التفسير المبين

محمّد جواد مغنية

التفسير المبين

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-465-000-X
الصفحات: ٨٣٠

٣ ـ (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) بسطها ووسعها (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) ألقى في الأرض جبالا راسخات شامخات (وَأَنْهاراً) قرن سبحانه الأنهار بالجبال ، لأن الماء يتفجر من تحتها (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) في التفاسير القديمة أن الزوجين أو الاثنين هما «أسود وأبيض وحلو وحامض ورطب ويابس»! ونسي المفسرون القدامى أن في الثمر ما هو أصفر وأخضر ولا حلو ولا حامض. وفي التفاسير الجديدة أن المراد بالزوجين الذكر والأنثى ، وأن الشجر وغيره من النبات لا ينتج إلّا باللقاح بطريق أو بآخر (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) في يغشي ضمير مستتر يعود إليه تعالى ، والليل مفعول أول والنهار مفعول ثان ، فيأتي أحدهما بعد الآخر ويغطيه ، وتقدم في الآية ٥٤ من الأعراف.

٤ ـ (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) يلتصق بعضها ببعض ، ومع ذلك تتنوع إلى خصبة وجدبة ، وسميكة ورقيقة ، وصفراء وبيضاء ... ولا سر إلّا أمر الله وتدبيره في خلقه.

(وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ) بساتين من الكرمة (وَزَرْعٌ) من أنواع شتى (وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ) هي النخيلات من أصل واحد غير متنوع ، لأن النخل على أنواع (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) هي النخيلات من أصول متعددة متنوعة ، وخص سبحانه الأعناب والنخيل بالذكر ، لأنهما الثمر الغالب في ذاك العصر (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) كالمطر أو النهر ، وأيضا التربة واحدة ، ومع ذلك يختلف الثمر لونا وحجما ورائحة وطعما ، والسر حكمة الله وتدبيره (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) طعما ومذاقا حتى ثمرات الشجرة الواحدة يختلف طعم بعضها عن بعض ، بل وحبات الرمان والعنب في علاقة واحدة.

٥ ـ (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً ...) أتعجب يا محمد من الذين كذبوك؟ إن تكذيبهم بالبعث أعجب وأغرب (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ، خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) .. (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) ـ ٨ الطارق» وتقدم في الآية ٣٦ من الأنعام و ٥٧ من الأعراف ، ويأتي.

٦ ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) المراد بالسيئة هنا العذاب ، وبالحسنة العافية ، وبالمثلات العقوبات ، دعا رسول الله (ص) المشركين إلى التوحيد ، وتوعدهم بالعذاب إن استنكفوا ، فسخروا وقالوا : عجل بحسابك وعذابك. قالوا هذا ولم يتعظوا بعقوبات أمثالهم من المكذبين الأولين (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) جمعت هذه الآية بين الرجاء والخوف ، وهما وصفان متلازمان في المؤمن الحق ، لا ينفصل أحدهما عن الآخر ، فمن صح رجاؤه لرحمة الله صح خوفه من نقمته ، ومن صح خوفه من نقمته صح رجاؤه لرحمته ، أما من خاف من عقابه ويئس من رحمته أو رجا ثوابه دون أن يخاف من عقابه ـ فما هو من الإيمان في شيء.

٣٢١

٧ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) على رسول الله (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) معجزة اقترحها عليه المشركون تعنتا ، وتقدم في الآية ٣٧ من الأنعام و ٢٠ من يونس (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) تحذر الطغاة والعصاة من سوء العاقبة (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) يهديهم إلى الصراط القويم ، أما المعجزات فهي بيد الله وحده.

٨ ـ (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) من ذكر أو أنثى (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) أي تنقص عن مدة الحمل بحيث تلد أو تسقط لأقل من تسعة أشهر (وَما تَزْدادُ) عن التسعة ، واتفقت المذاهب الإسلامية على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، واختلفوا في أقصاها ، فقال أبو حنيفة : سنتان. وقال مالك والشافعي وابن حنبل : أربع سنين.

واتفق الشيعة الإمامية على أن مدة الحمل لا تزيد ساعة عن السنة. وهذا ما أثبته الطب الحديث ، وفي رأينا أن تحديد مدة الحمل يجب تركها للأطباء وأهل الاختصاص ، لأن الحمل موضوع طبيعي لا شرعي كالصلاة والصيام ، والشارع يقر ويمضي ما يقوله العلم ، وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في باب الحمل (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) يخضع في وجوه وجميع أوضاعه لنظام يلائمه ، دبره وأتقنه عليم حكيم ٩ ـ (عالِمُ الْغَيْبِ) يعلم ما غاب عنا علمه (وَالشَّهادَةِ) ما نراه نحن ونشاهده (الْكَبِيرُ) في ذاته وصفاته وأفعاله (الْمُتَعالِ) العالي الذي لا شيء فوقه ، وكل شيء دونه.

١٠ ـ (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ) كل سر عند الخلق علانية عند الخالق وكل غيب عنهم هو شهادة عنده تعالى.

١١ ـ (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) الهاء في «له» وما بعدها تعود إلى الإنسان ، والمعقبات كناية عن حواس الإنسان وغرائزه ، و «من» في قوله تعالى (مِنْ أَمْرِ اللهِ) بمعنى الباء أي بأمر الله ، واذنه ، والمعنى أن الله سبحانه خلق الإنسان ، وجعل له السمع والبصر والفؤاد ليهتدي بها إلى ما يريد ، ويحترز عما يكره ، وقال المفسرون القدامى : المراد بالمعقبات ملائكة تنزل من السماء إلى الأرض لتحرس كل فرد من أفراد الإنسان في كل ثانية من حياته (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) ما من شك أن الله لا يغير ما بنا من جهل حتى نبني المدارس والجامعات والمختبرات ، والله لا يغير ما بنا من فقر حتى ننشىء المزارع ونقيم المصانع ، والله لا يغير ما بنا من ذل وهوان وعبودية حتى نتفق قلبا واحدا ونجاهد يدا واحدة ضد كل معتد أثيم ، والله لا يغير ما بنا من شتات حتى نتحرر من الأغراض والشهوات. قال عز من قائل : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٩٧ النحل» (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) المراد بالسوء هنا العذاب ، ومتى أراده الله سبحانه لإنسان أو فئة فلا منجى مما أراد ، والله عادل وحكيم لا يؤدّب ويعذّب إلّا بحق وسبب موجب ، بل ويعفو عن كثير.

١٢ ـ (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) البرق يبشر بالمطر ، وهو خير إن أنبت الزرع وأدر الضرع ، وهو شر إن يك حسوما وسموما ، وكان الإمام علي (ع) يقول في صلاة الاستسقاء : «اللهم اسقنا ذلل السحاب دون صعابها ، فإذا رأينا البرق رجونا أن يكون بشرى بين يدي رحمته

٣٢٢

وخفنا أن يكون نذيرا بعذابه في آن واحد.

(وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) يرفعها من الأرض بخارا ، ويحولها إلى ماء ، فتثقل به ، وأشرنا أكثر من مرة أن الله سبحانه يجري الأمور على أسبابها ، ويسيرها تبعا للنواميس الكونية ، ثم يسندها إليه مباشرة ، لأنه خالق كل شيء ومدبره.

١٣ ـ (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) كل مخلوق يترجم بلغته عن قدرة الخالق وعظمته تماما كالحسنات والصالحات تسبح بحمد من أصلح وأحسن (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) يجادل الجاحدون والمعاندون في وجوده تعالى أو في قدرته على البعث أو في نبوة محمد (ص) مع وضوح الدلائل والبينات (وَهُوَ) سبحانه (شَدِيدُ الْمِحالِ) أي شديد الأخذ والبطش ، قال تعالى : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) ـ ١٢ البروج ... (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) ـ ١٠٢ هود».

١٤ ـ (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ...) إن الله سبحانه هو الحق ، فمن عمل له وتوكل عليه أجزل له الثواب ، ومن عصى وتمرد حقت عليه كلمة العذاب ، ومن دعا غيره فقد دعا باطلا وسرابا تماما كالظامئ يحسب الدخان سحابا والسراب ماء ، فيمد كفيه ليملأهما بالماء ، ويفتح فاه ليشرب ويبرد غلته ، وإذا بالآمال تتبخر إلى حسرات وزفرات.

