مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه

آية الله الشيخ حسين النوري الهمداني

مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين النوري الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-230-0
الصفحات: ١٧٦

وتأسّفوا عليه أيّ تأسف.

٢ ـ إنّهم عليهم‌السلام كانوا عالمين بأن الشيعة بارتكازهم يرجعون في تلك العصور المظلمة إلى فقهائهم ويأخذون منهم معالم دينهم ويعملون بما أخذوا عنهم منتظرين للفرج.

٣ ـ إنّهم عليهم‌السلام كانوا يعلمون بان الفقهاء في هذه العصور ما كان لهم محيص في استخراج الأحكام الشرعية الّا المراجعة الى الكتب والجوامع التي كان الأئمة عليهم‌السلام يأمرون بجمعها وتأليفها ويؤكّدون على حفظها ويقولون اكتبوا فإنه سيأتي زمان هرج لا يأنسون الّا بكتبهم وكانوا احيانا يأخذون تلك الكتب ويطالعونها ويدعون لمؤلفها بقولهم عليهم‌السلام اعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة. (١)

ومن المعلوم انه ليس شأن الفقهاء في المراجعة إلى تلك الكتب والجوامع الّا تفريع الفروع على الاصول الواصلة اليهم من ائمتهم والجمع بين اخبارهم المتعارضة بحسب انظارهم على مستوى العلاج الذي ارشدوهم اليه في الأخبار العلاجيّة وما هذا الّا الاجتهاد واتخاذ الرأي والنظر.

فلو لم يكن الطريق المزبور المعمول من الفقهاء مرضيّا عند الأئمة عليهم‌السلام كان عليهم الردع وارشاد الفقهاء الى ترك هذا الطريق وارشاد الناس الى ترك الأخذ لفتاويهم وترك العمل بها والحال انهم عليهم‌السلام مضافا إلى انهم لم يردعوا عنه قد عظّموا شأن الفقهاء العاملين بهذا الطريق وعظّموا شأنهم وقدرهم واخبروا عن اهميّة عملهم وعن عظيم ثوابهم وجزائهم وانبئوا عن مكانتهم وفضائلهم وقالوا بأنهم هم الكافلون لأيتام آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمرشدون لهم والمدبّرون لامورهم والمرابطون بالثّغر الذي يلي ابليس وعفاريته ولا ريب

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ص ٧٢ الحديث ٨٠ من الباب ٨ من أبواب صفات القاضي.

٤١

انهم جزاهم الله عن الإسلام خيرا حفّاظ الشريعة في الغيبة الكبرى واركان الملة فهذا رئيس المحدثين صدوقهم ولد بدعاء صاحب الأمر صلوات الله عليه وارواحنا فداه ونال بذلك عظيم الفضل والفخر ووصفه الإمام عليه‌السلام في التوقيع الخارج من ناحيته المقدسة بانه فقيه خيّر مبارك ينفع الله به (١).

وهذا مفيدهم الذي ورد عليه توقيعات من ولي العصر وصاحب الأمر عليه‌السلام وقال له فيها للأخ السديد والوليّ الرشيد الشيخ المفيد (٢) وكان يوم ارتحاله على آل الرسول سلام الله عليهم عظيما ووجد مكتوبا على قبره :

لا صوّت النّاعي بفقدك انه

يوم على آل الرّسول عظيم

ان كان قد غيّبت في جدث الثرى

فالعدل والتّوحيد فيك مقيم

والقائم المهدي يفرح كلما

تليت عليك من الدروس علوم (٣)

وانه الذي رأى في المنام فاطمة الزهراء عليها‌السلام ومعها الحسن والحسين عليهما‌السلام وهي تقول يا شيخي علّم ولديّ هذين الفقه ثم جاءت في صبيحة يومه فاطمة ام المرتضى والرضى مستصحبة معها ولديها قائلة يا شيخ علّمهما الفقه (٤) وهذا السيّد المرتضى علم الهدى الذي قد قال العلامة في حقّه في

__________________

(١) سفينة البحار ج ٢ ص ٢٢.

(٢) البحار ج ٥٣ ص ١٧٤ والاحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ٣٢٤.

(٣) تنقيح المقال ج ٣ ص ١٨٠ ريحانة الأدب ج ٤ ص ٦٠ الكنى والألقاب ج ٣ ص ١٧٢ الفوائد الرضوية ص ٦٣٣.

(٤) روضات الجنّات ج ٦ ص ١٥٣.

٤٢

الخلاصة : بكتبه استفاد العلماء من زمانه إلى زماننا وهو يقرب من ثلاثمائة سنة.

