريق الهداية والرشاد ، وقد ردد القرآن هذه الجملة : «تعقلون ويعقلون» وكررها عشرات المرات ليؤكد أن العقل هو أصل الأصول لدين الإسلام وعقيدته.

___________________________________

الإعراب : وويلنا منادي أي يا ولينا احضر هذا أوانك. هذا ما وعدنا الرّحمن مبتدأ وخبر والكلام مستأنف. (فِي شُغُلٍ) خبر ان و (فاكِهُونَ) خبر ثان و (هُمْ) مبتدأ (وَأَزْواجُهُمْ) عطف عليه ، و (فِي ظِلالٍ) خبر ، و (مُتَّكِؤُنَ) خبر ثان و (عَلَى الْأَرائِكِ) متعلق به. و (سَلامٌ) بدل من ما يدعون. وقولا منصوب على المصدرية. (أَنْ لا تَعْبُدُوا) أن مفسرة للعهد. وان اعبدوني عطف على أن لا تعبدوا الشيطان.

٥٨٤

٦٥ ـ (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ) بما ضربت وسرقت وكتبت وأشارت (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) بما مشت وسعت. وتسأل : كيف تجمع بين قوله تعالى هنا : نختم على أفواههم» وقوله في الآية ٢٤ من النور : (تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ)؟ وأجيب بأن للعباد غدا مواقف يؤذن لهم بالكلام في بعضها دون بعض. ونعطف على هذا الجواب : أن الله سبحانه يختم على أفواه المجرمين حين شهادة الأيدي والأرجل كما هو الشأن في أصول المحاكمات عندنا ، فإذا انتهت الأعضاء من شهادتها ، أطلق سبحانه الأفواه ، وسأل أربابها : ما ذا تقولون في هذه الشهادة؟ تأكيدا للحجة وإلزامهم بها.

٦٦ ـ (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) الأصل إلى الصراط (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) أي لو أراد سبحانه أن يعاقب المجرمين في الدنيا لأعمى أبصارهم حتى إذا أرادوا السير على الطريق والاهتداء إليه لتعذر ذلك عليهم.

٦٧ ـ (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) وأيضا لو أراد سبحانه أن يعاقبهم في الدنيا لجعلهم أجسادا بلا أرواح ، لا يستطيعون الحركة ذهابا ولا إيابا.

٦٨ ـ (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) الشيخوخة آفة ، تحوّل الإنسان من الإدراك إلى الخرف ، ومن القوة إلى الضعف وقد يصبح كالطفل الرضيع يعجز حتى عن قضاء حاجته الضرورية ، والموت أيسر من هذه الحياة وأفضل ، والغرض من هذه الإشارة أن يبادر الإنسان إلى التوبة والصالحات من الأعمال قبل فوات الأوان.

٦٩ ـ ٧٠ ـ (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) حاول أعداء الله والحق تكذيب محمد (ص) بشتى الوسائل ، منها الرمي بالجنون ، فرد عليهم سبحانه بقوله : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) ـ ٢٢ التكوير» ومنها أنه أخذ القرآن من أعجمي ، فقال لهم ، تقدست كلمته : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) ـ ١٠٣ النحل» ومنها أنه شاعر ، فقال عز من قائل : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) أين الشعر من القرآن؟ فالشعر شعور يختلف ويتنوع تبعا لذات الشاعر وميوله وتربيته ، والقرآن إرشاد وهداية إلى العمل بالعلم ومنطق العقل ، ومصدر لشريعة إنسانية خالدة ، ومقياس للأخلاق الفاضلة ، ومعجزة من السماء أنارت الطريق أمام العرب إلى حضارة عالمية شهدت كل الأمم بأنها النواة التي انطلقت منها أوروبا والغرب إلى التقدم العلمي الحديث.

٧١ ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) وهي الإبل والبقر والغنم ، وكانت من وسائل الإنتاج ومن مقومات الحياة ، وما زال لها أبعد الأثر ، والمراد بالأيدي هنا أيدي الأسباب التي خلقها سبحانه ، وتقدم في الآية ١٤٢ من سورة الأنعام وغيرها.

٧٢ ـ ٧٤ ـ (وَذَلَّلْناها لَهُمْ) تنقاد حتى للطفل الصغير (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ) في الأسفار ، وعليها يحملون الأثقال.

٥٨٥

٧٥ ـ (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) الأصنام لا تنصر من اتخذ منها أربابا ، ومع ذلك يتجند المشركون للذب عنها كل حين ، وهنا مكان الجهالة والغرابة.

٧٦ ـ (فَلا يَحْزُنْكَ) يا محمد (قَوْلُهُمْ) قول المشركين إنك شاعر ومجنون (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) وسوف نعاملهم بما يستحقون.

٧٧ ـ (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) يخاصم ويجادل في البعث ، وهو على علم بأنه من نطفة ثم صار إنسانا في أحسن تقويم ، فلما ذا لا يفهم ويعقل بأن الذي فعل هذا في النشأة الأولى قادر على أن يفعله في النشأة الثانية؟.

٧٨ ـ ٧٩ ـ (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) جاء في التفاسير أن رجلا جاء بعظم بال إلى رسول الله ، فضغط عليه حتى صار ترابا ، وسأله : أيحيي الله هذا؟ فنزلت هذه الآية ، وأيا كان سبب النزول فإن هذه الرواية أوضح من أي تفسير للآية الكريمة.

