تراثنا ـ العدد [ 124 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 124 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٩٤

رواته وضعّفوا رجاله ، وقيل : إنّ هذيل بن شرحبيل مجهول ضعيف(١).

٤ ـ روي عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «لو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً».

فقال السيّد : «طعنوا في رواية الخبر بأنّ راويه عبد الملك بن عمير ، وهو من شيع بني أمية ، وممّن تولّى القضاء لهم ، وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت أيضاً ، ظنيناً في نفسه وأمانته.

وروي أنّه كان يمرّ على أصحاب الحسين بن علىّ عليهم‌السلام وهم جرحى فيجهز عليهم فلمّا عوتب على ذلك قال : إنّما أريد أن أريحهم»(٢).

٥ ـ عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «سترون ربّكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته».

قال السيّد المرتضى قدس‌سره : «هذا الخبر مطعون عليه مقدوح في راويه ، فإنّ راويه قيس بن أبي حازم ، وقد كان خولط في عقله في آخر عمره مع استمراره على رواية الأخبار.

وهذا قدحٌ لا شبهة فيه ؛ لأنّ كلّ خبر مروي عنه لا يعلم تاريخه يجب أن يكون مردوداً ، لأنّه لا يؤمن أن يكون ممّا سمع منه في حال الاختلال.

على أنّ قيساً لو سلم من هذا القدح كان مطعوناً فيه من وجه آخر ، وهو أنّ قيس بن أبي حازم كان مشهوراً بالنصب والمعاداة لأمير المؤمنين ـ

__________________

(١) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٥٥٨.

(٢) الشافي في الامامة : ٢/٣٠٧ ـ ٣٠٨.

٢١

صلوات الله وسلامه عليه ـ والانحراف عنه»(١).

وهكذا الأمر في الروايات التالية حيث أشكل عليها الشريف المرتضى :

٦ ـ روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه سئل ـ وهو على المنبر ـ عن بنتين وأبوين وزوجة؟ فقال عليه‌السلام بغير رويّة : صار ثمنها تسعاً(٢).

٧ ـ عن أبي أُمامة الباهلي قال : سمعت النبىّ (صلى الله عليه وآله) يقول في خطبته عام حجّة الوداع : «ألا إنّ الله تعالى قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه ، فلا وصيّة لوارث»(٣).

٨ ـ عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «أنّه لا يتوارث أهل ملّتين»(٤).

٩ ـ عن جابر بن عبد الله ، عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «لا وصية لوارث»(٥).

١٠ ـ روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة»(٦).

١١ ـ روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «أىّ امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل»(٧).

__________________

(١) تنزيه الأنبياء : ١٧٨.

(٢) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٥٦٦.

(٣) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٦٠٠.

(٤) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٥٩٠.

(٥) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٦٠٠.

(٦) الشافي في الامامة : ٣/١٠٦ ؛ ٤/٣٠.

(٧) رسائل الشريف المرتضى : ١/٢٣٥.

٢٢

١٢ ـ ما ورد حول خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام بنت أبي جهل بن هشام(١).

ج ـ تفرّد الراوي :

إنّ الشريف المرتضى ـ تبعاً لكثير من الفقهاء والمتكلّمين ـ يرى أنّ تفرّد الراوي برواية كان يوجب ضعف الخبر ، فلأجل ذلك ردّ بعض الأخبار بتفرّد الراوي ، منها :

١ ـ روى الزهري ، عن علىّ بن الحسين عليه‌السلام ، عن عمرو بن عثمان بن عفّان ، عن أُسامة بن زيد أنّ النبىّ (صلى الله عليه وآله) قال : «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم».

فقال السيّد قدس‌سره : «أمّا خبر أسامة فمقدوح فيه ، لأنّ أسامة تفرّد به عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) ، وتفرّد به أيضاً عنه عمرو بن عثمان ، وتفرّد به علي بن الحسين عليه‌السلامعن عمرو ، وتفرّد به الزهري عن علىّ بن الحسين عليه‌السلام ، وتفرّد الراوي بالحديث ممّا يوهنه ويضعفه لوجوه معروفة»(٢).

٢ ـ روى شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن عثمان ، عن عمرو بن خارجة ، عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «لا يجوز لوارث وصيّة».

