مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه

آية الله الشيخ حسين النوري الهمداني

مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين النوري الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-230-0
الصفحات: ١٧٦

سائر موارد التخصيص اللّبي واذا ثبتت حجية كل منهما جاز الاعتماد عليها قبل الفحص. (١)

وفي تقريرات درس الآية الخوئي «رضوان الله عليه» الاستدلال على جواز الرجوع الى فتوى غير الأعلم في صورة عدم العلم بالمخالفة بينه وبين الأعلم باطلاقات الأدلة القائمة على حجّية فتوى الفقيه من الآيات والأخبار المتقدمتين قال : وقد خرجنا عنها في صورة العلم بالمخالفة وبقيت صورة العلم بالموافقة بينهما وكذا صورة الشك في المخالفة مشمولة لإطلاقها حيث دلّت على جواز تقليد الفقيه من غير تقييده بما إذا كان اعلم.

والمناقشة بأنه قد خرج عن تحت هذه الأدلة فتوى غير الأعلم إذا كانت مخالفة لفتوى الأعلم ومع الشك في الموافقة والمخالفة لا مجال للتمسّك بإطلاقها لأنه من التمسّك بالعموم والإطلاق في الشبهات المصداقية ، وذلك لاحتمال مخالفتهما في الفتوى واقعا.

مدفوعة لأن المناقشة غير واردة في نفسها ، وذلك لأن الشبهة وإن كانت مصداقية إلا انّ هناك أصلا موضوعيا يحرز به ان المورد المشتبه من الأفراد الباقية تحت العموم ، وذلك لأن إحراز فردية الفرد قد يكون وجدانيا ، وقد يكون بالتعبّد.

ومن هنا قلنا في محله : ان المرأة المشكوكة قرشيتها ببركة أصالة عدم القرشية داخلة تحت الأدلة الدالة على ان المرأة تحيض إلى خمسين.

وفي المقام أيضا نقول : ان المخالفة بين المجتهدين أمر حادث مسبوق

__________________

(١) المستمسك ج ١ ص ٣٠.

١٢١

بالعدم ، ومع الشك في تحقّقها يبنى على عدمها بمقتضى استصحاب العدم الأزلي. (١)

ويرد عليهم بأجمعهم : انّ مقتضى ما ذكرناه من الدّليل في الصّورة الاولى هو وجوب الفحص في هذه الصّورة أيضا ، لأنّه إذا لم يرد العمل بالاحتياط ـ كما هو المفروض ـ فلا بدّ أن يكون عمله موجبا للقطع بفراغ ذمّته عمّا اشتغلت به من الأحكام الواقعيّة المنجّزة عليه بسبب علمه بها إجمالا دفعا للضّرر المحتمل ، وهو لا يحصل إلّا بالاستناد في عمله إلى الحجّة وهو لا يكون إلّا بالاستناد إلى فتوى الأعلم لو كان ، فيجب الفحص ليحصل له العلم إمّا بكونهما متساويين أو بكون زيد أعلم من عمرو ، وإن لم يحصل له العلم ولم يحرز ذلك فعليه الاحتياط لو أمكن ، وإلّا فالتّخيير.

وما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري من انّ مقتضى ظواهر الأدلّة الدالّة على جواز الرّجوع إلى العالم بالأحكام عدم لزوم الفحص في المقام مدفوع بما ذكرناه في بحث تقليد الأعلم من انّ هذه الأدلّة ليس لها إطلاق أحواليّ بحيث يشمل مثل المقام.

كما انّ ما ذكره من الرجوع إلى أصالة عدم المعارض أيضا ممنوع ، فإن أصالة الاشتغال المقتضية لوجوب الفحص لتحصيل الحجّة تمنع عن جريانها في أمثال المقام.

ويرد على العلّامة الحكيم «قده» ما قرّر في محلّه من انّه لا فرق في عدم جواز التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقيّة بين أن يكون المخصّص

__________________

(١) التنقيح ج ١ ص ١٦٠

١٢٢

لفظيا أو لبّيا ، كما انّه يردّ ما ذكره الآية الخوئي «قده» مضافا إلى ما ذكرنا بأنّ اجراء أصالة عدم المخالفة بالعدم الأزلي ـ نظير استصحاب عدم القرشيّة ـ خلاف ظاهر أدلّة الاستصحاب ، لأنّ الظاهر أن يكون السّلب في الاستصحابات العدميّة بنحو السلب بانتفاء المحمول.

