إتحاف الأخيار بغرائب الأخبار

إدريس الجعيدي السلوي

إتحاف الأخيار بغرائب الأخبار

المؤلف:

إدريس الجعيدي السلوي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-36-640-3
الصفحات: ٤٧٩

صورة الأرض والأفلاك (١) المحيطة بها ومحور الدائرة الثامنة مار بالدوائر السبع التي في جوفه ، عدا الأرض فهي خارجة عن ذلك المحور ، وبدوران الدائرة الثامنة تدور الدوائر السبع التي بداخلها. وفي هذه القبة جعبة صفر صغيرة طولها نحو ذراع ونصف ، وقطر دورها نحو ثمن ذراع ، وبأحد طرفيها زاجة مستديرة قطرها نحو ذراع غير ربع ، وهما مرفوعان من الأرض نحو نصف قامة الإنسان ، ووراء الزاجة يد حديد (٢) عمد إليها بعضهم واشتغل بتدويرها ، وأتى آخر وقرب يده منها فخرج منها شرار نار زرقاء ، ولصقت بالجعبة فتعجبنا من ذلك فقيل لي ادن منها وقرب يدك إلى تلك الجعبة فقربت منها ، فخرجت من يدي شرر من تلك النار الموصوفة ، وجذبتها الجعبة وعند خروجها من يدي أحسست بمثل لسع البرغوث ، ثم وضع يده رجل منهم على تلك الجعبة ، فصارت ذاته تجذب النار عند ما يقرب يده إلى يده ، أو إلى أنفه بمشاهدتنا لذلك ، كما كانت تجذبه الجعبة بواسطة وضع يده عليها تسري فيه تلك الكهرباء ، وتكسبه قوة الجذب التي تجذبه هي.

ثم أدخلونا إلى قبب الأطباء وعلماء التشريح (٣) ، فوجدنا صورة امرأة متجردة ملقاة على سرير كأنها ميتة ، يحكون أنها مثال امرأة ماتت نفاسا ، وفي جدران هذه القبة صور الجنين الذي يكون في الرحم من بعد ثمانية عشر يوما ، إلى الأربعين إلى شهرين ، وثلاثة وأكثر ، إلى تسعة أشهر ، وكل صورة منفردة بمحل وحدها. ثم صورة امرأة بقر عن بطنها والمولود الذي فيه قد نكس رأسه كأنه يريد الخروج ، وفي محل

__________________

(١) يقصد المجموعة الشمسية.

(٢) آلة تعمل على تحويل الطاقة الميكانيكية الناتجة عن تدوير اليد الحديدية لموصل معدني (جعبة صفر) داخل حقل مغناطيسي دائم ، (زاجة مستديرة) إلى طاقة كهربائية ، عبارة عن تيار كهربائي أو تيار إلكترونات يجرى على مدى جسم موصل ناقل ، وهذا ما يحصل في المولد الكهربائي (كالدينامو في الدراجة مثلا). (موسوعة عربية عالمية). (انظر الرسم بملحق الرسوم والصور صفحة ٢٣).

(٣) يدرسون تركيب وصفات الأعضاء والأنسجة التي تتكون منها الكائنات الحية (الإنسان ، الحيوان ، النبات) ، غير أن المعتقدات الدينية كانت تقف في طريق علم التشريح ردحا طويلا ، فكان الأطباء في القرون الوسطى يقومون بالتشريح سرا على جئت الموتى. (دائرة المعارف الحديثة ، ج ٢ : ٥٠٣).

٣٤١

آخر صورة التوءمين كيف يكونان في البطن رأس أحدهما عند رجل الآخر ، ثم صورة آدميين كبارفتح على بطونهم ، وصوروا صورة الأمعاء والقلب والكبد والرئة وغير ذلك ، وتبينوا جميع العروق التي في البدن القوية والضعيفة وكيفية تشابكها /٢٩٢/ في بدن الإنسان ، وفتحوا حتى على الرقبة والصدر ورسموا فيها ، مثال ما هو في باطن الإنسان من العروق والعصب واللحم ، ثم صورة آدميين آخرين رسموا فيها العظام لا غير وكيفية التئام بعضها ببعض من الرأس إلى القدم ، وكشفوا عن صورة العينين والأذنين والرأس وغير ذلك ، ثم وجدنا صورة آدمي واقفة لم يبق منها إلا العظام ملتئمة بعضها (١) ببعض ، وهي عظام حقيقية ليست مصورة ، تركوها مثالا ليتحقق الناظر أن ما صوروه هو موافق عندهم للواقع في ذات الآدمي ،ولم يكتفوا بهذه بل صوروا كبشا مسلوخا برأسه وقرنيه موضوعا على سرير مذبوحا ، فلو أوتي به بديهة لمن لا خبرة له به فربما يتمنى غذاءه منه ، ثم صوروا أنواعا من الحوت على أشكال مختلفة لا تكاد تحصى ، وفي قبة أخرى صور طيور غريبة الخلقة والسباع العادية والحيات العظيمة والتمساح والطيور الصغيرة التي في جرم البلوطة إلى النعامة المعروفة ، وكذلك الجراد فما دونه من الحيوان الذي على شكله ، كبوقفاز منه أشكال في مرءات خاصة بهذا النوع ، وجل هذه الصور من الطيور والسباع كانت بوصف الحياة وبعد موتها حشيت وسقيت بالكافور ، وتركت في هذه الأماكن وجعل لها من يتعهدها ويتفقدها في تلك القبة العظيمة ، وانظر ما ألجأهم إلى ذلك وما جعلهم عليه و ـ «لو شاء ربك ما فعلوه».

ثم خرجنا من هذه الدار وتوجهوا بنا إلى دار من ديار المخزن ، ينزل فيها كبير دولتهم حيث يكون في هذه المدينة ، وهي دار (٢) عظيمة كأنها حومة في مدينة لأنهم لم يكتفوا في وضعها في تربيعة واحدة ومحل واحد ، بل عمدوا إلى مواضع مربعات وبنوا فيها قصور وقببا ، وتركوا الطريق لناس من بينها ، وأشركوا بعضها ببعض من

__________________

(١) يقصد الهيكل العظمي لجسم الإنسان.

(٢) يقصد المدينة العتيقة التي توجد وسط مدينة فرنسي.

L\'EncycloPédia Grolier) Milano (, vol 8: 14.

