تراثنا ـ العددان [ 119 و 120 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 119 و 120 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٥١٠

٩ ـ تفسير روض الجنان : الرازي ، أبو الفتوح، حسين بن علي، تحقيق : محمّد جعفر يا حقّي ومحمّد مهدي ناصح، مشهد : بنياد پژوهشهاى اسلامى آستان قدس رضوي، ١٤٠٨هـ.

١٠ ـ تفسير الصافي : الفيض الكاشاني ، ملاّ محسن ، تحقيق : حسين أعلمي ، طهران : انتشارات الصدر ، ١٤١٥ هـ.

١١ ـ تفسير العياشي : العياشي ، محمّد بن مسعود ، تحقيق : سيّد هاشم رسولي محلاّتي ، طهران : چاپخانه علمية ، ١٣٨٠ هـ.

١٢ ـ تفسير فرات الكوفي : الكوفي ، أبو القاسم فرات بن إبراهيم ، تحقيق : محمّد كاظم المحمودي ، طهران : سازمان چاپ وانتشارات وزارت ارشاد اسلامي ، ١٤١٠هـ.

١٣ ـ تفسير القرآن العظيم : الرازي ، ابن أبي حاتم ، عبدالرحمن بن محمّد ، تحقيق : أسعد محمّد الطيب ، السعودية : مكتبة نزار مصطفى الباز ، ١٤١٩ هـ.

١٤ ـ تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) : القرطبي، طبع أفست، طهران : ناصرخسرو ، ١٣٦٤ هـ. ش.

١٥ ـ تفسير القمّي : القمّي ، علي بن إبراهيم ، تحقيق : سيّد طيّب الموسوي الجزائري ، قم : دار الكتاب ، ١٣٦٧هـ ش.

١٦ ـ تفسير الكاشف : مغنية ، محمّد جواد ، طهران : دار الكتب الإسلامية ، ١٤٢٤ هـ.

١٧ ـ تفسير كيوان : كيوان القزويني ، حاج عباسعلي ، اهتمّ بطبعه جعفر پژوم ، طهران : نشر ساية ، ١٣٨٤هـ ش.

١٨ ـ تفسير من وحي القرآن : فضل الله ، سيّد محمّد حسين ، بيروت : دار الملاك للطباعة والنشر ، ١٤١٩ هـ.

٤١

١٩ ـ تفسير نمونة : مكارم الشيرازي ، طهران : دار الكتاب الإسلامية ١٣٧٤ هـ ش.

٢٠ ـ تفسير نور الثقلين : العروسي الهويزي ، عبد علي بن جمعة ، تحقيق : سيّد هاشم رسولي محلاّتي ، قم : انتشارات اسماعيليان ، ١٤١٥ هـ.

٢١ ـ تفسير نهج البيان : الشيباني، محمّد بن الحسن، تحقيق : أحمد فريد، بيروت : منشورات محمّد علي بيضون، ١٤٢٤ هـ).

٢٢ ـ التفسير والمفسّرون : الذهبي ، محمّد حسين ، بيروت : دار إحياء التراث العربي.

٢٣ ـ جامع البيان في تفسير القرآن : الطبري ، أبو جعفر محمّد بن جرير ، بيروت : دار المعرفة ، ١٤١٢هـ.

٢٤ ـ حقائق التأويل في متشابه التنزيل : الشريف الرضي ، أبو الحسن محمّد ابن الحسين الموسوي ، تحقيق : محمّد رضا آل كاشف الغطاء ، طهران : مؤسّسة البعثة ، ١٤٠٦ هـ.

٢٥ ـ حياة الحيوان الكبرى : الدميري ، محمّد بن موسى ، طهران : ١٣٦٤ هـ ، ش.

٢٦ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة : آقا بزرگ الطهراني ، قم : اسماعيليان ، ١٤٠٨هـ.

٢٧ ـ رسائل الشهيد الثاني : الشهيد الثاني ، زين الدين بن علي العاملي ، قم : سازمان تبليغات اسلامي ، ١٤٢١ هـ.

٢٨ ـ كنز العرفان في فقه القرآن : الفاضل المقداد ، جمال الدين مقداد بن عبدالله ، تحقيق : سيد محمّد القاضي ، طهران : مجمع جهاني تقريب مذاهب اسلامي ، ١٤١٩ هـ.

