تراثنا ـ العددان [ 119 و 120 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 119 و 120 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٥١٠

٣٠ ـ رحلة ابن بطوطة : ابن بطوطة ـ أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الطنجي (ت ٧٧٩ هـ) ، شرح وتعليق : طلال حرب ، طبعة دار الكتب العلمية ـ بيروت ، الطبعة الثانية (١٤٢٣ هـ ـ ٢٠٠٢ م).

٣١ ـ رحلة ابن جبير : ابن جبير ـ محمّد بن أحمد الأندلسي (ت ٦١٤ هـ) ، طبعة دار الكتاب العربي ـ بيروت ، (بلا ـ ت).

٣٢ ـ روضات الجنّات في تراجم العلماء والسادات : الخوانساري ـ محمّد باقر (ت ١٣١٣ هـ) ، طبعة مكتبة إسماعيليان ـ قم (١٣٩٠ هـ).

٣٣ ـ رياض العلماء وحياض الفضلاء : أفندي ـ الميرزا عبد الله أفندي الإصفهاني (من أعلام القرن الثاني عشر) ، تحقيق : أحمد الحسيني ، طبعة مكتبة المرعشي ـ قم (١٤٠٣ هـ).

٣٤ ـ ريحانة الأدب في تراجم المعروفين بالكنية واللقب (بالفارسية) : مدرّسي ـ محمّد علي ، طبعة شفق ـ تبريز إيران ، الطبعة الثالثة (بلا ـ ت).

٣٥ ـ السيّد كمال الحيدري : هدّو ـ حميد مجيد ، طبعة مؤسّسة الهدىـ قم (١٤٢٣ هـ ٢٠١١ م).

٣٦ ـ شهداء الفضيلة : الأميني ـ عبدالحسين (ت ١٣٩٠هـ) طبعة دار الشهاب ـ قم.

٣٧ ـ طبقات أعلام الشيعة : الطهراني آقا بزرك ـ محسن (ت ١٣٨٩هـ) ، طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٣٠ هـ ـ ٢٠٠٩ م).

٣٨ ـ الطليعة من شعراء الشيعة : السماوي ـ محمّد ، تحقيق : كامل سلمان الجبوري ، طبعة دار المؤرّخ العربي ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٢٢ هـ ـ ٢٠٠١ م).

٢٢١

٣٩ ـ الأعلام : الزركلي ـ خير الدين (ت ١٣٩٦ هـ) ، طبعة دار العلم للملايين ـ بيروت ، الطبعة الرابعة عشرة (١٩٩٩ م).

٤٠ ـ الأغاني : الإصفهاني أبو الفرج ـ علي بن الحسين (ت ٣٥٦ هـ) تحقيق : عبد علي مهنّا ، طبعة دار الفكر ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٦ م).

٤١ ـ الغدير في الكتاب والسنّة والأدب : الأميني ـ عبد الحسين (ت ١٣٩٠ هـ) ، تحقيق : مركز الغدير للدراسات الإسلامية ـ قم ، الطبعة الأولى (١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٥ م).

٤٢ ـ الفخري في الآداب السلطانية والدولة الإسلامية : ابن الطقطقا ـ محمّد بن علي ابن طبطبا المعروف بابن الطقطقا (ت ٧٠٩ هـ) ، طبعة دار صادر ـ بيروت ، (بلا ـ ت).

٤٣ ـ الفقه في جنوب لبنان : الحسيني ـ محمّد طاهر ، طبعة دار المحجّة البيضاء ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٣٠ هـ ـ ٢٠٠٩ م).

٤٤ ـ الفوائد الرضوية في أحوال علماء مذهب الجعفرية : القمّي ـ عبّاس بن محمّد رضا بن أبي القاسم (١٣٥٩ هـ) ، المطبعة المركزية ـ طهران (١٣٢٧ ش).

٤٥ ـ فهرست كتب الشيعة وأُصولهم : الطوسي ـ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي (ت ٤٦٠ هـ) ، تحقيق وتقديم : عبد العزيز الطباطبائي ، طبعة مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث ـ قم ، الطبعة الأولى (١٤٢٠ هـ).

٤٦ ـ قادة الفكر الديني في النجف : الصغير ـ محمّد حسين ، طبعة مؤسّسة البلاغ ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٢٩ هـ ـ ٢٠٠٨ م).

٢٢٢

٤٧ ـ الكامل في التاريخ : ابن الأثير ـ عز الدين أبي الحسن علي بن محمّد أبي الكرم الجزري (ت ٦٣٠ هـ) ، تحقيق : علي شيري ، طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٩ م).

