مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه

آية الله الشيخ حسين النوري الهمداني

مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين النوري الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-230-0
الصفحات: ١٧٦

صالحا واجرى صدقة وسنّ سنّة حسنة.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد رجع من صفين فاشرف على القبور بظاهر الكوفة : «يا أهل الدّيار الموحشة والمحالّ المقفرة ... أنتم لنا فرط سابق ونحن لكم تبع لا حق امّا الدور ، فقد سكنت ، وامّا الأزواج ، فقد نكحت ، وامّا الأموال ، فقد قسمت. هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟» ثم ألتفت إلى أصحابه فقال : «أما لو اذن لهم في الكلام لأخبروكم ان خير الزاد التقوى». (١)

فالمسلمون في جميع انحاء العالم طبقا لهذا الاعتقاد والإيمان الجازم يوجّهون من أشرف على الموت ووقع في حالة الاحتضار إلى القبلة ويغسلونه ويكفّنونه ويدفنونه إلى القبلة ويلقّنونه اركان الإسلام والإيمان اعتقادا بانه يسمع ذلك كلّه ولم يتغير بالموت شيء من أوصافه وملكاته الرّوحية وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحشر المرء الّا على ما مات عليه ولا يموت الّا على ما عاش عليه» ولهذا الاعتقاد تأثير عميق في اعمال الإنسان من جهة العمل بتكاليفه ومن جهة انتهائه عن المنكرات وسيّما من جهة اشتياقه إلى الجهاد الذي هو عزّ للاسلام وذروة سنامه وما تسمع في التواريخ الإسلامية في اصطبار الزوجة والأمّ على قتل زوجها وولدها في معركة الجهاد وتشويقهما الزوج والولد اليه وكذلك في اشتياق المجاهدين إلى الجهاد واستقبالهم للسيوف والرماح وامثال ذلك ما كان سببه الّا هذا الاعتقاد.

فبعد رجوع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غزوة احد بادرت إليه امرأة قتل زوجها وولدها واخوها في القتال مع المشركين فسألته الأخبار عنهم فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) نهج البلاغة الكلمات القصار ١٢٥.

١٦١

«ابشري إنهم قد ترافقوا في الجنة جميعا» فسرّت به وما كانت مقالة الشهداء عند اقتراب الشهادة إلّا قولهم : يا حبّذا الجنّة واقترابها طيّبة وبارد شرابها. ويقول عمار ابن ياسر عند اقتراب شهادته بصفين : «اليوم القي الأحبة محمّدا وحزبه».

وعليه فالقول بان العرف يرى الموت انعداما فلا يبقى رأي بعد الموت لانعدام محله وهو النفس الناطقة ممّا لا يمكن التزام عرف المتشرعة به بل يكون اعتقاد عرف سائر الأديان الإلهية ايضا ذلك فان بقاء الإنسان بعد موته وعدم فنائه به من اركان كل الأديان الالهيّة وإن ارادوا من العرف غير اهل الأديان فهو ليس ميزانا في امثال المقام.

ويرد على المحقّق الخراساني مضافا إلى ما ذكرنا إن ما ذكره في آخر كلامه من انه لا بد في جواز التقليد من بقاء الرّأي والإمامة ولذا لو زال بجنون وتبدّل ونحوهما لما جاز قطعا ، ايضا غير سديد لأن حدوث الرّأي كاف في حجّيّته حدوثا وبقاء بمعنى ان حجية رأي المجتهد لا تدور مدار بقائه فان الفتوى مثل الرواية والشهادة فكما ان حجية الرواية والشهادة لا تدور مدار بقاء الراوي والشاهد بمعنى عدم عروض الموت لهما فكذلك الفتوى.