٣٤٢

أعلاها بقناطر وقيسى في بعض المواضع لا غير ، بحيث يمكن للإنسان الطواف بجميعها ، وينتقل من تربيعة إلى تربيعة بواسطة القسى الجامعة بينها /٢٩٣/ ومما يدلك على عظمة هذه الدار ، أني سألت عن عدد القبب التي فيها حيث رأيت كثرتها وعدم إمكان إحصائها في الوقت ، فقيل مائتا قبة وثلاث وثمانون قبة ، ولا تكاد ترى قبة على شكل أخرى بل لا بد من مغاير واختلاف في الوضع والهيئة واختلاف السقف ، وكذلك اختلف فراشها أي شواليها وكنابيسها في الألوان ، فمنها ما هي من الحرير الأحمر المشجر أعني تبطينها وتبطين جدرانها ، ومنها ما هو من الأخضر ومن الأصفر ومن جل الألوان مع تمويه الشوالي وجوانب المرايات العظيمة ، وفي قبة من تلك القبب إحدى عشرة ثرية من البلار ، وأخرى بها كرسي الملك يصعد إليه بأربعة درج مبطنة بالموبر الأحمر ، وفوق الكرسي كالمظل مبطن به أيضا ، وأخرى فيها فراش على ناموسية (١) عليها ستر من الحرير ، وفي قبتها كالمظل مبطن به أيضا ، مع ترييش بالحرير والذهب وفيها ثريتان عجيبتان أسفلهما كأسفل القصعة ، في قبة أخرى خزانة من العود البرازيل مرصعة بالحجر اليمانض على ألوان مورقة به ، وخزانة أخرى من ذلك العود مرصعة بألوان المرمر ، وأخرى مرصعة بالعاج ، وفيها مائدة مبسوطة من رخام مرمر ، وحواشيها مرصعة بتوريق حجر المرمر من ألوان ، بحيث حفر في الرخامة أولا ذلك التوريق واتخذ مثله من ألوان المرمر ، ودفن في حفر التوريق وصار مبسوطا مع الرخامة ، فمن حيثية النظر يرى ذلك التوريق كأنه طلاء لطيف ، وإذا مرت عليه اليد فلا تحس بشيء من أثر حفر ذلك التوريق ، وكنت تكلمت مع الترجمان ، فقلت هذا التوريق أصله طين يحل ويورق به ويطل على الجميع حتى يصير كأنه ذات واحدة ، فقال لا بل هو حجر (٢) المرمر مورق مدفون في ذلك المرمر الآخر ، وعند خروجنا من هذه الدار ، وشروعنا في المرور في اسطوان طويل

__________________

(١) انظر شرحها بالملحق : ٤.

(٢) في النحت على المرمر من الفنون الأصيلة عند الإيطاليين الذي كانوا يستخرجونه من مقالع جبال الألب ، أهمها مقلع Goia على جبل آلتيسيمو ينتج الرخام الشهير الكثير العروق والأبيض.

(L\'EncicloPédia Grolier, vol ١٤)

٣٤٣

في بعض الطبقات ، وجدت في هذا الاسطوان أربعمائة خطوة وخمسين خطوة على ست /٢٩٤/ واحد ، وعند خروجنا منها طلب من الباشدور بواسطة الترجمان ، التاجر القائم بصنع تلك الموائد من المرمر ليرى كيفية النقش والتوريق ، لعله أراد بذلك دفع ما كنت أتوهمه من أن ذلك التوريق إنما هو طلاء ، فساعده وتوجهنا معه إلى دار وصعدنا طبقة بها ، فوجدنا أناسا ينشرون (١) المرمر بخيط من السلك معقود بين طرفي عود مقوس كقوس الرباب ، وعند النشر يأخذ يسيرا من الماء بقصبة كالقلم وذلك الماء مختلط بشيء على لون الرماد ، فسألت عنه ما هو ، فقيل هو حجر الديمانط الذي يتساقط منه يدق ويحل في هذا الماء ويدهن به محل النشر ، ولولاه ما أثر في هذا المرمر شيء ، ثم أناسا آخرين يورقون هذا الحجر بالمخرطة ، بحيث يركبون في المخرطة مغزلا ، ورأسه كروي يجعل به شيء من ذلك الدهن ، ويحرك المخرطة ويأخذ من المرمر برأس ذلك المغزل عند دورانه الكيفية المرادة من التوريق ، وأمامه مغازيل كثيرة رقيقة وغليظة ، كل واحد منها يخدم به في محله من التوريق ، ووجدنا رخامة من المرمر قد حفر في وسطها محل التوريق ، وصار بعضهم يضع في تلك الحفر الحجر من المرمر المورق ، ويركب واحدة فوق واحدة ، حتى رأينا كيفية ترصيف ذلك التوريق في المرمر ، ثم صعدنا إلى طبقة أخرى فوجدنا فيها موائد (٢) من المرمر على ألوان تامة الصنعة مورقة ، منها ما هو على شكل البيضة طولها ستة أشبار ، ولون مرمرها أسود والتوريق بوسطها وبالحواش بألوانه ، ومنها ما هي مستديرة ، ومنها ما هي مربعة مستطيلة ، إحداها فيها سبعة أشبار ناقصة طولا وثلاثة أشبار وزيادة عرضا ، وبقربها ورقة معلقة بخيط مبين فيه ثمنها قدره مائة ألف من الافرنك وسبعة عشر ألفا منه وستمائة ، ومنها ما هو دون هذا الثمن إلى خمسة آلاف من الافرنك ، فاستحسن الباشدور عملهم وشكر صنعتهم ، وخرجنا راجعين إلى /٢٩٥/ محل النزول.

__________________

(١) مناشير أسنانها من الماس (الديمانض) شديدة الصلابة تستعمل في أشغال الصقل والكشط. (نفس المرجع السابق).

(٢) ضمن الهدايا التي قدمها ملك إيطاليا للسفارة المغربية ، مائدة مرمرية من هذه العينات.

٣٤٤

التوجه إلى رومة

وفي ليلة الخميس السادس والعشرين من رجب (١) ، سافر بنا بابور البر من فريسني قاصدين رومة بحول الله وقوته ، وخرج لوداع الباشدور عامل البلد والجلنار كبير العسكر بها ، وتوجه معنا ترجمان الدولة السابق ذكره ، وصحب معه أنواعا من الحلواء وفواكه الوقت والماء المدفون في الثلج ، وكان سفرنا في العربة التي تقدم وصفها ولم يكن بها إلا الباشدور والأمين وكاتبه ، ولم يكن معنا اليهودي الذي طلع ترجمانا مع الهدية من طنجة إلى هذا الجنس المحب ، فحيث كان يقف البابور في بعض المواضع كنت لم أجد من يخبرني عنها ، وقوي عزمي على تقييدها عند رجوعنا بحول الله ، وإن رجعنا على هذا الطريق ، ثم نادتني النفس الأمارة ، وقالت قد ظهر عليك من التكاسل كم من أمارة ، فخذ حظك من النوم فقد ظللت متعوبا في هذا اليوم ، فقلت كيف يمكنني النعاس مع هذا الارتعاش الذي ليس للنفس معه راحة وانتعاش ، فقالت اقرن بين شيليتين فاتكئ على إحداهما وارسل على الأخرى الرجلين فملت إلى ذلك ، لكن كان فيه شبه محظور بسبب القرب من الباشدور ، فقلت له يا سيدي لو قربت هذه الشيلية لسيادتك من أختها ومددت رجليك عليها لأصابك من الاستراحة شيء يسير ، فإن المدة طويلة والبابور جاد في المسير ، ثم قرنت له ما بينهما واضطجع عليهما ، وكأنه استحسن هذه الحالة على الأخرى ، وهي كذلك بل من باب أولى وأحرى ، وقال : قد فطنت إلى الدسيسة التي قصدتها وعلمت النتيجة التي ركبتها ورصدتها ، فقلت : وكيف يا بحر الدرر والنفائس الذي لا تخفى عليه المقاصد والدسائس ، فقال : إنك أتحفتني بهذه التحفة ولكن لأمر ما جزع قصير أنفه ، لأنك أردت النوم على هذه الهيئة فمنعك الأدب ، فاصنع لنفسك مثلها يا شريف النسب ، فمنت كذلك طول ليلتي ، وحمدت نتيجة حيلتي ، فاستيقظت في وقت الغلس ، فوجدت الباشدور قد / قام وجلس ، فحييت سيادته على العادة ، وقال : كيف ليلتك ، قلت : دون غطاء ووسادة ، ثم سرحنا

__________________

(١) ١٧ غشت سنة ١٨٧٦ م.

