تراثنا ـ العددان [ 119 و 120 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 119 و 120 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٥١٠

٢٦ ـ معارف الرجال في تراجم العلماء والأدباء : الشيخ محمّد حرز الدين (ت ١٣٦٥ هـ) ، تحقيق : محمّد حسين حرز الدين ، مكتبة السيّد المرعشيّ ، قم المقدّسة ، سنة ١٤٠٥ هـ.

٢٧ ـ معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام : الشيخ محمّد هادي الأمينيّ (ت ١٤٢١ هـ) ، ط ٢ ، سنة ١٤١٣ هـ.

٢٨ ـ معجم المطبوعات العربيّة : إليان سركيس (ت ١٣٥١هـ) ، نشر : مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ ، قم المقدّسة ، سنة ١٤١٠هـ ، مط : بهمن.

٢٩ ـ معجم المطبوعات النجفيّة : محمّد هادي الأمينيّ (ت ١٤٢١هـ) ، مط : الآداب ـ النجف الأشرف ، ط ١ ، سنة ١٣٨٥هـ.

٣٠ ـ معجم مؤرّخي الشيعة : صائب عبد الحميد ، نشر : مؤسّسة دار معارف الفقه الإسلاميّ ، قم المقدّسة ، ط ١ ، سنة ١٤٢٤ هـ.

٣١ ـ معجم المؤلّفين : عمر كحالة (ت ١٤٠٨هـ) ، نشر : مكتبة المثنّى ودار إحياء التراث العربيّ ، بيروت ، د. ت.

٣٢ ـ المفصّل في تاريخ النجف الأشرف : الدكتور حسن عيسى الحكيم ، المكتبة الحيدريّة ، ج ١٩ ، سنة ١٤٣٠ هـ.

٣٣ ـ مقدّمات كتب تراثيّة : السيّد محمّد مهديّ الخرسان ، مكتبة الروضة الحيدريّة ، النجف الأشرف ، نشر : دليل ما ، ط ١ ، ١٤٢٧ هـ.

٣٤ ـ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار : تقي الدين أحمد بن علي المقريزيّ (ت ٨٤٥ هـ) ، تحقيق : خليل المنصور ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط ١ ، سنة ١٤١٨ هـ.

٣٥ ـ موسوعة النجف الأشرف : جمع بحوثها : جعفر الدجيليّ ، إشراف لجنة من رجال الفكر والأدب ، دار الأضواء ، بيروت ، ط ١ ، ١٤١٨ هـ.

٤٤١

٣٦ ـ المنتخب من أعلام الفكر والأدب : كاظم عبود الفتلاويّ (ت ١٤٣١ هـ) ، نشر : مؤسسة المواهب ، لبنان ، ط ١ ، سنة ١٤١٩ هـ.

٣٧ ـ هديّة العارفين : إسماعيل باشا البغداديّ (ت ١٣٣٩هـ) ، نشر : دار إحياء التراث العربيّ ـ بيروت ، أوفسيت على طبعة إستانبول ١٩٥١م ، د. ت.

المخطوطات

٣٨ ـ ماضي النجف وحاضرها : الشيخ جعفر بن محمّد باقر محبوبه (ت ١٣٧٧ هـ) ، السادة الموسويّة ، موجود في خزانة الحرم العلويّ.

الدوريّات

٣٩ ـ آفاق نجفيّة : مجلّة فصليّة تعنى بالدراسات والبحوث التراثيّة والمعاصرة المختصّة بشؤون النجف الأشرف ، رئيس تحريرها : د. كامل سلمان الجبوريّ ، ع ٢٠ ، ع ٣٥.

٤٠ ـ تراثنا : نشرة فصليّة تصدرها مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، قمّ المقدّسة ، أعداد مختلفة.

٤١ ـ بهارستان : مجلّة ، تصدر عن مكتبة مجلس الشورى ، طهران ، السنة الثامنة ، العدد الثامن ، سنة ١٣٨٩ ش.

٤٢ ـ الموسم : مجلّة ، فصليّة مصوّرة تعنى بالآثار والتراث ، رئيس تحريرها : د. محمّد سعيد الطريحيّ ، أكاديميّة الكوفة ـ هولندا ، ع ٧٩ ـ ٨٠ ، سنة ١٤٤٣٠ هـ.