وهذا شيخ الطائفة المحقة في تضلّعه في جميع الفنون الإسلاميّة المبتكر في تأليف مبسوطه لإراءة طريق الاجتهاد في الاستخراج الوسيع وتفريع الفروع من احاديث اهل البيت عليهم‌السلام وهؤلاء هم المحقق والعلامة والشهيد الأول والثاني والشيخ البهائي والمجلسيّان والوحيد البهبهاني وبحر العلوم والشيخ جعفر الكبير والنراقيّان وصاحب الجواهر والشيخ الاعظم الانصاري والسيد العظيم اليزدي والعلامة الحائري اليزدي واستاذنا العلامة البروجردي الذي قد اوجد تطورا في بحث الفقه في الحوزة العلميّة في بلدة قم المقدسة واستاذنا الإمام الخميني قد ابلغ بنهضته المباركة صدى الإسلام الى اقصى نقاط العالم وجدّد حياة الإسلام بعد ان اراد المستكبرون والجبابرة الطّواغيت اطفائه (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).

والأحاديث الصّادرة عنهم عليهم‌السلام في فضل الفقهاء والعلماء الدالّة على عظم منزلتهم ومكانتهم عند الله وفضل ثوابهم ـ حشرنا الله معهم ـ ان لم يكن صادرة في حقهم وصادقة عليهم ففي حق من صدر؟ وعلى من يصدق؟

فعن ابي محمد العسكري عن ابيه عن آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اشدّ من يتم اليتيم الذي انقطع عن ابيه يتم يتيم انقطع عن امامه ... الا فمن هداه وارشده وعلّمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى.

وقال عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام : «من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا

٤٣

فأخرج ضعفاء شريعتنا من ظلمة جهلهم ... حاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج».

وعن الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام قالت سمعت أبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ان علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدّهم في ارشاد عباد الله.

وقال الحسن بن علي عليهما‌السلام : «فضل كافل يتيم آل محمد المنقطع عن مواليه كفضل الشمس على السهى».

وقال الحسين بن علي عليهما‌السلام : «من كفّل لنا يتيما قطعته عنا محبتنا باستتارنا .. ينادي مناد من عند الله اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علّمه الف الف قصر.

وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «فابشروا علماء شيعتنا بالثواب الاعظم والجزاء الأوفر».

وقال محمد بن علي الباقر عليه‌السلام : «العالم كمن معه شمعة تضيء للناس فكل من أضاءت له فخرج بها من حيرة او نجا بها من جهل فهو من عتقائه من النار والله يعوضه عن ذلك بكل شعرة لمن اعتقه».

وقال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : «علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي ابليس وعفاريته يمنعونهم من الخروج على ضعفاء شيعتنا الا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان افضل ممّن جاهد الرّوم والترك والخزر الف الف مرة لأنه يدفع عن اديان محبينا وذلك يدفع عن ابدانهم»

وقال موسى بن جعفر عليهما‌السلام : «فقيه واحد ينقذ يتيما من ايتامنا من المنقطعين عنا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج اليه اشد على ابليس من

٤٤

الف عابد لأن العابد همّه ذات نفسه فقط وهذا همّه مع ذات نفسه ذات عباد الله وإمائه لينقذهم من يد إبليس ومردته فذلك هو افضل عند الله من الف الف عابد والف الف عابدة.»

وقال علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام : «يقال للعابد في القيامة نعم الرجل كنت همّتك ذات نفسك وكفيت الناس مئونتك فادخل الجنة إلّا ان الفقيه من افاض على الناس خيره وانقذهم من اعدائهم ويقال للفقيه : أيّها الكافل لأيتام آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قف حتى تشفع لمن اخذ عنك أو تعلم منك فيقف فيدخل الجنة معه فئاما وفئاما وفئاما (١) حتى قال عشرا».

وقال محمد بن علي الجواد عليهما‌السلام : «من تكفل بايتام آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنقطعين عن امامهم المتحيرين في جهلهم الاسراء في ايدي شياطينهم وفي ايدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم ليفضلون عند الله تعالى على العباد بافضل المواقع باكثر من فضل السماء على الأرض».

وقال علي بن محمد الهادي عليهما‌السلام : «لو لا من يبقى بعد غيبة قائمنا من العلماء الداعين اليه والدّالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد الّا ارتدّ عن دين الله ولكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها هم الافضلون عند الله عزوجل».

وقال ابو محمد الحسن العسكري عليه‌السلام : «ان من محبّي محمد وآل محمد «صلوات الله عليهم» مساكين مواساتهم افضل من مواساة مساكين

__________________

(١) الفئام الجماعة من الناس.

