التفسير المبين

محمّد جواد مغنية

التفسير المبين

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-465-000-X
الصفحات: ٨٣٠

١

سورة الفاتحة وهي مكّيّة سبع آيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ البسملة آية من السورة ، واسم الجلالة (اللهِ) أصله إله ، فحذفت الهمزة ، وعوّض ب «ال» التعريف فصار اللفظ (اللهِ) ويختص بمن حقت له العبادة دون غيره. أما «الرحمن الرحيم فقد ورد الصادق (ع) أنه قال : «الرحمن» اسم خاص بصفة عامة ، و «الرحيم» اسم عام بصفة خاصة ، أي أن الرحمن اسم علم على ذات الله وحده ، ولا يطلق على غيره ، ولذا تقدم على الرحيم ، ولكن صفة الرحمة فيه تعم المؤمن والكافر من حيث الخلق والرزق في الحياة الدنيا ، والرحيم اسم عام حيث يطلق على الخالق. والمخلوق ، وصفة الرحمة فيه تختص بالمؤمن المطيع يوم القيامة.

٢ ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الحمد والمدح بمعنى واحد ، وهو الثناء باللسان ، أما الشكر فيكون بالقلب واللسان (رَبِّ الْعالَمِينَ) والرب هو السيد المالك ، والعالمين الخلق كله ، وكلمة الرب بلا قيد لا تطلق إلا عليه تعالى ، وتطلق على غيره مع القيد كرب الدار ورب الضيعة.

٣ ـ (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مرّ معناهما.

٤ ـ (مالِكِ) ويجوز ملك كقوله تعالى : (مَلِكِ النَّاسِ) والمراد : أن الله يملك الأمر كله (يَوْمِ الدِّينِ) أي يوم الجزاء من قولهم كما تدين تدان.

٥ ـ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أيّا : مفعول نعبد ، والكاف حرف خطاب لا محل لها من الإعراب ، والمعنى نعبدك ، وتقدم المفعول بقصد اختصاص العبادة بالله وحده ، ومثله (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أي لا نطلب المعونة إلا منك.

٦ ـ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) هذه الآية بيان وتفسير للآية قبلها ، والمعنى أن المعونة التي نطلبها منك يا إلهنا هي الهداية إلى الطرق المؤدية إلى مرضاتك وجنتك ، وليس من شك أن الطريق إلى ذلك معرفة الدين الحنيف والعمل به.

٧ ـ (صِراطَ) هذا الصراط هو عين الصراط الأول وبدل منه ، لأنه صراط (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بالخلق والرزق والهداية. إلى الحق والسلامة من غضب الله (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ومعنى غضبه تعالى الانتقام منهم وإنزال العقاب بهم (وَلَا الضَّالِّينَ) والضلال في الدين الانحراف عن الحق.

٢

سورة البقرة

مدنيّة وهي ست وثمانون ومائتان آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (الم) هذا اللفظ المركب من حروف الهجاء ونظائره مثل (الر) ، و (حم) وغير ذلك ـ يسمى فواتح السور ، واختلف فيه المفسرون فقيل : هو اسم للسورة. ـ ولكن ورد عن أئمتنا (ع) انه من المتشابهات والمبهمات التي استأثر الله بعلمها ولا يعلم تأويلها غيره.

٢ ـ (ذلِكَ الْكِتابُ) إشارة الى القرآن الكريم (لا رَيْبَ فِيهِ) حيث بلغ الغاية والنهاية في وضوح الدلالة على صدقه ، لأنه المعجزة الإلهية التي تحدى بها سبحانه كل جاحد ومعاند (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) والهدى هو الدليل المرشد إلى التي هي أقوم ، و «المتقين جمع المتقي ، والمراد بهم هنا الذين يرغبون في طاعة الله ورسوله ، ويعدونها ذخرا ونصرا.

٣ ـ (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) المراد بهذا الغيب كل ما خفي وغاب عن علم العباد مما نزل على قلب محمد (ص) كالبعث والنشر والجنة والنار وما إلى ذلك مما لا ينكره العقل ، أما ما يرفض العقل السليم فلا يسمى غيبا ، بل أسطورة وخرافة (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يحافظون عليها ، ويؤدونها على أصولها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) يتصدقون ببعض ما يملكون من المال الحلال الطيّب.

٤ ـ (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الخطاب لرسول الله (ص) والمعنى : لا بد أن يكون مع الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، الإيمان بنبوتك يا محمد (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) وأيضا لا بد من الإيمان بكل نبي آمنت أنت بنبوته وما أنزل إليه من الوحي (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) هذا هو الأصل الثالث من أصول الإسلام ، فمن آمن بالله ونبوة محمد ، ولم يؤمن بالآخرة فليس بمسلم ، وكذلك من آمن بالله واليوم الآخر ، ولم يؤمن بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٣

٥ ـ (أُولئِكَ) إشارة إلى الذين اتصفوا بالخصال السابقة النبيلة الفاضلة (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) أبدا لا هدى إلا هدى الله وحده ، وأهل تلك الخصال الحميدة متمكنون منه ومستقرون عليه (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) كرر سبحانه كلمة أولئك للتنبيه إلى أنهم قد تميزوا عن غيرهم بفضيلتين : الهدى إلى دين الحق والفلاح والظفر بمرضاة الله وثوابه.

٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) سواء بمعنى الاستواء وهو هنا خبر إن الذين ، والإنذار : التحذير من العذاب ، لما قدم سبحانه ذكر الأتقياء عقّبه بذكر الأشقياء ، وأنهم لا يستجيبون لداعي الله ، وإن بالغ في الوعيد والتهديد.

٧ ـ (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) الختم والغشاوة هنا كناية عن أنهم قد بلغوا الغاية القصوى في العناد والمكابرة حتى كأن قلوبهم مقفلة لا ينفذ إليها شيء ، وعلى أبصارهم غطاء لا يرون معه شيئا.

٨ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) ذكر سبحانه أولا الذين آمنوا سرا وعلانية ، ثم ثنى بالذين كفروا كذلك قلبا ولسانا ، ثم ثلّث بالذين أسرّوا الكفر وأعلنوا الإيمان ، وهم المنافقون ، وذنبهم عند الله سبحانه أعظم من ذنب الكفرة الفجرة ...