١٥ ـ (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ) أي يخضع وينقاد لأمره تعالى وقضائه (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) تقدم في الآية ٨٣ من آل عمران (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ضلال : جمع ظل ، وهو خيال الجسم ، والغدو : جمع غدوة وهي الصباح ، والآصال : جمع أصيل وهو المساء ما بين العصر والمغرب ، والمعنى حتى ضلال الأشياء تنقاد لأمره تعالى ولو بالواسطة والتبعية ، أو كناية عن العموم والشمول لكل ماله نحو من أنحاء الوجود.

١٦ ـ (قُلْ) يا محمد لمن رأى التدبير حتى في نفسه وجحد المدبر : (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الله أو غيره أو وجدت صدفة؟ (قُلِ اللهُ) واحدا أحدا قبل أن يجيبوك بشيء ، لأن هذا السؤال يحمل في طبيعته الجواب الكافي تماما كقول القائل : المربع غير المدور (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) أمر سبحانه نبيه الكريم أن يقول لعبدة الأصنام : إنكم تعبدون أحجارا لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا ، فكيف تملك ذلك لغيرها؟ (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) وأيضا هذا السؤال يحمل جوابه في صلبه والمراد بالأعمى هنا من أنكر الحق وهو يرى بنيانه وبرهانه ، وضده البصير (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) الظلمات كناية عن الضلال والفساد ، والنور كناية عن الهدى والصلاح (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) هل الأصنام التي يعبدها المشركون مثل ما خلق الله تماما بلا أدنى تفاوت ، فحملهم ذلك على الاشتباه والخلط بين خلق الله والأصنام حتى جعلوا مع الله إلها آخر؟ (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) الإيمان بالله الواحد هو أصل الأصول في الإسلام ، ومن هنا تكرر التوحيد في العديد من آياته ، وبخاصة في الآيات المكية حيث كان للشرك أرباب وأقطاب.

١٧ ـ (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها ...) ضرب سبحانه في هذه الآية مثالين : مثالا للحق في ثباته

٣٢٣

وفوائده ، ومثالا للباطل في زواله ومفاسده ، فالحق وأهل الحق تماما كالماء ، ينزل من السماء فتسيل به أودية ، كل واد بحبسه طولا وعرضا كما توحي كلمة «بقدرها» وتبقى آثار الماء في الأرض والعيون والآبار وفي الزرع والحبوب والثمار ، وأيضا الحق وأهل الحق كالمعادن والجواهر من ذهب وفضة يصاغ منها الحلي وأدوات الزينة ، ومن حديد ونحاس يصنع منهما ما ينفع الناس ، أما الباطل فهو تماما كالزبد الذي يرمي به السيل وكالزبد الخبيث الرديء الذي يطفو فوق المعدن حين يذاب بالنار (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) أي يشبّه الحق بالماء والمعدن اللذين ينتفع بهما الناس ، ويشبه الباطل بزبد السيل والمعدن ، ومعنى هذا أن الباطل لا يثبت أمام الحق ، وعلى حد تعبير الإمام علي (ع) : «من صارع الحق صرعه».

هذا هو الإسلام : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) ومعناه في واقعه وجوهره حيثما تكون منفعة الناس يكون الإسلام بلا كلام ، وما هو مجرد أشكال وترتيل ولا تنجيم وصراخ بالتهليل وكفى ... هذا هو الفهم الإنساني الحيوي لدين الحق والقلب والعقل.

١٨ ـ (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) أي لدعوة ربهم ، وهي لمنفعة الناس وحياة أفضل ، والمراد بالحسنى الجزاء الأحسن (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) وهم الذين لا خير فيهم تماما كالزبد والقمامة (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) ولمن تعطى هذه الفدية أو الرشوة لله أم لجبريل أم لمحمد (ص)؟ وتقدم في الآية ٩١ من آل عمران و ٥٤ من يونس.

١٩ ـ (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما). أنما كلمتان : أنّ وما اسمها (أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) يا محمد (الْحَقُ) خبر أن (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) من يؤمن بمحمد (ص) فهو البصير ، ومن أعرض فهو الأعمى. هل يستويان مثلا؟ أفلا تذكرون؟

٢٠ ـ (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) الوفاء بشتى فروعه وأنواعه ، من خلق الأنبياء ، وهو من أمهات الفضائل ، فالوفاء للعقيدة دليل على صدق الإيمان ورسوخه ، والوفاء للوطن يوحي بالأصالة والأمانة ، ووفاء الصديق لصديقه يبعث على حب الناس والثقة بهم ، والغدر على النقيض ، وأقبح أنواع الغدر على الإطلاق من غدر بمن يحبه ويخلص له ، ولا يطلب ثمنا على ذلك إلّا من الله ظنا منه أن صديقه المحبوب من أهل الله.

٢١ ـ (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) وهو أن يناصر الإنسان أخاه ، ويتعاون معه على كشف الضر عنه ، وجلب المنفعة له ، وبكلمة أن يشعر بالمسؤولية عنه (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) عمليا لا نظريا ، وفعلا لا قولا فقط ، قال الإمام علي (ع) : بالإيمان يستدل على الصالحات ، وبالصالحات يستدل على الإيمان.

٢٢ ـ (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) يجاهدون في سبيل الله والحق ، ويصبرون على جراح الجهاد وآلامه ، ولا يبتغون جزاء ولا شكورا إلّا مرضاة الله وحده (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) بحدودها الشرعية المذكورة في كتب الفقه ، ولا فرق إطلاقا بين من ترك الصلاة ، ومن اتبع الشهوات بنص القرآن الكريم : «أضاعوا الصلاة واتبعوا

٣٢٤

الشهوات فسوف يلقون غيا ـ ٥٩ مريم (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) وهذا الإنفاق حق اجتماعي ، وليس إحسانا وتفضلا ، قال سبحانه : (فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) ـ ٢٤ معارج» (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) يدفعون القبيح بالحسن ، وفي نهج البلاغة : عاتب أخاك بالإحسان إليه ، واردد شرّه بالإنعام عليه (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) أحسن الجزاء.

٢٣ ـ ٢٤ ـ (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) إقامة دائمة ، ونعمة قائمة (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) يجمع الله بينهم في الجنة وبين الأقربين والأهلين ، شريطة أن يكونوا جميعا من الصالحين وإلا فلا أنساب وأصحاب يومئذ بنص الآية ١٠١ من «المؤمنون» و ٦٧ من الزخرف (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ ...) على أهل الجنة مسلمين ومهنئين بدار السلام وعز المقام.

٢٥ ـ (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) بعد أن ذكر سبحانه صفات الصالحين ومآلهم أشار إلى حال الفاسدين ومصيرهم وهم على الضد من أولئك ، لا يعرفون إلا الغش والغدر ، ولا يناصرون إلا البغي والجور ، ويملئون الأرض شرا وفسادا (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) الخزي والهوان والحرمان من كل خير وفضيلة (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) سوء العاقبة والجزاء.

٢٦ ـ (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) وتسأل : ظاهر هذه الآية أن الرزق بيد الله وأنه هو الذي يوسع ويضيق على من يشاء علما بأن الله سبحانه أمر بطلب الرزق والسعي له في الآية ١٥ من الملك حيث قال : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) فما هو وجه الجمع؟ الجواب : لا تصادم بين الآيتين ، لأن الرزق كله من الله سواء أتى من السعي أم من غير احتساب ، والفرق أن السعي وسيلة وأداة ، وتكلمنا حول الرزق كثيرا في التفسير الكاشف وفي ضلال نهج البلاغة ، وأحسنه فيما نرى ما قلناه في تفسير قول الإمام (ع) : الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن لم تأته أتاك. (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا ، فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) لا فجوة ولا مشكلة بين الدين والآخرة من جهة وبين المال والدنيا الحلال من جهة ثانية ، بل هذه مطية ووسيلة إلى تلك ، وإنما التعارض والتصادم بين الدين والدنيا الحرام ، بين السلب والاستغلال والنزاهة والتقوى وتقدم في ١٨٥ من آل عمران.

