إتحاف الأخيار بغرائب الأخبار

إدريس الجعيدي السلوي

إتحاف الأخيار بغرائب الأخبار

المؤلف:

إدريس الجعيدي السلوي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-36-640-3
الصفحات: ٤٧٩

الخروج لفابريكات الحرير بطورين

وفي يوم الأربعاء (١) التاسع منه ، توجهنا (٢) في الأكداش لفابريكات الحرير ، فدخلنا أولا لدار يبيعون فيها الحرير شعرة خام ، لكن رقة شعرته أظن مقدار ست شعرات منها إذا فتلت تكون كرقة شعرة الإنسان ، وهو يميل للبياض قد رأيت مثله في مدينة من مدن غربنا ، وكل مدجة منه عليها ميزانها وطول شعرتها وهم يزنونه بميزان الرمانة (٣) ، وغاية ما يزن بهذا الميزان مائتي كيلو ، فحين رأونا نتأمل ذلك الميزان أخذوا خمسة اكرام وهو من الصروف الرقيقة عندهم ، يقال أن الأوقية فيها مائة وخمسون من الأكرام ، وضعوا تلك الأكرام الخمسة في طرف العمود الذي يضعون فيه السلع عند وزنها ، وفي طرفه الآخر موري يمر رأسه بدائرة رسم فيها عدة الاكرام لتحقيق الوزن عند وقوف صرف الوزن الكبير بين شرطتين من خطوط العمود ، ولم يدر نسبته القدر الزائد الذي وقف فيه الصرف خارجا عن الخط ، فهذا الأكرام يبينه تحقيقا ، وعند وضع تلك الأكرام الخمسة في طرف العمود صار ذلك الموري يدور حتى وقف في رقم خمسة ، علامة وزن ذلك الصرف الصغير الذي وضع في طرف العمود ، وهذا الحرير لا يبيعون شيئا منه ييبسونه بالنار اللطيفة ، وكيفية يبسه أنهم صنعوا صناديق من ورقة النحاس وجعلوا تحتها نارا لطيفة ينصبون /٣٣٠/ فوق كل صندوق ميزانا له عمود يجعلون بأحد طرفيه خيطا يربطون فيه مدجة من الحرير ، ويرسلونها إلى الصندوق من فرجة في وجهه ، وفي الطرف الآخر من العمود صرف فيه وزن

__________________

(١) ٣٠ غشت ١٨٧٦ م.

(٢) «قبل ذهابهم لفابريكات الحرير ، توجهوا إلى DiPosto Fabbrica المشهورة عالميا ، التي قدمت هدايا إلى سفير المغرب ، والتي هي عبارة عن أصناف من المنتجات (سباكيتي ، مقاروني ، ...) كما أن السفير اشترى ٢٠ صندوقا من هذه المنتجات الغذائية بعث بها إلى المغرب ، كما تم الاتفاق بواسطة الترجمان Bosio على إرسال العديد من هذه المنتوجات إلى المغرب مستقبلا ..» ، ٤ شتنبر ١٨٧٦ م.

Gazzetta Del PoPolo.

(٣) انظر رسم ميزان الرمانة (أ) : في ملحق الرسوم والصور صفحة ٢٧).

٣٨١

تلك المدجة من الحرير ، فإذا مرت عليه مثلا ساعة واحدة وهو مرسل بداخل الصندوق يعرفون كم نقص بسبب يبسه ، وإذا مرت عليه ساعتان زاد النقص ، ويجعلون لكل عينة من الحرير ثمنا على حسب طول مكثه في ذلك الصندوق ، ثم وجدنا نساء مشتغلات بتحويل الحرير ويجعلونه مدجات متساوية ، وشعرات الحرير حين تمر من الناعورة الكبرى إلى النواعير الأخر ، تمر على قضبان رقاق من البلار معكوفة الرؤوس كهيئة رأس البريمة الصغيرة ، وبقرب الناعورة مجانة تخبر بقدر طول الخيط من الحرير الذي مر عند التدوير ، فإذا مر منه طول أربعمائة متر وخمسين مترا ، تقطع الخيط وحده فتزال تلك المدجة وتستأنف أخرى ، وهكذا والغرض منه ليكون النساج على بال من طول شعرات المدجات كما قيل ، ثم أوقفونا على ميزان يعرفون به قوة الحرير وصحته ، وذلك أنهم يأخذون شعرة منه طولها نحو ربع ذراع ، وتمسك في لوحة من حديد ويجعلون في طرفيها تقالة ويديرون ناعورة صغيرة ، فتأخذ تلك الشعرة تمتد إلى أسفر وتطول حتى تتقطع ، فعند ذلك ينظرون الدرجة التي تقطعت فيها ، ومنها يعرفون قوة ذلك النوع من الحرير /٣٣١/.

ثم توجهوا بنا إلى دار فابريكة نسج الحرير ، فوجدناها على الهيئة التي ذكرناها في مدينة ليون ، وفيها من ألوان الكمخة عينات شتى ، منها ما في عرضها أزيد من قالتين ، وكذلك من أنواع المشجر منه ما هو من لون واحد ومنه ما هو من ألوان.

ثم دخلوا بنا إلى دار يبيعون فيها الثياب المنسوجة من الحرير ، وصاروا يفتحون الشقق والأطراف الميشطرات وينشرونها أمامنا ، فقيل لهم إننا لم نأت بقصد التجارة لكن دخلنا إلى هذه الدار بقصد رؤيتها فلا تتعبوا أنفسكم ، فقالوا أنهم فرحوا بدخولنا لدارهم ومن حقهم واعتنائهم أن يبينوا لنا جميع العينات التي عندهم. ثم يطوى ذلك ويرد لمحله فكانت تلك العينات لا تكاد تحصى ، لكنها من الحرير فقط ، أو حرير أو قطن لا شيء فيها من الصقلي.

٣٨٢

الدخول لميلان

وعند الغروب من هذا اليوم ، خرجنا (١) من طورين وركبنا في البابور ، ذو خرج عامل البلد لوداعنا مع جماعة من أعيانهمذ ، قاصدين مدينة ميلان ، فقطعنا الليل كله سفرا ووصلنا إليها في الساعة الثامنة نهارا ، من يوم الخميس عاشر (٢) شعبان وأنزلونا بأوطيل من الأماكن المعتبرة في هذه البلدة ، فوجدنا الفرش منصوبة ، لكل فراش يخصه في محله ، وفيه ما يحتاج إليه من الضروريات مثل الماريو لوضع حوائجه ، وطبلة الكتابة وشواليها والمرايا العظيمة ، وأواني الماء والزيوف النقية ، ووجدنا موائد الفطور منصوبة /٣٣٢/ مهيئة على العادة ، وبعد ما تناولنا من تلك الأطعمة ما دعت الحاجة إليه ، أتوا بالأكداش وطلبوا منا الخروج والركوب فيها،

__________________

(١) قبل أن يغادر الزبيدي طورين دفع ٦٠٠٠ ليرة من الذهب لعامل البلد مع مقايدته على دفع نصف هذا المبلغ إلى مدرسة الصناعة التقليديةCollegio Degli Artigianelli وخيرية النساءL\'orfamotrofio Femminile والنصف الآخر على مدارس الأطفال ومعهد الصم والبكم ومستشفى الأطفال ومعهد العائلة المحترمة ، الذي شكره عن هذه الهبة.