٣٤٥

الأبصار عن اليمين واليسار ، فوجدنا بساتين وأنهارا وأجنة (١) وأشجارا ، وبعدنا عن الجبال وحافاتها ، وسلمنا المولى سبحانه من آفاتها ، ثم أشرفنا على مدينة رومة الكبرى التي شاعت ذكرا وخبرا ، فبان طرف من سورها القديم وبه قسي عالية مما بني في تلك الأيام الخالية ، وقد أبلاه مرور الأعوام والشهور وأبقت عليه توالي الدهور ، ولم يبق له إلا السقوط والسجود ، للملك الحق المعبود ، وكان دخولنا إليها في الساعة السادسة ونصف من صباح يوم الخميس المذكور ، وتلقى كبراء البلد للباشدور بالترحيب والتعظيم والتبجيل والتكريم ، وأنزلتنا الدولة في أوطيل ذي منافع ومرافق وقبب وقصور ذات فراش وستور ، وما قصروا في بسط موائد الطعام وتوالي الفواكه والأنعام.

الملاقات مع وزير الأمور البرانية وكبير الوزراء

وفي يوم السبت الثامن والعشرين من رجب (٢) ، خرج الباشدور ونحن معه إلى ملاقاة وزير الأمور البرانية (٣) بداره ، فتلقانا بالتعظيم والترحيب ، وهيأ إكراما كبيرا من الطعام على مائدة عظيمة من أنواع الحلواء والفواكه والحليب حتى الأتاي ، فشكر الباشدور صنعه مع ما صدر من الدولة من مثل ذلك ، فقال إنهم مامورون من قبل

__________________

(١) في الأصل أنهار وأشجار وذلك خطأ اركبه سجعا.

(٢) ١٩ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٣) Melegari Luigi Amedo وزير خارجية إيطاليا ، وطني اختار مرسيليا منفى له بعد أحداث ١٨٣١ م ، ثم اشتغل بالتدريس في جامعة لوزان بسويسرا ، وعند عودته إلى إيطاليا عمل كأستاذ القانون بجامعة طورينو ما بين ١٨٤٨ م إلى ١٨٦٠ م ، ثم انتخب برلمانيا في مجلس الشيوخ ، وكلف بمهمات وزارية ودبلوماسية.

Dic, D\'histoire Universelle, Michel Mourre, Bordas, T 1: 1664.

بعد هذا اللقاء قدم الجعيدي هبة قدرها ٣٠٠٠ ليرة إيطالية ذهبية لفقراء روما ، فوجه له الوزير ميليكاري وعمدة روما رسائل شكر (انظر نصهما بالإتحاف ، ج ٢).

٣٤٦

أميرهم بالإكرام والتوسعة وبسط موائد الأنعام ، وأن في ذلك إشارة إلى تعظيم الجانب الشريف وكمال الاعتناء بشأنه الفخيم ، وأنه سيبذل غاية الجهود في كل مراد ومقصود ، وبعد رجوعنا ورد على الباشدور عامل البلد ومعه أعيانها يهنئون سيادته ويحمدون سلامته وعافيته.

وفي ليلة الأحد التاسع والعشرين منه (١) توجه الباشدور ونحن معه إلى دار الفرجة وكان معه عامل البلد ، ثم أتى وجلس معنا هنيئة وكان معنا الترجمان الذي طلع من طنجة (٢) ، فسألته عن باني (٣) رومة ، فقال : هو /٢٩٧/ رجل كان يسمى روم ، فقلت هل هو ملك أو حكيم. قال : لم يكن ملكا ولكن كان كبير آية الأربعين ، وسألته عن تاريخ بنائها ، فقال : وجدوا تاريخها عند روم المذكور ، يقول أن بعد بنائها بأربع عشرة مائة سنة ، ببعث نبي العرب سيدنا محمد ، هكذا نطق به بلفظ السيادة بواسطة الترجمان ، على نبينا أفضل الصلاة والسلام ، فقلت : وهل دخلها نبي الله سيدنا عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، أو أحد من أصحابه الحواريين ، فقال : أما هو فلم يدخلها ، ويقال إن رجلا (٤) من الحواريين دخلها وان مسجونا بها ،

__________________

(١) ٢٠ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢) التحاق اليهودي جيل مونج بأعضاء السفارة المغربية مرة أخرى بحيث كان يتتبع خطواتها لفائدة فرنسا.

(٣) يرجع المؤرخ الروماني» تيتوليفيوTito Livio» ، أصل روما وأسرة منشئيها إلى أساطير خرافية ، لكن النقاد المؤرخون المحدثون قد استنبطوا من هذه المستندات الخرافية أن تأسيسها كان عام ٧٥٣ ق. م ، وربما اشتق اسمها من» روميلوس» أول الملوك على ما تزعم الروايات التقليدية.

(٤) يقصد القديس بطرس (١٠ ق. م ، ٦٧ م) الذي دعاه السيد المسيح إلى التبشير وجعله رئيس الرسل والكنيسة في مهدها ، أقام مدة في أنطاكيا ثم نزح إلى روما (المنجد) ، ويبدو أن بطرس استشهد بالصلب في رومة حوالي نفس الوقت الذي استشهد فيه القديس بولس بالسيف ، وفق القانون الذي أصدره نيرون ، وكنيسته بروما شيدها قسطنطين عام ٣٢٦ م على جبل الفاتيكان ، وأعيد بناؤها في القرن ١٥ م. الدكتور فليب حتى ، ظهور المسيحية في العصر اليوناني الروماني ، دار الثقافة ، بيروت ، ١٩٥٨ : ٣٦٧.

٣٤٧

وأراد أهل البلد قتله فقال إنه ولد رومة ، وكانت عادتهم أنهم لا يقتلون من ينتسب إلى رومة ، وسألته هل في هذا البلد قبر أنبياء ، قال : لا يعرفون بها قبر نبي. لكن بعض الناس يقولون إن في هذه المدينة قبر راهب كان من أصحاب سيدنا عيسى على نبينا ، وعليه الصلاة والسلام ، وبعض الناس ينكرون ذلك.

وفي يوم الأحد المذكور توجه الباشدور إلى كبير الوزراء (١) قاطبة ، ونحن معه بحيث وصلنا إلى داره ودخلنا لبراحها ، وجدنا فيه أزبالا ونباتا في بعض المواضع ، ولم نعهد ذلك في مطلق أماكنهم ، وصعدنا إليه في درج لم نجد فيها زرابي على العادة ، وفيها أزبال أيضا بحيث انتهينا إلى القبة وجدناه واقفا فيها ومعه أناس وهو رجل مسن ، وفي تلك القبة شوالي بالية وفيها زربية صغيرة بالية ، وحاله حال أهل التقشف ، فسلم على الباشدور ورحب به غاية ، وجرى بينهما كلام بالسؤال عن الأحوال وخبر البلد ، وخرجنا إلى قبة أخرى وجدنا فيها كنابيس كثيرة وموائد الكتابة وآلاتها.