٢٧ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) تقدم في العديد من الآيات ١١٨ من البقرة (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) ولن يشاء عبثا ، بل لسبب موجب ، وهو أن يسلك العبد طريق العماية والضلالة بإرادته وسوء اختياره ، وتقدم في الآية ٨٨ من النساء (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) من أعرض عن الباطل ، وأقبل على الحق ، وهذا دليل قاطع على أن الله سبحانه يعامل العبد بما يختاره لنفسه (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) ١٥ الأسراء» ٢٨ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ) ، الاطمئنان أعلى مراتب الإيمان حيث تطيب النفس وتركن إلى الله وحده ولا ترضى بغيره بديلا ، وأوضح تحديد للقلب المؤمن المطمئن قول الإمام زين العابدين ومعدن العلم والدين :

٣٢٥

«اللهم اني إليك أفر ، ومنك أخاف ، وبك أستغيث ، وإياك أرجو ، ولك أعود ، وإليك ألجأ ، وبك أثق ، وإياك أستعين ، وبك أؤمن ، وعليك أتوكل».

٢٩ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أبدا لا فصل بين الإيمان والعمل الصالح ، لأن الإيمان قوة دافعة إلى الخير لا يصدها عنه أي حاجز ورادع (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) والمراد بطوبى الجنة والمآب : المرجع والمنقلب.

٣٠ ـ (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ) يا محمد (فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ ...) أرسل سبحانه إلى الأمم الماضية رسلا مبشرين ومنذرين ، ولهذه الغاية بالذات أرسل محمدا ، فأي بدع في ذلك؟ فما هم بأول قوم أرسل الله إليهم رسولا ، ولا هو بأول رسول يتلو على الناس ما أوحي إليه من ربه (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وأنتم به كافرون (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في جميع أموري (وَإِلَيْهِ مَتابِ) من تاب بمعنى رجع.

٣١ ـ (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) تحركت ومشت تلقائيا (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) إلى أجزاء ، ويستقل كل جزء بنفسه عن الآخر (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) أحياها القرآن وأخرجها من القبور ، وجواب «لو» محذوف ، والتقدير لو حدث كل ذلك ما آمنوا بالقرآن ولا بمحمد (ص) والسر أن الحق يجذب إليه من يؤمن به وبوجوده مستقلا عن ذاته وشهواته ، وهو يتوخاه ويبحث عنه ليعمل به ، أما من لا يرى الحق والخير إلا فيما يشتهي ويهوى ـ فيستحيل ان يفهم إلا بلغة الهوى والغرض أو بلغة القوة حتى ولو تحول الجبل قطارا ، والقطار جبلا (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) المراد بالذين آمنوا هنا خصوص صحابة الرسول (ص) حيث تمنوا متلهفين أن يؤمن المشركون بالله ورسوله ، فقال لهم سبحانه : ألم تيأسوا من إيمان هؤلاء المعاندين؟ وإلى متى تطمعون في هدايتهم؟ ولو شاء ، جلت حكمته ، لألجأهم إلى الإيمان وإن كانوا له كارهين ، فدعوهم لشأنهم (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) المراد بالذين كفروا هنا خصوص من كذب وحارب محمدا ، والمعنى أن هؤلاء الطغاة لا يتركهم الله في الدنيا من غير تأديب ، بل ينزل عليهم الكوارث والبلايا ، أو ينزلها بالقرب منهم حتى تمتلئ قلوبهم رعبا عسى أن يتعظ بعضهم ويؤمن.

٣٢ ـ (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بالعذاب يقول سبحانه لنبيه مسليا : هون عليك ما أصابك من قومك ، فلك أسوة بمن كان قبلك من الأنبياء ، فقد تألب عليهم أقوامهم ، وجعلوا يؤذونهم بأيديهم وألسنتهم ، فأطلت لهم وأمهلت ، ثم أخذتهم أخذا وبيلا.

٣٣ ـ ٣٤ ـ (أَفَمَنْ هُوَ) أي الله سبحانه (قائِمٌ)

٣٢٦

رقيب (عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) من خير أو شر أحق أن يعبد أم هذه الأصنام؟ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ) اكشفوا عن أسماء ما تعبدن ، لننظر : هل هم جديرون باسم آلهة أو اسم شركاء مع الله أو اسم شفعاء عنده؟

(أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) لا وجود لشركاء الله وإلا لعلم بهم ، وذكر سبحانه الأرض لأن الشركاء المزعومة أرضية لا سماوية (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) أم أن شركاء الله قول فارغ من المعنى وظاهر بلا واقع (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) أي مكر الشيطان بعبدة الأصنام ، وزين لهم أنهم شركاء الله (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) بعد أن غرق المشركون في الضلالة والغواية ، ابتعدوا عن الحق وسبيله (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) لأنه أصر على رفض الهداية (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) لا أحد يهديه إلا أن يحاسب نفسه ، ويرجع إلى رشده ، ويتوب إلى ربه.

٣٥ ـ (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ...) لما ذكر سبحانه عقاب الجاحدين بثواب المتقين : روح وريحان وجنة نعيم.

٣٦ ـ (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يقول سبحانه لنبيه ، ان الذين أسلموا من اليهود كعبد الله بن سلام وأصحابه ومن النصارى كالنجاشي وأتباعه يفرحون كثيرا بالآيات التي تنزل عليك من ربك ، لأنها تزيدهم إيمانا وثقة بدينهم الجديد.

(وَمِنَ الْأَحْزابِ) الذين تألبوا عليك يا محمد ، وأصروا على الكفر والضلال (مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) بعض ما جاءك من الحق لأنه مخالف لهواه ، ويعترف بما يوافقه ، وما من شك أن اعترافه وإنكاره بمنزلة سواء ما دام الحق عنده هو ما يشتهي ويهوى.

٣٧ ـ (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا) المراد بالحكم هنا القرآن لأنه حكم الله ، وكما أرسل كل نبي قبل محمد بلغة قومه فقد أرسل محمد (ص) كذلك (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ ...) تقدم في الآية ١٢٠ من البقرة وغيرها.

___________________________________

الإعراب : أفمن (من) اسم موصول مبتدأ والخبر محذوف أي كمن ليس كذلك. وهو قائم مبتدأ وخبر ، والجملة صلة الموصول. أم تنبئونه (أم) منقطعة بمعنى بل والهمزة أي بل أتنبئونه. ومن يضلل (من) مبتدأ وفما نافية ، وله متعلق بمحذوف خبرا لهاد ، ومن الداخلة عليه زائدة إعرابا ، والجملة خبر من يضلل الله.

٣٢٧

٣٨ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) ترد هذه الآية على من أنكر نبوة محمد (ص) لأنه بشر يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق ، ويأتي الزوجات ، ويولد له ، ووجه الرد : ثم ما ذا؟ إن محمدا رسول قد خلت من قبله الرسل ، وكلهم كانوا يفعلون كفعله تماما كسائر الناس (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) اقترحوا على محمد (ص) معجزات من وحي الهوى والشيطان ، فقال لهم : ما أنا وذا؟ الأمر كله بيد الله (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) مدة مضروبة بعلم الله ، لا تتقدم ولا تتأخر.

٣٩ ـ (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) المراد بأم الكتاب علمه تعالى ، وللمفسرين في المحو والإثبات ثمانية أقوال. وفي رأينا أن ظاهر المحو والإثبات في هذه الآية ، يعم ويشمل من كان على ضلال في دينه ثم اهتدى ، أو بالعكس ، وهذا محو لأن كلا من الكفر والإسلام يجب ما قبله ، أما البقاء على الكفر أو الإيمان حتى الممات فهو إثبات ومثله أو قريب منه ظاهر الآية ٩٨ من الأنعام : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) وأيضا يشمل المحو نسخ بعض الآيات أو الأحكام والإثبات بقاءها إلى يوم يبعثون ، وتقدم الحديث عن النسخ في تفسير الآية ١٠٦ من البقرة.

٤٠ ـ (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) أي نريك يا محمد ما يحل باعدائك من الخزي والفشل والهوان وأنت حي (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل ذلك.

٤١ ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) وفي الجزء الأول من أصول الكافي عن أهل البيت (ع) ، أن المراد بنقص الأرض من أطرافها ذهاب العلماء وموتهم ، ونحن نفهم من كلمة «العلماء» بلا قيد وإضافة في أحاديث أهل البيت ـ الأئمة المعصومين دون غيرهم.

(وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) متى حكم سبحانه حكما فلا يتعقبه أحد برد أو تغيير أو تقليم أو تطعيم.

٤٢ ـ (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل قولك يا محمد ، مكروا برسلهم ، وفعلوا بهم الأفاعيل ، فمكر الله بهم ، وأذاقهم سوء العذاب (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) أي يبطل مكر كل ماكر ، ويعاقبه عقاب الماكرين ، وتقدم في الآية ٥٤ من آل عمران.

٤٣ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً) لأنك تقف مع الضعفاء والمساكين ، وتثور على الظلم والظالمين ، أما الشواهد والدلائل على صدقك وأمانتك فهي لأحرار الصدق والحق لا لجبابرة البغي والفساد (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) الله يشهد لي بأني رسوله الصادق الأمين ، ويحكم بأنكم على غي وضلال ، وأيضا يشهد لي على مدى العصور والأيام كل مؤرخ منصف وكل عالم محايد بأني رسول الخير والانسانية ، وأنكم مثال الشر والجاهلية. والله سبحانه المسئول أن يثبتنا على دين محمد ، ويوفقنا للعمل بسنته ، عليه وعلى آله أفضل الصلوات.

٣٢٨

سورة ابراهيم

مكّيّة وهي اثنتان وخمسون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ ٢ ـ (الر) تقدم الكلام عن مثله في أول البقرة (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) الخطاب لمحمد ، والمراد بالكتاب القرآن ، وبالظلمات الجهل والتخلف ، وبالنور العلم والتقدم ، وحين نزلت هذه الآية وأخواتها كان العرب أهل جاهلية وأمة أمية ، يعبدون الأحجار ، ويأتون القبائح والفواحش ، ويأكل القوي منهم الضعيف ، وبعد القرآن أصبح العرب قادة العلم الحديث ورادة الخلق الكريم ، ومعنى هذا أن القرآن قد صدق بنبوءته هذه تماما كما صدق بنبوءته عن وقعة بدر ، وعن انتصار الروم بعد هزيمتها وغيرها من النبوءات ، وأيضا معنى هذا أن القرآن حق وصدق.

٣ ـ (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) يؤثرون الباطل على الحق لا لشيء إلا لأنهم ينقادون بمعدتهم وشهوتهم لا بعقلهم وفطرتهم (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) قد ضلوا وأضلوا كثيرا عن سواء السبيل (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) يطلبون الاعوجاج لسبيل الله بالتحريف والتزييف والدس والمؤامرات ولا يختص هذا بالملحدين والمشركين ، فإن كثيرا من المسلمين يكذبون ويخونون ويحرفون ويتآمرون على الإسلام والمسلمين مع أعدائه وأعدائهم.

٤ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) سبل الحق والنجاة ، ويفهموا عنه ، وتتحقق الغاية من رسالته وينبغي التنبيه إلى الفرق بين كلمة وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ، وبين كلمة ما أرسلنا رسولا إلا لأهل لسانه ولغته ، فالصيغة الأولى لا تمنع أن يكون الرسول.

عاما ولغته خاصة ، على عكس الصيغة الثانية ، فإنها تحصر رسالة الرسول بقومه وحدهم (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ ...) ولا بشاء إلا بعد البيان والعصيان ، قال سبحانه : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) ـ ١١٥ التوبة» وتقدم في الآية ٢٦ من البقرة وغيرها.

___________________________________

الإعراب : (كِتابٌ) خبر لمبتدأ محذوف أي هذا كتاب. وجملة أنزلناه صفة لكتاب. والى صراط العزيز بدل من قوله الى النور باعادة حرف الجر. و (اللهِ الَّذِي) الله بدل من العزيز ، و (الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ) الخ. صفة لله أي مالك السموات والأرض وما فيهما. وله خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر ، والجملة صلة الموصول. (وَوَيْلٌ) مبتدأ ، وللكافرين خبر و (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ) عطف بيان من الكافرين أو صفة أي المستحبين. و (عِوَجاً) مصدر في موضع الحال أي معوجين ضالين. ويجوز أن يكون عوجا مفعولا به إذا قدرت ويبغون لها العوج. فيضل بالرفع ، ولا يجوز النصب بالعطف على ليبين ، حيث يصير المعنى ان الله أرسل الرسول ليضل.

٣٢٩

٥ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) كالعصا واليد البيضاء والجراد وغير ذلك (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) من الكفر والضلال إلى الهدى والإيمان تماما كغيره من الأنبياء (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) ومنها التحرر من أسر فرعون وظلمه ، وإنزال المن والسلوى.

٦ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ ...) ذكر موسى (ع) بني إسرائيل بنعمة الخلاص من الذبح والاسترقاق ومن كل بلاء ، فلم يذكروا ولم يشكروا ، بل جحدوا وتمردوا على الله وعلى موسى.

٧ ـ ٨ ـ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) آذنكم وأعلمكم (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) من ثواب الآخرة بدليل قوله تعالى : (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) من الكفران لا من الكفر (إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) وما من شك أن المراد بهذا العذاب عذاب الآخرة ، وإذا كان جزاء كفران النعم.

في الآخرة فكذلك جزاء شكرها بدلالة السياق وطبيعة الحال ، إضافة إلى أن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل ، وإلى قوله تعالى : (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) ـ ٣٣ الزخرف».

٩ ـ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) قال كثير من المفسرين : إن هذا من قول موسى لقومه ، والسياق لا يأباه ، ولكن ما رأيت في فهرس الكتاب المقدس ولا في قاموسه ، ذكرا لعاد وثمود ، وإذن فلا ذكر لهما في التوراة المعروفة ، وعليه يكون الكلام مستأنفا لا من قول موسى (لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) أي لا يعلم عدد أنبياء الله إلا هو ، وفيه تكذيب لمن قال : هم ١٢٤ ألفا أو ألف أو ثلاثمائة ... إلى آخر الأقوال ، إضافة إلى قوله تعالى : (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) ـ ١٦٤ النساء» (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) الضمير لقوم نوح ومن بعدهم ، ورد اليد إلى الفم كناية عن الغيظ ، ومثله (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) ـ ١١٩ آل عمران».

___________________________________

الإعراب : (أَنْ أَخْرِجْ) ان مفسرة بمعنى أي. وجملة يسومونكم حال من آل فرعون. وفي ذلكم بلاء مبتدأ وخبر. وإذ تأذن معطوف على إذ أنجاكم. و (لَئِنْ شَكَرْتُمْ) اللام للتوطئة تدخل على الشرط لتدل على ان الجواب له وللشرط معا. (لَأَزِيدَنَّكُمْ) اللام وما دخلت عليه سادان مسد جواب القسم والشرط. (قَوْمِ نُوحٍ) من قبلكم ، وما بعده معطوف على قوم نوح. وجملة لا يعلمهم إلا الله حال من الذين من بعدهم. وقال كثيرون ، منهم الزمخشري والبيضاوي قالوا : انها معترضة. ولم ندرك وجه الاعتراض لأنه لا يكون إلا بين أمرين يطلب كل منهما الآخر ، ولا شيء من ذلك هنا لأن جملة جاءتهم رسلهم استئناف لا محل لها من الاعراب ، فكأن سائلا يسأل : وما هو نبأ الذين من قبلهم؟. فأجاب : (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ) الخ. و (فِي أَفْواهِهِمْ) قيل : في هنا بمعنى الى ، أي الى أفواههم.

٣٣٠

١٠ ـ (أَفِي اللهِ شَكٌ) أي ينبغي أن لا يكون في وجود الله شك ، لأن سلطانه وبرهانه قائم في كل شيء حتى في الجاحدين والمشككين ، وفي يقيني أن ما من جاحد بالله على وجه الأرض ، يتحرر من كل طارئ يصده عن معرفة الحق ويستهدف الكشف عنه لوجه الحق ـ الا تحول جحوده هذا إلى الإيمان الراسخ ، ولكن أين هو هذا؟ ولما ذا لا يوجد إلا قليلا؟ لأن الإنسان بطبعه أناني ينجذب ويتصرف على. ساس المصلحة التي يحسها وينتفع بها في الحياة الدنيا ، أما بعد الموت فهو غيب في غيب! (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فكيف اختاركم الله لوحيه من دون الناس أجمعين؟ (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بمعجزة نقترحها نحن كما نهوى ونريد.

