مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه

آية الله الشيخ حسين النوري الهمداني

مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين النوري الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-230-0
الصفحات: ١٧٦

أرادوا الاستفتاء أو تنازع اثنان يعمدون إلى أفقه الفقهاء وأكثرهم جمعا للأخبار.

قلت : فكان هذا اجماعا منهم على جواز الأمرين وانه لا تعيّن في البين.

وبالجملة لا ريب في اجماع أصحاب الرسول والأئمّة عليهم‌السلام على ما ذكر (أي على جواز الرجوع إلى غير الأعلم) ومثله حجّة بلا إشكال.

... ثم قال : ثالثها تقرير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام لأصحابهم ولغيرهم من العوام القريبين منهم والبعيدين عنهم على المراجعة في الفتيا إلى غير الأعلم.

ورابعها : لو فرض تساوي أصحابهم في المرتبة فلا ريب ان الخليفة أعلم.

مضافا إلى السيرة الكاشفة المستمرة إلى زمن الأئمّة عليهم‌السلام على رجوع غير العالم إلى العلماء وإلى إطلاق جملة من الأخبار من قبيل : «فللعوام أن يقلّدوه» ، «اعمدا في دينكما على كل مسنّ في حبّنا» ، «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا» انتهى بتلخيص منّا. (١)

وإذا تبيّن مقالة القائلين بجواز تقليد غير الأعلم ومستندهم فاللازم تحقيق الكلام في مقامين :

الأوّل : فيما يقتضيه الأصل كي يرجع إليه لو لم يكن اطلاق حاكم عليه.

والثاني : فيما تقتضيه الأدلّة العقليّة والنقلية.

__________________

(١) كتاب القضاء للعلّامة الكني ص ٣٠ ـ ٣٥.

٦١

وتقريب جريان الأصل فيما نحن فيه حيث ان الأمر دائر بين التخيير والتعيين يتّضح بذكر امور :

الأوّل : ان التخيير على أقسام :

القسم الأول : التخيير العقلي الثابت في تعلق الوجوب بطبيعة ذات أفراد فإن التخيير بين أفرادها انما يكون بحكم العقل ، فإذا قال اعتق رقبة يحكم العقل بتساوي أفرادها في تعلق الحكم بها فالإتيان بأيّ فرد منها يوجب الامتثال وسقوط الأمر.

القسم الثاني : التخيير الشرعي الذي يتكفّله الخطاب كخصال الكفّارة من عتق رقبة وصيام شهرين واطعام ستّين مسكينا ، فالتخيير بينها شرعي.

والقسم الثالث : التخيير العقلي الثابت في باب التزاحم فإذا قال انقذ الغريق ولكن المكلّف لم يكن قادرا إلّا على انقاذ واحد من الغريقين فالعقل يحكم بالتخيير بينهما مع تساوي ملاكيهما وبتعيّن انقاذ أحدهما مع أهميّة ملاكه من ملاك الآخر ، وكذا مع احتمال أهمّية ملاكه فالتخيير حينئذ عقليّ ناش من التزاحم في مقام الامتثال وليس بينهما تزاحم في مقام الجعل (والتزاحم في مقام الجعل المسمّى بتزاحم الملاكات باب آخر وهو غير ما نحن فيه).

القسم الرابع : التخيير بين فعل شيء وتركه لدوران حكمه بين الوجوب والحرمة مع عدم مرجّح لأحدهما والتخيير فيه قهري وتكوينيّ ، فإن التخيير في دوران الأمر بين المحذورين ليس شرعيّا ولا عقليا ، أمّا عدم كونه شرعيا فواضح ، لأنّ حكم الفعل واقعا واحد معيّن امّا الوجوب

٦٢

أو الحرمة ، وامّا عدم كونه عقليا فلعدم الملاك في كل من الفعل والترك كما في الواجبين المتزاحمين فالتخيير في هذا القسم تكوينيّ حيث ان المكلف بحسب طبعه إمّا فاعل وإمّا تارك.

الأمر الثاني : انّ التخيير قد يكون في المسألة الفرعية وقد يكون في المسألة الاصولية ومناط الفرق بينهما ان التخيير إذا كان مرتبطا بفعل المكلّف وحكمه كما في الأقسام الأربعة المتقدّمة يكون التخيير في المسألة الفرعية ، وأمّا إذا كان مرتبطا بالحجّة كما في باب تعارض الأمارتين المتكافئتين فالتخيير حينئذ بين الحجّتين والمكلف مخيّر في الأخذ بأيّهما شاء والإفتاء على طبق ما أخذ وعليه فالتخيير فيها تخيير في المسألة الاصوليّة.

