إتحاف الأخيار بغرائب الأخبار

إدريس الجعيدي السلوي

إتحاف الأخيار بغرائب الأخبار

المؤلف:

إدريس الجعيدي السلوي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-36-640-3
الصفحات: ٤٧٩

ليس عليه مزيد مع أنه عن هذه الرتبة لبعيد ، بل هو في ميدانها قصير وبليد ، ولكن حملهم حسن الظن على تلك الإشارة ، فساعدهم في غير برهان واضح ولا أمارة ، وفي الحين وجه الباشدور كتاب (١) مولانا الشريف لخديمه الأسعد الأنصح الأنجد ، ذي الرأي السديد ، القائد السيد الحاج محمد (٢) بنسعيد ، بتنفيذ الكاتب الذي يعينه الباشدور من الأهلة والبدور ، وعين له الكاتب الذي أشاروا به عليه ، وأن يرسله عاجلا إليه ، ليكلمه في شأن ذلك علانية ، وليأخذ بالحزم والتأهب ويكون من ذلك على نية. فأخبرني الخديم المذكور بهذا الخبر ، وطالعني بذلك الكتاب الشريف فقلت أين السها من القمر ، فلست من أولائك الفرسان ، وليس لي قلم ولا لسان ، ويعرف هذا مني كل إنسان. فقال لا يقبل لك في هذا عذرا ، والمعين أعرف بحالك وأدرى ، فأجب من دعاك طوعا ، فأنت معروف بالصبر والاستسلام دأبا وطبعا. ثم توجهت إلى الباشدور فتلاقيت به ومخائل السرور عليه تدور ، فأخبرني بخبر هذه الحركة السعيدة ، وأنها قصيرة الأمد غير بعيدة. ودفع لي من الزاد ، للتهيئ ما فيه الكفاية وغاية المراد ، وأخبرني أن مولانا ـ أيده الله ـ ، وأدام مجده وعلاه ، أمر بصنع كساوي

__________________

(١) انظر نص هذا الكتاب الدراسة.

(٢) ينتمي الحاج محمد بن الحاج محمد بن الحاج محمد بن أحمد بن أحمد بن سعيد السلاوي ، إلى أسرة بن سعيد المشهورة بسلا ، والمنحدرين من الأندلس ، وتعتبر من العائلات المغربية المخزنية ، كان أول منصب تقلده الحاج محمد بن سعيد في خدمة المخزن ، هو أمانة مرسى آسفي ثم عين على رأس باشوية سلا ونواحيها سنة ١٢٧٧ ه‍ / ١٨٦١ م وفي سنة ١٨٦٥ م أرسله السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن صحبة السفير محمد بن عبد الكريم الشركي إلى ملك فرنسا نابليون الثالث (١٨٠٨ ـ ١٨٧٣ م) ، وتوفي الباشا الحاج محمد بنسعيد وهو ما زال يشغل منصب الباشا بمسقط رأسه سلا يوم ٨ ربيع الثاني ١٣١٠ ه‍ / ٣٠ أكتوبر ١٨٩٢ م ، كما تشهد على ذلك رسالة السلطان الحسن الأول إلى ابن الفقيد عبد الله بن سعيد يوليه باشوية سلا خلفا لوالده بتاريخ ١٣ نوفمبر ١٨٩٢ م ، والذي عين في ما بعد عضوا بدار النيابة السلطانية بطنجة. ـ العدد العديد من الظهائر السلطانية المتعلقة بعائلة آل بن سعيد توجد بخزانة الحاج العربي بن سعيد بسلا ـ. نشر الكثير منها مصطفى بوشعراء في جزءين «التعريف ببني سعيد السلاويين وبنبدة عن وثائقهم» ، الرباط ، سنة ١٩٩١ م.

١٠١

منتخبة بفاس / ، له ولمن معه من الناس ، وأنها تدفع بطنجة لأصحابها ، للتجمل بها في ذهابها وإيابها ، فتلقيت منه ذلك الزاد ، بالشكر والثناء كما هو المعتاد ، بعد ما أطال معنا في ذلك الكلام ، بما يسرنا وانصرفنا بسلام.

وأما الأمين الذي ارتضاه لهذه المرتبة ، واصطفاه بهذه القربة ، فهو التاجر الصادق الحازم الضابط الفائق ، الذي فاق في باب التجارة كل من يدعيها ، وسلم له تلك الخاصية كل من يزعم أنه يحيط بها ويعيها ، كيف لا وقد ظهرت عليه أمارات ذلك وهو شاب غلام ، وهذا الطالب (١) النجيب السيد بناصر غنام ، فلمعمري أن هذا الباشدور قد سقط على الخبير ، وأنه بحاله خبير بصير ، ولقد أسكن الدار بانيها ، ومكن القوس لباريها ، ثم لما شاع هذا الخبر في البلدان ، وتواتر حتى لدى الولدان ، وسمع به بعض علماء بلدتنا ، الغائبين عن حضرتنا ، وكان من خاصة أهل محبتنا ، علامة الزمان ، الأديب الفرد في هذا الأوان ، قرة ناظري ، وإنسان باصري ، المشارك المتفنن سيدي أحمد الناصري (٢) أحمد الله عاقبتي وعاقبته ، وجعلني وإياه ممن يخشاه ويراعي مراقبته ، اقترح علي أن أجعل رحلة في سفري وتستغرق نهاري وسهري ، تكون جامعة لكل خبر غريب ، ولما نراه في تلك الأوطان من كل أمر عجيب ، إلى غير ذلك مما لا يخطر بالضمير حتى تكون قائمة مقام الأنيس السمير /. فكتبت له مجيبا ، إني ليست راكبا في هذا المجال حمارا ولا نجيبا ، فكيف يا سيدي تلقيني في هذه الوحلة وتقترح علي تلك الرحلة ، وإني ذو باع

__________________

(١) أصلها طالب العلم ، وتعني المثقف أو العارف بالقراءة والكتابة كان ينعت بها الموظفون المخزنيون أما الوزراء والسفراء فيطلق على الواحد منهم الفقيه.

(٢) المؤرخ أحمد بن خالد الناصري السلاوي سني الطريقة ، شديد الإنكار على أهل البدع مندد بالطوائف وأرباب الأهواء ، من آرائه الرجوع إلى كتب السلف المدونة أيام ازدهار العلوم وإحياء ما اندثر منها كالطب والفلسفة والتاريخ وما إليها ، تنقل في عدة وظائف بأنحاء المغرب ، كان يتراسل أثناءها مع الكاتب إدريس الجعيدي السلاوي ، وتوجد مقدمة رحلة الجعيدي ضمن مخطوطات الخزانة الناصرية حسب فهرس الخزانة المذكورة تحت رقم ١٩١ ، وقد وجه له الجعيدي رسالة أخرى حول فن الموسقى «الاستقصا» ، م. س ، ١ : ٣٢.

١٠٢

قصير ، ولست أعد من أصحاب هذا الشأن في عير ولا نفير.

