مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه

آية الله الشيخ حسين النوري الهمداني

مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين النوري الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-230-0
الصفحات: ١٧٦

في مباشرته الاجتهاد حكمها فيجب اعتبار الأعلم اولا؟ لم اجد نصّا في هذا الباب لأحد من الاصحاب ولكن ظاهر اطلاق كلامهم في بعض المقامات عدم اشتراط ذلك. (١)

ويظهر من كلام العلامة الرشتي في رسالته في تقليد الأعلم ايضا ثبوت هذه المناصب للمفضول حيث قال :

الثالث عشر : هل يثبت للمفضول مع وجود الافضل سائر الولايات فيتصرف في مال المجنون ويكون له القيمومة للايتام والغائب ويتصرف في مال الامام عليه‌السلام والزكوات والاوقاف العامة ونحوها من الوجوهات الراجعة الى المجتهد ام لا؟ قال في المفاتيح : لم اجد نصا فى هذا الباب لاحد من الاصحاب لكن ظاهر اطلاق كلامهم في بعض المقامات عدم الاشتراط. انتهى.

ويمكن المناقشة فيه لو لم يكن في ادلتها اطلاق بأن الاقتصار في القدر الخارج عن تحت الاصول على المتيقن يقتضي الاشتراط لكن يمكن دفعها بعد الغضّ عن الاطلاق بان الغرض الواضح والمناط اللائح في جعل هذه الولايات ما يتعلق بامر المعاش كرفع الضرر وحفظ النظام عن التشويش وايصال الحقوق الى اربابها ونحو ذلك مما يناسب كل مقام منها فلذا لا يعتبر في مباشرتها سوى الأمانة والدّيانة واما زيادة العلم ونقصانه فمما لا عبرة بهما ولا فائدة في اشتراطها فيها بل لو لا الإجماع لأمكن المناقشة في اعتبار اصل العلم فيجوز لكل عدل مباشرة هذه الامور كما ورد به بعض الروايات في خصوص التصرف في مال اليتيم في مثل قوله ان كان مثلك ومثل

__________________

(١) ص ٦٣٢.

١٤١

عبد الحميد فلا بأس.

نعم لا يبعد اختصاص الولاية بالافضل اذا كان المصرف من الخلافيات بين الاصحاب كمصرف مال الامام عليه‌السلام فان فيه شائبة الفتوى والتقليد كما لا يخفى هذا مع احتمال اختصاصها به مطلقا نظرا الى كون الافضل واعلم العصر هو اللائق بهذه المناصب الجليلة من قبل الامام عليه‌السلام الّا ان الأول اقوى ولكن الاحتياط مرعى على كل حال انتهى. (١)

ثم ان الآية الخوئي قدس الله رمسه بعد اختياره عدم الولاية المطلقة للفقيه وان ليس له الّا الولاية في الامور الحسبيّة ـ وقد تقدم ضعفه على ما بيّناه ـ افتتح البحث في ان ولاية الفقيه بالمعنى المتقدم هل يشترط فيها الأعلمية او انها ثابتة لمطلق الفقيه؟ وقال :

فنقول : امّا الأعلمية المطلقة التي هي المعتبرة في باب التقليد فلا يحتمل اعتبارها في المقام فان لازم ذلك ان تكون الولاية على مجهول المالك ومال الغيب والقصر من المجانين والايتام والاوقاف التي لا متولّي لها والوصايا التي لا وصي لها وغيرها من الامور الحسبية في ارجاء العالم كله راجعة الى شخص واحد.

ومن المستحيل ـ عادة ـ قيام شخص واحد عادي للتصدي بجميع تلك الامور ـ على كثرتها ـ في الأماكن المختلفة من الربع المسكون فان الولاية كالخلافة فلا بد فيها من الرجوع الى الأعلم من جميع النقاط والقيام بها امر خارج عن طوقه كما ان المراجعة من ارجاء العالم في الامور الحسبية الى شخص واحد في مكان معين من البلدان غير ميسورة للجميع.

__________________

(١) رسالة تقليد الأعلم للعلامة الرشتي ص ١٠٣ ـ ١٠٤.

١٤٢

على ان الأعلمية المطلقة لو كانت معتبرة في الولاية ـ بالمعنى المتقدم ـ لكان من اللازم ان يشار الى اعتبارها في الأخبار الواردة عنهم عليه‌السلام ويوصل الينا يدا بيد واشتهر وذاع ولم يرد ادنى اشارة الى اعتبارها في الروايات ولم يلتزم به الاصحاب فاعتبار الأعلمية المطلقة غير محتمل بتاتا.

واما الأعلمية الاضافية كاعلم البلد وما حوله من النقاط التي يمكن الرجوع منها الى ذلك البلد في تلك الامور فالمشهور بين الأعلام ايضا عدم اعتبارها في الولاية بل ادعى ظهور الإجماع عليه في بعض الكلمات.