توضيح ذلك ان الشيء قد يكون بحدوثه موضوعا لحكم من الأحكام بان يكون حدوثه في زمان كافيا في ثبوت الحكم وبقائه كما في حكم الشارع مثلا بعدم جواز الصلاة خلف المحدود فان وقوع الحد على أحد في زمان كاف في عدم جواز الايتمام به الى الأبد وقد لا يكون حدوثه كافيا في بقاء الحكم بل يحتاج بقائه إلى بقاء ذلك الشيء فيدور الحكم مداره حدوثا وبقاء كعدم جواز الصلاة خلف الفاسق فإنه يدور مدار فسقه ولا مانع من ان يكون

١٦٢

فتوى المجتهد من قبيل الأول وان شئت قلت : ان جزم الفقيه واظهاره الفتوى على سبيل الجزم واسطة في حدوث جواز العمل بقوله وعليه فيمكن التمسك باستصحاب حجية رأيه بعد موته ولا اشكال فيه من هذه الجهة وما ذكره من القطع بعدم جواز تقليد من زال عنه الرّأي بالتبدّل أو بعروض الجنون أو الهرم وهو دليل على ان الحجية دائرة مدار بقاء الرأي غير تام.

وامّا في تبدّل الرأي فلاختصاص حجية الرأي بما إذا لم يظهر بطلانه وبعد تبدل الرأي يظهر خطأه فكيف يكون حجة والأمر في باب الرواية أيضا كذلك فان الراوي لو اعترف بخطئه في الرواية تسقط الرواية عن الحجية بلا اشكال وذلك كرجوع الشاهد عن شهادته.

وامّا ارتفاع حجية الفتوى بزوال الرأي لهرم أو جنون فلحصول القطع من الخارج بعدم جواز تقليد من طرأ عليه الجنون فانه لا يليق بمنصب الفتوى الذي هو فرع من فروع منصب الإمامة وكذا من التحق بالصبيان للهرم أو النسيان فان الشارع لا يرضى بزعامته وكذلك اذا عرض له الفسق هذا بخلاف الموت فانه ارتقاء للإنسان وارتحال من عالم الى عالم ارقى وأشرف ولذا اتصف به الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام الذين هم اكمل الناس فالمجنون والفاسق والهرم والناسي لفتاواه لا يليقون بزعامة المسلمين لسقوطهم عن الأنظار بطرو هذه الحالات لا لاجل زوال رأيهم هذا مضافا الى الإجماع القطعي على عدم جواز تقليدهم في هذه الحالات وان كان يظهر من الجواهر خلافه بالنسبة إلى الفاسق والمجنون.

حيث قال في كتاب القضاء : ان الحاكم لو فسق بعد صدور الحكم واخذ الحق ممن عليه ودفع لمستحقه وتمت آثاره فان الفسق اللاحق لا يبطل

١٦٣

الحكم.

ويستفاد من خبر الحسين بن روح المروي في كتاب الغيبة للشيخ أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام إنه سئل عن كتب بني فضال فقال : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا بناء على ارادة الفتوى من الرأي فيه لا الوقف ان الفتوى المعمول بها يبطل العمل بها من حين الفسق وما تأخر عنه في الزمان المستقبل دون ما تقدمها من ذلك المبنيّ على اصل الصحة والبراءة وغيرهما من قاعدة الاجزاء ونحوها بل ليس هو مصداقا لقوله عليه‌السلام ذروا.

هذا كله في الفسق امّا غيره من العوارض كالجنون والموت ونحوهما فالأصل يقتضي بقاء حكمه على الصحة المقتضى لتنفيذه بالمعنيين بل قد يستفاد من ذلك حكم فتواه ايضا الذي قلّد ببعض افرادها ضرورة تضمن الحكم للفتوى المفروض عدم انتقاضها ايضا بذلك ولو للاصل المزبور الذي لم يدل دليل على اشتراط اضدادها (اي اضداد الجنون والموت) حين العمل بما يتجدد من افراد الفتوى السابقة التي فرض التقليد فيها نعم الظاهر الإجماع على عدم جواز العمل ابتداء بفتاوي الأموات امّا غير ذلك فلم يثبت. بل يتجه حينئذ جواز العمل بفتوى من عرض له الجنون مثلا ابتداء مع عدم الإجماع فضلا عن الاستدامة ضرورة كون المستفاد من الأدلة اعتبار هذه الشرائط في حصول الفتوى بمعنى صدورها حال كونه عاقلا مثلا لا انه يعتبر حال العمل بها كونه كذلك ... انتهى. (١)

وامّا الجواب عن الاستدلال بالاستصحاب على جواز تقليد الميّت بجميع تقريراته المتقدمة فبالإشكال في اصل جريانه من جهة الشك في

__________________

(١) الجواهر ج ٤٠ ص ٣١٩ ـ ٣٢٠.