١١ ـ (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) هل ادعينا نحن بأننا آلهة أو نصف آلهة أو ملائكة حتى تقولوا إن أنتم إلا بشر؟ (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) إنه تعالى يختار من عباده البشر من هو كفء لوحيه ورسالته كما يختار أحدكم من هو أهل لوديعته وأمانته؟ (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) لقد أتيناكم بالمعجزات الكافية الوافية في الدلالة على صدقنا ، أما ما تقترحون علينا من الخوارق فهي في قبضة الله وحده ، وتقدم في الآية ٣٧ من الأنعام وغيرها.

١٢ ـ (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) كيف لا نتوكل عليه وقد أتم علينا نعمته الكبرى ، وهي التي أشاروا إليها بقولهم : (وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) التي يجب أن نسلكها إلى طاعته ومرضاته (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا) والصبر على الأذى في سبيل الله والحق من شيم الأحرار والصفوة الأخيار ، أما الذين ينهارون للصدمة الأولى فهم داء الحياة وأعداؤها (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) التوكل الأول في صدر الآية كان من أجل الشكر على الهداية ، أما التوكل الثاني في آخر الآية فهو للاستعانة بالله على وطأة الصبر وثقله.

١٣ ـ ١٤ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) في الآية ٨٢ من الأعراف : (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) هذا هو ذنب الطاهر عند العاهر ، والمخلص عند الخائن.

(فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ...) أوحى سبحانه إلى رسله : لا تفكروا إطلاقا بتهديد الطغاة ووعيدهم ، سنقضي عليهم ، ونورث المؤمنين أرضهم وديارهم وأموالهم وفي الحديث من آذى جاره ورثه الله داره.

___________________________________

الإعراب : (أَفِي اللهِ شَكٌ) مبتدأ وخبر ، والاستفهام للإنكار ، وفاطر صفة لله. والمصدر المنسبك من (أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ) اسم كان ، ولنا خبرها. و (ما لَنا) ما استفهام في موضع رفع بالابتداء ، ولنا خبر ، والمصدر من ألا نتوكل مجرور بفي محذوفة. وقال أبو البقاء : يجوز أن يكون حالا أي غير متوكلين.

٣٣١

١٥ ـ (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) استنصر الأنبياء ربهم على قومهم بعد اليأس من هدايتهم فاستجاب ، وأهلك الطغاة والمستبدين.

١٦ ـ (مِنْ وَرائِهِ) أي بين يدي الجبار العنيد (جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) وفي بعض التفاسير : «أن الصديد خليط من قيح ودم ، يسيل من فروج الزناة في النار» وهذه أبشع صورة وأفظع عقاب للطغاة والزناة ، هؤلاء يبولون الصديد ، وأولئك يكرعون منه ويتجرعون! فيا له من درس لمن اعتدى أو يعتدي على عرض أو نفس أو حرية أو مال! سبحانك ربنا ما خلقت عذابك هذا إلا بالحق والعدل وما أخذت به إلا من هو أهل لأكثر منه ، ١٧ ـ (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) لنتنه وقذارته وحرارته ومرارته ، فإذا بلغ الأمعاء قطعها ، وأذابها حتى تخرج من أسفله ، ثم تتبدل الأمعاء من جديد ويكرع. وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية أو يشاء الله.

١٨ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) وكل من يعمل الخير بدافع شيطاني تجاري لا إلهي إنساني ـ فهو بحكم الذين كفروا من حيث الأجر والثواب. وفي نهج البلاغة : «اعملوا بغير رياء ولا سمعة ، فإنه من عمل لغير الله يكله الله إلى من عمل له» (لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) لا يرون يوم القيامة ثوابا لعملهم ، وإن كان خيرا لأنه وسيلة الماكر المحتال (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) كل البعد عن الخير والهداية.

١٩ ـ ٢٠ ـ (أَلَمْ تَرَ) ألم تعلم ، والخطاب موجه لكل من يقرأ ويسمع (أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) لحكمة اقتضت ذلك. ومن طبيعة العالم القادر أن يعمل بموجب علمه وقدرته ، وإلا فأية جدوى من العلم والقدرة (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) أجل من خلق الكون بمن فيه وما فيه قادر على أن يفنيه ، ويأتي بغيره بمجرد أن يريد ذلك بلا آلات وأدوات ، وجوارح ومواد.

٢١ ـ (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) يخرج كل الخلائق يوم القيامة من القبور ويقفون بين يدي الله لنقاش الحساب ، وجاء الفعل بصيغة الماضي ، لأنه محقق الوقوع (فَقالَ الضُّعَفاءُ) وهم الأتباع للقادة الأقوياء (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم الأقوياء الذين استنكفوا عن دعوة الحق ، وحاربوه بكل سلاح : (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) في الحياة الدنيا ، نسمع لكم ونطيع. وفي نهج البلاغة : لا تطيعوا الأدعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم ، وخلطتم بصحتكم مرضهم ، وأدخلتم في حقكم باطلهم (فَهَلْ أَنْتُمْ) الآن وفي ساعة العسر هذه (مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أين قوتكم التي كنتم تشمخون بها وتتعالون؟ (قالُوا) أي القادة للأتباع : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) المراد بالهداية هنا النجاة والخلاص من عذاب الله ، لأن الجواب يأتي على

٣٣٢

وفق السؤال (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) أبدا لا مهرب من موقف العرض والحساب وموضع الثواب والعقاب. وتدلنا هذه الآية على أن ظلم الظالم ليس بأسوأ عند الله من صبر المظلوم على الظلم ، وأن عليه أن يجاهد في سبيل حقه بكل ما يملك من طاقة ، وما من شك أن الموت دفاعا عن الحرية والكرامة خير ألف مرة من حياة الذل والهوان ، قال الإمام علي (ع) : «الموت في حياتكم مقهورين ، والحياة في موتكم قاهرين». وأخيرا ، هل جرّأ الظالم على ظلمه إلّا سكوت المظلوم عنه؟ ولو علم الظالم أن بين جوانح المظلوم نفسا أبية لتحاماه.

٢٢ ـ ٢٣ ـ (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) وجاء الحق وزهق الباطل ، ودالت دولة أنصار الشيطان وأعوانه : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) في كتبه وعلى لسان رسله ، وأن الجنة لمن أطاع ، والنار لمن عصى (وَوَعَدْتُكُمْ) وقلت لكم : إن الجنة والنار كلام فارغ وحديث خرافة (فَأَخْلَفْتُكُمْ) لأنه لا يملك إلا التضليل والتزوير ، ولا يصدقه ويتبه إلا من عمي عن الحق لجهل أو هوى (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) من قوة قاهرة أو حجة ظاهرة .. هذا هو الشيطان في واقعه تماما كالتاجر ، يعرض السلعة في الأسواق على المستهلكين ، ويدعوهم إليها بكل ما يملك من وسائل الرواج والإغراء ، وللمستهلك أن يختار ، ولكن العاقل لا يأخذ بشهادة من يجر النار إلى قرصه والمنفعة إلى نفسه ، بل ينظر ويبحث ، ولا يقدم إلا بعد العلم واليقين ، ودعوة الشيطان وحجته زور وبهتان بشهادته واعترافه ، (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) بلا حجة أو بحجة زائفة كاذبة (فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) بنفس راضية تمام الرضا إذن (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) حيث تركتم الحجة اللازمة الكافية ، واتبعتم الحجة الكاذبة الزائفة (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) الصارخ هو المستغيث ، والمصرخ هو المغيث ، والمعنى أن الشيطان قول غدا لحزبه وأتباعه : ما أنا بمغن عنكم شيئا ، وما أنتم مغنون عني شيئا ، وليست بيني وبينكم أية صلة (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) إبليس يجحد بالشرك ، ما في ذلك ريب ، لأنه علامة وفهامة! ولكنه إمام الدعاة إلى الشرك وأتباعه الذين على سنته ، يطرون ويدعون إلى من يفسد في الأرض ، وهم أعلم الناس بمساوئه ومثالبه.

