التفسير المبين

محمّد جواد مغنية

التفسير المبين

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-465-000-X
الصفحات: ٨٣٠

٢٠ ـ (قالَ) موسى لفرعون : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أي الجاهلين بأن وكزتي تؤدي إلى القتل ، لأني قصدت بها الردع والتأديب فأخطأت القصد ... وبالمناسبة نشير إلى أن العمد ركن من أركان الجناية عند أهل التشريع.

٢١ ـ (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) ما فررت من العدالة بل من الظلم (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) أي علما بدينه وأحكامه (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) حيث وجدني أهلا لرسالته ، ذكّره فرعون بالفقر والتشريد فقال له موسى : تقاس الكرامة والفضيلة بالعلم والعمل الصالح لا بالجاه والمال.

٢٢ ـ (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أتمن عليّ يا فرعون بالتربية وليدا ، وتنسى أنك أنت السبب الموجب لوصولي إليك حيث كنت تذبح أبناء بني إسرائيل ، وتستعبد الكبار أرقاء لك؟ وأي وزن لتربيتي بالنسبة إلى ما فعلت وأسأت؟

٢٣ ـ (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) زعمت يا موسى أنك رسول رب العالمين ، فمن هو هذا الذي زعمت؟ وما هو جنسه وفصله؟

٢٤ ـ (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أجاب موسى بأن الله لا يعرف بالذات بل بالآثار والأفعال ، والكون بمن فيه وما فيه من صنعه وإبداعه وحده لا شريك له (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) إن كان لكم عقول تدرك الحق وتؤمن به.

٢٥ ـ (قالَ) فرعون (لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) ألا تعجبون من هذا؟ يزعم أن غيري خلق الكون وأنا موجود؟ ... ولا تعجب أيها القارئ من هذا العجب ، فكم واحد يقول : أنا ربكم الأعلى إذا وجد من يسمع له ويقبل منه إلا من شذ كما أشار سبحانه في الآية ٥٤ من الزخرف (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ) ٢٦ ـ (قالَ) موسى الله (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) الذين خلقوا ووجدوا قبل أن يخلق فرعون ويوجد ، فهل خلقهم وهو عدم في عدم! ٢٧ ـ (قالَ) فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) تماما كما يقول اليوم حكام البغي والضلال للحر الأمين : أنت مخرب وهدام ، ولا فرق إلا في الشكل والكلام.

٢٨ ـ (قالَ) موسى مصرّا ومؤكّدا : الله (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ذكر موسى شروق الشمس وغروبها حيث لا يجرأ فرعون أن يقول : أنا الذي أسيرها من المشرق إلى المغرب. ولذا بهت وأفحم تماما كما بهت نمرود حين تحداه إبراهيم الخليل (ع) بقوله : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) ـ ٢٥٨ البقرة».

٢٩ ـ (قالَ) فرعون لموسى : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) لما انقطعت حجة فرعون أخذ يهدد بسلاح الجور والاعتساف ... ولكن هذا سلاح لا تراه الأعين. وأقواه وأمضاه على الإطلاق الصمود والإخلاص مهما كانت النتائج وتكون ٣٠ ـ (قالَ) موسى مخاطبا فرعون : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ) أتجعلني من المسجونين حتى ولو أتيتك بالدليل القاطع على نبوتي ٣١ ـ ٣٣ ـ (قالَ فَأْتِ بِهِ) أرنا دليلك ، فتحولت العصا إلى ثعبان واليد السمراء إلى كهرباء ، فأصر فرعون على التكذيب.

٤٨١

٣٤ ـ ٣٧ ـ (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) عجيب السحر ، بارع فيه؟.

٣٨ ـ (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ...) هو يوم العيد بنص الآية ٥٩ من طه.

٣٩ ـ (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) لتشهدوا هذه المباراة.

٤٠ ـ (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) أي لعلنا نغلب موسى ولو بالتدجيل والتهويل.

٤١ ـ ٤٥ ـ (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ) ساوموا فرعون فوعدهم بأكثر مما طلبوا ورغبوا ، فألقوا ما عندهم ، وألقى موسى العصا.

٤٦ ـ ٤٩ ـ (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) مؤمنين برب العالمين ، فثارت ثائرة فرعون وازداد عتوا وعنادا ، وشرع يبرق اشارة : جاء في الآية ١٠٩ من سورة الاعراف (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) وجاء هنا في الآية ٣٤ من سورة الشعراء (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) والفرق كبير بين المعيين ـ كما يبدو ـ لأن آية الاعراف نسبت هذا القول الى جماعة فرعون ، لا إلى فرعون ، وآية الشعراء نسبته الى فرعون بالذات ، لا الى جماعته ، فما هو وجه الجمع؟. وما وجدت أية إشارة الى ذلك فيما لدي من التفاسير والمصادر ، ولا أدري ما هو السبب .. وأيا كان فالذي أراه في الجواب ان فرعون هو الذي ابتدأ وقال لجماعته : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ). ثم أخذ جماعته يتداولون قوله هذا فيما بينهم ، ويقول بعضهم لبعض : حقا ان موسى لساحر عليم ... كما هو شأن المرءوسين في تقليدهم لرؤسائهم بكل شيء ، وعنايتهم بأقوالهم وحفظها والاستشهاد بها. وعليه فلا تنافر بين الآيتين .. قال فرعون ذلك لجماعته ، وجماعته أيضا قالوه تقليدا له.

___________________________________

الإعراب : أن هنا أن مصدرية ، والمصدر المنسبك مجرور باللام المحذوفة ، والمعنى نطمع في غفران ربنا لكوننا أول من آمن بالله في هذا المشهد الحافل.

٤٨٢

ويرعد ويتوعد ويهدد السحرة بقوله : (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ ...) ولكنهم لم يكترثوا بفرعون وسلطانه وتنكيله وطغيانه.

٥٠ ـ ٥١ ـ (قالُوا لا ضَيْرَ) ألسنا على الحق ، إذن لا نبالي بالموت ... وهكذا شهداء العقيدة لا يبالون بسيف الجلاد ، بل يشتدون صلابة في صمودهم وإخلاصهم ، ورسوخا في دينهم وإيمانهم ، أما الذين ينهارون ويستسلمون باللمحة والنظرة ، بل وبمجرد الوهم ، فما هم من الدين والإيمان في شيء ، وإن انتحلوه وانتسبوا إليه ... أللهم ما أحكمك ، وأحلمك ، وأمهلك على من يعيش بالرياء والنفاق.

٥٢ ـ (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أمر سبحانه موسى أن يخرج ليلا مع بني إسرائيل وأخبره أن فرعون وجنوده لاحقون بهم ، فامتثل موسى ما أمر به.

٥٣ ـ (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) لما علم فرعون بخروج موسى وبني إسرائيل حشد لهم لكي يرغمهم على الرجوع إلى سلطانه ، وقال فيما قال :

٥٤ ـ (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) وظريف جدا ما قاله هنا بعض المفسرين : كان مع موسى ستمائة وسبعون ألفا ، وكان جيش فرعون ألف ألف ملك أي قائد مع كل ملك ألف ومعنى هذا أن جيش فرعون كان ألف مليون ، وكلهم غرقوا في البحر! ٥٥ ـ (وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) يخلقون لنا المزعجات والمشكلات.