١٦٤

حجية رأيه لمن لم يرجع اليه ولم يقلده في زمن حياته فاستشكلنا على الاستدلال بالاستصحاب ليس من جهة ان الموت يوجب انعدام الرأي كما عليه الآيات الشيخ الأعظم الأنصاري وصاحب الفصول والمحقق الخراساني والشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس الله أرواحهم واجبنا عنه بل من جهة احتمال ضيق دائرة جعل الحجية من الأول لان المحتمل عندنا ان تكون حجية فتواه مختصة بمن عاصره ورجع إليه وقلّده وامّا من وجد بعده فى الأزمنة المتأخرة أو عاصره ولم يقلده فلا يمكن ان يقال كانت هذه حجة في زمان حياته والآن ايضا حجة لأحتمال اختصاص الحجية بمن رجع إليه وقلّده حال حياته ، فلم يكن فتواه حجة على كل احد من أوّل الأمر ، ومع هذا الاحتمال يكون الشك شكا في حدوث الحجية لمن لم يرجع إليه لا الشك في البقاء فله التمسك باستصحاب عدم جعل الحجية له لاستقامة اركانه له ولعله لذا قال الشيخ الأعظم الأنصاري في رسالته في الاجتهاد والتقليد : بأن الاستصحاب لا يجري فيما يحتمل مدخلية وصف عنوان في الحكم كالحياة فيما نحن فيه مع انه يجب رفع اليد عنه على تقدير الجريان للحكايات المتقدمة للإجماع والاتفاق المعتضدة بالشهرة العظيمة. (١)

الثاني : من الأدلة التي اقاموها على عدم اشتراط الحياة في المفتي هو السيرة بتقريب ان العقلاء قد جرت سيرتهم في باب رجوع الجاهل إلى العالم على الرجوع إلى اهل الخبرة من غير فرق في ذلك بين العالم الحي والميّت ومن هنا لو مرض احدهم وشخّص مرضه لرجعوا في علاجه إلى القانون وغيره من مؤلفات اطبّاء الأموات من غير نكير.

__________________

(١) رسالة الاجتهاد والتقليد للشيخ الانصاري ص ٦١.

١٦٥

والجواب ان جريان السيرة على رجوع الجاهل إلى العالم مطلقا وان كان غير قابل للمناقشة إلّا ان حجيتها مشروطة بعدم ردع الشارع عنها واجماع فقهاء الشيعة القولي والعملي فى جميع الأعصار بحيث لم ير مخالف لهم وحكمهم بعدم جواز تقليد الميت ابتداء الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام كاف في الردع عنها وعليه فدليل العمدة لعدم جواز تقليد الميّت ابتداء هو الإجماع.

واما الكلام في المقام الثاني وهو البقاء على تقليد الميت فقد اصبحت المسألة عند متأخري المتأخرين ذات اقوال وتفاصيل ولم نجد معنونة بهذا العنوان في كلام من تقدمهم وان قال في المستمسك : القول بجواز تقليد الميت استدامة محكي عن جماعة من الأكابر.

الأول : عدم الجواز مطلقا وهو المشهور على ما في تقريرات شيخنا الأعظم الأنصاري وكان هو مختار استاذنا الآية البروجردي اعلى الله مقامه قبل مهاجرته الى قم المقدسة ولكنه بعد البحث والنقاش مع استاذنا الآية السيّد علىّ اليثربيّ الكاشانيّ «قدس الله رمسه» عدل الى القول بالجواز.