٢٩ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن : الطبرسي ، فضل بن حسن ، طهران : انتشارات ناصر خسرو ، ١٣٧٢هـ ش.

٤٢

٣٠ ـ المصابيح في تفسير القرآن : الوزير المغربي ، أبو القاسم حسين بن علي ، نسخة خطّية مكتبة چستربيتي ، رقم ٣٥٣٨.

٣١ ـ مقدّمة الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : كلانتر ، سيّد محمّد ، قم : كتابفروشي داوري ، ١٤١٠هـ.

٣٢ ـ منابع كلامي شيخ طوسي در تفسير تبيان : كريمي نيا ، مرتضى ، احتفالية (الدكتور محسن جهانگيري) ، بإشراف محمّد رئيس زاده ، فاطمه مينايى وسيّد أحمد هامشي ، طهران : هرمس ، ١٣٨٦هـ ش ، ص ٥٠٧ ـ ٥٣٢.

٣٣ ـ Robert Gleave, Scripturalist Islam: the history and doctrines of the

Akhbari Shi\'i Leiden: Brill, ٢٠٠٧.

٣٤ ـ John Wansbrough, Quranic studies: sources and mithods of

scriptural interpretation Oxford: University press, ١٩٧٧.

٤٣

تاريخ الحوزات العلميّة والمدارس الدينيّة

عند الشيعة الإماميّة

(الحوزة العلميّة في كربلاء)

الشيخ عدنان فرحان

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الأوّل

مدينة كربلاء

المبحث الأوّل :

نشأة المدينة ومكانتها وقدسيتها :

لقد كانت أرض كربلاء ، وقبل أن تتحوّل إلى مدينة من المدن الإسلامية ، معروفة كبعض الأماكن التي كانت تُعرف قبل تمصيرها ، فقد ورد إسمها ـ كما يقول الباحثون ـ قبل الفتح العربي للعراق ، وقبل سكنى العرب هناك ، وقد ذكرها بعض العرب الذين رافقوا خالد بن الوليد ... في غزوته لغربي العراق سنة (١٢ هـ) ، قال ياقوت الحموي : «ونزل خالد عند فتحه

٤٤

الحيرة كربلاء ...»(١).

ومن أقدم الشعر الذي ذكرت فيه كربلاء قول معن بن أوس المزني ، من مخضرمي الجاهلية والإسلام ... وذكر ياقوت هذا الشعر في مادّة (النوائح) من معجمه للبلدان ، وذكره قبله أبو الفرج الإصفهاني في ترجمة معن من الأغاني ، وقال ضمن قصيدة له :

إذا هي حَلَّتْ كربلاء فلعلَعاً

فَجوزَ العُذيبِ دونها فالنَّوائحا

وبانت نواها من نواك وطاوعت

مع الشانئين الشانئات الكواشحا(٢)

وممّا يدلّ على قدم كربلاء أيضاً ووجودها قبل الفتح الإسلامي ، ما ذكره الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي سعيد التيمي قال : «أقبلنا مع عليٍّ عليه‌السلام من صفّين فنزلنا كربلاء ، فلمّا انتصف النهار عطش القوم» وروى بسنده عنه أيضاً : «أقبلت من الأنبار مع عليّ نريد الكوفة ، وعليّ في الناس ، .. فقال الناس : يا أمير المؤمنين إنّا نخاف العطش ، فقال : إنّ الله سيسقيكم ، وراهب قريب منّا ، فجاء عليٌّ إلى مكانه فقال : احفروا هاهنا فحفرنا ، وكنت فيمن حفر ، حتّى نزلنا فعرض لنا حجر ، فقال عليّ : ارفعوا هذا الحجر ، فأعانونا عليه حتّى رفعناه ، فإذا عين باردة طيّبة ، فشربنا ثمّ سرنا ليلاً أو نحو ذلك ، فعطشنا ، فقال بعض القوم : لو رجعنا فشربنا. فرجع ناسٌ وكنت فيمن رجع ، فالتمسناها فلم نقدر عليها ، فأتينا الراهب فقلنا : أين العين التي هاهنا؟ قال :

__________________

(١) معجم البلدان مادّة كربلاء : المجلّد الرابع ، الجزء السابع : ١٢٥ / ١٢٦.

(٢) الأغاني : ١٢ / ٨٠ ، معجم البلدان : ٨ / ٤٠٤.