لكن سأجعل بحول الله تقييدا ، يكون في بابه مفيدا ، يشتمل على ما يستغرب من الأخبار ، وتميل النفس إليه من عجائب تلك الأمصار ، وأجبته بمضمن ذلك تسلية لخاطره ، من باب الوعد الذي لا يجب الوفاء به ، لاعتقادي أني لا قدرة لي على ذلك التكليف ، ولقصوري عن رتبة التصنيف ، وبمثله اقترحه علينا ونحن بطنجة الأمين الأخير ، الصادق الأطهر ، الجامع لأنواع الفضائل والفواضل في كل مقام ، الطالب الأخير السيد عبد القادر غنام (١) ، فذكرني ذلك الوعد ، وكنت معه ساهيا وكاد يكون عندي نسيا منسيا ، وكتب كذلك الآخر يذكرني خوف النسيان ، ويتعاهدني في شأنه بعض الأحيان ، فتبين أن لا بد من المساعدة ، وأن لا محيد عن تقييد ما تقتضيه المشاهدة إذ ذاك أولى من أن أولي الأدبار ، أو أعتذر أني لست من أولائك الأحبار ، فشرعت إذ ذاك في هذا العمل ، طالبا من الله الإعانة على بلوغ المنى وحصول الأمل ، وجعلت أقيد ما أراه على سبيل العيان ، وأدع ما ضاع الوقت عن تقييده في بعض الأزمان (٢) ، وهكذا دأبي حالتي الإقامة والظعن ، مساعدا لطالبه ومستقلا من شتم وطعن ، ودمت على ذلك في مدن الروم وأمصارها حتى / استحسن ذلك الحال الحذاق (٣) من الدول وأعيان أنصارها ، فجاء تقييدا شاملا لكل غريبة أدناها وأقصاها ، لا يغادر كبيرة أو صغيرة إلا أحصاها ، وسميته إتحاف الأخيار

__________________

(١) عبد القادر غنام الرباطي ، عينه السلطان الحسن الأول أمينا بفاس بعد إبعاد الأمين محمد بن المدني بنيس سنة ١٢٩١ ه‍ / ١٨٧٤ م ، ثم كلف بتسجيل المدخولات بالعدوتين صحبة الأمين محمد مخا التازي سنة ١٢٩٣ ه‍ ، ثم انتقل للعمل بطنجة حيث التقى بالجعيدي وذكره بضرورة تسجيل تفاصيل رحلته السفارية ، توفي الأمين عبد القادر غنام عام ١٣١٣ ه‍. (انظر جواب رسالة التعزية لمحمد بركاش التي توجد بالمكتبة العامة بتطوان ، رسائل وزارية ، محفظة رقم ٣٣).

(٢) ستأتي في ما بعد أمثلة لبعض ما أغفله الجعيدي في رحلته ، وأثبتته مصادر أخرى.

(٣) أثار الجعيدي بفضوله وشغفه في تسجيل كل ما يثير انتباهه بالبلاد الأوربية ، انتباه الأجانب واستحسانهم لعمله هذا ، فعملوا على مساعدته على فهم وإدراك بعض الأنظمة والمستحدثات لينقل تلك المعلومات في رحلته.

١٠٣

بغرائب الأخبار (١) ورتبته على مقدمة وستة أجزاء وخاتمة. فالمقدمة في بيان الأجناس الذين وجه إليهم مولانا ـ أيده الله ـ هذا الباشدور ومن معه ، وذكر المدن التي دخلنا إليها من بر الروم وغيرها ومدة الإقامة والسفر من مدينة إلى أخرى برا وبحرا. وأما الأجزاء الستة فإن كل جزء منها يشتمل على أخبار وغرائب وفوائد وعجائب ، والخاتمة ـ رزقنا الله حسنها ـ في بيان معتقدنا في ذلك ، والتبري (٢) مما يتحدث به العوام الذين يجولون في بلاد الروم من مدح أحوالهم وحمد قوانينهم وافتخارهم بذلك ، نعود بالله من هذا الاعتقاد ونسأله العصمة والتوفيق إلى سبيل الرشاد ، والثبات على طاعته ومرضاته وأن يجعلنا من الآمنين يوم الحشر والمعاد.

٢

أقوال طالبا من الله الإعانة وبلوغ المأمول ، كان شروعنا في هذا التقييد حيث كنا بطنجة وتجددت الكتابة إلينا والطلب في شأنه كما قدمنا ذكر ذلك. لكن ينبغي أن نلحق هنا أولا بيان وقت خروج الباشدور من الرباط ، وقت خروجنا بعده إلى وصولنا لطنجة ، بحسب ما علق بذهني الآن.

أما خروج الباشدور ونهوضه من رباط الفتح إلى الحضرة الإدريسية / ، وقاها الله وحرسها من كل بلية ، فكان في يوم الاثنين السادس من ربيع الثاني (٣) عام أربعة وتسعين ومائتين وألف (٤) ، لغرض مولوي هنالك ثم يتوجه منها إلى ثغر طنجة

__________________

(١) يسمي هذه الرحلة ـ خطأ ـ كل من أحمد النصاري وعبد الله الجراري وأحمد الصبيحي في كناشه الفالودج. «تحفة الأحبار بغرائب الأخبار».

(٢) هذا الموقف من المؤلف يطرح إشكالية موقفه من الحضارة الأوربية التي يتحدث عنها في مخطوطة بلهجة إيجابية توحي بالتبني بعيدا عن الانبهار الغيبي ، وفي نفس الوقت يعارض من يفتخر بها ويعتبره خارجا عن الطريق المستقيم ، فالمؤلف يفرق بين الصنائع المستحدثة من جهة وبين طريقة عيش الأوربيين كالنصارى واحتكامهم إلى قوانينهم غير الشريعة الإلهية ، فيستحسن الأولى ويستنكر الثانية مستعيذا بالله ممن يغتر بهذه الأشياء.

(٣) ١ ماي سنة ١٨٧٦ م.

(٤) سبق قلم ، إذ كان خروجه عام ١٢٩٣ ه‍ / ١٨٧٦ م.

١٠٤

المحروسة بعناية الله بوجود مولانا ـ نصره الله ـ وكان هذا الباشدور المذكور عين لنا اليوم الذي يكون نهوضنا فيه من العدوتين إلى طنجة ليكون دخولنا معه إليها في يوم واحد بحول الله ، وتأخر نهوض مقيده مع الأمين المذكور ليوم السبت الخامس والعشرين من ربيع (١) المذكور ، وخرجت من بيت سكناي بعد صلاة ركعتي الضحى به وتلاوة (٢) ما ينبغي للمسافر قراءته عند خروجه من منزله وهو : «بسم الله الرحمن الرحيم لا تخف دركا ولا تخشى ، لا تخف نجوت من القوم الظالمين ، إنك من الآمنين. لا تخف ولا تحزن ، لا تخف إنا منجوك. لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى لا تخف نجوت من القوم الظالمين. والله يعصمك من الناس. إنا كفيناك المستهزئين فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ، لبست ستر الملك العظيم ، وتحصنت بإسمك القديم الأزلي ، وترديت برداء عائشة أم المؤمنين ، وتقلدت بسيف علي ، ودخلت في خزائن بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين إلى آخرها».

