تراثنا ـ العددان [ 125 و 126 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 125 و 126 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٥١٠

المطلب الثالث ـ شروحاته لتصانيف الشهيد الأوّل :

أوّلاً ـ شرح الألفية : وقد شرحها ثلاثاً الشرح الكبير والوسيط والصغير.

ثانياً ـ شرح النفلية : شرح مزجيٌّ مختصر يذكر إسمه (الفوائد الملية في شرح النفلية) وتشتمل النفلية على ثلاثة آلاف نافلة من مستحبّات الصلاة أحصاها الشهيد الأوّل كما ذكرها ـ أي النفلية ـ في إجازته لابن الخازن(١).

المطلب الرابع : شرحه لـ : (شرائع الإسلام) :

القاسم المشترك الأعظم بين الشهيدين هو المحقّق الحلّي وقد لاحظنا مدى تأثير المحقّق في كلٍّ منهما من خلال خطّهما الفكري ونظريّتهما الفقهية.

يعدّ الشهيد الثاني آخر دور (الاستقلال والتكامل) في الفقه الإمامي الإسلامي الذي يبدأه المحقّق الحلّي في منتصف القرن السابع الهجري ويستمرّ هذا الدور حتّى نهاية القرن العاشر الهجري (زمن الشهيد الثاني) وهذا التقسيم والتصنيف بحسب بعض مؤرّخي الفقه الإسلامي(٢).

الشهيد الثاني قام بشرح كتاب شرائع الإسلام للمحقّق شرحاً مزجيّاً أسماه مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام وقد أراد الشهيد الثاني أن يكون مختصراً وهذا ما نهجه في بدايات الكتاب غير أنّه أخذ يطيل فيه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) نفس المصدر.

(٢) موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت : ٨٣.

٣٨١

ويتوسّع حتّى غدا مجلّدين بالطبعة الحجرية(١).

المطلب الخامس ـ فقه الوفاقيات :

على مائدة اللّمعة الدمشقية اجتمع الشهيدان (المصنّف والشارح) رضي الله عنهما ، وفي اللّمعة من فقه الوفاق شيء كثير ، ومن مفارقات الدهر إنّ الشهيدين كانا برغم ذلك ضحية التعصّب الطائفي المقيت والسياسة الإقصائية البلهاء.

لم يكن الوفاق عندهما مرتجلا أو عاطفة أو حديثاً عابراً وإنّما هو نظرية لها مرتكزاتها ومواضعاتها وقد سلك الشهيدان في ذلك طريق ذات الشوكة حيث :

١ ـ هجراتهما ورحلاتهما المتكرّرة إلى الحواضر الإسلامية كافّة.

٢ ـ تتلمذهما على شيوخ المذاهب وأقطاب المدارس الفقهية الإسلامية.

٣ ـ إجازاتهما ـ نتيجة لجهودهما وجهادهما ـ من قبل الفقهاء والمحدّثين المسلمين.

٤ ـ منهجية (المقارنة) وهي أرقى وأروع ما بلغه الفقه الإمامي من تنظير وتطبيق ومن دراسة وممارسة.

٥ ـ تدريسهما وافتائهما وفق المذاهب الخمسة وهذا منتهى التجدّد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) في مكتبتي الخاصّة في النجف الأشرف.

٣٨٢

والتغيير ، لأنّ رواية إغلاق باب الاجتهاد المشهورة عن السنّة إنّما هي قضية الاقتصار على المذاهب الأربعة(١).

فمن الإرهاصات الحداثوية والرؤى العصرية لمنظومة (الاجتهاد) ، الدعوة إلى الاجتهاد الإسلامي المطلق وليس الاجتهاد المذهبي المقيّد وهذه الأطروحة جسّدها واقعاً الشهيد الثاني بموضوعية في بعلبك حينما كان يدرّس الفقه على المذاهب الخمسة.

إنّ مشروع (الفقه المقارن) يعدّ اليوم من أولويّات مشاريع التوحّد والتقارب المذهبي. ونحن اليوم في مسيس الاحتياج إلى الاجتهاد الإسلامي المطلق وذلك ماشخّصه الشهيدان.

لقد أورث العامليّان الشهيدان نزعتهما الإيجابية التقريبية ورؤاهما الوحدوية إلى مَن خلفهم من رموز المدرسة العاملية وإلى زماننا المعاصر نظراء : السيّد الأمين ، السيّد عبد الحسين شرف الدين ، السيّد موسى الصدر والشيخ عبد الله السبيتي وغيرهم(٢).