٤٥

أيّة عين؟ فقلنا : التي شربنا منها واستقينا ، والتمسناها فلم نقدر عليها. فقال الراهب : لا يستخرجها إلاّ نبيّ أو وصيّ»(١).

ويعلّق الدكتور مصطفى جواد على هذا الحديث بقوله : «والمهم من هذا الحديث أنّ الإمام عليّاً عليه‌السلام مرّ بكربلاء ولجّج في الصحراء قبل سنة أربعين الهجرية ، ولم يذكر أحد من المؤرّخين إنشاء مدينة باسم كربلاء في أثناء تلك السنين الأربعين ...»(٢).

وأمّا معنى كربلاء : فقد اختلفت كلمات اللغويّين في تحديد معناها لغويّاً.

فبينما يقول ابن فارس في المعجم : «كرب : الكاف والراء والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على شدَّة وقوّة ، يقال : مَفاصل مُكرَبَة ، أي شديدة قوية ، وأصله الكرب ، وهو عقد غليظ في رشاء الدَّلو ، يجعل طرفُه في عَرقوة الدَّلو ثمّ يُشدّ ثنايته رباطاً وثيقاً ، يقال منه اكربتُ الدَّلو ؛ ومن ذلك قول الحطيئة :

قومٌ إذا عَقدوا عَقداً لجارِهم

شدُّوا العِناج وشدّوا فوقه الكَربا»(٣)

يقول ياقوت الحموي : «وهو الموضع الذي قُتل فيه الحسين بن عليٍّ رضي‌الله‌عنه ، في طرف البريّة عند الكوفة ، فأمّا اشتقاقه ، فالكربلة رخاوة في القدمين ، يقال :

__________________

(١) تاريخ بغداد : ١٢ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٢) كربلاء قديماً ، ضمن بحوث كتاب موسوعة العتبات المقدّسة ، قسم كربلاء : ٨ / ١٧.

(٣) معجم المقاييس في اللغة : مادّة كرب : ٥ / ١٧٤ ـ ١٧٥.

٤٦

جاء يمشي مُكربلاً ، فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة ، فسمّيت بذلك ، ويقال : كربَلتُ الحنطة إذا هذّبتها ونقّيتها ... فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقّاة من الحصى والدخل فسمّيت بذلك ...»(١).

وذكر الفيروزآبادي في القاموس ، وابن منظور في اللسان ، معاني متعدّدة لكلمة (كرب) منها : «الحُزنُ والغَمُّ الذي يأخذُ بالنَّفس ، وجمعه كُرُوب. وكرَبَهُ الغَمُّ فاكترب ، فهو مكروبٌ وكريب ...»(٢) ، وقد يؤيّد هذا المعنى بعض الروايات المروية عن أهل البيت عليهم‌السلام.

فقد روي أنّ الإمام الحسين عليه‌السلام حينما وصل إلى كربلاء ... سأل : «فما اسمُ هذه الأرض التي نحن فيها؟ قالوا : كربلاء ، فقال : أرض كرب وبلاء» ، وفي رواية الخوارزمي : «... فدمعت عينا الحسين عليه‌السلام حين ذكر كربلاء ، وقال : اللّهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء»(٣).

ولبعض الباحثين رأي في اشتقاق كلمة كربلاء ، فذكر السيّد هبة الدين الشهرستاني أنّ (كربلاء) منحوتة من كلمتي (كُوَر بابل) بمعنى قرى بابلية(٤).

وقال الأديب اللغوي انستاس الكرملي : «والذي نتذكّره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين أنّ كربلاء منحوتة من كلمتين ، من (كرب) و (إل) أي

__________________

(١) معجم البلدان ، مادّة كربلاء المجلّد الرابع ؛ الجزء السابع : ١٢٥.

(٢) أنظر : القاموس المحيط ، لسان العرب : مادّة كرب : ١٢ / ٦٠.

(٣) مقتل الحسين : ١ / ٢٣٤.

(٤) نهضة الحسين : ٦.

٤٧

حرم الله ، أو مقدّس الله»(١).

ومهما يكن من أمر في معنى أو معاني كلمة (كربلاء) ، فإنّ بعض الجغرافيّين قد حسبها قرية من القرى القديمة وناحية من نواحي نينوى. قال ياقوت في المعجم : «نِينوى بكسر أوّله وسكون ثانيه ، وفتح النون والواو بوزن طِيْطَوى ... وبسواد الكوفة ، ناحية يقال لها نينوى ، منها كربلاء التي قُتِل بها الحسين رضي‌الله‌عنه»(٢).