فقال الشريف المرتضى معلّقاً على هذا الخبر : «فأمّا خبر شهر بن حوشب ؛ فإنّه تفرّد به عن عبد الرحمن بن عثمان ، وتفرّد به عبد الرحمن ،

__________________

(١) تنزيه الأنبياء : ٢١٩.

(٢) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٥٨٩.

٢٣

ولا يرويه عن عبد الرحمن إلا شهر بن حوشب»(١).

ثانياً : معايير ضعف الخبر وصحّته من حيث المتن :

ألف ـ مخالفته مع الدليل العقلي :

قد مرّ في كلام الشريف قدس‌سره أنّ مخالفة الدليل العقلي توجب ضعف الخبر.

كما قد صرّح في موضع آخر «بأنّ الأخبار يجب أن تبنى على أدلّة العقول ، ولا تقبل في خلال ما تقتضيه أدلّة العقول»(٢).

وقال أيضاً : «الرواية إذا كانت مخالفة لما تقتضيه الأدلّة لا يلتفت إليها لو كانت قوية صحيحة ظاهرة ، فكيف إذا كانت ضعيفة واهية؟»(٣).

كما سبق عن الشيخ قدس‌سره أنّ من القرائن التي تدلّ على صحّة متضمّن الأخبار أن تكون موافقة لأدلّة العقل وما اقتضاه.

فالسيّد المرتضى قدس‌سره قد ضعّف بعض الأخبار ـ سيّما في المباحث الاعتقادية ـ لمخالفتها الدليل العقلي ، وهذا مثل أخبار الجبر والتشبيه(٤).

فنحن نذكر بعض كلماته ممّا يرتبط بالمقام :

١ ـ قد روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا رأى تولّي قومه عنه شقّ عليه ما هم

__________________

(١) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٥٩٩ ـ ٦٠٠.

(٢) تنزيه الأنبياء : ٣٣.

(٣) تنزيه الأنبياء : ١٣٣.

(٤) تنزيه الأنبياء : ٣٣ ؛ ١٧١.

٢٤

عليه من المباعدة والمنافرة ، وتمنّى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب بينه وبينهم ، وتمكّن حبّ ذلك في قلبه.

فلمّا أنزل الله تعالى عليه : (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) وتلاها عليهم ، ألقى الشيطان على لسانه ـ لما كان تمكّن في نفسه من محبّة مقاربتهم ـ : (تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجي) ، فلمّا سمعت قريش ذلك سرّت به وأعجبهم ما زكّى به آلهتهم ، حتّى انتهى إلى السجدة فسجد المؤمنون وسجد أيضاً المشركون لمّا سمعوا من ذكر آلهتهم بما أعجبهم.

ولكن الشريف المرتضى قدس‌سره أورد على هذه الأخبار بأنّ الأحاديث المروية في هذا الباب لا يلتفت إليها من حيث تضمّنت ما قد نزّهت العقول الرسل صلوات الله عليهم عنه(١).

٢ ـ وقد سئل السيّد المرتضى قدس‌سره : «ما قولكم في الخبر الذي رواه محمّد بن جرير الطبري ، بإسناده عن أبي هريرة ، عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) : إنّ النار تقول : هل من مزيد إذا ألقي فيها أهلها ، حتّى يضع الربّ تعالى قدمه فيها. وتقول قط ، قط ، فحينئذ تمتلئ ، وينزوي بعضها إلى بعض؟ وقد روي مثل ذلك عن أنس بن مالك».

وقد أورد السيّد قدس‌سره على هذا الخبر وأجاب بقوله : «لا شبهة في أنّ كلّ خبر اقتضى ما تنفيه أدلّة العقول فهو باطل مردود ، إلاّ أن يكون له تأويل سائغ

__________________

(١) تنزيه الأنبياء : ١٥٣.

٢٥

غير متعسّف ، فيجوز أن يكون صحيحاً ، ومعناه مطابقاً للأدلّة»(١).

٣ ـ قد ورد في بعض الأخبار عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «إنّ الميّت ليعذّب ببكاءِ الحيّ عليه».

وفي رواية أُخرى : «إنّ المّيت يعذّب في قبره بالنياحة عليه».