" Gaz. Del PoPolo 13 / 8 / 6781"

كما زاروا المختبر العجيب Magnifici la boratori dei fratelli levara.

«... أرجو منكم أن تترجموا لدى الرجل الفذ الذي أراد أن يبقى أثرا قيما عند مروره ببلدتنا عن عواطف ممنونية بؤساء مدينتنا الذين تنعموا بما أفاض عليهم من إحسانه الجزيل ...». الإتحاف ، ج ٢ : ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، ٣١٠.

(٢) ٣١ غشت سنة ١٨٦٧ م وصلت السفارة إلى مدينةMilano. ونزلوا بنفدق Della Ville الذي خصص لهم الطابق الأول كله ، ووضعت لهم بالمطبخ (خروف حي والعديد من الدجاج حتى يتمكن طباخ السفارة بدبحهما وطبخهما على الطريقة المغربية) وكانت هناك فرقة من جيش الشرف ملازمة لهم طول مدة إقامتهم. (Milano)Gazzetta la Lombardi .

رغم الساعة المتأخرة من الليل التي وصل فيها الوفد بتاريخ ١ شتمبر سنة ١٨٧٦ م كان العديد من المواطنين بالمحطة وبالشوارع في انتظار الوفد المغربي.

٣٨٣

فساعدناهم فمررنا على كنيسية عظيمة (١) ، ما رأينا مثلها في الكبر ولطافة البنيان والنقش البديع والشكل الرفيع والقبب اللطيفة المحيطة بها ، والتي في وسطها ، ويقال إنه ليس في بلاد الروم مثل هذه الكنيسة ، في الرقة واللطافة ، وكذلك الديار التي تبنى بها الآن فهي أفضل وألطف حتى من بناء ديار باريس ، وقيل إنه يحيط بها وادي عظيم (٢) وهو يشقها طولا وعرضا بمواضع متعددة ، وفيه فلك كبيرة ينقلون فيها بعض الأمتعة من مكان إلى مكان ، فإذا كان الفلك مارا مساعدا لجريان الماء ، فيكتفي بدفع الماء للفلك ، وعند الرجوع يربطون الحبال فيها ، ويعلقونها في أشراك الخيل فتجرها في الشاطئ.

فابريكات الفخار

ثم توجهوا بنا إلى دار فابريكة صنع الفخار (٣) ، فحين دخلنا إليها وجدنا الحجر

__________________

(١) Duomo Milano الكنيسة المركزية بالمدينة ، بدأ بناؤها منذ سنة ١٣٨٦ م واستمر عدة قرون L\'encicloPedia Gloria, Vo. ١٣: ٣٥.

(٢) Saronno.

(٣) قبل ذلك قامت السفارة المغربية بعدة أنشطة لم يشر إليها الجعيدي ، بل نشرتها الصحافة الإيطالية وهي : قيام السفير بزيارة جميع محتويات مسرح ميلانوTeatro Alla Scala الشهير الذي افتتح لأول مرة سنة ١٧٨٧ م ، وهو يشتمل بالإضافة إلى الطبقة الأرضية على ستة طوابق مشرفة على وسط القاعة ولقد لعب على خشبته العديد من كبار الفنانين العالميين آنذاك أمثال Verdl ,Bellini ,Busotte وغيرهم.

 ـ شاهدوا مناورة تجريبية عن كيفية إطفاء حريق وهمي.

 ـ حضر الزبيدي حفلة تدشين المدرسة الأكاديمية للرقص البالي.Scuole Dell Accademia Di Ballo.

 ـ وشاهدوا عدة عروض لفتيان وفتيات المدرسة ، وقد أعجب السفير بذلك. Gazzetta Dell PoPolo.

 ـ حضرت السفارة المغربية حفلة إنارة الشارع التجاري المغطى Galleria بساحةPiazza Del Duomo ـ ـ ـ ـ

٣٨٤

موضوعا صلبا كأنه رخام ، يفرشونه وتدور عليه الأرحاء على حرفها فتسحق ذلك الحجر سحقا حتى يصير غبراء ، ثم يجعلونه في براميل مصفوفة عندهم في خزين آخر ، ويجعلون فيها الماء ، وفي وسط كل برميل خشبة من حديد رأسها الذي في البرميل فيه ريشات حديد ، والرأس الآخر صاعد إلى قناطير منصوبة أسفل السقف طولا وعرضا ، / ورؤوس الخشب من الحديد المذكور ، كلها مسمرة في تلك القناطير وهي أي القناطير بسبب اتصال بعضها ببعض ، صارت كذات واحدة والمكينة تديرها دورانا رحويا ، وبسببه تدور رؤوس الحديد ذات الأرياش التي في داخل البراميل ، وبذلك يتحرك الماء والتراب الذي فيها حتى ينحل ذلك التراب ويلين ، ثم تقدموا بنا إلى محل آخر وجدنا فيه مثال ساري مجعوبة منصوبة على الأرض ، وفي أحد طرفيها فرجة مواجهة إلى نحو السقف ، وأتوا بالطين المعجون ورموه في باطن تلك السارية من تلك الفرجة فصعد من باطن السارية قطع من الحديد ، وصارت تجدب ذلك الطين المعجون وتدكه في باطن السارية إلى الطرف الآخر ، وفيه فرجة أخرى يخرج منها ذلك الطين عند دكه ويتصاعد ، فيفصلونه بخيط قطعا قطعا ويرمونها في الفرجة الأخرى ، فتدكه المكينة ثانيا وثالثا ، وهلم جرا ، هذه هيئة عجن الطين عندهم ، فإذا تم عجنه وطاب يرفعونه إلى المتعلمين فيعجنون شيئا يسيرا على الهيأة المعهودة في غربنا ، ثم يناولونه للمعلمين فوجدناهم يصنعون منه طباسي كبيرة

__________________

- بعد أن استمع إلى شروحات السيدMengoni ومن أعلى بناية المكتب الفلاحي لإيطالياItalia Agricol أشرف الزبيدي على الجمهور الغفير الذي جاء خصيصا لهذا العرض ، ولروعة وجمال المنظر قدم كاتب السفارة قصيدة شعرية في الموضوع بالعربية لم تترجمها الصحافة الإيطالية.

 ـ بعد هذا الحفل ذهب السفير إلى مسرح Verme Dal الذي كانت تعرض فيه مسرحيةL\'Opera I I Rigoletto II Balle I Due Soy. بعد أن مرت منها الفقرة الأولى ودخل السفير المغربي فاستقبله الجمهور داخل المسرح بالتصفيقات الحارة. وأثناء عرض المسرحية كان الزبيدي ومرافقيه يتتبعون من مكانهم بواسطة مكبرات الصورةGustar وخصوصا فرجة رقص البالي Ballo الذي قدم من طرف Mendez.

) Gazzetta La Lombardia, Milano (.