ويقول أحد الباحثين في تاريخ كربلاء : «ولهذه البقعة ... أسماء مختلفة كما يحدّثنا التاريخ ، وكانت تطلق عليها هذه الأسماء دون أيّ فرق أو تمييز ، فكان يطلق عليها اسم : (الغاضرية ، ونينوى ، ومارية ، وعمورا ، والنواويس ، وشطِّ الفرات ، وشاطئ الفرات ، والطفِّ ، وطفّ الفرات ، والحائر ، والحَير ، ومشهد الحسين ، وكربلاء) ولم يكن الاسم الأخير غير أحد تلك الأسماء المختلفة الكثيرة .. ، فتغلّب بمرور الزمن على غيره من الأسماء شيوعاً وانتشاراً في العرف والتاريخ حتّى أصبح الآن هو الوريث الوحيد لها ، فصارت لا تعرف اليوم هذه البقعة إلاّ بهذا الاسم ...»(٣).

ومن الواضح في هذه الألفاظ التي ذكرت لهذه البقعة من الأرض بعضها أسماء وبعضها الآخر صفات.

__________________

(١) مجلّة لغة العرب : ٥ / ١٧٨ لسنة ١٩٢٧ م.

(٢) معجم البلدان ، مادّة نينوى ، المجلّد الرابع ، الجزء الثامن : ٤٢٩.

(٣) تاريخ كربلاء وحائر الحسين عليه‌السلام : ٢٥.

٤٨

وقد ذكر بعض الباحثين معاني هذه الألفاظ يمكن مراجعتها في مظانّها(١).

كربلاء : الأرض المقدّسة :

لم تكن أرض كربلاء سوى صحراء قاحلة ، وبقعة جرداء ، معروفة عند أهلها بأسماء أو أوصاف متعدّدة ، ولم تكن لها خصوصيّة تذكر.

إلاّ أنّ هذه الأرض قد اقترنت بأعظم حادث وقع في دنيا الإسلام ، وأعظم رزية صَغُرت دونها الرزايا ، وأجلّ مصيبة ومأساة هانت دونها كلّ المصائب والمآسي في تاريخ الإسلام ، بل وفي تاريخ البشرية ؛ على طول تاريخها المديد ؛ إنّها مأساة الإمام الحسين عليه‌السلام في قصّة استشهاده والكرام البررة من أهل بيته وصحبه ؛ حيث امتزجت تلك الدماء الطاهرة بأرض كربلاء ورمالها ؛ فاكسبتها قدسية وخلودا لا يزول مع تمادي الزمن ، وكرّ الدهور والأيّام.

يقول الكاتب المصري الكبير عبّاس محمود العقّاد في كتابه أبو الشهداء عن أرض كربلاء : «لو أعطيت حقّها من التنويه والتخليد لَحقَّ لها أن تصبح مزاراً لكلّ آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة ، وحظّاً من الفضيلة لأنّنا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب

__________________

(١) المرجع نفسه : ٢٦ وما بعدها ، وموسوعة العتبات المقدّسة : ٨ / ١٨ وما بعدها.

٤٩

أسمى والزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترن باسم كربلاء بعد مصرع الحسين فيها ، فكلّ صفة من تلك الصفات العِلوية التي بها الإنسان إنسان ، وبغيرها لا يحسب غير ضرب من الحيوان السائم ، فهي مقرونة في الذاكرة بأيّام الحسين رضي‌الله‌عنهفي تلك البقعة الجرداء»(١).

لقد اقترنت هذه الأرض ، بأسمى المعاني الوجدانية في ضمير الإنسان المسلم ، إذ أضحت ترمز إلى التضحية في سبيل الحقّ والدين ، بل وفي سبيل الإنسانية جميعاً ، فأصبح الإنسان المسلم ، بل وحتّى غير المسلم يستلهم منها دروس العزّة والإباء والتحرّر والانعتاق من نير الخضوع والخنوع والعبودية والإذلال :

«فيا كربلا ؛ كهف الإباء مجسماً

ويا كربلا ؛ كهف البطولة والعلا

ويا كربلا ؛ قد حزت نفساً نبيلة

وصيّرت بعد اليوم رمزاً إلى السما

ويا كربلا ؛ قد صرت قبلة كلِّ ذي

نفس تصاغر دون مبدئها الدّنا

ويا كربلا ؛ قد حزت مجداً مؤثّلاً

وحزت فخاراً ينقضي دونه المدى»(٢)

كربلاء في الحديث :

لقد اقترن استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام بأرض كربلاء ، ولهذا نجد هذا

__________________

(١) أبو الشهداء : ١٥٤.