٨٠ ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) استبعد المشركون فكرة البعث لأن الشيء لا يتولد منه ما هو ضد له كما يعتقدون ، فأقام سبحانه الدليل عليهم بالشجر الأخضر الممتلئ بالماء المضاد للنار علما بأن هذه تتولد من ذاك.

٨١ ـ (أَوَلَيْسَ الَّذِي ...) خلق الكون من لا شيء بقادر أن يخلق مثله ساعة يشاء.

٨٢ ـ (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ذرأ الخلق بكلمة «كن» وبها يعيده ، فالإعادة والبداية لديه تعالى بمنزلة سواء.

٨٣ ـ (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) وإليه ينتهي كل شيء ويجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون

___________________________________

الإعراب : (أَوَّلَ مَرَّةٍ) نصب على الظرفية ، والعامل فيه أنشأها. و (جَعَلَ لَكُمْ) بدل من الذي (أَنْشَأَها). وبلى حرف جواب ، وتختص بالإيجاب ، سواء أكان قبلها مثبتا أو منفيا أي انها تؤكد الإثبات ، وتبطل النفي.

٥٨٦

سورة الصّافات

مكيّة وهي مائة واثنتان وثمانون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ ٣ ـ (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ...) قال أكثر المفسرين : المراد بالصافات الزاجرات التاليات الملائكة ، والله أعلم بما أراد.

٤ ـ (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) تفرد في صفات الجلال والكمال تفردا لا يشاركه فيها غيره.

٥ ـ (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) تشرق الشمس في كل يوم من أيام السنة من مشرق وتغيب في مغرب نتيجة لدوران الأرض حول نفسها مرة كل ٢٤ ساعة ، واكتفى سبحانه بذكر المشارق هنا عن ذكر المغارب للتلازم بينهما.

٦ ـ (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) يذكر سبحانه عباده بأنعمه عليهم ، ومنها أنه جعل الكواكب في سماء دنياهم جمالا بأشكالها وأنوارها ، إضافة إلى الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر.

٧ ـ (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) قال صاحب مجمع البيان : المعنى وحفظناها من دنو كل شيطان للاستماع.

٨ ـ ١٠ ـ (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ...) هذه الآية من المتشابهات عندنا ، وإن تك من الواضحات عند غيرنا ، وفي الخطبة ٨٩ من خطب النهج حدد الإمام (ع) الراسخين بالعلم أنهم الذين يقرون «بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب».

١١ ـ (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) شديد يلصق بالحجر ونحوه يقول سبحانه لنبيه الكريم : سل الذين ينكرون البعث : أيهما أعظم؟ إحياؤهم بعد الموت أم إيجاد هذا الكون بعجائبه؟ وما من شك أن خلق الكون أعظم ، وإذن كيف أنكروا البعث ، وناقضوا أنفسهم بأنفسهم؟

___________________________________

الإعراب : (وَالصَّافَّاتِ) الواو للقسم. و (صَفًّا) مفعول مطلق ومثله (زَجْراً) ، أما ذكرا فمفعول به. و (رَبُّ السَّماواتِ) بدل من واحد. والدنيا صفة للسماء. و (حِفْظاً) مفعول مطلق لفعل محذوف أي وحفظناها حفظا. ودحورا مصدر في موضع الحال أي مدحورين وصاحب الحال الواو في يقذفون. ومن خطف «من» في محل رفع بدلا من واو لا يسمعون أو في محل نصب على الاستثناء.

٥٨٧

١٢ ـ (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) أنت تعجب من كفرهم بالبعث وهم يعجبون من إيمانك به ، بل ويسخرون منك ومنه.

١٣ ـ ١٤ ـ (وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) لا شيء لديهم إلا الاسترسال مع الغرور والإصرار على الجهل ، ولا جدوى من وعظهم وإرشادهم ولا من إيراد البينات والدلائل.

١٥ ـ (وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) هذا القرآن أو هذا المنهج الكامل لحياة الإنسان سحر! ولا كلام بعد هذا الكلام.

١٦ ـ ١٧ ـ (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ...) كيف يبعث من عفت القرون آثاره ، وأصبح أشلاء وهباء.

١٨ ـ (قُلْ) يا محمد لهؤلاء : (نَعَمْ) ستبعثون (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) صاغرون.

١٩ ـ (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) دعوة أو صيحة واحدة (فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) العذاب الذي كانوا به يكذبون.

٢٠ ـ (وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) أي الجزاء على الأعمال.

٢١ ـ (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) هذه الآية من كلام الله تعالى أو من ملائكته والخطاب للمكذبين والمراد بالفصل تمييز الحق عن الباطل.

٢٢ ـ ٢٣ ـ (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) المراد بالأزواج هنا الأشباه والنظائر ، والمعنى يحشر غدا المشرك مع المشرك ومعبوده في مكان واحد من أمكنة جهنم ، والسارق مع السارق ، وهكذا كل شكل مع شكله قرين وضجيع.

٢٤ ـ (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) كلنا مسؤولون حتى عن النظرة والكلمة وسماعها والقصد بها كما في الآية ٣٦ من الإسراء.

٢٥ ـ ٢٦ ـ (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) أي تتناصرون أيها المجرمون وكنتم في الدنيا متحابين متضامنين ، والغرض من هذا التقريع والتوبيخ.