الأمر الثالث : انه قد يتردّد الأمر بين التخيير والتعيين وهو قد يكون في المسألة الفرعية ، وقد يكون في المسألة الاصولية ففي بعض أقسام دوران الأمر بين التخيير والتعيين في المسألة الفرعية يمكن القول بالبراءة وعدم لزوم اتيان ما يحتمل تعيّنه ، ففي القسم الأوّل من أقسام التخيير المذكورة إذا شككنا مثلا في ان الواجب هل هو عتق مطلق الرقبة أو الرقبة المؤمنة؟ يمكن أن يقال : ان الزام الشارع بالرقبة المؤمنة ممّا لا يعلم فيجرى فيه حديث الرفع ، وحيث انه ضيق على المكلّف يجري فيه حديث السعة وتجري فيه البراءة العقلية أيضا ، وكذا في القسم الثاني منه فجريان البراءة عقلا ونقلا فيهما ممّا لا بأس به ، ولازمه البراءة من لزوم اتيان ما يحتمل تعيّنه وجريان أصالة التخيير فيهما ولكنه في القسم الثالث من أقسام التخيير حيث كان حكم العقل بالتخيير قائما بملاك التساوي ، فإذا انتفى التساوي احتمالا أو محتملا لا يحكم العقل بالتخيير ، ويجب الأخذ بما يحتمل تعيّنه وفي القسم الرابع

٦٣

منها أيضا يختص التخيير التكويني بصورة التساوي من جميع الجهات.

هذه هي صور الدوران بين التخيير والتعيين في المسألة الفرعية وأمّا في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في المسألة الاصوليّة بأن كان هناك امارتان وكانت حجّية إحداهما ثابتة ومسلّمة ولكن يشكّ في حجية الاخرى فلا تجري فيه إلّا أصالة التعيينيّة من غير فرق بين الموارد ، وذلك لرجوع الشك في مثله إلى الشكّ في الحجّية ومقتضى أصالة عدم الحجّية في كلّ ما يشك في حجّيته عدم كونه حجّة وفتوى الأعلم فيما نحن فيه ممّا علم بحجّيتها فهي خارجة عن تحت أدلة حرمة العمل بالظن الثابتة كتابا وسنّة وإجماعا وعقلا (المعبّر عنها بأصالة عدم الحجية).

وأمّا فتوى غير الأعلم فيشك في حجّيتها فهي باقية تحت هذه الأدلّة فأصالة التعيينية في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الحجج هي الحاكمة بوجوب الأخذ بما يحتمل تعينه ، وهذا الأصل بهذا التقريب كما يجري في مسألة تقليد الأعلم التي هي محلّ البحث فعلا يجري أيضا في باب اشتراط الحياة في المفتي وتقليد الميّت ابتداء واستدامة ، ومسألة جواز تقليد المتجزّي وغيرها ، وبالجملة انه يجري في كل مورد دار الأمر بين التخيير والتعيين وكان الباب باب الحجج ولازمه الأخذ بما يحتمل تعيّنه ما لم يقم الدليل الاجتهادي على خلافه.

هذا هو التقريب الأوّل للأصل في المقام ويظهر من بعضهم (١) تقريب آخر وهو ان المكلف قد تنجّز عليه الأحكام الواقعيّة بسبب علمه بها اجمالا والاشتغال اليقيني مقتض للفراغ اليقيني ، والعمل بفتوى الأعلم موجب

__________________

(١) منهم السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول ص ٦٢٦ وجمع منهم كصاحب الفصول قد ذكر الأصل في عداد أدلّة وجوب تقليد الأعلم ولم يبيّن المراد منه.

٦٤

للفراغ يقينا ، وأمّا العمل بفتوى غير الأعلم فيشك معه في الفراغ ، وحيث انه يجب عليه تحصيل الفراغ فلا مناص إلّا من العمل بفتوى الأعلم ، وهذا التقريب إن لم يرجع إلى التقريب الأوّل فهو تقرير لقاعدة الاشتغال ، ومن المعلوم انه مع التقريب الأول الذي أوضحناه لا تصل النوبة إليه لتقدّم الدليل الاجتهادي على الدليل الفقاهتي حكومة أو ورودا مطابقا أو مخالفا.

ثم ان الظاهر ان ما ذكرنا من كون الأصل في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الحجج هو أصالة التعيينيّة ولزوم الأخذ بما يحتمل تعيينه (وهو فتوى الأعلم فيما نحن فيه) وانه يفترق عن باب دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الأحكام لجريان أصالة التخيير في الثاني دون الأوّل أمر لا ترديد فيه ولا غبار عليه ، ولكنّه يظهر من كلام الإمام في رسالته في الاجتهاد والتقليد التردّد فيه ، بل اختياره التساوي بين البابين في جريان أصالة التخيير فيهما حيث قال ـ بعد مناقشته في (١) الأدلة التي اقيمت على وجوب تقليد الأعلم ـ : «فالإنصاف انه لا دليل على ترجيح قول الأعلم إلّا الأصل بعد ثبوت كون الاحتياط مرغوبا عنه وثبوت حجية قول الفقهاء في الجملة ، كما ان الأمر كذلك ، وفي الأصل أيضا إشكال ، لأنّ فتوى غير الأعلم إذا طابق الأعلم من الأموات أو في المثالين المتقدّمين (إذا طابق فتوى غير الأعلم الأعلم من الأحياء إذا لم يجز تقليدهم لجهة أو إذا طابق فتوى غير الأعلم الاحتياط) يصير المقام من دوران الأمر بين التخيير والتعيين لا تعين الأعلم والأصل فيه التخيير». (٢)

__________________

(١) وسيجيء ما في مناقشته «قده».