٣٨٥

وصغيرة ، وطباسي كؤوس الأتاي على نواعير يديرونها بأيديهم ، ومنهم من يديرها بأرجلهم على الكيفية المعروفة إلى غير ذلك من الكيفيات ، ووجدنا أناسا آخرين يصنعون الغراريف الكبيرة التي يكون فمها منعطفا إلى أسفل ، ولها قوالب لكل واحد قالبان قد حفر فيهما نصف /٣٣٤/ الغراف بنصف فيه ، وكيفيته ذلك أنهم يأخذون قطعة من الطين ويبسطونها حتى تصير كالرغيف الكبير ، ويأتون بنصف القالب ويرمون فيه يسيرا من غبرة كالرماد ، ويجعلون فيه ذلك الطين المذكور ، ويلصقونه بداخله وبسائر جوانبه وبفمه ثم يدلكونه حتى يصير مستويا ، ويفعلون بنصف القالب الآخر مثل ذلك ، يم يؤلفون القالب ويجمعونه نصفا لنصف ويشدونه شدا محكما ، هذا ما رأينا من صنعة هذه الغراريف.

كيفية تزويق الفخار

ثم أتوا بنا إلى محل آخر ، وجدنا فيه نساء كثيرات مشتغلات بتزويق الطباسي التي خرجت من النار ، وكيفية ذلك أن النقش والتزويق الذي يكون في الطباسي ، من لون واحد يكون منقوشا عندهم في لوحة من حديد ، ويجعلون عليها طلاء من اللون المراد ، ثم ينشرون فوقها ورقة كاغد لطيفة ألطف من العنكبوت ، ولهم ناعورة فيها لولبان كبيران ، قد لف عليهما بل على كل واحد منهما بحدته لبدة الصوف ، ويجعلون تلك اللوحة بورقتها بين اللولبين ، ويديرونهما باليد المعدة لذلك ، فتمر الورقة من الحديد من بينهما فيضعونها فوق صندوق من حديد ، في داخله نار لينة وبوضعها عليه يأخذ أحدهم طرفي ورقة الكاغد ، ويرفعها بلطافة من ورقة الحديد فتنفصل عنها وقد رقم فيها ذلك التوريق الذي في لوحة الحديد ، ولا يتمزق شيء منها مع شدة لطافتها ولعله بواسطة النار التي في داخل ذلك الصندوق /٣٣٥/ ثم يدفعه لبنت صغيرة ، فتأخذ القدر الزائد من الورقة بمقراض ، وتدفعها لأخرى فتبسطها على الطبسيل وتدلكها بقطعة من عود حتى تنبسط كلها ، ثم تضع هذا الطبسيل على يمينها حتى تزيد عليه نحو أربعة أو خمسة ، فعند ذلك تأتي متعلمة أخرى ، وترفع تلك الطباسي وتوصلها إلى امرأة أخرى ، وتضعها في كوب عن يمينها

٣٨٦

فيه ماء ، وتأخذ واحدا بعد واحد وتزيل منه الكاغد بشطابة ، فيزول الكاغد ويبقى التوريق بحاله لاصقا في الطبسيل ، ثم تجمع هذه الطباسي ويوتي بها إلى آخرين فيرسبونها في كوب فيه ماء أحمر ، ولعلهم يردونها بعد ذلك إلى بيت النار ، وذلك لتزليجها وبه يزيد ضياؤها ولمعانها ، وأما الأواني التي تكون فيها ألوان كثيرة فبعدما يفرغون من اللون المفرد الغالب ، ويبقى فيها مواضع الألوان يتولى أناس أخر وضع تلك الألوان في الأواني بشطيطبات صغيرة على عادة الزواقة ، هكذا شاهدنا بعضهم يزوق بعض الأواني ، والألوان بين يديه ، ثم مروا بنا على فرينتي بيتي النار التي يطبخون فيها الأواني ، فوجدناهم يخرجونها من إحداهما في أحكاك من فخار ، كل حك يرصفون فيه أواني قدر ما يسع ، ويجعلون عليه غطاء على قدره من الفخار كشقفة مبسوطة ، وهم يخرجونها حكا بعد حك ، ثم صعدوا بنا إلى طبقة هذه الدار ، فوجدونا فيها عينات من الأواني التي لا تكاد تحصى ، منها الأبيض الذي لا تزويق فيه ، ومنه ما فيه لون واحد أسود منه ما فيه ألوان وهو قليل ، ووجدنا على مائدة آنية كبيرة كهيئة الجلاسية ، وتزويقه كتزويق أواني الطاووس ، فقالوا أنها من عمل تلك الدار ثم خرجنا منها بعدما شكر الباشذور عملهم واستعظمه لهم ، فسروا بذلك غاية السرور ورجعنا إلى محل النزول ، فبتنا في هذه المدينة ذلك اليوم (١).

__________________

(١) في هذا اليوم نشرت جريدة Lombardia La الخبر التالي :

«في الوقت الذي يرحب فيه الملك والشعب والحكومة الإيطالية بالسفارة المغربية نشرت جريدةLa Persevernza مقالا ضد ضيوف إيطاليا وضد المغرب ، نظرا للمعاملة الوحشية التي يلاقيها اليهود العبرانيين بالمغرب». وعقبت La lombardia عن هذا الخبر «أن علاقات إيطاليا ودية وعاطفية مع المغاربة وحتى مع المسلمين جميعا ، بالإضافة إلى أن إيطاليا تهتم بالقضايا الإسنانية حتى في خارج الوطن ، وأن السفير الزبيدي رغم قدرته الشخصية ليس الإنسان الذي يجب تهمته بهذه الأشياء ، خصوصا في الوقت الذي يوجد بإيطاليا من أجل تحضير المعاهدات التجارية والاقتصادية ، وإذا كانت عندهم مطالب ضد سلطان المغرب أو حكومته فليتوجهوا إلى قنصل القوات الأوربية والتي هذه هي مهمتهم. Perserveranza La عملت شيئا قبيحا لكتابة مقال كهذا خصوصا ضد شخصيات لا تمس ، لكونهم ضيوفنا والمثل يقول لا تهمنا الضربات التي لا تلحقنا ، هذا الاحتجاج عبارة عن ضباب ذهب به الريح».

٣٨٧

التوجه إلى جنوة

وفي يوم الجمعة (١) بعد صلاة ظهرها في الساعة الثانية عدا ثلاث عشرة دقيقة وهو الحادي عشر من شعبان سافر بنا بابور البر (٢) من ميلان إلى جنوة بعد ما خرج عامل البلد والأعيان للوداع على العادة ، وكثر وقوفه في الطريق في مدن لأجل الوضع والحمل على عادته ، وأحصيت عدة وقوفه فكان تسع عشرة مرة وجمعت مدد الوقوف بعضها ببعض فكانت ساعتين غير دقيقتين ، وكان وصولنا إلى جنوة في الساعة التاسعة من ليلة الأحد بل السبت الثاني عشر (٣) منه فمدة سيرة البابور على هذا خمس سوائع وربع.

__________________

(١) ١ شتمبر سنة ١٨٧٦ م.