٢٧ ـ (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) يتلاوم المجرمون حين يرون العذاب ، ويقول الضعفاء للرؤساء :

٢٨ ـ (قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) أي حببتم إلينا الكفر بما نراه خيرا وهو في واقعه شر ، وكانت العرب تتفاءل بما يأتي من جهة اليمين.

٢٩ ـ (قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ما حببنا الكفر

٥٨٨

إليكم ، بل قلوبكم كانت تنكر الإيمان وتنفر منه.

٣٠ ـ (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) ما كنا نملك أية حجة أو قوة تصدكم عن الإيمان بصدق وإخلاص (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) مجرمين ، ولذا تركتم الحق إلى الباطل.

٣١ ـ ٣٢ ـ (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ ، فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) دعوناكم للكفر بلا إكراه فاستجبتم ، فنحن وأنتم في الجريمة سواء ، فلا لوم لكم علينا ولا لوم لنا عليكم. وتقدم في الآية ٢٥ من العنكبوت وغيرها.

٣٣ ـ ٣٤ ـ (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) لكل من التابع والمتبوع سعيه وجزاؤه العادل من العذاب.

٣٥ ـ (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ) قولوا : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) عن النطق بالحق وإعلانه ، ويرون ذلك سفها وحمقا.

٣٦ ـ (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) وما من شك أن المجنون خير وأفضل عند الله والعقلاء ممن وصف سيد الكونين الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور ـ بالجنون.

٣٧ ـ (بَلْ جاءَ بِالْحَقِ) في كل ما أخبر به عن الله (وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) من قبله ، لأن المرسل واحد وهو الله ، والرسالة

واحدة وهي هدى البشر وإسعاده وبث روح الفضيلة بين أفراده.

٣٨ ـ ٣٩ ـ (إِنَّكُمْ) أيها المجرمون (لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ) جزاء بما كنتم تعملون.

٤٠ ـ ٤١ ـ (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) هذا على طريقة القرآن الكريم ، يذكر عقاب المجرمين ، ويعقب بثواب الطيبين وهو :

٤٢ ـ (فَواكِهُ) مما يشتهون (وَهُمْ مُكْرَمُونَ) يشعرون بالرعاية والعناية بهم.

٤٣ ـ ٤٤ ـ (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) يتلاطفون ويتآنسون.

٤٥ ـ (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) يحمل الولدان إليهم كؤوسا لا تنقطع ولا تفرغ من ألوان الشراب.

٤٦ ـ (بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) مشرقة اللون طيبة الطعم.

٤٧ ـ (لا فِيها غَوْلٌ) لا صداع من شرابها ولا

___________________________________

الإعراب : جملة (إِنَّا لَذائِقُونَ) مفعول القول. ومفعول ذائقون محذوف أي العذاب. إلا ما كنتم تعملون «الا» أداة حصر. والا عباد الله المخلصين استثناء منقطع من ذائقو العذاب ، وما بين المستثنى والمستثنى منه اعتراض. فواكه بدل من رزق. على سرر متعلق بمتقابلين ومتقابلين حال من «مكرمون». وبيضاء صفة للكأس.

٥٨٩

أوجاع (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) لا شرابها يفني ولا بصيرتهم تعمى.

٤٨ ـ (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ) عفيفات جميلات واسعات العيون.

٤٩ ـ (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) صيانة وصفاء.

٥٠ ـ (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) يتحدث غدا أهل الجنة عما كانوا يعانون في الحياة الدنيا.

٥١ ـ ٥٣ ـ (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ ...) كان لي في الدنيا صاحب يسألني ساخرا : كيف تؤمن بالبعث وهو ضلالة وخرافة؟ ثم أردف حديثه عن صاحبه في الدنيا وقال لإخوانه في الجنة :

٥٤ ـ (قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) إلى النار لأريكم مصير هذا الكافر الساخر؟

٥٥ ـ (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) في وسطها.

٥٦ ـ (قالَ) له موبخا : (تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) تهلكني لو أطعتك ، ولكن الله لطف وسلم.

٥٧ ـ (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) معك في العذاب الأليم.

٥٨ ـ ٥٩ ـ (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) ما زال الكلام للمؤمن المتحدث عن قرينه ، ومعناه انتهينا من الموت وسكراته والحساب وآفاته ، ونحن اليوم وإلى آخر يوم في أمن وأمان من الخوف والفزع.

٦٠ ـ (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) بالأمن من كل غائلة ونازلة.

٦١ ـ (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) لا للذة تفنى ولنعيم لا يبقى.

٦٢ ـ (أَذلِكَ) إشارة إلى نعيم الجنة (خَيْرٌ نُزُلاً) ما يهيّأ للضيف النازل (أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) ونعرفها بالوصف في قوله تعالى :

٦٣ ـ (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) المراد بالفتنة هنا العذاب ، وبالظالمين الآثمين كما في الآية ٤٤ من الدخان : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ).

٦٤ ـ (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) هذه هي أرضها ومنبتها ، وفي الخطبة ١٥٢ من خطب النهج : «وما خبث سقيه خبث غرسه وأمرت ثمرته».