(٢) رسالة الاجتهاد والتقليد للإمام الخميني «قدس الله نفسه» ص ١٤٧.

٦٥

وفيه ما مرّ من الفرق بين البابين وان الثاني يكون من دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الأحكام وتجري البراءة فيه فيما يحتمل تعيّنه ومقتضاه الحكم بالتخيير ، وهذا بخلاف الأوّل ، فإن الأدلة الدالة على عدم حجية ما يشك في حجّيته تقتضي عدم حجيته قطعا ، فلا يمكن اجراء أصالة التخيير فيه ، فاعتبار أصالة التعيينيّة فيما نحن فيه ممّا لا ترديد فيه.

وهذا الأصل أي اصالة التعيينية في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الحجج ـ على ما ذكرنا ـ كما يمكن أن يكون مستندا للمفتي في مقام افتائه في مسألة تقليد الأعلم يكون مستندا للعامي أيضا بملاحظة ما يستقل به عقله ، فإنه بعد الالتفات إلى أمرين أحدهما تنجّز الأحكام الشرعية عليه بعلمه الإجمالي بها والثاني انه لا طريق له إلى امتثالها إلّا فتوى المجتهدين بملاحظة فطرته وارتكازه المقتضي للزوم رجوع الجاهل إلى العالم وبمقتضى بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة يستقل عقله بلزوم تقليد الأعلم لدوران الأمر بين التخيير والتعيين في الحجية والعقل يستقل بمقتضى ما ذكرناه بلزوم ترجيح محتمل التعيين.

التحقيق في أدلّة الطرفين

وإذ فرغنا من تأسيس الأصل في المسألة ليكون مرجعا عند عدم تماميّة أدلّة الطرفين فاللازم هو التحقيق في أدلّة المانعين عن تقليد غير الأعلم وأدلّة المجوّزين له ليتّضح ما هو الحق فيها فنقول : استدلّ القائلون بلزوم تقليد الأعلم بوجوه :

٦٦

أحدها : الإجماع ، وقد نقله الشيخ الأعظم الأنصاري «ره» عن جمع منهم المحقّق الثاني ثم قال : وهو الحجّة في مثل المقام ولا وجه للوسوسة بعدم حجّية الإجماع المنقول. (١)

وفي المستمسك وجوب تقليد الأعلم هو المشهور بين الأصحاب بل عن المحقّق الثاني الإجماع عليه ، وعن ظاهر السيّد في الذريعة كونه من المسلّمات عند الشيعة. (٢)

ويرد عليه أولا : ان دعوى الإجماع في المسألة مع عدم كونها معنونة في كلمات المتقدّمين إذ لم نجد التعرّض لها قبل المحقّق في المعارج مع ذهاب جمع من الفحول كالنراقي في المستند (٣) وصاحب الجواهر (٤) والمحقّق القمي (٥) وصاحب الفصول (٦) والعلّامة الكني (٧) في كتاب قضائه إلى جواز تقليد غير الأعلم الأعلم ، وتردّد الشهيد الثاني في المسالك غير سديد.

وثانيا : ان ظاهر الجواهر انكار دلالة كلام المحقّق الثاني على كون المسألة اجماعية ، وقال : ان كلام السيّد في الذريعة غير مرتبط بمسألة التقليد وكلامه في مسألة الإمامة العظمى والخلافة الإسلاميّة وهي التي يقبح فيها ترجيح المرجوح على الراجح فلا نصب من الله تعالى شأنه لها مع وجود

__________________

(١) مطارح الأنظار ص ٢٨٠.

(٢) المستمسك ج ١ ص ٢٦.

(٣) المستند ج ٢ ص ٥٢١ كتاب القضاء.

(٤) الجواهر ج ٤٠ ص ٤٦.

(٥) القوانين ج ٢ ص ٢٤٠.

(٦) الفصول ص ٤١٩.

(٧) كتاب القضاء للعلّامة الكني ص ٣٠ ـ ٣٥.

٦٧

الأفضل (١) وعليه فنقل الإجماع من السيّد أيضا في المسألة في غير محله.

وثالثا : انه اجماع مدركيّ كما يفصح عنه استدلال المجمعين ببعض الوجوه التي سيأتي التعرّض لها ، ومن المعلوم ان مثله لا يكون اجماعا تعبّديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

ثانيها : الأخبار الدالّة بظاهرها على تقدّم قول الأفقه والأعلم على قول غيره.