الّا ان الصحيح هو القول بالاعتبار وذلك لعين ما قدمناه في اشتراط اذن الفقيه في التصدي للامور الحسبية وحاصل ما ذكرنا في وجهه ان مقتضى القاعدة عدم نفوذ تصرف احد في حق غيره للاستصحاب او اصالة الاشتغال كما مرّ الّا ان الامور المذكورة لمّا لم يكن بدّ من تحققها في الخارج وكان من الضروري ان يتصرف فيها متصرف لا محالة دار الامر بين ان يكون المتصرف النافذ تصرفه فيها اعلم البلد وان يكون غيره من الفقهاء ، والأعلم الاضافي هو القدر المتيقن ممن يحتمل جواز تصرفه في تلك الامور.

وكذلك الحال في التصرف في سهم الإمام عليه‌السلام لانه وان كان معلوم المالك وهو الامام عليه‌السلام الّا انه من جهة عدم التمكن من الوصول اليه ملحق بمجهول المالك نظير سائر الأموال المعلوم مالكها فيما اذا لم يمكن الوصول اليه وقد تقدم ان القدر المتيقن ممن يجوز تصرفاته في تلك الموارد هو الأعلم اما مطلقا كما في سهم الامام عليه‌السلام وغيره مما لا مانع من الرجوع فيه الى الأعلم مطلقا واما بالإضافة الى البلد كما في الولاية لعدم التمكن فيها من الرجوع الى الأعلم المطلق كما مرّ.

١٤٣

فعلى ما بيّناه اعتبار الأعلمية الاضافية لو لم يكن اقوى فلا ريب انه احوط (١) وفي كلامه مواقع للنظر.

اما اولا : فلأن الوجه الذي ذكره لعدم اعتبار الأعلمية المطلقة في الولاية على الامور الحسبيّة وهو الاستلزام للمحال حيث قال : «ومن المستحيل عادة قيام شخص واحد عادي للتصدي بجميع تلك الامور ـ على كثرتها في الأماكن المختلفة من الربع المسكون» جار في الولاية المطلقة للفقيه بنحو اشدّ وآكد لكون الأول محصورا في الامور المعدودة الجزئية كالتصرف في اموال الغيب والقصر وامّا الثاني اي الولاية المطلقة فهي وسيعة جدا بحيث تشمل جميع الامور السياسية والثقافية والاقتصادية والتربوية وغيرها لجميع المسلمين في ارجاء العالم وعدم امكان التصدي لشخص واحد لجميع تلك الامور واضح فهي مستحيلة بنسبة اكثر وحينئذ لا معنى لأن يكون الشيء المستحيل موردا للبحث والاختلاف بين الفقهاء فيذهب طائفة الى ثبوت الولاية المطلقة للفقيه وطائفة الى عدمه.

وعليه فما ذكره دليلا لعدم اعتبار الأعلميّة المطلقة في الولاية على الامور الحسبية غير تام والسر في ذلك انه ليس مقتضى الولاية على الشيء التصدي بنفسه لذلك الشيء بل يكفي كون ادارة ذلك الشيء بنظره مع نصب النائب والوكيل واستيجار الاجير لادارته كما هو المعمول به في الامور فالنبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع كونه واليا على جميع امور الامة لم يكن مباشرا بنفسه كل الامور ولا يتصدى لها بنفسه وكان ينصب الاشخاص للقضاء وامر الجهاد واخذ الزكوات وتوزيعها وغير ذلك وهكذا امير المؤمنين عليه‌السلام في زمن

__________________

(١) التنقيح ج ١ ص ٤٢٥ ـ ٤٢٧.

١٤٤

حكومته.

ومن العجيب انه جعل في كلامه التصرف في سهم الامام عليه‌السلام لأعلم من في الارض مطلقا ـ لا الأعلم بالاضافة الى البلد ـ وحينئذ يسأل عنه هل يمكن للشخص الواحد التصرف في سهم امام جميع العالم بنفسه والتصدي له بنفسه؟ وما يجيب هو الجواب عما ذكره واما ثانيا : فلان مقتضى اطلاق الأدلة الدالة على ولاية الفقيه ـ على ما تقدم ـ ثبوتها للفقيه بما هو فقيه واحتمال اعتبار الأعلمية ولو الاضافية مما يدفعه الاطلاق المذكور.

وثالثا : ان ما ذكره في نفي اعتبار الأعلمية المطلقة في الولاية من انها لو كانت معتبرة لكان من اللازم ان يشار الى اعتبارها في الأخبار الواردة عنهم ولوصل الينا يدا بيد واشتهر وذاع ولم يرد ادنى اشارة الى آخر ما ذكره يأتي في الأعلمية الاضافية ايضا فإنها ايضا لو كانت معتبرة لكان من اللازم أن يشار الى اعتبارها في الأخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام مع انه لم يرد أيّ اشارة الى ذلك فاعتبار الأعلمية الاضافية ايضا غير محتمل قطعا فما ذهب اليه قدس‌سره من اعتبار الأعلمية الاضافية غير تامّ.