___________________________________

الإعراب : وعندهم خبر لمبتدأ محذوف أي حور. وقاصرات الطرف صفة للحور ، وعين صفة ثانية. ومكنون صفة للبيض. ان كدت «ان» مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي انك. و (لَتُرْدِينِ) اللام هي الفارقة بين المخففة والنافية ، وتردين أصلها ترديني. ونعمة ربي مبتدأ والخبر محذوف أي كائنة. ونزلا تمييز.

٥٩٠

٦٥ ـ ٦٦ ـ (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) الطلع : الحمل ، ورؤوس الشياطين : مبالغة في القبح والشناعة.

٦٧ ـ (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) الشوب : الخلط والمزج ، والحميم : الحار ، والمعنى يأكلون جحيما ، ويشربون سموما ، وبعد أن ذكر سبحانه طعامهم وشرابهم أشار إلى مقرهم الدائم والأخير بقوله :

٦٨ ـ (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) تتوهج وتتأجج :

٦٩ ـ (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ) فاتبعوهم على الجهالة والعمى.

٧٠ ـ (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) يسرعون بلا وعي وروية ، وما زالت الإنسانية تعاني من وباء التقليد بشتى أنواعه ، والعاقل الواعي يشك في كل شيء حتى يثبت بالعلم أنه حق أو باطل ، خير أو شر.

٧١ ـ ٧٢ ـ (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) السابقين لعهد محمد (ص) ثم أشرقت برسالته شمس العلم والهداية إلى الخير ، ثم كان الذي نراه اليوم في أمته.

٧٣ ـ ٧٤ ـ (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) من الخزي والهوان ، والتمزيق والتفريق.

٧٥ ـ (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) لندائه ودعائه.

٧٦ ـ (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) من قومه الذين كذبوه وآذوه.

٧٧ ـ (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) كل الناس بعد الطوفان من نسل أولاد نوح الثلاثة : سام ومن نسله العرب والآراميون والآشوريون واليهود ، ويافث ومن ذريته الذين سكنوا الجبال الغربية من جنوبي بحر قزوين والبحر الأسود حتى شواطئ وجزائر البحر المتوسط ، وحام ومن نسله السود ، كما في تفسير الطبري وقاموس الكتاب المقدس.

٧٨ ـ ٨٢ ـ (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) أبقى سبحانه لنوح الذكر الجميل مدى الحياة ، وتقدمت قصة نوح في العديد من الآيات منها الآية ٢٥ ـ ٤٨ من هود.

___________________________________

الإعراب : (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) اللام في جواب قسم محذوف وجملة نعم خبر لمبتدأ محذوف أي نحن. وأهل مفعول معه. وهم الباقين «هم» ضمير فصل لا محل له من الإعراب.

٥٩١

٨٣ ـ (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) كان إبراهيم الخليل (ع) على سنة نوح (ع) قولا وعملا.

٨٤ ـ (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) من كل ما يشين.

٨٥ ـ (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ) أنكر عليهم عبادة الأصنام.

٨٦ ـ (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) أتطلبون الزور والباطل بالتعبد لغير الله.

٨٧ ـ (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي شيء تظنون بالله أن يفعل بكم إذا لاقيتموه غدا؟

٨٨ ـ (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) يوهم قومه أنه يبحث عن رب العالمين كما في الآية ٧٦ من الأنعام.

٨٩ ـ (فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) للمفسرين أقوال في معنى السقيم هنا ، وأرجحها للاعتبار أنه في شك وحيرة من أجل قومه وهدايتهم.

٩٠ ـ (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) غير صاغرين إليه ولا مكترثين.

٩١ ـ (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) مال إليها (فَقالَ) للأصنام (أَلا تَأْكُلُونَ) من هذا الطعام الموضوع بين أيديكم.

٩٢ ـ (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) قال هذا احتقارا للأصنام واحتجاجا على من يعبدها.

٩٣ ـ (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) مال على الأصنام تدميرا وتحطيما.

٩٤ ـ (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) أسرع إليه قومه ، وأنكروا عليه ما فعل بآلهتهم.

٩٥ ـ ٩٦ ـ (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) بأيديكم وتحرسونها من الاعتداء ، لعجزها أن تدافع عن نفسها ، فكيف تكون آلهة؟

٩٧ ـ (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً) أتونا : واملأوه وقودا ، وألقوه فيه.

٩٨ ـ (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) الإحراق بالنار (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) المغلوبين حيث جعل سبحانه النار بردا وسلاما على إبراهيم ، وتقدم في الآية ٥١ ـ ٧٠ من الأنبياء.

٩٩ ـ (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) بعد ما نصره الله على قومه فارقهم وسأل الله أن يشمله بتوفيقه وعنايته.

١٠٠ ـ (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) بلغ إبراهيم (ع) من الكبر عتيا ، ولم يرزق ولدا ، فسأل ربه ذرية مؤمنة صالحة.

١٠١ ـ (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) وهو إسماعيل.