الخلاصة والنتائج

في مختتم هذه الجولة المباركة في رحاب الشهيدين أثراً والفقه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) محمّد مهدي شمس الدين وآخرون : الاجتهاد والحياة ص ١٤ مركز الغدير للدراسات الإسلامية ، مطبعة فروردين ط ٢ / ١٩٩٧.

(٢) إنّ ذلك يكمن في مواكبتنا ومعايشتنا للأحداث المعاصرة.

٣٨٣

الإسلامي درساً والتأثير علاقة ، ينبغي أن ندوّن للبحث خاتمة وللمواضيع نتيجة :

١ ـ (جبل العلماء) جبل عاملة موئل الشهيدين ومنطلق رسالتهما ، كان حاضرة فقهية حتّى أنّه صلّى على جنازة (ستّ المشائخ) كريمة الشهيد الأوّل سبعون مجتهداً.

٢ ـ الشهيدان : انعطافة استثنائية في تاريخ الفقه الإسلامي وهما آخر دور عصر (الإستقلال والتكامل) فقهيّاً.

٣ ـ عصرهما عصر احتلال ومقاومة احتلال فمن حملات التتر إلى الحروب الصليبية إلى المماليك حتّى الاحتلال العثماني وأمّا الحياة الاجتماعية والاقتصادية فهي مجرّد كوارث.

٤ ـ رصد البحث قواسم مشتركة عديدة بين الشهيدين.

٥ ـ استدرك البحث على هنات المؤرّخين وفوات المترجمين لسيرتهما.

٦ ـ الهجرات العلمية والرحلات الفكرية كانتا سمة أساسية من سمات النشأة الفقهية لهذين الفقيهين الخالدين.

٧ ـ المدرسة الحلّية الفقهية تبلورت في مرحلة انتقالية نتيجة لعوامل معينة انتقلت خلالها المؤسّسة الدينية والمرجعية من النجف الأشرف إلى الحلّة التي أضحت بعد ذلك موطناً علميّاً للشهيد الأوّل.

٨ ـ تنوّعت مصادر دراستهما في الحواضر الإسلامية كافّة فمن

٣٨٤

مواطنهم : جزين وجبع إلى الحلّة وبغداد وبيت المقدس ومقام إبراهيم عليه‌السلام إلى مصر ومكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وحتّى القسطنطينية.

٩ ـ تشكيل البعد الموسوعي في الشخصية المعرفية لهما مع غزارة النتاجات العلمية فلم تقتصر تلك على العلوم الإسلامية والأدبية حسب وإنّما تخطّت إلى العلوم الصرفة : الطبّ ، الجبر ، الهندسة ، الفلك.

١٠ ـ الشهيدان : من السبّاقين القلائل والمبادرين الأوائل في التلقّي عن مشيخة المذاهب الإسلامية وأقطاب مدارسها العلمية والفقهية بحيث نصّ الشهيد الأوّل : (أروي عن نحو أربعين شيخاً منهم).

١١ ـ ارتأى البحث إنّ آثار الشهيد الأوّل تتجلّى في :

أ ـ تلامذته : وهم كثيرون بلغوا اثنين وثلاثين عالماً كبيراً يشكّلون مدرسته الفقهية السيّارة.

ب ـ نتاجاته ومصنّفاته : لقد أحصاها البحث فكانت ثلاثين مابين كتاب أو رسالة أو أجوبة لمسائل وتتباين مابين تخصّصية فقهية وإسلامية عامّة.

ج ـ إجازاته : وهي متميّزة كمّاً وكيفاً ولا سيّما من أقطاب المذاهب الأخرى استجازهم فأجازوه وأثنوا عليه ثناءً عاطراً.

١٢ ـ آثار الشهيد الثاني متعدّدة الجوانب وواسعة الأطياف منها :

أ ـ طلبته والراوون عنه وهم أكثر من أن يحصون غير أنّا ذكرنا منهم بحكم اطّلاعنا المتواضع.

ب ـ مؤلّفاته ومصنّفاته وقد عدّها البحث فكانت ستّاً وستّين كتاباً.

٣٨٥

ج ـ إجازاته : سواء المتحصّلة من شيوخه وأساتيذه ولا سيّما في مصر أو إجازاته الممنوحة من قبله إلى طلاّبه.