وروى المغيرة بن شعبة عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «من نَيْحَ عليه فإنّه يعذّب بما يُناح عليه».

ولكن أورد عليه السيّد قدس‌سره «بأنّ هذا الخبر منكر الظاهر ، لأنّه يقتضي إضافة الظلم إلى الله تعالى ، وقد نزّهت أدلّة العقول التي لا يدخلها الاحتمال والاتّساع والمجاز»(٢).

٤ ـ ثمّ إنّ الشريف المرتضى قدس‌سره قد عدّ من الدليل العقلي أن يكون المُخْبَر عنه ممّا تقوى الدّواعي إلى نقله ، وتمنع من كتمانه ، فإذا لم يُنقل والحال هذه عُلم كونه كذباً ، وقد مرّ تفصيل ذلك في الأمر الأوّل من المقدّمة.

وقد أورد السيّد قدس‌سره على خبر العشرة المبشّرة بأنّ هذا الخبر لو كان صحيحاً لاحتجّ به أبو بكر لنفسه ، واحتجّ له به في السقيفة وغيرها. وكذلك عمر وعثمان ، فهو أقوى من كلّ شيء احتجّوا به في مواطن كثيرة لو كان صحيحاً.

وممّا يبيّن أيضاً بطلانه إمساك طلحة والزبير عن الاحتجاج به لمّا دعوا

__________________

(١) تنزيه الأنبياء : ١٧١.

(٢) تنزيه الأنبياء : ١٧٢.

٢٦

الناس إلى نصرتهما واستنفارهم إلى الحرب معهما ، وأىّ فضيلة أعظم وأفخم من الشهادة لهما بالجنّة؟ وكيف يعدلان مع العلم والحاجة عن ذكر إلاّ لأنّه باطل(١).

٥ ـ روي عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) : «أنّه سيكون فتنة ، وإنّ عثمان وأصحابه يومئذ على الهدى».

فأورد عليه الشريف المرتضى قدس‌سره «بأنّ هذه الرواية لو كانت معروفة لكان عثمان أولى الناس بالاحتجاج بها يوم الدار ، وقد احتجّ عليهم بكلّ غثٍّ وسمين ، وقيل ذلك لمّا خوصم وطولب بأن يخلع نفسه ، ولاحتجّ عنه بعض أصحابه وأنصاره ، وفي علمنا بأنّ شيئاً من ذلك لم يكن دلالة على أنّها مصنوعة موضوعة»(٢).

ب ـ مخالفته مع ظاهر القرآن أو فحواه :

إنّ الشريف المرتضى قدس‌سره قد ضعّف بعض الروايات لمخالفتها القرآن ، كما هو الحال في معاملته مع أخبار التشبيه ، فإنّها مخالفة مع محكم القرآن ؛ كما صرّح الشريف المرتضى بذلك(٣).

فنحن نذكر جملةً من هذه الأخبار :

__________________

(١) الشافي في الامامة : ٤/٣٤٦ ـ ٣٤٧

(٢) الشافي في الامامة : ٤/٢٤٣.

(٣) تنزيه الأنبياء : ١٧١.

٢٧

١ ـ قال القاضي عبد الجبّار في ذيل آية : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) : قد روي أنّها نزلت في عبادة بن الصامت ، لأنّه كان قد دخل في حلف اليهود ، ثمّ تبرأ منهم ومن ولايتهم ، وفزع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : فأنزل الله تعالى هذه الآية مقوّية لقلوب من دخل في الإيمان ، ومبيّناً له أنّ ناصره هو الله ورسوله والمؤمنون(١).

ولكن أورد عليه السيّد المرتضى قدس‌سره مضافاً إلى أنّه مخالف لما أطبق على نقله جماعة أصحاب الحديث من الخاصّة والعامّة ـ بأنّ مفهوم الآية ممتنعٌ ممّا ذكره ، لأنّا قد دللنا على اقتضائها فيمن وصف بها معنى الإمامة ، فليس يجوز أن يكون المعنيّ بها عبادة بعينه ؛ للاتّفاق على أنّه لا إمامة له في حال من الأحوال(٢).

٢ ـ روي عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «في ولد الزنا أنّه شرّ الثلاثة».