٤٥

الفقراء وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم عن مقابلة اعداء الله الذين يعيّرونهم بدينهم ويسفهون احلامهم الا فمن قوّاهم بفقهه وعلمه حتى ازال مسكنتهم ثم سلّطهم على الأعداء الظاهرين النواصب وعلى الأعداء الباطنين إبليس ومردته ... حوّل الله تعالى تلك المسكنة الى شياطينهم فاعجزهم عن اضلالهم قضى الله تعالى بذلك قضاء حق على لسان رسول الله. (١)

فثبت ممّا ذكرنا ان مسلك الصّحيح هو مسلك المجتهدين وما قالوا وعملوا به هو الحقّ المبين.

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٢ من الطبع الجديد ص ١ ـ ٧.

٤٦

المسألة ١٢ : يجب تقليد الأعلم مع الإمكان على الأحوط (١).

______________________________________________________

هل يجب تقليد الاعلم؟

إذا كان هناك مجتهدان احدهما أعلم من الأخر فهل يتعيّن عليه تقليد الأعلم أو يتخير في تقليد أيّهما شاء؟ ويعتبر في موضوع المسألة أمران :

احدهما : علم المقلد باختلافهما في الفقاهة

الثاني : علمه باختلافهما في الفتوى.

إذ مع التساوي في الفقاهة والاختلاف في الفتوى يتخير العامي في تقليد ايّهما شاء ومع اتفاقهم في الفتوى تكون فتاويهما المتوافقة كالروايات المتطابقة على حكم من الأحكام في كون الدليل هو الجامع بينهما وعدم وجوب الاستناد الى واحدة منهما بالخصوص. وأما صور الشك في الاختلاف في الفقاهة وعدمه مع العلم بالاختلاف في الفتوى والشك في الاختلاف في الفتوى وعدمه مع العلم باختلافهما في الفقاهة فنتعرض لبيان احكامها في مسألة وجوب الفحص ان شاء الله تعالى.

وعمدة الأقوال في المسألة اربعة

__________________

(١) العروة فصل الاجتهاد والتقليد.

٤٧

الأول : الوجوب مطلقا وهو المشهور بين اصحابنا كما عن المعارج والإرشاد ونهاية الاصول والتهذيب والدروس والقواعد والذكرى وجامع المقاصد وتمهيد القواعد والمعالم والزبدة وحاشية المعالم للفاضل مولى صالح والرياض بل في المعالم هو قول الاصحاب الذين وصل الينا كلامهم وصرّح بدعوى الإجماع المحقق الثاني. (١)

وقال السيّد في الذريعة الى اصول الشيعة : وان كان بعضهم عنده اعلم من بعض واورع أو أدين فقد اختلفوا فمنهم من جعله مخيرا ومنهم من أوجب ان يستفتي المقدم في العلم والدّين وهو اولى لانّ الثقة منها اقرب واوكد والاصول بذلك كلها شاهدة. (٢)

وقال المحقق في المعارج وان كان احدهم ارجح في العلم والعدالة وجب العمل بفتواه وان اتفق اثنان احدهما اعلم والآخر اكثر عدالة وورعا قدّم الأعلم لأن الفتوى تستفاد من العلم لا من الورع والقدر الذي عنده من الورع بحجزه عن الفتوى بما لا يعلم فلا اعتبار برجحان ورع الآخر (٣).

وقال صاحب المعالم وان كان بعضهم ارجح في العلم والعدالة من بعض تعين عليه تقليده وهو قول اصحابنا الذين وصل الينا كلامهم وحجتهم عليه ان الثقة بقول الأعلم اقرب وأوكد (٤).

القول الثاني : عدم الوجوب مطلقا ذهب اليه جملة من متأخري اصحابنا ممن تأخر عن الشهيد الثاني وفي رسالة الاجتهاد والتقليد للشيخ

__________________

(١) مطارح الأنظار ص ٢٧٦.

(٢) الذريعة ص ٨٠١ وسيأتي ما ذكره صاحب الجواهر وغيره من ان كلام السيّد هذا في مسألة الإمامة العظمى والخلافة الكبرى.

(٣) المعارج ص ٢٠١.

(٤) المعالم ص ٢٤١.

٤٨

الأعظم الانصاري بعد ان حكى تعيّن العمل بقول الأعلم عن المشهور قال بل لم يحك الخلاف فيه عن معروف (١).

ولكن الظاهر عدم استقامة ما قاله فان الذاهب الى القول الثاني على ما وجدنا كلماتهم هو جمع من الفحول فمنهم استاذاه صاحب الجواهر والنراقي في المستند ومنهم صاحب القوانين وصاحب الفصول وذهب اليه العلامة الكني ايضا في كتاب قضائه وكلام الشهيد الثاني في المسالك في كتاب القضاء صريح في التردّد (٢) والحق في المقام ما عبّر به في مطارح الأنظار ان هذا القول اي القول بعدم وجوب تقليد الأعلم صار في هذا الزمان قولا معتدا به.