١٣ ـ المرجعية (الجهاز) تبلورت على يد الشهيد الأوّل في واحدة من انفراداته الجريئة محدثة نقلة نوعية في كيان المؤسّسة الدينية الشيعية.

١٤ ـ تصدّي الشهيد الأوّل للأفكار المبتدعة والحركات الداخلية الهدّامة والضلالات الشاذّة مثل فتنة (اليالوش).

١٥ ـ الفقه السياسي : تنظيراً وتطبيقاً ، دراسة وممارسة منجز عندهما وهو من البواعث المؤكّدة على اغتيالهما الاغتيال السياسي ، المذهبي ، الفكري.

١٦ ـ تجسيداً للخطاب الإسلامي مع الآخر نحو (الكلمة السواء) فقد انفتح الشهيدان على كلّ الوجودات الدينية ، السياسية ، الاجتماعية والعلمية وفي مختلف البلدان الإسلامية مؤكّدين بذلك مرتكزات (التقريب) ودعائم (التوحيد).

١٧ ـ (المقارنة) كمنهجية علمية تألّقت كإرهاصات حداثة وتجديد لآثارهما حتّى أنّ الشهيد الأوّل في توصيف القواعد والفوائد يذكر : (أنّه لم يعمل الأصحاب مثله).

١٨ ـ الأثر والتأثير : مادّة البحث وصلب الدراسة ، كان ثنائية تفاعلية تجلّت في :

أ ـ تأثّر الشهيد الأوّل بأساتذته الحلّيّين من فقهاء المدرسة العتيدة

٣٨٦

نظراء : فخر المحقّقين والسيّدين العميديّين وقطب الدين الرازي وابن معية وبالتالي تأثّره بأساتذة هؤلاء أمثال : المحقّق والعلاّمة.

ب ـ تأثير الشهيد الأوّل في تلامذته : المجتهدة كريمته (ستّ المشائخ) ، ابن الخازن ، ابن نجدة ، المقداد السيوري ، ابن النجّار وذلك على سبيل الاستشهاد لا التعداد.

ج ـ تأثّر الشهيد الثاني بالشهيد الأوّل : اتّضح من خلال رحلاته المتكرّرة ودعوته إلى التقريب والتوحيد وسلوكه منهجية (المقارنة) إضافة إلى شروحاته وتعليقاته على مصنّفات الشهيد الأوّل كما ويتّضح هذا الاعتبار من تأثير المدرسة الحلّية والشواهد عديدة : الروضة البهية ، تمهيد القواعد ، مسالك الأفهام.

د ـ تأثير الشهيد الثاني في طلبته : وهم بذلك قد أَثْرَوا المكتبة العربية والإسلامية ومنهم على سبيل الاستطلاع : الشيخ حسين عبد الصمد (والد شيخنا البهائي) ، ابن العودي ، السيّد جمال الدين الموسوي (من أجداد آل الصدر).

١٩ ـ على مائدة اللمعة التقى الشهيدان (المصنّف والشارح) فكانت أروع نتاج فقهيٍّ منهجية وأُسلوباً وتبويباً خلّدت مع تعاقب الأيّام كمقرّر دراسي في الحوزات والمعاهد الإسلامية الإمامية.

٢٠ ـ (فقه الوفاق) فقه الشهيدين ، جعل من الشهيدين العامليّين من أبرز دعاة التوحيد وروّاد التقريب.

٣٨٧

٢١ ـ (الاجتهاد الإسلامي المطلق) من شواخصه المثلى : الشهيدان العامليّان وليس (الاجتهاد المذهبي المقيّد) كما نراه اليوم عند المذاهب الإسلامية.

٢٢ ـ مأساة الشهيدين في كيفية اعتقالهما وآلية اغتيالهما من المفارقات المؤلمة والشجيّة فقد راحا ضحية التعصّب الطائفي المقيت والسياسة المذهبية العمياء والحكم التسلّطي الأُحادي.

آملين السير على طريقهما المبارك (طريق ذات الشوكة) ومنه

سبحانه وتعالى نستمدّ الاعتصام والحمد لله في المطلع والختام

والله خير موفّق ومعين

٣٨٨

المصادر

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ الاجتهاد والحياة : مجموعة مؤلّفين / مركز الغدير للدراسات الإسلامية / مطبعة فروردين ١٩٩٧م.

٣ ـ أمل الآمل : الشيخ محمّد بن الحسن بن عليّ (الحر العاملي) تح : أحمد الحسيني / مطبعة الآداب النجف الأشرف / ط١.