(٢) كان في وداع الزبيدي بمحطة القطار بميلان عامل المدينةComte di Bardesono وباشا المدينةComte Belinzaghi والماجور جنرال GroPallo Di وغيرهم وتكريما من باشا ميلان ألقى مرافقه La bus كلمة الوداع باللغة العربية ، وقد تأثر الزبيدي لكرم الضيافة وحفاوة الترحيب وتأسف لعدم وجود أحد من أفراده يتقن اللغة الإيطالية لشكر هؤلاء المودعين (١ / ٩ / ١٨٧٦ م(  Gazzetta Del PoPolo.

(٣) السبت ٢ شتمبر سنة ١٨٧٦ م ، وبمجرد وصوله اهتمت به الأوساط الاقتصادية ، فأقام السفير الزبيدي حفلة استقبال لرجال الأعمال والتجارة ومعهم بعض صانعي البواخر ، وأكد لهم أنه يتمنى وبعين الاعتبار والترحيب منهم القدوم إلى المغرب ، ومزاولة نشاطاتهم هناك ، وبالخصوص في الشواطئ المغربية وقدم لهم الامتيازات التي تقدم لهؤلاء الرجال (٤ شتنبر سنة ١٨٧٦ م Lombardia La وعلقت نفس الجريدة عن هذا اللقاء (أن رجال منطقة جنوفا معروفون بتقشفهم لكن شرح السفير وكلماته لا تترك لهم أمل في ضياع مثل هذه الفرصة المفيدة ودفعهم للمغامرة الرابحة). واقترح فتح خط بحري ما بين نابولي NaPoli وتونس والجزائر يصل إلى موكادور وفاس وباقي الموانئ المغربية الأخرى. خاصة أن الجنرال الزبيدي رجل نبيه وذكي وقد تقلد عدة مناصب اقتصادية وتجارية وسياسية ثم دبلوماسية لذا فهو ناضج في عمله.

٣٨٨

ناذرة من نواذر الزمان

ترشد إلى اتخاذ الحذر في بلاد الأمان

وذلك أننا لما رجعنا إلى مدينة طورين في يوم الجمعة الرابع شعبان (١) ، وبنفس وصولنا ووصول (٢) صناديق حوائجنا إلى محل النزول ، أذن الأمين الحازم الضابط الطالب السيد بناصر غنام أحد الخدمة بفتح الصندوق الذي فيه مال المخزن ، وذلك من حزنه كما هو دأبه مهما غاب عنه هنيئة ما يرجع ويفتحه ليطمئن خاطره ، /٣٣٧/ فحين أزال الخدام الذي كان شده ، القنبة التي كانت مشدودة عليه ، ورام الأمين فتح قفله بمفتاحه وجد القفل (٣) مفتوحا ، فرفع غطاءه وبحث عن الخنشة التي كانت فيه فلم يجد إلا محلها في وسطه فارغا ، فطار لبه واضطرب قلبه واعترته ألوان وتقصلت منه الشفتان ، فقلت هذا العارض الذي غيرك وأي شيء حدث فحيرك ، فقال : فقدت خنشة من المال على التمام والكمال ، فيها ألف لويز وضرب اليمين بالشمال ، فتكدرنا لذلك غاية الكدر مع أنه لم يكن منه تقصير في الحزم والحذر ، ومن العجب أنه كان بهذا الصندوق خنشة أخرى على وجهه مفتوحة فيها تسعون لويزا ، فوجدها بمحلها ، والتي كان مدفونة في وسطه لا زالت على شدها هي التي فقدها ، وكانت العادة (٤) مهما عزمنا على الخروج من بلد لأخرى ، يأتي نائب المخزن وتسلم إليه

__________________

(١) ٢٥ غشت سنة ١٨٧٦.

(٢) على الساعة ١١ يومه الجمعة اكتشف الأمين بناصر غنام سرقة كيس به ١٠٠٠ لويزة ذهب ، حوالي ٢٠ ألف ليرة إيطاليةNouva Torine بتاريخ ٢٦ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٣) أثناء سير القطار العائد من فلورنس إلى طورين ، فتح اللصوص الصندوق بمفاتيح مزورة ، ولم ينجحوا في إقفاله بنفس المفاتيح Corrire del Serra.

(٤) تدفع أمتعة السفارة عادة إلى ضابط الشرطة الذي يحملها من الفندق إلى رئيس محطة قطار فلورنس ليسلمها للمكلفين بالقطار الذاهب إلى طورين ، ومن بين هذه الأمتعة الصندوق الذي كان بداخله الكيس المسروق ، وبمحطة طورين استلمت الأمتعة الشرطة وحملتها إلى فندق إقامة السفارة المغربية. (نفس المصدر السابق).

٣٨٩

الصناديق وسائر الحوائج ولا يبقى لنا التفاة إليها ، ويتولى حراستها وحفظها حتى يدفعها لأمناء سكة البابور ، فيتولون حراستها حتى يأتوا بها إلى محل النزول في البلد التي ننزل بها ، ثم إن الأمين تكلم مع الخدام الذي كان شد ذلك الصندوق بتلك القنبة. ثم كيف وجده ، هل على شده كما شده بيده أو تغير شده ، فقال : لا وجدته على شدة كما شددته بيدي ، فقال : لا بد من تقليب حوائجكم ظنا منه أن النصارى لا يمدون اليد لمثل ذلك ، فقال : سمعا وطاعة ، وقلب بمحضر مقيده /٣٣٨/ حوائج الجماعة فلم يجد لذلك أثرا ولا وقف له على خبر ، ثم أخبر بذلك الباشدور فقال : أعد البحث في الصندوق الكبير ، ففتحه وأخذ يضع منه الحوائج التي فيه على الأرض ، فدخل ترجمان دولة الطليان علينا ونحن في تلك الحالة ، فهاله ما رأى وسأل عن الأمر المهم والخطب الملم ، فقال له الباشدور : حدث لنا أمر غريب وشيء عجيب لكن لم يكن في ظني أننا نخبرك به ، ولكن حيث قدمت علينا بغتة وعثرت على هذه الفلتة ، فلا بأس بإخبارك بما وقع فأخبره الخبر من أوله إلى آخره ، وقال له إني لا أشك في أحد ولا أتهم أحدا ولا أشكوا لأحد بشيء ، والخلف على الله سبحانه ، فقال الترجمان : اتركوا ذلك الصندوق مفتوحا على حاله ، وخرج غاضبا ، فلم يكن إلا يسير وإذا به أتى ومعه رجلان (١) ، أحدهما قيل من عدولهم والآخر من خاصة عامل البلد ، فرأوا ذلك الصندوق وقلبوه وتكلم معهم الباشدور بم تكلم به مع الترجمان المذكور ، فانصرفوا وقال الترجمان ما مضمنه ، لا تخافوا ولا تحزنوا بل ابشروا وبشروا فسيقبض السارق ولو كان يطير كالبارق ، ثم تبعهم وبقينا متكدرين محزونين متغيرين ، فغاب عنا الباشدور هنيئة من الزمان ، ورجع متهللا كأنه ما به فزع ، وقال : ما بالكم قد أسرفتم في الكدر دعها سماوية تجري على قدر ، فسيظهر الفرج ويجعل الله من هذا الضيق المخرج ، فإن باطني قد سكن وعادته إذا سكن

__________________

(١) بعد إخبار الشرطة حضر الضابطMazzi ومساعده لمعاينة مكان السرقة ، وقام على الفور بإعطاء تعليماته لبداية التحقيق والبحث بأسرع وقت ممكن ، لأنه في الغد ٢٦ غشت سيطلعون لاستقبال ملك إيطاليا وتوجه Mazzi إلى محطة القطار وطلب الحصول على أسماء المستخدمين الذين رافقوا السفارة. بتاريخ ٣١ / ٨ / ١٨٧٦ م  La Lombardia. جريدة.