ثم خرجنا من عنده فأخبر الترجمان أن هذا الوزير عندهم من الزهاد ، وأنه لم يتزوج قط وأن له راتبا وافرا لكن يأخذ منه قدر الكفاية ، والباقي يتصدق به على فرقة من الضعفاء ، وأنهم يتشاورون /٢٩٨/ معه في الشادة والفادة ، وأنه ملحوظ معتبر عندهم في المهمات وجميع الملمات ، وعند رجوعنا رجع هذا الوزير فورا إلى الباشدور ، وتلاقى به في القبة المخصوصة بالملاقاة مع أعيانهم.

__________________

(١) اجو سطينو دي بريتيس (١٨١٣ ـ ١٨٨٧ م) De Prétis Agostion تقلب في عدة مناصب وزارية ، حتى كلف بتكوين أول حكومة يسارية بتاريخ ٢٨ مارس ١٨٧٦ م ، عمل على تنمية الخدمات العامة اقتصاديا ، نظرا لحساسته الشديدة بالمسائل الاجتماعية ، ذي نزعة ديمقراطية ، عمل على إدخال إيطاليا الفتية في التحالفات التي أخذت تعقد في أوربا ، بهدف سلامة حدود بلاده ، تنازل عن منصبه في مارس ١٨٧٨ م لكنه استرجع قيادة الحكومة في ماي ١٨٨١ م.

L\'EncicloPedia Grolier, Int, vol: 6: 223.

٣٤٨

دار المرضى بها

ورجع على العادة في ذلك ، ثم طلب من الباشدور الخروج إلى دار (١) السبيطار ، أي المرضى فساعد وخرجنا معه ، فلما انتهينا إليها تلقت للباشدور امرأة راهبة من راهبات تلك المدينة ، عليها جبة صوف ولها قب من صوف ينزل إلى ظهرها منفصل على الجبة وتحته مثله من ثوب أبيض ، وهي مغطية رأسها فرحبت غاية ، وهي امرأة جميلة تميل للصغر ذكرت أنها من جنس الفرنصيص ، وأنها سلمت في زوجها وأهلها وحبست نفسها على خدمة المرضى الذين بهذه الدار ، ومعها ثلاث نسوة هي مقدمتهن ، فدخلت بنا إلى قبة أرضية وجدنا فيها نساء كبارا وصغارا مرضى ، من أعينهن فمنهن من تبصرت لا تبصر شيئا ، ومنهن من يبصرن قليلا ، ثم أدخلتنا إلى خزين بقربها وجدنا فيه خزانات بجدرانه فيها كساوي هؤلاء المرضى من الصوف ومن القطن للحر والبرد ، وأخرجت تقاشير (٢) خشينة من صوف وطاكيات منها ، ذكرت أنها من عمل بعض المرضى يشتغلن (٣) بصنع ذلك ، ويكتسين منه. وذكرت أن زوجة (٤) ولد أخ السلطان ، هي القائمة بالصائر على من بهذه الدار من المرضى ، ثم

__________________

(١) مأوى مارغريت دو سافوي للعميان ، قدم له الزبيدي بعد زيارته هبة مالية قدرها ٠٠٠ ، ٣ فرنك (إن هبتكم اللائقة حقا بكرم سعادتكم والملك العظيم الذي تنوبون عنه أحسن نيابة قد أثرت في قلب المجلس الإداري لمأوى العميان الفقراء الذي تترأسه أميرتنا الفخيمة بسافوي ...). رومة في ٢١ غشت ١٨٧٦ م.

أما قائمة الهبات التي تبرعت بها السفارة فهي ضخمة وطويلة حوالي ٣٥٠ ، ٣٤ من الليرات الإيطالية (انظر القائمة بالإتحاف ، ج ٢ : ٣٠٧.

(٢) انظر شرحها في الملحق.

(٣) في الأصل يشتغلون ـ خطأ ـ.

(٤) Margarita Di Savoia (١٩٢٦ ـ ١٨٥٠م) بنت الأميرFerdinando :Mario Alberto دوق جنوفا ، أخ الملك فكتور إيمنويل الثاني ، أصبحت ملكة إيطاليا بعد زواجها من ابن عمهاUmbertro I Disavoia سنة ١٨٦٨ م ، وتربعت على العرش الإيطالي سنة ١٨٧٨ م ، كانت عاشقة للآداب والفن ، وكانت تشرف على كثير من الأعمال الخيرية والإنسانية.

L\'EncicloPedia Grolier Int. Vol12 , Milano: 174.

٣٤٩

أدخلتنا إلى قبة أخرى فيها كنانيش الصائر على هذه الدار بخط يدها كما ذكرت ، وفيه الصائر اليومي ملخصا كل يوم على انفراده ، لصائر أضلاع من اللحم بأنواعه والإدام والدقيق وغير ذلك ، وكناش آخر فيه تقييد تلك الكساوي وعدد كل نوع من أنواعها ، وحصر داخلها وخارجها ، ثم مرت بنا بوسط هذه الدار فوجدناه مربعا انباح كبيرة في كل ربع ثمانية /٢٩٩/ قسي على أسوار عظام ، وبوسطه رياض ذو أشجار كبار وصغار ونبات ذو أنوار ، ثم دخلت بنا إلى محل أكلهم في قبة أخرى ، فوجدنا موائد ممتدة مع الجدران بينها وبين الجدران مواضع الشيليات التي يجلس عليها للأكل ، وعلى الموائد قدام كل شيلية طبسيل وزيف وكأس للماء ، والمواضع الموصلة إلى هذا المحل نصب خشب مع جدرانها على مسامير خارجة من الجدران ، فإذا وضعت أواني الطعام للبصرى على تلك المواضع ويوذن لهم في الطلوع إلى ذلك المحل ، يضعون أيديهم على تلك الخشبة ويمرون معها حتى ينتهوا إلى ذلك المحل الذي فيه غذاؤهم ، ثم يأخذون في الدخول واحدا بعد واحد قابضين على تلك الخشبة ويعدون المسامير التي تلقاهم ، وبها يعرف كل واحد شيليته ، بحيث يكون المسمار نمر كذا هو محل جلوس فلان ، وقدامه مائدته ثم يخرجون إلى مواضع غسل أيديهم وقد جعلوا حلاليب مدفوفة في مصطبة. فوق كل واحدة بزبوز ينزل منه الماء وبقربه زيف ، ثم يرجعون إلى محلهم ثم إلى مواضع نومهم ، كل واحد له بيت صغير خاص به فيه مضربتا صوف فوق أعواد من حديد كالناموسية الصغيرة وغطاء من ثوب قطن نظيف ، ووسادتان لينتان ، ومحل آخر فيه فراشات متعددة واحد حذاء الآخر ، فقال الترجمان لهذه الراهبة : أين محلك ، فهل هو منتخب ، قالت له لا ، فراشها كفراشهم بلا فرق ، نعم أدخلتنا إلى بيت فيه سراجم وموائد عليها غطاء نظيف ، وفيه زربية وشوالي ذكرت أن ذلك المحل معد لقدوم زوجة ولد أخ السلطان المذكورة ، وأنها تأتي مرة واحدة في كل جمعة إلى هذه الدار ، وتتفقد بنفسها أحوال المرضى ، وتأتي إلى ذلك المحل المذكور وتحضر لها الكنانيش وتحاسبها على الداخل والخارج ، ثم أتت بنا إلى محل آخر يطبخ فيه لهم أكلهم فوجدنا ثلاثة طناجير منصوبة ، لكن ليس فيها إلا الماء إذ لم يكن ذلك الوقت وقت الطبخ ، وبمحل آخر حطب كثير ، وهناك ميزان قيل لأي شيء هذا الميزان ، قالت : نقسم به الطعام عند تفريقيه /٣٠٠/ في الأواني ،