الثاني : جواز البقاء مطلقا اي في جميع المسائل لا في خصوص المسائل التي عمل بها فانه بعد تحقق التقليد بسبب العمل بفتوى المجتهد الحي في بعض المسائل يجوز للعامي البقاء على تقليده بعد وفاته في جميع المسائل وان لم يعمل بها في زمان حياته (وهو مبتن على كون التقليد هو العمل) كما في تحرير الوسيلة لسيدنا الأستاذ الإمام الخميني «قدس الله نفسه» في المسألة ١٣ من مسائل التقليد.

واطلاق كلامه يشمل صورتي اعلمية الميت من الأحياء وأعلمية

١٦٦

الأحياء من الميت وصورة التساوي في العلم.

الثالث : التفصيل بين المسائل التي عمل بها وما لم يعمل به من المسائل فيجوز في القسم الأول ولا يجوز في القسم الثاني وهو ما في وسيلة السيد الفقيه الآية أبي الحسن الأصفهاني حيث قال : نعم يجوز البقاء على تقليده في المسائل التي عمل بها في زمان حياته أو الرجوع إلى الحي الأعلم والرجوع احوط.

الرابع : التفصيل بين اعلمية الميت من الحي وعدمها.

وهو ما افاده الآية السيد الحكيم في رسالة المنهاج حيث قال :

إذا قلد مجتهدا فمات فان كان اعلم من الحي وجب البقاء على تقليده فيما عمل به من المسائل وفيما لم يعلم وان كان الحي اعلم وجب العدول إليه وان تساويا في العلم تخير بين العدول والبقاء ...

الخامس : التفصيل بين تذكر فتاوي الميت وعدمه.

وهو ما يظهر عن الآية السيد الخوئي «أعلى الله تعالى مقامه» في المسألة ١٤ من مسائله المنتخبة.

فقد استدل على جواز البقاء على تقليد الميت بوجهين :

الأول : الاستصحاب بتقريباته الثلاثة المتقدمة : من استصحاب بقاء حجية رأي المجتهد الذي قلده قبل موته ومن استصحاب جواز الأخذ بفتواه قبل موته ومن استصحاب حكم الواقعة المستفتى فيها فالتقريب الأول يرجع إلى المفتي والثاني إلى المستفتي والثالث إلى الواقعة المستفتى فيها والتقريبات الثلاثة كلها تنجيزية. (١)

__________________

(١) اقسام الاستصحاب فى مسألة التقليد الابتدائي كانت ستة ثلاثة منها تنجيزية وثلاثة منها تعليقية وقد تقدمت.

١٦٧

وأورد عليه المحقق الخراساني في الكفاية بعين الإيراد الذي اورده في التقليد الابتدائي من ان الموضوع وهو رأي الميت غير باق فان قوام الرأي بالحياة فاذا مات انتفى الرأي في نظر العرف بانعدام موضوعه وانه يعتبر في جواز التقليد حدوثا وبقاء تحقق الرأي حدوثا وبقاء فكما انه لا يجوز البقاء على التقليد بعد زوال الرأي بسبب الهرم والمرض اجماعا لا يجوز بعد الموت بنحو اولى.

ويردّه ما اوردنا عليه فى بحث التقليد الابتدائي ولكن الاستصحاب المذكور غير جار للاشكال الذى ذكرناه في ذلك البحث.

هذا مضافا إلى ان قضية حجية فتوى المجتهد ليست الّا تنجز الواقع اذا اصابت والعذر فيما اخطأت لا انشاء حكم شرعي على طبق مؤدياتها فلا مجال حينئذ لاستصحاب ما قلده من الاحكام كما هو مقتضى التقريب الثالث من التقريبات الثلاثة المتقدمة.

وبالجملة لا يمكن الاستناد على الاستصحاب في مسألة البقاء على تقليد الميت بما ذكرنا.

الثاني : وهو العمدة في المقام هي السيرة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة اذ لا اشكال في بنائهم على العمل بما اخذوا من الحي وان مات قبل العمل فهم اذا اخذوا دستورا من الطّبيب مثلا لعلاج المرض ثم مات الطبيب قبل العمل بالدستور يرون العمل بالدستور المذكور صحيحا ولا يرون موته مانعا من العمل.