وكنت تلقيت هذا عن الشيخ الجليل الشريف الأصيل العارف بالله سيدي محمد الدباغ الفاسي نفع الله به وبأسلافه (٣) وذلك في أواسط شعبان عام سبعة وسبعين ومائتين وألف ، وكان إذ ذاك بسلا ، حرسها الله من كل بلا ، وكنا نتأهب للسفر لحج بيت / الله الحرام وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام ، وكان أفادني هذا الشيخ الجليل إذ ذاك أن من تلا ذلك وقت خروجه مسافرا فإنه لا يلقى إلا خيرا ، ولا يرى

__________________

(١) ٢٠ ماي سنة ١٨٧٦ م.

(٢) عثرت في خزانة بيت ابنه سيدي عبد القادر بن إدريس الجعيدي الكائنة (باب احساين بسلا) على كناشة لصاحب الرحلة بخط يقول : «في يوم ٨ شعبان عام ١٢٧٩ ه‍ أفادنا الشيخ ... سيدي محمد الدباغ ... إذا أردت السفر فاقرأ الفاتحة ٣ ـ وقل اللهم احفظني واحفظ ما معي وبلغني وبلغ ما معي ، ثم اقرأ سورة الإخلاص ٣ ، ثم قل مثل ذلك ثم اقرأ آية الكرسي ٣ ، ثم قل مثل ذلك ، فإنك إذا قلته حفظت ومن معك».

(٣) (روى عن والده الفقيه العلامة سيدي عمر ، وأن ذلك مروي عن سيدي عبد الله البرنوي). نفس الكناشة السابقة.

١٠٥

مكروها في سفره ، فكان الأمر كذلك والحمد لله. وخرج لوداعنا جماعة من الأخلاء والأصدقاء والأحباب من أهل العدوتين والخاصة من أعيان البلدتين ، وودعناهم بعد مجاوزة الأجنة ، واستوهبنا منهم صالح الدعاء وأرسلنا الأعنة ، وبتنا الليلة الأولى والثانية (١) عند بعض أحبتنا من أهل قبيلة الغرب. وفي يوم الاثنين السابع والعشرين (٢) من الربيع المذكور في الساعة التاسعة منه. وصلنا لضريح الولي الأشهر سيدي أبي سلهام (٣) نفع الله به ، فاغتنمنا زيارته كما ينبغي واسترحنا هناك هنيئة ، ثم جددنا السير وكان وصولنا لمدينة العرائش بعد صلاة العصر بقريب ، وحين أشرفنا على الدخول إليها قدم الأمين التاجر السيد بناصر السابق ذكره فارسا بكتابه لعامل العرائش (٤) يطلب منه تعيين محل نبيت به الليلة القابلة ، فعينه وجدناه من أشرف الأماكن المخزنية هناك ، ووجه ما لا بد منه من الإكرام ، وفي الحين اكتشف خبر قدومنا الأمينان (٥) الفاضلان السلويان الطالب السيد الحاج محمد بن القايد السيد أحمد زنيبر وابن عمه الطالب السيد عبد الهادي بن القايد الطالب السيد ...

__________________

(١) الأحد ٢٦ ربيع الثاني / ٢١ ماي ١٨٧٦ م.

الاثنين ٢٧ ربيع الثاني / ٢٢ ماي ١٨٧٦ م.

(٢) ٢٢ ماي ١٨٧٦ م.

(٣) (... يوجد ضريحه .. عند مصب وادي الخضر .. جوار مدينة سوق الأربعاء الغرب أصله من مصر تدل عليه النسبة ، واسمه عثمان وكنيته أبو سعيد وكنية الكنية أبو سلهام .. وبها يعرف عند العامة .. وهم يقصدونه للتبرك والاستشفاء من العاهات ..) وكانت وفاته سنة نيف وأربعين وثلاثمائة. انظر ترجمته عند : أعلام المغرب العربي ، عبد الوهاب بن منصور ، ج ٢ : ١٨٧ ؛ الناصري ، الاستقصاء ، ١ : ١٩٣ و١٩٤ ؛ مرآة المحاسن ، أبو عبد الله محمد العربي الفاسي : ٤٠.

(٤) الحاج علي بن محمد العرائشي سنة ١٨٦٢ م بعد أن كان في سلك الأمناء ، وحتى سنة ١٨٧٧ م ، كان لا يزال عاملا على العرائش وأصيلا. محمد داود ، تاريخ تطوان ، ٥ : ٥١ ؛ عبد الرحمان ابن زيدان ، إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس ، ٢ : ٣٩٧ ، الطبعة الثانية ، ١٩٩٠ م.

(٥) شغل السلاويون العديد من المناصب المخزنية. «كتابا .. وحسابا أمناء .. بمراسي الإيالة المولوية منهم حصة وافرة من العدول والأمناء يقومون بضبط الداخل والخارج بها ..» الإتحاف الوجيز ، ابن علي الدكالي : ٣٠.

١٠٦

نصّ الرّحلة

الجزء الأول :

/١٠/ ذكر الدخول لثغر طنجة

ومدة المقام فيها إلى الوصول لمرسيلية

ففي يوم الأربعاء التاسع والعشرين من ربيع (١) الثاني دخل إليها الفقيه الأسعد الذكي الأنبل الأرشد خديم سيدنا المنصور بالله أدام علاه ، الباشدور الذي لا زالت ضروب السعادات ، ولسيادته تسدى ، وعلى يده الكريمة أنواع الفتوحات ، تظهر وتبدي ، أوحد النبلاء سيدي الحاج محمد الزبدي أبقاه الله محفوظا بعين الإجلال والإقبال ملحوظا بمنه آمين. وكان دخوله للثغر المذكور في ضحى اليوم المشار إليه ، وحيث أشرف على الدخول وتحقق بذلك عامل البلد خديم مولانا المؤيد بالله الباشا الأطهر المسن

__________________

(١) ٢٤ ماي ١٨٧٦.