فأورد عليه الشريف المرتضى بأنّه خبر واحد لا يوجب علماً ولا عملاً ، ولا يرجع بمثله عن ظواهر الكتاب الموجبة للعلم(٣).

وقال أيضاً : خبرٌ مقدوحٌ في روايته وطريقه بما هو معروف ، ومع هذا فإنّه يخالف ظاهر الكتاب الذي تلوناه ، والعمل بالكتاب أولى من العمل به(٤).

__________________

(١) المغني : ٢٠ ق ١/١٣٨.

(٢) الشافي في الامامة : ٢/٢٤٨.

(٣) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٥٠٢.

(٤) المسائل الناصريات : ٤٠٨.

٢٨

٣ ـ (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَالله يُرِيدُ الآخِرَةَ وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(١).

فظاهر الآية عتاب النبىّ ، وروي أنّه (صلى الله عليه وآله) لمّا استشار أصحابه ، فأشار عليه أبو بكر باستبقائهم ، وعمر باستيصالهم ، رجع إلى رأي أبي بكر ، فعوتب النبي (صلى الله عليه وآله) من أجل ذلك.

ولكن السيّد المرتضى ـ بعد أن فسّر الآية بما لا يدلّ على عتاب النبىّ (صلى الله عليه وآله) ـ قال : «إذا كان القرآن لا يدلّ بظاهر ولا فحوى على وقوع معصية منه ـ صلوات الله عليه ـ في هذا الباب ، فالرواية الشاذّة لا يعوّل عليها ولا يلتفت إليها»(٢).

٤ ـ روى أبو الأسود الدؤلي أنّ رجلاً حدّثه أنّ معاذاً قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : «الإسلام يزيد ولا ينقص» ، فورث معاذ المسلم ، وورثه معاوية بن أبي سفيان وقال : «كما لا يحلّ لنا النكاح منهم ولا يحلّ لهم منّا ، فكذلك نرثهم ولا يرثونا».

فأورد السيد المرتضى قدس‌سره عليه : «بأنّ الخبر إذا صحّ فظاهر القرآن يدفعه ، وأخبار الآحاد لا يخصّ بها القرآن»(٣).

ج ـ مخالفته مع السنّة :

إنّ الخبر إذا كان مخالفاً للسنّة الصحيحة كان ذلك دليل على ضعفه ،

__________________

(١) سورة الأنفال : ٦٧.

(٢) تنزيه الأنبياء : ١٥٩.

(٣) المسائل الناصريات : ٤٢٣.

٢٩

كما أنّ مطابقته لنصّ الكتاب ـ إمّا خصوصه أو عمومه ، أو دليله ، أو فحواه ، فإنّ جميع ذلك ـ دليل على صحّة متضمّنه ، كما قال الشيخ قدس‌سره(١).

والشريف المرتضى قدس‌سره بعد تصريحه ببطلان كلّ خبر مخالف للسنّة(٢) قال : «قد دلّت العقول ومحكم القرآن والصحيح من السنّة على أنّ الله تعالى ليس بذي جوارح ، ولا يشبه شيئاً من المخلوقات ، وكلّ خبر نافى ما ذكرناه وجب أن يكون إمّا مردوداً أو محمولاً على ما يطابق ما ذكرنا من الأدلّة»(٣).

د ـ مخالفته مع الواقع التاريخي :

قد ضعّف الشريف المرتضى قدس‌سره بعض الأخبار لمخالفتها الواقع التاريخي ، فنحن في المقام نذكر نموذجاً منها :

قد روي عن سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «أنّ الخلافة بعدي ثلاثون».

وقد أورد الشريف المرتضى على هذا الخبر : «بأنّا وجدنا سنيّ خلافة هؤلاء الأربعة تزيد على ثلاثين سنة شهورا ؛ لأنّ النبىّ (صلى الله عليه وآله) قبض لاثني عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل سنة عشر ، وقبض أمير المؤمنين عليه‌السلام لتسع ليال بقيت من شهر رمضان سنة أربعين ، فهاهنا زيادة على ثلاثين سنة بينه ولا يجوز أن يدخل مثل ذلك فيما يخبر به ؛ لأنّ وجود الزيادة كوجود النقصان

__________________

(١) عدّة الأصول : ١/١٤٤.