وبالجملة لا فرق في جريان السيرة العقلائية على رجوع الجاهل إلى العالم وحجيتها عندهم بين كون العالم حيّا أو ميّتا ولكن قيام الإجماع

١٦٨

القطعي على عدم جواز تقليد الميت ابتداء صار موجبا لرفع اليد عن السيرة في التقليد الابتدائي اذ الإجماع حيث انه دليل لبّي يكون القدر المتيقن منه هو التقليد الابتدائي فلا يشمل المقام كي يكون رادعا عن السيرة بل يمكن اثبات كون هذه السيرة ممضاة من جانب الشارع الاقدس بالروايات كرواية علي بن المسيب المتقدمة فان ارجاع الرضا عليه‌السلام اياه الى زكريا بن آدم لما ذكر من كون شقته بعيدة (١) من غير ذكر حال حياته وان ما يأخذه منه في حال الحياة لا يجوز العمل به بعد موته مع ان في ارتكازه وارتكاز كل عاقل عدم الفرق بين بقائه حيّا أو موته في الأثناء بعد الرجوع إليه دليل على جواز العمل بما اخذ. ومثلها مكاتبة احمد بن حاتم واخيه (٢) وبالجملة ارجاع الأئمة عليهم‌السلام في الروايات الكثيرة شيعتهم الى العلماء عموما وإلى اشخاص معيّنين خصوصا مع خلوّها عن اشتراط الحياة مع ان في ارتكازهم عدم الفرق كاشف عن ارتضائهم عليهم‌السلام بذلك.

قال السيد المجاهد في مفاتيح الأصول بعد البحث واثبات عدم جواز تقليد الميت بالإجماع وغيره :

لا يقال : الفرق بين ابتداء التقليد واستدامته مما لم يظهر به قائل من السلف بل ظاهر قولهم المدعى عليه الإجماع لا يجوز تقليد الميت ينفي الفرق.

لأنا نقول : عدم ظهور القائل من السلف لا يكون بنفسه حجة ودعوى شمول اطلاق قولهم المشار اليه لمحل البحث ممنوع لانصرافه الى ابتداء التقليد

__________________

(١) الخبر ٢٧ من الباب ١١ من ابواب صفات القاضي ج ١٨ من الوسائل ص ١٠٦.

(٢) الخبر ٤٥ من الباب ١١ من ابواب صفات القاضي ج ٦ من الوسائل ص ١١٠.

١٦٩

لا غير بل قد يقال لا يمكن شموله لمحل البحث الّا مجازا لان البقاء على التقليد ليس تقليدا بالمعنى المصدري فتأمل ، انتهى. (١)

بقي في المقام شيء يلزم التعرّض له وهو انه قد ذكر الآية الخوئى «قدس الله سره» : انه ذكر بعضهم انه يعتبر في جواز البقاء على تقليد الميت العمل بفتواه حال حياته فلو لم يعمل به في حياته لم يجز البقاء على تقليده بعد موته ومنشأ هذا الاعتبار هو تعريف التقليد بالعمل باعتبار انه لا يصدق البقاء على تقليده مع عدم العمل لعدم تحقق التقليد بدونه فيكون العمل على فتواه بعد موته تقليدا ابتدائيا ولا يخفى ما فيه اذ لم يرد عنوان البقاء على تقليد الميت في لسان دليل لفظي حتى نتكلم في مفهومه وان البقاء هل يصدق مع عدم العمل في حال حياة المفتي ام لا يصدق بل حكم جواز البقاء من حيث اعتبار العمل وعدمه تابع للمدرك.

فنقول : ان كان مدركه الاستصحاب فهو على تقدير جريانه يقتضي حجية فتوى الميت مطلقا عمل المكلف بها حال حياته ام لم يعمل لان حجية فتواه على العامي حال حياته لا تتوقف على العمل بها فتستصحب.