فمنها : خبر عمر بن حنظلة ـ وقد رواه المشايخ الثلاثة ـ وروى في الوسائل صدره في الباب ١١ من أبواب صفات القاضي (٢) وذيله في الباب ٩ (٣) من الأبواب المذكورة والسند ومجموع المتن هكذا : محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عيسى ، عن صفوان ، عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحلّ ذلك؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا ، وإن كان حقّا ثابتا له ، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت ، وما أمر الله أن يكفر به ، قال الله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)(٤) قلت : كيف يصنعان؟ قال : ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما ، فإنّي قد

__________________

(١) الجواهر ج ٤٠ ص ٤٢ ـ ٤٦.

(٢) ص ٩٨.

(٣) ص ٧٥.

(٤) سورة النساء ، الآية : ٦٠.

٦٨

جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه ، فإنّما استخف بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الراد على الله وهو على حدّ الشرك بالله ، قال : فإن كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما واختلف فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ [حديثنا : خ ل] فقال عليه‌السلام : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر ، قال : فقلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يفضل [ليس يتفاضل : خ ل] واحد منهما على صاحبه؟ قال : فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه ودع الشاذّ النادر ... ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد ابن عيسى نحوه ، ورواه الصدوق بإسناده عن داود بن الحصين. (١)

__________________

(١) الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ص ٩٨ ج ١٨ الوسائل كتاب القضاء.

باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث من الشيعة فيما رووه عن الأئمّة عليهم‌السلام من أحكام الشريعة لا فيما يقولونه برأيهم (ورواه أيضا في الباب ٩ ص ٧٥).

١ ـ محمد بن يعقوب (الكليني من الطبقة ٩) عن محمد بن يحيى (أبي جعفر العطّار الأشعري شيخ أصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث جش من الطبقة ٨) عن محمد بن الحسين (وهو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب زيد أبو جعفر الزيّات الهمداني جليل من أصحابنا عظيم القدر كثير الرواية ثقة عين له تصانيف جش ج دى رى مات ٢٦٢ من الطبقة السابعة).

عن محمد بن عيسى (وهو محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين مولى بني أسد بن خزيمة أبو جعفر العبيدي اليقطيني ثقة عين على ما في جش ص ٢٣٥ أبو جعفر جليل في أصحابنا ثقة عين كثير الرواية حسن التصانيف روى عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام مكاتبة ومشافهة

٦٩

__________________

ـ وفي ص ١١٥ من معجم رجال الحديث ج ١٧ ان وثاقة وجلالة الرجل ممّا تسالم عليه أصحابنا ، قال : ولا يعارض ذلك تضعيف الشيخ إيّاه في غير مورد وأجاب عن تضعيفه.

وقال : وطريق الصدوق إليه كطريق الشيخ إليه صحيح.

عن صفوان بن يحيى بيّاع السابري ثقة ثقة عين روى أبوه عن الصادق عليه‌السلام وروى هو عن أربعين رجلا من أصحاب الصادق عليه‌السلام وله ثلاثون كتابا ، وكانت له عند الرضا عليه‌السلام منزلة شريفة ، وقد توكل له ولأبي جعفر عليه‌السلام وكان من الورع والعبادة على ما لم يكن عليه أحد من طبقته جش أوثق أهل زمانه وأعبدهم عند أهل الحديث.

جخ ست جش كش وهو من الطبقة السادسة.

وكان شريكا لعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان وروي انهم تعاقدوا في بيت الله الحرام إلى آخر ما ذكره في تنقيح المقال ص ١٠٠ ج ٢.

عن داود بن الحصين (في تنقيح المقال انه بالحاء المهملة المضمومة والصاد المهملة المفتوحة والياء الساكنة من الرجال الأسدي مولاهم كوفي ثقة روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام جش ص ١١٥ من الطبقة الخامسة) «جاء في معجم رجال الحديث ص ٩٨ ج ٧».

وقال الشيخ في رجاله : انه واقفي ، ونسب العلّامة في القسم الثاني من الخلاصة ١ من الباب ١ من فصل الدال إلى ابن عقدة أيضا القول بوقفه ولأجل ذلك توقّف في العمل بروايته.

وعن السيد الداماد انه قال : ولم يثبت عندي وقفه ، بل الراجح جلالته عن كل غمز وشائبة.

أقول : يكفي في ثبوت وقفه شهادة الشيخ المؤيّدة بما حكاه العلّامة عن ابن عقدة إلّا انه مع ذلك يعتمد على رواياته لأنه ثقة بشهادة النجاشي وطريق الشيخ إليه كطريق الصدوق صحيح ، انتهى ما في معجم رجال الحديث.

عن عمر بن حنظلة : (وثقه الشهيد في شرح الدراية كما في نقد الرجال ص ٢٥٣ وفي ص ٢٧ ج ١٣ من معجم رجال الحديث ان الرجل (أي عمر بن حنظلة) لم ينص على توثيقه ومع ذلك ذهب جماعة منهم الشهيد الثاني إلى وثاقته.

واستدلّ على ذلك بوجوه (وذكر وجوها ستّة وناقش جميعها)

ونقل في جامع الرواة أيضا وثاقته عن الشهيد ولم يوثّقه نفسه.