(٢) الذريعة : ٢/٣٥.

(٣) تنزيه الأنبياء : ١٧١.

٣٠

في إخراج الخبر من أن يكون صدقاً»(١).

هـ ـ مخالفته مع الإجماع :

إنّ الشريف المرتضى قدس‌سره قد صحّح بعض الأخبار للإجماع على قبولها.

منها خبر الغدير ، فإنّ السيّد قد صحّح هذا الخبر وقال : «وممّا يدلّ على صحّة الخبر إطباق علماء الأمّة على قبوله .... وما نعلم أنّ فرقة من فرق الأمّة ردّت هذا الخبر واعتقدت بطلانه ، وامتنعت من قبوله ، وما تجمع الأمّة عليه لا يكون إلاّ حقّاً عندنا وعند مخالفينا ، وإن اختلفنا في العلّة والاستدلال»(٢).

وكذا صحّح ما روي من حمل رأس سيّد الشهداء عليه‌السلام إلى الشام ، وقال : «هذا أمرٌ قد رواه جميع الرواة والمصنّفين في يوم الطّفّ وأطبقوا عليه»(٣).

وهكذا صحّح الخبر المرويّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) من قوله : «صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ؛ فإنّ غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين» ؛ لأنّه قد أجمعت الأمّة على قبوله(٤).

كما أنّه قد ضعّف ما روي عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتديتم اهتديتم» ، وقال : «لو كان هذا الخبر صحيحاً لكان موجباً لعصمة

__________________

(١) الشافي في الامامة : ٣/١٠٥ ـ ١٠٦.

(٢) الشافي في الامامة : ٢/٢٦٢

(٣) رسائل الشريف المرتضى : ٣/١٣٠.

(٤) رسائل الشريف المرتضى : ٢/٢٠ ـ ٢١.

٣١

كلّ واحد من الصحابة ؛ ليصحّ ويحسن الأمر بالاقتداء بكلّ واحد منهم ، وليس هذا قولاً لأحد من الأمّة فيهم»(١).

كما قد ذهب بطرح أو تأويل كلّ خبر نافى النصّ على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لأنّ الأخبار بثبوت النصّ على أمير المؤمنين عليه‌السلام مجمعٌ على صحّتها متّفقٌ عليها(٢).

وقد ردّ الخبر المروي عن عبد الله بن مسعود من أنّه عُلّم التشهد ثمّ قال : «إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك».

حيث قال : «لأنّ ظاهر الخبر متروك بإجماع»(٣).

ثمّ إنّ هناك معايير أخرى قد استند اليها الشريف المرتضى قدس‌سره في تضعيفه بعض الأخبار ، نكتفي بالإشارة إليها فقط :

١ ـ مخالفة الرواية مع فتوى الراوي وقوله(٤).

٢ ـ اختلاف لفظ الخبر وإذا كان الطريق إليه واحد(٥).

__________________

(١) الشافي في الامامة : ٣/١٣٠.

(٢) الشافي في الامامة : ٣/٩٩.

(٣) المسائل الناصريات : ٢١٢.

(٤) لاحظ المسائل الناصريات : ٤٠٨.

(٥) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٥٥٥ ؛ ٥٩٠.

٣٢

المصادر

١ ـ الأمالي : الشريف المرتضى ، علم الهدى ، أبو القاسم علىّ بن الحسين الموسوي ، تصحيح : السيّد محمّد بدر الدين النعساني الحلبي ، قم : مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، ١٤٠٣ هـ.

٢ ـ الانتصار في انفرادات الإمامية : الشريف المرتضى ، علم الهدى ، أبو القاسم علىّ بن الحسين الموسوي ، قم : مؤسّسة النشر الإسلامي ، شوال المكرّم ١٤١٥ هـ.

٣ ـ تنزيه الأنبياء : الشريف المرتضى ، علم الهدى ، أبو القاسم علىّ بن الحسين الموسوي ، بيروت : دار الأضواء ، ١٤٠٩ هـ.

٤ ـ جمل العلم والعمل : الشريف المرتضى ، علم الهدى ، أبو القاسم علىّ بن الحسين الموسوي ، تحقيق : السيّد أحمد الحسيني ، النجف الأشرف : مطبعة الآداب ، ١٣٧٨ هـ.