٥٦ ـ (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) مستعدون لاستئصالهم وإبادتهم ٥٧ ـ (فَأَخْرَجْناهُمْ) من جنات وعيون.

٥٨ ـ (وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) خرج فرعون وجنوده للانتقام من موسى ومن معه ، فانتقم الله منهم ، ودارت عليهم دائرة السوء! فرعون الذي قال بالأمس : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) ـ ٥١ الزخرف» فرعون الذي طغى وبغى وقال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ـ ٢٤ النازعات» أخذه الله في لحظة بنكال الغرق في الدنيا وعذاب الحريق في الآخرة ... فهل يتعظ الجبابرة الطغاة والمتعالون العتاة؟ وعلى كل عاقل أن ينتفع بهذا الدرس ، وأن لا يدخل في شيء حتى يهيء الخروج منه. دخل فرعون البحر ليقتل موسى فغرق فيه.

٥٩ ـ (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) وظاهر الكلام وسياقه يدل أن الله سبحانه أورث بني إسرائيل ديار فرعون وقومه ، ومهما يكن فإن محل الشاهد أن الظلم لا يدوم ، وأن الأشياء تتغير شئنا أم أبينا.

٦٠ ـ (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) أدرك فرعون بني إسرائيل عند شروق الشمس.

٦١ ـ ٦٢ ـ (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) جمع موسى

___________________________________

الإعراب : (حاذِرُونَ) صفة لجميع. و (مُشْرِقِينَ) حال من واو اتبعوهم. و (كَلَّا) حرف ردع وزجر.

٤٨٣

وجمع فرعون ؛ عند ذلك (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) لحق العدو بنا ولا طاقة لنا به (قالَ) موسى لأصحابه : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) وعدني ربي وهو لا يخلف الميعاد.

٦٣ ـ (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) فضربه بها (فَانْفَلَقَ) انشق (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) انشق البحر اثني عشر طريقا ، وقام الماء بين طريق وطريق كالجبل المرتفع ، وتجاوز موسى وقومه إلى الشاطئ الثاني. وتجدر الإشارة أن القوانين الطبيعية يمكن نقضها عقلا باتفاق علماء الطبيعة ـ مثلا ـ قانون الطبيعة يستدعي أن تحترق هذه الورقة إذا ألقيت في النار ، ومع ذلك لا مانع في حكم العقل أن تكون في النار ولا تحترق.

٦٤ ـ (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) قربنا فرعون وقومه من البحر لنغرقهم فيه.

٦٥ ـ (وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ) وما هلك منهم واحد.

٦٦ ـ ٦٨ ـ (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) فرعون وقومه وما سلم منهم واحد.

٦٩ ـ (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ) الخطاب لرسول الله (ص) وضمير عليهم يعود لقريش الذين زعموا أنهم من نسل إبراهيم وعلى دينه.

٧٠ ـ (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ) كان لسقراط منهج خاص في الجدال والحوار ، كان يتظاهر بالجهل والتسليم بأقوال الخصم ، ثم يلقي عليه سؤالا بهدف أن يعرفه بجهله وأخطائه ، فإذا أجاب وجّه إليه سؤالا آخر لازما لنفس الجواب ... وهكذا حتى يوقعه في التناقض ، ويحمله على الإقرار بالجهل ، وسؤال إبراهيم (ع) لأبيه وقومه من هذا الباب.

٧١ ـ (قالُوا نَعْبُدُ ...) هذه الأصنام التي ترى.

٧٢ ـ ٧٧ ـ (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) من شأن المعبود أن يرى ويسمع ، ويضر وينفع ، وهذه الأصنام صم بكم! فكيف ترجون منها الخير؟ قالوا : نحن نحيا ونموت على دين الآباء والأجداد.

فقال لهم إبراهيم : أنتم وآلهتكم وآباؤكم وأجدادكم (عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) لا أؤمن بسواه ولا أخاف غيره

___________________________________

الإعراب : كلمة عدو تطلق على الواحد والاثنين والجماعة ، ومثلها كلمة الصديق. و (رَبَّ الْعالَمِينَ) مستثنى منقطع.

٤٨٤

٧٨ ـ (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) وهبني عقلا أهتدي به ، فلا أقلّد أبا وجدا.

٧٩ ـ (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) بتيسير الأسباب لي ولجميع خلقه.

٨٠ ـ (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) بما خلق من الدواء قال رسول الله (ص) : «لكل داء دواء ، فإذا أصاب الدواء الداء برئ بإذن الله».

٨١ ـ (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) لا أحد يقدر على ذلك سواه ٨٢ ـ (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) وإبراهيم معصوم عن الخطأ والخطيئة ، ومن عصمته أن يعظم خوفه من الله ، هذا إلى أنه لا نجاة من عذاب الله إلا لمن خاف من عذابه.

٨٣ ـ (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) علما بالأحكام (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) عملا وثوابا.

٨٤ ـ (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) جميل الأحدوثة إلى يوم الدين.

٨٥ ـ (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) إبراهيم هو خليل الرّحمن ، وملّته هي الدين الحنيف بنص القرآن الكريم ومن خرج عنها فهو من الكافرين ، ومع هذا يخضع ويتضرع ويتذلل ويتوسل أن يمن عليه سبحانه بالجنة ، وأن يغفر له خطيئته كما في الآية ٨٢ و ٨٧ من هذه السورة. تذكرت وأنا أفسّر هذه الآية جملة كتبها قائلها على جلد كتابه ، وهذا نصها : «وإيماني جعلني سعيدا في الدارين معا ، وبقراءتك لهذا الكتاب يمكنك أن تصبح سعيدا مثلي من غير ارتياب»! ولا أدري : ما هو الدليل والمصدر على أن قراءة الكتاب المشار إليه تدخل قارئه الجنة علما بأن تلاوة القرآن الكريم لا تكفي وحدها لدخول الجنّة ، والهدف من هذه الإشارة التحذير من زلة القدم بعد ثبوتها.

٨٦ ـ (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) ويبتني هذا الاستغفار على وعد منه لإبراهيم (ع) بأن يؤمن بالتوحيد كما جاء في الآية ١١٤ من التوبة ٨٧ ـ (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) هذا هو منطق المعصومين والمنزهين عن العجب والغرور.

٨٨ ـ (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) أبدا لا أحد ينجو من غضب الله وعذابه غدا.

٨٩ ـ (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) لا دين ولا إيمان ولا أخلاق بل ولا إنسانية إلا بسلامة القلب من الحقد والحسد والنفاق وكل دنية ورذيلة ، وتقدم الكلام حول إبراهيم (ع) في سورة البقرة والانعام والتوبة وإبراهيم والحجر ومريم والأنبياء ٩٠ ـ (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) دنت وقربت من الذين يجاهدون في سبيل الله ، ولا يخافون لومة لائم.