١٠٢ ـ (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) لما كبر إسماعيل وترعرع ، واستطاع أن يساعد أباه في عمله (قالَ) إبراهيم

٥٩٢

لإسماعيل : (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) عزم إبراهيم من غير تردد أن يحقق رؤياه بالفعل ، لأن النبي لا يرى رؤيا إلا وهي وحي من عليم حكيم ، وأخبر ولده إسماعيل بعزمه ، وطلب منه أن يبدي رأيه في ذلك بعد النظر والتأمل (قالَ) إسماعيل : (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) هذا هو سبيل المؤمنين حقا وصدقا : امض على أمر الله بصبر وشجاعة حتى ولو كان أمرا بالذبح بلا تحريف وتأويل واعتذار وتعليل ، وقال سيد الشهداء الحسين (ع) حين ذهب للاستشهاد : أمضي على دين النبي ، وقال ولده الشهيد عليّ الأكبر (ع) : لا نبالي بالموت ما دمنا على الحق ، وكل أئمتنا الأطهار ازدروا الدنيا واستهانوا بالحياة طاعة لأمر الله تعالى ، ومن أجل هذا ندين لهم بالولاء ، لا من أجل النصوص وكفى.

١٠٣ ـ (فَلَمَّا أَسْلَما) استسلم إبراهيم وإسماعيل وانقادا لأمر الله (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) صرعه بالأرض ، فوقع على أحد جنبيه.

١٠٤ ـ ١٠٦ ـ (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) جواب لما محذوف ، وتقديره كما في جوامع الجامع : «كان ما كان مما لا يحيط به الوصف من شكرهما لله على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم».

١٠٧ ـ (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) المراد بالذبح المذبوح والمشهور أنه كبش ، وطريف قول بعض المفسرين : انه كان أملح ، ورعى في الجنة أربعين خريفا.

١٠٨ ـ ١١١ ـ (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) ... (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) تقدم هذا النص في الآية ٧٨ وما بعدها من هذه السورة.

١١٢ ـ ١١٣ ـ (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) جزاء لإقدامه على ذبح ولده الوحيد إسماعيل آنذاك ، وفي الإسرائيليات أن الذبيح المفدي هو إسحاق أبو الإسرائيليين ، وصدقهم بعض الشذاذ ، والشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذ من الغنم للذئب كما قال الإمام أمير المؤمنين (ع). وجاء في الحديث عن الرسول الأعظم (ص) أنه قال : أنا ابن الذبيحين أي إسماعيل وعبد الله بن عبد المطلب. أنظر ما قلنا حول هذا الموضوع في التفسير الكاشف ج ٦ ص ٣٥١ ، وتقدمت قصة إبراهيم مرارا ، منها في الآية ٥١ ـ ٧٣ من الأنبياء.

١١٤ ـ ١٢٢ ـ (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ ...) أنعم سبحانه عليهما بالنبوة والنجاة من العدو الألد والإنتصار عليه وهو فرعون وقومه الذي كان يقتل الأبناء ويستحيي النساء ، عظمت حكمته ، وأبقى لهما الذكر الجميل والثناء العاطر ، وفوق ذلك أنزل على موسى التوراة ، وفيها أحكام الله الواضحات ، وتقدمت قصة موسى مرات ، منها في الآية ١٠٣ ـ ١٥٦ ـ من الأعراف.

٥٩٣

١٢٣ ـ (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) قال المفسرون : هو واحد من أنبياء بني إسرائيل ، وينتهي نسبه إلى هرون.

١٢٤ ـ (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ) الله ، وتخافونه في عبادة سواه.

١٢٥ ـ ١٢٦ ـ (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) اسم صنم ، وفي تفسير ابن كثير : كان لأهل بعلبك صنم يعبدونه اسمه بعل (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) أي من يستحق العبادة وحده لا شريك له.

١٢٧ ـ ١٢٨ ـ (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) للحساب والعذاب.

١٢٩ ـ (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) ذكرا طيبا.

١٣٠ ـ (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) في الجزء الثاني من كتاب فضائل الخمسة ص ٦٧ : جاء في الدر المنثور للسيوطي : أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) نحن آل محمد (ص) آل ياسين».

١٣١ ـ ١٣٥ ـ (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ...) إلى قومه ، فكذبوه فنجاه الله سبحانه من الهلاك الذي نزل بهم إلا امرأته.

١٣٦ ـ (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) من قوم لوط بعد نجاة من آمن منهم.

اللغة : الغابرين اي الباقين مع الذين كفروا ، وأيضا تأتي كلمة غبر بمعنى ذهب. ومصبحين داخلين في الصباح. وابق فرّ. وساهم أقرع من القرعة. والمدحضين المغلوبين. ومليم فعل ما يستحق عليه اللوم والعتاب. والعراء المكان الخالي. المبين ٥٩٤.

___________________________________

الإعراب : (اللهَ) و (رَبَّكُمْ) بدل من (أَحْسَنَ الْخالِقِينَ).

٥٩٤

١٣٧ ـ ١٣٨ ـ (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ ...) على ديار قوم لوط ليلا ونهارا ، وترون آثار الهلاك ، فاتعظوا واعتبروا وتقدمت قصة لوط مرارا منها في الآية ٨٠ ـ ٨٤ من الأعراف.

١٣٩ ـ (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) إلى قومه فكذبوه.

١٤٠ ـ (إِذْ أَبَقَ) فر (إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) بالناس والأمتعة.

١٤١ ـ (فَساهَمَ) قارع (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) المغلوبين ، لعبت الأمواج بالسفينة ، ولكي تخف بمن فيها اقترعوا فوقعت القرعة على يونس.

١٤٢ ـ (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) بخروجه مغاضبا قومه.