٥ ـ الذريعة إلى أصول الشريعة : الشريف المرتضى ، علم الهدى ، أبو القاسم علىّ بن الحسين الموسوي ، تصحيح : أبو القاسم گرجى ، طهران : جامعة طهران ، ١٣٤٦ ش.

٦ ـ رسائل الشريف المرتضى : الشريف المرتضى ، علم الهدى ، أبو القاسم علىّ ابن الحسين الموسوي ، تقديم : السيّد أحمد الحسيني ، إعداد السيّد مهدي الرجائي ، قم : دار القرآن الكريم ، ١٤٠٥ هـ.

٣٣

٧ ـ الشافي في الإمامة : الشريف المرتضى ، علم الهدى ، أبو القاسم علىّ بن الحسين الموسوي ، تحقيق : السيّد عبد الزهراء الحسيني الخطيب ، مراجعة السيّد فاضل الميلاني ، طهران : مؤسّسة الصادق ، ١٤١٠ هـ.

٨ ـ العدّة في أصول الفقه : أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، تحقيق : محمّد رضا الأنصاري القمّي ، قم ، ١٤١٧ هـ.

٩ ـ مسائل الناصريّات : الشريف المرتضى ، علم الهدى ، أبو القاسم علىّ بن الحسين الموسوي ، قم : مركز البحوث والدراسات العلمية ، ١٤١٧ هـ.

١٠ ـ المقنع في الغيبة : الشريف المرتضى ، علم الهدى ، أبو القاسم علىّ بن الحسين الموسوي ، تحقيق : السيّد محمّد علي الحكيم ، قم : مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، ١٤١٦ هـ.

٣٤

حقيقة الإيمان والكفر

في فكر الشريف المرتضى

الشيخ حيدر البيّاتي

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة :

ارتبط ظهور الكثير من الأبحاث والنظريّات الكلاميّة في التاريخ الإسلامي بأحداث معيّنة أدت إلى إبرازها والتركيز عليها ، ومن تلك الأحداث التاريخية التي أدّت إلى ظهور بعض النظريّات الكلامية هي حروبُ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والتي منها معركة صفّين ، فعندما شارفت المعركة على أن تضع أوزارها ، وتنكشف الغبرة عن انتصار كاسح لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، إذا بمجموعة تمرق من داخل جيشه ينقلبون عليه ، ويؤدّي انقلابهم إلى إيقاف الحرب والتحاكم بين الطرفين ، وبعد ذلك ندم المارقون على فعلتهم ، وتوصّلوا ـ حسب ما أدّى إليه فكرهم ـ إلى أنّ ما قاموا به من القبول بالتحاكم كان ذنباً كبيراً ينبغي التوبة منه ، وإنّ مَن لم يَتُبْ منه يكون كافراً!!

٣٥

ومن هنا ظهروا على العالَم بنظريّة جديدة أدّت إلى انعكاسات خطيرة على مستوى الواقع الإسلامي ، من تكفير لكبار الشخصيّات ، وعلى رأسها الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكلّ المخالفين لنظريّتهم من المسلمين ، إضافةً إلى نشوب حروب عديدة ـ أوّلها النهروان ـ انتهت بسفك دماء آلاف المسلمين ، إلى غير ذلك من الانعكاسات ، وبذلك تشكّلت ظاهرة جديدة عُرفت باسم : (الخوارج) ، وقسّمت المسلمين إلى مؤمن وكافر(١).

وفي مقابل هذه النظريّة المتطرّفة ظهرت نظريّة متطرّفة أُخرى ، فيها شيء من الانفتاح المتطرّف في مقابل انغلاق الخوارج المتطرّف ، إنّها نظريّة (الإرجاء) ، فقد ركّزت هذه النظريّة على أنّ مرتكب الكبيرة يُرجأ أمره إلى الله تعالى مهما ارتكب من الجرائم والكبائر من ظلم وقتل ومعاصي ، وأنّه لا يحقّ لنا اعتباره كافراً ، أو قتله(٢) ، وقد استغلّ بنو أميّة هذه النظريّة ودعموها ؛ باعتبارها يمكن أن تبرّر أعمالهم الظالمة ، خاصّة وأنّهم أخذوا يواجهون تحدّي تيّار الخوارج الذي كان لا يتردّد في الإعلان عن كفرهم ، وخروجهم عن الدين(٣).