٤٨ ـ كربلاء ، ذكريات ولمحات : ميربصري ، بحوث ودراسات حول كربلاء.

٤٩ ـ كربلاء في الأرشيف العثماني : قايا ـ دليلك ، دراسة وثائقية بإشراف وتقديم : د. زكريّا قورشون ، طبعة الدار العربية للموسوعات ـ بيروت (١٤٢٨ هـ ـ ٢٠٠٨ م).

٥٠ ـ لسان العرب : ابن منظور ـ محمّد بن مكرّم بن علي (ت ٧١١ هـ) طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٨ م).

٥١ ـ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث : الوردي ـ علي ، طبعة أُفست المكتبة الحيدرية.

٥٢ ـ لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث : البحراني ـ يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني الدرازي (ت ١١٨٦هـ) ، تحقيق : محمّد صادق بحر العلوم ، طبعة أُفست مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام للطباعة والنشر (بلا ـ ت).

٥٣ ـ ماضي النجف وحاضرها : محبوبة ـ جعفر باقر (ت ١٣٧٧ هـ) ، طبعة دار الأضواء ـ بيروت ، الطبعة الثانية (١٤٣٠ هـ ـ ٢٠٠٩ م).

٥٤ ـ الإمام الحسين : العلايلي ـ عبد الله ، (سموّ المعنى في سموّ الذات ، أو : أشعّة من حياة الحسين) ، طبعة دار مكتبة التربية ـ بيروت (١٩٧٢ م).

٥٥ ـ مجلّة لغة العرب : الكرملي ـ الأب انستاس ماري ، (مجلّة شهرية أدبية علمية تاريخية) ، طبعة دار الحرية ـ بغداد (١٣٩١ هـ ـ ١٩٧١ م).

٢٢٣

٥٦ ـ المدارس العلمية في كربلاء : الأنصاري ـ رؤوف (بحث منشور ضمن بحوث ندوة دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري) ، طبعة الزهراء ـ الكويت ، (بلا ـ ت).

٥٧ ـ مراقد المعارف : حرز الدين ـ محمّد (ت ١٣٦٥ هـ) تحقيق : محمّد حسين حرز الدين ، أُفست الطبعة الأولى ، انتشارات سعيد بن جبير ـ قم (١٩٩٢ م).

٥٨ ـ معادن الجواهر ونزهة الخواطر : الأمين ـ محسن بن عبدالكريم العاملي (ت ١٣٧١ هـ) ، طبعة دار الزهراء ـ بيروت (١٤٠٣ هـ ١٩٨٣ م).

٥٩ ـ معارف الرجال في تراجم العلماء والأُدباء : حرز الدين ـ محمّد (ت ١٣٦٥هـ) ، علّق عليه محمّد حسين حرز الدين ، طبعة مكتبة المرعشي ـ قم (١٤٠٥ هـ).

٦٠ ـ المعالم الجديدة للأُصول : الصدر ـ محمّد باقر (ت ١٤٠١ هـ) ، طبعة المجمع العالمي للإمام الشهيد الصدر ، الطبعة الثالثة (١٤٢٩ هـ).

٦١ ـ معجم البلدان : الحموي ـ شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت (ت ٦٢٦ هـ) ، طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، (بلا ـ ت).

٦٢ ـ معجم مقاييس اللغة : ابن فارس ـ أبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا (ت ٣٩٥ هـ) ، حقّقه : شهاب الدين أبو عمرو ، طبعة دار الفكر ـ بيروت (١٤١٤ هـ).

٦٣ ـ معجم المؤلّفين : كحّالة ـ عمر رضا ، تراجم مصنّفي الكُتب العربية ، مكتبة المثنّى ، طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت (١٤٠٩ هـ).

٦٤ ـ مع مؤتمر علماء النجف : عياد عبد السلام رؤوف ، طبعة بغداد.

٢٢٤

٦٥ ـ مقتل الحسين : الخوارزمي ـ أبي المؤيّد الموفّق بن أحمد المالكي أخطب خوارزم (ت ٥٦٨ هـ) ، تحقيق : الشيخ محمّد السماوي ، طبعة مكتبة المفيد ـ قم ، (بلا ـ ت).

٦٦ ـ مقدّمة رياض المسائل للسيّد علي الطباطبائي : الآصفي ـ محمّد مهدي ، طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي ـ قم ، الطبعة الأولى (١٤١٢ هـ).