٤ ـ بيروت ودورها الجهادي من الفتح الإسلامي حتّى نهاية العهد العثماني : د. حنان قرقوتي / دار الكتب العلمية / بيروت ٢٠٠٣ م.

٥ ـ تاريخ جبل عامل : محمّد جابر آل صفا ـ دار النهار للنشر ـ بيروت ـ ط ٢.

٦ ـ تراثنا : دورية تصدرها مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث / قم المقدّسة / العدد الأوّل والثاني السنة الثانية والعشرين ١٤٢٧ محرّم ـ جمادى الآخرة.

٧ ـ جهود الشيخ المفيد الفقهية ومصادر استنباطه : صاحب محمّد حسين نصّار / إصدارات مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي حوزة علمية قم / قسم الفقه والحقوق.

٨ ـ خطط جبل عامل : السيّد محسن الأمين/ الدار العالمية بيروت ١٩٨٣.

٩ ـ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية : حسن الأمين / دار التعارف بيروت.

١٠ ـ روضات الجنّات (ج٧) : الميرزا محمّد باقر الخوانساري /طبعة قم ١٣٩٢ هـ.

٣٨٩

١١ ـ الروضة البهية في شرح اللّمعة الدمشقية : زين الدين الجبعي العاملي (الشهيد الثاني) ، إصدارات دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة / نشر : مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي حوزة علمية قم.

١٢ ـ الروضة البهية في شرح اللّمعة الدمشقية : زين الدين الجبعي العاملي (الشهيد الثاني) ، منشورات جامعة النجف الدينية / ط١/١٣٨٦.

١٣ ـ سمط النجوم العوالي : عبد الملك بن حسين العصامي المكّي / ج٣.

١٤ ـ شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام : المحقّق الحلّي / تقديم السيّد محمّد تقي الحكيم / طبعة محقّقة أولى مطبعة الآداب النجف الأشرف ١٩٦٩ م.

١٥ ـ الشهيد الأوّل فقيه السربداران : محمّد حسين الأماني/ ترجمة : كمال السيّد / مطبعة صدر ـ قم / الناشر مؤسّسة أنصاريان ١٤١٥ هـ ـ ١٩٩٥ م.

١٦ ـ القواعد والفوائد (مجلّدان) : محمّد بن مكّي العاملي (الشهيد الأوّل) /تح : د. السيّد عبد الهادي الحكيم / مطبعة الآداب النجف الأشرف ١٩٨٠ م.

١٧ ـ مجلّة دراسات وبحوث : جماعة العلماء المجاهدين في العراق /العدد ٢ السنة الأولى صفر ١٤٠٢ هـ ـ كانون الأوّل ١٩٨١م.

١٨ ـ المحنة : الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر / تسجيلات بصوته الشريف ١٩٧٩م.

١٩ ـ محنتنا على لسان الشهيد الصدر : الشيخ هادي الخزرجي/ مطبعة قم ط١ / رجب ١٤١٨ هـ.

٢٠ ـ (المرجعية والأمّة ، العلاقات المتبادلة) : د. نوري الساعدي / نشر جامعة الأمام الصادق عليه‌السلام بغداد ٢٠٠٠٦ م.

٢١ ـ مدرسة النجف وأبعادها العلمية والفكرية : وليد عبد الحميد الأسدي / رسالة دكتوراه من معهد التاريخ العربي والتراث العلمي بغداد ٢٠٠٢ م.

٣٩٠

٢٢ ـ مقالات المؤتمر العالمي لتكريم الإمام عبد الحسين شرف الدين (ج١ ، ج٢) : منشورات الأمانة العامّة لمؤتمر تكريم الإمام شرف الدين / قم ٢٠٠٥.

٢٣ ـ المقنعة في الفقه : الشيخ محمّد بن محمّد النعمان (الشيخ المفيد) / مخطوطة مصوّرة في مكتبتي الخاصّة بالنجف الأشرف.

٢٤ ـ موسوعة الإمام المغيّب السيّد موسى الصدر : مركز الإمام موسى الصدر للدراسات / بيروت.

٢٥ ـ موسوعة (محمّد باقر الصدر : السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق) : أحمد عبد الله أبو زيد العاملي / دار العارف للمطبوعات ٢٠٠٧/ بيروت.

٢٦ ـ موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت : عليهم‌السلام مؤسّسة معارف الفقه الإسلامي / الناشر مؤسّسة دار المعارف ٢٠٠٢ م.