الثالث : التفصيل فيجب تقليد الأعلم اذا لم يكن قول غير الأعلم مطابقا للأعلم من الأموات.

الرابع : ايضا التفصيل فيجب تقليد الأعلم اذا لم يكن قول غير الأعلم مطابقا للاحتياط.

والمسألة بين العامة ايضا ذات قولين فمذهب احمد بن حنبل واصحاب الشافعي وجماعة من الأصوليّين منهم والغزالي وجوب تقليد الأعلم وذهب القاضي ابو بكر وجماعة من الأصوليّين والفقهاء منهم الى التخيير والسؤال لمن شاء من العلماء سواء تساووا أو تفاضلوا. (٣)

والأنسب في المقام نقل كلمات القائلين بجواز تقليد غير الأعلم حتّى يتضح مقالتهم ودلائلهم ثم تعقيبها بمقالة القائلين بوجوب تقليد الأعلم

__________________

(١) رسالة الاجتهاد والتقليد ص ٧١.

(٢) واختار في الشرائع جواز قضاء المفضول مع وجود الأفضل وعلى القول بالملازمة بين القضاء والإفتاء فالمحقّق أيضا من القائلين بهذا القول.

(٣) المستصفى ج ٢ ص ١٢٥ والآمدي في أحكام الأحكام ج ٣ ص ١٧٣.

٤٩

ودلائلهم ثم تحقيق ما هو الحق الحقيق بالقبول بعون الله تعالى وتوفيقه.

قال الشهيد الثاني في المسالك في كتاب القضاء. اذا وجد الإمام اثنين صالحين للقضاء لكن احدهما اعلم من الآخر فلا اشكال في رجحان تقليد الأعلم لكن هل يتعين ذلك ام يجوز توليته المفضول فيه قولان مرتّبان على ان المقلد هل يجب عليه تقليد اعلم المجتهدين ام يتخير في تقليد من شاء منهم؟ قولان للأصوليين والفقهاء.

احدهما : الجواز لاشتراك الجميع في الأهليّة ولما اشتهر من ان الصحابة كانوا يفتون مع اشتهارهم بالاختلاف في الأفضلية ومع تكرر الإفتاء ولم ينكر عليهم احد من الصحابة فيكون اجماعا منهم على جواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل ...

والثاني : وهو الأشهر بين الأصحاب المنع لان النظر بقول الأعلم اقوى منه بقول المفضول واتباع الاقوى اولى ورواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه‌السلام صريحة في هذا وهذه الرواية هي مستند القائل بذلك من الأصحاب لشهرة مضمونها بينهم وتلقّيهم لها بالقبول ...

ثم قال وفي كل واحد من الأدلة من الجانبين نظر ... ولمنع كون الظن بقول الأعلم اقوى والرواية نص في المطلوب لكن قد عرفت ما في طريقها فان تم الاستدلال بها لانجبار ضعفها بالشهرة فهي العمدة والّا فلا (١) ... انتهى.

وممن قال بعدم وجوب تقليد الأعلم هو المحقق القمي حيث انه قال في ضمن البحث في المسألة : وان كان بعضهم اعلم واورع من غيره فالمعروف من مذهب اصحابنا بل ذكر بعضهم انه لا خلاف فيه عندنا انه يقدم على

__________________

(١) المسالك ج ٢ ص ٤٣٩.

٥٠

غيره لانه اقوى وارجح واتّباعه اولى واحق وانه بمنزلة الأمارتين على المجتهد واختلف فيه العامة فمنهم من وافقنا على ذلك والأكثرون سوّوا بين الأفضل وغيره لاشتراك الجميع في الاجتهاد والعدالة المصحّحين للتقليد ولان المفضولين من الصحابة وغيرهم كانوا يفتون من غير نكير اقول ان ثبت الإجماع على مختار الاصحاب فهو وانّى لهم باثباته في امثال هذه المسائل والّا فالاعتماد على هذا الظهور والرجحان مشكل وتشبيهه بامارة المجتهد قياس مع الفارق ... (الى ان قال) وعلى هذا (اي بناء على عدم الدليل على تقديم الأعلم) فلا بد ان يقال بالتخيير بين الأعلم وغيره ... وساق الكلام الى ان قال : لا يقال : ان الاصل حرمة العمل بالظن خرج الاقوى بالإجماع ولا دليل على العمل بالأضعف لأنا نقول : قد بيّنا سابقا انه لا اصل لهذا الاصل فلا نعيد واشتغال الذمة ايضا لم يثبت الّا بالقدر المشترك المتحقق في ضمن الأدون والأصل عدم لزوم الزيادة». (١)

والعلّامة النراقي في المستند بعد ان نقل عن بعض الإجماع على وجوب تقليد الأعلم قال : وقال المحقّق الأردبيلي : انه قد ادعى الإجماع عليه ونقل منع الإجماع أيضا ويشعر بعدم الإجماع كلام الفاضل في نهاية الأصول وفي المسالك اجماع الصحابة على جواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل واختاره المحقق وظاهر الأردبيلي الميل إليه كما ان ظاهر المسالك التردّد.