٦٧ ـ منتهى المقال في معرفة الرجال : الحائري ـ أبو علي محمّد بن إسماعيل المازندراني (ت ١٢١٦ هـ) ، طبعة مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ـ قم ، الطبعة الأولى (١٤١٦ هـ).

٦٨ ـ موسوعة طبقات الفقهاء : السبحاني ـ جعفر ، طبعة دار الأضواء ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٢٠ هـ ـ ١٩٩٩ م).

٦٩ ـ موسوعة العتبات المقدّسة : الخليلي ـ جعفر ، طبعة مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت ، الطبعة الثانية (١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧ م).

٧٠ ـ نزهة الناظر : الحلّي ـ نجيب الدين يحيى بن سعيد (ت ٦٩٠ هـ) ، إعداد : السيّد أحمد الحسيني ، طبعة الآداب ـ النجف (١٣٨٦ هـ).

٧١ ـ نهضة الحسين : الشهرستاني ـ هبة الدين (ت ١٣٨٦ هـ) ، طبعة دار الكتاب العربي ـ بيروت ، (بلا ـ ت).

٧٢ ـ هديّة الرازي إلى الإمام المجدّد الشيرازي : الطهراني آقا بزرك ـ محسن (ت ١٣٨٩ هـ) طبعة انتشارات ميقات (١٤٠٣ هـ).

٢٢٥

الذكر المحفوظ

قراءة جديدة في تاريخ جمع القرآن

وما روي في تحريفه

(٦)

السيّد عليّ الشهرستاني

بعد أن انتهينا من بيان المراحل الثلاث في تاريخ القرآن : ١ ـ التنزيل ، ٢ ـ الترتيب ، ٣ ـ الجمع والتأليف ، ناقلين الأقوال الأربعة في هذا الأخير حيث قمنا بدراسة الأقوال الثلاثة فيه ، وهي : الجمع على عهد الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) والجمع بعد وفاته بواسطة الإمام علي عليه‌السلام والجمع في عهد الشيخين ونستأنف البحث هنا :

٤ ـ الجمع في عهد عثمان بن عفّان :

المشهور عند غالب المسلمين أنّ عثمان هو جامع الذكر الحكيم ، لكنّهم فسّروا هذا الجمع بمعنى توحيد المصاحف ، وأعطوه صفة الجامع للقرآن ، وإعطاء هذه الصفة يأتي بمعنيين :

الأوّل : بمعنى تأليف القرآن وتدوينه وجمعه بين الدفّتين.

٢٢٦

والثاني : بمعنى توحيد المصاحف.

وإليك النصوص في كلا السياقين :

١ ـ أخرج البخاري والترمذي عن أنس : «أنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ـ وكان يغازي أهل الشّام في فتح أرمينية وآذربيجان مع أهل العراق ـ فأفزع(١) حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين ، أدرك هذه الأمّة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة : أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثمّ نردّها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القُرشيّين : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنّما نزل بلسانهم ، ففعلوا ، حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق.

قال ابن شهاب : وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، أنّه سمع زيد بن ثابت قال : فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف ، قد كنت أسمع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقرأ بها ، فالتمسناها ، فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري (من الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) فألحقناها في سورتها

__________________

(١) قوله : «فأفزع حذيفة» من الإفزاع. وفي رواية ابن سعد فرأى.

٢٢٧

في المصحف»(١).

قال في رواية أبي اليمان : «خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) شهادته شهادة رجلين»(٢).

زاد في رواية أخرى : «قال ابن شهاب : اختلفوا يومئذ في (التابوت) فقال زيدٌ : (التَّابُوهُ) وقال ابن الزبير وسعيد بن العاص (التابوت) ، فرفع اختلافهم إلى عثمان ، فقال : اكتبوه (التابوت) فإنّه بلسان قريش»(٣).

٢ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن أبي قلابة ، قال : «لمّا كان في خلافة عثمان جعل المعلّم يعلّم قراءة الرجل ، والمعلم يعلم قراءة الرجل ، فجعل الغلمان يتلقّون فيختلفون ، حتّى ارتفع ذلك إلى المعلّمين ، حتّى كفّر بعضهم بقراءة بعض ، فبلغ ذلك عثمان ، فقام خطيباً ، فقال : أنتم عندي تختلفون وتلحنون ، فمن نأى عني من الأمصار أشدّ اختلافاً وأشدّ لحناً ، فاجتمعوا يا أصحاب محمّد فاكتبوا للناس إماماً.