واما ان كان المدرك هي السيرة العقلائية القائمة على رجوع الجاهل إلى العالم فعدم اشتراط العمل فى جواز البقاء اظهر فان السيرة جرت على رجوع الجاهل الى العالم حيا كان أو ميتا عمل الجاهل بفتواه أم لم يعمل ولم يردع عنها الشارع الّا في خصوص التقليد الابتدائي عن الميت حيث منع عنه بمقتضى الأدلة السابقة الدالة على اعتبار الحياة في المفتي على ما تقدم.

وكذا الحال فيما إذا اعتمدنا في جواز البقاء على الاطلاقات الدالة على حجية فتوى العالم فإنها تدل على اعتبار كونه حيا حال السؤال والرجوع إليه

__________________

(١) مفاتيح الاصول ص ٦٢٤.

١٧٠

لا حال العمل واطلاقها ينفي اعتبار العمل بفتواه قبل موته في جواز العمل بها بعد موته مع كون التعلم والاخذ في حياته.

فتحصّل ان جواز البقاء على تقليد الميت غير متوقف على العمل وان قلنا بكون التقليد عبارة عن العمل. (١)

لكنه يرد عليه انه وان لم يرد لفظ البقاء على تقليد الميت كي يبحث عن معنى التقليد ولكنه لا بدّ في الخروج عن مخالفة الإجماع القائم على عدم جواز التقليد للميت ، وقد ذكرنا ان المتيقّن منه هو التقليد الابتدائي من تحصيل معنى البقاء على تقليد الميت وقد فسر نفسه «قدس الله سره» في التنقيح (٢) التقليد بالعمل (٣) فاللازم حينئذ تحقيق معنى التقليد ليحصل الاحتراز عن التقليد الابتدائي للميت وهو على ما ذكره يحتاج إلى العمل في حال حياته ليكون العمل بعد مماته بقاء على تقليده.

نعم القدر المتيقن من الإجماع المذكور من لم يعمل في حال حياة المجتهد اصلا ورأسا ولكنه من عمل في حال حياته ولو بمسألة واحدة فله أن يعمل في جميع المسائل على فتوى الميت لشمول السيرة القائمة على رجوع الجاهل الى العالم من غير فرق بين الحي والميت التي هي عمدة المدرك للبقاء للمقام والإجماع المذكور لا يخالفه على ما ذكرنا من كون القدر المتيقن منه هو التقليد الابتدائي في جميع المسائل.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

__________________

(١) مصباح الاصول ج ٣ ص ٤٦٤

(٢) التنقيح ج ١ ص ٧٨.

(٣) ونحن أيضا قد اخترنا كون التقليد عبارة عن العمل ، كما سلف.

١٧١

بسمه تعالى

سماحة آية الله الحاج الشّيخ حسين النّورى الهمدانى «دامت بركاته»

تحيّة وإخلاصا

بالنّظر إلى ما كان يولّيه الإمام الرّاحل «قدّس الله نفسه الزكيّة» وما يولّيه مقام القيادة سماحة آية الله الخامنه اى «مدّ ظله» من التّطوير والحركة في الحوزات العلميّة وبالنظر إلى انّ حوزة اصفهان العلميّة تمتدّ جذورها إلى عهد بعيد وطالما كانت ولا زالت لها المركزيّة في العلوم الإسلاميّة كما كانت لها سابقة فضل إعداد وتخريج العديد من الفقهاء والمفكّرين وأساطين العلم والعمل وفي الوقت الحاضر أيضا تعدّ من أقوى وأغنى المراكز العلميّة بعد حوزة قم المقدّسة.

ومن المؤكّد انّ إحدى الوسائل التي تكون مؤثّرة في دعم هذه الحوزة المقدّسة وتطوير معالمها هو تواجد الشخصيّات العلميّة أمثال سماحتكم فيها ولو موقّتا في فترة الصّيف.

ومن هنا ندعوكم لقضاء فترة الصّيف في اصفهان ومساندتكم ودعمكم لنا في هذا الأمل المنشود من خلال حلقات التّدريس وإلقاء محاضرات علميّة وتوجيهيّة.

ونرجو أن تكون تلبيتكم لهذه الدّعوة خطوة مباركة تترتّب عليها آثار ونتائج قيّمة في سبيل رفع كيان حوزة اصفهان العلميّة المقدّسة.