٩ ـ (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) إن الله لا يخدع ، ولكن المنافقين صنعوا صنع الخادعين حيث تظاهروا بالإيمان وهم كافرون ، فأمر الله نبيه والصحابة أن يعاملوهم معاملة المسلمين ، وغدا يجري سبحانه معهم حساب المشركين (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لأن عاقبة النفاق والخداع تعود عليهم بالضرر لا على غيرهم (وَما يَشْعُرُونَ) بسوء المصير.

١٠ ـ (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ومرض القلب هو النفاق والاعتقاد الفاسد والحقد والحسد ونحو ذلك من الرذائل (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) وذلك بأن المنافقين حسدوا النبي على عظيم مقامه ، فزاده الله عظمة وعلوّا. فازدادوا حسدا على حسد أي مرضا على مرض (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) فيه إشارة إلى أن الإنسان لا يعذب على مجرد الحسد ما دام في القلب فقط ، وإنما يعذب إذا ظهر للحسد أثر محسوس كالكذب والافتراء على المحسود ونحو ذلك.

١١ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) كان المنافقون يتجسّسون على المسلمين ، ويفشون أسرارهم للأعداء ، وإذا نهوا عن هذا الفساد (قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) خالصون من كل عيب ، فإذا بهذا الزعم فساد إلى فساد.

١٢ ـ (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) لا يرون ما هم فيه من عيوب وعورات.

١٣ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) أي صدقوا رسول الله (ص) كما صدّقه إخوانكم وأصحابكم كعبد الله بن سلام وغيره (قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) السفه : خفة الحلم وسخافة العقل ، أما النفاق فهو : فساد العقيدة (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) أي يجهلون أنهم جاهلون وهذا أبلغ الذم.

٤

١٤ ـ (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) كذبا ونفاقا (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) وهم رؤساؤهم من أعداء الإسلام والمسلمين (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) على الكفر والكره لمحمد (ص) (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) بالإسلام والمسلمين.

١٥ ـ (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) ومعنى استهزائه تعالى الإذلال في الدنيا والعذاب في الآخرة (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) يدعهم وشأنهم يتمادون في الغيّ والضلال (يَعْمَهُونَ) العمه في البصيرة ، والعمى في القلب.

١٦ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) أحبوا الباطل وآثروه على دين الحقّ (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) لأن المطلوب في التجارة الربح مع سلامة رأس المال ، والمنافقون أضاعوهما معا ، لأن الهدى عند الله سبحانه هو رأس المال ، وقد ذهب أو بعد عن المنافقين ، وتبعه الربح حيث لا بقاء لفرع بلا أصل.

١٧ ـ (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي) المراد بذلك هنا الجنس الشامل للجماعة تماما كقوله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) ـ ٦٩ التوبة» أي الذين خاضوا (اسْتَوْقَدَ ناراً) أشعلها (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) امتد ضوؤها إلى الأشياء التي حول من أوقدها (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) خمدت النار ولا نور يستضيئون به (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) بقوا متحيّرين متحسرين حيث لا يدرون أين يذهبون؟ وما ذا يفعلون ..؟

١٨ ـ (صُمٌ) لا يسمعون (بُكْمٌ) لا ينطقون (عُمْيٌ) لا يبصرون على سلامة الآذان والألسن والأبصار ، ولكنهم لما رفضوا الاستماع للحق والنطق به والنظر إليه ، أصبحوا كمن فقد هذه الحواس من الأساس (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) إلى الرشد ، ولا ينتهون عن البغي بعد أن أصبحوا كالصم البكم العمي.

١٩ ـ (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) هذا تمثيل آخر لحال المنافقين ، والصيّب مطر ينزل من السماء (فِيهِ ظُلُماتٌ) دامسة (وَرَعْدٌ) قاصف (وَبَرْقٌ) خاطف (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) يقال : صعقته الصاعقة فصعق أي فمات ، والمنافقون دائما في قلق وخوف من كشف حقيقتهم ولا ملجأ لهم تماما كمن أتته الصاعقة فاتقاها بسد أذنيه (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) كلنا نتقلّب في قبضته جلّت عظمته ، ولا مفرّ منه إلا إليه.

٢٠ ـ (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) كناية عن شدة الهول (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) خطوة أو خطوتين (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) إذا خفي البرق وقفوا حائرين (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) لو أراد سبحانه لزاد في قصف الرعد فأصمّهم وفي برق البرق فأعماهم (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) واضح بلا تفسير.

٥

٢١ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) حقا وصدقا لا رياء ونفاقا (الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) لما عدّد سبحانه فرق المكلّفين من المؤمنين والكافرين والمنافقين ـ أفهمهم جميعا أنه هو وحده خالق الأولين والآخرين ورازقهم ، فعليهم أن يعبدوه ويطيعوه (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ما من شك أن من يصلي لله مخلصا له الدين فإنّه يتّقي معاصيه أيضا في غير الصلاة.

٢٢ ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) مستقرا لا غنى عنه (وَالسَّماءَ بِناءً) كالقبة المضروبة على هذا المستقر بحسب الرؤية البصرية (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) لتشكروا الله على فضله ، وتفكروا في خلقه ولتعلموا أنه هو الخالق الذي ليس كمثله شيء (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) شركاء (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي تعقلون وتميّزون وتدركون أنه لا خلق بلا خالق.

٢٣ ـ (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) بعد ما ذكر سبحانه وجوب الإيمان به أشار إلى وجوب الإيمان بمحمد (ص) ، ومن الأدلة عليه هذا التحدي : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) الضمير يعود إلى القرآن ، وسميّت الآية المعيّنة المحدودة سورة تشبيها بسور المدينة الذي يحيط بمساكن معيّنة محدودة (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أرسل سبحانه محمدا للناس بحجّة كافية. وهي إعجاز القرآن بما فيه من معان وبيان. وتحدى من جحد بأن يأتي بسورة مثله مبني ومعنى. ثم يقارن في حضور العقلاء بين القرآن وبين ما يأتي به الجاحد ، فإن شهدوا أنهما بمنزلة سواء فليبق على كفره بل وليدع إلى الكفر بمحمد ورسالته ، وإن شهد العقلاء بعجزه فهو الكاذب والمفتري ، أما محمد (ص) فهو الصادق الأمين.