٢٤ ـ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) وهي كلمة الحق والخير التي تشمل بمفهومها العام كل كلمة تهدي إلى التي هي أقوم ، وتدفع بالحياة إلى ما هو أفضل وأحسن (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ) لا تزعزعه أعاصير الأكاذيب والافتراءات ، ولا معاول الدس والمؤامرات (وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) بعيد عن أوباء الأرض وأقذارها.

٢٥ ـ (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) لا تجود آنا وتبخل آنا ، بل تفيض بالخيرات ما بقي الليل والنهار (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فيشبه المعنى الباطن غير المحسوس بالمعنى الظاهر المحسوس ، ليفهم الناس الهدى فيتبعوه ، والضلال فيجتنبوه.

٢٦ ـ (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) وهي كلمة السوء والشر (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) بثمارها وآثارها (اجْتُثَّتْ

٣٣٣

مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) هذا أصدق مثل للباطل وأهله ، وأنهم يبنون من غير دعائم وأساس ، فإذا هبت رياح الحق أتت على بنيانهم من القواعد.

٢٧ ـ (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) المراد بالمؤمنين هنا الذين ترجموا إيمانهم بالإخلاص والعمل الصالح ، ومعنى تثبيتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا أن الله سبحانه قد أخبرهم في كتابه وعلى لسان نبيه أنهم في رعايته وعنايته ، أما تثبيتهم في الآخرة فهو بالأمن والأمان من الأفزاع والأسقام والتعرض للأخطار (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) لأنهم ظالمون كما قال سبحانه : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) .... (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) ـ ٢٦ و ٢٧ البقرة.».

٢٨ ـ ٢٩ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) نقل الطبري في تفسير هذه الآية أن عمر بن الخطاب قال : الذين بدلوا نعمة الله كفرا. وأحلوا قومهم دار البوار هما الأفجران : بنو المغيرة وبنو أمية ، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. ومثله في تفسير ابن كثير نقلا عن علي وعمر.

٣٠ ـ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) جمع ند ، وهو المثل والشريك ، والضد المخالف ، وأيضا يطلق على المثل والنظير ، وبعض الناس يجعلون مع الله شركاء في خلقه ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، ولكن النتيجة سفاهة وضلالة وعليه تكون اللام في قوله (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) للعاقبة لا للتعليل تماما كاللام في قول القائل : لدوا للموت وابنوا للخراب (قُلْ) يا محمد للمشركين : (تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) وامتثل النبي (ص) فذكّر وحذر ، ولكن أكثر الناس لا يفهمون إلا بلغة المكاسب والأرباح.

٣١ ـ (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) التي تذكّر المصلي بالله ، وتردعه عن الجرائم والمآثم ، وتبعث فيهم روح الحرية وعدم العبودية إلا للواحد القهار (وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) وإنفاق المال في سبيل الله والصالح العام عزة وقوة للإسلام والمسلمين.

٣٢ ـ ٣٣ ـ (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ـ إلى قوله تعالى ـ (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) كل ما جاء في هاتين الآيتين من ذكر السموات والأرض والبحر والفلك والشمس والقمر والليل والنهار ـ تقدم ويأتي ، وتسأل : لما ذا يعيد القرآن الكريم ويكرر الآيات الكونية وهي واضحة بلا تفسير؟ الجواب : فعل القرآن ذلك إيقاظا للبصائر والأبصار لكي تستدل بمظاهر الموجودات على وجود الله تعالى ، وأن هذه الكائنات بنظامها وإتقانها ، لا تكون ويستحيل أن تكون صدفة واتفاقا ، بل استدلّ بعض العارفين على نبوة محمد (ص) وصدقه ، بهذا الإمعان والاستغراق في الاستدلال بالكون وأسراره ، حيث يستحيل على ذهن محمد (ص) بحكم بيئته أن يدرك كل ما ذكره القرآن في هذا الباب ، إضافة إلى التركيز عليه والاهتمام به بالتكرار والإعادة مرات ومرات.

٣٣٤

٣٤ ـ (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) أعطى سبحانه الإنسان كل ما يحتاج إليه في حياته حتى أسباب الكمال والرفاهية التي أشار إليها بقوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) ـ ٣٢ الأعراف» (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) نحن عاجزون عن تعداد أنعم الله علينا فكيف نؤدي شكرها؟ وأفضل أنواع الشكر لله أن نطيعه ولا نعصيه (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) كل من منع حقا عن أهله ، أو بدد المال وأسرف للتضاهي والتباهي ، أو اغتر به واستكبر ـ فهو ظلوم ، أما الذي يحسب المال هو الدنيا والآخرة جميعا فهو كفّار ، ما في ذلك ريب.

٣٥ ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) من كل المخاوف ، واضح ، وتقدم بالحرف الواحد في الآية ١٢٦ من البقرة (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) ليس هذا خوفا من الميل إلى عادة الأصنام ، كيف وقد حطمها إبراهيم الخليل بيده؟ وإنما هو خوف من الله تعالى لأن مجرد الخوف من سطوته طاعة وعبادة وتعظيم وتمجيد ، ومجرد الأمن من هذه السطوة معصية ورذيلة ، قال سبحانه : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ) ـ أي عذابه ـ (إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) ٩٩ ـ الأعراف» وقال : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ٢٨ فاطر» والله سبحانه المسئول أن يهدينا ويهدي من قال أو يقول : «من مثلي»! ويقول الإمام السجاد وسيد العباد : أسألك اللهم خوف العابدين وعبادة الخاشعين».

٣٦ ـ (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ) أي الأصنام (كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) عبادة الأصنام سبب للخروج من الهدى ودين الحق (فَمَنْ تَبِعَنِي) إيمانا وعملا (فَإِنَّهُ مِنِّي) كناية عن أن القريب من الله ورسله من قربه الدين والخلق الكريم (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) اترك أمر العاصي إليك ، تفعل به ما تشاء ، وأنت حليم كريم وغفور رحيم ، وكأنّ خليل الرّحمن يسترحمه ويناشده العفو عمن عصاه وخالف أمره ورضاه ... هذا هو رب العباد ، وهذا كتابه ، وهؤلاء رسله وأنبياؤه : رحمة وسعت كل شيء ، وعطاء دونه كل عطاء ، وخير يعم ويشمل كافة الخلق التقي منهم والشقي ... ولن يكون الخالق وأنبياؤه وأولياؤه إلّا هكذا.

٣٧ ـ (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) ولكن ليس بالصلاة وحدها يحيا الإنسان ، فإن آفات الفقر ومساوئ المرض والجهل تسمم الحياة ، وتهدمها من الأساس ، ولذا قال إبراهيم لربه : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) إذا لم يكن عند بيت الله زرع وضرع فلتتوافد الناس عليه للعبادة أو للتجارة ، ومعهم الخبز والإدام ، وعندها تأكل ذرية إبراهيم ، وتصلي وتشكر ... هذا ما كان أيام الزمان ، أما اليوم فينابيع الذهب الأسود تفور من هنالك ، وتسلك السبيل المقرر لها.

٣٨ ـ (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ...) بأني ما سألتك الذي سألت لأهل بيتك المحرم إلا إخلاصا لك واعترافا بجودك وكرمك ، وأشار إبراهيم بقوله : (وَما نُعْلِنُ) إلى هذا الذي طلبه من الله تعالى ، وبقوله : (ما نُخْفِي) إلى أشياء ومآرب أخرى لم يذكرها لأنه تعالى أعلم بها وأدرى.

٣٩ ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ

٣٣٥

وَإِسْحاقَ) تقدم في الآية ٧١ من هود.

٤٠ ـ (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) وصلاة خليل الرّحمن تماما كنفسه طهرا وصفاء حتى ولو كانت سريعة وخفيفة ... وما جدوى الإطالة في الصلاة إذا كانت نفس المصلي تغلي وتفور بالحقد والحسد؟ يقول الإمام علي (ع) : ما طاب سقيه طاب غرسه وحلت ثمرته ، وما خبث سقيه خبث غرسه وأمّرت ثمرته.