الحاج السيّد اسماعيل الهاشمي

تجمّع أئمّة الجماعات في اصفهان

السيّد كمال الدّين فقيه ايماني

__________________

تلبية لدعوة كريمة تمّت من قبل أصحاب السّماحة والفضيلة والأفاضل الأماثل حجج الإسلام والمسلمين أدام الله عزّهم. سافرت إلى مدينة اصفهان وقضيت فترة الصّيف في ذلك البلد الكريم وقمت بتوفيق الله تعالى وبالتوجّه من مولانا صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء بتدريس بعض المسائل الفقهية وشرح مقتطفات من خطب وكلمات إمام البلاغة أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام على ضوء كتاب نهج البلاغة في حوزته العلميّة المقدّسة.

وتقدّر ظروف ومناخات هذه الحوزة العلميّة المقدّسة حيث أن طلّابها والعلماء العظماء المقيمين بها عاكفة على الدّراسة وتوّاقة إلى العلم وفنون الثقافة الإسلامية.

والرّغبة الملحّة إلى العلوم الإسلاميّة في هذه الحوزة المباركة تجدّد الذكريّات العطرة من عهد العلامة المجلسى والشيخ البهائي والسيد الداماد والمولى الخوانساري استاد الكلّ في الكلّ وأمثالهم من الفطاحل نوّر الله مضاجعهم.

ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها.

وأنا بدوري أن اقدّم شكري الجزيل للعلماء العظام الأعلام لما استقبلوني بترحاب وحفاوة بالغين ويسرّني أن أبدي عن اعجابي وتقديري لهذه الدّعوة المقدّسة.

١ / جمادي الثانيّة / ١٤١٥

قم المقدسة ـ الحوزة العلمية

حسين النّوري الهمداني

١٧٢

الفهرس

وجوب الاجتهاد والتقليد والاحتياط فطريّ وعقليّ.................................... ٣

الاجتهاد هو الاصل الوحيد........................................................ ٤

يتوقّف الاجتهاد على امور........................................................ ٦

التقليد.......................................................................... ٨

معنى التقليد..................................................................... ٩

ما يدعو العامي إلى التقليد....................................................... ١٢

شبهة الأخباريّين ومقالتهم بأن الاجتهاد بدعة والتقليد حرام........................... ١٥

موارد الاختلاف بين المجتهدين والأخباريّين......................................... ١٩

الجواب عن شبهة الأخباريّين..................................................... ٢١

أمرهم عليهم‌السلام بالتّفريع على الاصول المسموعة منهم وأمرهم عليهم‌السلام بالإفتاء............... ٢٢

تطوّر الفقه ومروره على مراحل.................................................... ٢٦

شيوع الإفتاء والاستفتاء في زمانهم عليهم‌السلام........................................... ٢٧

تعلّمهم عليهم‌السلام أصحابهم كيفيّة الاستنباط........................................... ٢٩

ارجاعهم عليهم‌السلام الشّيعة إلى أصحابهم.............................................. ٣١

دلالة الأخبار العلاجيّة على تعليمهم عليهم‌السلام الاجتهاد بالمعنى المتعارف.................. ٣٢

١٧٣

النهي عن الإفتاء بغير علم....................................................... ٣٣

المراد ممّا نهي عنه في الأخبار من الإفتاء بالرّأي...................................... ٣٥

المراد مما نهي عن الإفتاء بغير علم.................................................. ٣٧

مراجعة فقهاء العامّة إلى الأئمّة عليهم‌السلام أو أصحابهم عليهم‌السلام............................. ٣٨

مشروعيّة الاجتهاد الموجود....................................................... ٤٠

الاستدلال على مشروعيّة الاجتهاد الموجود......................................... ٤١

نبذة ممّا يدلّ على فضل العلماء والفقهاء........................................... ٤٣

تقليد الأعلم................................................................... ٤٨

هل يجب تقليد الأعلم؟......................................................... ٤٩

كلام الشهيد الثاني في تقليد الأعلم............................................... ٥٠