٢٧ ـ نهج البلاغة : جمع الشريف الرضي / شرح أبن أبي الحديد المعتزلي / دار إحياء التراث العربي.

٢٨ ـ نهج البلاغة : اعداد مكتبة الروضة الحيدرية الناشر : العتبة العلوية ٢٠١٠ م.

٢٩ ـ الكافي (الأُصول) : محمّد بن يعقوب الكليني (ت ٣٢٨) ط٦/ ١٣٧٥ش دار الكتب الإسلامية.

٣٠ ـ مسالك الافهام في شرح شرائع الإسلام : زين الدين الجبعي العاملي (الشهيد الثاني) ، طبعة حجريّة في مكتبتي الخاصة بالنجف الأشرف.

٣٩١

المرويّات التاريخية في واقعة الطفّ

 حميد بن مسلم الأزدي أُنموذجاً

(قراءة نقدية)

د. محمّد جواد نور الدين فخر الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة :

ارتبطت كثير من الأحداث التاريخية بأسماء مدوّنيها وما أسهموا فيه من دور في نقل الصورة الحقيقية لذلك الحدث أو الواقعة التي جرت في زمان ومكان معيّنين ، وتأتي الأهمّية في تدوين هذه الروايات وفق السياق الزمني والتاريخي المرتبط بها والظروف التي كان لها إسهام مهمّ في نقل الرواية بصورتها الحقيقية ، أو بصورة متجزّئة ، أو تكون بعيدة عن الواقع الذي جرت فيه هذه الحوادث ، وتتمّ هذه العملية أمّا عن طريق المشافهة ، أو عن طريق المعاينة والتي تعتبر أدقّ من سابقتها لأن يكون الراوي شاهد عيان لتلك الحادثة التي سجّلها ونقلتها عنه فيما بعد المصادر.

٣٩٢

على أنّه لا يمكن التسليم بكلّ ما سجّل في صفحات التاريخ من هذه الأخبار ولا يمكن النظر لها كحقائق مسلّمة بها ؛ لأنّها لا شكّ تنطوي وراءها كثير من الشبهات والإرهاصات التي لا تغيب عن المؤرّخ المدقّق بكثير من مفاصلها ، ولست هنا أحاول تقصّي أحوال رواة الأحداث والوقائع التاريخية بقدر ما أقصده من إعطاء صورة مقرّبة لمن يبحث عن الحقيقة ويسعى وراءها ، لذا نختلف كثيراً مع رواة الأحداث والوقائع التاريخية في بعض ما دوّن من هذه الأخبار ؛ لأنّها انطوت في مضانّها على الكثير من التشويه والتزويق والتلفيق وتجريد الحقائق عن أصولها ، لذا لابدّ من البحث والنظر في أسانيدها والظروف التي دوّنت فيها عند الاختلاف والتعارض ، وإعمال النقد التاريخي لنصوصها عند التعارض في مداليلها ، وعدم النظر إلى الأحداث التاريخية نظرة مقدّسة لا تقبل التغيير والتبديل.

كيف لا وإنّ أكثر مراحل التاريخ الإسلامي خطورة تحتاج إلى توقّف كثير من قبل المؤرّخين كما هو الحال في المرحلة التي تبتدئ بمرض رسول الله(صلى الله عليه وآله) ووفاته وابتداء عهد الخلافة وما نجم فيها من خلافات وفتن ابتداء بأحداث سقيفة بني ساعدة وانتهاء بمعركة الجمل التي تمخّض عنها أحداث جسام كانت بمثابة البذرة الأولى لأوّل خلاف وقع بين المسلمين ، ليس الخلاف السياسي فحسب ، بل وخلاف عقائدي بمختلف أشكاله وألوانه أنتج فيما بعد فرقاً ومذاهب ذات اتجاهات متعدّدة في فهم الإسلام ، إن لم نقل كان عاملاً في تشتيت المسلمين فهو بحدّ ذاته كان عاملاً رئيسيّاً في تمزيقهم ،

٣٩٣

وأصبحوا فيما بعد لقمة سائغة لجميع التيّارات المعادية للإسلام.

لذا من الأهمّية أن يكون المؤرّخ حذراً كلّ الحذر في رصد الروايات التي تأخذ انطباعات متعدّدة في نقلها ، وتاريخنا الإسلامي مليء بهذه التشوّهات التي أخذت مساحة واسعة منه.