٤٣ ـ النجف الثقافيّة : مجلّة ، شهريّة ، ثقافيّة ، إسلاميّة ، تصدر عن اللجنة الإعلاميّة في مشروع النجف عاصمة الثقافة الإسلاميّة ، السنة الأولى ، أيلول ، سنة ٢٠١١م ، العدد : ٥.

٤٤٢

٤٤٣
٤٤٤

مقـدّمة التحقيـق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالَمين ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى سيّد الأنبياء والمُرسلين محمّد المصطفى وعَلَى العترة الطاهرة من آله الميامين.

«عن الشيخ الصدوق : أبي رحمه‌الله عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن يزيد الرزّاز ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام :

(يا بني اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية)» (١).

لا شكّ بأنّ الحديث الشريف وعلومه من أشرف العلوم الإسلامية بعد القرآن وعلومه ، وله التأثير البالغ على الثقافة والحضارة الإسلامية ، ويعتبر من أهمّ مصادر التشريع الإسلامي.

__________________

(١) معاني الأخبار : ١.

٤٤٥

وهذه الرسالة الشريفة التي بين يديك موجودة مع مجموعة من الرسائل بخطّه الشريف والتي لم تطبع بعد في مكتبة الإمام الحكيم العامّة العامرة في النجف الأشرف ، وتتناول بعض بحوث علم الدراية ، وهي ناقصة في الأصل.

ولم يعنونها (رضوان الله عليه) بعنوان خاص ، ووضعنا هذا العنوان لأنّه مناسب للبحث المطروح فيها.

وكان عملنا في تحقيق هذه الرسالة الشريفة ما يلي : تقطيع النصّ وتقويمه ، وتخريج الأحاديث الشريفة والأقوال الواردة في المتن ، وترجمة بعض الأعلام الواردة في الرسالة ، والتصحيح قدر المستطاع ، ووضعنا ما أضفناه بين معقوفين [].

٤٤٦

السيّد محسن الطباطبائي الحكيم

(١٣٠٦ ـ ١٣٩٠ هـ)

السيّد محسن ابن السيّد مهدي الحكيم (رضوان الله عليه) كان المرجع الديني الأبرز لتقليد الشيعة الإمامية في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري.

ولد في النجف الأشرف سنة (١٣٠٦) للهجرة.

وبعد وفاة والده تولّى تربيته العلمية ونشأته الدينية أخوه الأكبر السيّد محمود الحكيم ، وكان عمره المبارك آنذاك سبع سنين ، حيث درس عليه مقدّمات العلوم الإسلامية والفقه والأصول.

ثمّ تلقّى بقية دروسه في المراحل العالية لدى المشايخ والأساتذة في الحوزة العلمية في النجف وحضر درس الخارج على الأساتذة الكبار منهم :

(١) الشيخ الآخوند محمّد كاظم الخراساني قدس‌سره.

(٢) الشيخ ضياء الدين العراقي قدس‌سره.

(٣) الشيخ علي باقر الجواهري قدس‌سره.

(٤) الشيخ الميرزا محمّد حسين النائيني قدس‌سره.

(٥) السيّد محمّد كاظم اليزدي قدس‌سره.

(٦) السيّد محمّد سعيد الحبوبي قدس‌سره.

٤٤٧

اشتغل بالتدريس واهتمّ بالتأليف والتصدّي لشؤون الأمّة والفتيا على نطاق واسع ، وذاع صيته واشتهر اسمه في أرجاء العالم الإسلامي عامّة والشيعي على وجه الخصوص لأكثر من عقدين من الزمن.

وفي أثناء اندلاع نيران الثورة في العراق ، وفي سنة (١٣٣٢ هـ) اختاره السيّد محمّد سعيد الحبّوبي قدس‌سره الذي كان يقود المؤمنين والمسلمين العراقيّين ضدّ الاحتلال الإنجليزي في جبهة الناصرية للوقوف إلى جانبه ، فأولاه ثقته وأصبح من الملازمين له قدس‌سره والمستفيدين من دروسه وأبحاثه.

وفي سنة (١٣٣٣هـ) تفرّغ للتدريس ، فبرز بوصفه أحد الأساتذة والمشايخ الذين يشار لهم بالبنان ولهم حلقات درس وبحث معروفة في حوزة النجف الأشرف.

شرع بتدريس البحث الخارج في الفقه والأصول في عام (١٣٣٧ هـ) ، وقد تخرَّج على يديه العشرات من العلماء والأساتذة.