١٠٧

الأكبر السيد أجلالي بن حم (١) أعانه الله وسدده ، ركب من معه هناك من الجيش السعيد والعسكر الجديد (٢) وخرج لملاقاة الباشدور المذكور اهتماما بشأنه ، وتنويها بمكانته وقدره ، وتلاقى معه هناك خارج البلاد ، ودخل مصاحبا له مع من ذكر من الجيش والعسكر السعديين إلى المحل المعين لنزوله وهي دويرة رياض قصبة المخزن هناك. فنزل بها حامدا لمولاه ، على ما خوله من منن العافية وأولاه. وبعد غروب شمس اليوم المذكور ظهر هلال جمادى الأولى الموالي لربيع الثاني (٣) المذكور ، فتبين أن دخول الباشدور المذكور لذلك الثغر كان بعد مفارقة جرم القمر لجرم الشمس وانفصاله عنها وشروعه في الاستمداد من نورها ، وفي ذلك من الدلائل الواضحة عند أرباب ذلك

__________________

(١) الباشا الجيلاني بن حم البخاري المكناسي : «حاله بطل شجاع ... فقيه ماهر في فن الحساب والوقت ... خرج بأهله من مكانة ... آخر الدولة السليمانية ... إلى أن تم الأمر للسلطان مولاي عبد الرحمن ... رجع لمكناسة ... ونظمه في سلك خاصة حاشيته إلى أن أسند إليه رياسة مشوره ... خلفه من بعده السلطان سيدي محمد ... فرشحه لعمالة مراكش ثم رده لوظيفة رياسة المشور ، وتولى عاملا على الزراهنة ، ثم ولاه ولده السلطان مولاي الحسن الأول عاملا بفاس. بعد ... واقعة ابن المدني بنيس الشهيرة وذلك عام ١٢٩٠ ه‍». ابن زيدان ، الإتحاف ، ٢ : ١١٠. ثم عينه عاملا على طنجة في الوقت الذي تزايد فيه مدى عتو سيرة بعض الدبلوماسيين وتجرئهم على الحكام الشرعيين. ووقعت له العديد من الاصطدامات مع أعضاء السفارة الفرنسية بطنجة سنة ١٢٩٤ ه‍. دورية مديرية الوثائق الملكية ، الرباط ، العدد ٤ : ٥٦. وتوفي سنة ١٢٩٥ ه‍ بطنجة.

(٢) الأول يقصد به الجيش المغربي التقليدي الذي تعرض لهزيمتي إيسلي وتطوان ، فأرغم المخزن المغربي على القيام بتجديده ، في البداية على نسق نظام الجيش التركي الحديث. إتحاف أعلام الناس ، ٥ : ٢٣٨ ، ٢٣٩ ؛ والعز والصولة في معالم نظم الدولة ، الرباط ، (١٩٦٢ ، ٢ : ٢١٤ ، ٢١٥) منذ عام ١٢٦١ ه‍. وكثيرا ما كان يطلق عليه إسم «العسكر» الجديد أو النظام (كشف الغمة : ١٥) فأخذ يباشر مهمته إلى جانب الجيش المغربي التقليدي وأحدث لهذا العسكر وزارة على حدة يدعى صاحبها العلاف الكبير ، وكان لهم لباس خاص من الملف الرفيع (إتحاف ، م. س ٣ : ٥٦٨).

(٣) الخميس ٢٥ ماي ١٨٧٦ م.

١٠٨

الفن الدالة (١) على السعادة الكبرى له في هذه الوجهة المباركة ، ولا يقال أن خروجه من حضرة فاس كان في أواخر الشهر المذكور ، وكان الهلال إذ ذاك مشرفا على الدخول تحت شعاع الشمس ، وذلك الوقت ينهي عنه أرباب ذلك الفن من الشروع في الأمور المهمة كالسفر والزواج وغيرهما لأنا نقول : ليس ذلك أي خروجه من فاس / ١٢ / خروجا حقيقيا إنما هو انتقال من محل لآخر على حسب مقتضيات هذه الوجهة السعيدة ، والخروج الحقيقي (٢) كان تقدم قبل ذلك في الحضرة العالية بالله بحمراء مراكش ـ حرسها الله ـ. ولا شك أن أفعال العقلاء مصونة عن العبث.

دخول الرئيس ومرافقيه لطنجة

رجع. وفي فاتح جمادى الأولى المذكور (٣) دخل للثغر المذكور الأمين الأمجد ، الحازم الضابط الأنجد ، الذي صلحت بفضل الله أحواله ونشأته ، وتميزت بمنه وكرمه مروءته وديانته ونجدته ، ذو الأيادي والإنعام ، ووافر الفضل والإكرام التاجر الطالب السيد بناصر غنام أصلح الله حاله وحالنا في سائر الأحوال ، وكان بجميعنا معينا وحافظا في الإقامة والارتحال ، مصاحبا له مقيده تولاه مولانا الكريم الرؤوف الرحيم. وحين أشرفنا على الدخول لطنجة أنهض الأمين المذكور فارسا كان معنا بكتاب

__________________

(١) يقصد علم المنجمين وغيره من العلوم التي تهتم بوصف الأجرام وأبعادها وحركاتها وكيفية رصدها ، ويستخدم كذلك في معرفة المستقبل ، وطبائع الأوقات من نحوس وسعود (دائرة المعارف ، المجلد ٧ : ٤٨١).

(٢) كانت الانطلاقة الأولى من مراكش سنة ١٢٩٢ ه‍ ، مقتصرة على دولة فرنسا ، وقد أخبر بذلك القائم بأعمال فرنسا بطنجة من قبل النائب محمد بركاش في غشت عام ١٨٧٥ م «إلا أن بعض الحوادث قد أخرت تطبيق المشروع إذ لم يغادر مندوب السلطان مدينة طنجة إلا في السنة التالية عام ١٨٧٦ م».

ونحو أربع دول أوربية انطلاقا من مدينة فاس. (جاك كيلي ، السفارات والبعثات المغربية إلى فرنسا) ، مجلة  Tamuda HesPeris-، العدد ٦ عام ١٩٦١ م.

(٣) ٢٥ ماي سنة ١٨٧٦ م.

١٠٩

يخبره بإشرافنا إلى الدخول ، فطار به ورجع وصادفنا قرب باب / المدينة ، فرجع معنا متقدما أمامنا ونحن في أثره قاصدين محل النزول الذي تقدم ذكره ، إلى أن وصلنا إليه سالمين ، ولمولانا سبحانه حامدين شاكرين. وبعد هنيهة تلاقينا بالباشدور المذكور مهنئين لسيادته بسلامته وعافيته (١) ، فسر بقدومنا وانبسط ، وارتفع عنه ما كان يتوهمه بتأخيرنا حسبما ذلك مضى وفرط ، ووجدناه نازلا بقبة الدويرة المذكورة ، وفيها قبالة الداخل إليها صالة مزخرفة ذات سراجم (٢) كبار لها دفف (٣) من الساج (٤) وأخرى من الزاج (٥) مشرفة على الأسد الضاري بغاز البحر الجاري (٦).

وهناك نظرة فائقة ، ومسرة للقلب رائقة ، فحين رأينا ذلك المنظر البهي والرونق الشهي ، أخبرنا الباشدور المذكور أنه عينه لنزولنا فيه مع أنه مرتفع من مقعده ، فكان اللائق بمنصبه أن يكون منزله به لمناسبته لمرتبته العظيمة ، وإنما تأخر عنه ورفعنا إليه رفع الله / قدره ، برورا منه وواضعا ، خلد الله في الصحائف مآثره الحسنى وذكره ، وأخبرنا رعاه الله أن نائب مولانا المفوض إله المعول في الأمور البرانية (٧) عليه ، قطب العقلاء ، وأوحد النبلاء ، ذا الرأي السديد والجد والإجتهاد السديد ، الذي انتعش بتصدره لتلك الرتبة غربنا أتم انتعاش.