١٤٣ ـ (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) مكررا ومرددا : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

١٤٤ ـ (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) هذه الآية نص قاطع على أن الدعاء يرد البلاء والقضاء بعد إبرامه ، ولكن بشرطين : أول أن يكون الداعي من الأنبياء والأتقياء.

الثاني أن تغلق دونه أبواب الحركة والعمل وتنقطع أسبابه بالكامل تماما كما انقطعت وأغلقت دون يونس الذي استغاث وهو غارق في ظلمة البحر والليل وبطن الحوت ، ولا مغيث على الإطلاق إلا الله.

١٤٥ ـ (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) استجاب سبحانه لدعاء يونس ، وألقاه على اليابسة ضعيفا كالفرخ بلا ريش.

١٤٦ ـ (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) يستظل بها.

١٤٧ ـ (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) أي بل يزيد عددهم عن المائة ألف ، فأعرضوا في البداية ثم.

١٤٨ ـ (فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) إلى أن وافاهم الأجل المحتوم ، وتقدمت الإشارة إلى قصة يونس في الآية ٨٧ وما بعدها من الأنبياء.

١٤٩ ـ (فَاسْتَفْتِهِمْ) يا محمد (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) زعم بعض العرب أن الملائكة بنات الله ، ولأنفسهم الذكور.

١٥٠ ـ (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) من أين جاءهم هذا العلم؟ هل من أحد منهم رأى الله سبحانه حين خلق الملائكة؟

١٥١ ـ ١٥٣ ـ (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ ...) كذب الظانون بأن لله ولدا تعالى عن ذلك وتقدس (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) ولما ذا الإناث دون الذكور؟ أليصاهر بهن؟

١٥٤ ـ (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) وتقولون ما لا تعقلون.

١٥٥ ـ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) وتخافون أن يكون قولكم هذا رجما بالغيب.

١٥٦ ـ ١٥٧ ـ (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) حجة ودليل.

٥٩٥

١٥٨ ـ (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) جاء في الأساطير : أنه تعالى علوا كبيرا ، خطب إلى سادات الجن ، فزوجوه من أحسن بناتهم ، فولدن له الملائكة! ويقول المعري : كذب الناس على أنفسهم ، وعلى بعضهم ، وعلى الجن والملائكة ، وعلى الكون ومن فيه وما فيه ، ثم على خالق الكون.

١٥٩ ـ ١٦٠ ـ (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) وينسبون إليه ما يجهلون.

١٦١ ـ (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) ما اسم موصول ومحلها النصب عطفا على اسم إن.

١٦٢ ـ (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ) ما نافية ، وبفاتنين الباء زائدة ، والمراد بالفتنة هنا التضليل والإفساد.

١٦٣ ـ (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) والمعنى أنكم أيها المجرمون أنتم وكل ما تعبدون وما تدبرون ـ أعجز وأحقر أن تفسدوا وتضللوا أحدا من الناس إلا من هو مثلكم من الفجار وأهل النار.

١٦٤ ـ (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) هذا من كلام الملائكة يردون به على من قال : لله بنات من الملائكة ، والمعنى نحن عباد الرّحمن ، ولكل منا حده وعمله لا يتجاوزه ويتعداه.

١٦٥ ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) الواقفون صفوفا للعبودية والطاعة.

١٦٦ ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) بحمد الله وعظمته.

١٦٧ ـ ١٦٩ ـ (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) عاد الكلام عن المشركين ، وهذا القول قولهم ، وخلاصته أنهم كانوا قبل محمد (ص) يقولون : لو جاءنا رسول من عند الله لآمنا به ، وأخلصنا لله وله ، ولما جاءهم الرسول ، وهو محمد (ص) كفروا به وأعلنوا عليه الحرب ، وإلى هذا أشار سبحانه بقوله :

١٧٠ ـ (فَكَفَرُوا بِهِ) أي برسول الله محمد ، أما قوله سبحانه : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) فهو تهديد ووعيد ، وتقدم في الآية ٤٢ من فاطر.

١٧١ ـ ١٧٢ ـ (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) ينصر سبحانه أنبياءه ورسله بالحجة الكافية والبينات الواضحة على نبوتهم ورسالتهم وإلا كانت الحجة عليهم لا لهم.

١٧٣ ـ (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) الآية السابقة تختص بالمرسلين في صريح العبارة كما أشرنا ، أما هذه فتعم وتشمل كل من أطاع الله في قوله : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ـ ٤٦ الأنفال ... وتعاونوا على البر والتقوى ـ ٢ المائدة ... وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ـ ٦٠ الأنفال».

١٧٤ ـ (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) أعرض يا محمد عن المجرمين ، واصبر على أذاهم إلى أمد معلوم عندنا ، فسيجعل الله العاقبة لك عليهم والظفر بهم لا محالة.

١٧٥ ـ (وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) انتظر ما سوف تراه من النصر ، ويراه أعداؤك من الخزي وسوء العذاب

٥٩٦

١٧٦ ـ (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) هذا جواب عن قولهم : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا).

١٧٧ ـ (فَإِذا نَزَلَ) العذاب (بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) إن صباح اليوم الذي ينتقم الله منهم هو بئس الصباح ، ومساءهم شر مساء.

١٧٨ ـ ١٧٩ ـ (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ ...) هذا توكيد لما تقدم من الوعيد ، وأنه لا مفر منه ولا محيد.