كلام المحقّق النراقي والمحقّق القمي في القول بجواز تقليد غير الأعلم..................... ٥١

كلمات صاحب الفصول في القول بجواز تقليد غير الأعلم........................... ٥٣

كلمات صاحب الجواهر في القول بجواز تقليد غير الأعلم............................ ٥٥

كلمات المحقّق الكني في القول بجواز تقليد غير الأعلم................................ ٥٨

الكلام فيما يقتضيه الأصل...................................................... ٦١

أدلّة وجوب تقليد الأعلم........................................................ ٦٧

حول مقبولة عمر بن حنظلة..................................................... ٧٣

كلام العلّامة الرشتي في تقليد الأعلم.............................................. ٧٦

مناقشة العلّامة الرشتي في استدلاله بالمقبولة........................................ ٧٧

مناقشة الاستدلال بالرّوايات الواردة في باب القضاء على وجوب تقليد الأعلم........... ٧٩

حول عهد الأشتر وعدم دلالته على وجوب تقليد الأعلم............................. ٨١

الاستدلال بالسيرة على لزوم تقليد الأعلم.......................................... ٨٤

١٧٤

كلام الإمام الخميني «ره» في السّيرة............................................... ٨٦

حول وجوب تقليد الأعلم........................................................ ٨٩

أدلّة القائلين بجواز تقليد غير الأعلم............................................... ٩١

الجواب عن الروايات المستدلّ بها على جواز تقليد غير الأعلم......................... ٩٥

الروايات المستدلّ بها على جواز تقليد غير الأعلم.................................... ٩٦

مناقشة الأخبار المستدلّ بها على جواز تقليد غير الأعلم............................ ١٠١

مناقشة أدلّة القائلين بجواز تقليد غير الأعلم...................................... ١٠٥

حول التبعيض في التقليد....................................................... ١٠٩

حول التبعيض في التقليد في العمل الواحد........................................ ١١٣

هل يجب الفحص عن الأعلم؟................................................. ١١٧

صور وجوب الفحص عن الأعلم................................................ ١١٨

هل الأورعيّة من المرجّحات؟.................................................... ١٢٥

مسألة ولاية الفقيه............................................................ ١٣٠

ولاية الفقيه المطلقة............................................................ ١٣١

الاستدلال على ولاية الفقيه المطلقة.............................................. ١٣٣

مناقشة منكري ولاية الفقيه المطلقة.............................................. ١٣٧

الولاية المطلقة للفقيه........................................................... ١٣٨

حول الولاية المطلقة للفقيه...................................................... ١٤٠

مناقشة اعتبار الأعلميّة في غير التقليد من شئون الفقيه............................. ١٤٣

هل تعتبر الأعلميّة في غير التقليد من شئون الفقيه؟................................ ١٤٤

هل يجوز تقليد الميّت؟......................................................... ١٤٨

حول الإجماع المدّعى على عدم جواز تقليد الميّت.................................. ١٥١

١٧٥

في الأدلّة الّتي أقاموها على عدم جواز تقليد الميّت................................. ١٥٤

الاستدلال على عدم جواز تقليد الميّت........................................... ١٥٦

أدلّة القائلين بجواز تقليد الميّت.................................................. ١٥٧

حقيقة الموت من وجهة نظر المتشرّعة............................................. ١٦٠

حول الاستصحاب المستدلّ به على جواز تقليد الميّت.............................. ١٦٣

الجواب عن الاستصحاب المستدلّ به على جواز تقليد الميّت........................ ١٦٥

الاستدلال على عدم اشتراط الحياة في المفتي والجواب عنه........................... ١٦٦

الأقوال في مسألة البقاء على تقليد الميّت......................................... ١٦٧

الاستدلال لجواز البقاء على تقليد الميّت.......................................... ١٦٨

الاستدلال بالسيرة على جواز البقاء............................................. ١٦٩

هل يعتبر في جواز البقاء على تقليد الميّت العمل بفتواه؟............................ ١٧٠

اعتبار العمل في جواز البقاء.................................................... ١٧١

١٧٦