٣٥٠

وقت الأكل ثم أتت بنا إلى رجال في قبة أخرى مرضى أيضا من أعينهم وهم جالسون قبالة رياض آخر فيه أشجار ونبات وأنوار ، وذكرت أن بعض المرضى توجهوا يغسلون في البحر ، ودخلنا أيضا إلى بيت آخر وجدنا فيه خزانة فيها مطارب وفيها ماء على ألوان ، قالت ذلك محل الطبيب الذي يأتي لمداواة المرضى ، ثم خرجنا من هذه الدار.

المحل القديم البناء برومة

وتوجه بنا الترجمان إلى محل فيه بناء قديم مستدير على هيئة البرج (١) ، وجدرانه مرتفعة جدا والجدار المحيط به خارجا فيه أبواب عديدة باب قرب باب ليس بينهما إلا الجدار الفاصل بينهما ، غلظه نحو خمسة أذرع ، وكل باب فوقه قوس يدخل إليه لوسط هذا البرج كالأسطوان ، وفي الجدران نطاقات من بارات الحديد غلظ كل بارة نحو ثمن ذراع وعرضها نحو ثلثه ، واختلفت في الطول والقصر ، وهي كالنطاقات في الجدران طولا وعرضا ، وقطر دائرة هذا البرج نحو ثلاثمائة خطوة ، وبداخله بيوت متصاعدة بعضها فوق بعض من أعلاه إلى أسفله ، وكان معنا ترجمان يهودي ، فأتى إليه رومي حين رأى في يدي القلم والقرطاس وأنا أقيد تلك الآثار ، فقال لليهودي :

__________________

(١) مدرج كوليسيوColosseo ، شرع في بناءه الإمبراطورVesPasiano عام ٧٥ م ، ثم دشنه ابنه Titus عام ٨٠ م ، وأنهى بناءه ابنه الثاني Domiziono ، بوسطه ساحة اللعب أو المبارزة. ومدرجات تسع ٠٠٠ ، ٥٠ متفرج من الجمهور ، ومنصة شرفية خاصة بالإمبراطور وحاشيته من النبلاء ، وتحت ساحة اللعب بيوت ومخازن ، وقد تضرر البرج كثيرا بسبب هزتين أرضيتين ، واستعمل كخزان للأسلحة والمواد وغير ذلك ، قبل أن يصبح مكانا مقدسا احتراما لذكرى المسيحيين الذين عذبوا وقتلوا فيه ، وهذه الأسطورة ليس لها دلائل صحيحة.

L\'EncicloPdedia Grolier Int, Casa Editrice, Scode, Milano, vol 5: 214.

٣٥١

قل لهذا الكاتب إن هذا المحل بناه الملك ططوس (١) الذي خرب بيت المقدس وأتى بعشرةءالاف من اليهود أسارى ، هم الذين كانوا يخدمون في بناء هذا المحل ، فتبسم اليهودي وأخبرني بذلك وزادني أن هذا الرومي ليس عنده تحقيق الخبر لأن ذلك الملك كان أتي بعشرةءالاف من بيت المقدس كما ذكر ، وثلاثةءالاف أخرى من غيرهما ، ولم يومنوا به لأنه كان يدعي الربوبية ، وعاش مائتي سنة وإحدى وأربعين سنة. وإن هذا المحل كان عنده فيه سباع وأسد في مغارات بنيت لأجلها وأن من لم يؤمن به ، كان يدخله إلى وسط ذلك البرج ويرسل عليه السباع وتكون تلك البيوت التي به مملوءة بالناس يتفرجون في ذلك /٣٠١/ الذي ترسل عليه السباع ، وأنه من أحد الملوك الذين ملكوا الدنيا بأسرها شرقا وغربا ، وأنه أوتي إليه ذات يوم برجل ممن لم يؤمن به فأمر بإلقائه للسباع فألقي إلى سبعين ، فحين خرجا إليه والناس يتفرجون في تلك المواضع فرا منه ورجعا إلى محلهما ، ثم أرسل عليه ثلاثة سباع أخرى ، فحين رأوه (٢) تأخروا ورجعوا ، فأخبروا الملك بذلك فأمر بإتيانه فأوتي به إليه ، فسأله عن ربه ودينه فأخبره أنه مومن بالله عز وجل لا يشرك به شيئا ، وأنكر ربوبيته. فأمر بإحراقه فأخفاه الله عنهم ، ولم يجدوا له أثرا هكذا أخبر ذلك اليهودي حيث غاظه ما كان تكلم به ذلك الرومي في شأن أسراهم ، ثم قلت لليهودي : وهل تدرون من الرجل الذي فرت منه السباع ، قال : نعم هو من أصحاب نبي الله سيدنا إبراهيم الخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

__________________

(١) Titus (٨١ ـ ٤٠ م) عهد إليه والده فسباسيان بإتمام قمع الثورة اليهودية القومية بين (٦٦ ـ ٧٠ م). بعد وفاة نيرون وتوليه العرش ، شدد القائد تيطس الحصار على أورشليم حتى هدمها سنة ٧٠ م ، وأحرق المعبد ، ثم عاد إلى روما لتكريمه مصحوبا بالعديد من الأسرى. ولقب بالقيصر بعد توليه العرش عام ٧٩ م ، وينسب إليه إتمام بناء الكوليزيو ولم يدم حكمه إلا سنتين. (تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ، الدكتور فليب حتى : ٣٧٥ ، ترجم تحت إشراف جبرائي جبور ، دار الثقافة ، بيروت ، ١٩٥٨ م).

(٢) هذه القصة الأسطورية تنسب إلى أندروكليس الذي حكم عليه بصراع أسد مفترس ، لكنه أخذ يلعق رجليه ، فأطلق سراحه. (دائرة المعارف الحديثة ، ج ١ : ١٨١).

٣٥٢

ثم توجه بنا إلى جبل مرتفع غاية ، فصعدناه راكبين الأكداش حتى انتهينا إلى رأسه فوجدنا هناك قبة مبنية ومحيط بها دربوز من حديد بقربه شوالي عديدة. فخرجنا من القبة إلى الدربوز وجلسنا على الشوالي وأشرفنا على من تحتنا ، فوجدنا فئة من العسكر من أصحاب الموسيقا وهم دائرون كالحلقة وواحد منهم في وسطها يشير لهم بكيفية الخدمة بالموسيقا ، وهم يتبعونه ومعهم من الخلق عدد كثير نساء ورجالا وصبيانا ، وأتوا إلينا هناك بموائد من الحلواء عديدة ومن الأشربة الطيبة على أشكال ، وقد أشرفنا من تلك الجهة على أشجار كالغابة ، من أسفل القبة بل الجبل (١) إلى ما وراءه إلى الجبال التي في ذلك الأفق ، والأبنية من بينها والديار ، ثم أشرفنا من جهة أخرى على مدينة رومة ، فقابلنا نحو الثلث منها فذكر بعض القواد الذين كانوا معنا أن شكل مدينة فاس المحروسة بالله أعظم من هذا القدر الذي يرى من رومة ، ثم رجعنا إلى محل النزول مع ترجمان الدولة ، وهذا من فرحه /٣٠٢/ واعتنائه لأننا شاهدنا منه برورا عظيما وهو يخبر أنه مأمور بذلك من قبل عظيم دولتهم ، وهو القونصوا عندهم بحلب واسمه بوزيوا ، وهو يحسن اللغة العربية نطقا وكتابة ، وكذلك التركية ، وغيرهما من الألسن.