فقال أبو قلابة : فحدّثني مالك بن أنس ، قال أبو بكر بن داوود : هذا مالك بن أنس جدّ مالك بن أنس ، قال : كنت فيمن أملي عليهم فربّما اختلفوا في الآية ، فيذكرون الرجل قد تلقّاها من رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ولعلّه أن يكون غائباً أو

__________________

(١) صحيح البخاري ٤/١٩٠٨/ ح ٤٧٠٢ ، سنن الترمذي ٥/٢٨٤ / ح ٣١٠٤ ، مسند أبي يعلى ١/٩٢ / ح ٩٢.

(٢) صحيح البخاري ٣/١٠٣٣/ ح ٢٦٥٢ ، ٤/١٧٩٥ / ح ٤٥٠٦ ، مسند أحمد ٥/٢١٥ / ح ٢١٩٣٣.

(٣) انظر سنن الترمذي ٥/٢٨٥ ، ذيل الحديث ٤١٠٤ ، مسند أبي يعلى ١/٦٤ / ح ٦٣ ، سنن البيهقي الكبرى ٢/٣٨٥ / ح ٣٨٠٦ ، ٣٨٠٧.

٢٢٨

في بعض البوادي ، فيكتبون ما قبلها وما بعدها ويدعون موضعها حتّى يجيء أو يُرسل إليه ، فلمّا فرغ من المصحف كتب إلى أهل الأمصار : إنّي قد صنعت كذا وصنعت كذا ، ومحوت ما عندي فامحوا ما عندكم»(١).

٣ ـ ابن أبي داوود ، عن محمّد بن سيرين ، قال : «كان الرجل يقرأ حتّى يقول الرجل لصاحبه : كفرت بما تقول ، فرُفع ذلك إلى عثمان بن عفّان ، فتعاظم ذلك في نفسه ، فجمع إثنى عشر رجلاً من قريش والأنصار ، فيهم أُبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص ، وأرسل إلى الرّبعة(٢) التي كانت في بيت عمر ، فيها القرآن ، وكان يتعاهدُهم ، فقال محمّد : فحدّثني كثير بن أفلح أنّه كان يكتب لهم ، فربّما اختلفوا في الشيء فأخّروه ، فسألته لم كانوا يؤخّرونه؟ فقال : لا أدري ، فقال محمّد : فظننت فيه ظنّاً فلا تجعلوه أنتم يقيناً ، ظننت أنّهم كانوا إذا اختلفوا في الشيء أخّروه ، حتّى ينظروا أحدثهم عهداً بالعرضة الأخيرة فيكتبوه على قوله»(٣).

٤ ـ ابن أبي داوود ، عن ابن شهاب ، قال : بلغَنا أنّه كان أُنزل قرآن كثير فقتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا قد وعوه ، ولم يُعلم بعدهم ولم يُكتب ،

__________________

(١) المصاحف لابن أبي داود ١/٢٠٣ ـ ٢٠٤ / ح ٧٤ ، ٧٥ ، كنز العمال ٢/٢٤٦ / ح ٤٧٧٦.

(٢) الرَّبعة : هي الكتب المجتمعة ، وكانت عند حفصة ، فلمّا جمعها عثمان في المصحف ردّها إليها ولم يحرقها في جملة ما حرقه ممّا سواها ، لأنّها هي بعينها الذي كتبه وإنّما رتّبه ، قاله ابن كثير في فضائل القرآن ، فالسؤال : لو كانت هي بعينها الذي كتبه ، فما يعني حرق مروان لها بعد ذلك؟

(٣) كنز العمال ٢/٢٤٨/ ح ٤٧٨٢ عن المصاحف لابن أبي داوود ١/٢١٢ / ح ٨٧ ـ ٩١.

٢٢٩

فلمّا جمع أبو بكر وعمر وعثمان القرآن ولم يوجد مع أحد بعدهم ، وذلك فيما بلغَنا حملهم على أن تتبَّعوا القرآن ، فجمعوه في الصحف في خلافة أبي بكر خشية أن يقتل رجال من المسلمين في المواطن معهم كثير من القرآن ، فيذهبوا بما معهم من القرآن ، فلا يوجد عند أحد بعدهم ، فوفّق الله عثمان فنسخ تلك الصحف في المصاحف ، فبعث بها إلى الأمصار وبثّها في المسلمين»(١).