٩١ ـ (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) استعدت لاستقبال كل طاغ وباغ ، وكل حسود حقود ، ومشرك عنود.

٩٢ ـ ٩٣ ـ (وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) ومنه تقبضون وله تهتفون وتصفقون؟

٩٤ ـ ٩٥ ـ (فَكُبْكِبُوا) تكرار لكب ، ومعناه الطرح والإلقاء (هُمْ) أي آلهتهم (وَالْغاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) هووا بالكامل في جهنم بعضهم فوق بعض.

٤٨٥

٩٦ ـ ٩٩ ـ (قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) يقول الغاوون غدا لآلهتهم وشياطينهم : كان دليلنا العمى حين عبدناكم ، وجعلناكم سواء مع رب العالمين ، وما صدنا عن الحق إلا الطغاة المجرمون أرباب المصالح والمنافع.

١٠٠ ـ (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) كلا ، إلا العمل الصالح ١٠١ ـ (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) أبدا ، إلا القلب السليم.

١٠٢ ـ (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) رجعة. هيهات قد فات ما فات.

١٠٣ ـ ١٠٤ ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) لمن أبصر وفكر في العاقبة والنهاية.

١٠٥ ـ (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) المرسل إليهم واحد وهو نوح ، ولكن من كذب رسولا واحدا لله فقد كذب جميع رسله لأن الرسالة واحدة من واحد.

١٠٦ ـ (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) غضب الله وعذابه؟

١٠٧ ـ ١٠٨ ـ (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) كان معروفا بين قومه بالصدق والأمانة كسائر الأنبياء دون استثناء.

١٠٩ ـ (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) كل رسول أجره على المرسل لا على المرسل إليه.

١١٠ ـ (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ.) كرر الأمر بالتقوى لا لأنها الأصل وكفى ، بل لأن طبيعة الدعوة تقتضي التكرار.

١١١ ـ (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) ولما ذا؟ أرذلون؟ لأنهم يظلمون ولا يظلمون ، ولأنهم يأكلون من كد اليمين ولا ينهبون ... وكان أرسطو واستاذه أفلاطون على ملة قوم نوح ومنطقهم حيث أكدا على نظام الرق ، وقالا : ان العمل اليدوي لا يليق بالأحرار ، وإنما ينبغي أن ينصرف هؤلاء إلى التأمل العقلي الصرف! وما أبعد هذه الفلسفة الذاتية الأنانية عن الإسلام ونبيه الذي قال : «ما أكل أحد طعاما قط خيرا من عمل يده ... ان الله يحب المؤمن المحترف» وصافح النبي يدا خشنة من أثر المسحاة فقال : هذه يد محرمة على النار ، هذه يد يحبها الله ورسوله.

١١٢ ـ (قالَ) نوح للمترفين الذين عيّروه بالأرذلين (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ما عليّ سوى العمل بالظاهر ولست مسؤولا عن فحص القلوب والسرائر.

١١٣ ـ (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) فهو وحده يعلم السر وأخفى ، وعليه يحاسب ، فيثيب أو يعاقب.

___________________________________

الإعراب : (إِنْ كُنَّا) ان مخففة من الثقيلة واللام في (لَفِي ضَلالٍ) اللام الفارقة. و (إِذْ) ظرف متعلق بمبين. فنكون منصوبة بأن مضمرة لوقوعها بعد لو المتضمنة معنى التمني ، والمصدر المنسك عطف على كرة. (نُوحٍ) بدل من (أَخُوهُمْ). و (إِنْ أَجْرِيَ) ان نافية ، ومثلها (إِنْ حِسابُهُمْ) ، وان انا. وما علمى

٤٨٦

١١٤ ـ ١١٥ ـ (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) لأن هذا ليس من شيمتي ولا هو من وظيفتي ، وما عليّ إلا البلاغ.

١١٦ ـ (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) عجزوا عن دحض الحجة بالحجة ، فلجئوا إلى عرض العضلات.

١١٧ ـ ١٢٢ ـ (قالَ) نوح : (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ ...) فاحكم بيني وبينهم ، وأيضا عجز نوح ردع القوة بالقوة ، فاستعان بخالقه ، فاستجاب له ، ونجاه وأهله ، وأغرق القوم الظالمين أجمعين ، وهنا تبرز شخصية محمد (ص) التي تنعكس منها الفضائل عمليا بكاملها ، تألب عليه قومه ، وأذاقوه ألوانا من الأذى ، نعتوه بالكذب والجنون وقاطعوه وحاصروه وشردوه ، ثم جمعوا الجيوش لحربه مرات فلم يدع عليهم بل دعا لهم وقال : أللهم اهد قومي إنهم لا يعلمون ، وتقدم الحديث حول نوح وقومه في سورة الأعراف وهود وغيرهما.

١٢٣ ـ ١٢٧ ـ (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) ... (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) قبل لحظة ذكرت هذه الآيات الخمس بالكامل وبالنص الحرفي بلا تقليم وتطعيم أو تغيير إلا في الاسم ، هناك قوم نوح ، وهنا عاد وهود ، والسر أن رسالة الأنبياء واحدة والمرسل واحد.

١٢٨ ـ (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) الريع : المكان المرتفع ، ومعنى الآية هنا : البناء ، وكل بناء لسد الحاجة فهو من صميم الدين ، أما البناء للتضاهي والتباهي فهو من وحي الشيطان. وبالمناسبة نشير أن أعلى بناية اليوم على وجه الأرض هي ناطحة سحاب شيكاغو الجديدة ، وتعرف باسم برج سيرزروبك ، وتبلغ من الارتفاع نحو ٥٥٠ مترا.

١٢٩ ـ (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) والمصانع التي تنتج الغذاء والكساء والدواء والتركتورات والسيارات والطائرات وسائر الأدوات التي تسهل الحياة الاجتماعية ـ هي تماما كالمساجد والمعابد ، أما مصانع الأسلحة الحديثة المدمرة فجريمتها تفوق الجرائم مجتمعة ، ولا حد لأسوائها وأدوائها ، لأنها تنتج الموت والفناء بالجملة ومصدر البؤس والفساد والشقاء في شرق الأرض وغربها.

١٣٠ ـ (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) متعاظمين متسلطين بسلطان السوء والبغي ، ونزلت هذه الآية حيث كان البطش باليد ، وأقصاه بالسيف والرمح ، فكيف لو نزلت اليوم والأسلحة الجهنمية النووية تدمر الأرض ومن عليها في ساعة أو بعض ساعة؟

___________________________________

الإعراب : و (بِطارِدِ) الباء زائدة إعرابا وطارد خبر أنا. (إِنْ أَنَا) ان نافية.

٤٨٧

١٣١ ـ (فَاتَّقُوا اللهَ) في البطش بعباده وعياله ، والتحكم في دمائهم وبلادهم وأرزاقهم ، والتلاعب بعقولهم وتضليلها عن نهج الخير والهدى.