قدوم أصحاب الطرب على الباشدور وكيفية خدمتهم

وفي ليلة الاثنين الثلاثين من رجب (٢) ، قدم على الباشدور للدار التي كان نازلا بها برومة ، جماعة من أصحاب الطرب بنحو أربعة عشر رجلا بأيديهم كثرات (٣) وأعواد مثل الآلة التي تستعمل في الغرب ، وصاروا يخدمون في براح الدار بعد ما وضعت لهم الشوالي ، فقدم ذلك الترجمان على الباشدور وأخبره بهؤلاء وأشار عليه

__________________

(١) جبل البلاتين أعلى التلال السبع المشهورة بروما ، والمشرفة على قاعدة العاصمة المنبسطة.

L\'EncicloPedia Grolier Int, Casa Editrice, Scode, Malano, vol 16: 358.

(٢) ٢١ غشت سنة ١٩٧٦ م.

(٣) مفرده قيثارة آلة من الآلات الوترية الإسبانية التقليدية (جمعها قيثارات (Guitare.

٣٥٣

بالإذن لهم بالطلوع للقبة الكبيرة ، لأنه ينبغي الاعتناء بهم كما ذكر ، فأذن بذلك فطلعوا وطلع معهم جماعة من النسوة اللواتي كن جالسات في براح الدار ، وأخذ كل واحد من المعلمين موضعه وأخذت النساء مواضعهن من تلك القبة ، وصاروا يخدمون بتلك الآلات بنغم مستعذبة تشبه النغم التونسية ، وصار خدمة هذه الدار يتواردون بموائد الحلواء والثلج والأشربة الطيبة الملونة ، ويطوفون بذلك على الجالسين واحدا بعد واحد ، ممن كانت له شهوة في شيء من تلك الأطعمة والأشربة فأخذ منها ما أحب ومن لم تكن له شهوة في شيء منها يشير لصاحب المائدة إشارة من لا غرض له فيها ، فيمر وهكذا ضيافتهم وإكرامهم في هذه البلدة وفي غيرها فيما شاهدناه في بعض بلاد الروم ، وبقي أصحاب الطرب في تلك القبة نحو ساعتين وانفصل ذلك وخرجوا شاكرين إحسان الباشدور وجزيل إنعامه.

الفرجة التي أنشأت إكراما للباشدور وفرجة الطياطرو

وفي ليلة الثلاثاء فاتح شعبان (١) المعظم ، أتى القونصوا بالأكداش وطلب من الباشدور التوجه هو ورفقاؤه إلى فرجة أنشأها المخزن إكراما وفرحا بقدومكم ، فركبنا الأكداش وتوجهت بنا إلى براح متسع قرب ذلك البرج (٢) الذي تقدم وصفه ، فوجدنا هناك خلقا كثيرا وجماعات /٣٠٣/ من أصحاب الموسيقا متفرقين كل جماعة في موضع ، وكلما مررنا بجماعة منهم أو بقربهم اشتغلوا بخدمة الموسيقا إعلانا بالفرح والتعظيم ، حتى قربنا من ذلك البرج المذكور ، ووقفنا هناك فاشتغل أصحاب الموسيقا بخذمتها في كل موضع ، وكانت عندهم قناديل كالحسك موضوعة في فرج بجدار ذاك البرج ، في الجهة المقابلة لنا وفي الاسطوانات الموصلة إلى داخل ذلك البرج ، وفي مواضع قدامها وكنا نرى ذلك المحل مظلما غاية ، فحين وقفنا في ذلك المحل

__________________

(١) ٢٢ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢) ساحة مدرج كوليسيوPlazza Del Colosseo.

٣٥٤

صاروا يطلقون الحراقيات (١) على ألوان وأشكال ، وبنفس خروج الحراقيات جعلت تلك القناديل في مواضعها المذكورة ، فكان بعضها له لهب أحمر كالدم يخرج معه دخان كثير فحيث انشر وبلغ إلى جدارات ذلك البرج صارت تلك القطعة من ذلك الجدار حمراء على لون ذلك الضوء ولهيبه ، وكذلك طرف من الأرض التي قدامه ، حتى أن من يمر بها يعلوه ذلك اللون ، فيتخيل كأن نارا توقد في ذلك الموضع ، والذي يمر به كأنه يحترق هناك ، وبعض تلك القناديل لهبها أخضر إلى البياض يخرج منها دخان أخضر ، ينتشر كذلك في الجدارات والمواضع القريبة منها فيرى كأن نارا خضراء توقد في تلك الجدارات ، من يمر بتلك المواضع يتلونون بذلك اللون ، ويظهرون من البعد كأنهم بقرب من البعيد عنهم ، وكأن نارا خضراء تشتعل في ذلك الموضع جميعه فوقفنا هناك نحو ربع ساعة وأصحاب الموسيقا يخدمون ، ولا يكاد يحصى من كان هناك من الخلائق في هذه الفرجة ، وحيث أخذنا في الرجوع واستدبرنا ذلك البرج ، واستقبلنا بناء آخر هناك قديما (٢) مرتفعا ، أطلقت حراقيات أخر فأوقدوا في تلك الجدارات نارا ذات لهب أحمر وأخضر مثل النارين الموصوفتين فوقفنا هنا حتى قرب إنطفاؤها ثم أخذنا في المسير وكلما مررنا بمحل قامت الموسيقا /٣٠٤/ على ساق ، واشتغلت بالخدمة على ذلك النسق ، فبينما نحن مارون بتأن ومهلة إذ رأينا شعاعا عظيما خارجا من كوة عالية في جدار مرتفع ، جرم تلك الكوة مستدير فيما يظهر كجرم الشمس والشعاع كشعاعها ، إلا أنه أبيض يميل إلى الخضرة ، ويمكن للإنسان إمعان النظر فيه ، وبانتشار ذلك الشعاع انتشر (٣) الضوء على جميع تلك

__________________

(١) عبارة عن صواريخ نارية تستعمل في الألعاب النارية والإضاءة ، تحتوي على مواد متفجرة لها مهمة الوقود ، وعندما ينتهي هذا الوقود من الاحتراق ، يشتعل مزيج متفجر ويتلون بفضل أملاح معدنية ملونة. (موسوعة عربية : ج ٦).

(٢) قوس قسطنطين Arco Di Costantino.