وفي تنقيح المقال ج ٢ ص ٣٤٣ بعد ذكر الوجوه الدالّة على وثاقته على زعمه : فتلخّص من ذلك كله ان الأقوى وثاقة الرجل.

٧٠

وقد استدل به الشيخ في مطارح الأنظار على وجوب تقليد الأعلم وقال : والتقريب ان الإمام عليه‌السلام قدّم قول الأفقه والأعلم على غيره عند العلم بالمعارضة والمخالفة وهو المطلوب.

ثم قال :

لا يقال : ان ظاهر المقبولة هو اختصاصها بالقضاء فلا يستقيم الاستدلال بها في الفتوى.

لأنّا نقول : يتم المطلوب بالإجماع المركّب .. (١) وفي رسالة العلامة ميرزا حبيب الله الرشتي : تمسّك بهذه الرواية غير واحد من الأعاظم على تعيين الأعلم مثل الفاضل الهندي والفاضل المازندراني على ما حكي عنهما. (٢)

وقال بعض : ان الترجيح بالأفقهيّة بمناط تقديم الفتوى لأنّ حكم الحاكم في الشبهات الحكميّة ليس إلّا انشاء الفتوى المستنبطة من الأدلّة فالحكم والفتوى مشتركان في المدرك مختلفان في الموضوع ، فتكون الفتوى هو الإخبار عن ثبوت الحكم الكلّي للموضوع الكلّي ، والحكم هو انشاء تلك الفتوى في الموضوع الشخصي المترافع فيه فحجيّة كل حكم مستلزمة لحجيّة الفتوى خصوصا بملاحظة ان المورد شبهة حكميّة ، ولذا اختلف الحكمان مستندين إلى حديثين مختلفين وذلك مثل أن تقع عين خارجيّة موردا للتنازع وكان أحد المتداعيين بالنسبة إليها داخل اليد والآخر خارج اليد ، وحكم أحد الحاكمين بتقديم الداخل والآخر بتقديم الخارج وكان

__________________

(١) مطارح الأنظار ص ٢٨٠.

(٢) رسالة تقليد الأعلم للعلّامة ميرزا حبيب الرشتي ص ٣٦.

٧١

اختلافهما من جهة الاستناد إلى الأحاديث المختلفة الواردة في القضاء التي تدل طائفة منها على تقديم الداخل وطائفة اخرى منها على تقديم الخارج ، أو كانت العين الخارجية في يد شخص وادّعى الآخر مالكيّتها لنفسه ولم تكن للمدعي بيّنة وامتنع المنكر من الحلف ، وحينئذ ففي المسألة قولان : أحدهما القضاء بالنكول للمدّعي ، والآخر : لزوم ردّ الحلف إلى المدّعي وعدم القضاء له إن لم يحلف.

ولا بدّ لاستيفاء البحث فيها من التعرّض لجهات ثلاث :

الأولى : في سندها.

الثانية : في مضمونها فيما يتعلّق بشئون القضاء.

الثالثة : بالنسبة إلى دلالتها على اعتبار الأعلمية في باب التقليد.

أمّا الجهة الأولى : فلا بحث في اعتبار من تأخّر عن عمر بن حنظلة في السند ووثاقتهم كما أشرنا إليه في الهامش فيما ذكرناه في الذّيل ، وأمّا عمر بن حنظلة فلم يرد في حقّه توثيق إلّا ما عن الشهيد الثاني في شرح الدراية من قوله : ان عمر بن حنظلة وإن لم ينصّ الأصحاب فيه بجرح ولا تعديل ، ولكن أمره عندي سهل ، لأنّي حقّقت توثيقه من محل آخر وإن كانوا قد أهملوه. (١)

وثبوت الوثاقة بقول الشهيد وحده في قبال سائر مهرة فنّ الرجال من الكشي والنجاشي والشيخ الطوسي والعلّامة «قدس الله أسرارهم» مشكل ، فهي وإن سمّيت بالمقبولة واشتهر ان الأصحاب تلقّوها بالقبول ، ولكنه لم يثبت ، ولعلّه من قبيل ربّ شهرة لا أصل لها ، وورود الروايات في مدحه ووثاقته مع وقوع نفسه في سند بعضها ووقوع يزيد بن خليفة ومحمد بن

__________________

(١) تنقيح المقال ج ٢ ص ٣٤٢.

٧٢

مروان العجلي ـ وهما غير موثقين ـ في سند بعضها الآخر لا يجدي في وثاقته شيئا. (١)

كما ان رواية الأجلّاء كزرارة وعبد الله بن مسكان وصفوان بن يحيى وأضرابهم عنه لا تدلّ على وثاقته ، فما في تنقيح المقال من تقوية وثاقة الرجل لما ذكر (٢) غير سديد.