فظهر مما ذكرنا ان ولاية الفقيه لا يختص بالامور الحسبيّة وان الولاية المطلقة ثابتة من دون اعتبار الأعلمية المطلقة او الاضافية فمنصب الولاية على المسلمين ـ على شمولها ـ من الامور السياسية والثقافية والتربوية والاقتصادية وغيرها من مرافق الحياة التي يحتاج مجتمع المسلمين اليها وفي ظلها يحصل لهم العزة والتكامل ثابتة للفقيه ومنصب القضاء ايضا كذلك على الاظهر وامّا منصب الافتاء للتقليد يختص بالأعلم من الفقهاء كما بيّناه واليك شطرا من مواردها مضافا الى ما ذكر :

١٤٥

١ ـ له التصرف في الأنفال وتصرفات غير الفقيه ـ ايّ تصرف كان ـ منوطة بنظره.

٢ ـ له اجراء الحدود.

٣ ـ له اقامة الجمعة على القول باشتراط انعقادها بنظر الفقيه.

٤ ـ له التصدي لبعض مراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يحتاج الى نظر الفقيه.

٥ ـ له الحكم على ثبوت هلال رمضان وشوال وعيد الأضحى وغيرها.

٦ ـ له نصب امير للحجاج في كل سنة يتولى تنظيم شئون الحجاج.

٧ ـ له تطليق زوجة المفقود بعد الفحص عنه اربع سنين وهكذا.

فكل هذه الامور من شئون الفقيه ومن المعلوم عدم انحصارها فيها ايضا ولكن اللازم على الفقهاء العظام اعلى الله كلمتهم السعي البليغ في وحدة الكلمة والمشاورة في سبيل تنظيم برنامج على اساس جامع وكامل لئلا تصطدم الأنظار والآراء فيحصل الخلل والفتور في امور الاجتماع فكما ان المرجعية للتقليد ثابتة للفقهاء الصّائنين لأنفسهم الحافظين لدينهم المخالفين على هواهم المطيعين لأمر مولاهم كذلك الولاية تكون ثابتة للفقهاء المتصفين بهذه الأوصاف.

١٤٦

الأقوى جواز البقاء على تقليد الميّت ولا يجوز تقليد الميّت ابتداء (١) وهل يجوز تقليد الميّت؟

والكلام فيه يقع في مقامين :

الأول : في التقليد الابتدائي.

الثاني : في البقاء على تقليده.

وامّا الكلام في المقام الأول فالأقوال فيه ثلاثة.

القول الأول : عدم الجواز مطلقا.

ذهب اليه العلامة في الإرشاد والتهذيب والقواعد والنهاية والشهيد في الذكرى والشهيد الثاني في المسالك (٢).

وفي تقريرات درس الشيخ الأعظم الأنصاري : القول بعدم الجواز هو المعروف عند الإماميّة وهو الذي دعت جماعة من أجلّاء الأصحاب إلى نفي

__________________

(١) العروة المسألة ٩ من فصل الاجتهاد والتقليد.

(٢) مفاتيح الاصول ص ٦١٨.

١٤٧

الخلاف أو دعوى الإجماع عليه فعن شرح الألفيّة للمحقق الثاني لا يجوز الأخذ عن الميّت مع وجود المجتهد الحيّ بلا خلاف بين علماء الإمامية وعن المسالك قد صرّح الأصحاب في كتبهم المختصرة والمطوّلة وفي غيرهما باشتراط حياة المجتهد في جواز العمل بقوله ولم يتحقق إلى الآن في ذلك خلاف ممن يعتدّ بقوله من اصحابنا (١) وبالجملة لا يخفى على المتتبّع ان كلمات الأوائل والأواسط متفقة في منع العمل بقول الميت وان القول به من خصائص العامّة وان الشيعة قد امتازت بالقول بتوقف حفظ نظام الأحكام عن الاندراس في عصر الغيبة واجرائها على مقتضيات الأزمنة والعصور على وجود فقهاء احياء امناء على الحلال والحرام عرفاء بزمانهم ليكونوا مرجعا للشيعة وملاذا لهم وحفّاظا على الشريعة وكفلاء لأيتام آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنقطعين عن إمامهم وملاذهم فهذا من خصائصهم وامتيازاتهم بحيث يعدّ من مفاخرهم وقال الشيخ الأعظم الأنصاري في ضمن كلامه في المقام : واعتراف بعض الأعاظم بأنه بعد الفحص الأكيد لم يطلع على الخلاف بين الأصحاب المجتهدين في الأوائل والأواسط يفيد القطع بوجود دليل عند القدماء متفق عليه بينهم في الحجية ... فهذه الإجماعات من الحجج في المسألة. (٢)

القول الثاني : الجواز مطلقا ذهبت إليه العامة ومن ثمّ قلّدوا اشخاصا معينين في طيّ القرون والأعصار وتشعّبوا الى الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة والحنبليّة ولهذا يعدّ جواز تقليد الميّت من خصائصهم.