__________________

(١) سفيري فرنسا بطنجة أخبر وزارته بباريس بقدوم السفير الزبيدي إلى طنجة ، مع تقرير مفصل عن مرافقيه. طنجة ٢٧ ماي عام ١٨٧٦ م.

M. A. E. F.) A. D (, CorresPondance Politique. Maroc, Volume 04, Folio 151, 152.

(٢) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٣) نفس الملحق : ٤.

(٤) نفس الملحق : ٤.

(٥) نفس الملحق : ٤.

(٦) مضيق جبل طارق يربط بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.

(٧) نفس الملحق : ٤.

١١٠

الفقيه سيدي محمد بركاش (١) أدام الله إليها انتصابه ، وأبقى له ولأعقابه لتلك الرتبة انتسابه. قدم في الساعة العاشرة من يوم الخميس (٢) فاتح جمادى المذكورة في البابور (٣) ، لأنه كان تركه برباط الفتح (٤) وحين قدم الباشدور المذكور لطنجة ولم يجده بها ضاق صدره لأنه كان متوقفا عليه في أمور مهمة ، وأعظمها غرض مهم يتوقف سفرنا في البحر عليه ولا يتأتى بدونه ، وكان يقال بقدوم الفركاطة (٥) للسفر بعد أربعة أيام ، وذلك الغرض متعذر لا بد فيه من مراجعة الحضرة العالية (٦) بالله ، ولا أقل في مدة / المراجعة وحصول ذلك الغرض من نحو نصف شهر ، وانظر ما يترتب على مقام الفركاطة التي ترد للسفر جل تلك المدة. وبقدوم النائب المفوض إليه المذكور دبر برأيه السديد ودهائه الفريد ، في حصول ذلك الغرض من غير

__________________

(١) ولد بالرباط سنة ١٢٢٥ ه‍ / ١٨٠٨ م وهو ينتمي إلى أسرة أندلسية عملت بعد هجرتها في أسطول الجهاد ، اشتغل منذ صغره بالتجارة في مدينة جبل طارق ، ثم عين عاملا لمدينة الدار البيضاء ، وبعد حرب تطوان أعفى محمد الخطيب نائب السلطان في الشؤون الخارجية وعين محمد بركاش مكانه حوالي ١٨٦٢ م ، مثل المغرب في عدة سفارات إلى الخارج ، وفي مؤتمر مدريد سنة ١٨٨٠ م كما ضربت على يده السكة المغربية في الخارج ، واشتري بواسطته وواسطة ابنه الحاج محمد ، السلاح الحديث للجيش المغربي ، وما زال في منصه حتى ساءت حالته الصحية وضعف بصره ، فسافر إلى أوربا للتداوي ، وبدأ ينوب عنه في غيبته الحاج محمد بن العربي الطريس ، إلى أن مات سنة ١٣٠٣ ه‍ / ١٨٨٦ م ودفن بمقبرة العلو بالرباط في الروضة المعروفة لأسرته. (الوثائق الملكية ، عدد ٤ : ٢٠ و٢١).

(٢) ٢٥ ماي سنة ١٨٧٦ م.

(٣) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٤) كان بركاش ينتقل بين الرباط وطنجة بحرا لأن الطرق البرية كانت غير آمنة على النفس والبضاعة تتطلب زمنا طويلا لأن الحمل كان على البغال والجمال. مصطفى بوشعراء ، الاستيطان والحماية ، ١ :٣٩٢).

(٥) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٦) القصر السلطاني بفاس.

١١١

مراجعة (١) ولا توقف ، وما ذلك بأول بركاته ، ولا بنقطة من فيض بحر ذكائه ، وهذا من سعادة الباشدور المذكور التي اكتسبها واقتبسها من سعادة مولانا المنصور ، ضاعف الله نصره وتأييده بتضاعف الأعصار والدهور ، وأبقى له ولأعقابه الكرام البررة كمال الاستيلاء وتمام الظهور. وبعد استقرار الباشدور تلاقى (٢) بنواب الأجناس وتلاقوا به حكم قوانينهم. وفي يوم الجمعة ثاني جمادى المذكور (٣) ، ركبنا معه بعد الصلاة لزيارة ولي الله الأكبر ذي السر الواضح الأشهر والكرامات الباهرة والأسرار المشاهدة الظاهر الذي أقر بولايته كل غني / ١٦ / ومحتاج العارف بالله تعالى سيدي محمد الحاج (٤) أفاض الله علينا من بحره الزاخر ، وأمدنا من مدده العميم الوافر ، فزرناه زيارة راغب خاشع ، بتدلل وقلب خاضع. ولمقامه قدس الله سره هيبة ربانية وسطوة عرفانية ، رضي الله عنه مستغنية عن التعريف. ومن يكن في مقام التعريف ففي

__________________

(١) دون مراجعة السلطان بفاس وذلك لربح الوقت والمصاريف وتجنب المماطلة الإدارية المخزنية.

(٢) سفير فرنسا بطنجة أبرق إلى وزارته بباريس بوصول السفير الزبيدي إلى طنجة ، وأنه أجرى معه لقاءين تعرف خلالهما على الرسالة التي يحملها إلى رئيس الجمهورية وما تحتويه من مطالب وموقفه منها. طنجة ٢٧ ماي ١٨٧٦ م.

M. A. E. F) A. D (, Corresoendance oilitique, Maroc, Volume 40, Falio 153.

(٣) ٢٦ ماي سنة ١٨٧٦ م.

(٤) محمد الحاج المدعو بوعراقية ، دفين مدينة طنجة توفي سنة ١١٣٠ ه‍. وقد حبس أملاكه على ضريحه ونسبه : محمد الحاج بن عبد الله الحاج بن عيسى ابن محمد الحاج صاحب زاوية فاس بن علال الحاج يتصل نسبه بالمولى إدريس. المكنى «بو عراقية الخضراء» لما كان يتوج به رأسه من قلنسوة منسوبة إلى القطر العراقي ، رمزا واشعارا إلى انتسابه إلى دفين النجف سيدنا علي بن أبي طالب ، ولد هو وأخوه سيدي الحاج الغزاوي بقبيلة بن حسان ، ثم انتقل القطبان إلى قبيلة الأخماس ، في عهد أسد الدولة العلوية مولاي إسماعيل ، نقلهما إلى ثغر طنجة للجهاد في سبيل الله ، التي كانت محتلة من طرف الأنجليز ، وهناك التقيا بالمجاهد علي بن عبد الله الريفي وولده أحمد ، فحاصروا المدينة ... (زعامة سياسية ودينية) إلى أن هجها الأنجليز أيام سنة ١٠٩٥ ه‍ .. وتوفي سيدي محمد الحاج في طنجة سنة ١١٣٠ ه‍ (حسب ما جاء في الرخامة الحائطية التي وجدتها بضريحه بطنجة).

١١٢

تعريف القاصر مثلي به عين التحريف.