١٨٠ ـ (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) هي له وحده إلا أن يرفع الذين آمنوا وعملوا الصالحات بلا عجب وغرور بإيمانهم وأعمالهم (عَمَّا يَصِفُونَ) بما لا يليق بعزته وجلاله.

١٨١ ـ (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) وسيدهم محمد وآله الطاهرين.

١٨٢ ـ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)

سورة ص

مكيّة وهي ثمان وثمانون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (ص) تقدم في أول البقرة (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) أقسم سبحانه بالقرآن ، وجواب القسم محذوف أي أنه الحق ، وللذكر معان ، والمراد به هنا الهداية إلى الطريق لحياة أفضل ، والدليل هو إرادة هذا المعنى قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) ـ ٩ الإسراء» وغير ذلك من الآيات.

٢ ـ (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) المراد بالعزة هنا الحمية الجاهلية والتعصب الأعمى لدين الآباء ، والشقاق : المعاندة والمكابرة للحق ، ولا سبب وراء ذلك لكفرهم.

٣ ـ (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) هذا إخبار يتضمن التهديد لمن كفر وكذب بنبوة محمد (ص) ومعناه أتكفرون وتكذبون محمدا ، ولا تخشون أن ينتقم الله منكم كما انتقم من الأمم الماضية التي كذبت الرسل (فَنادَوْا) حين رأوا العذاب : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) لا مفر ولا نجاة.

٤ ـ ٥ ـ (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) محمد (ص) من قريش فكيف يكون له الفضل عليهم؟ تماما كما لو قال المريض للطبيب : كيف أقبل منك النصح وأنا

___________________________________

الإعراب : (وَالْقُرْآنِ) قسم وجوابه محذوف أي انه الحق أو لقد جاء الحق. وكم في محل نصب ب (أَهْلَكْنا). (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) «لا» نافية تعمل عمل ليس والتاء زائدة مثلها في ربت وثمت ، واسم لا محذوف وحين مناص خبرها أي لات الحين حين مناص ، ولا تدخل لات إلا على زمان.

٥٩٧

وأنت من ولد آدم! (وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) ولما ذا هو ساحر كذاب؟ أبدا لا لشيء إلا أنه جعل (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) تلقوا الشرك أبا عن جد ، وجرى منهم مجرى الروح والدم ، وهذا التقليد والتعصب هو السبب الموجب لكفر من كفر بمحمد والإسلام من قبل ومن بعد وإلا فهو دين العقل والإنسانية والحياة بشهادة العديد من العلماء المنصفين في كل عصر ، ونقلنا فيما سبق أمثلة من أقوالهم.

٦ ـ ٧ ـ (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) وهم رؤساء المشركين ، وقالوا للأتباع المستضعفين : (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا) مستمرين (عَلى) عبادة (آلِهَتِكُمْ) ولا تصغوا لقول محمد (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) لا أساس له على الإطلاق.

٨ ـ (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) وأي عاقل يصدق أن يختار الله محمدا لرسالته ، وهو لا يملك شيئا من المال؟ (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) لا حجة لمن أنكر نبوة محمد إلا الجهل بالله وأنه الواحد الأحد (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) فإذا رأوه زال عنهم الجهل والشك.

٩ ـ (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) قالوا : الله لا يخص محمدا بالنبوة من دوننا ، فأجابهم سبحانه : هل خزائن الخيرات بيدكم أم بيده ، يعطي منها ما يريد لمن يريد؟

١٠ ـ (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من أنتم؟

وما ذا تملكون؟ حتى تهبوا النبوة لمن تشاءون (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) إن كان لهم الملك فليجلسوا على العرش ، ويدبروا الكون ، وينزلوا الوحي على من يشاءون.

١١ ـ (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) ستدور دائرة السوء على جنود الشر وأحزاب الضلال لا محالة.

١٢ ـ ١٤ ـ (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ...) أي قبل قريش الذين كذبوا محمدا ، والله سبحانه ينذرهم بعذاب الأمم الماضية إذا أصروا على موقفهم من رسول الله (ص) وتقدم الكلام أكثر من مرة عن نوح وهود وصالح ولوط وموسى وأصحاب الأيكة قوم شعيب.

١٥ ـ (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ) الذين كذبوا محمدا (إِلَّا

___________________________________

الإعراب : والمصدر من أن جاءهم مجرور بمن محذوفة أي عجبوا من مجيئهم منذر. ان امشوا «ان» مفسرة لقول محذوف ، والمعنى وانطلق الملأ منهم بقول هو امشوا. ولما أداة جزم. وعذاب أي عذابي. وجند مبتدأ وخبره مهزوم. وهنا لك ظرف مكان يشار به للبعيد والعامل به مهزوم. (أُولئِكَ) مبتدأ و (الْأَحْزابُ) عطف بيان ، وان نافية وكل مبتدأ ثان و (كَذَّبَ) خبر ، والجملة خبر المبتدأ الأول والعائد محذوف أي منهم. و (عِقابِ) أي عقابي.

٥٩٨

صَيْحَةً واحِدَةً) تأتيهم بغتة (ما لَها مِنْ فَواقٍ) لا رجوع بعدها إلى الحياة الدنيا.