(٢) (سموّ المعنى في سموّ الذات) أو أشعّة من حياة الحسين عليه‌السلام : ١٢٦ ـ ١٢٧.

٥٠

الاقتران بين كربلاء ومصرع الإمام الحسين عليه‌السلام في الأحاديث المروية بشكل واسع ، وشغلت مساحة كبيرة من موسوعات الحديث ، ولا يمكن استيعابها تحت العنوان الذي ذكرناه.

يقول الدكتور حسين علي محفوظ : «الأحاديث في فضل كربلاء ، وتربتها ، وزيارة قبر سيّد الشهداء الحسين عليه‌السلام كثيرة جدّاً ، تضيق بها الكتب الكبيرة ...»(١).

وفيما يلي بعض الأحاديث عن كربلاء وقدسيّتها ومكانتها :

١ ـ عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : «موضع قبر الحسين بن عليٍّ (صلوات الله عليهما) ـ منذ يوم دفن فيه ـ روضة من رياض الجنّة»(٢).

٢ ـ وعنه أيضاً : «موضع قبر الحسين تُرعة من ترع الجنّة»(٣).

٣ ـ وقال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام : «شاطئ الوادي الأيمن ؛ الذي ذكره الله ـ تعالى ـ في القرآن(٤) ، والبقعة المباركة ، هي كربلاء»(٥).

٤ ـ وعن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام «خلق الله ـ تبارك وتعالى ـ أرض كربلاء ... وقدّسها وبارك عليها ، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدّسة مباركة ، ولا تزال كذلك ، حتّى يجعلها الله أفضل أرض في الجنّة وأفضل

__________________

(١) كربلاء في المراجع العربية ضمن موسوعة العتبات.

(٢) بحار الأنوار : ٢٢ / ١٤٠ ـ ١٤١.

(٣) المصدر نفسه : ٢٢ / ١٤٠.

(٤) القصص : ٣٠.

(٥) أنظر : وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٩.

٥١

منزل ومسكن ، يُسكن الله فيه أولياءه في الجنّة»(١).

٥ ـ وعن أبي الحسن علي بن محمّد (الهادي) عليه‌السلام قال : «... إنّ للّه ـ تبارك وتعالى ـ بقاعاً يحبّ أن يُدعى فيها ، فيستجيب لمن دعاه ، (والحيرُ) منها»(٢).

المبحث الثاني :

العوامل التي ساعدت على تمصير كربلاء وتوسعتها :

لقد اجتمعت عوامل كثيرة جعلت من أرض كربلاء المجرّدة القاحلة وغير الآهلة ، منطقة آهلة بالسكّان والعمران ومزدحمة ـ وعلى طول العام ـ بعشرات الوافدين إليها.

ومن هذه العوامل بنحو الإجمال :

أوّلاً : رمزية كربلاء :

لقد أصبحت كربلاء وفي أعقاب مقتل الإمام الحسين بن عليّ وصحبه وأهل بيته عليهم‌السلام ، ومدفنهم فيها ، عام واحد وستّين للهجرة ، ترمز إلى أسمى معاني الإباء ، والكرامة ، والعزّة ، والإيثار ، والفضيلة ، والشجاعة ... وغير ذلك من المعاني الإنسانية والتي يتطلّع إليها كلّ إنسان يبتغي الحياة الحرّة الكريمة.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٢ / ١٤٠.

(٢) المصدر نفسه : ٢٢ / ١٤١.

٥٢

ثانياً : روحانية وعاطفية المكان :

ولحرم الإمام الحسين عليه‌السلام وللبقعة التي تضمّنت ذلك الجسد الطاهر ، وأُولئك الصفوة من الشهداء رضوان الله عليهم ، روحانية وعاطفية جيّاشة يستشعرها الإنسان في أوّل خطوة يخطوها نحو الحرم.

ثالثا : جاذبية المكان :

ولأرض كربلاء ، ولحرم الإمام الشهيد الحسين بن عليّ عليه‌السلام جاذبية روحية عجيبة ، يستشعرها الإنسان المؤمن في أعماق أعماق نفسه ، فينجذب بقوّة نحو تلك البقعة المباركة ، انجذاب المحبّ نحو حبيبه.