١٣٢ ـ ١٣٤ ـ (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) من أنعام وبنين وجنات وعيون.

١٣٥ ـ (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ان كذبتم وخالفتم.

١٣٦ ـ (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) فما نحن لك بمؤمنين ، ولا لوعظك بسامعين.

١٣٧ ـ ١٣٨ ـ (إِنْ هذا) الذي نحن عليه من عبادة الأصنام (إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) وكفى به حجة ودليلا.

١٣٩ ـ ١٤٠ ـ (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ) بريح صرصر أي شديدة الصوت عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام كما جاء في الآية ٦ من الحاقة ، وتقدم الكلام عن هود وعاد في سورة الأعراف وهود.

١٤١ ـ ١٤٥ ـ (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) ... (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) تقدمت هذه الآيات الخمس ، بحروفها في الكلام عن نوح وهود قبل أسطر.

١٤٦ ـ ١٤٨ ـ (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ) من اشارة : ان قوم صالح سألوه أن يخرج لهم ناقة من الصخرة ، وانه سأل ربه ذلك ، فتمخضت الصخرة كالمرأة يأخذها الطلق ، فولدت ناقة عشراء وبراء ... ونحن نؤمن اجمالا بأن الناقة كانت بينة وآية من الله ، وانها لم تأت بسبب معتاد ، وان الله سبحانه أضافها اليه تعظيما لشأنها ... نؤمن بهذا ولا نزيد شيئا ، حيث لم ينزل به وحي ولا جاء به خبر متواتر عن المعصوم. المبين ص ٤٨٨.

___________________________________

الإعراب : و (بِمُعَذَّبِينَ) الباء زائدة ومعذبين خبر نحن. (آمِنِينَ) حال من واو (تُتْرَكُونَ). و (فِي جَنَّاتٍ) بدل من فيما ها هنا بإعادة حرف الجر.

٤٨٨

جنات وعيون وزرع ونخل (طَلْعُها) عنقود التمر في أول تكوينه وطلوعه (هَضِيمٌ) يانع ناضج بعد أمد.

١٤٩ ـ ١٥٠ ـ (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) بطرين ، وفي نهج البلاغة : إن استغنى بطر وفتن ، وان افتقر قنط ووهن.

١٥١ ـ (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) وهم.

١٥٢ ـ (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بإثارة الحروب والفتن ، وبالدعايات الكاذبة ، وبالتجسس والمؤامرات ، وبالسلب والنهب.

١٥٣ ـ (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) لقد سحرك ساحر فأفسد عقلك.

١٥٤ ـ ١٥٩ ـ (وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فلا فضل لك علينا حتى نخضع لأمرك ونهيك ، ومع هذا (فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فأتاهم بالناقة فعقروها ، فأخذهم سبحانه أخذا وبيلا ، وتقدم كل ذلك في سورة الأعراف وهود.

١٦٠ ـ ١٦٤ ـ (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ... إِلَّا

اشارة : ان قوم لوط كانوا كفارا ، وقد دعاهم الى التوحيد ، ونهاهم عن الكفر والشرك كما نهاهم عن اللواط بدليل قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) ـ ١٦٣ الشعراء». وانما اهتم بهذه الرذيلة لأنها كانت فاشية فيهم ، وأدت بهم الى غيرها من القبائح والرذائل ، وحملتهم على التمرد والعناد للحق ، وجرأتهم على تكذيب أنبياء الله ورسله. وقد أجمعت المذاهب الإسلامية قولا واحدا على تحريم اللواط ، وانه من الكبائر ، واختلفوا في عقوبته ، قال الحنفية : انها التعزيز بما يراه الحاكم ، وقالت بقية المذاهب ، انها القتل لحديث : «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به».

___________________________________

الإعراب : و (فارِهِينَ) حال من واو تنحتون.

٤٨٩

عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) قال لوط لقومه ما قاله من قبله نوح وهود وصالح ، وقلنا نحن ونكرر : ان الأنبياء سفراء ووكلاء لواحد أحد يحمل كل منهم مثل ما يحمله الآخر.

١٦٥ ـ ١٦٦ ـ (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ) وتتركون النسوان (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) تجاوزتم بذلك حدود الفطرة والطبيعة والشريعة.

١٦٧ ـ (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ) عن نصحك وإرشادك أقصيناك وأبعدنا نواك.

١٦٨ ـ (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) أكرهه ، وأبرأ إلى الله منه.

١٦٩ ـ ١٧٥ ـ (رَبِّ نَجِّنِي ...) فنجاه ، وحاق بقومه سوء العذاب ، وتقدمت قصة لوط ، في سورة الأعراف وهود والحجر.

١٧٦ ـ (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) الأيكة : الشجر الكثيف الملتف.

١٧٧ ـ ١٨٠ ـ (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) ما قاله نوح لقومه ، وهود لعاد ، وصالح لثمود ولوط لجماعته.

اشارة :

وأباحت الحكومة الانكليزية اللواط ، وأقره مجلس العموم البريطاني سنة ١٩٦٧ ونقلت جريدة الأهرام تاريخ ٦ ـ ٩ ـ ١٩٦٧ عن التايمز اللندنية ان جماعة من كبار الشخصيات في انكلترا أقاموا احتفالا عاما ابتهاجا بإباحة اللواط ، وتعاطوا فيه هذه العملية أمام المئات من المتفرجين ... وليس من شك ان وجود السيدات والآنسات في هذا الحفل يزيد من بهجته وروعته. «حسب اعتقادهم».

___________________________________

الإعراب : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) قال المفسرون : أصحاب الأيكة طائفة من الناس كانوا يسكنون في مكان قريب من مدين ، فيه سجر كثير (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ). لم يقل سبحانه أخوهم شعيب كما قال : أخوهم هود ، وأخوهم صالح لأن شعيبا ليس من مدين نسبا ، ولا صلة له بأصحاب الأيكة إلا ضلّة الجوار ، وقد بعثه الله اليهم كما بعثه إلى قومه أهل مدين (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ). تقدم هذا بالحرف في الآيات السابقة على لسان نوح وهود وصالح ولوط ، وهو كلام كل نبي دون استثناء. ضمير (إنه) للقرآن بدلالة سياق الكلام.

٤٩٠

١٨١ ـ (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) بضم الميم وكسر السين والراء ، جمع المخسر ، وهو الذي يبخس الناس أشياءهم وحقوقهم.

١٨٢ ـ ١٩١ ـ (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ) الميزان (الْمُسْتَقِيمِ) العدل (وَالْجِبِلَّةَ) الطبيعة (الْأَوَّلِينَ) أي أن الله سبحانه خلقكم وخلق آباءكم الأولين فاعبدوه واشكروه (مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) المسحورين (كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) الكسف : جمع الكسفة ، وهي القطعة (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) وهي سحابة من نار أحرقتهم كما قال المفسرون ، وتقدمت قصة شعيب في سورة الأعراف وهود.