٢٤ ـ (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) القطع بالعجز قبل أن يحاولوا تحدّثان ، وكفى بعجزهم رغم المحاولة شاهدا ودليلا (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) الوقود ما يوقد به ، والفرق بين نار جهنم ونار الدنيا أن وقود الأولى ناس وحجارة كانت من قبل أصناما. ووقود الثانية بترول وفحم وحطب.

٢٥ ـ (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) بعد أن هدّد وتوعد الكافرين بالجحيم وعد وبشر المؤمنين بالنعيم (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) في اللون دون الطعم (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) من كل عيب ودنس روحا وجسما (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) ملك قائم ونعيم دائم.

٢٦ ـ (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما

____________________________________

ملاحظة : ان القرآن معجزة بما هو كلام الله ، بصرف النظر عن العربي البليغ وغيره ، وانما نعرف المعجزة ، ونكتشفها من عجز العربي البليغ ، تماما كما نكتشف من عجز بطل السباحة العالمي في البحر الهائج عجز سواه ، مع التقدير بأنه الأول في بطولة السباحة.

٦

فَوْقَها) «ما» زائدة للتوكيد ، وبعوضة مفعول أول ، ومثلا مفعول ثان. قال المشركون : الله لا يضرب الأمثال بالبعوضة الحقيرة ، فردّ سبحانه بأنه لا يترك التمثيل بالبعوضة ترك المستحي ما دام القصد من التمثيل مجرد التفهيم والتقريب إلى العقول والأذهان (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) أي أن أهل العلم والعقل لا يرون التمثيل بالبعوضة منافيا لجلال الله وعظمته (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) يقولون ذلك جهلا أو تضليلا (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) السبب المباشر للإضلال هو التمثيل بالبعوضة ، وأسند إلى الله تعالى في الظاهر لأنه هو الذي ضرب المثل. أشبه بما لو عملت عملا جليلا فمات عدوّك حسدا ، فأيّ ذنب فعلت؟ (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) من العقلاء الراغبين في الهداية (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) أبدا لا سلطان للشيطان إلا على أوليائه.

٢٧ ـ (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ) يفسخون (عَهْدَ اللهِ) وهو إعمال العقل والعمل بوحيه كما قال سبحانه : أفلا تعقلون أفلا تتفكرون؟ (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) الميثاق الثبوت والإحكام (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) كالبر بالرحم ونصرة الحق (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالجرائم والآثام والتناحر على الحطام (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) وكل مبطل خاسر.

٢٨ ـ (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) نطفا في أصلاب الآباء (فَأَحْياكُمْ) فأخرجكم منها ذكورا وإناثا (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بعد الحياة (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) بعد الموت (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) للحساب والجزاء.

٢٩ ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) فيه دلالة على أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يثبت العكس (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) قصد إليها بإرادته (فَسَوَّاهُنَ) هذا الضمير يفسّره قوله سبحانه (سَبْعَ سَماواتٍ) ومعنى سواهن عدّل خلقهنّ على ما تقتضيه الحكمة (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وأيضا غفور رحيم.

٣٠ ـ (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) وهو آدم وذريته (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) وعرف الملائكة ذلك منه تعالى بطريق أو بآخر (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) التسبيح تنزيه لله تعالى. ، وبحمدك في موضع الحال أي نسبّح حامدين (وَنُقَدِّسُ لَكَ)

____________________________________

الاعراب : يصح أن تكون (ما) من قوله تعالى : (مَثَلاً ما) زائدا جيء بها للتوكيد ، و (بَعُوضَةً) مفعولا أولا ، و (مَثَلاً) مفعولا ثانيا مقدما ، والتقدير ان الله لا يترك جعل البعوضة مثلا ، وقيل : يجوز أن يكون (مَثَلاً) حالا من (بَعُوضَةً). وأيضا يجوز أن تكون (ما) اسما مبهما بمعنى شيء من الأشياء ، وعليه تكون مفعولا ليضرب ، وبعوضة بدلا منها ، ومفعولا ثانيا مقدما ، والتقدير ان الله لا يترك جعل شيء من الأشياء مثلا ، حتى ولو كان هذا الشيء بعوضة.

٧

نطهّر أنفسنا بطاعتك (قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) أبدا لا يفعل سبحانه شيئا إلا لحكمة بالغة ، وكثيرا ما تختفي عن إدراك الناس والملائكة أيضا.

٣١ ـ (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) أي أسماء الكائنات كالنبات والحيوان والجبال والوديان ... (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) أي عرض الكائنات وأعاد عليها ضمير «هم» لأن في الكائنات عقلاء فجاء الضمير تغليبا للعاقل على غيره (فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) الكائنات (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي عارفين بالحكمة من جعل آدم خليفة في الأرض.

٣٢ ـ (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) وليس هذا مما علّمتنا إيّاه حتى نعرفه (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) بكل شيء (الْحَكِيمُ) فيما تفعل أو تترك.

٣٣ ـ (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) ليعلموا أنك أهل ومحل لخلافة الله (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) أي بأسماء الأشياء وجنسها (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما فيهنّ وما بينهنّ (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) قبل أن تبدوه (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) من كل شيء.

٣٤ ـ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) أمرهم بالسجود لآدم تعظيما لشأنه (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ) لأنه رأى نفسه أجلّ وأعظم من آدم (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) حيث رأى أمر الله له بالسجود لآدم ظلما وجورا.

٣٥ ـ (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ضمير أنت توكيد للضمير المستتر في اسكن ، وزوجك مرفوع عطفا عليه (وَكُلا مِنْها رَغَداً) واسعا رافها (حَيْثُ شِئْتُما) من بقاع الجنّة (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) لا تأكلا منها (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) بفعل ما أمر الله بتركه.

٣٦ ـ (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ) بحبائله (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) من نعمة وكرامة (وَقُلْنَا اهْبِطُوا) انزلوا ، وجمع سبحانه الضمير ، لأن آدم وحواء أبوا البشر (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) إشارة إلى ما سوف يحدث بين الناس من تشاجر وتناحر

__________________

الإعراب : (زَوْجُكَ) معطوف على الفاعل ، و (رَغَداً) قائم مقام المفعول المطلق ، والتقدير أكلا رغدا ، أي واسعا ، و (الشَّجَرَةَ) بدل من هذه ، و (فَتَكُونا) منصوبة بأن مضمرة بعد الفاء ، و (بَعْضُكُمْ) مبتدأ ، و (عَدُوٌّ) خبر ، و (لِبَعْضٍ) متعلق بعدو ، وإما مؤلفة من كلمتين ان الشرطية ، وما الزائدة ، وانما زيدت للتوكيد ، وهي التي سوغت دخول نون التوكيد على يأتينّكم ، تماما كقوله تعالى : (فَإِمَّا تَرَيِنَ) ، وقوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ).