وقد ظهر ممّا ذكرنا حكم الصورة الرابعة ، إذ هي مشتركة مع الصورة الثانية في الجهل باختلاف فتوى الأعلم مع فتوى غير الأعلم.

وخلاصة الكلام : انه بعد قيام الدليل على عدم حجية فتوى غير الأعلم في قبال فتوى الأعلم ـ على ما أوضحناه ـ يكون اللازم على المقلّد الذي قد تنجز عليه الواقع بواسطة علمه الإجمالي ويكون بصدد افراغ ذمّته وتحصيل الفراغ اليقيني هو التفحّص عن الأعلم لتحصيل الحجّة على الواقع لئلا يتحقق منه المخالفة لفتوى الأعلم من غير فرق بين الصور الأربع المتقدمة ، قال في الفصول في المقام ونعم ما قال :

ثم على تقدير المنع (أي المنع من الرجوع إلى غير الأعلم) فهل يمنع من الرجوع إلى المفضول مطلقا فيلزم المقلّد بالتفتيش والاستعلام أو يخصّه بما لو علم بأفضلية البعض؟ وجهان ، ظاهر الأدلة يقتضي الأول ، ثم على تقدير العلم بأفضلية البعض فهل يمنعه من الرجوع إلى المفضول مطلقا أو يخصه بما لو علم بمخالفة الأفضل له في الفتوى؟ وجهان أيضا ، وظاهر بعض الأدلة المذكورة يقتضي الأول. (١)

ثم انه لو فحص ولم يظفر بشيء أو لم يتمكّن من الفحص وجب عليه العمل بالاحتياط وإن لم يمكن فالتخيير على ما تقدّم.

__________________

(١) الفصول ص ٤١٩

١٢٣

المسألة ١٣ : إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخيّر بينهما الّا اذا كان احداهما اورع فيختار الأورع. (١)

______________________________________________________

أقول : قال الشيخ الأعظم الأنصاري : ولو تساوى المجتهدان بالعلم واختلفا في الورع فالظاهر ان المشهور تقديم الأورع بل حكى عليه المحقق الثاني الإجماع ... وهو الظاهر من المقبولة ، ويؤيده ما ورد في انه لا يحلّ الفتيا الّا لمن كان اتبع اهل زمانه برسول الله هذا كله مضافا الى الأصل السليم عن معارضة الإطلاقات كما عرفت في تقليد الأعلم فالقول به لا يخلو عن قوة.

ولو دار الأمر بين الأعلم والأورع ففي ترجيح ايّهما والتخيير اقوال وتقديم الأعلم لا يخلو عن قوة وكأنه المشهور بل لم نجد القول بالأورع لعلمائنا نعم عن المنية انه حكاه عن قوم.

ولا ينافي ما ذكرنا تقديم الأورع في تعارض الروايات لانّ المعيار هناك برجحان الصدق وهنا برجحان الاستنباط (٢) انتهى وقال في الجواهر : مع تساويهما في العلم يقدم الأعدل لكونه ارجح حينئذ فيكون الحاصل حينئذ ترجيح اعلم الورعين واورع العالمين لقاعدة قبح ترجيح المرجوح على

__________________

(١) العروة فصل الاجتهاد والتقليد.

(٢) رسالة الاجتهاد والتقليد للشيخ ص ٨٣.

١٢٤

الراجح انتهى (١).

وفي العروة في المسألة ١٣ من مسائل الاجتهاد والتقليد :

اذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخير بينهما الّا اذا كان احدهما اورع فيختار الأورع.

واختار في المستمسك ايضا تقديم الأورع في الفرض المذكور بعد ان نقل ذلك عن النهاية والتهذيب والذكرى والدروس والجعفرية والمقاصد العلية والمسالك وغيرها. قال : ولقضية اصالة التعيين الجارية عند الدوران بينه وبين التخيير ولا يظهر على خلافها دليل إذ الإطلاقات الدالة على الحجية لو تمت لا تشمل صورة الاختلاف اللهم الّا ان يكون بناء العقلاء على التخيير بين المتساويين في الفضل وان كان احدهما اورع فيتبع اتباعه في حجية رأى العالم لكن هذا البناء غير ظاهر مع الاختلاف ... (٢)

وقال العلامة ميرزا حبيب الله الرشتى في رسالته في تقليد الأعلم : الثامن اذا تساويا في ملكة الفقاهة والاجتهاد وتفاضلا في الدين والورع فالظاهر وجوب تقليد الأدين والأورع وبه قال العلامة والشهيدان والمحققون على ما حكي عنهم ولعله المشهور واستدلوا عليه بالأصل وقبح ترجيح المرجوح على الراجح وان الظن الحاصل من قول الأورع اقوى وينبغي ان يعلم ان المراد باقوائية ظنه اقوائيته بالنسبة الى الأخبار عن الحكم الظاهري اعني معتقده ورأيه لا بالنسبة الى الحكم الواقعي فإن اعدلية المفتي لا مدخلية لها في تقريب قوله من الواقع بعد المساواة في ملكة الاجتهاد اللهم الّا ان

__________________

(١) الجواهر ج ٤٠ ص ٤٢.