١٩٢ ـ (وَإِنَّهُ) القرآن (لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) لا من قرائح البشر وأفكارهم ، ونوره تعالى يتجلى فيه ، قال الإمام الصادق (ع) يظهر الله للناس في كلامه :

١٩٣ ـ (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) وهو جبريل ، وسمي بالروح لأنه نزل بالقرآن وهو شفاء للأرواح ، ونعت بالأمين لأنه مطيع لله ، حريص على تأدية رسالاته إلى أنبيائه.

١٩٤ ـ (عَلى قَلْبِكَ) يا محمد بلا تزييف وتحريف وتقليم وتطعيم ، نزل كذلك على قلبك أنت يا محمد ، وليس على قلب أهل بيتك ولا على قلب أحد من الصحابة والتابعين وفي قاموس الكتاب المقدس : إن الإنجيل نزل على قلب متى ومرقس ولوقا ويوحنا. (انظر مادة وح ي ص ١٠٢١ من هذا الكتاب ، وأيضا اقرأ ما جاء فيه عن هؤلاء الأربعة أصحاب الأناجيل.

١٩٥ ـ (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) قال الشيخ الطبرسي : الذين أنذروا بلسان عربي خمسة أنبياء هود وصالح وشعيب وإسماعيل ومحمد وتقدم في الآية ٢ من يوسف.

___________________________________

الإعراب : ضمير (إِنَّهُ) و (بِهِ) للقرآن بدلالة سياق الكلام.

٤٩١

١٩٦ ـ (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) زبر : كتب ، والمعنى أن الكتب السماوية المنزلة قبل القرآن ، والأنبياء القدامى قد ذكروا القرآن ، ونوهوا به.

١٩٧ ـ (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ) للجاحدين (آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) الموثوقون والمعروفون بالصدق ، والمعنى أي شيء أصدق في الدلالة وأوضح على نبوة محمد (ص) ورسالته الثقة بالقرآن وأصالته ـ من شهادة علماء اليهود كعبد الله ابن سلام وأصحابه ، أن محمدا مذكور في التوراة بصفاته.

١٩٨ ـ ١٩٩ ـ (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ. فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) لو نطق بهذا القرآن العربي أخرس أو جماد أو جاهل باللغة العربية كمعجزة خارقة على صدقه ـ لأبي المعاندون إلا كفورا.

٢٠٠ ـ (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) أي هكذا تسرب ودخل التكذيب بالقرآن والجحود بنبوة محمد إلى القلوب المتحجرة العمياء ، والدليل على إرادة هذا المعنى قوله تعالى بلا فاصل.

٢٠١ ـ (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) فإنه تماما كقوله سبحانه : (لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) ٩٦ ـ يونس» أما نسبة السلوك إليه عظمت كلمته ، فهي للإشارة إلى أنه خالق القلوب وأربابها والكون كله ، وتكرر ذلك مرارا (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) ـ ٢٣ الأنفال».

٢٠٢ ـ (فَيَأْتِيَهُمْ) العذاب (بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنذروا من قبل بالعذاب ، فأعرضوا وسخروا ، فأتاهم فجأة بلا إنذار ٢٠٣ ـ (فَيَقُولُوا) حين يرون العذاب : (هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) أمهلونا ولو قليلا.

٢٠٤ ـ (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) عند رؤية العذاب عيانا طلبتم الإمهال ، ومن قبل كنتم به تستعجلون! فما أغناكم عن الحالين ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ـ (أَفَرَأَيْتَ) أخبرني (إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ...) طلبوا الإمهال حين رأوا العذاب ، فلو استجبنا وأمهلنا أمدا طويلا ، يتمتعون ويتنعمون.

٢٠٧ ـ (ما أَغْنى عَنْهُمْ) الإمهال والتمتع بالنعم شيئا لأن العذاب نازل بهم لا محالة.

٢٠٨ ـ (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) كيلا يقول أهلها : (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٤٧ القصص» ٢٠٩ ـ (ذِكْرى) عسى أن يتذكر متذكر ويزدجر مزدجر.

٢١٠ ـ (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ) بالقرآن (الشَّياطِينُ) بل نزل به الروح الأمين من رب العالمين ، وهذا رد على من قال : انه كهانة من وحي الشياطين ٢١١ ـ (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) أي للشياطين ، لأن القرآن نور وهداية لا سحر وخرافة (وَما يَسْتَطِيعُونَ) بل هم أصغر وأحقر.

٢١٢ ـ (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) أي عن سماع الغيب والعلم به (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) ـ ٢٧ الجن».

٢١٣ ـ (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) هذا مجرد إخبار بأن من يشرك بالله فهو من الهالكين.

٤٩٢

٢١٤ ـ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٢ ص ١٩ وما بعدها نقلا عن تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٢ طبعة سنة ١٣٥٧ ه‍ : «انه حين نزلت هذه الآية دعا النبي (ص) بني عبد المطلب وقال لهم : جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وأمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم جميعا إلا عليا قال : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ النبي برقبة علي ثم قال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا. وأيضا نقل صاحب فضائل الخمسة من الصحاح الستة عن كنز العمال ج ٦ ص ٣٩٢ طبعة سنة ١٣١٢ ه‍ ـ الحديث المذكور باختلاف يسير ، وأسنده صاحب الكنز إلى ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبي نعيم والبيهقي» وأنا قرأت هذا الحديث في تفسير ابن كثير. وقال المرحوم العقاد في كتاب عبقرية الإمام : «لو كان علي يرتاع لارتاع يومئذ بين أولئك الشيوخ الذين رفعتهم الوجاهة ، ولكنه كان عليا في السن الباكرة كما كان وهو في الخمسين أو الستين ، فما تردد وهم صامتون أن يصيح صيحة الواثق الغضوب : أنا نصيرك ... وعلم القدر وحده أن تأييد ذلك أعظم وأقوم من حرب أولئك القروم. عليّ هذا هو الذي نام في فراش النبي ليلة الهجرة ، وقد علم من تأتمر به مكة كلها من قتل النائم على الفراش. وعليّ هذا تصدى لعمرو بن ود ... كأنه لا يعرف من يخاف ولا كيف يخاف».

٢١٥ ـ (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الغرض من هذا الأمر التنويه بحرمة المؤمن وانها عظيمة عند الله ورسوله ، وإلا فإن محمدا (ص) متواضع بطبعه ، ورؤوف رحيم بكل المخلوقات حتى بالحيوان ، رأى كلبة مع صغارها فأمر برعايتها ، وهذا شيء رائع في ذلك العصر ، كما قال الكاتب الإنكليزي منتوجمري ، ومن أقواله : رب دابة مركوبة خير من راكبها ٢١٦ ـ ٢١٨ ـ (فَإِنْ عَصَوْكَ) عشيرتك الأقربون (فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) قال الإمام علي (ع) وهو أقرب الأقرباء إلى محمد (ص) : ان ولي محمد من أطاع الله وان بعدت لحمته أي نسبه وان عدو الله من عصى الله وإن قربت قرابته ٢١٩ ـ ٢٢٠ ـ (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) جاء في أخبار أهل البيت (ع) أن محمدا (ص) تقلب في أصلاب النبيين نبي بعد نبي حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم. وبعضهم فسر الآية بهذا الخبر ، ولكن السياق يدل على أن الله رأى نبيه الكريم حين يصلي منفردا وحين يصلي جماعة ، وكل من التفسيرين صحيح في ذاته ومن حيث هو ٢٢١ ـ (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) هذا الخطاب موجّه لمن زعم أن القرآن من وحي الشياطين ، ورد سبحانه عليهم بقوله :

٢٢٢ ـ (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) الشياطين توحي وتوسوس للأشقياء والسفهاء لا للأنبياء والأتقياء.