وتعدّ البدايات المبكّرة لتدوين تاريخنا الإسلامي على أيدي هؤلاء الإخباريّين الذين جمعوا روايات عن تاريخ العرب في الجاهلية وتاريخ سيرة الرسول(صلى الله عليه وآله) ومغازيه وحوادث الدولة الإسلامية.

وكان حميد بن مسلم الأزدي أحد هؤلاء الرواة الذين تناقلت كتب التاريخ رواياتهم ، على أنّ هناك جملة من المفارقات في هذه الشخصية عند قراءة سيرة حياتها ، إذ أنّه لم يكن ناقلاً للخبر التاريخي فحسب ، بل نجد اسمه في كثير من الأحداث السياسية التي جرت خلال عصره ، إن لم يكن طرفاً مؤثّراً في أحداثها ، كما نجده طرفاً معنيّاً يشار له في الوقائع التاريخية ، كواقعة كربلاء ، وما جرى فيما بعد في الكوفة وخاصّة بعد استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام.

ومن هنا كان لابدّ من الاهتمام الجدّي والحثيث في دراسة مثل هذه الشخصيّات التي كان لها دور محوريّ في تدوين التاريخ وتسجيل أحداثه من جهة ، ومن جهة أخرى فإن هناك شطراً مؤثّراً من مجريات الأحداث التي نقلها كان لابدّ لنا من التوقّف عليها في مراجعة المصنّفات التاريخية التي دوّنت رواياته ، والنظر لها بحذر شديد ؛ لأنّها لا شكّ كان ينطوي وراءها

٣٩٤

كثير من النصوص التي تحتاج إلى تتبّع وتأمّل لنضع من خلالها الحروف في مواضعها الحقيقية ، وذلك للتمييز بين السرد الشخصي للمؤرّخ الناقل للحدث لكونه أحد الأشخاص المؤثّرين ، وبين النصّ التاريخي المدوّن الذي لم تتداخل فيه رؤاه الخاصّة.

تمهيد :

ممّا لا شكّ فيه أنّ أغلب من طرق مسامعه هذا الاسم إنّما يلوح في باله وللوهلة الأولى فاجعة كربلاء وما جرى لأهل بيت الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله) من المصائب والآلام ، وذلك من خلال ما سمعه من مرويّات هذه الشخصية من خطباء المنبر الحسيني أو عن طريق قراءاته باعتباره ـ حميد بن مسلم ـ أحد الرواة لهذه الواقعة.

ومن خلال تتبّعي الدقيق عن هذه الشخصية في كتب الرجال لم أجد من يترجم له ترجمة وافية تمكّن الباحث والقارئ ـ في آن واحد ـ الوصول لجوانب مهمّة من حياته ، لكن ومن خلال ما توفّر لدينا من مصادر استطعنا رسم صورة أقرب لواقع هذه الشخصية وذلك من خلال التركيز على جوانب مهمّة من حياته وصولاً إلى أغلب حيثيّات الموضوع ، على الرغم من قلّة النصوص التاريخية الواردة عنه.

اسمه ونسبه :

لقد وقع هذا الاسم حسب النقولات التاريخية للأحداث والوقائع

٣٩٥

بعناوين مختلفة سواء كان في كتب المقاتل أو المصادر الرجالية أو كتب الأخبار أو المصادر التاريخية المتقدّمة منها والمتأخّرة ، وهي كالآتي :

أوّلا : ذكره الشيخ الطوسي بعنوان حميد بن مسلم الكوفي من أصحاب الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام(١) ، وهذه الصحبة التي أشار إليها الشيخ الطوسي لا يعني بالضروري أنّه من أصحابه المخلصين ، بقدر ما يكون قد التقى به وسمع عنه.

ثانياً : ذكرته المصادر الرجالية الأخرى بعنوان حميد بن مسلم ، رأى وائلة بن الأسقع ، تفرّد بالرواية عنه سعيد بن أبي أيّوب(٢).

وورد كذلك بعنوان حميد بن مسلم الدمشقي ، أبو عبيد الله ، رأى مكحولاً وبلال ، سمع منه سعيد بن أبي أيّوب(٣). ومن المحتمل أنّه غير حميد بن مسلم المقصود.

ثالثاً : ذكرته كتب المقاتل والأخبار بعنوان حميد بن مسلم(٤) ، أو حميد ابن مسلم الأزدي(٥).