ورود الفركاطة للسفر

وفي عشية يوم السبت (١) ٣ منه قدمت الفركاطة (٢) المعينة للسفر ، وأخبر بها رايس المرسى أولا فظن أنها غيرها لعدم انصرام الأمد المعين لقدومها ، فصرنا شاكين فيها مترددين في أمرها من عدم إخبار باشدور جنس الفرنصيص (٣) بها ، وفي ضحى

__________________

(١) ٢٧ ماي عام ١٨٧٦ م.

(٢) الفركاطة الحربية الفرنسيةCassard التي نقلت السفارة المغربية من طنجة إلى مرسيليا. وثائق أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية بباريس.

(٣) شارل جوزيف تيسو Tissot JosePh Charles ولد بتاريخ ٢٩ غشت ١٨٢٢ م وبدأ حياته الدبلوماسية سنة ١٨٤٩ م ، متلقبا في عدة مناصب بالإدارة المركزية الفرنسية ، ثم عين وزيرا مفوضا لفرنسا بطنجة التي التحق بها وم ٢٥ ماي سنة ١٨٧١ م بعد إقالة البارون إيمي داكان الذي له علاقة طيبة مع المخزن.

وظل يواصل مهمته من سنة ١٨٦٤ م إلى سنة ١٨٧١ م ، غير أنه «ذهب ضحية جهوده في سبيل الحد من الحماية ... وضد بنشيمول ترجمان المفوضية الفرنسية التي كان يسيطر عليها يهود طنجة ...» ، جان لوي مييج ، المغرب وأوربا ، ١ : ١٧١ و٣ : ١٩٠ ، ١٢٩. و٥ : ٨٨. وقد وصفه بركاش بأنه «رجل مليح ، يبحث عن دوام الهدنة وتأسيس المحبة والوقوف مع الحق ... وكانت تقدمت له خدمة بتونس ، ويعرف شيئا من العربية». رسالة بركاش إلى السلطان الحسن الأول في ٢ شعبان ١٢٨٨ ه‍ / ١٧ أكتوبر ٢٨٧٢ م.

كان تيسو من علماء التاريخ والآثار ، وقد أجرى خلال مقامه بالمغرب عددا من الأبحاث الجغرافية والجيولوجية نشرت في المجلات العلمية بباريس ، ويبدو أن معرفته بالعربية واهتمامه بالثقافة جعلاه أحد المقربين إلى السلطان ، ويعتني بإصلاح الهياكل المخزنية ويتفق في ذلك مع جون درموند هي ، وظل في منصفه حتى سمي بعده السفير ده فيرنوبي A.de Vernouillet في نونبر ١٨٧٧ م وعين هو سفيرا لفرنسا بمدينة أثينا ثم بإسطنبول فلندن.

Miege, Le Maroc et l\'EuroPe, ome 2: 483, 190. Tome 1: 170.

١١٣

يوم الأحد الرابع (١) منه أخبر بقدومها الباشدور المذكور فسأله بواسطة الباشدور المذكور ، هل تتهيئون (٢) للركوب فيها عاجلا أو لا بد من مقامها شيئا ما؟

فأجاب / ١٧ / على لسانه ترجمانه (٣) ، أمر هذه الفركاطة إليك وحكمها بيدك فإن شئت أن تسافر الآن أو بعد مضي شهر من الزمان فكبيرها مأمور بذلك ، وبمساعدتك في مرادك ، ومن هنا يعلم اللبيب ويتيقن الفطن الحاذق الأريب ، بحصول السعادة العظمى في هذه الوجهة المباركة الممنونة لفضل الله وكرمه ، لأن المعهود في شأن الباشدور الذي يطلع من الغرب (٤) لبعض الأجناس أن يقيم بطنجة عدة شهور حتى ترد الفركاطة أو بابور السفر وشتان ما بين ذا وذاك ، هدانا الله وإياك ، ومن باب الفضل دعاني ودعاك ، ثم أجاب الباشدور والترجمان المذكور بعد المفاوضة في ذلك

__________________

(١) ٢٨ ماي عام ١٨٧٦ م.

(٢) في الأصل تتهيوءا ـ خطأ ـ.

(٣) حول مونج Monge Julesالترجمان الأول بمفوضية فرنسا بطنجة ، يهودي مغربي محمي ، رافق الوزير المفوض الفرنسي بطنجة أثناء زيارته لفاس لتهنئة السلطان الحسن الأول. كما رافق السفير الزبيدي في سفارته إلى أوربا ، ويظهر أن هذا الترجمان لوح للسفير برغبته في مصاحبته بدعوى مساعدته ، وهو في الحقيقة يبغي التجسس عليه لإطلاع حكومته على مفاوضاته مع حكومات الدول الأخرى انجلترا وبلجيكا وإيطاليا ، ومع أنه لم يجب إلى مرغوبه فإن المسؤولين المغاربة قد قدروا محبته واعتناءه ، وطلبوا من حكومته حسن مكافأته! كما جاء ذلك في جواب من النائب السلطاني محمد بركاش إلى السفير الحاج محمد الزبيدي حول المذاكرات التي أجراها بباريس مع وزير الخارجية الفرنسية بتاريخ ٣ جمادى الثانية عام ١٢٩٣ ه‍. (الاثنين ٢٦ يونيو عام ١٨٧٦ م) مكتبة الحاج أحمد الزبيدي بالرباط. إتحاف أعلام ، ٢ :٣٠٩.

«... وما ذكره لك موسى مونج من أنه لو وجد السبيل للتوجه معك لمباشرة ذلك لفعل ، غير أنه لا يقدر على التوجه معك لدولة أخرى بغير إذن من دولته ، مع ما أجبته به قد علمناه وجازه خيرا على ذلك غاية ، ولا شك عندنا في محبته واعتنائه ، وقد أخبرنا باشدوره هنا وطلبنا منه المجازاة له ، والنيابة عنا في ذلك ، إلا أنه غير لائق أن تتعبه ولا سيما في الأمور الغير الموافقة للطباع ...».

(٤) يقصد المملكة المغربية.

١١٤

مع النائب المفوض إليه ، بأن ركوبه في تلك الفركاطة يكون يوم الأربعاء السابع (١) منه على الساعة الحادية عشرة ، فبقيت بمحل ترسيتها إلى اليوم المذكور لتهيئ بعض المقتضيات بثغر طنجة وتجديد ما أبلاه السفر في البر وتبديله بما يناسب سفر البحر ، وفي ليلة الأربعاء أمر الباشدور بحضور كبير المخازنية (٢) ، فحضر وأعلمه أن يخبر أصحابه بالتيقظ قبل الفجر وخروج الخيل المهدية شيئا فشيئا كل اثنين منفردان ، ونزع صفائحها ، ونزولها للمرسى بقص طلوعها للبابور ، فأجاب بالسمع والطاعة ، وقام بذلك أتم قيام حتى طلعت الخيل كلها للبابور بل لتلك الفركاطة ، وفي الساعة الثامنة من يوم (٣) الأربعاء المذكور نزلت الصناديق (٤) التي فيها الأغراض الشريفة ، مع صناديق حوائج السفر المحتاج إليها ، وطلعت للسفر بالفركاطة وترك الفراش كله ببيت بتلك الدويرة المذكورة مختوم عليه ، عدا شيء يسير من فراش الباشدور فإنه أمر بطلوعه للفركاطة فطلع ، وكانت مدة إقامته بطنجة نحو سبعة أيام نسأل الله الإعانة على التمام بجاه خير الأنام عليه فضل الصلاة والسلام.