وبعد وفاة السيّد أبي الحسن الأصفهاني في سنة (١٣٦٥ هـ) اتّجهت أنظار أتباع أهل البيت عليهم‌السلام إليه وقلده الكثيرون.

وبعد وفاة السيّد البروجردي قدس‌سره في سنة (١٣٨٠ هـ) أصبح المرجع الديني الأكثر تقليداً.

تراثه العلمي :

أثرى المكتبة الإسلامية بالمؤلّفات العديدة من أهمّها :

٤٤٨

(١) (مستمسك العروة الوثقى) : من أفضل الشروح على (العروة الوثقى) للسيّد اليزدي ، ويتألّف من أربعة عشر مجلّداً.

(٢) (حقائق الأصول) : وهو تعليقة على كتاب (كفاية الأصول) للشيخ الآخوند محمّد كاظم الخراساني.

(٣) (دليل الناسك) : وهو تعليقة على منسك الشيخ الأنصاري.

(٥) تعليقة على المكاسب للشيخ الأنصاري.

(٦) تعليقة على ملحقات (العروة الوثقى).

(٧) (منهاج الناسكين) : في أعمال الحج.

(٨) رسالة (منهاج الصالحين) : وهي رسالته العملية الفتوائية في جزئين ، وصارت محوراً لتعليق فتاوى الفقهاء في الأزمنة المتأخّرة.

(٩) رسالة في إرث الزوجة من الزوج ، وهي من أولى تأليفاته (وقد حقّقناها وهي ماثلة للطبع).

(١٠) رسالة في سجدتي السهو (وقد حقّقناها وهي ماثلة للطبع).

(١١) رسالة مختصرة في علم الدراية (وهي الرسالة التي بين يديك وهي غير كاملة في الأصل).

(١٢) تعليقة على كتاب الرياض من بحث الإجارة إلى النكاح.

(١٣) حواشي على نجاة العباد.

(١٤) شرح التبصرة للعلاّمة الحلّي في مجلّدين.

(١٥) حاشية على الرسالة الصلاتية طبعت سنة (١٣٧١هـ).

وغيرها من المؤلّفات القيّمة والنافعة.

٤٤٩

مشاريعه :

من المشاريع التي قام بها وأشرف عليها :

١ ـ تأسيس المكتبات العامّة في أنحاء العراق كافّة لنشر الثقافة الإسلامية وتوعية الشباب المسلم وحمايته من الانحراف والانجراف وراء الأفكار المنحرفة التي كانت تشكّل خطراً كبيراً آنذاك.

٢ ـ بناء المساجد ، والتكايا ، والحسينيّات.

٣ ـ طبع الكتب الإسلامية وإرسالها إلى مختلف أنحاء العالم.

٤ ـ تأسيس وتجديد المدارس العلمية لطلبة العلوم الدينية.

٥ ـ وكان له اهتمام كبير بإحياء مناسبات أهل البيت عليهم‌السلام ، وبالخصوص إحياء مجالس عزاء الإمام الحسين عليه‌السلام.

٦ ـ مشاريع مختلفة أخرى خارج العراق ، مثل بناء المساجد في لبنان ، وسورية ، وباكستان ، وأفغانستان ، والمدينة المنوّرة ، وجعلها مراكز دينية لإجراء العبادات وإقامة الاحتفالات ونشر الثقافة الإسلامية الأصيلة وتوضيح المسائل والأحكام الشرعية وتوضيح ونشر أفكار أهل البيت عليهم‌السلام.

وفاته :

توفّي (رضوان الله عليه) في بغداد سنة (١٣٩٠هـ) وكان قد نقل إليها للعلاج ، وحمل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن بها بعدما شيّع تشييعاً مهيباً في بغداد وغيرها من المدن التي مرّ بها الجثمان الطاهر ، وعمّت أرجاء العالم

٤٥٠

الإسلامي والشيعي خصوصاً موجة من الأسى والحزن العميقين لوفاته.

استغرق تشييعه قدس‌سره من العاصمة بغداد إلى مدينة النجف الأشرف مدّة يومين بموكب مهيب ، حضره مئات الآلاف من المؤمنين ، حتّى كاد أن يتحوّل ذلك التشييع إلى انتفاضة عارمة ضدّ النظام البعثي في العراق.

تمَّ دفنه قدس‌سره في مقبرة خاصّة إلى جوار مكتبته في مدينة النجف الأشرف ، وصارت مزاراً لمحبّيه من المؤمنين.