(٣) الطاقة الكيميائية الناتجة عن الاحتراف كالشهب النارية تشع طاقة حرارية ضوئية ، وتدعى التفاعلات المؤكسدة ، لأنها تتفاعل بقوة مع أوكسجين الهواء أي تحترق عند رفع حرارة الشهب الناري تلقائيا دون توقف حتى تتم عملية التأكسد المشع. (موسوعة عربية عالمية : ج ٦).

٣٥٥

الخلائق الذين كانوا هناك حتى كأنه النهار ، ويرى البعيد منهم كما يرى القريب ، ويرى ظلال المارين على الأرض وبالجدران كما ترى الظلال بالنهار ، وتعجبنا من عقول هؤلاء الشطار كيف تخيلوا وصيروا الليل كالنهار ، وليس ذلك من قبيل قلب الأبصار والأعيان ، بل هو محقق الوجود ظاهرة للعيان ، وبقي ذلك الشعاع منتشرا نحو خمس دقائق فقط ، ثم أخذ في النقص والرجوع فتقدمنا إلى أمام فوجدنا جماعة أخرى من أصحاب الموسيقا اشتغلوا بخدمتها عند وصولنا إليهم ثم أرسلوا شعاعا آخر من جدار آخر كالشعاع الذي تقدم وصفه ، وأشرف على الأرض وأضاءت به واستنارت كما وصف ، وأخبر الترجمان أن هذه الفرجة لا يصنعها أهل هذا البلد إلا عند حلول الأمير بها فرحا به ، وقد أمرهم المخزن بصنع هذه الفرجة لتعلموا من ذلك ما انطوت عليه قلوب الدولة من محبة سلطان الغرب سيدي حسن نصره الله ، وتعظيم جانبه الشريف وفرحا بقدومكم ، ولم نزل راجعين ونحن نجد في الطرق جماعة بعد جماعة من أصحاب الموسيقا.

حتى وصلنا إلى دار فيها فرحة الطياطرو ، فطلب الترجمان من الباشدور الدخول إليها هنيئة ما ، فساعده فدخلنا فوجدنا جماعة من أصحاب الموسيقا ببراح اسطوان الدار ، فصعدنا في درج عديدة وكلما انعطفنا مع الدرج إلى جهة سمعنا جماعة أخرى تخدم الموسيقا حتى وصلنا إلى بيوت (١) الفرجة ، فدخل الباشدور لبيت مع الترجمان ، ودخل باقينا لبيوت غيرها ، فحين استقر بالباشدور /٣٠٥/ في محله ونحن قدامه ، أعرض الناس الذين هناك عن فرجة الطياطروا وأقبلوا بالتصفيق على الباشدور وعلينا ، يشيرون بذلك إلى فرحهم وانبساطهم وسرورهم بدخول الباشدور عليهم ، وتلك عادتهم (٢) مهما استحسنوا شيئا وطابت به نفوسهم أخذوا في التصفيق إعلانا منهم بما يجدونه من الفرح والسرور وبموجبه الذي حملهم على ذلك ، وأتوا إلينا هناك أيضا بموائد الحلواء المعقودة على الثلج والأشربة الطيبة ، فتناولنا منها

__________________

(١) المستملحة التي أدرجها صاحب الرحلة سابقا جرت أحداثها بمسرح روما عند مشاهدتهم فرجة رقصة البالي Ballo.

(٢) إحدى العادات الأوربية التي لم تكن متداولة بكثرة عند المغاربة.

٣٥٦

يسيرا ثم نهضنا للرجوع ، فأخذ الناس قاطبة في التصفيق كأنهم يطلبون زيادة الجلوس معهم ، ثم رجعنا إلى محل النزول وشكر الباشدور للترجمان صنيع أهل البلد في هذه الليلة ما دل على كمال محبتهم وتمام اعتنائهم.

قدوم أصحاب الطرب على الباشدور وكيفية خدمتهم

وفي ليلة الأربعاء الثاني من شعبان (١) ، قدمت جماعة كبيرة من أصحاب الطرب أيضا للدار التي نحن نازلون بها ، وعددهم خمسة وثلاثون رجلا ، وقيل ستة وثلاثون ، وهم ممن يخدمون بالطرنبطات (٢) على أشكال في الهيئة وفي الكبر والصغر وبالمزامير وغيرها ، ولم يكن الإذن لطلوعهم لتلك القبة لكثرتهم ، ولأنهم يخدمون واقفين يصنعون دائرة منهم ، بوقوف واحد قرب واحد مع انعطاف ما بقدر ما يقتضيه عددهم ، حتى يتصل آخرهم بأولهم كحلقة المداح ، وكل واحد منهم ينصب قدامه ثلاث أعمدة تجتمع رؤوسها قدامه ، فينصب على رأسها أعوادا رقاقا مربعة الشكل ليضع عليها الأوراق التي تبين له فيها خدمة طبائع الموسيقا التي يخدمون بها ، فإذا نصبت تلك الأعمدة قدامهم ووضعت الأرواق فوقها على أعوادها ، ووقدت لكل واحد شمعة قدامه ، فيتقدم واحد منهم ويقف في وسط الحلقة ، وينصب ثلاث أعمدة كذلك قدامه ، ويوقد له الضوء ويأخذ بيده قضيبا ويشتغل بالنقر به على رأس تلك الأعمدة نقرا خفيفا لا يسمع له أثر ، وإنما فيه إشارة ... (٣).

وصف مدينة رومة

/٣١٠/ ... متعددة ، منها ما هو مستقيم كالذي في وسطها ، ومنها المنحرف وهو ما

__________________

(١) ٢٣ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢) مفردها ترومبيت آلة من آلات النفخ النحاسية من نوع البوق (دائرة المعارف الحديثة ، ج ١ : ٤٩٣).

(٣) الصفحات من / ٣٠٦ / إلى / ٣٠٩ / ببيضاء فارغة.

٣٥٧

قرب من الوسط لأن المحل الذي في وسط الخصة كهيئة كسكاس من النحاس ، ثقب وسطه مستقيمة وغيرها اختلف انحرافها ، فإذا خرج الماء من تلك الثقب كل واحد متوجه إلى سمت من السموت وانحدر إلى الخصة يكون رائي هيئة ذلك الماء كهيئة ثرية من بلار عظيمة ، وتارة يجعلون حوضا متسعا وصور سباع باركة بحافاته والماء ينبع من أفواهها إلى ذلك الحوض ، وتارة يجعلون للماء مخارج يفجرونها من بين (١) معادن الحجر كالماء الذي يشاهد تفجيره من بعض أسفل الجبال ، ويجعلون أسفله حوضا متسعا ، ينزل إليه ويديرون به صورا من رخام أو حجر على هيئة الحيوان الآدمي وغيره ، ويشق هذه المدينة وادي عظيم (٢) جل بعض طرقها ، وينصبون عليه قناطير محكمة البناء والإتقان ، ولون هذا الماء متغير كلون ماء بوفكران (٣) بل أشد تغييرا في رأس العين حين مروره في الوادي ، وأما الماء الذي يوتى به إلينا فنجده صافيا لا أثر تغيير به ، وبعض الناس ينصبون شبكة الاصطياد في هذا الوادي على شكل الميزان ، بحيث يتخدون عمودا طويلا جدا ، ويعلقونه من وسطه كعمود الميزان ، ويجعلون كفتيه من خيط الشبكة ، ويكون فيها استرحاء ، وشاهدنا هذا الميزان من بعد ، ورأينا إحدى الكفتين تنزل وتنحذر إلى الماء قيل حتى تصل إلى قعر الوادي وترتفع فإذا صادفت شيئا من الحوت مارا يعلق بها ، ثم تصعد وبصعودها تنزل الكفة الأخرى وهكذا ، وفي هذه البلدة نعم كثيرة. فالإجاص فيها قريب من البادنجنة الصغيرة والعنب المسكي كعنب الغرب ، وكذلك الدلاح كله أحمر يباع عندهم مقسوما ، كل واحدة تقسم نصفين ليشتري كل واحد ما تميل إليه نفسه ، وكذلك من التين والبطيخ والخضر ماطيشة (٤) وغيرها ، وجل الحوانيت تباع فيها هذه /٣١١/ الخضر والفواكه ، وبعضها فيها حوائج لباسهم وأثاثهم ، وأما التجارة فأمرها ضعيف هناك والله أعلم.