رابعاً : ذكرته المصادر التاريخية بعنوان حميد بن مسلم(٦) ، أو حميد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) رجال الطوسي : ١١٢.

(٢) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٢/٣٩١ ، لسان الميزان ٢/٣٩١.

(٣) التاريخ الكبير ٢/٣٥٨ ، الجرح والتعديل ٣/٢٢٩.

(٤) اللهوف : ١٣٢ ، مثير الأحزان ٢/٧١.

(٥) اللهوف : ١٤٢ ، مثير الأحزان : ٨٤.

(٦) تاريخ الرسل والملوك ٤/٤٠ ، البداية والنهاية ٨/١٩٠.

٣٩٦

ابن مسلم الأزدي(١).

ونلحظ من خلال ما تقدّم أنّه قد ورد هذا الاسم بعناوين مختلفة ، لكن يمكن التمييز بينه وبين غيره من خلال رواياته التاريخية التي أخذت حيّزاً غير قليل من المصادر ، وبالأخصّ فيما يتعلّق بالأحداث السياسية المرتبطة منذ نزول الإمام الحسين عليه‌السلام إلى أرض كربلاء وحتّى مقتل المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، إذ ورد ذكره في بعض النصوص ، ويمكن من خلال تتبّعنا لمرويّاته التاريخية أن نسير معها تزامناً مع التاريخ والأحداث وهي :

أوّلاً : روايته لبعض الأحداث التاريخية قبل نهضة الإمام الحسين عليه‌السلام :

مثل الأحداث المرتبطة بواقعة صفّين ، وذلك ما نقله أبو مخنف عن إسماعيل بن يزيد عن حميد بن مسلم عن جندب بن عبد الله أنّ عليّاً قال للناس يوم صفّين : «لقد فعلتم فعلة ضعضعت قوّة وأسقطت منّة وأوهنت وأورثت وهناً وذلّة ولمّا كنتم الأعلين»(٢).

نصّ هذه الرواية لا يعنينا كثيراً بقدر ما يتبع هذه الشخصية من تواجدها وتأثيرها في مجتمع الكوفة ، لكن الذي نلحظه من نصّ هذه الرواية هو أنّه لم يكن حاضراً في موقعة صفّين ؛ لأنّ الرواية أصلاً منقولة بواسطة جندب بن عبد الله ، لكن يمكن القول أنّ الجذور الأولى لورود اسم حميد بن مسلم في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الرسل والملوك ٤/٣١١.

(٢) المصدر نفسه ٤/٤٠.

٣٩٧

كتب التاريخ كراوي ارتبط أصلاً بواقعة صفّين ، على الرغم من أنّ كتب الرجال لم تحدّد لنا سنة ولادته فلذلك لا يمكن الجزم بعمره خلال هذه المرحلة.

ثانياً : راوية لواقعة كربلاء :

عدد روايات حميد بن مسلم بالنسبة لمجموع روايات واقعة كربلاء ، وما يرتبط بها ، يعتبر قليلاً نسبيّاً سواء من الناحية العددية أو الزمنية ، ويعدّ الطبري المصدر الأساس في نقل أغلب رواياته ، لكنها لا تتناسب مع حضوره الشخصي واطّلاعه على كثير من مجرياتها السابقة للمعركة ، أو خلال المعركة وما جرى بعدها.

من جانب آخر فقد حاول حميد بن مسلم من خلال بعض مرويّاته التي ذكرتها المصادر وبالأخصّ الطبري أن يسجّل لنفسه مواقف إيجابيه اتّجاه ما جرى في هذه الواقعة ، إذ نراه يقف موقفاً حياديّاً ، أو يبعد نفسه عن كلّ شبهة قد تلصق له من قبل المؤرّخين ، بل نجده يبرّر أو يرفض بعض الأعمال التي انتهجها البعض خلال مسيرة المعركة.

بحيث صار ينقل لنا حواراً دار بينه وبين شمر بن ذي الجوشن في اللحظات الأولى من نشوب القتال : «قال : قلت لشمر بن ذي الجوشن : سبحان الله : إنّ هذا لا يصلح لك ، أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين تعذّب بعذاب الله ، وتقتل الولدان والنساء ، والله إنّ في قتلك الرجال لما تُرضي به أميرك ، قال : فقال : من أنت؟! قال : قلت : لا أخبرك من أنا ، قال :

٣٩٨

وخشيت والله أن لو عرفني أن يضرّني عند السلطان!...»(١).