٣٩٠

/٣٣٩/ باطني من أمر مهم تكون عاقبته محمودة ، واستقرأت ذلك من أحوالي مرارا ، وحتى أنه إذا لم يظهر هذا المال فما يفيد الحزن والكدر ، فالمصيبة في المال نعمة عظيمة بالنسبة للمصيبة في الأبدان ، ففرج عنا بعض الفرج ، ثم إني خرجت قاصدا محل الوضوء بعد أذان الظهر ، فصادفت يهوديا كان خرج من طنجة ترجمانا أيضا ، فأخبرني أنه ورد الخبر في السلك بقبض (١) واحد من السراق في مدينة مضان ، وبيده بعض المال ما يزيد على ثلاثمائة لويز ، وأقر بسرقته وأن معه رجلين آخرين ، وهم أمناء (٢) البابور الذين كانوا يحرسون صناديق الباشدور ليلة السفر ، وكانت مرت تلك الليلة كلها مطرا ورعدا وبرقا ، وأنهم جادون في البحث عن الرجلين الآخرين ، فأدخل علي سرورا عظيما ، ورجعت إلى الباشدور والأمين فأخبرتهما بذلك ، فقال لو كان هذا الخبر حقا لأخبر به ترجمان الدولة ، إذ هو الذي طاف برجله على ثلاثين دارا من ديار السلك ، ووقف على ذلك حتى انتشر الخبر في جميع المواضع ، وأخبر بانتصاب العيون والجواسيس على هؤلاء السراق ، ولكن نرجو الله أن يحقق ذلك ، ثم توضأت وصليت ظهر الجمعة ، وسألت الله تعالى بإضطرار كبير أن يكشف عنا ما نحن فيه ، ثم إن ترجمان الدولة لم يرجع إلى الباشدور حتى فاتت المغرب ، وعند دخوله بشره بظهور المال وقبض أحد السراق كما أخبر ذلك اليهودي ، وقال : في الغد بحول الله يظهر الباقي / إن شاء الله ، وفي صباح يوم البت الخامس منه (٣) ، شاع الخبر بقبض الثاني من السراق في محل لم أثبت عليه ، فحين طلعوا عليه

__________________

(١) تبين لضابط الشرطةMazzi أن أحد العمال يدعى Odasso الذي دفعت له أمتعة السفارة بالقطار الذي عاد بهم إلى طورين ، قد تابع طريقه حتى أخر محطة بمدينةModane ، فبعث ببرقية لإلقاء القبض عليه واستنطاقه من طرف الشرطة هناك ، لكنه لم يدل بأي شيء. (الترجمان اليهودي جيل مونج أخبر الجعيدي بهذه التفاصيل). بتاريخ ٣١ غشت ١٨٧٦ م. جريدة  (Torine)La Lombardia.

(٢) بعد هذا أرسل تلغراف إلى شرطة مدينةAlessandria لإلقاء القبض على سائق القطار السيدGiannone ومساعده Corsa اللذين نزلا بهذه المدينة. (نفس الجريدة السابقة).

(٣) أثناء استنطاق Giannone ألقى بنفسه من إحدى نوافد عمارة الشرطة ، فأصيب بكسر في رأسه نقل بعدها إلى مستشفى سجن Alessandria الذي توفي به ، بعد ما وجدت بجيبه ٣٧٥Marebghi دون أن يقول كلمة في الموضوع. (نفس الجريدة السابقة).

٣٩١

لقبضه تردى ورمى بنفسه على رأسه من كوة إلى الأرض ، ثم أقر الثالث (١) الذي كان معهم وعرف به ومات بعد ذلك ، وفي وقت الضحى ورد الترجمان وأخبر الباشدور بهذا الخبر ، وإن جملة ما وجد عند هذا الثاني خمسمائة لويز وزيادة ، ومجموع هذا مع ما وجد عند الأول ثمانمائة لويز وثمانية وستون لويزا ، وبقي لتمام الألف مائة لويز واثنان وثلاثون ، فأجابه الباشدور بقوله : لا أقبل منكم شيئا من هذا حتى تأتوا بالخنشة التي كان فيها المال ، فإن ظهرها مرقوم فيه عدد ما كان فيها من اللويز ووزنه بخط نائب مولانا بطنجة ، فقال : سيبحثون عنها وتأتي بحول الله ، ثم بعد ذلك قبضوا الثالث الذي كان أقر به الآخران ، فأنكر فسجنوه وبحثوا في داره غاية البحث ، فوجدوا العدد الباقي من اللويز قد أخفاه مع كواغد أخر في جعبة الدخان ، وبعد ظهور هذا الحق ووضوحه وإقرار ما أقر من السراق ، أتى وكيل المخزن ووكيل السراق وعدل واحد ، وسمعوا من الأمين المذكور دعواه وقيدوا جميع ما سمعوه منه ، وسألوه عن اسمه ونسبه وبلده وسنه ، وهل هو متزوج أو لا ، وهل له أولاد ، وطلبوا منه رؤية الصندوق الذي كان فيه المال ، فأخذوا قياس طوله / وعرضه وذهبوا وطلبوا من الترجمان أن يحلف يمينا على أن الباشدور سرق له الألف لويز ، فقلنا له ما معنى هذا بعد إقرار بعض السراق ووجود العدد المسروق بتمامه دون زيادة ولا نقص ، فقال : إنهم يقولون ربما يكون من أقر خرج عقله وأنه لا بد له من الحلف برومة ـ والله أعلم ، ثم تحير هذا الترجمان من قول الباشدور : لا أقبل الدراهم

__________________

(١) قائد القطار الثاني Corso تقدم إلى رئيس المحطة ومعه كيس كان يستعمله لحفظ حاجياته ويوجد بداخله Marenghi ٩٢٥ ، وقال بأنه وجد كيس بداخل أمتعته وبداخله النقود ولا يعرف مصدرها ربما كانت للسيدOdaso الذي نقل على الفور إلى طورين بعد موت Giannone وأقنعته الشرطة بضرورة إظهار الحقيقة وقال : «إن السرقة كانت مبرمجة ومتفقة عليها بينهم ، وأن Giannone سرق الكيس وقسم ما يوجد به دون أن يقسم بالعدل وكل هذا حصل ما بين فلورنس ومدينةPistola». ٢٨ غشت سنة ١٨٧٦ م. جريدةCorrire Della Serra.