وفي الختام نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمّده برحمته الواسعة وأن يتقبّل منّا إنّه سميع الدعاء وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

٤٥١

٤٥٢

٤٥٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وعلى آله الطاهرين

[المقدّمة]

فهنا مقدّمة وأبواب وخاتمة.

أمّا المقدّمة ففي بيان تعريف علم الرجال وموضوعه وفائدته.

[تعريف علم الرجال]

أمّا الأوّل : فهو علم يبحث فيه عن آحاد رواة الحديث من حيث قبول روايته وردّها.

وإن شئت قلت : هو علم وضع لتشخيص رواة الحديث ذاتاً ووصفاً ، مدحاً وقدحاً.

[موضوع علم الرجال]

وأمّا موضوعه فهو الرواة.

٤٥٤

[فائدة علم الرجال]

وأمّا الثالث : فهو معرفة الرواة من الحيثية المذكورة ليتوصّل بها إلى قبول الرواية وردّها في مقام استنباط الأحكام من السُّنّة.

ويبحث فيه في مقامات ثلاثة :

الأوّل : تشخيص ما يستفاد من بعض الألفاظ المنسوبة كلفظ (ثقة) و (نقة) و (وجه) وأمثالها من الألفاظ المتعلّقة بالجرح والتعديل.

والثاني : في تعيين وثاقة الراوي بالاجتهاد.

والثالث : في تمييز المشتركات.

[تعريف علم الدراية]

وأمّا علم الدراية : فهو علم يُعرَّف به اصطلاحات الحديث والمحدّثين وطرق تحمّلهم ونقلهم.

وعَرّفه الشهيد الثاني قدس‌سره بأنّه : «علم يُبحث فيه عن متن الحديث وطرقه من صحيحها وسقيمها وما يحتاج إليه ؛ لُيعْرَف المقبول منه والمردود» (١).

ولا يخفى ما فيه ؛ إذ يلزم أن يكون علم الأصول الباحث عمّا هو حجّة من الأخبار وتمييز مقبوله عن مردوده داخلاً فيه.

__________________

(١) الرِعايةُ في شرح البِدايَة في عِلم الدِرايَةِ : ١٨.

٤٥٥

وعرّفه الشيخ البهائي بأنّه : «علم يتعلّق بمتن الحديث وسنده» (١).

ثمّ اعلم إنّه قبل الشهيد الثاني لم يكن من الخاصّة مَنْ تصدّى لتصنيفه ، ولكنّه قدس‌سره قد صنّف فيه كتابه المسمّى بـ : بغية القاصدين في اصطلاحات المحدّثين ، ثمّ صنّف فيه الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي ، وهو رحمه‌الله (٢) صنّف فيه كتابه المسمّى بـ : الوجيزة مقدّمة الحبل المتين ، مختصر جدّاً.

[الفرق بين علم الرجال وعلم الدراية]

والفرق بين العلمين المذكورين أنّ علم الدراية يختصّ بالبحث عن المفاهيم دون المصاديق ، كقولهم : إنّ الخبر الصحيح ما كان سلسلة سنده عدولاً إماميّين ضابطين ، بخلاف علم الرجال إذ به يُعيّن حال أسماء آحاد الرواة.

وكذا قالوا : ليس تعداده من العلوم على ما ينبغي ؛ إذ العلوم الحقيقية ما يستفاد منها قواعد كلّية يُقتدر بها على معرفة الجزئيّات وليس هو كذلك (٣).

__________________

(١) الوجيزة في علم الدراية : ١. ونصّ عبارته : علم الدراية : يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه وكيفية تحمّله وآداب نقله.

(٢) أي الشيخ البهائي رحمه‌الله.

(٣) قال الشيخ مهدي الكجوري الشيرازي في فوائده الرجالية : «وكيف كان ، لا يقدح فيما نحن بصدد بيانه كونُ المبحوث عنه في علم الرجال خصوصَ الجزئيّات ؛ لأنّه لم

٤٥٦

[علما الرجال والدراية من مقدّمات الاجتهاد]

ولا يخفى أنّه لابدّ قبل الشروع من بيان أنّ علمي الرجال والدراية من مقدّمات الاجتهاد ، وأنّ استنباط الأحكام الشرعية من أدلّتها لا يمكن بدونهما.