وأمّا الجهة الثانية ففيها وجوه من البحث :

أمّا أوّلا : فلدلالتها على جواز الترافع في الواقعة الواحدة إلى الحكّام المتعدّدين ولازمه جواز فصل الخصومة بالحكم الصادر من المتعدّدين من الحكّام ، وهو ممّا يظهر من الأصحاب خلافه كما صرح به العلّامة الحكيم «رحمة الله عليه» حيث قال : يظهر من الأصحاب عدم جواز العمل بها (أي بالمقبولة) لاعتبار الوحدة في القاضي عندهم ظاهرا. (٣)

وأمّا ثانيا : فإنها تدل على نفوذ الحكم الثاني بعد صدور الحكم من الحاكم الأول ، وهو ممّا تسالم الأصحاب على عدم صحّته وحمل المقبولة على صدور الحكمين من الحاكمين دفعة واحدة حمل على الفرد النادر ويأباه ظاهر العبارة.

وأمّا ثالثا : فلدلالتها على اعتبار اجتماع الصفات الأربع من الأفقهية والأعدليّة والأصدقيّة والأورعيّة في تقديم حكم أحد الحاكمين على الآخر والظاهر من الأصحاب الاكتفاء بالأعلميّة فقط.

وأمّا رابعا : فلدلالتها على لزوم نظر المترافعين إلى مدرك الحكمين من

__________________

(١) معجم رجال الحدث ج ١٣ ص ٢٧ ـ ٢٩.

(٢) تنقيح المقال ج ٢ ص ٣٤٣.

(٣) المستمسك ج ١ ص ٢٩

٧٣

الروايات من جهة كونها موافقة للمشهور أو مخالفة له مع ان شأن المترافعين ومهمّتهما ليس هو النظر في مدرك الحكمين والاجتهاد في ترجيح أحدهما على الآخر إجماعا على ما صرّح به العلّامة الرشتي في رسالته في تقليد الأعلم. (١)

وأمّا الجهة الثالثة من الكلام فيها أي من جهة دلالتها على اعتبار الأعلميّة في باب التقليد أيضا ففيها أيضا وجوه من البحث.

أمّا أوّلا : فلعدم ثبوت الملازمة بين باب القضاء وباب الفتوى والتقليد ، بل ثبت خلافه ، ولذا يجوز ترافع المجتهدين إلى ثالث ، ولا يجوز تقليد المجتهد لغيره كما انه يجوز الإفتاء بالخلاف على فتوى الآخر ، ولا يجوز الحكم بالخلاف على حكم الآخر ، ودعوى اتحاد المناط في البابين أيضا مجازفة فإن المناط في باب الخصومة فصل الخصومة ، ولا يحصل ذلك مع اختلاف الحاكمين والحكم بالتخيير فلا بد من الترجيح بخلاف باب الفتوى فإن المناط فيه تحصيل الحجّة فيمكن أن يحكم الشارع بحجيّة فتوى كلا المجتهدين في حق المقلّد (من غير اعتبار التساوي في العلم والفضيلة) فيكون المقلّد مخيّرا في الأخذ بأيّ من الفتويين.

وحينئذ فحيث يكون سلب المركّب أو ما بحكمه (٢) بسلب أحد أجزائه فحكم الشارع بعدم نفوذ حكم المفضول في باب القضاء (إذا حصل الاختلاف بينه وبين الأفضل في الحكم على ما هو المفروض في المقبولة) ليس من جهة عدم صلاحيته للحجية ، بل لعدم كونه فاصلا ، كما ان فتوى

__________________

(١) رسالة تقليد الأعلم للعلّامة الميرزا حبيب الله الرشتي ص ٣٥.

(٢) والمراد من المركّب أو ما بحكمه في المقام هو كون المقام مقام القضاء وحكم المفضول في قبال الأفضل علما وصدقا في الحديث وعدلا وورعا.

٧٤

الأعلم وحدها أيضا ليست فاصلة ، بل لا بدّ أن ينضمّ إليها كونه أعدل وأصدق في الحديث وأورع ، وحينئذ فالقاء الخصوصية عرفا أو دعوى القطع باتحاد المناط في البابين ممّا لا وجه لهما بعد وضوح الفرق بين البابين مع ان ما هو المفيد في مثل المقام القول بعدم الفصل لا عدم القول بالفصل.

وقال الإمام «رضوان الله عليه» في رسالة الاجتهاد والتقليد في المقام : لعلّ الشارع لاحظ جانب الاحتياط في حقوق الناس فجعل حكم الأعلم فاصلا لأقربيته إلى الواقع بنظره ولم يلاحظ في أحكامه ذلك توسعة على الناس فدعوى القاء الخصوصية مجازفة ودعوى القطع أشدّ مجازفة. (١)

وأمّا ثانيا : فلدلالتها على الترجيح بالأوصاف الأربعة معا بحكم واو الجمع (أحدها الأعلميّة) مع ان القطع حاصل بأنه لا مدخليّة للأصدقيّة والأورعيّة في تقديم إحدى الفتويين المتعارضتين فالأوصاف الواردة في الرواية راجعة إلى باب القضاء وأجنبيّة من باب الفتوى.