ونسب هذا القول إلى الأخباريين من اصحابنا أيضا ومنهم امينهم

__________________

(١) مطارح الأنظار ص ٢٥٦.

(٢) مطارح الأنظار ص ٢٨٤ وسيأتي البحث في الإجماع في المسألة.

١٤٨

المحدّث الأسترآبادي والمحدّث الكاشاني في محكي السفينة وفي مفاتيحه ظاهرا والسيد الجزائري ووافقهم المحقق القمي من المجتهدين في جامع الشتات وسنبيّن ان مخالفة الأخباريين والمحقق القمي في المسألة ليست مخالفة في اصل المسألة (عدم جواز تقليد الميّت) بل هي مبتنية على مسلكهما الخاصّ.

القول الثالث : التفصيل بين وجود المجتهد الحيّ وعدمه ففي الثاني يجوز تقليد الميت نقله فخر المحققين عن والده وهو المحكى عن الأردبيلي والشيخ سليمان البحراني والشيخ علي بن هلال ولعله ليس تفصيلا في المقام فان الكلام انما هو في الجواز عند التمكن من استعلام الواقعة من الحي (١)

ولنذكر ادلة الطرفين حتى يتضح الحق الحقيق بالقبول.

فنقول : وقد استدل القائلون بعدم الجواز على وجوه.

الأول : الإجماع ، وقد نقلنا شطرا من كلماتهم الدالة على كون المسألة اجماعيّة في ضمن نقل القول الأول في المسألة وبالجملة لا ترديد في ثبوت الإجماع في محل البحث وقد قال الشهيد الثاني في المسالك ولم يتحقق الى الآن خلاف ممّن يعتد بقوله من اصحابنا ، فالفقهاء من معاشر الامامية قد توافقوا في طول الأعصار والقرون على المنع من تقليد الميت ابتداء ومخالفة الأخباريين والمحقق القمّي الحادثة في الأزمنة المتأخرة لابتنائها على مسلكهما الخاص لا تعد مخالفة في المسألة وامّا الأخباريون فترخيصهم في العمل بقول الميت انما يبتني على مسلكهم من انكار مشروعية التقليد وان رجوع العامي الى المجتهد انما هو من باب الرجوع إلى رواة الأحاديث وليس شأن المجتهد عندهم الّا نقل الحديث ومن المعلوم ان حجّية الرّواية لا تتوقف على

__________________

(١) مطارح الأنظار ص ٢٥٦.

١٤٩

حياة الراوي.

وامّا المحقق القمّي فمذهبه انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام والاحتياط متعذر على المكلفين والعقل يتنزّل مع تعذر العمل بالاحتياط الى العمل بالظن والظنّ لا يفرّق فيه بين حصوله من فتاوي العلماء الأحياء ومن فتاوي امواتهم ، وعليه فمخالفته في المسألة مبتنية على هذا المبنى الغير السديد.

ثم ان المحقق القمّي قد ناقش في الإجماع في المسألة وقال في القوانين :

ان دعوى الإجماع في المسألة الاصوليّة سيّما مثل هذه المسألة في غاية البعد لعدم تداولها بين اصحاب الأئمة عليهم‌السلام وانما هي من المسائل الحادثة ويشبه ان يكون منشأ حدوث التكلم فيه هو اجماع العامة على متابعة الأئمة الأربعة. (١)

واليه نظر الشيخ الأعظم الأنصاري حيث إنه بعد نقل الإجماعات من الفقهاء في مسألة عدم جواز تقليد الميّت ابتداء قال : فهذه الإجماعات تعدّ من الحجج في المسألة ثم قال كل ذلك مع الاعتراف بكون مسألتنا هذه اعني وجوب تقليد الحي عينا من المسائل الاصوليّة والحق إنها مسألة فرعية لأنها ممّا ينتفع به المقلد على تقدير كونها من القطعيات ولا ينتفع بها في الاجتهاد اصلا ورأسا وقد تقرر في غير موضع انّه المعيار في تمييز مسائل الاصول عن الفروع فلا عذر لمن أنكر حجّية هذه الإجماعات مع كونه ممّن يقول بحجيتها (٢) انتهى.

__________________

(١) قوانين الأصول ج ٢ ص ٢٦٣.

(٢) مطارح الأنظار ص ٢٨٤.

١٥٠

ويمكن الإيراد على كلام الشيخ الأعظم بأن وجوب التقليد ـ بهذه العبارة ـ وان كان من المسائل الفرعية ولكنه يرجع إلى المسألة الأصوليّة وهي حجيّة قول الميّت وعدمها ولا ريب ان البحث عن الحجج من خواص المسألة الأصوليّة فالمسألة المبحوث عنها مسألة اصولية ذاتا.