(٢) المستمسك ج ١ ص ٣٢.

١٢٥

يدعى اقتضاء اورعيته الفحص وبذل الجهد زيادة عما يصدر من العادل فيكون قوله اوثق من حيث الاستكشاف عن الحكم الواقعي وهو حق واضح كوضوح اصل تعيين العمل بقوله.

ويدل عليه مضافا الى ما ذكر مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها من الأخبار المزبورة وبما ذكرنا في بيان كون قوله اقوى ظنا يسقط ما عن النهاية وشرح الزبدة من احتمال التخيير نظرا الى ان مناط التقليد وهو العلم والورع موجود في المفضول ولا ترجح فيما يتعلق بالاجتهاد الذي هو العلم (١) انتهى.

وليعلم ان الاورعية في المفتى تتصور على وجهين احدهما في العمل بان يكون احدهما مجتنبا عن المشتبهات دون الآخر ثانيهما : في الاستنباط اما بمعنى فحص احدهما عن الدليل في استنباطاته اكثر من المقدار المعتبر في الفحص عنه واما بمعنى عدم افتاء احدهما في المسائل الخلافية واحتياطه فيها دون الآخر وبالجملة ان مقتضى كلام الماتن ان الاورعية مرجحة فيما اذا كانا متساويين في العلم والظاهر منه صورة العلم بالمخالفة بينهما في الفتوى.

والذي يمكن ان يستدل به على ان الأورعية مرجّحة وجوه :

١ ـ مقبولة عمر بن حنظلة : حيث قال ابو عبد الله عليه‌السلام في الجواب عن قوله فان كان كل واحد اختار رجلا من اصحابنا فرضيا ان يكونا الناظرين في حقهما واختلف فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟

«الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما واصدقهما في الحديث واورعهما ولا يلتفت الى ما حكم به الآخر» (٢)

__________________

(١) رسالة تقليد الاعلم للعلامة الرشتي ص ٨١.

(٢) الخبر ١ من الباب ٩ من ابواب صفات القاضي ج ١٨ الوسائل ٧٥.

١٢٦

٢ ـ موثقة داود بن الحصين حيث قال ابو عبد الله عليه‌السلام في الجواب عن قوله فرضيا بالعدلين فاختلف العدلان بينهما عن قول ايهما يمضي الحكم قال : «ينظر الى افقههما واعلمهما باحاديثنا واورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت الى الآخر (١)

والجواب : انهما واردتان في باب القضاء وقد قلنا سابقا انه لا ملازمة بين باب القضاء وباب الافتاء فلا يكون ما هو المرجح في الأول مرجحا في الثاني ايضا والسرّ فيه ظاهر حيث ان الخصومة لا بدّ من فصلها ولا سبيل الى التخيير في القضاء والمرافعات واما باب التقليد والفتوى فللتخيير فيه مجال.

٣ ـ اصالة التّعيينيّة فيما اذا دار الأمر بين التخيير والتعيين فان فتوى كل منهما اما حجة تخييرية او ان فتوى الاورع حجة تعيينية ومقتضى القاعدة هو الأخذ بما يحتمل تعيّنه للقطع بكونه حجة وامّا ما يشك في حجيته فالأصل عدم حجيته.

وفيه ان الرجوع الى الأصل انّما يصح فيما اذا لم يكن في البين دليل اجتهادي والسيرة القائمة من العرف والعقلاء الحاكمة بالتخيير بين المتساويين في الخبرويّة الممضاة من جانب الشارع الأقدس حاكمة على هذا الأصل ومقتضاها عدم كون الأورعية من المرجحات في التقليد وبعبارة اخرى بعد قيام السّيرة بالتخيير بين المتساويين في العلم والفقاهة وهما الملاك في الاجتهاد والاستنباط لا يبقى شك حتى يرجع الى الأصل لانا نقطع بعدم كون الأورعيّة كالأسنّيّة والهاشميّة مثلا دخيلة في التقليد.

ويظهر من حواشي العروة للآيات الخميني والخوئي والخوانساري

__________________

(١) الخبر ٢ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ الوسائل ص ٨٠.