٨

(وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) موضع الاستقرار (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) يتمتعون بالعيش إلى الموت.

٣٧ ـ (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) ندم آدم على ما كان ، فألهمه الله كلمات توسّل بها إليه أن يغفر ويصفح. وفي رواية عن أهل البيت (ع) أن هذه الكلمات أسماء أصحاب الكساء (ع) (فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التواب : كثير القبول للتوبة حيث يقبلها من كل تائب.

٣٨ ـ (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) كرّر سبحانه كلمة «اهبطوا» للتوكيد (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) من نبي مرسل أو كتاب منزل (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) أي اتبع رسولي وعمل بكتابي (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من العقاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على فوات الثواب.

٣٩ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) واضح بلا تفسير.

٤٠ ـ (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) إسرائيل لقب يعقوب ، وأراد سبحانه بالنعمة هنا. ما أنعمه على آبائهم من كثرة الأنبياء (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) من الإيمان والطاعة (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) من حسن الثواب (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) تهديد ووعيد إذا نقضوا العهد.

٤١ ـ (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ) على محمد (ص) (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) من توراة موسى (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) أي بمحمد (ص) وأنتم تعلمون أنه الصادق الأمين (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) يشير بهذا إلى رؤساء اليهود الذين أنكروا الحق حرصا على السيادة والرياسة (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ).

٤٢ ـ (وَلا تَلْبِسُوا) لا تخلطوا (الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) وهو نص التوراة على نبوّة محمّد (ص) (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) بأنكم تكتمون ما أنزل الله.

٤٣ ـ (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) أي مع المسلمين ، لأن صلاة اليهود لا ركوع فيها.

٤٤ ـ (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) كانوا يأمرون أقاربهم في السرّ باتباع محمد (ص) ولا يتّبعونه (وَأَنْتُمْ

____________________________________

الإعراب : (إِسْرائِيلَ) مجرور بالاضافة ، ومنع من الصرف للعجمة والتعريف ، و (إِيَّايَ) ضمير منصوب على انه مفعول لفعل محذوف دل عليه الموجود أي ارهبوا إياي ، ولا يجوز أن يكون مفعولا لما بعد الفاء ، لأن ما بعدها لا يعمل بما قبلها ، وترهبون تقديره ترهبوني ، حذفت الياء للتخفيف ، وموافقة رؤوس الآيات ، ومثله (فَاتَّقُونِ) ، و (أَنْزَلْتُ) مفعوله محذوف تقديره أنزلته ، ومصدقا حال منه.

٩

تَتْلُونَ الْكِتابَ) التوراة (أَفَلا تَعْقِلُونَ) قبح ما تفعلون.

٤٥ ـ (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) استعينوا على البلايا بالصبر عليها والالتجاء إلى الصلاة (وَإِنَّها) الصلاة (لَكَبِيرَةٌ) لثقيلة (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) لأنهم يتوقعون الأجر عليها من الله سبحانه.

٤٦ ـ (الَّذِينَ يَظُنُّونَ) يقطعون (أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) وثوابه (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) لا محالة.

٤٧ ـ (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) بالتحرر من العبودية لفرعون وغير ذلك (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) بكثرة الأنبياء.

٤٨ ـ (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) ومثله تماما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) هذا مختصّ باليهود لأنهم قالوا : آباؤنا شفعاؤنا (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) فدية (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) المراد ب «هم» النفس التي تقدّم ذكرها ولكن باعتبارها جنسا يدل على الكثرة.

٤٩ ـ (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) فرعون اسم لمن ملك تماما كقيصر وكسرى (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) يبغونكم خسفا وإذلالا (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) يبقوهنّ أحياء للخدمة (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أنجاكم الله منه ولكن لا تشكرون.

٥٠ ـ (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) صار مسالك لكم (فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) أي ينظر بعضكم بعضا وأنتم سائرون في قلب البحر آمنين مطمئنين.

٥١ ـ (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) وعدناه بالتوراة وضربنا له هذا الميقات (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ) مضى موسى ليأتي بالتوراة. فعبد اليهود العجل (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) بهذا الشرك والارتداد.

٥٢ ـ (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) إشارة إلى ارتدادهم وشركهم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النعمة في العفو عنكم.

٥٣ ـ (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة (وَالْفُرْقانَ)

____________________________________

الإعراب : (يَوْماً) قائم مقام المفعول به بعد حذفه ، أي اتقوا عذاب يوم ، أو شر يوم. و (شَيْئاً) أيضا مفعول به ، وقيل يجوز جعله مفعولا مطلقا ، لأن معنى الشيء هنا الجزاء. (فِرْعَوْنَ) ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة ، و (سُوءَ الْعَذابِ) مفعول مطلق ، لأن معنى (يَسُومُونَكُمْ) يعذبونكم.

١٠

يفرّق بين الحق والباطل والحلال والحرام (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) بنوره.

٥٤ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) معبودا وليس لله ندّ وشبيه (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) خالقكم (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي ليقتل من بقي على الإيمان منكم من ارتد عن دينه إلى عبادة العجل (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) من الإصرار على الشرك (فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي فعلتم ذلك فصفح وغفر سبحانه وتعالى (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) لمن تاب بإخلاص.

٥٥ ـ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) عيانا (فَأَخَذَتْكُمُ) أماتتكم (الصَّاعِقَةُ) نار من السماء (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إلى الصاعقة.

٥٦ ـ (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) في الدنيا (مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) لاستكمال آجالكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة الله.

٥٧ ـ (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) كان ذلك في التيه حيث سخّر لهم الله السحاب يظللهم من الشمس (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَ) مادة لزجة تشبه العسل (وَالسَّلْوى) طائر يعرف بالسّمّن (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي قال لهم سبحانه : كلوا ... (وَما ظَلَمُونا) بكفرهم وعنادهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) كل من غلبة الهوى ظالم لنفسه.