ويرد على المحقق القمي ان كون المسألة اصوليّة لا يمنع عن تحقق الإجماع فيها وذلك كمسألة حجية الخبر الواحد ومسألة حجية ظاهر الكتاب فانه من الأدلة التي اقاموها على حجيتهما هي الإجماع والإجماع اعمّ من القولي والعملي فكما ان المسألة إذا كانت فرعية ومرتبطة بعمل المكلف يمكن تحقق الإجماع فيها كذلك إذا كانت المسألة مرتبطة بالطرق والحجج يمكن فيها تحقق الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام وقد قلنا سابقا : إن الإفتاء والاستفتاء والتقليد كان متداولا في زمن الأئمة عليه‌السلام أيضا فمسألة الإفتاء والتّقليد ليست من المسائل الحادثة.

وبالجملة ان هذه المسألة اي مسألة جواز تقليد الميّت ابتداء وعدمه ليست كمسألة جواز تقليد غير الأعلم وعدمه لأن الاختلاف فى الثانية ـ كما ذكرنا سابقا ـ موجود بين فقهائنا والاصوليّين وقد ذهب صاحب الجواهر وصاحب المفاتيح والنراقي وصاحب الفصول والعلامة الكني إلى جواز تقليد غير الأعلم وامّا المسألة الأولى فلا خلاف فيها بيننا كما قلنا والإجماع فيها بمكانة من الاعتبار ولذا كانت عمدة المستند لعدم جواز تقليد الميت ابتداء هو الإجماع.

قال المحقّق الشيخ ضياء الدّين العراقي بعد نقل الإجماعات : ففي هذه الإجماعات كفاية في حكم المسألة وسقوط ما يتصور في المقام من

١٥١

الاستصحابات الجارية أو المتوهم جريانها بتقريبات مختلفة من استصحاب حجية الفتوى (اي فتوى الميّت) تارة ووجوب العمل على طبقها اخرى واستصحاب الأحكام الظاهرية من نحو وجوب السورة في الصلاة وحرمة العصير العنبي ووجوب القصر في الثمانية الملفّقة من الذهاب والإياب وغيرها بنحو التنجيز أو التعليق على وجود المكلف أو الأخذ أو البلوغ ونحوها من انحاء التعليق فإن العمدة في سقوط هذه الأصول إنما هو هذا الإجماع والّا فلا قصور في جريانها ولو ببعض تقريباتها كما نشير اليها في المسألة الآتية ولا ينتهي النوبة مع جريانها إلى اصالة عدم الحجية لأن جريانها موقوف على عدم جريان هذه الأصول الشرعية والّا كان هي المعول عليها دونها بل لو لا هذا الإجماع يشكل تعين مرجعية المجتهد الحي مطلقا حتى في فرض كون الميت اعلم فضلا عمّا لو كان فتواه موافقة للمشهور أو الاحتياط فان في مثله يمكن دعوى حكم العقل بتعيّن الأخذ بفتوى الميت لأقربيّتها الى الواقع ولكن اطلاق معاقد اجماعاتهم على عدم جواز تقليد الميّت ابتداء يمنع عن ذلك كله فإذا العمدة في المسألة هو الإجماع ، وبه كفاية والله العالم (١).

ولكن ناقش في الإجماع الآية الخوئي ـ على ما في تقريرات درسه ـ بقوله : وفيه ان الإجماع المدّعى على تقدير تحققه ليس اجماعا تعبديّا قابلا لاستكشاف قول المعصوم عليه‌السلام به كما إذا وصل اليهم الحكم يدا بيد عنهم عليهم‌السلام لاحتمال ان يستندوا في ذلك إلى أصالة الاشتغال أو إلى ظهور الأدلة في اشتراط الحياة فيمن يجوز تقليده أو غير ذلك من الوجوه ومعه لا يمكن

__________________

(١) نهاية الأفكار القسم الثاني من الجزء الرابع ص ٢٥٩.

١٥٢

الاعتماد على إجماعهم لوضوح ان الاتفاق بما هو كذلك لا اعتبار به وانما نعتبره اذا استكشف به قول المعصوم عليه‌السلام (١).

وفيه ان الظاهر من كلماتهم جيلا بعد جيل كون هذا الاتفاق في قبال المخالفين المستمر عملهم على تقليد الأموات بحيث يقطع بانتهاء الأمر في ذلك اليهم من رئيسهم المعصوم ولذلك صار من خصائص الشيعة وامتيازاتهم فلو كان منشأ الإجماع ما ذكره من الاستناد إلى اصالة الاشتغال أو إلى ظهور الأدلة في اشتراط الحياة لكان اللازم انعقاد الإجماع على القول بلزوم تقليد الأعلم أيضا لوجود اصالة الاشتغال ومثلها من الأدلة الأخرى فى مسألة تقليد الأعلم واحتمال دخالة الأعلمية في حجية الفتوى ليس باقلّ من احتمال اعتبار الحياة مع ان جمعا من فحول الفقهاء والاصوليين كصاحب الجواهر وصاحب الفصول والنراقي وصاحب المفاتيح والعلامة الكني قد ذهبوا إلى جواز تقليد غير الأعلم كما ذكرنا ويدل على صحة ما ذكرناه إنه «قده» قد اعترف بكون الإجماع دليلا في الجواب عن استصحاب جواز تقليد الميّت الذي هو احد ادلة القائلين بجواز تقليده في بحث اصوله حيث قال : إن الاستصحاب انّما يجري عند عدم الدليل وقد دل الدليل على اشتراط الحياة في المفتي وهو امران.