وأمّا ثالثا : فلأن الأعلميّة المبحوث عنها في باب التقليد انما هي الأعلميّة المطلقة ، ولكن الأعلميّة المذكورة في الرواية هي الأعلميّة النسبية والإضافيّة لقوله عليه‌السلام : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما ومعناه ان كون أحد الحاكمين أفقه من غيره يكون مرجّحا في باب القضاء ولا يعتبر عند الاختلاف المفروض في الرواية الأعلمية المطلقة وأين هذا من الأعلمية المبحوث عنها في باب التقليد لبداهة اعتبار الأعلمية المطلقة فيه على القول باعتبارها فلا دلالة للمقبولة على لزوم الترافع عند الأفضل بالنحو المطلق حتى يتعدّى منه إلى باب التقليد.

__________________

(١) رسالة الاجتهاد والتقليد ص ١٤٤.

٧٥

هذا وذهب العلّامة الرشتي في رسالته في تقديم الأعلم (في مقام الاستدلال بالمقبولة على لزوم تقليد الأعلم) ان المراد بالحكم في الرواية ليس ما هو المصطلح عليه عند الفقهاء اعني القضاء بل الظاهر ان المراد به معناه اللغوي المتناول للفتوى مثل قوله تعالى في غير موضع : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) الآية يدل على ذلك زيادة على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ الحكم قول الراوي وكلاهما اختلفا في حديثكم فان المتبادر كونه بيانا لاختلاف الحكم ومن الواضح ان الاختلاف في نفس القضاء ليس اختلافا في الحديث نعم الاختلاف في فتوى رواة عصر الإمام اختلاف في الحديث نظرا الى اشتراك الفتاوي ورواياتهم في الاستناد الى السماع عن الامام عليه‌السلام عموما او خصوصا فيكون الاختلاف في الفتوى اختلافا في الحديث وكذا يدل عليه قول الإمام عليه‌السلام الحكم ما حكم به اصدقهما في الحديث فان صدق الحديث انما يناسب ترجيح الفتوى التي هي بمنزلة الحديث دون القضاء.

ولا دلالة في منازعة المتحاكمين على كون المراد به القضاء لأن المتنازعين ربما ينشأ نزاعهما من جهة الاشتباه في الحكم الشرعي فيرجعان الى من يحكم بينهما بالفتوى دون القضاء والظاهر ان نزاع الرجلين كان من هذه الجهة لا من جهة الاختلاف في الموضوع ومرجعه الى الادّعاء والإنكار والّا لما كان لاختيار كل منهما حكما وجه فإن فصل الخصومة حينئذ يحصل من حكم واحد.

... وايضا قوله عليه‌السلام : ينظر الى ما كان من رواياتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند اصحابك الخ لا يلائم تعارض الحكم المصطلح من وجهين :

٧٦

احدهما : ان شغل المترافعين ليس النظر في مدرك الحكمين والاجتهاد في ترجيح احدهما على الآخر اجماعا والثاني انه اذا تعارض الحكمان ولم يكن في احد الحاكمين مزية على الآخر في شيء من الأوصاف المزبورة فالمرجع حينئذ هو اسبق الحكمين بل لا يبقى بعد صدور الحكم من احد من الحكام محل لحكم الآخر ولو حمل الرواية على ما اذا كان الحكمان قد صدرا دفعة واحدة فمع بعده وامكان القطع بعدمه عادة يدفعه ان الحكمين يتساقطان حينئذ فلا وجه للأخذ بالمرجحات ... ولذا تمسك بهذه الرواية غير واحد من الاعاظم مثل الفاضل الهندي والفاضل المازندراني على ما حكي عنهما. (١)

ويرد عليه اولا : ان ظاهر صدر الرواية التعرض لباب القضاء والحكم دون باب الفتوى.

وثانيا : ان الظاهر منها كون مجموع الأوصاف الاربعة مرجحا واحدا لا خصوص الافقهية وهو لا ينطبق على مدّعاه من كون المزية مجرد الافقهية والأعلمية.

وثالثا : ان المزية المفروضة في المقبولة الأعلمية والافقهية الاضافية «لقوله افقههما» لا الأعلمية المطلقة التي هي مورد البحث في باب التقليد ومدّعاه اثبات الثاني بها لا الأول.

ومنها : خبر داود بن الحصين :

محمد بن علي بن الحسين باسناده عن داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهم في حكم وقع

__________________

(١) رسالة العلّامة الرشتي في تقليد الأعلم ص ٣٢ ـ ٣٦.

٧٧

بينهما فيه خلاف فرضيا بالعدلين فاختلف العدلان بينهما عن قول ايهما يمضي الحكم؟ قال : «ينظر الى افقههما وأعلمهما بأحاديثنا واورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت الى الآخر».

ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن الحسن بن موسى الخشاب عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن داود بن الحصين مثله. (١)

وقد ظهر الجوب عنه بما ذكرناه في الجواب عن الاستدلال بالمقبولة من عدم الملازمة بين باب القضاء والإفتاء والتقليد اوّلا ودلالة الخبر على اعتبار الافضلية الاضافية بين الحاكمين مع كون المدّعي اعتبار الأعلمية المطلقة ثانيا.