٥ ـ ابن أبي داوود : عن مصعب بن سعد ، «قال : قام عثمان يخطب الناس ، فقال : يا أيّها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن ، تقولون قراءة أُبيّ ، وقراءة عبد الله ، يقول الرجل : والله ما تقيم قراءتك ، فأعزم على كلّ رجل منكم كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به ، فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن ، حتّى جُمع من ذلك أكثره ، ثمّ دخل عثمان فدعاهم رجلاً رجلاً فناشدهم : لسمعتَ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وهو أملاه عليك؟ فيقول : نعم ، فلمّا فرغ من ذلك عثمان قال : من أكتب الناس؟ قالوا : كاتب رسول الله(صلى الله عليه وسلم) زيد بن ثابت ، قال : فأيّ الناس أعرب؟ قالوا سعيد بن العاص ، قال عثمان : فليملّ سعيد وليكتب زيد ، فكتب زيد وكتب معه مصاحف ففرّقها في الناس ، فسمعت بعض أصحاب محمّد يقولون : قد أحسن»(٢).

٦ ـ ابن أبي داوود : عن مصعب بن سعد ، قال : «سمع عثمان قراءة

__________________

(١) كنز العمال ٢/٢٤٧/ ح ٤٧٧٨ عن المصاحف لابن أبي داوود ١/٢٠٨ / ح ٨١.

(٢) كنز العمال ١/٢٤٧/ ح ٤٧٧٩ عن المصاحف عن ابن أبي داوود ١/٢٠٨ / ح ٨٢.

٢٣٠

أُبيّ وعبد الله ومعاذ فخطب الناس ، ثمّ قال : إنّما قُبض نبيّكم(صلى الله عليه وسلم) منذ خمس عشرة سنة ، وقد اختلفتم في القرآن ، عزمت على من عنده شيء من القرآن سمعه من رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، لمَا أتاني به ، فجعل الرجل يأتيه باللّوح والكتف والعسب فيه الكتاب ، فمن أتاه بشيء قال : أنت سمعت من رسول الله(صلى الله عليه وسلم)؟ ثمّ قال : أيّ الناس أفصح؟ قالوا : سعيد بن العاص ، ثمّ قال : أيّ الناس أكتب؟ قالوا : زيد بن ثابت ، قال : فليكتب زيد وليملّ سعيد ، فكتب مصاحف فقسّمها في الأمصار ، فما رأيت أحداً عاب ذلك عليه»(١).

٧ ـ ابن سعد : عن عطاء : «أنّ عثمان بن عفّان لمّا نسخ القرآن في المصاحف أرسل إلى أُبيّ بن كعب ، فكان يملي على زيدٌ بن ثابت وزيد يكتب ومعه سعيد بن العاص يُعربه ، فهذا المصحف على قراءة أُبيّ وزيد»(٢).

وفيه عن مجاهد أيضاً : «أنّ عثمان أمر أُبيّ بن كعب يملي ، ويكتب زيد بن ثابت ، ويعربه سعيد بن العاص وعبد الرحمان بن الحارث»(٣).

٨ ـ ابن أبي داوود ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله وخارجة : «أنّ أبا بكر الصدّيق كان جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك ، فأبى حتّى استعان عليه بعمر ، ففعل ، فكانت الكتب عند أبي بكر حتّى توفّي ، ثمّ عند عمر حتّى توفّي ، ثمّ كانت عند حفصة زوج

__________________

(١) كنز العمال ٢/٢٤٨ / ح ٤٧٨٠ عن المصاحف لابن أبي داوود ١/٢٠٩ / ح ٨٣.

(٢) كنز العمال ٢/٢٤٩ / ح ٤٧٨٩ عن ابن سعد.

(٣) تاريخ دمشق ٣٤/٢٧٦ ، كنز العمال ٢/٢٤٩ / ح ٤٧٩٠.

٢٣١

النبيّ(صلى الله عليه وسلم) فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها ، حتّى عاهدها ليردنّها إليها ، فبعثت بها إليه ، فنسخها عثمان هذه المصاحف ، ثمّ ردّها إليها فلم تزل عندها ،] حتّى أرسل مروان فأخذها فحرقها [قال الزهري : أخبرني سالم بن عبد الله أنّ مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب فيها القرآن فتأبى حفصة أن تعطيه إيّاها ، فلمّا توفّيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسل إليه بتلك الصحف ، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر ، فأمر بها مروان : فشقّقت ، وقال مروان إنّما فعلت هذا لأنّ ما فيها قد كتب وحفظ بالصحف فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذا المصحف مرتاب أو يقول : إنّه قد كان فيها شيء لم يكتب»(١).