٥٨ ـ (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) قيل هي أريحا ، ولم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى (فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) واسعا (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) شكرا لله (وَقُولُوا حِطَّةٌ) حطّ عنّا ذنوبنا (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) ان فعلتم ما تؤمرون (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) كل من اتقى وأحسن يزيده الله من فضله.

٥٩ ـ (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم (قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) قيل : إنهم قالوا مكان حطة حنطة استهزاء منهم

____________________________________

الإعراب : (يا قَوْمِ) منادى مضاف الى ياء المتكلم ، ثم حذفت الياء ، واجتزئ عنها بالكسرة ، و (جَهْرَةً) قائم مقام المفعول المطلق ، و (كُلُوا) فعل أمر ، والجملة محل نصب مفعول لفعل محذوف ، تقديره قلنا كلوا. (الْقَرْيَةَ) عطف بيان من هذا ، و (رَغَداً) نائب عن المفعول المطلق ، أي أكلا رغدا ، و (سُجَّداً) حال من واو الجماعة في (ادْخُلُوا) ، وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل ، كعدل بمعنى عادل ، وحطة خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير مسألتنا أو أمرنا (حِطَّةٌ) ، تماما مثل صبر جميل أي حالنا صبر جميل ، مع العلم بأن النصب جائز أيضا.

١١

(فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً) عذابا (مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) يحرّفون.

٦٠ ـ (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ) عطش بنو إسرائيل في التيه ، فطلب لهم موسى الماء من الله تعالى (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) فضربه بعصاه (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) وهذه معجزة أخرى لموسى خصّه الله بها إضافة إلى سائر المعجزات (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) كانوا ١٢ قبيلة لكل منها عين (كُلُوا) المن والسلوى (وَاشْرَبُوا) من هذه العيون ، وهي (مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) العثي أشد الفساد ، ومنه الشرك والإلحاد.

٦١ ـ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) نسب قول السلف إلى الخلف لأنهم على نهج واحد ، ويطلق الطعام الواحد على الذي لا يتغيّر ، وإن كان من لونين أو أكثر ، والمراد به هنا المن والسلوى (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها) وهو ما تنبته الأرض من الخضر (وَقِثَّائِها) نوع من الخيار (وَفُومِها) الحنطة (وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ) لهم موسى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى) دون (بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) وأفضل (اهْبِطُوا مِصْراً) انحدروا إليها (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) من العدس والبصل ونحو ذلك (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) والذلة أنواع منها أن تجتمع كلمة أهل الأرض شرقها وغربها ، على مقتهم وكراهيتهم ، ومنها أن تكون مهمتهم مهمة الكلب العقور يحرس مصالح صاحبه ، ومنها أن لا يستطيعوا العيش إلا باللصوصية والنهب والنفاق والمراوغة ... (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) أصبحوا جديرين بعذابه (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) بيان للسبب الموجب لغضب الله والناس عليهم ، (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) كزكريا ويحيى وشيعا (بِغَيْرِ الْحَقِ) بلا جرم (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) كرر سبحانه ذلك بأنهم كانوا يكفرون وذلك بأنهم عصوا لمجرد التوكيد.

٦٢ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بألسنتهم فقط (وَالَّذِينَ هادُوا) أي اليهود (وَالنَّصارى) جمع نصران للمذكر ونصرانة للمؤنث ، والياء في النصراني للمبالغة لا للنسبة (وَالصَّابِئِينَ) وهم قوم عدلوا عن اليهودية والنصرانية إلى

____________________________________

الإعراب : (اثْنَتا عَشْرَةَ) كلمتان نزلتا منزلة الكلمة الواحدة ، أعرب الصدر لمكان الألف رفعا ، والياء جرا ونصبا ، وبني العجز لأنه بمنزلة نون الاثنين ، هكذا قال النحاة ، و (عَيْناً) تمييز. (يُخْرِجْ) مضارع مجزوم جوابا لفعل الأمر ، وهو (فَادْعُ) ، وذلك مبتدأ وخبره (بِأَنَّهُمْ كانُوا) ، ومثله ذلك (بِما عَصَوْا).

١٢

عبادة الملائكة والنجوم (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً) من كان من هؤلاء الفئات الأربع فعدل وآمن بالله ورسوله واليوم الآخر إيمانا خالصا وعمل عملا صالحا (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) لإيمانهم الخالص وعملهم الصالح (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من العقاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على فوات الثواب.

٦٣ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) بالعمل على ما في التوراة ، لأن الخطاب مع بني إسرائيل (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) جبل ، لما جاء موسى (ع) بالتوراة رفضها بنو إسرائيل فرارا من التكاليف الشاقة فارتفع الجبل فوقهم تخويفا فأذعنوا (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) من كتاب التوراة (بِقُوَّةٍ) بعزيمة ويقين (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) لا تهملوا منه شيئا (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لتكونوا من أهل التقوى.

٦٤ ـ (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أعرضتم عن التوراة (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بإمهاله لكم (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) الهالكين بتعجيل العذاب.

٦٥ ـ (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) حيث تجاوزوا الحد واصطادوا الحيتان المنهي عنها (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) ممسوخين مطرودين.

٦٦ ـ (فَجَعَلْناها) المسخة (نَكالاً) عقابا وعبرة (لِما بَيْنَ يَدَيْها) أي عبرة لمن حضرها وشاهدها في ذلك العهد (وَما خَلْفَها) أي عبرة لمن بعدها أيضا (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) أي ولكل من يتعظ ويعتبر ويبتغي أن يكون من الصالحين.

٦٧ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) كان في بني إسرائيل شيخ غنيّ ، فقتله قرابته ليرثوه ، واتهموا بعض بني إسرائيل ، وطالبوهم بدمه ، فثار الخلاف بينهم ، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ، ويضربوه ببعضها فيحيا ، ويخبرهم بالقاتل (قالُوا) لموسى : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي من المستهزئين.

٦٨ ـ (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) ظنوا أن البقرة عجيبة الشأن ، فسألوا عن أوصافها (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) ليست مسنّة (وَلا بِكْرٌ) لا صغيرة ، بل هي (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) لا صغيرة ولا كبيرة بل وسط (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) من ذبح هذه البقرة.