١٢٧

والگلبايگاني ايضا عدم كون الأورعية من المرجحات.

واما ما ذكره صاحب الجواهر والعلّامة الرشتي من الاستدلال على لزوم تقديم الأورع بقاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح ففيه منع الصغرى في المقام للقطع بعدم كون الأورعية من المرجحات في باب التقليد.

١٢٨

لا يعتبر الأعلمية فيما امره راجع إلى المجتهد الّا في التقليد واما الولاية على الايتام والمجانين والأوقاف التي لا متولّي لها والوصايا التي لا وصيّ لها ونحو ذلك فلا يعتبر فيها الأعلمية. (١)

اقول بعد الفراغ عن بحث اعتبار الأعلمية في مرجع التقليد فالمناسب في المقام الإشارة الى شئون الفقيه اجمالا.

فالمستفاد من اخبار اهل البيت عليهم‌السلام وآثارهم ان للفقيه شئونا مختلفة :

١ ـ كونه مرجعا للتقليد والفتيا.

٢ ـ كونه مرجعا للقضاء وفصل الخصومات.

٣ ـ كونه واليا وزعيما للمسلمين.

امّا الشأن الأول فقد تقدم البحث فيه مبسوطا.

وامّا ثبوت منصب القضاء له فيدل عليه بعد ضرورة الفقه مقبولة عمر ابن حنظلة ومعتبرة داود بن الحصين وخبر موسى بن اكيل النميري المتقدمة

__________________

(١) العروة المسألة الثامنة والستّون من مسائل الاجتهاد والتقليد.

١٢٩

في ضمن البحث لاعتبار الأعلمية في مرجع التقليد وغيرها.

وأما مسألة ولاية الفقيه فنقول مقدمة لها :

لا ريب في ان الأصل عدم السلطنة والولاية لأحد على احد إلّا الله تعالى فانه تعالى لكونه رب الناس وملكهم وإلههم له الخلق والأمر وله السلطة والتصرف في ملكه باي نحو شاء بالاستحقاق الذاتي وسلطنة غيره ونفوذ حكمه وقضائه يحتاج الى جعله تعالى.

ولا ريب انه تعالى وسبحانه قد جعل ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(١) وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ). (٢)

فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام بهذا الأمر وكان بيده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر السياسة والقضاء والاقتصاد والجهاد وتدبير امور المسلمين وادارتها بجميع جهاتها.

ولا شك ايضا انه قد جعل من جانب الله تعالى للائمة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد ولاية وحكومة على العباد وذلك بمقتضى الروايات المعتبرة الواردة في تفسير اولي الأمر وغيرها وهو مما يقتضيه اصول المذهب.

وقد قام امير المؤمنين عليه‌السلام في زمان بسط يده وارتفاع الموانع بهذا الامر وكان بيده عليه‌السلام ازمّة امور الامة من السياسة والقضاء والثقافة والاقتصاد ونصب الولاة وبكلمة واحدة ـ ادارة امور المسلمين من كل الجهات ـ.

انّما الكلام في المقام في ان الفقيه هل تثبت له الولاية المطلقة في زمن الغيبة ام لا؟ ويتضح ذلك بذكر امور :

__________________

(١) الآية ٦ من سورة الاحزاب.

(٢) الآية ٥٩ من سورة النساء.

١٣٠

الأول : انه من المعلوم ان من أهمّ ما يحتاج اليه البشر في حياته وجود سائس ووال يدير امور حياتهم فيما يتعلق بشئون السياسة والثقافة والاقتصاد والتّربية وغيرها ولذلك لم توجد في مستوى حياة المجتمع البشري جماعة فوضى لا مدير لهم ولا مدبر لأمورهم ، وقد قال مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام : «لا بدّ للناس من أمير». (١)

الثاني : ان دين الإسلام من جهة كونه اكمل الأديان وأتمّها وخاتمها لم يهمل شيئا مما يحتاج اليه البشر في أيّ جهة من شئون الحياة ولا ريب في انّ من جملة ما يحتاج اليه البشر نصب الوالي والسائس وتبيينه وبيان أوصافه وشرائطه.

فلو اهمل الإسلام هذا الامر المهم كان تشريعه ناقصا ـ وقد ذكرنا انه اكمل الأديان ـ وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع معاشر الناس ما من شيء يقرّبكم إلى الله ويبعّدكم عن النار الّا وقد امرتكم به وما من شيء يبعدكم من الله ويقربكم الى النار الّا وقد نهيتكم عنه.