ومنها : خبر موسى بن اكيل النميري :

باسناده (اي الشيخ) عن محمد بن علي بن محبوب (وهو شيخ القميين في زمانه ثقة عين فقيه صحيح المذهب جش صه وهو من الطبقة السابعة واسناد الشيخ اليه صحيح).

عن محمد بن الحسين (وهو محمد بن علي بن الحسين بن ابي الخطاب زيد أبو جعفر الزيّات الهمداني جليل من اصحابنا عظيم القدر كثير الرواية ثقة عين له تصانيف جش صه وهو ايضا من الطبقة السابعة).

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ص ٨٠ الحديث ٢٠ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، وقد تقدّم ترجمة داود بن لحصين في البحث عن سند مقبولة عمر بن حنظلة ، وفي معجم رجال الحديث ص ٩٨ ج ٧ في ترجمة داود بن الحصين طريق الشيخ كطريق الصدوق إليه صحيح فالخبر موثّق.

٧٨

عن ذبيان بن حكيم (١) عن موسى بن اكيل (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل عن رجل يكون بينه وبين اخ له منازعة في حق فيتفقان على رجلين يكونان بينهما فحكما فاختلفا فيما حكما. قال : وكيف يختلفان؟ قال : حكم كل واحد منهما للذي اختاره الخصمان فقال ينظر الى اعدلهما وأفقههما في دين الله فيمضي حكمه». (٣)

وفيه ما ذكرنا في سابقه من عدم الملازمة بين باب القضاء والإفتاء ودلالته على الافضلية الإضافية مع كون المدّعي الافضلية المطلقة.

ومنها : ما عن امير المؤمنين عليه‌السلام في عهده الى مالك الأشتر في المختار الواحد والخمسين من كتبه ورسائله في نهج البلاغة «ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك» بتقريب انه يدل على اعتبار الافضلية في القاضي وبالملازمة بين باب القضاء والإفتاء يستفاد منه اعتبار الأعلمية في المفتى ايضا.

واجاب عنه المحقق الخراساني في الكفاية بعد ذكره في عداد مقبولة عمر بن حنظلة المتقدمة وغيرها بان الترجيح في مقام الحكومة لاجل رفع الخصومة التي لا يكاد ترتفع الّا به لا يستلزم الترجيح في مقام الفتوى كما انه اجاب عنه في التنقيح بأنه انما يدل على اعتبار الأفضلية الإضافية في باب

__________________

(١) ذبيان بالذال المعجمة المضمومة والباء المنقّطة الموحّدة تحتها نقطة ، والياء المنقّطة تحتها نقطتين والنون بعد الألف (ايضاح الاشتباه) والرجل مهمل في كتب الرجال ، تنقيح المقال ج ١ ص ٤٢.

(٢) موسى بن أكيل النميري كوفي ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام صه جش وهو من الطبقة الخامسة ، والنمير على وزن زبير.

(٣) الوسائل ج ١٨ ص ٨٨ الحديث ٤٥ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

٧٩

القضاء وان القاضي يعتبر ان يكون افضل بالإضافة الى رعية الوالي المعيّن له ولا يعتبر فيه الأفضلية المطلقة ولا يأتي ذلك في باب الإفتاء لأن المعتبر فيه هو الأعلمية المطلقة على ما اتضح مما بيّناه في الجواب عن المقبولة. (١)

ويرد عليهما انهما «قدس الله اسرارهما» لم يلاحظا ما وقع في كلامه عليه‌السلام بعد ذكر الأفضلية بيانا لها فإن مقتضاه كما سنذكره اختصاص هذه الصفات بالقاضي ومن المعلوم عدم مناسبتها مع غيره وعليه فلا ربط للأفضلية بهذا المعنى بالمفتي اصلا ولا وجه لذكره في عداد الروايات المناسبة للبحث عن اعتبار الأعلمية في باب الفتوى وتمام كلامه عليه‌السلام في القاضي مع ذكر الصفات له ما يلي : ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك.

ثمّ فسّر عليه‌السلام الأفضل بمن : تتوفّر فيه الصّفات التالية :

١ ـ «ممّن لا تضيق به الامور» لقلّة الإحاطة بوجوه تدبيرها وعدم قوّة التحليل والتجزئة للقضايا الواردة عليه فيحار فيها.

٢ ـ «ولا تمحكه الخصوم» أي : لا تغلبه الخصوم باللّجاج ولا يطمع الخصوم في جعله محكا يمتحنونه هل يقبل الرشوة أم لا؟ وهل يؤثّر فيه التطميع والتهديد أم لا؟

٣ ـ «ولا يتمادى في الزلّة» حيث ان القاضي في معرض الوقوع في الاشتباه دائما من جهة تحيّل المترافعين فيعرض له رأي ثم يكشف له انه خلاف الحق ، وهذا إذا كان نادرا لا يضرّ القاضي ، وأمّا إذا كان كثيرا وتمادى فيه فيضرّه.

٤ ـ «لا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه» أي : لا يأبى الرجوع إلى

__________________

(١) التنقيح ج ١ ص ١٤٥.

٨٠