الأوّل : الإجماع المدعي في كلمات جماعة من الأكابر كالشهيد وامثاله ولا يخفى انه لا تضرّ بدعوى الإجماع في المقام مخالفة المحقق القمي والأخباريين ...

الثاني ان الآيات والروايات الدالة على حجية فتوى المجتهد ظاهرة

__________________

(١) التنقيح ج ١ ص ١٠٤.

١٥٣

فى اعتبار الحياة في المفتي (١)

الثاني : من الأدلة التي أقاموها على عدم جواز تقليد الميّت هو الأصل.

والمستفاد من كلماتهم في تقريبه وجهان :

أحدهما : ان الأمر في المقام دائر بين التّعيين والتّخيير بان المقلد امّا يتعين عليه تقليد الحي أو يتخير بينه وبين تقليد الميّت وإذا دار الأمر بينهما في باب الحجّية يكون المرجع اصالة التّعيينيّة لأن الأصل عدم حجية ما يشكّ في حجيته وحينئذ فقول الحي مسلّم الحجية لخروجه عن تحت اصالة حرمة العمل بالظن. وامّا قول الميّت فيشك في حجيته ويبقى تحت الأصل المذكور والأصل بهذا التقريب يستفاد من كلام الشيخ الأنصاري في مطارح الأنظار ورسالته في الاجتهاد والتقليد (٢) وكلام صاحب الفصول (٣) والمحقّق الخراساني في الكفاية (٤) والإمام الخميني في رسالته في الاجتهاد والتقليد (٥).

وثانيهما : أصالة الاشتغال بتقريب ان الذمة قد اشتغلت باحكام الله تعالى الواقعية للعلم الحاصل بها الموجب لتنجّزها ولا يحصل الخروج عن عهدتها يقينا الّا بتقليد الحي لأن تقليد الميت موضع خلاف بينهم واستند

__________________

(١) مصباح الاصول ج ٣ ص ٤٦١.

(٢) مطارح الأنظار ٢٨٥ ورسالة الشيخ في الاجتهاد والتقليد ص ٥٩ وفي الاول هذا احد التقريرين للاصل والتقريب الآخر هو اصل الاشتغال ولكنه في الثاني اقتصر على هذا التقريب فقط.

(٣) الفصول ص ٤١٥.

(٤) الكفاية ج ٢ ص ٤٤١.

(٥) رسالة الإمام ص ١٥٠.

١٥٤

الى هذا التقريب للأصل المحقق الأصفهاني حيث قال :

«هذا من غير فرق بين كون الميت اعلم من الحي لانّا لم نحكم بالاقتصار على الحي من جهة اقربية قوله الى الواقع بل من جهة عدم اليقين ببراءة الذمة بتقليد الميت» (١)

وهذا التقريب للأصل قد وقع في كلام الشيخ الأعظم الأنصاري وصاحب الفصول ايضا مضافا إلى التقريب الأول.

وفي الجمع بين التقريبين مما لا يخفى من الاشكال لأنه مع جريان الأصل بالتقريب الأول لا تصل النوبة اليه بالتقريب الثاني لحكومة الاستصحاب على اصل الاشتغال ـ وان كانا متوافقين ـ وورود أصالة حرمة العمل بالظن عليه.

وينبغي ان يعلم ان الأصل المذكور بكلا تقريبيه انما يتم لو لم يجر استصحاب جواز تقليد الميّت من حال حياته إلى بعد مماته تنجيزا أو تعليقا كما هو احد الأدلة عند القائلين بجواز تقليد الميت وسيأتي والّا فيقدم الاستصحاب المذكور على هذا الأصل حكومة لارتفاع موضوعه بجريان الاستصحاب فان الموضوع في جريان الأصل بالتقريب الأول هو الشك في الحجية وبجريان الاستصحاب المذكور يرتفع الشك تعبّدا.

والتقريب الثاني لجريان اصالة الاشتغال وحكومة الاستصحاب عليها أيضا واضحة وقد قال الشيخ في تقريراته في المقام ولا وارد على هذه الأصول من الأدلة سوى الاستصحاب (٢) وظواهر الأخبار والآيات التي قد

__________________

(١) رسالته في الاجتهاد والتقليد ص ١٥.