وقد بين الله جميع الأحكام حتى ارش الخدش.

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمان حياته يتولّى امر السياسة والثقافة والقضاء وكل شيء تحتاج اليه الامة من جهة التدبير وادارة الامور ونصب عليّا امير المؤمنين وبقية الأئمة الأطهار عليهم‌السلام للامامة وسياسة الامور بوحي من الله تعالى وفيه نزل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).

الثالث : انه قد وردت روايات كثيرة عن اهل بيت الوحي والعصمة

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة ٤٠.

١٣١

سلام الله عليهم تفصح عن لزوم وجود الوالي في الامة بأوصافه المعتبرة وتعلن ان عزّ الدين وبقاء الإسلام والمسلمين وانقطاع مطامع الأعداء وابطال كيدهم لا تحصل الّا بالولاية.

وقد قال مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام في خطبته التي خطبها في صفين : «ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافأ في وجوهها ويوجب بعضها بعضا ولا يستوجب بعضها الّا ببعض واعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله سبحانه لكلّ على كلّ فجعلها نظاما لالفتهم وعزّا لدينهم فليست تصلح الرعية الّا بصلاح الولاة ولا يصلح الولاة الّا باستقامة الرعية فاذا ادّت الرعية الى الوالي حقه وأدّى الوالي اليها حقها عزّ الحق بينهم وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرت على اذلالها السنن فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء.

وإذا غلبت الرعية واليها او اجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الأدغال في الدين وتركت محاجّ السنن فعمل بالهوى وعطّلت الأحكام وكثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حق عطّل ولا لعظيم باطل فعل فهنالك تذلّ الأبرار وتعزّ الأشرار وتعظم تبعات الله عند العباد. (١)

والمستفاد منها امور :

١ ـ لزوم وجود الوالي للمجتمع.

٢ ـ لزوم مراعاة الحقوق المقررة للوالي على الرعيّة وللرعية على الوالي

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة ٢٠٧.

١٣٢

وذكر عليه‌السلام محاسنها.

٣ ـ ذكر عواقب التخلف عنها.

[الاستدلال على ولاية الفقيه المطلقة]

ومن المعلوم ان عزّ الحق وقيام مناهج الدين واعتدال معالم العدل وجريان السنن وصلاح الزمان وبقاء الدولة الإسلامية وانقطاع مطامع الأعداء كلها مطلوبة ومحبوبة للشارع الأقدس في كل زمان ولا يختص ذلك بزمن امير المؤمنين عليه‌السلام لأنه مقتضى طبيعة الخلقة ومن النواميس الإلهية ومما بنى الإسلام عليها ولا يتحقق ذلك الّا في ظل ولاية الوالي المتصف بصفات العلم والعدل والتدبير ورعاية حقه ومراعاته لحقوق الرعية.

وايضا من المعلوم ان اختلاف الكلمة بين المسلمين وظهور معالم الجور وكثرة الأدغال في الدين وترك محاجّ السنن وتعطيل الأحكام الإسلامية وعدم الاستيحاش لعظيم حق عطل وعظيم باطل فعل وذلّ الأبرار وعزّ الاشرار مبغوض عند الشارع الأقدس من غير اختصاصه بزمان دون زمان ولا يحصل ذلك الّا عند عدم رعاية حقوق الوالي أو حقوق الرعية فضلا عن عدم وجود الوالي اصلا وقال عليه‌السلام ايضا :

وقد علمتم انه لا ينبغي ان يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في اموالهم نهمته ولا الجاهل فيضلّهم بجهله ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ولا الخائف للدول فيتخذ قوما دون قوم ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ولا المعطّل للسنة فيهلك الامة (١) ويستفاد منه ايضا بوضوح ان فروج المسلمين ودمائهم واموالهم واحكامهم وزعامتهم تحتاج إلى الوالي واللازم ان لا

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة ١٣١.

١٣٣

يكون الوالي متصفا بالبخل والجهل والجفاء والخوف والارتشاء والتعطيل للسنّة الإسلامية ومن المعلوم ان لزوم حفظ فروج المسلمين ودمائهم واموالهم واحكامهم ممّا لا يختص بزمان دون زمان وهو لا يحصل الّا بوجود الوالي المتصف بالسخاء والعلم واللين والشجاعة والتقوى والقيام باحياء السنة الإسلامية واجرائها».