__________________

(١) ٣١ ماي عام ١٨٧٦ م.

(٢) هو قائد المحلة أو قائد الرحى (١٠٠٠ جندي).

(٣) ٣١ ماي عام ١٨٧٦ م.

(٤) نظرا لكثرة وتنوع الهدايا ، كتب عبد الله بن أحمد المكلف بالسهر على صنعها بفاس رسالة إلى الحاجب السلطاني يستفسر في أمر الطلب السلطاني الضخم. ابن زيدان ، إتحاف ، م. س ، ٢ : ٢٩٥.

«أخانا الفقيه ... موسى بن سيدي أحمد ... وبعد ، إن المعلمين ذكروا أنهم إن صنعوا ذلك بأجمعه ربما يستغني عن بعضه فيبقى بيدهم كاسدا لا يجدون مشتريا له منهم لعدم صلاحيته هنا ، وعليه فإن كان المراد صنع الجميع من غير أن يرد لهم شيء ، فيعتمدون على ذلك وإن كان المراد صنع البعض المختار من ذلك فليبين المراد لهم ، حتى تطمئن نفوسهم فيما يقدمون على صنعه».

١١٥

الخروج من ثغر طنجة والركوب في البحر

إلى الوصول لمدينة مرسيلية

لما طلعت تلك الحوائج كلها للفركاطة ومعها المخازنية (١) والخدمة (٢) ، / المعينين للسفر في هذه الوجهة السعيدة ، أذن للأمين المذكور وكاتبه بالتقدم للمرسى ، فتقدمنا فوجدنا بها جما غفيرا من أعيان أهل (٣) البلد عامة وخاصة ، ومن أجناس النصارى خلقا كثيرا فجلسنا هنيئة بنبح (٤) المرسى ، وإذا بالعسكر السعيد قد أقبل متحرفا للبعض مطرفا ولآخرين مرهبا ، فمر على نسقه المعهود ، وكل عند حده المحدود. ثم أقبل الباشا (٥) الذي تقدم ذكره آنفا ، وعرف ببعض أوصافه سالفا وبقي راكبا أحسن جواد ، في وسط ذلك السواد (٦) ، وبعده أقبل النائب المفوض إليه المذكور (٧) راجلا وفي حلل سيادته رافلا ، فمر على باب المرسى فقابله الأنام

__________________

(١) هم أعوان أحد ممثلي المخزن أي السلطة ، يبلغون أوامره ويوجهون لتنفيذها وخدمة من يعملون تحت إمرته.

(٢) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٣) بلغ سكان طنجة في شتى الفترات أعدادا مختلفة يقدرها بعض المؤلفين كما يلي :

سنة ١٨٧٤ م نسبة السكان ١٥٠٠٠ نسمة

Miege ,Le Maroc et l\'EuroPe ,Tome.٣

سنة ١٨٨٤ م نسبة السكان ٢١٠٠٠ نسمة. ٤٦١ ، ١٤

مثل ذلك قاله الطبيب الانجليزي ليرد عن سنة ١٨٧٢ م إذ كان مجموع السكان بطنجة ١٤٦٠٠ نسمة منهم : (٩٠٠٠ مسلم و٥٠٠٠ يهودي و٦٠٠ نصراني). حسب ما ذكره عبد المجيد بن جلون ، جولات في مغرب أمس ، ١٨٧٢ م ، ص ١٩ ، الرباط ، ١٩٧٤ م.

ثم تعاظمت الهجرة إلى المغرب بعد سنة ١٨٧٢ م ، بحيث أصبحت نسبة الأوربيين بطنجة مرتفعة وكذلك بالدار البيضاء والعرائش والجديدة والصويرة والرباط.

(٤) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٥) الباشا الجيلاني البخاري المكناسي عامل طنجة.

(٦) المراد به كثرة الملئ.

(٧) محمد بركاش النائب السلطاني بطنجة ، كان بمثابة وزير للخارجية.

١١٦

بالتبجيل والاحترام ، ولم يكن غير قليل وقد أقبل الباشدور ذو القدر الجليل الذي من الله تعالى برفقته على مقيده العاجز الذليل ، وهو غير راكب بل ماش (١) ومعه من ليس للعهود والشروط ناسيا ، من قوم الأجناس ، الحكماء الأكياس والعيون ترمقه بالتوقير والعظيم ، وتصافحه الخاصة / مصافحة وداع بالتجليل والتفخيم ، فودعه وداع الأخلاء ، وشيعوه تشييع الأحباء الأجلاء ، وهم بفضله معترفون ، ومن بحر سيادته وسعادته يغترفون ، وقلت في هذه المعنى سالكا سبيل هذا المبنى.

تبارك من حباك بكل فضل (٢)

وخصك بالمزايا وبالكمال

فسدت القوم كلهم جميعا

ومأواك بينهم دروة المعالي

ولا غرو أن تسود الكل طرا

وليس الأمر من حيز المحال

فإن المولى يختص من يشاء

بإنعامه على مر الليالي

ولعمري أنه لجدير بقول من قال وأجاد في المقال :

فإن تفق الأنام وأنت منهم

فإن المسك بعض دم الغزال

ثم صعد فلكا (٣) جارية سابحة ، واقتفت أثره أخرى ألحقت به جماعته الرابحة قاصدين فركاطة السفر ، راجين بفضل الله / أمن مخوف وحسن الظفر ، فوصلوا إليها وصعدوا عليها.

__________________

(١) في الأصل ماشيا ـ خطأ ـ.

(٢) الأبيات من البحر الوافر لكن إيقاعها منكسر.

(٣) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

١١٧

طلوع الباشدور للفركاطة

فتلقى له الرئيس والكبراء والأعيان والنظراء ، وفئة من العسكر لابسة آلة حربها مصطفة بناحيتي شرقها وغربها ، والكل يشير بالترحيب ، والعسكر مشتغل بالتحريب ، لأن في ذلك قام مقام سلاحه ، عن إفصاحه بكلامه ، ثم نزل الرئيس إلى القامرة (١) التي هي بكل زخرف ومستلذ عامرة ، واتبعه بإشارته الباشدور وأمينه وكاتبه خائفا وجلا مما هو كاسبه ، ثم بين لكل واحد من القامرة فراشه ووطاءه ، فتبين ، وعين ما يحتاج إليه من الضروريات فظهر وتعين كل بما يناسب مرتبته ويلائم مقامه ومنزلته ، وللكل في ذلك غاية التوسعة ، ومسرة للقلب نابعة ، ولما استقر بنا المكان ، وكانت الساعة الحادية عشرة والنصف بإن من الزمان طلبنا من الله الأمن والأمان. استأذن الرئيس ، الباشدور ذا المقام النفيس ، هل يسرح الفركاطة / للسفر ولا زال معنا من أهل الوداع نفر ، فأذن له بالتسريح بإشارة أبلغ من التصريح ، وتلا بعد التعوذ والبسملة قوله جل علاه وقال : ﴿ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٢)﴿ وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إلى يشركون (٣) وغير ذلك من الأدعية الواردة في ذلك ، المرغّب فيها عند المرور في تلك المسالك. ثم أخذت الفركاطة في السير (٤) كأنها باز خرج من قفاز ، قاصدة طريق البغاز (٥) ، والبحر

__________________

(١) كلمة إسبانية هي Camera اللغة القديمة ، ومنها الكلمة المغربيةCamara اليوم ، وهي الحجرة أو القاعة أو المكان الرفيع في المنزل ، والمغاربة يخصصون اللفظة للغرف الفاخرة في الباخرة.