٣٩٢

إلا إذا حضرت الخنشة (١) ، ومن طلبه بالحلف وهو نعم الرجل ذو أخلاق حسنة يحسن اللغة العربية نطقا وكتابة والتركية وغيرها من لغات الروم ، وهو القونصو عند هذا الجنس بحلب ، وأتي منها عند إذن عظيم دولتهم للقاء الباشدور في الحدادة في مدينة مضان كما تقدم ، ثم إنه ذهب إلى السجن وسأل المسجونين عن الخنشة التي كان فيها المال ، فقالا حين اقتسموه ألقوها في الوادي ليلا يعثر عليها ، وبعد ذلك أتوا بالعدد الذي كان عند الأولين ، ودفعاه للباشدور وتأخر دفع الباقي بعد ذلك بنحو أربعة أيام ، حتى قيدوا الدعوة في الكنانيش على وجهها وكيفية فصلها ، بعد ذلك أتوا بتلك البقية ودفعوها ، وحازوا خط يد الأمين برد الألف لويز له على التمام والكمال ، وحين كنا دخلنا السجن بطورين تلاقينا مع الحباسة (٢) ، ووجدنا لهم عدة كنانيش في خزائن في ذلك المحل ، ففتحوا كناشا ووجدنا في وسطه تقييد المسجونين في أي يوم دخلا للسجن ، وسبب سجنهما ، وسن أحدهما ست وثلاثون سنة والآخر نيف وأربعون سنة. /٣٣٤/ (٣) .

.... في تلك المدة حتى يئس من الدراهم التي كان أعطاها له ، وتيقن أنه أفسدها ، وبعد ذلك قدم عليه لمصر ، ودفع له دراهمه بتمامها وأضعافها من واجبه في ربحها ، فامتنع من قبولها منه وتركه عنده في حكاية يطول ذكرها على حسب ما ذكره لنا ،

__________________

(١) بعد ١٢ ساعة ، استطاعت الشرطة الإيطالية إلقاء القبض على اللصوص الثلاثة واسترجاع المبلغ المالي المسروق ، وأخبر بذلك الزبيدي يوم الجمعة ٢٥ غشت ١٨٧٦ م على الساعة ٩ مساء غير أنه لم يتأكد من القبض على المجرمين ، وظن أن هذا تغطية من طرف الحكومة الإيطالية للموضوع. وطالب بإحضار الكيس الذي كانت به الدراهم. جريدة ـ La Lombardia.

(٢) وقد أجيب على هذا السؤال بأن الكيس المطلوب قد ألقى به في وادي Reno Nel من طرف المتلبسين بالجريمة ودعوة لزيارة المسجونين ليتعرف عليهم وعن حقيقة القضية. غير أن الزبيدي رفض مقابلتهم شخصيا (تفاصيل زيارة السجن ذكرناها سابقا) وكلف الجعيدي والأمين للاستطلاع عليهم داخل بيوت سجن طورين الجديد. ثم أرجعت الدراهم إلى أصحابها بالفندق في كيس ثاني قبل زيارتهم لملك إيطاليا.٣٠ غشت سنة ١٨٧٦ م ، جريدة ـ La Lombardia.

(٣) الصفحتا / ٣٤٢ / و/ ٣٤٣ / فارغتين.

٣٩٣

وحين تأملت في حاله وقضيته قلت في ذلك من البحر الطويل. (١)

تيقن بأن الله يعطي ويمنع

ويخفض أحيانا وتارة يرفع

له الفضل والإحسان في كل حالة

فسلم ففي التسليم فضل موسع

وكن واثقا بالله في نيل رزقه

وخل سبيل الحرص إذ ليس ينفع

ولا تترك الأسباب منك توكلا

وباشر ولكن بالتي هيّ أرفع

وإن ضاف عنك الرزق يوما في بلدة

فدعها لعل الرزق عنك مخبع

وسارع إلى أخرى فلست ممجدا

وخيرها مصر طالبت فيه المزارع

تحل بوصف الصدق في كل موطن

نصحتك فاقبل مني إن كنت تسمع

وإن فتحت أبواب الرزق تكرما

عليك فكن للشكر دائما تفزع

زيارة مدينة بيلي

وفي يوم الأحد الثالث عشر منه (٢) ، توجهنا في بابور البر إلى مدينة

__________________

(١) القصيدة من البحر الطويل.

(٢) ٣ شتمبر سنة ١٨٧٦ م.

٣٩٤

بيلي (١) بجوار جنوة من جهة غربيها بينهما نحو ساعة غير ربع بمسير بابور البر وهناك جبال مشرفة على البحر ، فلما وصلنا إليها طلع بنا القونصو ، أي الترجمان الذي معنا إلى أوطيل ، صعدنا إليه في درج من الرخام طول كل درجة نحو أربعة أذرع ، وأتي لنا بشيء من الفواكه وحلواء الثلج ، ثم خرجنا منه إلى سطح مربع طوله /٣٤٥/ ستون خطوة وعرضه ثنتا عشرة خطوة ، وهو مفرش بالرخام رخامة بيضاء وأخرى زرقاء وهكذا ، وله دربوز من الرخام الأبيض محيط بجهاته الثلاث ، له شراريف من الرخام مخروطة الشكل من الوسط خرطا فيه تعريج ، وأطرافها مبسوطة والقناطير التي توضع على هذه الشراريف من الرخام طول كل قنطرة تسعة عشر شبرا بشبر مقيده ، فوقفنا هناك هنيئة تارة مستشرفين على البحر ، وتارة على الجبال المقابلة له والعراصي والبساتين التي بها والقبب المبنية فيها ، ثم نزل الترجمان وطلب من الباشدور الدخول إلى إحدى تلك العراصي التي في تلك الجبال القريبة إلينا ، فساعده فمشينا راجلين في طرق متسعة فتحت في هذا الجبل ، وغرس عن اليمين واليسار أشجار كأشجار البلز متصاعدة مع الجبل بعضها فوق بعض ، فانتهينا في الطريق إلى قبة مربعة في كل ربع نحو عشرة أذرع ، في كل ربع باب كبير دفتاه من الزاج المورق بالألوان ، وأحاط بربعها نبحان في كل واحد قوسان على سارية من الرخام ، وقد نقشت هذه القبة والنبحان نقشا رقيقا لطيفا كنقش الجباصة بفاس ، فسئل الترجمان عن هذه العرصة لمن هي ، فقال : لتاجر من التجار ، وأن هذه القبة بناها صاحب هذه العرصة اعتناء بملكة النامسة كانت دخلت لهذه العرصة ، وجلست للاستراحة في ذلك الموضع الذي بنيت فيه القبة وذلك قبل بنائها ، وبعد

__________________

(١) Pegli توجد وسط منطقة ليكوريا تبعد بحوالي ١٠ كلم على مركز مدينة جنوة ، كانت وما زالت محطة سياحية ممتازة.

وأشارت جريدةGazzetta Di Genova ليوم فاتح شتمبر ١٨٧٦ ، أن السفارة المغربية نزلت بفندق Fedes الذي كانت أبوابه مضاءة بشكل رائع ، وكانت فرقة من الجنود تقوم بدور حرس الشرف ... وستستقبل السفارة المغربية أبرز السلطات المدنية والعسكرية التي ستصاحبها لزيارة ثكنةS.Benigno وكذلك أهم المآثر بالمدينة.