وقال عليه‌السلام ايضا في ضمن عهده للاشتر حين ولّاه مصر جباية خراجها وجهاد عدوّها واستصلاح اهلها وعمارة بلادها :

«واعلم ان الرعية طبقات لا يصلح بعضها الّا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله ومنها كتّاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها عمّال الإنصاف والرفق ومنها اهل الجزية والخراج من اهل الذمة ومسلمة الناس ومنها التجار واهل الصناعات ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة وكل قد سمّى الله له سهمه ووضع على حدّه وفريضته في كتابه او سنّة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهدا منه عندنا محفوظا فالجنود باذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعزّ الدين وسبل الأمن وليس تقوم الرعية الّا بهم ثم لا قوام للجنود الّا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوّهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم ثم لا قوام لهذين الصنفين الّا بالصنف الثالث من القضاة والعمّال والكتّاب لما يحكمون من المعاقد ويجمعون من المنافع ويؤتمنون عليه من خواص الامور وعوامّها ولا قوام لهم جميعا الّا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ويقيمون من اسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم ثم الطبقة السفلى من اهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم

١٣٤

ومعونتهم وفي الله لكل سعة ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه وليس يخرج الوالي من حقيقة ما الزمه الله من ذلك الّا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزوم الحق والصبر عليه فيما خف أو ثقل». (١)

ودلالته على انقسام افراد المجتمع على طبقات والحاجة في تنظيم امور الطبقات وتنسيقها الى الوالي وان قوام الناس وعزّ الدين لا يحصل الّا بقيام الوالي بما ذكره عليه‌السلام من الامور مما لا يخفى ومن المعلوم عدم اختصاص ذلك بزمان خاص.

وبالجملة ان احتياج المسلمين الى وال يدبّر امورهم ويديرها ويحفظ شئونهم وثقافتهم ويقوم بتربيتهم وتدريبهم ويتكفل لاجراء الاحكام والحدود ويسعى لاعلاء كلمة الإسلام وعزّ المسلمين وتأمين حوائجهم المادية والمعنوية وفي قطع مطامع اعداء الإسلام والمسلمين ودفع كيدهم ومكرهم واصلاح العباد وعمارة البلاد وفي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر امر مفروغ عنه وما دلّت عليه الروايات من التأكيد لهذا الأمر وللأوصاف والشرائط المعتبرة في الوالي مما لا ريب فيه.

وقد طالعت في سالف الزمان بتوفيق الله تعالى الكتاب القيّم وسائل الشيعة الحاوي ما ينوف على خمسة وثلاثين الف حديث واستخرجت موارد استعمال الفاظ «الامام والسلطان والوالي» من بين الأخبار الواردة عن النبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واهل بيته الاطهار عليهم‌السلام فرأيت عشرات من هذه الالفاظ في خلال الابواب مثل باب الحج والزكاة والخمس والأنفال والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وابواب البيع والدين والمضاربة وامثالها والنكاح والطلاق

__________________

(١) نهج البلاغة باب المختار من كتب مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام الكتاب ٥٣.

١٣٥

المتضمنين لنظام الاسرة واحياء الموات والقضاء والشهادات والقصاص والحدود والديات التي تدل على ان المحافظة على كيان الإسلام واجراء الاحكام الالهية قد بنيت على وجود الوالي وانه لا ينتظم ولا ينسجم الّا به ولا يسع المجال فعلا لتوضيحه ولكنه نشير اليه اجمالا :

فممّا جاء في باب الحج ولزوم نصب الوالي اميرا للحجّاج لتدبير امورهم وفي وجوب الزكاة ان للإمام مطالبة الزكوات ونصب العمّال لجمعها وله توزيعها والقيام بتأسيس المدارس والمستشفيات والقناطر واحداث الطرق وامثال ذلك بها وفي باب الخمس : ان مطالبة الخمس واخذه للامام ويكون سهم الامام عليه‌السلام له بل في كون سهم السادات ايضا له وكون السادات الكرام مصرفا له وجه قوي قال صاحب الجواهر : وهذا القول اي كون جميع الخمس للامام عليه‌السلام لا يخلو من قوة وفي باب الأنفال ان الأنفال كلها للامام وهي الاراضي الموات وكل ارض لا رب لها والمعادن والآجام والبحار ورءوس الجبال وبطون الاودية وبالجملة كل منبع من منابع الثروة وكل مال ليس له مالك معين فالتصرف فيها بالاحياء والاستخراج والاستفادة منها منوط باذنه وعلى هذا المنوال جميع ابواب الفقه على ما تدل عليه الروايات المشار اليها وكتبت رسالة على اساس جميع هذه الروايات وتنظيمها على ابواب الفقه ومع الاسف لا تحضرني الآن.