٢٢٣ ـ (يُلْقُونَ السَّمْعَ) أي المشركون يستمعون ويصدقون الكهان وشياطين الإنس ، وأكثر هؤلاء يكذبون.

٢٢٤ ـ (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) قال المشركون عن محمد (ص) من جملة ما قالوا : انه شاعر. فرد عليهم سبحانه أولا أن الشعراء يتبعهم أهل الجهل والضلال ، والذين آمنوا بمحمد واتبعوه إنما اتبعوه عن علم بصدقه ، ودليل على نبوته ثانيا ٢٢٥ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ) الشعراء (فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) يتخيلون وينظمون كلاما لا أساس له إلا ما يدور

٤٩٣

في رؤوسهم! وأين هذا من الوحي القائم على أساس الحق والواقع. ثالثا :

٢٢٦ ـ (وَأَنَّهُمْ) الشعراء وبخاصة القدامى (يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) أما محمد فإنه يقول ما يفعل ، ولا يقول ما لا يفعل.

٢٢٧ ـ (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...) استثنى سبحانه من الشعراء الذين يعبرون عن أماني المستضعفين ويقفون مع المظلومين ، ويثورون على الطغاة والعتاة ، وعلى الجهل والتخلف ، لأن هؤلاء في طليعة المجاهدين ، ويثورون في سبيل الله. قيل لرسول الله (ص) ما تقول في الشعر؟ فقال : «إن المؤمن مجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده لكأنما ينضحونهم بالنبل» (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) سينتقم الله ممن ظلم لا محالة ، وإذا أمهله فإلى حين. والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين.

سورة النّمل

مكيّة وهي ثلاث وتسعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (طس) أنظر أول البقرة (تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) تلك إشارة إلى هذه السورة. والقرآن والكتاب بمعنى واحد ، فهو قرآن لأنه مقروء ، وهو كتاب لأنه مكتوب ، وهو مبين لأنه واضح.

٢ ـ ٣ ـ (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) يهدي هذا القرآن إلى حياة أفضل كل من أراد هذه الحياة ، وأيضا يبشره بالجنة إن آمن بالله ورسوله ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وكف أذاه عن الناس ..

٤ ـ ٥ ـ (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) من ينكر الآخرة وعقابها يرى الدنيا فرصته الوحيدة للانتفاع والاستمتاع بكل ما يقدر عليه خيرا كان أم شرا ، فيتمادى في غيّه ، ويتيه في ضلاله ، وهو عند نفسه من المحسنين صنعا تماما كأي مجرم يأمن العقوبة في الحياة الدنيا ، فإنه ينطلق مع رغبته وشهوته إلى كل فساد وجريمة ... وما من شك أن الله سبحانه قادر على أن يردع بالقوة والإلجاء الشقي عن شقائه والمجرم عن جريمته ، ولكنه لا يفعل لأن الحرية حق طبيعي لكل إنسان ، وبها يكون مسؤولا عن تصرفاته ، وعليه يكون معنى قوله تعالى : (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) تركناهم وما يعملون ويعمهون ـ طبعا بعد البيان والتحذير ـ ولم نردعهم عن القبح والحرام بالقهر والقوة. أنظر تفسير الآية ٤٨ من المائدة : ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة.

٦ ـ (وَإِنَّكَ) يا محمد (لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) وما هو من عندك أو من وحي الكهان والشياطين كما يزعم الجاحدون.

٧ ـ (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً ...) تقدم في الآية ١٠ من طه.

___________________________________

الإعراب : (تِلْكَ آياتُ) مبتدأ وخبر. و (هُدىً وَبُشْرى) مصدر في موضع الحال من القرآن أي هاديا ومبشرا ، والعامل بالحال معنى الاشارة.

٤٩٤

٨ ـ ١٠ ـ (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ) ان هذا الذي ظننته نارا هو نور مقدس (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) كناية عن السرعة والخفة في الحركة ، كما يقال : فلان عفريت في حركاته (وَلَمْ يُعَقِّبْ) لم يرجع أو يلتفت (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) بل هم في حراسة الله وأمانه من المخاوف والمهالك وإلا فإن الخوف من طبيعة الإنسان ، والنبي كسائر البشر ، والسبب الأساس لعظمة النبي عند الله هو شدة خوفه منه تعالى ، ومن خاف ربه عمل بطاعته ، وانتهى عن معصيته قال الإمام عليّ (ع) : إن العبد إنما يكون حسن ظنه بربه على قدر خوفه من ربه ، وان أحسن الناس ظنا بالله خوفا لله ...

١١ ـ ١٤ ـ (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) استثناء منقطع ، والمعنى لكن من عصى الله من سائر الناس فهو من الهالكين (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) أي إلا من تاب بعد معصيته ، وأخلص في نيته فإن الله غفور رحيم (وَأَدْخِلْ يَدَكَ ...) تقدم في الآية ١٠٨ من الأعراف وغيرها (فِي تِسْعِ آياتٍ) وهي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر وانفجار الماء من الحجر وإنزال المن والسلوى. وتقدم في الآية ١٠١ من الإسراء (آياتُنا مُبْصِرَةً) واضحة الدلالة على صدق موسى ونبوته.

١٥ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) ينتفعان به في طاعة الله وخدمة الإنسان ، ولا يتخذان منه أداة للصوصية أو اختراع أسلحة الفناء والإبادة.

اللغة : تلقى القرآن تعطاه. وآنست أبصرت. وشهاب شعلة. وقبس قطعة من نار. وتصطلون تستدفئون. ولم يعقب لم يرجع ومبصرة واضحة. المبين ٤٩٥.

___________________________________

الإعراب : (إِذْ) في محل نصب باذكر المحذوف. و (أَنْ بُورِكَ) ان بمعنى أي مفسرة للنداء. و (سُبْحانَ) منصوب على المصدر. ورب العالمين بدل من الله. وضمير انه للشأن. وانا الله مبتدأ وخبر ، والجملة خبر ان. وجملة تهتز حال من عصاك. ومدبرا حال من الضمير المستتر في ولّى. وبيضاء حال من يدك. وإلى فرعون متعلق بحال محذوف أي مرسلا إلى فرعون. ومبصرة حال من آياتنا. وظلما مفعول من أجله لجحدوا. وكيف خبر كان ، وعاقبة اسمها.