لقد أدّت النظريّتان المتطرّفتان المذكورتان ـ إضافة إلى آثارهما على الواقع الإسلامي ـ إلى تأثير كبير في الجانب النظريّ الكلاميّ ، حيث أدّتا إلى

__________________

(١) انظر : الكامل للمبرّد ، ص٥٦٧ وما بعدها.

(٢) انظر : فِرَق تسنن (بالفارسية) ، ص٢١٦ وما بعدها.

(٣) الانحرافات الكبرى ، ص٤٨٨.

٣٦

بروز نزاعات كلامية كبيرة ، وطرح تساؤلات كثيرة حول مرتكب الكبيرة ، وهل أنّ مرتكب الكبيرة من أهل القبلة كافر ، ويستحقّ القتل؟ وما هي حقيقة الكفر؟ وما هي حقيقة الإيمان الذي يقع في مقابله؟ وما هو مصير مرتكب الكبيرة يوم القيامة ، هل يخلد في النار ، أم يخرج منها بعد دخوله لمدّة فيها؟ كلّ هذه وغيرها تساؤلات مهمّة فرضت نفسها على طاولة البحث الكلامي ، وتطلّبت تقديم إجابات واضحة عليها.

وفي الفترة الواقعة ما بين نهايات القرن الأوّل وبدايات القرن الثاني ، وقعت حادثة في البصرة كان لها ارتباط بالنزاع المتقدّم ، وأدّت إلى ظهور فرقة كلامية كبيرة استمرّ وجودها قروناً ، وكان لها أثرٌ بارزٌ على مجمل تاريخ علم الكلام الإسلامي.

فقد دخل يوماً رجلٌ على حلقة الحسن البصري في الجامع بالبصرة ، حيث كان قد تجمّع حوله مجموعة من تلامذته ، ومنهم تلميذه واصل بن عطاء الذي أصبح له بعد هذه الحادثة شأن كبير ، وسأل ذلك الرجل الحسنَ البصري عن النزاع الدائر حول حقيقة مرتكب الكبيرة ، وهل هو مؤمن أو كافر ، فقال ما مضمونه : «يا إمام الدين!! لقد ظهرت في زماننا جماعةٌ يكفّرون أصحاب الكبائر ، والكبيرة عندهم كفرٌ يخرج به عن الملّة ، وهم وعيدية الخوارج. وجماعة يُرجئون أصحاب الكبائر ، والكبيرة عندهم لا تضرّ مع الإيمان ، بل العمل على مذهبهم ليس ركناً من الإيمان ، ولا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأُمّة ، فكيف تحكم لنا في

٣٧

ذلك اعتقاداً؟»(١).

وقبل أن يجيب الحسن عن السؤال ، ويكشف عن رأيه الذي يبدو أنّ واصلا كان يعلم به ويختلف معه ، قام واصل من المجلس ، وقال : «أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً ، ولا كافر مطلقاً ، بل هو في منزلة بين المنزلتين ، لا مؤمن ولا كافر»(٢) ، ثمّ انتحى جانباً من المسجد ، وجلس إلى اسطوانة أخرى ، واعتزل من ذلك اليوم درس الحسن ؛ وبذلك ظهر على العالَم بفرقة جديدة سمّيت : (المعتزلة) ، وصارت عقيدة (المنزلة بين المنزلتين) أحد أصولها ، ومن العلامات الفارقة التي يتميّز بها المعتزلي من غيره ، حيث قسّم الناس إلى ثلاثة أقسام : مؤمن ، وكافر ، ولا مؤمن ولا كافر ، وهو المسمّى : بـ : الفاسق.

وبذلك أخذ بحث حقيقة الإيمان والكفر يأخذ مكانه شيئاً فشيئاً بين البحوث والكتب الكلامية ، حتّى خُصّص له باب مستقلّ ، وقد طرح هذا البحث في الكتب الكلامية المتقدّمة تحت عنوان : (الأسماء والأحكام) ، حيث يُبحث هناك عن حقيقة اسم المؤمن والكافر والفاسق ، وعن حكم هذه الأسماء ، من حيث التخليد في النار وعدمه ، وغير ذلك.