لكن من خلال قراءتنا لهذه المحاورة لا يمكن الاستناد بكلّ ما جاء فيها وبالأخصّ فيما يتعلّق بمجهولية شخصيّته ، وكأنّه أراد أن يبيّن أنّه كان غير معروف للآخرين ، مع العلم ما سنذكره لاحقاً يبيّن لنا قربه من جميع قيادات الجيش ، بدليل نقله المباشر لكثير من الرسائل المتبادلة بين عبيد الله ابن زياد وعمر بن سعد وبالعكس ، سواء كان بالكوفة ، أو عند تواجده في كربلاء ، وهذا ما رواه هو عن لسانه ، إذ أرسله عمر بن سعد بعد انتهاء الواقعة ليبشّر أهله بالانتصار الذي حقّقه وبسلامته(٢).

فلذلك لا يمكن التسليم مطلقاً بكلّ ما نقله ، وهناك جملة من التوقّفات على أغلب محاور روايته ، وخاصّة أنّه عاش المرحلتين ، الكوفة خلال عهد الأمويّين ، والكوفة خلال عهد التوّابين ، أو عهد المختار ، الناقمين على قتلة الحسين عليه‌السلام ، فلذا لابدّ أن تكون محاور روايته تأخذ هذا الطابع الإيجابي لأجل أن لا يطاله القصاص كما حصل للآخرين ، بل نراه يتزلّف سواء كان للتوّابين أو المختار وينقل الوقائع التي حصلت في الكوفة ويكون من المقرّبين لهم.

ويمكن أن نقف على موقف آخر ـ وهي بالتالي خاضعة لما تقدّم ذكره ـ وهو دوره كما نقل في التأثير على شمر بن ذي الجوشن لإقناعه بترك قتل الإمام عليّ بن الحسين عليه‌السلام بعد مصرع الحسين عليه‌السلام : «قال : انتهيت إلى عليّ بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) المصدر نفسه ٤/٣٣٤.

(٢) المصدر نفسه ٤/٣٤٩.

٣٩٩

الحسين بن عليّ الأصغر وهو منبسط على فراش له وهو مريض ، وإذا شمر ابن ذي الجوشن في رجالة معه يقولون : ألا نقتل هذا. قال : فقلت : سبحان الله أنقتل الصبيان إنّما هذا صبيّ؟ قال : فما زال ذلك دأبي أدفع عنه كلّ من جاء حتّى جاء عمر بن سعد فقال : ألا لا يدخلنّ بيت هؤلاء النسوة أحد ، ولا يعرضنّ لهذا الغلام المريض ، ومن أخذ من متاعهم شيئاً فليردّه عليهم ، قال : فوالله ما ردّ أحد شيئاً ، قال : فقال عليّ بن الحسين : جزيت من رجل خيراً فوالله لقد دفع الله عنّي بمقالتك شرّاً...»(١).

ومن هنا لابدّ النظر بدقّة وتمحيص لهذه الروايات لأجل الوصول إلى الملامح الرئيسية والأدوار المتتابعة له خلال هذه المرحلة ، من خلال ما يأتي :

١ ـ روايته للمراسلات التي جرت بين عبيد الله بن زياد أمير الكوفة وعمر بن سعد قائد جيش الأمويّين في المعركة ، وروايته لخبر إرسال عبيد الله رسالة بيد الشمر بن ذي الجوشن لعمر بن سعد ، ووصول هذا يوم التاسع ، وكانت الرسالة تحمل في مضمونها أمر القتال(٢) ، عن حميد بن مسلم قال : «ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له : اخرج بهذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) المصدر نفسه ٤/٣٤٧.

(٢) ومحتوى الرسالة هي : «أمّا بعد ، فإنّي لم أبعثك إلى الحسين لتطاوله الأيام ، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتكون شفيعه إليّ ، فأعرض عليه ، وعلى أصحابه النزول على حكمي ، فإن أجابوك فابعث به وبأصحابه إليّ ، وإن أبوا فازحف إليه ، فإنّه عاقّ شاقّ ، فإن لم تفعل فاعتزل جندنا ، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنّا قد أمرناك بأمرنا. فنادى عمر بن سعد في أصحابه أن انهدّوا إلى القوم».

ينظر : الأخبار الطوال : ٢٥٥ ، الإرشاد ٢/٨٨ ، روضة الواعظين : ١٨٢ ـ ١٨٣.

٤٠٠