٤٩٥

١٦ ـ (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) في الملك والنبوة (وَقالَ) سليمان : (يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) لكل نبي معجزات وخوارق تدل على صدقه في نبوته ، وتختلف في نوعها تبعا للعصر والبيئة في أفكارها وتقاليدها ، وكانت معجزة داود إلانة الحديد ، ومعجزة سليمان تسخير الريح وبعض الجن والمعرفة بلغة بعض الطيور والحشرات. وقيل : ان الحيوانات بشتى أنواعها كانت تنطق بكلام الآدميين ، ومع الزمن حدث التطور المقلوب على العكس من نظرية دارون (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) نحتاج إليه في حياتنا.

١٧ ـ (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِ) نحن نؤمن بوجود الجن لأن القرآن يثبته والعقل لا ينفيه ، ونقل عن الشافعي أنه كان يبطل شهادة من زعم رؤية الجن (وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) المراد بالتوزيع أنه كان لكل صنف من هذه الأصناف قائد ووازع ، يحافظ على السير وغيره.

١٨ ـ (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ ...) قرأت في مجلة عالم الفكر الكويتية العدد الثاني من المجلد السابع مقالا مطولا بعنوان لغة الحيوان ، جاء فيه : استمر العلماء العديد من السنوات وهم يحاولون تفسير سلوك الحيوان ، حتى استطاع علماء هذا العصر متعاونين أن يحلوا ما استعصى على من سبقهم ، وأنشأوا علما جديدا ، سموه علم سلوك الحيوان وأثبتوا أن لكل صنف من الحيوانات والحشرات طريقة خاصة في التفاهم ، وهذا بالذات ما نطق به القرآن منذ ١٣٠٠ عام أو أكثر ، فمن أين جاء محمد (ص) بهذا وبما هو أعظم إن لم يكن من عند الله!؟ (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ) نملة لا تقتحمها الأعين تخاف على رعيتها أو جماعتها من الأقوى ومن أي أذى ، فتبذل ما في وسعها من جهد لصيانة أمتها وسلامتها ، وسجّل ذلك سبحانه في كتابه ، عسى أن يعتبر ويتعظ كل من بيده زمام أمر من الأمور : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ). حتى بالنمل والذباب ـ (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) ـ ٨٩ الإسراء».

١٩ ـ (فَتَبَسَّمَ) سليمان (ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) ألهمني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) ومن أفضل الشكر كف الأذى عن الناس ، وأكمله على الإطلاق أن تسدي إليهم خدمة أو ترد عنهم نكبة.

٢٠ ـ (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) هل أخطأ بصري؟ (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) كان لسليمان صنوف من الطيور تأتمر بأمره ، وما هي في قفص أو أشبه ، وفي ذات يوم تعهد الطيور فلم يجد الهدهد من بينها فقال :

٢١ ـ (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) بالسجن أو نتف الريش ونحوه (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) حكم بالإعدام (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بحجة وافية ومعذرة كافية.

٢٢ ـ (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) غاب الهدهد يسيرا ، ثم

___________________________________

الإعراب : (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) في موضع الجزم جوابا للأمر وهو ادخلوا. و (ضاحِكاً) حال مؤكدة.

٤٩٦

أتى وقال لسليمان (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) اكتشفت شيئا مهما لا تعرفه على سعة علمك (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ).

٢٣ ـ ٢٦ ـ (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً ...) تحكم بلادا كبيرة ، ويعيش أهلها في نعمة ، ولكنهم يعبدون الشمس من دون الله (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ ، فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) المراد بالخبء هنا خيرات الكون. ، والله سبحانه يخرجها لعباده بأيدي العلماء وعقولهم وأدواتهم الفنية ومختبراتهم العلمية.

٢٧ ـ (قالَ) سليمان للهدهد : (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) سنختبر مقالتك لنعرف مكانها من الصدق.

٢٨ ـ (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) كتب سليمان إلى القوم بالطاعة وقال للهدهد أوصله إليهم بطريق أو بآخر ، وراقب ما يقولون وما يعزمون ، وارجع إليّ بخبرهم ، فألقى الهدهد إليها الكتاب ولما قرأته الملكة جمعت وزراءها وكبراء دولتها.

٢٩ ـ ٣١ ـ (قالَتْ : يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) عرضت عليهم الكتاب ، ووصفته بالكريم لأن صاحبه عظيم الجاه ، وفيه الدعوة بالطاعة بأيسر عبائرها وأوجزها ، وهذا هو شأن الأنبياء في رسائلهم ، يقتصرون فيه على الهدف المطلوب ، وكان الرسول الأعظم يكتب للملوك بعد البسملة هذه الكلمة : «أسلم تسلم» وكفى. وبعد أن قرأت على الوزراء والأمراء استشارتهم في أمرها. اللغة : تولّ تنح. ما ذا يرجعون ما ذا يدور بينهم. والملأ أشراف القوم. ومسلمين منقادين. أفتوني أشيروا عليّ. وتشهدون تحضرون.

___________________________________

الإعراب : (ما لِيَ) مبتدأ وخبر. وام هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة. والا بالتشديد كلمتان ان ولا ، والمصدر مفعول من أجله لزيّن أو لصدهم أي زيّن لهم الشيطان أعمالهم لعدم السجود ، أو صدهم عن السبيل لذلك. (ما ذا) يجوز أن تكون كلمة واحدة للاستفهام ، ومحلها النصب بيرجعون ، وان تكون كلمتين ما للاستفهام مبتدأ وذا بمعنى الذي خبر ، وجملة يرجعون صلة الموصول. ألّا بالتشديد كلمتان ان المفسرة لكتاب ولا الناهية. و (مُسْلِمِينَ) حال من واو ائتوني.

٤٩٧

٣٢ ـ (قالَتْ : يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) هذه النون للوقاية لأن الأصل تشهدونني ، وحذفت النون الأولى لمكان النصب بأن المضمرة بعد حتى ، والمعنى أشيروا عليّ ، فلا أبت بأمر حتى تحضروا وتشيروا.

٣٣ ـ (قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) والبأس يرادف القوة ، ولكن المراد بالبأس هنا النجدة والشجاعة ، وبالقوة العدد والعدة (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) نحن مستعدون للقتال نخوضه حتى الموت إن شئت وإلا سكتنا وصبرنا طاعة لأمرك.

٣٤ ـ (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) ما قالت لهم : ان سليمان أقوى منكم وأعظم بما سخر له من الريح والإنس والجن والطير كيلا تثير فيهم النخوة والحماس ، ويلقوا بالبلاد والعباد إلى التهلكة ، بل عبّرت عن هذا المعنى بالذات بأسلوب أحكم وأسلم حين قالت : ان الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوا وأذلوا.

٣٥ ـ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) نجرب هذا الرجل بالنفيس من الأموال ، فإن رضي به فهو طالب صيد ، وإن رفضه فهو نبي نتبعه وندخل في دينه.