__________________

(١) يصف بعض الخصص أو الفسقيات المائية برومة وأشهرهاFontana Di Trevi.

(٢) التيبرTibre أو (Tevere) يصب في البحر التيراني.

(٣) نهر ينبع من عيون موجودة بأيت بورزوين دائرة الحاجب قبيلة بني امطير تسمى عين معروف ، وهو يروي مدينة مكناس ، تكلم عنه الوزان «وصف إفريقيا» ، ج ١ : ١٦٩ ؛ وابن غازي المكناسي العثماني في «الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون».

(٤) الطماطم.

٣٥٨

الرجوع من رومة إلى فرينسي

وفي الساعة الحادية عشرة عدا عشر دقائق من يوم الأربعاء المذكور ، وهو ثاني شعبان (١) شرع بابور البر بالسفر بنا من رومة إلى بلد فرينسي بحول الله ، وكان خرج لوداع الباشدور عامل البلد وخليفة وزير الأمور البرانية والجلنار ، وكان ركوبنا في تلك العربة الملوكية الموصوفة ، وأتى الترجمان بكوب كبير فيه حجر الثلد ودفن فيه إبريقا من بلار مملوءا ماء ، ثم سلة فيها أنواع من الحلواء لكنا لم نحتج إلى شيء منها ، ومررنا على بلاد كثيرة لها سياج من الخشب كهيئة الماموني يجعلونه ـ والله أعلم ـ حدودا بينها وبين البقر الذي يرعى هناك ، والبقر الذي هناك جله أبيض اللون أو رمادي وقليله أسود. وفي الساعة الحادية عشرة وإحدى وأربعين دقيقة ، وقف البابور في مدينة تسمى باص وكريزي (٢) سبع دقائق ، وفي منتصف الليل وزيادة ست عشرة دقيقة وقف في شمليانوا (٢) دقيقة أو أقل ، وفي تسع وأربعين دقيقة وقف في أطي (٢) سبع دقائق ، وفي الساعة الأولى وأربعين دقيقة ، وقف في كاسطي اليوني (٢) سبعا وعشرين دقيقة انتظارا لمرور البابور الآتي على طريقه ، وفي الساعة الثانية وسبع وعشرين دقيقة وقف في أربيدي (٢) ثلاث دقائق ، وفي الساعة الثالثة وخمس وعشرين دقيقة وقف في اديوسي (٢) تسع دقائق ، وفي الخمس وأربعين دقيقة مررنا بمرجة عظيمة (٢) هناك ، كأنها بحر والجبال محيطة بها شرقا وبقيت مصاحبة لنا نحو ثلث ساعة ، وفي الساعة الرابعة وعشر دقائق وقف في طرنطلا (٢) أربع دقائق ، وفي الخمس وثلاثين دقيقة وقف في اسطبون فلرنطن (٢) خمس دقائق ، وفي الخامسة ودقيقتين وقف في الريشدا (٢) خمس دقائق ، وفي السادسة وقف في صان اجواني (٢) خمس دقائق ، وفي ثمان وعشرين دقيقة وقف في بنط الرنيالوا (٢) أربع دقائق ، وفي الساعة السابعة وصلنا إلى فرينسية (٢) /٣١٢/ والحمد لله. فمدة السير

__________________

(١) ٢٣ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢)

Passo Corese ـ ـ < Cilmino ـ ـ < Orte ـ ـ < Castiglione ـ ـ < Orvieto ـ ـ < Chiusi ـ ـ < Lago Trasimeno ـ ـ < Cortona ـ ـ < Castiglian ـ ـ < Fiorentino ـ ـ < Incisa ـ ـ < San ـ giovani ـ ـ < Pontassieve ـ ـ < Firenzi.

٣٥٩

بين رومة وفرينسية ثمان سوائع وعشر دقائق ، فإذا أسقط منها مدد وقوف البابور ومجموعها ساعة واحدة وست عشرة دقيقة ، تبقى مدة السير سبع سوائع عدا ست دقائق ، وعند وقوف البابور ووصوله إلى فرينسية طلع إلى الباشدور عامل البلد وأعيانها ، وتلقوه بالتعظيم والترحيب ، ونزلنا إلى المدينة في الأكداش التي كانت مهيئة هناك ، وأنزلونا بأوطيل الذي كنا فيه إذ ليس عندهم أفضل منه ولا أنظف كما قيل ، وعند دخولنا إليه وجدنا الموائد منصوبة وعليها أنواع فواكه الوقت وأنواع شتى من الحلواء وثريات عظام توقد بالشمع ، لكل فريق مائدة تخصه على هذه الصفة ، فبتنا بها ليلة الخميس ثاني شعبان (١) المذكور ، وأقمنا بها ذلك اليوم في غاية الإكرام والبرور والاحترام.

الرجوع إلى طورين

وفي الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة من ليلة الجمعة (٢) ، شرع بابور البر في السير بنا من فرينسية (٢) قاصدين طورين للقاء عظيم دولة الطاليان بها ، في تلك العربة التي تقدم وصفها ، بعد أن خرج لوداع الباشدور عامل البلد وأعيانها ، وفي الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة وقف البابور في مدينة ابرلطوا (٢) دقيقتين ، وفي الأربعين دقيقة وقف في بسطويا (٢) تسع دقائق ، وفي التاسعة والعشرين دقيقة وقف في لطيتوا (٢) خمس دقائق ، وفي العاشرة وست دقائق وقف في راكنا (٢) خمس دقائق ، وفي العاشرة وست عشرة دقيقة وقف في ارشا (٢) ثمان دقائق ، وفي الحادية عشرة وعشرين دقيقة وقف في بركاتوا (٢) دقيقتين ، ثم خرج الترجمان من هذه العربة

__________________

(١) الخميس ٣ شعبان وليس ٢ شعبان ، وقد استمر هذا الخطأ إلى أن تداركه صاحب الرحلة في ما بعد ، وهو يوافق ٢٤ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢)

Firenze ـ ـ < Prato ـ ـ < Pistoia ـ ـ < OsPittaletto ـ ـ < Pescia ـ ـ < Lucca ـ ـ < Berlato ـ ـ < Torino.

في هذه المرحلة تعرضت أمتعة السفارة المغربية لعملية سطو ، ففضل صاحب الرحلة إدراجها عند نهاية الرحلة.

٣٦٠