١٦ ـ (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) المراد بالقط هنا النصيب من العذاب ، والمعنى لما ذا تهدد بالعذاب غدا ، ولا تأتي به الآن ، إن كنت عليه مقتدرا ، وهذه هي الحجة لكل جاحد وجاهل باليوم الآخر. الجواب إن الله سبحانه يريد الإيمان والخير من عباده بالرضا لا بالعصا ، ليميز الخبيث من الطيب وإنهما لا يستويان.

١٧ ـ (اصْبِرْ) يا محمد (عَلى ما يَقُولُونَ) من بهتان ، ويضمرون من أضغان ، فلكل امرئ عاقبة عمله (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) أي ذا قوة على طاعة الله (إِنَّهُ أَوَّابٌ) يرجع في أموره كلها لله.

١٨ ـ ٢٠ ـ (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ ...) تقدم في الآية ٧٩ من الأنبياء و ١٠ من سبأ.

٢١ ـ ٢٢ ـ (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) المدعي (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ) في ذات يوم كان داود في محرابه منقطعا إلى عبادة ربه ، وإذا باثنين أمامه ، فراعته هذه المفاجأة ، وفوق ذلك دخولهما من أعلى الحائط (قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ) لا بأس عليك منا ، جئنا للتقاضي عندك ، فاحكم بحكم الله (وَلا تُشْطِطْ) لا تتجاوز الحد وطريق العدل.

٢٣ ـ (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) أنثى الضأن (وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها) أعطنيها (وَعَزَّنِي) غلبني (فِي الْخِطابِ) في الكلام.

٢٤ ـ ٢٥ ـ (قالَ) داود : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) قال هذا قبل أن يطلب البينة من المدعي ، ويستوجب المدعي عليه (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) الشركاء

___________________________________

الإعراب : وداود بدل من عبدنا. وذا الأيد صفة. والطير عطف على الجبال. ومحشورة حال من الطير. (إِذْ دَخَلُوا) بدل من (إِذْ تَسَوَّرُوا خَصْمانِ) خبر لمبتدأ محذوف أي نحن خصمان. (لَقَدْ ظَلَمَكَ) اللام في جواب قسم محذوف.

٥٩٩

الأقوياء (لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) فيأخذ الشريك الأقوى سهمه وزيادة (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) القوة على الحق إن تكن في أيدي الأشرار ، وللحق إن ملكها الأخيار ، ولكن أين هم؟ وقد تجد واحدا منهم ، ولكن في زوايا الحرمان والنسيان (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) ابتليناه (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) بعد ما حكم داود لأحد الخصمين فطن وتنبه إلى أنه حكم له قبل أن يدلي الخصم الآخر بحجته ، فندم وطلب العفو من الله ، فغفر له ، لأنه غير قاصد وعامد.

٢٦ ـ (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) كل راشد عاقل هو خليفة الله في أرضه ، بمعنى أنه مسؤول أمام الله ومجتمعه عن العمل الذي يحدد نوعه ومداه ما يملك من طاقة ومؤهلات ، وروى الكليني في أصول الكافي عن الإمام الصادق (ع) : إن الله يحتج على الناس بما آتاهم وعرفهم ... ويوم القيامة يضرب الفقراء باب الجنة. فيقال لهم : من أنتم؟ فيقولون : نحن الفقراء. فيقال : كيف تأتون قبل الحساب؟ فيقول الفقراء : ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا عليه. فيقول الله : صدقوا ، ادخلوا الجنة (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ...) على كل عالم أن يقضي ويفتي بالحق وإلا شمله الحساب الدقيق العسير والعذاب الشديد الأليم ، ولا فرق بين حاكم وآخر سوى ان تبعات الأنبياء والأوصياء تقدر بمكانتهم وبمنزلتهم.

٢٧ ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) لا كريم بلا بذل وعطاء ، ولا قادر بلا مقدور عليه ، ولا خالق بلا خلق وإيجاد وإلا تعطلت الصفات وكان وجودها وعدمها. بمنزلة سواء ، ومن الحكم البالغة لوجود الكون بنظامه وأحكامه أنه الأسلوب الوحيد للكشف عن وجود الله سبحانه وقدرته وعلمه وحكمته ، وتقدم في الآية ١٩١ من آل عمران و ١١٥ من المؤمنين؟ (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ذلك إشارة إلى زعم الماديين بأن الكون وجد صدفة وبلا حكمة وقصد ، وهذه شنشنة الذين لا يؤمنون إلا بما تراه العيون ، أما العقل فهو خادم للعيون وأداة لها.

٢٨ ـ (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ ...) أبدا لا يستقيم مع العدل الإلهي أن يستوي مصير المؤمن والكافر والبار والفاجر. وفي أحكام القرآن للقاضي المالكي أبي بكر المعروف بابن العربي : أن هذه الآية نزلت في بني هاشم المتقين وفي المفسدين الفجار من بني عبد شمس.

٢٩ ـ (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) يا محمد (مُبارَكٌ) على من تدبره وظهر أثره في أخلاقه وأعماله وإلا فكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه

___________________________________

الإعراب : (إِلَّا الَّذِينَ) استثناء من بعضهم. وقليل خبر مقدم و «ما» زائدة وهم مبتدأ. وراكعا حال. وأنما فتناه الأصل أننا فتناه و «ما» كافة. وذلك مفعول غفرنا.

٦٠٠