والحق هو الجواز وخيار الرعيّة مطلقا للأصل والإطلاقات ، ويؤيّده افتاء الصحابة مع اشتهارهم بالاختلاف في الأفضلية وعدم الإنكار عليهم .. ثم قال : احتج القائلون بوجوب تقليد الأعلم بأن الظن بقوله

__________________

(١) القوانين ج ٢ ص ٢٤٠ ـ ٢٤٣.

٥١

أقوى والأقوى أحرى بالاتّباع ولما بنى عليه اصول مذهبنا من قبح تقديم المفضول على الأفضل وللأخبار منها المقبولة (١) وخبر داود بن الحصين (٢) وخبر النميري. (٣)

وأجاب عن الأول : بأنّ حجيّة التقليد تعبّدية وليست منوطة بالظن فلا يقدح قوّة الظن في فتوى الأفضل ...

وعن الثاني : بأنه قياس للقضاء والفتوى على الإمامة فإن قبح تقديم المفضول في اصول مذهبنا في الأخير والقياس باطل مع انه مع الفارق كما صرّح به المحقق الأردبيلي قال : لأنّ الإمامة كالنبوّة في الاتّباع المحض له والتفويض إليه بالكلية ، ويحكم بالعلم البديهي ويحتاج إلى علم الهي في جميع الامور ومنشأ الفتوى والحكم النصّ المستفاد عن بعض القرائن ، وقد يفرض وصول مفضول الى الحق دون الفاضل ولا محذور فيه ولا يمكن ذلك في أصل الإمامة والنبوّة ، فإن المدار هنا على العلم الحق ، ولهذا جوّز إمامة المفضول للفاضل في الصلاة وجوّز للإمام نصب القاضي من غير اشتراط تعذّر الوصول إليه ...

ثم قال : وظهر ممّا ذكرنا ان الحق اختصاص ترجيح الأعلم بمورد النصوص وهو ما إذا اختلف المترافعان أوّلا في الاختيار كما في المقبولة أو اتّفقا على رجلين فاختلفا كما في الروايتين كما هو ظاهر الفاضل في التحرير ، وان اللّازم ترجيحه حينئذ أيضا هو الأعلم والأعدل معا ، فلو

__________________

(١) الخبر ١ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ الوسائل ص ٧٥ وذكره أيضا في الباب ١١ ص ٩٨.

(٢) الخبر ٢٠ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ الوسائل ص ٨٠.

(٣) الخبر ٤٥ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ الوسائل ص ٨٨.

٥٢

فضل أحدهما في أحدهما وتساويا في الآخر أو رجح الآخر في الآخر فلا يجب الترجيح (١) انتهى كلام العلّامة النراقي بتلخيص منّا.

وقال في الفصول : يعتبر في انعقاد التقليد شرائط يرجع بعضها إلى المستفتي وبعضها إلى المفتي وبعضها إلى الحكم المفتى به.

وأمّا الشرائط المعتبرة في المفتي فمنها : الإسلام والإيمان ... ومنها :

العدالة .. ومنها : أن يكون ضابطا ..

ومنها : أن يكون حيّا ...

ومنها : أن لا يكون مجتهد آخر أفضل منه في الفقه والورع ، فلا يجوز تقليد المفضول في ذلك مع امكان الرجوع إلى الأفضل ، وقد نسب بعضهم إلى الأصحاب مدّعيا عليه الإجماع ، ويدلّ عليه بعد الأصل ظاهر مقبولة عمر بن حنظلة الآتية في اختلاف الحاكمين ، فإنّ فيها : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر ، فإن ظاهرها عدم الإعتداد بحكم الآخر مطلقا ، فيدل على عدم جواز التعويل على فتواه إمّا لأنها داخلة في اطلاق الحكم ، أو لعدم ثبوت قائل بالفرق بين الحكم والفتوى فيتم المنع فيها بالإجماع المركّب ، وان العدول عن الأفضل إلى المفضول عدول عن أقوى الإمارتين إلى أضعفهما وهو غير جائز وان من أدلّة جواز التقليد الإجماع والضرورة وهما لا ينهضان إلّا على جواز تقليد الأفضل.

ويشكل بمنع الإجماع لا سيّما بعد تصريح جماعة بالجواز.

والأصل مدفوع بعموم آيات المقام ورواياته فإن المستفاد منها عدم

__________________

(١) المستند ج ٢ ص ٥٢١.