٩ ـ كنز العمال ، عن أبي هريرة : «أنّه قال لعثمان لما نسخ المصاحف : أصبت ووفقت ، أشهد لسمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقول : (إنّ أشدّ أمّتي حبّاً لي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ، يعملون بما في الورق المعلّق).

فقلت : أيّ ورق؟ حتّى رأيت المصاحف ، فأعجب ذلك عثمان ، وأمر لأبي هريرة بعشرة آلاف ، وقال : والله ما علمت أنك لتحبس علينا حديث نبيّنا»(٢).

١٠ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن ابن عبّاس قال : «قلت لعثمان ابن عفّان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني ، وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرّحمنِ

__________________

(١) كنز العمال ٢/٢٤٢/ ح ٤٧٥٥ عن المصاحف لابن أبي داوود ١/٢١١ / ح ٨٥.

(٢) كنز العمال ٢/٢٤٩/ ح ٤٧٩٦ ، تاريخ دمشق ٣٩/٢٤٤.

٢٣٢

الرّحيم) ووضعتموهما في السبع الطوال ، ما حملكم على ذلك؟

فقال عثمان : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) كان ممّا يأتي عليه الزمان تنزل عليه السور ذوات العدد ، وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده ، فيقول : ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وتنزل عليه الآيات فيقول : ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوّل ما أنزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً ، وكانت قصّتها شبيهة بقصّتها ، فظننت أنّها منها ، وقُبض رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ولم يبيّن لنا أنّها منها(١) ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر (بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ووضعتهما في السبع الطوال»(٢).

١١ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن سويد بن غفلة ، قال : «سمعت عليّ بن أبي طالب يقول : يا أيّها الناس لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلاّ خيراً في المصاحف وإحراق المصاحف ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملأ منّا جميعاً ، فقال : ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أنّ بعضهم يقول : قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد أن يكون كفراً ، قلنا : فما ترى؟ قال : نرى أن يجمع الناس على مصحف واحد بلا فرقة ، ولا يكون اختلاف ، قلنا : فنعم ما رأيت ، قال : أيّ الناس أفصح وأيّ الناس أقرأ؟

__________________

(١) إنّه اتّهام لرسول الله(صلى الله عليه وآله).

(٢) كنز العمال ٢/٢٤٩/ ح ٤٧٧٠ عن ش حم د ت ن ابن المنذر ، وابن أبي داوود وابن الأنباري معا في المصاحف ، والنحاس في ناسخه ، حب ، وأبو نعيم في المعرفة ، وابن مردويه ، ك ق ص.

٢٣٣

قالوا : أفصح الناس سعيد بن العاص ، وأقرأهم زيد بن ثابت ، فقال : ليكتب أحدهما ويملي الآخر ، ففعلا وجمع الناس على مصحف ، قال عليّ : والله لو ولّيته لفعلت مثل الذي فعل»(١).

١٢ ـ ابن أبي داوود ، والصابوني في المأتين عن سويد بن غفلة ، قال : «قال عليّ حين حرّق عثمان المصاحف : لو لم يصنعه هو لصنعته»(٢).

١٣ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن مصعب بن سعد ، قال : «أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف ، فأعجبهم ذلك ، ولم ينكر ذلك منهم أحد»(٣).

١٤ ـ ابن أبي داوود وأبو الشيخ في السّنّة ، عن عبد الرحمان بن مهدي ، قال : «خصلتان لعثمان بن عفّان ليستا لأبي بكر ولا لعمر ، صبره نفسه حتّى قتل ، وجمعه الناس على المصحف»(٤).

١٥ ـ ابن أبي داوود ، عن أبي المليح ، قال : قال عثمان بن عفّان حين

__________________

(١) كنز العمال ٢/٢٤٧ / ح ٤٧٧٧ عن ابن أبي داوود وابن الأنباري في المصاحف ك ق.

(٢) كنز العمال ٢/٢٤٩/ ح ٤٧٩١ عن ابن أبي داوود في المصاحف والصابوني في المأتين.

(٣) كنز العمال ٢/٢٤٦/ ح ٤٧٧٣ عن البخاري في خلق أفعال العباد وابن أبي داوود وابن الأنباري في المصاحف.

(٤) كنز العمال ٢/٢٤٦ /ح ٤٧٧٤ عن المصاحف لابن أبي داوود وأبو الشيخ في السنة حل كر.