____________________________________

الإعراب : (مَنْ) من قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بدل بعض من كل من الأصناف الثلاثة ، وهم اليهود والصابئة والنصارى ، وقوله (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) مبتدأ وخبر ، والجملة خبر انّ ودخلت الفاء على الخبر لمكان الموصول المتضمن لمعنى الشرط ، وخوف مبتدأ وخبره عليهم ، وأهملت (لا) عن العمل لمكان التكرار.

١٣

٦٩ ـ (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها) يزدادون بيانا للوصف (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) حسنة الصفار (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) النظرة إلى الجميل تبعث السرور حتى ولو كان ثورا أو بقرة.

٧٠ ـ (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ) الموصوف بالصفرة كثير (تَشابَهَ عَلَيْنا) أيها نذبح؟ (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) إلى البقرة المراد ذبحها.

٧١ ـ (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) تمرنت على العمل لا (تُثِيرُ الْأَرْضَ) لا تحرث (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) أي لا تدير النواعير (مُسَلَّمَةٌ) سلّمها الله من كل عيب (لا شِيَةَ فِيها) لونها أصفر بالكامل حتى قرنها وظلفها (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) أي بالوصف الشامل (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) لخوف الفضيحة أو لغلاء الثمن أو لهما معا.

٧٢ ـ (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) المراد بالنفس المقتول الذي سبق ذكره (فَادَّارَأْتُمْ فِيها) تخاصمتم في أمرها (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) أظهر الحقيقة.

٧٣ ـ (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ) هذا الضمير يرجع للقتيل (بِبَعْضِها) أي بعض البقرة المذبوحة (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) لما ضربوا الميت بجزء من البقرة قام بإذن الله وقال قتلني فلان فقتلوه قصاصا (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) على أنه تعالى قادر على كل شيء (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أن من قدر على إحياء نفس واحدة قادر على إحياء كل النفوس.

٧٤ ـ (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) الخطاب لكل اليهود بالنظر إلى أن الخلف مثل السلف (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) إشارة إلى كل المراحل التي مروا بها (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) أي من عرفها شبّهها بالحجارة أو أقسى (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) في بعض الصخور خروق واسعة يتدفق منها ماء غزير (وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ) ينشق طولا أو عرضا (فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) دون الأنهار كالعيون (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ) يتردى من أعلى الجبال (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) كناية عن أن الحجارة تسكن أو تتحرك تبعا للسبب الموجب ، أما اليهود فيعاكسون ويشاكسون

____________________________________

الإعراب : (ما هِيَ) مبتدأ وخبر ، والجملة مفعول يبين ، (لا فارِضٌ) صفة للبقرة ، والصفة إذا كانت منفية بلا وجب تكرارها ، فلا يجوز أن تقول : مررت برجل لا كريم وتسكت ، بل لا بد أن تعطف عليه (وَلا) شجاع ، وما أشبه ، و (عَوانٌ) خبر لمبتدأ محذوف ، أي هي عوان ، و (فاقِعٌ) صفة للبقرة ، ولونها فاعل لفاقع. (أَوْ) هنا للتقسيم ، أي ان بعض قلوبهم (كَالْحِجارَةِ) ، وبعضها (أَشَدُّ قَسْوَةً) منها ، وأشد خبر مبتدأ محذوف ، وقسوة تمييز ، والضمير في (مِنْهُ) يعود الى (مَا) ، وفي (مِنْها) يعود الى الحجارة.

١٤

(وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وتجزون بما أسلفتم.

٧٥ ـ (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) ضمير الغائب لليهود والخطاب للنبيّ (ص) والمسلمين (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) من أسلافهم (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) في التوراة (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) كما فعلوا في صفة محمد (ص) (مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) دون أية شبهة (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي عن قصد وعمد.

٧٦ ـ (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) بأن محمدا رسول الله حقا وصدقا بنص التوراة (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) ولا رقيب (قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) من نص التوراة على صفة محمد (ص) (لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) أي ليكون لهم الحجّة عليكم (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أنكم أسأتم لأنفسكم.

٧٧ ـ (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من الكفر (وَما يُعْلِنُونَ) من الإيمان المزيّف.

٧٨ ـ (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) من اليهود من يحفظ التوراة تلاوة لا دراية (إِلَّا أَمانِيَ) وكل ما يرجوه من هذا الحفظ أن يثيبه الله عليه تماما كبعض الجهلة من المسلمين (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) يجهلون.

٧٩ ـ (فَوَيْلٌ) العذاب (لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ) التوراة المحرّفة (بِأَيْدِيهِمْ) للتوكيد كما تقول : رأيت بعيني (ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ) كذبا وافتراء (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) من العوام (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) عذاب على أصل التحريف ، وثان على كتابته ليخلد ، وثالث على ثمنه.

٨٠ ـ (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) أربعين يوما بعدد الأيام التي عبدوا فيها العجل (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) فأين هو؟ فإن أعطاكم الله إيّاه (فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) ومن أوفى به منه؟

____________________________________

الإعراب : (لِيُحَاجُّوكُمْ) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام. (وَيْلٌ) مبتدأ ، وخبره للذين ، ويجوز نصبه على تقدير جعل الله الويل للذين ، لأن ويلا لا فعل له ، قال هذا صاحب تفسير البحر المحيط ، وقال أيضا : إذا أضيفت ويلا مثل ويل زيد فالنصب أرجح من الرفع ، وإذا أفردته مثل ويل لزيد فالرفع أرجح.

١٥

(أَمْ) (بل) (تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) تماما كقولكم : نحن شعب الله المختار.

٨١ ـ (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) بلى تمسّكم النار لكثرة مخازيكم (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) من كل جانب (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) المراد بالسيئة ، والخطيئة هنا الشرك ، لأن ما عداه لا يستدعي الخلود.

٨٢ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) تقدم التفسير في الآية ٢٥.

٨٣ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) كل من آمن بالله فقد أعطاه عهدا وميثاقا بالسمع والطاعة (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) إخبار في معنى النهي (وَبِالْوالِدَيْنِ) وتحسنون بهما (إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى) بالصلة والحنان (وَالْيَتامى) بالعناية والاهتمام (وَالْمَساكِينِ) بأداء ما لهم من حق الله (وَقُولُوا لِلنَّاسِ) كل الناس (حُسْناً) تماما كما تحبون أن يقال لكم (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) بأجزائها وشروطها (وَآتُوا الزَّكاةَ) بكاملها (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) عن أمر الله وطاعته (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) تمردا وعنادا.