٤١ ـ (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) طلب خليل الرّحمن (ع) المغفرة لوالديه في يوم الحساب تماما كما طلبها للمؤمنين ، أليس في هذا دليل على أن «آزر» المذكور في الآية ٧٤ من الأنعام ـ هو عمه أو جده لأمه كما قال كثير من علماء المسلمين؟

٤٢ ـ (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) بل هم الغافلون عن الله وحسابه ، بل وعن أنفسهم ، أما هو جلّ وعز فلا يفوته شيء من عدوانهم وطغيانهم (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) وهو يوم يخرجون من الأجداث إلى ربهم ينسلون.

٤٣ ـ (مُهْطِعِينَ) مسرعين تلبية لدعوة الداعي (مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) يرفعون رؤوسهم إلى السماء لا يرى واحدهم موطئ قدمه من الذهول والدهشة ، أما قلوبهم فلا شيء فيها إطلاقا إلّا الهلع والجزع ... فأللهم ربنا ... ما أحلمك ... صبرت على الظالم وأنت تسمع صراخ المظلوم ، يستغيث ولا يغاث حتى جاء اليوم الموعود ، فكان أشد على الظالم من يومه على المظلوم.

٤٤ ـ (وَأَنْذِرِ النَّاسَ) يا محمد (يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) بالأمس كانوا يسخرون من البعث ويضحكون على حديثه ، واليوم يتذلّلون ويقولون صاغرين نادمين : هل إلى مرد من سبيل فنسمع ونطيع ما كان أغناهم عن الحالين! ثم هل الخضوع بالعصا يسمى طاعة؟ (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) وانتقال من دار الدنيا إلى دار الآخرة وإنه لا جنة ولا نار ، فذوقوا هذا بذاك.

٤٥ ـ (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) يقول سبحانه غدا للمكذبين والمعاندين : أهلكنا من كان قبلكم لأنهم كذبوا الرسل وعاندوا الحق ، وأتيتم من بعدهم ، وسكنتم في ديارهم ، وسمعتم بأخبارهم ، وكان الأجدر أن تتعظوا وتخافوا أن يصيبكم ما أصابهم ، ولكن أبيتم إلا السير على طريق الهالكين ، فذوقوا ما قدمتم لأنفسكم.

٤٦ ـ (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) ما أرسل الله رسولا إلا مكر به الجبابرة المترفون من قومه وتآمروا عليه (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أي جزاء مكرهم والعذاب عليه (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) مهما بلغ كيدهم ومكرهم من القوة والإحكام حتى ولو أزاح الجبال الرواسي فلن يضر دين الله شيئا ، بل يعود عليهم بالهلاك والوبال.

___________________________________

الإعراب : ومن ذريتي عطف على الياء في اجعلني أي واجعل من ذريتي مقيم الصلاة.

٣٣٦

٤٧ ـ (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) وهو قوله سبحانه لأنبيائه ورسله : إنّا من المجرمين منتقمون. وقوله تعالى الصدق والعدل ، وحكمه الحق والفصل.

٤٨ ـ (يَوْمَ) القيامة (تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) حيث تصبح هباء منبثا كما في الآية ٦ من الواقعة (وَالسَّماواتُ) أيضا تتبدل ، فإنها تتساقط وتتناثر بكل ما فيها من كواكب كما في سورة الإنفطار وغيرها (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ وَبَرَزُوا) الخلائق (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) على المكشوف لا حجاب وحيل وألعاب ، وتقدم في الآية ٢١ من هذه السورة.

٤٩ ـ (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) تربط بالقيود والأغلال ملائكة العذاب أيدي المجرمين وأرجلهم وأعناقهم بعضها ببعض ، كل صنف مع صنفه.

٥٠ ـ (سَرابِيلُهُمْ) جمع سربال وهو القميص (مِنْ قَطِرانٍ) سائل أسود أشبه شيء بالحديد المذاب ، نتن الرائحة ، تسرع فيه النار اشتعالا ، تدهن به الإبل إذا جربت (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) تعلوها وتغطيها.

٥١ ـ (لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) لكل جريمة عقوبتها الخاصة بها ، ومن أجل هذا تفاوتت العقوبة وتنوعت كما وكيفا ، قال سبحانه : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

(إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) لا يحكم القاضي حتى يحقق ويدقق ، وتتوافر لديه جميع الدلائل والوسائل ، ومن أجل هذا تتعدد جلسات المحاكمة في دعوى واحدة ، وقد تبلغ العشرات ، والله سبحانه يحاكم الخلائق بالكامل ويحكم ويعاقب في سرعة تتناسب وتتفق مع علمه الذي لا يعزب عنه شيء وقدرته التي لا يعجزها أي شيء.

٥٢ ـ (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ ...) يشير سبحانه بهذا إلى القرآن الكريم ، وأن فيه من التعاليم ما يكفل للإنسان سعادة الدارين ، ومن الترغيب والترهيب ما فيه الكفاية وزيادة إذا هو أدرك معناه وعمل بمقتضاه. وبكلمة الله وقرآنه لا بكلام الشارحين له والمفسرين : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ـ ١٧ القمر».

سورة الحجر

مكية وهي تسع وتسعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (الر) تقدم في أول البقرة (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) تلك إشارة إلى هذه السورة ، وآياتها من القرآن الكريم (وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) يبين الرشد من الغي والحق من الباطل ، وهو معطوف على الكتاب لمجرد التوضيح والتفخيم.

٣٣٧

٢ ـ (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) رب هنا للتكثير و «ما» زائدة تكف رب عن العمل ، والمعنى : حين تقوم القيامة وينكشف الغطاء ، يتمنى الذين كفروا بمحمد (ص) ونبوته لو أنهم آمنوا به وعملوا برسالته.

٣ ـ (ذَرْهُمْ) يا محمد (يَأْكُلُوا) من الطيبات (وَيَتَمَتَّعُوا) بالثروات (وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) يشغلهم ويصدهم عن الحق ، وينسيهم الحساب والعقاب (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) تهديد لكل من لا يشعر بالمسؤولية وحقوق الآخرين ٤ ـ (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) والمراد بهذا الكتاب المعلوم وقت العقوبة وأجلها وكأن قائلا يقول : لما ذا لم يعجل سبحانه العقوبة للمجرمين؟

فأجاب سبحانه بأن لكل عقوبة أجلها المعلوم عند الله ، وما من شك أنه تعالى لا يعاقب إلا بعد البيان وقيام الحجة اللازمة ٥ ـ (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) واضح ، وتقدم في الآية ١٤٥ من آل عمران و ٤٩ من يونس ٦ ـ (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) هذه هي نادرة النوادر ونكتة النكات ... محمد مجنون! .. وهل من شيء أصدق في الدلالة على جنونه من هذا القرآن معجزة المعاجز ومن سيرته وآثاره وانتشار الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ... ويقال : إن المجنون يرى كل الناس مجانين. وأيضا العداء والتعصب يعمي ويصم ، ويري صاحبه الحسنى أسوأ السيئات ٧ ـ (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) هذا هو التكبر والعتو ... تحداهم القرآن أن يأتوا بسورة من مثله فقالوا : لا ، آتنا بالملائكة ، ولو جاءت الملائكة لقالوا : لا ، حتى نرى الله جهرة ، ومعنى هذا أنهم لا يريدون الإيمان بمحمد (ص) ، ولما ذا؟ لأن الإيمان به اعتراف بفضله ، والموت أخف من ذلك وأيسر.