٥٣

تعيين الأفضل فيتخيّر بين تقليده وتقليد المفضول.

والرواية المذكورة بعد تسليم سندها واردة في صورة التعارض في الحكم ، فلا تدل على عدم الإعتداد بحكم المفضول عند عدم المعارضة فضلا عن دلالته على عدم الإعتداد بفتواه مطلقا ، فإن الحكم المذكور في الرواية غير الفتوى كما يشهد به سياقها والإجماع المدّعى على عدم الفرق ممنوع.

وحجيّة التقليد تعبّدية وليست منوطة بالظن ، فلا يقدح قوّة الظن في فتوى الأفضل مع انها على اطلاقها ممنوعة ، فإنّ المقلّد قد يقف على مدارك الفريقين فيترجّح في نظره فتوى المفضول.

والحجّة على جواز التقليد لا ينحصر في الإجماع والضرورة فلا يثبت المنع بمجرّد عدم قيامهما على جواز تقليد المفضول مع قيام غيرهما عليه كما عرفت.

على ان الظاهر من المانعين عدم جواز الرجوع إلى المفضول مع امكان الرجوع إلى الأفضل ولو بالرجوع إلى من يروي عنه الفتوى وهذا يؤدّي إلى عدم جواز التعويل على فتوى أحد في زمن المعصوم وما قاربه مع امكان الرجوع إلى الرواية عنه بطريق الأولويّة فيجب على المفتي حينئذ العدول عن ذكر الفتوى إلى نقل الرواية عند حاجة المستفتي ولا قائل به ظاهرا ، ورواية أبان بن تغلب السابقة كالصريح في نفي ذلك (١) والسيرة المستمرّة شاهدة على بطلانه.

مع ما في تعيين الأفضل من الضيق القريب من الحرج ، وبهذه الوجوه يمكن القدح في كون الشهرة المدّعاة في المقام قادحة في عموم الأدلّة فالقول

__________________

(١) مراده ما روي من ان الصادق عليه‌السلام قال لأبان بن تغلب : «اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإنّي احب أن يرى في شيعتي مثلك» «رجال النّجاشي ص ٧».

٥٤

بالجواز اذن أوجه وإن كان المنع أحوط ، انتهى كلام الفصول مع تلخيص منّا.

وقال صاحب الجواهر «رضوان الله عليه» في كتاب القضاء في شرح عبارة الشرائع : «إذا وجد اثنان متفاوتان في الفضيلة مع استكمال الشرائط المعتبرة في القاضي» فيهما «فإن قلّد» الإمام «الأفضل جاز قطعا» وإن كان المفضول أورع لأنّ ما عند الأفضل من العدالة يكفي في منعه من التهاجم على المحارم ، ويبقى فضله خاليا عن المعارض.

نعم مع تساويهما في العلم يقدّم الأعدل لكونه أرجح حينئذ ، فيكون الحاصل حينئذ ترجيح أعلم الورعين وأورع العالمين لقاعدة قبح ترجيح المرجوع على الراجح.

«وهل يجوز العدول إلى المفضول مع وجود الأفضل ..؟ فيه تردّد» من الاشتراك في الأهلية ولما هو المعلوم من افتاء الصحابة مع اختلافهم في الفضيلة وعدم النكير عليهم فيكون ذلك اجماعا منهم ولما في تكليف العامي بذلك من العسر والحرج لعدم تأهّله لمعرفة الأفضل من غيره.

ومن ان الظنّ بقول الأعلم أقوى فيجب اتّباعه إذ أقوال المفتين بالنسبة إلى المقلّد كالأدلّة بالنسبة إلى المجتهد في وجوب اتباع الراجح.

ولخبر عمر بن حنظلة سابقا (١) المنجبر اسنادها بالتعاضد وتلقّي الأصحاب لها بالقبول وفعل الصحابة بعد اعراضهم عن الإمام عليه‌السلام ليس حجّة عندنا وتعرّف الأفضل ممكن بشهادة أهل الخبرة كتعرّف أصل الأهليّة.

ولكن مع ذلك كلّه «فالوجه» عند المصنف «الجواز لأن خلله» إن كان

__________________

(١) الخبر ١ من الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ الوسائل.

٥٥

«ينجبر بنظر الإمام عليه‌السلام» الذي نصّبه.

وفيه انما يتمّ مع قربه منه واطّلاعه على أحكامه لا مع بعده عنه على وجه لا يعلم شيئا من وقائعه وفرض المسألة أعم من الأوّل على ان أصل فرضها فيما ذكر خال من الثمرة ضرورة كونه أعلم بما يفعل مع حضوره.

انّما الكلام في نوّاب الغيبة بالنسبة إلى المرافعة إلى المفضول منهم وتقليده مع العلم بالخلاف وعدمه.