٣٩٥

خروجها شرع ذلك التاجر في بناء تلك /٣٤٦/ القبة احتراما لذلك الموضع وتعظيما له. ثم تقدم بنا إلى قبة أخرى شبيهة البناء بالأخرى ، غير أنها مثمنة الشكل في كل ثمن زاجة من الزاج الملون المورق ، منها زاجة ذهبية تقابلها أخرى مثلها ، وكان أصابها شعاع الشمس ، فيكون الناظر فيهما معا يرى وراء الزاجة المقابلة كأنه يلتهب نارا ، وعلى كل زاجة شبكة من السلك الرقيق مظفورة ظفرا عجيبا محافظة على الزاج ، ثم ذهب بنا إلى جبل صنعوه باختيارهم ونصبوه على وفق مرادهم ، فحين وصلنا إليه دخلنا في مغارات في وسطه واحدا إثر واحد ، والشمع موقود في الطرق وسقف هذه المغارات وطرقها من الطين قريب من ررؤوسنا ، وفيه طين بارز صغيرا وكبيرا كأنه كان يتقاطر منه الماء ، وكل ذلك من مبانيهم وأعمال المهندسين منهم ، يحكون بذلك كهوف بعض الجبال ومغاراتها وطرقها ، فساروا بنا حتى وصلوا إلى طرق في وسطه قد غمرها الماء ، وفي هذا الماء فلكان صغيران فركب الباشدور والترجمان في فلك ، وركبنا نحن في الآخر والمخازنية معنا ، وأخذ أصحاب الفلكين يديرونهما بالمقاديف بين الطرق والمغارات ، لأن الطرق ليست على سمت واحد بل تنعطف يمينا ويسارا ، وهذا كله ونحن في وسط هذا الجبل المصنوع ، وهم يسيرون بنا في وسطه على تلك الحالة حتى خرجوا بنا إلى بركة كبيرة من الماء راكض فيها لا يتحرك ، ولم نر له مخرجا فنزلنا من الفلكين /٣٤٧/ إلى العرصة المذكورة ، فدخل بنا إلى قبة صنعت من أعواد الشجر مستديرة الشكل ، وقد غرس بأسفلها نبات كاللواية (١) ، فالتوت أوراقها على القبة بأجمعها ، وسقفها على شكل البيضة ، فدخلنا إليها فصار الماء يتقاطر علينا من القبة كالظل حتى ظن بعضنا أنه مطر مع أنه لم يكن سحاب (٢) ، ولم ينزل شيء من هذا الظل خارج هذه القبة ، فتأملنا فيها فوجدناهم أجروا إليها الماء في جعبات من الحديد قائمة مع القبة ومتصاعدة في سقفها ، وفيها

__________________

(١) كل نبات تطول أغصانه وتتلوى على الأشجار أو الأعمدة وتطلع مع الجدران ونحوها.

(٢) تقليد للري المطري الطبيعي ونظامه ، يتكون أساسا من أنابيب لنقل المياه ورشاشات لقذف الماء في شكل رذاذ ، ومضخة لدفع الماء في الأنانيب تحت ضغط مناسب. (عالم المعرفة «التكنولوجيا الحديثة» ، رقم ٥٠ : ١٧٧).

٣٩٦

ثقب رقيق جدا ، فإذا أرادوا إرسال الماء بداخل القبة بقصد الفرجة أرسلوه إليها من خارجها ، ثم يصرفونه عنها باختيارهم ، ولم يكن الباشدور بداخل القبة وقت إرسال الماء إليها ، ولعله كان خارجا عنها ينظر من بعد ، وفي هذه العرصة حياض فيها نوار على ألوان وأشكال ، وفيها شجرة كشجر الرمان الصغير مثل قامة الإنسان ، ولها أوراق خماسية كل ورقة من الورقات الخمس رقيقة مستطيلة محيطة بشق المنشار إذا ضرب الإنسان بأصبعه رأس إحدى ورقة من الورقات الخمس تلتوي كلها ، وتنحدر إلى الأرض حتى تكاد تسقط من أصلها ، ثم توضأنا وصلينا الظهرين هناك ، ورجعنا في الأكداش إلى جنوة ، إلى محل النزول.

ملاقات رئيس الفركاطة

وكان أتى رئيس الفركاطة (١) التي هيئت لسفرنا فيها إلى الباشدور ، وتلاقى به مع كبرائها وأخبروه أنهم مأمورون بامتثال أمره ، يسافرون في البحر بنظره بحيث إذا أحب المرور على (٢) الجرنة أو غيرها ، /٣٤٨/ من المدن يساعده ويقف هناك حتى يأمره بالسفر ، فشكرهم على ذلك ، وأخبر القونصوا أي الترجمان أنه لا بد من إقامتنا بجنوة إلى الأربعاء القابل ، بقصد الاستراحة فأقمنا بها يوم الاثنين ويوم الثلاثاء منتصف شعبان المذكور.

الخروج من جنوة

وفي يوم الأربعاء السادس عشرة منه (٣) ، في الساعة التاسعة منه ، خرجنا من

__________________

(١) الباخرةConte Cavour الإيطالية.

(٢) ربما يقصد إحدى المحاجر الصحية (للكرنطينة).

(٣) ٦ شتمبر سنة ١٨٧٦ م. وقد أشارت جريدةGazzetta Di Genova «استقبل السفير المغربي عددا من رجال الصناعة والتجارة ومعهم بعض صانعي البواخر ، وأكد لهم أن عاهله يرى بعين الرضى وسيرعى بحرارة الصناع الإيطاليين الذين يقومون بممارسة صناعتهم على الساحل المغربي ...».

٣٩٧

جنوة وخرج لوداع الباشدور عامل البلد وكبراؤها ، وتهيأ العسكر بشاطئ البحر مع أصحاب الموسيقى ، وهيأوا أربعة من الفلك لركوبنا فيها إلى الفركاطة ، وتبعتنا فلك عديدة فيها نصارى رجال ونساء بقصد الفرجة على عادتهم ، وأخرجوا المدافع من أبراج المدينة على حسب القانون في ذلك ، وعند طلوعنا إلى الفركاطة وجدنا الرئيس وكبراءها متهيئين للقاء ، فتلقوا بفرح وسرور وأدب وبرور ، وحملوا ما فيه الكفاية من الفريشك (١) الدجاج والضأن والخضر والفواكه الموجودة في الوقت.

مكينة صنع ماء الثلج

حتى من الثلج بقصد تبريد الماء. والمكينة التي يصنع بها الثلج في نحو ربع ساعة ، بحيث إذا تم ذلك الثلج تكون هذه المكينة مهيئة لصنعه ، وطلبت من الرئيس ذات يوم الحضور لصنع هذه الثلج في تلك المكينة ، فساعدني وأحضرني إلى بيته فوجدت هذه المكينة ، كهيئة زنبيل الأتاي المستدير الذي يسع نحو رطلين من الأتاي ، وهو مبسوط الطرفين وله يدان بوسطه ينزلانه على وقافتين ناتئتين /٣٤٩/ من كرسيها الذي يوضع على الأرض أو على طبلة عند الخدمة بها ، ثم نزع هذا الزنبيل وهو من العود ووضعه على الطبلة ، وفتح فاه وأفرغ فيه كأسا من حجر (٢) الشب وكأسين من النشادير (٣) وكب عليهما الماء ، وبوسط هذا الزنبيل حاجز بداخله ، ثم سده سدا محكما وركبه من يديه على تلك الوقافتين ، وكان في غطاء الزنبيل عروة

__________________

(١) انظر شرحها بالملحق.