٨ ـ (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) أي بالمصلحة الموجبة لنزول الملائكة كتبليغ الرسول أو هلاك قومه المكذبين كما فعل بالأمم الخالية (وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) لو أنزل سبحانه الملائكة لاستأصلوا الذين اقترحوهم بالكامل لإصرارهم على الضلال ، وقد يكون في وجودهم إلى حين شيء من الخير كإيمان البعض منهم أو من ذرياتهم ٩ ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) المراد بالذكر هنا القرآن الكريم ، وضمير «له» يعود عليه ، والمعنى أنّ هذا القرآن الموجود فعلا بين الدفتين المألوف المعروف لدى كل الناس هو بالذات الذي نزل على محمد (ص) بلا تقليم وتطعيم ، على العكس من الكتاب المعروف الآن بالتوراة فإنه غير الذي جاء به موسى (ع) وكذلك الكتاب المعروف بالإنجيل ، فهو غير الذي نزل على عيسى (ع). اقرأ كتاب الرحلة المدرسية للشيخ جواد البلاغي ١٠ ـ ١١ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ. وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) هوّن عليك يا محمد قول الجبابرة الطغاة : إنك لمجنون. فما أرسلنا قبلك من رسول أو نبي في فرق الأولين وطوائفهم إلا قالوا له مثل هذا وأكثر منه فصبر واحتسب ، وكانت عاقبة الدار للصابرين المتقين ، فاصبر كما صبر الأولون ، والله على نصرك لقدير ، وتقدم في الآية ٣٤ من الأنعام. ١٢ ـ (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) اختلف المفسرون في الضمير بنسلكه ، فقال قائل منهم : يعود إلى الشرك. وقال الشيخ الطبرسي : يعود إلى الذكر (أي القرآن)

٣٣٨

والمعنى «يسلك القرآن في قلوب المجرمين مكذّبا به وغير مقبول ، كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها. فتقول : هكذا اللئام تنزل الحاجة بهم مردودة غير مقضية.

١٣ ـ (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) بيان وتفسير لنسلكه في قلوب المجرمين (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) وهي فعله تعالى بمن كذّب الأنبياء حيث أهلك المكذبين الكافرين ، وأنجى الرسل والمؤمنين ١٤ ـ (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) يصعدون.

١٥ ـ (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ) سدت (أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) هذا بيان لشدة عناد الطغاة ومكابرتهم للحق ، وأن الله لو صعد بهم إلى السماء بلا سفينة فضاء لقالوا : إن هذا إلا سحر مبين ، وإنّا به لكافرون! ولا سر على الإطلاق إلا الذاتية والأنانية ، وأنهم ينظرون إلى القائل لا إلى القول ، ويرفضون كل ما يقوله عدوهم الشخصي ، وإن كان حقا وصدقا ، أما قول العلماء والحكماء : خذ الحكمة أنى كانت وتكون ، فكلام فارغ في مفهومهم.

١٦ ـ (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) قيل : المراد بالبروج هنا المنازل الاثنا عشر. وقيل : بل الكواكب ، ومهما يكن معنى البروج فإن الغرض الأول من الآية أن نتدبر قدرته تعالى في آياته الباهرات وما فيها من نظام وإتقان يحمل الدلالة الواضحة على وجود المتقن والمنظم ، وتغني عن مجيء الجن ونزول الملائكة. وفي نهج البلاغة : الحمد لله الدال على وجوده بخلقه ، وبمحدث خلقه على أزليته ، وباشتباههم على أن لا شبه له ١٧ ـ (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) كان أهل الجاهلية يعتقدون بأن لكل كاهن شيطانا يأتيه بأخبار السماء ، فكذّب سبحانه هذه الخرافة ، وإنها من وحي الجهل وسبات العقل.

١٨ ـ (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) كناية عن أن شياطين الإنس أو الجان ـ على فرض صعودهم إلى القمر أو المريخ أو غيرها من الكواكب في سفينة الفضاء ـ فإنهم أعجز وأحقر من أن يسترقوا السمع من ملائكة السماء كما زعم أهل الجاهلية ١٩ ـ (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) تقدم في الآية ٣ من الرعد (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) بميزان العلم والحكمة شكلا ومادة وتطورا» (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ـ ٥٠ طه» ٢٠ ـ (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) جمع معاش ومعيشة ، وضمير فيها يعود إلى الأرض والمعنى أن الله سبحانه أودع في الأرض أسباب الرزق والعيش بشتى صنوفها. ومع الأيام تطورت هذه الأسباب مع تقدم العلم حتى زاد الإنتاج والدخل القومي أضعافا مضاعفة عن ذي قبل. ولو لا الاحتكار والاستئثار وما تستهلكه الأسلحة الجهنمية التي تهدد الأرض بكل من وما فيها ـ لما كان لكلمة الجوع من مدلول (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) كما جعلنا لكم في الأرض معايش أيضا جعلنا فيها لغيركم من سائر المخلوقات الحية معايش ، فإن رزقها على الله لا عليكم وعلى هذا يكون «ومن لستم ...» معطوفا على «لكم» بتقدير حرف الجر أي ولمن لستم له برازقين ، لأن العطف على الضمير المجرور يستدعي تكرار حرف الجر ٢١ ـ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) ليس لله صناديق وخزائن يدخر فيها الأرزاق للمستقبل كما نفعل نحن ، وعليه فالخزائن هنا مجرد تمثيل لاقتداره وإيجاد الشيء بكلمة

٣٣٩

«كن» (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) لا يعطي سبحانه الرزق والمال اعتباطا وجزافا ، بل كل شيء عنده بمقدار وسبب يستدعيه ويوجبه

٢٢ ـ (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) توصف الرياح باللقاح لأنها تحمل السحاب الماطر إلى الشجر والنبات وأيضا تنقل لقاح الأزهار الذكور إلى الأزهار الإناث لتخرج الثمر والفواكه (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) ينزل الماء في فصل الشتاء ، فتحيا به الأرض ، وما زاد عن ريها بكل ما فيها في هذا الفصل ، يودعه الله سبحانه في الأرض للأسباب الطبيعية لاستعماله والانتفاع في بقية الفصول.

٢٣ ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) يبدئ سبحانه الخلق ثم يميته ثم يعيده (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) الباقون ، كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ٢٤ ـ ٢٥ ـ (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) ونجد تفسيره في نهج البلاغة : «علمه تعالى بالأموات الماضين كعلمه بالأحياء الباقين ، وعلمه بما في السموات العلى كعلمه بما في الأرضين السفلى».

٢٦ ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) الصلصال : طين يابس ، والحمأ : طين يميل إلى السواد ، والمسنون : طين يتكيف بسهولة ، والطين بشتى أنواعه وصنوفه ، ماء وتراب ، وأصل الإنسان تراب وماء ، خلقه الله منهما ومنحه الحياة.

٢٧ ـ (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل الإنسان (مِنْ نارِ السَّمُومِ) ومن جملة ما قرأت أن أهل الإختصاص اكتشفوا نوعا من الحشرات لا تحيا إلا بالهواء السام ، ونوعا آخر لا يحيا إلا في آبار البترول والمواد الملتهبة ، وقد يكون في الشمس أحياء تتفق في تكوينها مع حرارة الشمس. وبعض الناس ألفوا كتابا في الجن وعدد نفوسهم وبلادهم وعاداتهم وشعرائهم ورؤسائهم وزواج الإنس منهم وزواجهم من الإنس! ونحن نؤمن بالجن لا لشيء إلا لأن الوحي أثبته ، والعقل لا ينفيه ، ولكن لا نصدق أحدا يدعي رؤية الجن ، وروي عن الشافعي هذه الفتوى : «من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته».

٢٨ ـ ٣٣ ـ (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ ...) استنكف إبليس أن يسجد لآدم تكبرا وحسدا وافتخارا ، وهو على علم اليقين أنه يعصي الله جهرة بذلك ، وأن له العذاب الأليم ، وعليه لعنة الله واللاعنين ، فآثر هذا كله ومثله معه على النزول عن كبريائه ، فهل نعجب بعد قصة إبليس من فلان وعلتان ونقول : كيف يستنكف عن الحق وهو منه على علم اليقين او كيف آثر الهلاك على الخضوع لخاتم النبيين أو لغيره من المؤمنين؟ وتقدمت حكاية إبليس في الآية ٣٤ من البقرة و ١١ الأعراف ٣٤ ـ ٣٥ ـ (قالَ) سبحانه لإبليس (فَاخْرُجْ مِنْها) من المنزلة الرفيعة التي أنت فيها (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) مرجوم وملعون ٣٦ ـ (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ليفعل غيلته وغوايته ٣٧ ـ ٣٨ ـ (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) تركه سبحانه محكا يميز به بين الطيب والخبيث ، وهو سبحانه العالم بمضمرات القلوب ، ولكن أبى سبحانه أن يثيب إلا من جاهد ميوله وأهواءه.

٣٩ ـ (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) أي ابتليتني وامتحنتني به من الأمر بالسجود لآدم الذي أوقعني في الغي

٣٤٠