٣٦ ـ (فَلَمَّا جاءَ) الرسول بهدية الملكة (سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) ولدي منه الشيء الكثير ، وأنعم عليّ سبحانه بما هو خير وأفضل هل من شيء يعادل النبوة والعلم؟ (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) أنتم تنقادون بالمال ، أما أنا فقائدي الحق والعدل.

٣٧ ـ (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) ارجع أيها الرسول بهديتك إلى قومك ، فسأغزوهم في عقر دارهم ، وأجعل أعزة أهلها أذلّة تماما كما قالت الملكة إلى الملأ من قومها تحذرهم ، ولما رجع الرسول ، وأخبر قومه بما كان ساروا والملكة إلى سليمان خاضعين مستسلمين.

٣٨ ـ (قالَ) سليمان : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) طلب سليمان عرش الملكة التي تركته في حرز حريز ، لأنه أحب أن يريها آية تدل على نبوته وعظمته.

٣٩ ـ (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) ويحكى أن سليمان كان يجلس للقضاء وإدارة الشؤون من طلوع الشمس إلى زوالها.

___________________________________

الإعراب : أمرا مفعول قاطعة. و (تَشْهَدُونِ) بأن بعد حتى ، والنون للوقاية لأن الأصل تشهدونني. (فَلَمَّا جاءَ) فاعل (جاءَ) محذوف يدل عليه قول الملكة : وإني مرسلة إليهم ، والتقدير فلما جاء الرسول سليمان. (فَما آتانِيَ) ما مبتدأ وخير خبر. وأذلة حال من ضمير الغائب في لنخرجهم ، وجملة هم صاغرون حال.

٤٩٨

٤٠ ـ (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) ولا إنكار ولا غرابة ، فإن سفينة الفضاء تقطع في الساعة ثلاثين ألف كيلومتر ، وقال علماء الذرة : ان الإلكترون يدور حول قطبه ، ويقطع في دورانه مسافة ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية باعتبار فلكه ... وفي شتى الأحوال فإن العلم الحديث قد تجاوز كل مألوف ومعروف ومن كان يصدّق أن الإنسان يصعد إلى القمر ، وأن الزراعة في الفضاء ومن غير تراب ممكنة ومنتجة علما بأنها موجودة الآن في اليابان وإيطاليا والكويت ، ويدرس علمها في الجامعات. وبعد ، فإن القرآن الكريم ذكر الكثير الكثير من مبادئ العلوم بالعبارة أو بالإشارة ، أدركت الأجيال المتعاقبة طرفا منها ، وسوف تدرك الأجيال الآتية الكثير من خفايا القرآن وكنوزه : (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ـ ٩ الحديد».

(فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) ما شعر سليمان إلا وعرش الملكة بين يديه (قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) وحوله وقوته لا من ملكي وسلطاني ، ولا من الجن والعفاريت كلا ، فهو وحده الذي أمد عباده بالعلم والقدرة والسلطان (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) المؤمن لا يطغى إذا استغنى ، لا يكفر إذا ابتلى ٤١ ـ (قالَ) سليمان (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) غيّروا شيئا منه لنرى و (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) أتعرفه أم يخفى عليها.

٤٢ ـ (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ) نكّروا عرشها وسألوها عنه (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) لم تنف ولم تثبت تحرزا من الكذب ، لأن العالم أو العاقل لا يثبت ولا ينفي على الجزم إلا بدليل إذا لم تكن القضية بديهية (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) قال سليمان وقومه لما رأوا الملكة قد آمنت : الحمد لله الذي عرفنا بوحدانيته ، وهدانا إلى الإيمان به وباليوم الآخر.

٤٣ ـ (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) كانت هذه الملكة عاقلة وذكية ، ولا عيب فيها إلا الشرك الذي ورثته عن الآباء والأجداد.

٤٤ ـ (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) القصر (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) اللجة : كثرة الماء ، والممرد : المملس ، والقوارير : الزجاج ، كان لسليمان قصر عظيم من زجاج شفاف يجري الماء من تحته يحسب الرائي أنه لا حائل بين الماء والماشي ، ولذا كشفت المسكينة عن ساقها لتخوض الماء ، فأعلمها سليمان بالحقيقة (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أسلمت وحسن إسلامها. وفي قاموس الكتاب المقدس ص ٤٥٢ : ما نصه بالحرف «تقول التقاليد العربية : ان اسمها بلقيس ، وانها ولدت ابنا لسليمان ، ولكن لا يوجد دليل تاريخي صحيح يبرهن هذه التقاليد». اطلعت على هذا النقد بعد أن طبع المجلد الخامس من التفسير الكاشف.

٤٥ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) تقدم

___________________________________

الإعراب : (نَنْظُرْ) مجزوم بجواب نكروا. و (ما كانَتْ) ما فاعل صدّها. ورب العالمين بدل من كلمة الجلالة.

٤٩٩

في الأعراف وهود والشعراء (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ) : فريق اهتدى ، وفريق غوى.

٤٦ ـ (قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) لما ذا تطلبون العذاب دون الرحمة ، وتقدم في الآية ٥٧ من الأنعام وغيرها.

٤٧ ـ (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ ...) ما رأينا خيرا على وجهك ووجوه الذين اتبعوك وآمنوا بك (قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) كل ما ينزل بي وبكم من بلاء هو من الله لا منكم ولا مني (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) تختبرون بالسراء والضراء لتظهر أفعالكم التي تستحقون بها الثواب أو العقاب.

٤٨ ـ (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) نفر (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) كانوا من الرؤساء الأوغاد ، ولا همّ لهم إلا الصد عن الحق والخير بشهادة المستضعفين والأتباع (قالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) ـ ٦٧ الأحزاب».

٤٩ ـ (قالُوا) قال بعض التسعة المفسدين لبعض : (تَقاسَمُوا) أقسموا واحلفوا (بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) نقتل صالحا وأهل بيته ليلا ، ثم نقول لقومه وأولياء دمه ما قتلناهم ولا نعرف من قتلهم.

٥٠ ـ (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) مكروا بالمؤامرة على اغتيال صالح ، ومكر سبحانه حيث أبطل مكرهم ، وعاقبهم عقاب الماكرين ، ومثله تماما قوله تعالى : (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) ـ ٧٠ الأنبياء».

٥١ ـ ٥٧ ـ (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ...) من سلّ سيف البغي قتل به ، وتقدمت قصة صالح وثمود في سورة الأعراف وهود والشعراء (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) وهي اللواط (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) تعلمون أنها اللغة : المراد بالسيئة هنا العذاب ، وبالحسنة الراحة اطيرنا تشاء منا. والرهط من ثلاثة رجال الى تسعة. وخاوية خالية.

___________________________________

الإعراب : صالحا بدل من (أَخاهُمْ). وإذا للمفاجأة وما بعدها مبتدأ وخبر. و (تَقاسَمُوا) فعل أمر أي قال بعضهم لبعض : احلفوا. وكيف خبر كان وعاقبة اسمها. والمصدر من انّا دمرناهم بدل من عاقبة.

٥٠٠