٢٣٤

أراد أن يكتب المصحف : تملي هذيل وتكتب ثقيف»(١).

١٦ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي ، قال : «لما فُرغ من المصحف أتي به عثمان فنظر فيه ، فقال : قد أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها»(٢).

١٧ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن قتادة : «أنّ عثمان لما رُفع إليه المصحف قال : إنّ فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها»(٣).

١٨ ـ ابن أبي داوود ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم اللّيثي ، عن عبد الله بن فطيمة ، عن يحيى ابن يعمر قال : «قال عثمان : إنّ في القرآن لحناً وستقيمه العرب بألسنتها»(٤).

١٩ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن عكرمة ، قال : «لما أُتي عثمان بالمصحف رأى فيه شيئاً من لحن ، فقال : لو كان المُملي من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا»(٥).

٢٠ ـ ابن أبي داوود بسنده عن الوليد ، قال : «قال مالك : كان جدّي مالك بن أبي عامر ممّن قرأ في زمان عثمان ، وكان يكتب المصاحف»(٦).

__________________

(١) كنز العمال ٢/٢٤٨ / ح ٤٧٨٣ عن المصاحف لابن أبي داوود ١/٢١٥ / رقم ٩٢.

(٢) كنز العمال ٢/٢٤٨ / ح ٤٧٨٤ عن المصاحف لابن أبي داوود وابن الأنباري.

(٣) كنز العمال ٢/٢٤٨ / ح ٤٧٨٥ عن المصاحف لابن أبي داوود وابن الأنباري.

(٤) كنز العمال ٢/٢٤٨ / ح ٤٧٨٦ ، عن المصاحف لابن أبي داوود.

(٥) كنز العمال ٢/٢٤٩ / ح ٤٧٨٧ ، عن المصاحف لابن أبي داوود وابن الأنباري.

(٦) المصاحف لابن أبي داوود ١/٢١٥ / ح ٩٣.

٢٣٥

المناقشة :

هذه عشرون نصّاً جئت بها من المصادر الأصلية عند الجمهور ، وهي كما تراها مضطربة أو معارضة بنصوص أخرى أحياناً ، بل إنّ عملية جمع عثمان للمصحف على قراءة واحدة يعارض ما روي في نزول القرآن على سبعة أحرف الذي شُرّع تسهيلاً على الأمّة كما يقولون ، بل يخطّئ ما قاله مكّي بن أبي طالب في الإبانة من أنّ الصحابة تعارف بينهم في عهد النبيّ(صلى الله عليه وآله)ترك الإنكار على من خالفت قراءته قراءة الآخر ، وذلك لقول النبيّ(صلى الله عليه وآله) : «أُنزل القرآن على سبعة أحرف فأقرؤوا بما شئتم»(١) ، وهو المروي في البخاري عن عمر بن الخطاب ، قال : «سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله ، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأها رسول الله ، واختلف عمر معه حتّى أتيا رسول الله ، فقال لهم : كذلك أنزلت ، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأ ما تيسّر منه»(٢).

فلو صحّت نصوص الأحرف السبعة حسبما فسّروه فهو يصحّح ما قاله أمثال : نصر أبي زيد وعابد الجابري وغليوم وأركون وغيرهم ، ومعناه : أنّ الوحي إلهي لكن النصّ بشري يجوز تغييره والزيادة والنقصان فيه ، وهذا الكلام باطل ويخطّئه فعل عثمان إذ جمعهم على قراءة واحدة!!

فمن جهة يقولون بشرعية تعدّد القراءات ، وأنّ القراءات العشر متواترة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ومن جهة أخرى يقولون بلزوم وحدة القراءة وعدم

__________________

(١) راجع الإبانة : ٤٦ ـ ٤٧.

(٢) صحيح البخاري ٤/١٩٠٩/ ح ٤٧٠٥ من الباب ٥.

٢٣٦

التخطّي عن قراءة زيد بن ثابت ومصحف عثمان!!