٨٤ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) ما زال الخطاب مع بني إسرائيل (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أي لا يفعل ذلك بعضكم ببعض (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) بوجوب ذلك عليكم (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) على أنفسكم بأنفسكم.

٨٥ ـ (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) القوي منكم يقتل الضعيف ، ويطرده من بيته علما بأن دين الاثنين واحد ، وهذا نقض لما أبرمتموه من قبل (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) تتعاونون على التنكيل بهم (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ) كان اليهودي القوي لا يرى بأسا بقتل اليهودي الضعيف ، ولكن إذا أسر غير اليهودي يهوديا ضحّى اليهودي القوي بالمال لفدائه وإطلاقه ، فقال لهم سبحانه : كيف تستجيزون قتل بعضكم ، ولا تستجيزون ترك فدائهم! (وَهُوَ) أي القتل والإخراج

____________________________________

الإعراب : (لا تَعْبُدُونَ) إنشاء في صيغة الخبر ، أي لا تعبدوا ، وقد يأتي الأمر بصيغة الخبر أيضا ، مثل : تؤمنون بالله ، أي آمنوا بالله ، قال صاحب المجمع : ويؤكد ذلك انه عطف عليه بالأمر ، وهو قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، أي أحسنوا بالوالدين إحسانا ، وقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ). أمورا : (قَلِيلاً) قائم مقام المفعول المطلق ، أي إيمانا قليلا يؤمنون ، وجيء بما لمجرد التوكيد. بلى حرف جواب لاثبات ما بعد النفي ، يقال : ما فعلت كذا؟ فتجيب : بلى ، أي فعلت. ونعم جواب الإيجاب ، يقال : فعلت كذا؟ فتجيب : نعم ، أي فعلت.

١٦

(مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ) أي بالفداء (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) أي بالقتل والإخراج (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ) هوان وخسران (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) الذي أعدّه الله لأعدائه (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) بل نحن الغافلون عمّن لا يغفل عنّا.

٨٦ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) رضوا بالعاجلة عوضا عن الآجلة (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) وهذه عاقبة كل أفّاك أثيم.

٨٧ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة نزلت جملة واحدة (وَقَفَّيْنا) اتبعنا (مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) كثيرا (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) المعجزات الواضحات (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) جبريل أو أن عيسى (ع) هو بالذات يحمل روحا قدسية (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ) الخطاب لليهود (رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) لا لشيء إلا لأنه حق (اسْتَكْبَرْتُمْ) ونفرتم من الإيمان بالعدل والصدق (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ) كعيسى ومحمد (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) كزكريا ويحيى.

٨٨ ـ (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) في غلاف لا ترى ولا تسمع بطبعها (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) أي ليست قلوب اليهود صمّاء عمياء بالطبع. بل بالإصرار على الفساد والعناد (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) ما زائدة للتوكيد ، وقليلا صفة لمفعول مطلق محذوف أي فإيمانا قليلا.

٨٩ ـ (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) وهو القرآن (مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) من التوراة والإنجيل كذبوا القرآن (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ) كان اليهود من قبل محمد (ص) (يَسْتَفْتِحُونَ) يستنصرون بمحمد (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) من المشركين ويقولون لهم : غدا يأتي محمد وترون (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) من الحق (كَفَرُوا بِهِ) بغيا وحسدا (فَلَعْنَةُ اللهِ) غضبه وعذابه (عَلَى الْكافِرِينَ) بالحق أيّا كانوا ويكونون

____________________________________

الإعراب : (مُصَدِّقٌ) صفة (كِتابٌ) ، وجواب (لَمَّا) الأولى محذوف دل عليه جواب لما الثانية ، وهو كفروا به. بئس للذم ، ونعم للمدح ، وإذا كان الاسم بعدهما محلىّ بالألف واللام فهو فاعل أبدا ، نحو نعم الرجل زيد ، وبئس الرجل زيد ، وزيد مبتدأ ، خبره جملة بئس الرجل ، أو نعم الرجل. وإذا كان ما بعدها نكرة ، مثل نعم رجلا ، وبئس رجلا فهو منصوب أبدا على التمييز ، وفاعل نعم وبئس ضمير مستتر يفسره التمييز. وان اتصلت بهما (ما) مثل نعما و (بِئْسَمَا) فان كانت (ما) بمعنى الشيء فهي فاعل ، وان كانت بمعنى شيئا فهي تمييز.

١٧

٩٠ ـ (بِئْسَمَا) للذم (اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) باعوها (أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) هذا بيان لسبب الذمّ ، وهو كفرهم بما جاء في التوراة من البشارة بمحمد (ص) (بَغْياً) ظلما وحسدا (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) وهو الوحي والنبوّة (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) لأنه أعلم حيث يجعل رسالته (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) صاروا جديرين بغضب متوال لكفرهم بنبيّ الحق وبغيهم عليه (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) عظيم.

٩١ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) سواء أنزل على رجل منكم أم من غيركم (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) على رجل منا (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) بما ينزل على رجل من غير اليهود (وَهُوَ الْحَقُ) القرآن (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) من توراة موسى (ع) وإذا كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بنفس التوراة (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) لقد جمعتم أيّها اليهود بين قتل الأنبياء وادعاء الإيمان بالتوراة التي تحرم قتل الأنبياء ، وهذا عين التناقض!.

٩٢ ـ (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) المعجزات الدالة على صدقه (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) إلها معبودا (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد مجيئه بالمعجزات (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) ومأواكم جهنم وبئس المصير.

٩٣ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) تقدم بالحرف في الآية ٦٣ (وَاسْمَعُوا) لما أمرتم به في التوراة (قالُوا سَمِعْنا) قولك (وَعَصَيْنا) أمرك (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) تغلغل حبه في أعماقهم (بِكُفْرِهِمْ) بسبب الكفر (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ) قبحا لكم ولإيمانكم بالعجل وعبادته ، هذا (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) كما تزعمون كذبا وافتراء بأنكم على دين موسى وتوراته.