(٢) لعل تعبيره بالورود من أجل ورود الاستصحاب عليها عنده.

١٥٥

يتمسّك بها في جواز اثبات التقليد (١) وستعرف فساد الاستدلال بها (٢)

الثالث : إن الأدلة الدالة على حجية الفتوى من الآيات والروايات ظاهرة في كون المرجع والمفتى حيّا وذلك كآيتي السؤال والنّفر فان لفظ اهل الذكر ظاهر في كون المسئول عنه حيّا وكذا كلمة المنذر ظاهرة في ارادة انذار المنذر الحيّ.

وما في الروايات من تعبير : الفقهاء ورواة الحديث والعارف بأحكامهم والناظر في حلالهم وحرامهم : ظاهر في المتصفين بهذه الأوصاف فعلا بحسب نظر العرف والعرف يراه ظاهرا في الأحياء.

وظهور الأخبار الآمرة بالرجوع إلى اشخاص معينين أيضا في ارادة الأحياء مما لا خدشة فيه اذ لا معنى للإرجاع إلى الميت.

ويرد عليه ان ظهور هذا القبيل من الألفاظ في الرجوع إلى المتصفين بهذه الأوصاف فعلا ـ وهم الأحياء من المجتهدين عرفا ـ مما لا ينكر الّا إنه لا يستفاد منها حصر الحجية في فتوى الحي من المجتهدين وعدم حجية فتوى امواتهم والذي ينفع المستدل هو الثاني (أي حصر الحجية في فتوى المجتهد الحي).

وعليه فالفرق بين هذا الدليل والدليل الأول والثاني لهذا القول واضح إذ مقتضى الإجماع والأصل المذكورين هو عدم حجية فتوى الميت ومقتضى هذا الدليل هو حجية الحي لا عدم حجية فتوى الميت الذي هو المدّعى والمطلوب.

واستدل للقول بجواز تقليد الميّت بوجهين :

__________________

(١) أي تقليد الميت.

(٢) مطارح الأنظار ص ٢٨٥.

١٥٦

الأول : الاستصحاب وتقريره من وجوه.

١ ـ تقريره بالنسبة الى المفتي فيقال : إن حجية رأيه حال حياته كانت قطعية فتستصحب إلى ما بعد مماته.

٢ ـ تقريره بالنسبة إلى المستفتي فيقال كان يجوز تقليده والأخذ برأيه حال حياته فيستصحب إلى ما بعد مماته.

٣ ـ تقريره بالنسبة إلى حكم الواقعة المستفتى فيها فيقال كان العصير العنبي مثلا حلالا أو كان قصر الصلاة فيما إذا سافر أربعة فراسخ ولم يرجع ليومه واجبا في حال حياته فيستصحب إلى ما بعد مماته وكل من هذه الثلاثة يكون تنجيزيّا تارة وتعليقيّا اخرى فان كان الجاهل مدركا للمجتهد الميت مع كونه مكلفا كان استصحاب جواز تقليده تنجيزيا وان كان الجاهل المدرك له صبيّا في زمان حياته أو مجنونا مثلا وحتّى معدوما ، كان الاستصحاب المذكور تعليقيا.

وقد اورد عليه المحقّق الخراساني في الكفاية بأنه لا مجال له لعدم بقاء موضوعه عرفا لعدم بقاء الرأي معه فانه متقوّم بالحياة بنظر العرف وان لم يكن كذلك واقعا حيث ان الموت عند اهله موجب لانعدام الميت ورأيه ولا ينافي ذلك صحة استصحاب بعض احكام حال حياته كطهارته ونجاسته وجواز نظر زوجته اليه فان ذلك انما يكون فيما لا يتقوّم بحياته عرفا بحسبان بقائه ببدنه الباقي بعد موته وان احتمل ان يكون للحياة دخل في عروضه واقعا وبقاء الرأي لا بدّ منه في جواز التقليد قطعا ولذا لا يجوز التقليد فيما إذا تبدّل الرأي أو ارتفع لمرض أو هرم إجماعا.

وبالجملة يكون انتفاء الرأي بالموت بنظر العرف بانعدام موضوعه

١٥٧

ويكون حشره في القيامة انّما هو من باب اعادة المعدوم وان لم يكن كذلك حقيقة لبقاء موضوعه وهو النفس الناطقة الباقية حال الموت لتجرّده وقد عرفت في باب الاستصحاب ان المدار في بقاء الموضوع وعدمه هو العرف فلا يجدي بقاء النفس عقلا في صحة الاستصحاب مع عدم مساعدة العرف عليه وحسبان اهله انها غير باقية وانّما تعاد يوم القيامة بعد انعدامها فتأمل جيدا.

لا يقال : نعم الاعتقاد والرأي وان كان يزول بالموت لانعدام موضوعه الّا ان حدوثه في حال حياته كاف في جواز تقليده في حال موته كما هو الحال فى الرواية.