ولهذا هانت الأخطار والمصاعب والأهوال عند محبّي الإمام الحسين عليه‌السلام والعاشقين له والمنجذبين نحو قبره ، فاندفعوا نحوه غير مبالين ببطش الطواغيت وجلاوزتهم ومسالحهم وحرّاسهم ، وهذا ما يشهد به تاريخ كربلاء منذ أوّل زيارة له من قبل الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري ، وعطية العوفي ، وأهل بيت الإمام الحسين عليه‌السلام ، وإلى يومنا هذا حيث تندفع في كلِّ موسم الملايين اتّجاه كربلاء ، بمنظر يعجز القلم والبيان عن وصفه.

هذه العوامل وغيرها ، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية المساعدة للمنطقة ، والموقع الجغرافي المتميّز ، ووجود الحالة الأمنية المستقرّة جعلت الكثيرين من هؤلاء المحبّين ، والمنجذبين ، والموالين ، والباحثين عن صفاء الروح وقدسيّة المكان ورمزيّته ... متشبّثين بهذه الأرض ومتّخذين منها مسكناً وملاذاً ، ممّا أسفر عن تمصّر المدينة وتوسّعها وعمرانها وازدهارها

٥٣

بمرور الزمن ، فأصبحت من المدن الإسلامية الآهلة بالسكّان ، وتميّزت بتنوّع عِرقي لا مثيل له في المدن الأُخرى.

والذي يبدو ومن خلال سياق تاريخ كربلاء وحرم الإمام الحسين عليه‌السلام ، أنّ السكن في مجاورة قبر الإمام الحسين عليه‌السلام في عصر الدولة الأموية لم يكن ممكنا لشيعته ومحبّيه للظروف الأمنية الصعبة آنذاك ، فكان زوّاره يكتفون بمراسم الزيارة للقبر الشريف سرّاً ، متحمّلين من أجل ذلك الأخطار الجسام والأهوال ، والتي قد تكلّفهم حياتهم في بعض الأحيان.إلاّ أنّه وبعد سقوط الدولة الأموية ، وقيام الدولة العبّاسية ، واستقرار الوضع الأمني ـ نسبيّاً ـ بدأت رحلة الزيارة من قبل الشيعة لمرقد الإمام الحسين عليه‌السلام بشكل علني وظاهر ، وكان على القبر الشريف ومنذ زمن بني أُمية سقيفة ومسجد ، واستمرّ ذلك إلى زمن هارون الرشيد من بني العبّاس ، ولكن لا يعلم أوّل من بنى ذلك ... ويدلّ الخبر الذي رواه السيّد ابن طاووس في الإقبال أنّه كان سقيفة لها باب في آخر زمن بني أُمية وبقيت هذه القبّة إلى زمن الرشيد ، فهدمها وكرب موضع القبر وكان عنده سدرة فقطعها ... ثمّ أُعيد ـ أي البناء ـ على زمن المأمون وغيره(١).

وفي النصف الأوّل من القرن الثالث الهجري ، كثر زوّار الإمام الحسين عليه‌السلام وبني حول قبره الشريف المنازل والدور ، حتّى برزت إلى الوجود

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٢ / ٤٥٩ ـ ٤٦٠.

٥٤

نواة مدينة متواضعة حول الحرم لها سكّانها وروّادها ، ممّا أثار واستفزّ رأس السلطة العبّاسية آنذاك ، المعروف ببغضه لأهل البيت عليهم‌السلام وهو المتوكّل العبّاسي ، فأمر بهدم القبر الشريف ، وهدم ما حوله من المنازل والدور ... في قصّة مأساوية ذكرها المؤرّخون في كتبهم بالتفصيل.

قال الطبري في تاريخه ضمن حوادث السنة السابعة والثلاثين والمائتين :

«وفيها أمر المتوكّل بهدم قبر الحسين بن عليّ صلوات الله عليه ، وهدم ما حوله من المنازل والدور ، وأن يُحرَث ويُبذر ويسقى موضع قبره عليه‌السلام ، وأن يمنع الناس من إتيانه ، فذكر أنّ عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية : من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق ، فهرب الناس ، وامتنعوا من المصير إليه ، وحُرث ذلك الموضع ، وزُرع ما حواليه»(١).