الرابع : ان المتيقن من مدلول الالفاظ والعبارات المذكورة المرتبطة بالولاية والوالي والأوصاف المعتبرة فيه هو الفقيه الجامع للشرائط فالولاية بمفهومها الشامل الذي استفدنا من الأخبار والآثار وقلنا انها اساس فقه الشيعة وعليها بني كيان الامة الإسلامية ثابتة للفقيه العادل شرعا.

١٣٦

هذا مضافا الى انه لا شك ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الاطهار عليهم‌السلام كانوا يعلمون بأن الإمام الثاني عشر صاحب الولاية الإلهيّة ارواحنا لتراب مقدمه الفداء يغيب عن الناس وتطول غيبته مئات من السنين والمقطوع من شأنهم عدم اهمال امر الولاية التي قد قلنا انها من اهم ما يدور عليه حياة الامة من جهة السياسة والثقافة والاقتصاد وغيرها وتعيين الوالي والسائس لزمان غيبته عليه‌السلام والمتيقن منه ليس الّا الفقيه الجامع للشرائط.

وقد ظهر مما ذكرنا ان ما ذكره الآية الخوئي ـ على ما في تقريرات درسه ـ «من عدم ثبوت الولاية المطلقة للفقيه وانه لا ولاية له الّا في الفتوى والقضاء والامور الحسبيّة وامّا ولايته في سائر الموارد فلم تدلنا عليها رواية تامة الدلالة والسند وقد ذكرنا في الكلام على ولاية الفقيه من كتاب المكاسب ان الأخبار المستدل بها على الولاية المطلقة قاصرة السند او الدلالة» (١) منظور فيه جدا.

وليس استنادنا في اثبات الولاية المطلقة للفقيه ـ كما اتضح مما ذكرناه ـ الى الروايات الواردة في حق العلماء من كونهم حصون الإسلام (٢) وامناءه (٣) وورثة الانبياء (٤) وخلفاء رسول الله (٥) وامناء

__________________

(١) التنقيح ج ١ ص ٤١٩ ـ ٤٢٠.

(٢) عوائد النراقي وهو مروي في الكافي.

(٣) عوائد النراقي.

(٤) الوسائل ج ١٨ الباب ٨ من ابواب صفات القاضي الحديث ٢ والمستدرك الحديث ٤٥ من الباب المذكور.

(٥) الوسائل ج ١٨ الباب ٨ من ابواب صفات القاضي الحديث ٢ والمستدرك الحديث ٤٥ من الباب المذكور.

١٣٧

الرسل (١) «واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم» (٢) وانهم كسائر الانبياء (٣) ومنزلتهم منزلة الانبياء في بني اسرائيل (٤) وانهم خير خلق الله بعد الأئمة اذا صلحوا (٥) وان فضلهم على الناس كفضل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ادناهم (٦) وانهم حكّام على الملوك (٧) وانهم كفلاء ايتام اهل البيت عليهم‌السلام (٨) وان مجاري الامور والأحكام على ايدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه (٩) فإنها قابلة للمناقشة من حيث السند او الدلالة ولكن الطريق الذي سلكناه لاثبات الولاية المطلقة للفقيه سليم عن المناقشة نعم تكون هذه الروايات مؤيدة لما قلناه.

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ الباب ١١ من ابواب صفات القاضي الحديث ٢ والمستدرك الحديث ٢٩ من الباب المذكور.

(٢) الوسائل ج ١٨ الباب ١١ من ابواب صفات القاضي الحديث ٢ والمستدرك الحديث ٩ من الباب المذكور.

(٣) عن جامع الاخبار واورده المحقق النراقي في عوائده.

(٤) وهو ما عن الفقه الرضوي اورده المحقق النراقي في عوائده.

(٥) عن الاحتجاج للطبرسي اورده المحقق النراقي في عوائده.

(٦) عن المجمع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اورده المحقق النراقي في عوائده.

(٧) عن أبي الفتح الكراجكي في كنز الفوائد عن امير المؤمنين عليه‌السلام المستدرك كتاب القضاء الباب ١١ من ابواب صفات القاضي الحديث ١٧.

(٨) المستدرك كتاب القضاء الباب ١١ من ابواب صفات القاضي الحديث ٢٢ ـ ٢٣ ـ ٢٤ ـ ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٢٨.