فإنه يقال : لا شبهة في انه لا بدّ في جوازه من بقاء الرأي والاعتقاد ولذا لو زال بجنون وتبدل ونحوهما لما جاز قطعا كما اشير اليه آنفا انتهى. (١)

ويظهر هذا الإشكال على الاستصحاب من مطارح الأنظار ايضا (٢) وزاد عليه في الفصول بان اكثر معتقدات المجتهد ظنيّة وبعد الموت ينكشف له الواقع فلا يبقى له ظن لانه يحصل له العلم بعد الموت بحقيقة الحال امّا مطابقا لما ظنّه في حال حياته أو مخالفا له (٣) ويظهر مما ذكره العلامة الشيخ محمد حسين الأصفهاني في رسالته في الاجتهاد والتقليد ارتضائه بهذا الإشكال حيث قال : لا مانع عقلا من استصحاب جواز التقليد نعم ، الحي

__________________

(١) الكفاية ج ٢ ص ٢٤١ ـ ٢٤٣ وحاصل كلامه ان الملاك في موضوع الاستصحاب هو العرف لا العقل وبين اللحاظين عموم من وجه والمقام من قبيل ما كان الموضوع باقيا عقلا ومنتفيا عرفا.

(٢) مطارح الأنظار ص ٢٩٠.

(٣) الفصول ص ٤١٥.

١٥٨

والميّت بنظر العرف متباينان والحشر في نظر العرف من باب اعادة المعدوم فالموضوع غير باق جزما (١) ويظهر الارتضاء بهذا الإشكال من الآية الخوئي ايضا. (٢) ويرد عليهم باجمعهم بأن مرادهم من العرف ان كان عرف المتشرعة التي يهتمّون بالتقليد ويرونه لازما عليهم فهم لا يرون الموت انعداما فان رؤية الموت انعداما لا تجتمع مع الاعتقاد بالإسلام لانّ هذا الدّين الحنيف في سبيل سوق الإنسان إلى مراحل كماله قد أوجد تحوّلا في ادراك الإنسان واعتقاده ومعرفة الإنسان بنفسه ومنزلته ومقامه ثم في معرفته للموت وأمّا التحوّل بالإضافة إلى شخص الإنسان فبيّن له وبرهن عليه في مئات من آيات كتاب الله العزيز وأحاديث نبيّه الأقدس واهل بيته الأطهار عليهم‌السلام بان حقيقة الإنسان وأصله ليس الّا روحه وان البدن بجميع جوارحه وأعضائه ليس الّا الأدوات والآلات فالإنسان يتكلم بلحم وينظر بشحم ويسمع بعظم ويتنفّس من خرم ولكن اللّحم والشحم والعظم والخرم كلها كسائر الأجهزة والأعضاء ليست إلّا الآلات والمتكلم والمدرك والمريد والسامع والعالم والفقيه هو الإنسان بروحه ونفسه.

وبان الموت ليس انعداما وفناء وانما هو الانتقال من نشأة إلى نشأة اخرى وقد اشير الى ذلك في القرآن بتعابير مختلفة : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها)(٣)

(وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ

__________________

(١) رسالة المحقق الاصفهاني في الاجتهاد والتقليد ص ١٦.

(٢) التنقيح ج ١ ص ١٠٢ ومصباح الاصول ج ٣ ص ٤٥٨.

(٣) سورة الزمر الآية ٤٢.

١٥٩

الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)(١)

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ)(٢)

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ)(٣)

(حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(٤)

والمستفاد من الروايات ان الموت يوجب قوّة ادراكه وحدّة بصره وزوال غفلته وجهالته قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا» وقد تكلّم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المشركين من قتلى بدر بقوله : «إنّي قد وجدت ما وعدني ربّي حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا؟» ، فقالوا له إنّك تكلّم الموتى! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هم اسمع منكم» كما انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد دفن فاطمة بنت اسد قد نفض يده من تراب القبر ثم قال : «والذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني على شمالي».

وبالجملة الروايات المعتبرة الدالة على بقاء الإنسان وشعوره وادراكه بعد موته كثيرة جدا تبلغ حدّ التواتر وقد عقد في الوافي لشطر منها ابوابا واورد فيها أخبارا منها باب انّ الميّت يزور اهله وباب بعنوان انّ الميّت يفرح بزيارة اهله له وباب بعنوان انّه تبلغه الهديّة والثواب إذا أتى بالعمل الصالح بقصده وباب بعنوان انه يبلغه مثوبة الأعمال الحسنة التي أتى بها في حال حياته وبقى آثاره كمن حفر بئرا وغرس نخلا وكتب مصحفا وربّى ولدا

__________________

(١) سورة السجدة الآية ١١.

(٢) سورة النحل الآية ٣٢.

(٣) سورة النحل الآية ٢٨

(٤) سورة المؤمنون الآية ٩٩ و ١٠٠

١٦٠