والظاهر الجواز لإطلاق أدلّة النصب المقتضي حجيّة الجميع على جميع الناس وللسيرة المستمرّة في الإفتاء والاستفتاء منهم مع تفاوتهم في الفضيلة.

ودعوى الرجحان بظن الأفضل يدفعها مع امكان منعها في كثير من الأفراد المنجبر نظر المفضول فيها في زمانه بالموافقة للأفضل في الأزمنة السابقة وبغيرها. انه لا دليل عقلا ونقلا في العمل بهذا الرجحان في خصوص المسألة ، إذ لعلّ الرجحان في أصل شرعية الرجوع إلى المفضول وإن كان الظن في خصوص المسألة بفتوى الفاضل أقوى نحو شهادة العدلين.

ومع فرض عدم المانع عقلا فإطلاق أدلّة النصب بحاله ونفوذ حكمه في خصوص الواقعة يستلزم حجّية ظنه في كليهما وانه من الحق والقسط والعدل وما أنزل الله فيجوز الرجوع إليه تقليدا أيضا والنصوص السابقة (١) انما هي في المتنازعين في حق وقد حكّما في أمرهما رجلين دفعة فحكم كل واحد منهما لكل واحد منهما ولا وجه للتخيير هنا كما في أصل المرافعة

__________________

(١) الخبر ١ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ من الوسائل ص ٧٥ والخبر ٢٠ من الباب المذكور.

٥٦

والتقليد ضرورة تحقّق فصل الدعوى بقول أحدهما لاتفاق النصوص (١) على ذلك وانه لا يبطل حكم كل منهما بحكم الآخر فليس حينئذ إلّا الترجيح للحكم في كلّي الواقعة بالمرجّحات التي ذكرها الإمام عليه‌السلام وقال : انه مع فرض فقدها أجمع تقف حتى تلقى الإمام عليه‌السلام.

وهذا غير أصل التخيير في الترافع والتقليد المستفاد بين اطلاق أدلّة النصب المعتضد بالعمل في جميع الأعصار والأمصار ، بل لعلّ أصل تأهّل المفضول وكونه منصوبا يجري قبضه وولايته مجرى قبض الأفضل من القطعيّات التي لا ينبغي الوسوسة فيها خصوصا بعد ملاحظة نصوص النصب (٢) الظاهرة في نصب الجميع الموصوفين بالوصف المزبور لا الأفضل منهم وإلّا لوجب القول انظروا إلى الأفضل منكم لا رجل منكم كما هو واضح بأدنى تأمّل.

ومن ذلك يعلم ان نصوص الترجيح (٣) أجنبيّة عمّا نحن فيه من المرافعة ابتداء أو التقليد كذلك مع العلم بالخلاف وعدمه.

ومن الغريب اعتماد الأصحاب عليها في اثبات هذا المطلب (٤) حتى انّ بعضا منهم جعل مقتضاها ذلك مع العلم بالخلاف الذي عن جماعة من الأول دعوى الإجماع على تقديمه حينئذ لا مطلقا فجنح إلى التفصيل في المسألة بذلك.

__________________

(١) الباب ١١ من أبواب صفات القاضي الحديث ١ وغيره.

(٢) الباب ١١ من أبواب صفات القاضي الحديث ١ و ٦ وغيرهما.

(٣) الخبر ١ و ٢ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٤) أي : في اثبات وجوب الرجوع في القضاء والإفتاء إلى الأفقه مع انها واردة في المتنازعين اللذين قد حكّما في أمرهما رجلين دفعة وحصل الاختلاف بينهما في الحكم ، كما تقدّم.

٥٧

وأغرب من ذلك الاستناد إلى الإجماع المحكىّ عن المرتضى في ظاهر الذريعة والمحقّق الثاني في صريح حواشي الجهاد من الشرائع على وجوب الترافع ابتداء إلى الأفضل وتقليده ، بل ربما ظهر من بعضهم ان المفضول لا ولاية له أصلا مع وجود الأفضل ضرورة عدم اجماع نافع في هذه المسائل ، بل لعلّه بالعكس ، فإن الأئمّة عليهم‌السلام مع وجودهم كانوا يأمرون الناس بالرّجوع إلى أصحابهم من زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وغيرهم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يولّي القضاء بعض أصحابه مع حضور أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي هو أقضاهم.