أمّا كون علم الدراية من المقدّمات فلا ينبغي التوقّف فيه ؛ إذ عرفت أنّه علم باصطلاحات الحديث والمحدّثين ، ومعلوم بالضرورة أنّ الأحكام الشرعية تُستنبط غالباً من السُنّة ، والعلم بالسُنّة وتمييز مقبولها عن مردودها يتوقّف على فهم الاصطلاحات ، مثل : الضعيف ، والصحيح ، والقويّ ، والحسن ، والمضمر ، والمقبول ، والمستفيض ، والمتواتر.

وأمّا علم الرجال فكذلك ، بلا خلاف فيه بين العلماء المتقدّمين والمتأخّرين ؛ ولذا ملؤوا الطوامير في تنقيح مباحثه ، وصنّفوا فيه كثيراً ، بل كان ديدن أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام على تدوينه ، وكذا غيرهم من العامّة بل

__________________

يقم برهان على لابدّيّة كون المبحوث عن حاله كلّيّاً.

وما يقال ـ من أنّ الجزئيّات ليست بكاسبة ولا مكتسبة ـ فإنّما هو في مقام آخر ، فقد يكون كلّيّاً وقد يكون جزئيّاً كما إذا وقع جزئىُّ موضوعِ العلم موضوعاً لمسائله كما في الكواكب السيّارة في علم الهيئة.

وقد يقال : إنّ التعرّض للكلّي في كثير من العلوم إنّما هو لعدم حصر الجزئيّات التي هي المقصودة بالذّات ، فلذلك جعلوا الكلّيّ فيها عنواناً جامعاً لشتات الجزئيّات ، بخلافه في المقام ؛ فإنّ الجزئيّات فيه محصورة ، ولا بأس به في مقام دفع الشبهة لو كانت.» الفوائد الرجاليّة في الرجال والدراية : ٤٣.

٤٥٧

الخوارج المحكومين بالكفر ، وذكر كلّ من صنّف في الأصول أنّ معرفته من مقدّمات الاجتهاد من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا.

[دعوى قطعية الأخبار المدوّنة في الكتب الأربعة]

نعم اشتبه ذلك على جماعة من الإخباريّين ، فبعضهم ـ كالأمين الأسترابادي(١) ـ ادّعى قطعية الأخبار المدوّنة في الكتب الأربعة. ولا يخفى أنّه بعد تسليم كونه قاطعاً ، لا طريق لإلزامنا ما دمنا غير قاطعين ، وأنّه لو كان المراد بقطعية الصدور قطع مصنّفيها بالاعتبار فهذا حقّ لشهادتهم في أوّل كتبهم باعتبار ما دوّنوه وأنّهم لم يدرجوا فيها إلاّ ما هو الحقّ عندهم ، ولكنّه لا ينفع ذلك غيرهم مقلّداً كان أو مجتهداً ؛ إذ لا معنى لتقليدهم في حجّية تلك الأخبار ؛ لأنّها من المسائل الأصولية التي لا تقليد فيها.

نعم ، لو آل الأمر إلى المسألة الفرعية مع جواز تقليد الميّت ابتداءً ـ كما ذهب جماعة منهم ـ كان لتقليدهم مجال ، وأمّا المجتهد الذي يستنبط فيمكن له أن يعتمد على تصحيحهم لها بعد وثوقه بهم إذا قطع أنّ منشأ الاعتبار عندهم إعمال القواعد الرجالية وتمييز الصحيح من السقيم لا عن حدس واجتهاد ، مثل توهّم كون مؤدّى الخبر مُجمعاً عليه أو كان مطابقاً لأصل

__________________

(١) الشيخ محمّد أمين بن محمّد شريف الاسترابادي من علماء القرن الحادي عشر (ت ١٠٣٣هـ) صاحب كتاب الفوائد المدنية الذي ألّفه في المدينة المنوّرة أيّام إقامته فيها.

٤٥٨

مُسلَّم ، بحيث لو اطّلعنا على مباني اعتباره لها كانت عندنا فاسدة ؛ إذ احتمال ذلك مانع من الاعتماد عليها ، ونظير ذلك دعوى الإجماع في المسائل الفرعية لأجل توهّم ثبوت أصل من الأصول كما حُرِّر في محلّه.

وبالجملة : إذا علمنا أنّ الوجه في اعتمادهم القواعد الرجالية من الأصدقية والأعلمية والضبط ونحوها ـ كما هو ديدن بعض ـ جاز الاعتماد عليهم ، وإذا احتملنا أن يكون لحدس فلابدّ لنا من الاجتهاد مثلهم.