وبنفس المضمون ذكرها ابن الأثير في الكامل وأضاف : «وكان المتوكّل شديد البغض لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنّه يتولّى عليّاً وأهله بأخذ المال والدم ...»(٢).

والذي يبدو أنّ اعتداء المتوكّل على قبر الإمام الحسين عليه‌السلام وعلى زائريه قد تكرّر ولأكثر من مرّة(٣) ، حتّى قُتل ، وخلفه ولده المنتصر سنة سبع

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٦ / ٢٢٧.

(٢) الكامل في التاريخ : ٧ / ٥٥.

(٣) أعيان الشيعة : ٢ / ٤٦٠.

٥٥

وأربعين ومائتين. وفي خلافة المنتصر العبّاسي ـ والتي لم تدم سوى ستّة أشهر ـ «أمر الناس بزيارة قبر عليّ والحسين عليهما‌السلام فأمّن العلويّين ، وكانوا خائفين أيّام أبيه ، وأطلق وقوفهم ، وأمر بردّ فدك إلى ولد الحسين والحسن ابني عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام»(١).

«والشائع على ألسنة الباحثين والمؤرّخين أنّ كربلاء كانت مطلع القرن الثالث مملوءة بالأكواخ وبيوت الشعر التي كان يشيّدها المسلمون الذين يفدون إلى قبر الحسين عليه‌السلام ، وهكذا ظلّت كربلاء حتّى مطلع القرن الرابع الهجري»(٢).

وأهمّ عمارة تمّت للحائر الحسيني المقدّس هي التي قام بها عضد الدولة البويهي ، «... وقد ازدهرت كربلاء في عهده وعهد البويهيّين ، وتقدّمت معالمها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، فاتّسعت تجارتها ، واخضلّت زراعتها ، وأينعت علومها وآدابها ، فدبّت في جسمها روح الحياة والنشاط ، فتخرّج منها علماء فطاحل وشعراء مجيدون ، وتفوّقت في مركزها الديني المرموق»(٣) وهكذا توسّعت مدينة كربلاء بعد أن آمن الناس ، وتوالت عمليّات الإعمار للمرقد الشريف ، وقد وصفها الرحّالة الشهير ابن بطّوطة في رحلته التي في بدايات القرن الثامن الهجري ، قال : «ثمّ سافرنا

__________________

(١) الكامل في التاريخ : ٧ / ١١٥ ـ ١١٦.

(٢) تراث كربلاء : ٢٣١.

(٣) تراث كربلاء : ٢٣١ ، تاريخ كربلاء : ١٧١.

٥٦

منها ـ أي مدينة الحلّة ـ إلى مدينة كربلاء ، مشهد الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، وهي مدينة صغيرة ، تحفّها حدائق النخل ، ويسقيها ماءُ الفرات ، والروضة المقدّسة داخلها ، وعليها مدرسة عظيمة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر. وعلى باب الروضة الحجاب والقومة ، لا يدخل أحد إلاّ عن إذنهم ، فيقبّل العتبة الشريفة وهي من الفضّة ، وعلى الضريح المقدّس قناديل الذهب والفضّة ، وعلى الأبواب أستار الحرير ...»(١).

وبعد هذا التاريخ توالت عمارات أخرى للمرقد الشريف(٢) ، وتوسّعت معها مدينة كربلاء حتّى أصبحت من المدن الواسعة المترامية الأطراف ، ولم يكدّر صفو هذه المدينة سوى الهجمة الوهّابية التي قادها سعود بن عبد العزيز الوهّابي النجدي سنة (١٢١٦ هـ) ، إذ جهّز جيشاً من أعراب البادية وحاصر مدينة كربلاء مغتنماً فرصة غياب جلّ الأهلين في النجف لزيارة الغدير ، ثمّ دخلها يوم (١٨ ذي الحجّة) عنوة وأعمل في أهلها السيف ، فقتل منهم ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف ... ونهب البلد ، ونهب الحضرة الشريفة ، وأخذ جميع ما فيها من فرش وقناديل وغيرها ، وهدم القبر الشريف ، واقتلع الشبّاك الذي عليه ... ثمّ كرّ راجعاً إلى بلده»(٣).

__________________

(١) رحلة ابن بطوطة : ٢٣٣.

(٢) أنظر : أعيان الشيعة : ٢ / ٤٦٠ ـ ٤٦١.