٩٤ ـ (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ) الجنّة (خالِصَةً) خاصة بكم (مِنْ دُونِ النَّاسِ) كما تزعمون (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) من أيقن أنه من أهل الجنّة اشتقاق إليها ، قال أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن (ع) لا يبالي أبوك ، على الموت سقط أم عليه سقط الموت.

____________________________________

الاعراب : وعليه يجوز أن تكون ما في بئسما في الآية اسما موصولا مرفوعا على انها فاعل بئس ، وجملة (اشْتَرَوْا) صلة ، ويجوز أن تكون ما نكرة بمعنى شيئا وجملة اشتروا صفة ، وعلى التقديرين فان المصدر المنسبك من (أَنْ يَكْفُرُوا) محله الرفع بالابتداء ، وجملة بئسما خبر. وبغيا مفعول من أجله ، والمصدر من (أَنْ يُنَزِّلَ) منصوب بنزع الخافض ، أي لأن ينزل.

١٨

٩٥ ـ (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) وكان كما أخبر القرآن (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من التحريف والكذب على الله (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) هذا تهديد ووعيد.

٩٦ ـ (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) أي منفعتهم الخاصة (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) أيضا اليهود أحرص على المنفعة الخاصة من المشركين (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ) اليهود (لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ) هذا الضمير يعود على «أحدهم» (بِمُزَحْزِحِهِ) لا يبتعد (مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) أبدا لا نجاة لهم من النار سواء أعاشوا ألفا أم ألوفا (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) ويعاملهم بما يستحقون.

٩٧ ـ (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) تومئ هذه الآية إلى أن اليهود كانوا يكرهون جبريل (فَإِنَّهُ) جبريل (نَزَّلَهُ) القرآن (عَلى قَلْبِكَ) يا محمد (بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من التوراة والإنجيل (وَهُدىً) إلى نهج السبيل (وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) بالثواب الجزيل.

٩٨ ـ (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) أعاد ذكر جبريل وميكال بعد ذكر الملائكة لفضلهما (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) فيه دلالة على أن عداوة الملائكة كفر.

٩٩ ـ (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) الخطاب لمحمد (ص) (آياتٍ بَيِّناتٍ) معجزات واضحات (وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ) المتمردون على الحق.

١٠٠ ـ (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) اليهود موصوفون بنقض العهد ، وقال سبحانه : فريق منهم لأن بعضهم لم ينقض (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بأن نقض العهد ذنب.

١٠١ ـ (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) لخيرهم وسعادتهم (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) التوراة (كِتابَ اللهِ) القرآن (وَراءَ ظُهُورِهِمْ)

____________________________________

الإعراب : (جِبْرِيلَ وَمِيكالَ) ممنوعان من الصرف للعلمية والعجمة .. وقال صاحب مجمع البيان ، وصاحب البحر المحيط : (ان جواب (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) محذوف تقديره فهو كافر ، أو ما أشبه وقد دل عليه الموجود ، وعلله صاحب البحر بأن الجواب لا بد أن يكون فيه ضمير يعود على (مَنْ) التي هي اسم الشرط ، وقوله تعالى : (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) ليس فيه ضمير يعود على من ، لأن ضمير (فَإِنَّهُ) عائد علىّ جبريل ، وضمير (نَزَّلَهُ) عائد على القرآن ... و (مُصَدِّقاً) حال من الضمير في الضمير في نزله ، وهدى وبشرى معطوفان عليه.

١٩

كناية عن الإعراض (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) بأن القرآن حق وصدق.

١٠٢ ـ (وَاتَّبَعُوا) الضمير للفريق المذكور من اليهود (ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) المراد بهم المشعوذون (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) كان هؤلاء الشياطين أو المشعوذون في زمن سليمان يكتبون ما يزعمونه سحرا ، ويقولون للناس هذا علم سليمان ، وبه سخّر الإنس والجنّ والريح (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) هو منزّه عن هذه النسبة الكاذبة (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) باستعمال هذا السحر والكذب في نسبته إلى سليمان (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) أي الكذب والغواية (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) كما كان الناس آنذاك يسمّونهما بذلك (بِبابِلَ) بلد في العراق (هارُوتَ وَمارُوتَ) بدل من الملكين (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) ابتلاء (فَلا تَكْفُرْ) أي لا تتعلّم معتقدا أنه حقّ فتكفر (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما) أي يتعلم الناس من الملكين (ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) تدليسا وتمويها كالنفث في العقد ونحو ذلك (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بحيث يترتّب الضرر على سبب مألوف ، قال الإمام الصادق () أبى الله أن يجري الأمور إلا على أسبابها (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) لأنه مجرّد شعوذة (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) اختار الشعوذة على الحق (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) نصيب (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) أي باعوا أنفسهم بأنجس الأثمان (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) هم يعلمون بدليل قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا ...) ولكن من لا يعمل بعلمه فهو أسوأ حالا من الجاهل.

١٠٣ ـ (وَلَوْ أَنَّهُمْ) اليهود (آمَنُوا) بمحمد (ص) (وَاتَّقَوْا) تاركين العناد (لَمَثُوبَةٌ) جواب لو (مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) مما هم فيه من الضلال حتى ولو كانت هذه المثوبة يسيرة (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) هذا تجهيل للعالم الذي لا يعمل بعلمه.

١٠٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) النداء للصحابة (لا تَقُولُوا راعِنا) كان النبيّ (ص) إذا حدّث المسلمين يقولون له «راعنا» يريدون تمهل علينا كي نستوعب كلامك ، وكانت هذه الكلمة سبة عند اليهود ، فاستغلوها وخاطبوا النبيّ بها بنيّة السّوء ، فنهى النبي المسلمين وقال لهم : (وَقُولُوا انْظُرْنا) أي راقبنا وانتظرنا حتى نفهم (وَاسْمَعُوا) أحسنوا الاستماع للنبيّ حين يتكلّم (وَلِلْكافِرِينَ) اليهود الذين قالوا للنبيّ «راعنا» بخبث (عَذابٌ أَلِيمٌ).

____________________________________

الإعراب : (هارُوتَ وَمارُوتَ) بدل مفصل من مجمل من الملكين ، وهما ممنوعان من الصرف للعلمية والعجمة. ومن زائدة ، أي (ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) ، وما هما بضارين به أحدا.

٢٠