(٢) سورة هود ، الآية ٤١.

(٣) سورة الأنعام ، الآية ٩١.

(٤) أذن وزير البحر قائد الفركاطةCassard بالإبحار نحو مرسيليا ، وأوصاه بالاهتمام بأعضاء السفارة المغربية والعناية بالخيل. ـ مرسيليا بتاريخ ٢٧ ماي سنة ١٨٧٦ م.

M. A. E. F) A. D (, CorresPondance Politique, Maroc, Volume 04, Folio 051.

(٥) أو البوغاز يكتب بالواو وهي كلمة تركية معناها في الأصل الحلق ، واستعيرت للمضيق أي مجرى الماء الضيق في البحر بين قطعتين من الأرض ، ويقصد به هنا مضيق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا.

١١٨

غاية في السكون والخمود والركون ، وكان الباشدور المذكور أمر الطباخين (١) بتهييء مؤنة السفر بما للجميع فيه تمام الكفاية ، كما اقتضت ذلك منه حسن الدراية ، فاشتروا جميع الضروريات وأتوا على جميع المقتضيات مراقبين ما عليهم من الإشراف ، متنكبين طريقي الأقتار والإسراف ، فأحسنوا القيام بتلك الكلفة ، مع مراعاة آداب المعاشرة والألفة ، جزاهم الله أحسن الجزاء ، وضاعف أجرهم يوم العرض والجزاء ، وتقبل عملهم وبلغءامالهم.

/ هذا الفصل سيقدم ويلحق بموضعه المناسب بحول الله.

رجع ، قد يقال إن من القوانين المشهورة والشروط المقررة المأثورة أن تخرج المدافع (٢) برا وبحرا عند ركوب الباشدور.

علة عدم خروج المدافع

فما بال هذا المقيد لم يعرج عليه ، ولا أومأ بشيء إليه ، قلت : لما طلعنا إلى الفركاطة وجدنا مدافعها عامرة ، وهي منصوبة في فرج البوردو (٣) بارزة ، والمكلفون بها يترقبون خروج المدافع ٢١ من البر ليجيبوهم على العادة. لكن كان أخبر الرئيس أنه حين طلعت خيل الهدية للفركاطة واستقر كل واحد منها بموضعه ، سمع بعضها حركة قوية حركت نفسه الأبية ، فتحرك بذلك حركة مرهبة حتى كاد يكسر الصندوق المحيط به ، وأنه إن أخرجت المدافع بالفركاطة لا شك في نفورها نفور ينشأ

__________________

(١) توجه رفقة السفارة مجموعة من الطباخين المغاربة المكلفين بمهمة شراء لوازم الأكل والشرب الطازجة ، والعمل على طهيها وتحضيرها لهم طيلة مدة الرحلة السفارية ، وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى أسباب دينية وشرعية إذ يتولون بأنفسهم عملية ذبح الأكباش وغير ذلك. سورة الأنعام ، الآية ٢١ ﴿ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ... مما جعلهم في استقلالية تامة من ناحية الأكل والشرب عن ضيوفهم كما سأوضح ذلك فيما بعد.

(٢) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٣) نفس الملحق : ٤.

١١٩

عنه فسا كبير ، إما في ذاتها أو في شيء من آلة الفركاطة ، وأعلم بذلك النائب المفوض إليه ، وكان الباشدور حاضرا فأذن الباشدور بعدم خروج المدافع من الأبراج ، دفعا وسدا لبابي الضيق والحرج. فهذا سبب عدم خروج المدافع / ٢٤ /. بسطته هنا بوجه لكل ريب وشك مدافع. ثم لم يزل البحر راكضا لا رافعا ولا خافضا إلا شيئا من ذلك قليلا حصل به ميد (١) لمن كان قلبه عليلا ، ولكنا أصابه منه ما أصابه ، وغير انتصابه ، حتى بلغ حده ونصابه ، عدا الباشدور فكان قلبه بفضل الله من الميد في حصون. وهذا من شجاعته وثبات قلبه زاده الله من الثبات والرسوخ ، ما يصير به ناسخا غير منسوخ (٢) * ومع ذلك الميد كان القوم مواظبين على الصلوات في وقتها المعتاد ، وما فاتهم بحمد الله شيء من الأوراد ، والحمد لله على هذه النعم الجليلة المقدار ، الواجب شكرها بعدم عصيان الرحيم الغفار*. وكانت منا الأفئدة والعيون تراقب وتخشى هول (غلف اليون) (٣) إذ شأنه غالبا الهيجان ، وشدة الاضطراب والفيضان. وربما تؤدي إلى العطب ، أو كثير التعب والنصب ، فألقيناه والحمد لله ساكنا ، وهيجانه بمنة الله تعالى كامنا ، وبقي البحر على هذا الحال إلى الترسية بمرسى مرسيلية (٤) في الحادي عشر من جمادى الأولى (٥) على الساعة الثامنة من

__________________

(١) هو دوار البحر أي ما يصيب راكب السفينة من غثيان وانزعاج في المزاج وضعف جسمي.

(٢) تكملة بطرة الصفحة. أدرجتها في مكانها بين نجمتين* ...*.

(٣) Golf du Lion أو حلق الأسد يوجد غرب البحر الأبيض المتوسط ، بين رأس جيو غربا ودلتا الرون شرقا ، سواحله منحدرة وعلى جوانبها برك ذات عمق ضعيف لا يتعدى ٢٠٠ متر.

! Grand Larousse) enclycloPedique (, n 6, P. 775.

(٤) تقع شرق خليج الأسد ، قرب مصب نهر الرون Rhone وكان عدد سكانها يناهز ٠٠٠ ، ٣٠٠ نسمة سنة ١٨٦٦ ، واحتل ميناؤها المرتبة الثالثة في العالم سنة ١٨٣٢ م ، ثم المرتبة السادسة في العالم سنة ١٨٨٩ م ، وكان يمثل ٣ / ١ التجارة البحرية الفرنسية. نفس الموسوعة السابقة.

انظر الخريطة في ملحق الرسوم والصور صفحة ١.

(٥) ٤ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

١٢٠