(٣) المرجع نفسه : ٢ / ٤٦١ ـ ٤٦٢. وأنظر : أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث : ٢٦٠ ـ ٢٦٢.

٥٧

ولا ننسى تلك الهجمة العنيفة التي قادها جلاوزة حزب البعث على المرقد الشريف بعد انتفاضة صفر سنة (١٩٩١ م) ، والتي أدّت إلى تخريب أجزاء من الحرم وقتل المعتصمين فيه ، وانتهاك الحرمات ... في قصّة مأساوية سجّلتها ذاكرة العراقيّين ، قبل كتب التاريخ ، إلى جانب قصص المأساة والظلم التي تعرّض إليه العراق على أيدي النظام البعثي البائد ، حتّى اقتصّ الله منهم ، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

وبعد سقوط النظام البعثي البائد عام (٢٠٠٣ هـ) ، بدأت عمليات إعمار المشاهد والمراقد الشريفة في العراق ومنها مراقد كربلاء على ساكنيها آلاف التحية والسلام ، ولا زالت عمليّات الإعمار والتوسعة هذه مستمرة.

٥٨

الفصل الثاني

حوزة كربلاء في أدوارها الثلاثة

الدور الأوّل :

دور التكوين والانطلاق العلمي :

لقد شهدت مدينة كربلاء ومنذ أن تمصّرت وأصبحت مدينة لها معالمها العمرانية والحضارية ، نشاطاً علميّاً ملحوظاً ، وازدهرت فيها حركة فقهية وأدبية ، وشهدت حضوراً علمائيّاً مكثّفاً ، كان من بينهم كبار العلماء والفقهاء ممّن تُشدّ إليهم رحال طلاّب العلم ، حتّى أنّها أصبحت الحوزة العلمية الرئيسيّة عند الشيعة في حقبة من الزمن كما سوف يأتينا لاحقاً.

والذي يظهر من بعض النصوص التاريخية ، أنّ مشهد الإمام الحسين عليه‌السلام اتّسعت رقعته ، وكثر سكّانه في القرن الرابع للهجرة ... ففي سنة (٣٧١ هـ) ورد مشهد الحسين عليه‌السلام عضد الدولة البويهي فزار وتصدّق وأعطى الناس على اختلاف طبقاتهم ، وجعل في الصندوق دراهم ففرّقت على العلويّين فأصاب كلّ واحد منهم إثنان وثلاثون درهماً ، وكان عددهم ألفين ومائتي اسم ، ووهب العوام والمجاورين عشرة آلاف درهم وفرّق على أهل المشهد من الدقيق والتمر مائة ألف رطل ، ومن الثياب خمسمائة قطعة ، وأعطى الناظر

٥٩

عليهم ألف درهم(١).

«ويمكن أن تؤخذ كثرة السكّان ، وانقسامهم إلى طبقات ، قرينة على أنّ بعضهم في الأقلّ كانوا من بين طلبة العلم وشيوخه»(٢).

ولو تتبّعنا ومن خلال كتب الرجال والتراجم مسار الحركة العلمية في كربلاء ، والعلماء والفقهاء الذين واكبوها في كلّ عصر من عصور حركتها عبر القرون المتمادية لعثرنا على قائمة طويلة لأسماء لامعة من أعلام الفقه والفقاهة والمعارف والعلوم الإسلامية ، تبدأ من أواخر القرن الثالث الهجري ، وتستمرّ وباتّساع عبر القرون اللاحقة لها وإلى يومنا هذا ، وإنّها مرّت بأدوار علمية ثلاثة ولم تنقطع حركة العلم والعلماء خلالها عن هذه المدينة المقدّسة عبر القرون والأزمان ، وإنّما فترت في بعض القرون وأصابها الركود في بعضها الآخر ، ووصلت إلى قمّة الحركة والعطاء العلمي في برهة من الزمن.

حوزة كربلاء في دورها الأوّل :

لقد بدأت الحركة العلمية في كربلاء مع بدايات تمصيرها حيث سكنها بعض الفضلاء والمحدّثين.

وفيما يلي قائمة لأهمّ الشخصيّات التي واكبت الحركة العلمية في كربلاء في دورها الأوّل وقبل عصر الشيخ الوحيد البهبهاني وتلامذته ، حيث

__________________

(١) فرحة الغري : ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

(٢) تاريخ التربية : ٣٠١.

٦٠