(٩) عن الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول من كلام الحسين بن علي عليهما‌السلام راجع المصدر المذكور آنفا الحديث ١٦ وقد استدل استاذنا الخميني ايضا في رسالته في الاجتهاد والتقليد ص ١٠٤ ـ ١٠٣ بهذه الروايات على الولاية المطلقة للفقيه وقال بعد ذكرها ان الخدشة في كل واحد منها سند أو دلالة ممكنة لكن مجموعها يجعل الفقيه العادل القدر المتيقن.

١٣٨

وبالجملة الظاهر عندنا ان الولاية المطلقة للفقيه مع الالتفات الى ما بيّناه من معارف الإسلام ومبانيه واخباره وآثاره قضية قياسها معها.

وما يظهر من عبارة العروة في المسألة ٦٨ التي هي مورد البحث من قصر ولاية الفقيه على الأيتام والمجانين والأوقاف التي لا متولى لها والوصايا التي لا وصيّ لها ونحو ذلك وبالجملة على الامور الحسبية التي هي الولاية الجزئية فهو ايضا غير سديد على ما ذكرناه.

وممّا يجب التنبيه عليه في المقام ان الولاية المطلقة وان كانت ثابتة للفقيه بمقتضى الأدلة التي قدمناها فهو وال للامة الإسلامية من جهة الامور السياسية والثقافية والاقتصادية والتربية والتعليم والتدريب والجهات الاخرى وعليه ادارة الامور وتدبيرها على اساس العدل واعلاء كلمة الإسلام وحفظ المسلمين عن الفتور ولكن الفقيه حيث انه ليس بمعصوم لا بد له في ادارة الامور من المشاورة مع الخبراء الأتقياء والاستناد بآرائهم وانظارهم وتجاربهم وعليه ان يحترز من متابعة الهوى وبادرة الغضب والحرص وحب الجاه وحب النفس وامثالها وان يخلص نفسه لله ويتضرع اليه لسلوك هذا السبيل وان احسّ من نفسه ان لا يطيق ذلك ولا يليق بها وان غيره اليق قدّمه على نفسه وكذلك كان دأب الفقهاء الصالحين الكاملين (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

ثم انه بعد ما عرفت ثبوت الولاية المطلقة للفقيه لا بد من التكلم في ان الولاية بهذا المعنى هل يشترط فيها الأعلمية او انها ثابتة لمطلق الفقيه؟

والظاهر هو الثاني وذلك لان الوجوه التي اقيمت على اعتبار الأعلمية في باب التقليد من الاصل والأدلة ـ وقد تقدّمت ـ لا تأتي هنا.

١٣٩

فان اصالة عدم حجية قول غير الأعلم فيما اذا دار الامر بين التخيير والتعيين في باب الحجج المقتضية لاعتبار الأعلمية انما تختص بباب الفتوى والتقليد وكذلك السيرة العقلائية التي اعتمدنا عليها للزوم الرجوع الى الأعلم في باب التقليد انما يختص بباب رجوع الجاهل الى العالم المرتبط بالتقليد هذا من جهة ومن جهة اخرى ان الأدلة القائمة على ولاية الفقيه ـ حسب ما قدّمناها ـ ليس في شيء منها الدلالة بل ادنى الاشارة الى اعتبار الأعلمية في الولاية ولذلك لم يلتزم به الاصحاب ايضا. (١)

وقال صاحب الجواهر رحمه‌الله تعالى في كتاب القضاء : بعد ذهابه الى عدم لزوم تقليد الأعلم والاستدلال عليه (وقد مرّ في بابه) بل لعل اصل تأهل المفضول وكونه منصوبا يجري قبضه وولايته مجرى قبض الافضل من القطعيات التي لا ينبغي الوسوسة فيها خصوصا بعد ملاحظة نصوص النصب الظاهرة في نصب جميع الموصوفين بالوصف المزبور لا الافضل منهم. (٢)

وقال الشيخ الانصاري «ره» : سائر مناصب الحاكم كالتصرف في زمان الامام وتولّي امر الأيتام والغيّب يثبت للمفضول فان الأعلمية لا تكون مرجحا في مقام المنصب وانما هو مع الاختلاف في الفتوى. (٣)

وقال السيد المجاهد اعلى الله تعالى مقامه في مفاتيح الاصول في بحث تقليد الأعلم : التاسع هل حكم غير الاستفتاء والترافع من سائر ما يشترط

__________________

(١) نعم قد وقع بينهم الخلاف في باب القضاء ايضا واعتبر جمع منهم الاعلمية فيه واختار المحقق في الشرائع عدمه وهو الاظهر.

(٢) الجواهر ج ٤٠ ص ٤٤.

(٣) رسالة الاجتهاد والتقليد ص ٨١.

١٤٠