ويمكن أن يُعتذر لمدِّعي القطع بالصدور ـ أعني الاسترابادي ـ بأنّه كان تلميذ الميرزا محمّد الرجالي (١) ، وهو تلميذ الأردبيلي (٢) ، وكان مسلكه

__________________

(١) السيّد الميرزا محمّد بن علي بن إبراهيم الأسترآبادي (المتوفّى سنة ١٠٢٨هـ) ، وهو أستاذ المولى محمّد أمين الأسترآبادي صاحب (الفوائد المدنية). له كتب ثلاثة في الرجال : الكبير وأسماه (منهج المقال). و (الوسيط) الذي ربّما يسمّى بـ (تلخيص المقال) أو (تلخيص الأقوال) ، والصغير الموسوم بـ (الوجيز). والأوّل مطبوع ، والثاني مخطوط ولكن نسخه شائعة ، والثالث توجد نسخة منه في الخزانة الرضوية كما جاء في فهرسها. أنظر كلّيّات علم الرجال : ١٢٨.

(٢) المولى أحمد بن محمّد الأردبيلي ، الشهير بالمقدّس الأردبيلي(ت سنة ٩٩٣ هـ) في النجف الأشرف) ، من علماء القرن العاشر الهجري ، كان معروفاً بالزهد والورع والتقوى والتواضع. وجاء في (الأنوار النعمانية) : «أنّ المولى أحمد الأردبيلي ـ عطّر الله ضريحه ـ كان له من العلم رتبة قاصية ، ومن الزهد والتقوى والورع درجة أقصى». درس عند بعض تلامذة الشهيد الثاني وغيره من العلماء في المشاهد المقدّسة في العراق. وممّن تتلمذ عليه : المولى عبد الله الحسين التستري ، السيّد محمّد صاحب (المدارك) ، السيّد فيض الله بن عبد القاهر التفريشي ، الشيخ حسن صاحب (المعالم) ، وغيرهم.

٤٥٩

كصاحب المدارك (١) والمعالم (٢) والذخيرة (٣) والخونساري (٤) (قدّس الله

__________________

له عشرات المؤلّفات منها : زبدة البيان في شرح آيات أحكام القرآن ، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان.

(١) الفقيه المحقّق السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (المتوفّى سنة ١٠٠٩ هـ).

(٢) جمال الدين أبو منصور الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني بن علي بن أحمد العاملي الجبعي (قدّس الله روحه) ، (٩٥٩ ـ ١٠١١هـ) اشتهر بـ (صاحب المعالم) ، نسبة إلى كتابه الذي ألّفه في الفقه مع مقدّمة في أصول الفقه وسمّاه (معالم الدين وملاذ المجتهدين). من فطاحل العلماء ، كان عمره حين استشهاد والده سبع سنين اشتغل في تلك النواحي بتحصيل العلوم ، وبعدما أكمل دراسته الابتدائية والمقدّمات اللازمة في بلاده. توجّه إلى العراق وأقام في النجف الأشرف فحضر درس المقدّس الأردبيلي والمولى عبد الله اليزدي وغيرهما. من مؤلّفاته : معالم الدين وملاذ المجتهدين ، منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ، التحرير الطاووسي : تهذيب كتاب حلّ الإشكال في معرفة الرجال ، وغير ذلك.

(٣) المولى الفاضل محمّد باقر بن محمّد مؤمن الخراساني السبزواري صاحب (الذخيرة) (١٠١٨ـ ١٠٩٠هـ). يقول الخوانساري (صاحب الروضات) : «كان فاضلاً ، عالماً ، حكيماً ، متكلّماً ، فقيهاً ، أُصوليّاً ، محدّثاً ، نبيلاً ، له شرح على إرشاد العلاّمة سمّاه : (ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد». روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات ، ج ٢ ، ص ٦٨ ، رقم ١٤١.

(٤) المحقّق الخوانساري (١٠١٦ ـ ١٠٩٨ هـ) الحسين بن جمال الدين محمّد بن الحسين الخوانساري ، أحد مشاهير علماء الإمامية بالفقه والفلسفة والكلام.

قال الشيخ الحرّ في تذكرة المتبحّرين : «المولى الأجل الحسين بن جمال الدين ، محمّد الخوانساري : فاضل ، عالم ، حكيم ، متكلّم ، محقّق ، مدقّق ، ثقة ، ثقة جليل القدر ، عظيم الشأن ، علاّمة العلماء ، فريد العصر ، له مؤلّفات ، منها شرح الدروس ،

٤٦٠