فقد أصرّ المعتزلة على أنّ مرتكب الكبيرة ـ رغم عدم كفره ـ مخلّد في النار ، ولا يخرج منها أبداً ، أي إنّ ما توعّد به الله تعالى مرتكبي الكبائر من

__________________

(١) الملل والنحل ، ج١ ، ص٤٨.

(٢) المصدر السابق.

٣٨

العقاب لابدّ أن يتحقّق ، ولذلك عُرف المعتزلة باسم : (الوعيدية) ، وصار (الوعيد) أحد أصولهم الخمسة المشهورة(١).

وقد ظهر هذا البحث عند الإماميّة ، فأدلوا بدلوهم ، وبيّنوا رأيهم حوله ، ومن هؤلاء المتكلّمين الإماميةِ الشريفُ المرتضى الذي كان له دورٌ في تأسيس نظرة خاصّة إلى حقيقة الكفر والإيمان ، وما يتعلّق بذلك من بحوث ، مستعيناً بنظريّات شيخه المفيد ، فقد كانت نظريّاته حول الإيمان والكفر قريبة جدّاً من الشيخ المفيد.

وحاولنا في هذه الدراسة استعراض نظريّة الشريف المرتضى حول حقيقة الإيمان والكفر ، وتأثيرات نظريّته على البحوث الكلامية الأخرى.

وقد تطرّقنا إلى نظريّات وآراء للمرتضى قد تبدو مبهمة أو غريبة في عصرنا ـ مثل نظريّة (الموافاة) ـ لكنّها كانت حاضرة وبقوّة في فكر المرتضى ومدرسته الكلامية ، حيث اهتمّ بها في مختلف كتبه ورسائله ، لكنّنا حاولنا أن نكشف عنها ونبيّنها للباحثين ، عسى أن نكون قد وُفّقنا في الكشف عن بعض الزوايا المغفول عنها في فكره.

حقيقة الإيمان والكفر :

تنوّعت النظريّات المطروحة حول حقيقة الإيمان والكفر ، فقد جعلهما الخوارج مرتبطين بالعمل ، فصار الإيمان والكفر اسمَين للطاعات والمعاصي ،

__________________

(١) مقالات الإسلاميّين ، ص٢٧٨.

٣٩

فمن يفعل الطاعات يكون مؤمناً ، ومن يرتكب المعاصي وبالتحديد الكبائر يكون كافراً(١).

ولم يختلف المعتزلة مع الخوارج في تعريف الإيمان ، حيث ربطوه بالعمل وفعل الطاعات ، وقد كان من المتوقّع أن يعرّفوا الكفر كذلك ، ويجعلوا للعمل دوراً فيه ، لكنّهم رأوا أنّ تعريف الكفر بذلك سوف يوقعهم في مطبّات ، فإنّ الكثير من المسلمين قد يرتكبون بعض المعاصي الصغيرة ، كما أنّ مَن يرتكب الكبائر لا يستحقّ اسم الكفر ، ولذلك عرّفوا الكفر بنتائجه ، فقالوا إنّه : (اسم لما استُحقّ به عقاب عظيم ، وأجريت على فاعله أحكام مخصوصة)(٢).

وقد أضاف المعتزلة قسماً ثالثاً غير الإيمان والكفر وهو الفسق ، حيث جعلوا للعمل أيضاً دوراً في تعريفه ، فقد وجدوا أنّ شريحة من المسلمين ممّن يرتكب الكبائر لا يستحقّون اسم المؤمن ؛ لارتكابهم الكبائر ، كما لا يستحقّون اسم الكافر ؛ لأنّ معصيتهم لم تصل إلى حدّ يجعلهم يستحقّون القتل أو المنع من التوارث والنكاح ، لذلك قالوا إنّ مرتكب الكبيرة يسمّى فاسقاً ، وهذا يعني ربط تعريف الفسق بالعمل أيضاً(٣).

أمّا الإماميّة فذهب بعضهم إلى أنّ الإيمان هو الإقرار بالله وبرسوله

__________________

(١) مقالات الإسلاميّين ، ص٨٦.

(٢) الذخيرة ، ص٥٣٧.

(٣) شرح الأصول الخمسة ، ص٤٧١.

٤٠