قال في الدروس : لو حضر الإمام في بقعة وتحوكم إليه فله ردّ الحكم إلى غيره اجماعا على انه لم يتحقّق الإجماع عن المحقّق الثاني ، واجماع المرتضى مبنيّ على مسألة تقليد المفضول الإمامة العظمى مع وجود الأفضل وهو غير ما نحن فيه ضرورة ابتنائها على قبح ترجيح المرجوح على على الراجح فلا نصب من الله شأنه لها مع وجود الأفضل ولا مدخليّة لهذه المسألة فيما نحن فيه قطعا وظنّي ، والله أعلم ، اشتباه كثير من الناس في هذه المسألة بذلك انتهى كلام الجواهر. (١)

وقال العلّامة الكني في كتاب قضائه في بحث جواز الرجوع إلى المفضول في باب القضاء والفتوى مع وجود الأفضل انه قال قوم بعدم الجواز ولكنه هنا أقوال أخر :

أحدها : عدم اشتراط ذلك (أي عدم اشتراط جواز الرجوع إلى المفضول بعدم وجود الأفضل) مطلقا بل يجوز الرجوع إلى المفضول وينفذ حكمه ويصحّ تقليده والعمل بفتواه مطلقا اختاره جملة من متأخّري

__________________

(١) الجواهر ج ٤٠ كتاب القضاء ص ٤٢ ـ ٤٦.

٥٨

المتأخّرين بل الظاهر انه مذهب أكثرهم بل الظاهر انعقاد الشهرة المتأخّرة عليه فذهب إليه في المجمع والمفتاح والجواهر من كتب الفقه وفي القوانين والمناهج والفصول من كتب الأول وغير ذلك من كتب العلمين وفي الدروس حكايته عن قوم والظاهر انهم منّا إذ ليس بنائه فيها على نقل قول من خالفنا.

وثانيها : التفصيل بين زمان الحضور والغيبة.

وثالثها : هو القول بأنه إذا علم بالاختلاف يجب الرجوع إلى الأعلم حكاه الجواهر عن بعضهم والظاهر انه استاذه في كشف الغطاء واختار ولده الاستاذ حاكيا عن والده أيضا.

وذكر في الاستدلال للقول بوجوب الرجوع إلى الأعلم وجوها :

الأوّل : الأصل ، وهو حرمة العمل بالظن وقد خرج عنه قول الأعلم.

الثاني : اصالة الاشتغال. (١)

الثالث : الإجماع.

الرابع : قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ). (٢)

ثمّ أورد على الاستدلال بالأصلين المذكورين والإجماع والآية بقوله : ان الأصل مسلّم ولكن المخرج عنه لا يختص بما ذكر لكفاية اطلاق وعموم أدلّة القضاء والفتوى مع كثرتها في ذلك ... مضافا إلى آيات الإنذار والسؤال عن أهل الذكر والنّبأ وغيرها وقوله عليه‌السلام لأبان بن تغلب : «اجلس

__________________

(١) مراده ان الاشتغال بأحكام الله الواقعيّة حاصل وهو يستدعي الفراغ اليقيني ولا يحصل إلّا بالعمل بقول الأعلم.

(٢) الآية ٩ من سورة الزّمر.

٥٩

في مسجد الكوفة وافت للناس» وكقوله : «من أفتى الناس بغير علم ...» إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة واجماع المرتضى في مسألة الإمامة.

ولو كان الرجوع إلى الأعلم واجبا لوجب أن يقول الإمام عليه‌السلام من أول الأمر ارجعوا إلى أعلم علمائكم مطلقا أو من يمكنكم الوصول إليه مطلقا أو مع فرض كونهم في بلدكم إلّا مع الموافقة ، فالتخيير لا أن يقول انظروا إلى رجل منكم.

ثمّ قال بعد اختياره القول بعدم وجوب تقليد الأعلم : والغرض بيان فساد الاستناد إليها (أي إلى الروايات) في هذا الحكم العظيم الموجب للعسر والحرج المنافي للسيرة المستمرّة إلى زمن الأئمّة عليهم‌السلام فالمسألة حريّة بأن لا يشكّك في حكمها كما قال الجواهر ونعم ما قال : لعلّ أصل تأهّل المفضول وكونه منصوبا يجري قبضه وولايته مجرى قبض الأفضل من القطعيات لا ينبغي الوسوسة فيها إلى أن قال : ومن ذلك يعلم ان نصوص الترجيح أجنبيّة عمّا نحن فيه من المرافعة ابتداء أو التقليد كذلك مع العلم بالخلاف وعدمه.

وقال بالنسبة إلى ما في عهده عليه‌السلام للأشتر : واختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيق به الامور : انه لعدم صحّة السند مع عدم جابر صالح مع ظهور امارات الاستحباب كما لا يخفى على من لاحظه لم يمكن الاستناد إليه في اثبات هذا الأمر العظيم ...

ثم قال : وذكر الوشّاء انه أدرك تسعمائة شيخ بالكوفة كلّ يقول حدّثني جعفر بن محمّد قال في المفتاح : أترى ان أهل الكوفة على كثرتهم كانوا إذا

٦٠