(٢) الحامض الكبريتي أو الكبريتكH٢ SO٤ Acide sulfirique الفرائدDictionnaire al- Farâid عربي ـ فرنسي ، بيروت ، ١٩٨٦. نشادر أو نشادري هو محلول الأمونياك Ammonniac NH٣ ذو رائحة لاذعة مؤلف من الأزوت.(المنهل قاموس فرنسي ـ عربي) ، د. جبور عبد النور ، د. سهيل إدريس.

(٣) رسم من إنشاء صاحب المخطوط لشكل آلة التبريد الخارجي (انظر الملحق الخاص بالرسوم والصور صفحة ٢٨).

٣٩٨

بها يخدمه بحيث يقبضه منها ، ويأخذ يجدبه إليه ويدفعه أمامه ، والشب مع النشادر ينحل كل منهما في الماء (١) بسبب حركة الخدمة ، وبعدما مرت ربع ساعة مجانية فتح الزنبيل من الجهة الأخرى ، وأفرغ منها ماء أصفر على لون الأتاي القاطع ، وله رائحة كريهة ، لأني شممته قصدا فصعدت في جعبتي أنفي رائحة كريهة ومعها حرارة قوية ، ثم أفرغ هذا الماء في البحر ، وفتح الجهة الأخرى ذات العروة ، فإذا فيها ماء كأصفى ما يكون فأفرغ منه كأسا وناولنيه فبقيت كالمتردد في قبضه منه ، فتبسم وشربه كله ، ثم أفرغ آخر ودفعه إلي فشربته فوجدته كالماء الذي كنا نضع فيه الثلج في البرودة ، وترددي في شرب الأول لكوني استقدرته من ذلك الماء الذي خرج منه وقبح رائحته ، ولم أدر هل ذلك صفي منه أو كان هناك على حالته قبل وضع الشب والنشادر والماء في الجهة الأخرى ، وهذا كان بعد تمام الثلج (٢) الذي كان صحب معه في البابور. من جهة الفريشك لكن حيث أنجر الكلام على الفريشك

__________________

(١) رسم يمثل مقطع طولي لآلة التبريد ، قصد توضيح كيف تتم عملية تبريد الماء الصافي المنعزل على الإناء الصغير الذي يحوي المواد المتفاعلة والتي تحتاج إلى طاقة حرارية تمتصها من الماء المحيط بها ، فترتفع درجة حرارة الأمونياك ويتحول من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية.

2 NH 3 G H 2 SO 4 H SO 4 G 2 NH 4

(انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ٢٩).

(٢) في البداية كان الاعتماد على الثلج الطبيعي ، لكن مع ازدياد الطلب بسبب ضرورة نقل وحفظ المواد الغذائية والمشروبات الصناعية الجديدة ، اتجه البحث نحو أجهزة التبريد انطلاقا من فكرة الاسكتلندي سنة ١٨١٧ م ، الاي طورها الفرنسيان Ferdinand Carré  وCharles Tellier  بمعرض لندن سنة ١٨٦٢ م ، وحسنها أخوه Carré Edmond سنة ١٨٦٦ م ، بصنع آلة البريد المحلية ، تعتمد على تحريك الأمونياك بمضخة صغيرة بواسطة اليد ، التي انتشرت بالمقاهي وغيرها بسرعة.

Histoire générale des Techniques Tome IV: 598 : (Les techniques de la civilisation industrielle (.

«... وقد صاحب السفارة المغربية إلى الباخرة السيد الوالي والمستشار والجنرال Finazzi ، قائد الحامية العسكرية بالنيابة ...».Gazzetta Di Genova.

٣٩٩

ومن جملته الثلج ومكينته ناسب ذكرها هنا وبسط ما شاهدته من خدمتها /٣٥٠/ وكيفيتها. وفي الساعة العاشرة من يوم الأربعاء المذكو ، شرعت الفركاطة في السير قاصدة سمت ثغر طنجة المحروسة بعناية الله ، من غير تعريج لبلدة أخرى ، حيث تبين للرئيس أن الباشدور ليس عنده غرض في الجرنة ولا في غيرها ، وذلك بعدما استقر الباشدور في المحل المنتخب من القامرة ، وتعيين بقية بيوتها لأصحابه ولمن معه من المخازنية والخدمة. لكل واحد بيت يخصه ، ثم جدت في السير من ذلك الوقت ليلا ونهارا ، ونحن في عافية وبسط من فضل الله وسعادة مولانا المنصور بالله.

الوصول إلى مدينة طنجة

إلى يوم الاثنين الواحد والعشرين من شعبان ، وتبين أنه الثاني والعشرون (١) منه ، فأرست الفركاطة المذكورة بنا بمرسى طنجة في الساعة العاشرة منه ، فطلع منها إلى الباشدور التاجر الأخير الطالب السيد الحاج محمد باركاش (٢) لكونه أوجده الحال بها لغرض له هناك ، ومعه كاتب والده نائب مولانا المؤيد بالله الفقيه السيد الجلالي السلوي وغيرهما من الأعيان ، فعند ذلك تهيأ كبراء البحرية والرئيس ولبسوا ثيابهم الفاخرة المرصعة بالذهب ، وعلى كل واحد نيشان مرتبته ، وخرج الباشدور وودعوه وودعونا كذلك ، ونزل الباشدور إلى الفلك الأول وتبعناه في أثره ، ثم تعلق أولائك البحرية في درج قنانيب الفركاطة واحدا بعد واحد ، ونزعوا شماريرهم وصاحوا صيحة واحدة بصوت واحد ثلاث مرات ، وهم يشيرون بشماريرهم من رؤوسهم إلى أسفل،

__________________

(١) عادت السفارة المغربية على متن الباخرة الإيطالية Cavour Conteإلى مرسى طنجة يوم الاثنين ٢١ شعبان عام ١٢٩٣ ه‍ الموافق ليوم ١١ شتمبر سنة ١٨٧٦ ، بخلاف ما ورد عند ابن زيدان بالإتحاف ، ج ٢ : أنهم وصلوا يوم ١٤ شعبان عام ١٢٩٣ ه‍ الموافق ل ٤ شتمبر سنة ١٨٧٦ م ، وكذلك عند جاك كيلي (السفارات والبعثات المغربية إلى فرنسا : ١٨٤) يوم ١٦ شتمبر سنة ١٨٧٦ م.

(٢) محمد بن محمد بن عبد الرحمان بركاش ، ساهم إلى جانب والده في شراء السلاح الحديث للجيش المغربي وغير ذلك ، توفي قبل والده بأيام سنة ١٨٨٥ م (الحماية والاستيطان ، ح ١ : ٣٩٨).

٤٠٠