فالتعدّدية في القراءات ، إمّا مطلوبة للشارع تيسيراً على الأمّة ، أو أنّها منهيُّ عنها خوفاً من وقوع الناس في الاختلاف ، ولا يجوز التهافت بأن يقولوا من جهة بأنّ الله جوّز تعدّد القراءة سعة على الأمّة ، ومن جهة أخرى يقولون : إنّ الاختلاف وقع بين أهل العراق والشام حتّى كاد أن يكفّر أحدهم الآخر ، أو أنّ المعلّمين اختلفوا في تعليم الصبيان في القراءات وأنّ عثمان جمعهم على حرف واحد رفعاً للاختلاف وكتب مصحفه بشكل يتّفق مع قراءة الجميع ، والآن مع مناقشة بسيطة للنصوص ، نصّاً بعد نصّ :

أمّا النصّ الأوّل ، فيوقفنا على عدّة أمور :

أوّلاً : أنّ حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان يحارب فيها بجنب أهل الشام وأهل العراق لفتح أرمينية بآذربايجان ، وقد رأى اختلاف المسلمين في القراءة ، فقدم على عثمان بن عفّان يخبره بذلك.

ومعنى هذا النصّ وجود اختلاف بين المسلمين في القراءات على عهد عثمان ، وأنّ قراءة أهل الشام تخالف قراءة أهل العراق ، أو : أنّ قراءة أُبيّ بن كعب ـ التي يقرأ بها أهل الشام ـ تختلف عن قراءة ابن مسعود التي يقرأ بها أهل الكوفة = العراق ، فالاختلاف لم يكن في تقديم وتأخير السور بل في قراءة الآيات.

ثانياً : إنّ اختلافهم في القرآن كان جزئياً ، ولأجل ذلك قال له : «يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمّة قبل أن يختلف في الكتاب اختلاف اليهود

٢٣٧

والنصارى» ، وهذا يدعونا للبحث عن الاختلاف الواقع في الكتاب المقدّس عند اليهود والنصارى ، وهل هو في النصّ أو في الفهم ، فقد قال ابن كثير في فضائل القرآن :

«إنّ اليهود والنصارى مختلفون فيما بأيديهم من الكتب ، فاليهود بأيديهم نسخة من التوراة ، والسامرة يخالفونهم في ألفاظ كثيرة ومعان أيضاً ، وليس في توراة السامرة حروف الهمزة ، ولا حرف الهاء ولا الياء.

والنصارى أيضاً بأيديهم توراة يسمّونها العتيقة ، وهي مخالفة لنسختي اليهود والسامرة.

وأمّا الأناجيل التي بأيدي النصارى فأربعة : إنجيل مرْقَس ، وإنجيل لُوقا ، وإنجيل مَتّي ، وإنجيل يوحنّا ، وهي مختلفة أيضاً اختلافاً كثيراً ... وهي مع هذا مختلفة كما قلنا. وكذلك التوراة مع ما فيها من التحريف والتبديل ، ثمّ هما منسوخان بعد ذلك بعده بهذه الشريعة المحمّديّة المطهّرة»(١).

ثالثاً : إنّ عثمان طلب من حفصة أن تعطيه الصحف التي كانت عندها كي يستنسخ نسخاً عنها ثمّ يردّها إليها ، وهذا الكلام يؤكّد وجود صحف مكتوبة عند المسلمين قبل جمع عثمان المصاحف ، وبمعنى آخر : أنّ الصحابة الخلفاء (أبا بكر وعمر) كانوا قد دوّنوا القرآن قبل عثمان بن عفّان.

مع التنويه إلى أنّ الصحف الموجودة بيد حفصة لم تكن من إرثها الشخصي بل هي حقّ للمسلمين ، لأنّ أبابكر كان قد عمل هذه الصحف

__________________

(١) فضائل القرآن : ٧٠ ، باب كتابة عثمان للمصاحف.

٢٣٨

للمسلمين ، ثمّ صارت من بعده في حوزة عمر بن الخطّاب ، فكان من اللازم أن تنقل حفصة تلك الصحف إلى عثمان باعتباره خليفة المسلمين ، ولا داعي لبقائها في يد حفصة ، إلاّ أن نقول بأنّ صحف حفصة غير ما دوّنه زيد في عهد أبي بكر ، وهذا مالا يقول به أحد.

رابعاً : إنّ عثمان ألّف لجنة من أربعة أشخاص هم : ١ ـ زيد بن ثابت ٢ ـ عبد الله بن الزبير ٣ ـ سعيد بن العاص ٤ ـ عبد الرحمن بن الحارث لاستنساخ ما دوّن على عهد الشيخين ، والذي كان موجوداً عند حفصة ، وهؤلاء نسخوها في المصاحف.

ولا يخفى عليك بأنّ هؤلاء جميعهم كانت لهم صلة قرابة بالأمويّين وبعثمان على وجه الخصوص.

والسؤال هو : هل أنّهم نسخوها من الصحف كما هي وجعلوها مصاحف؟ أم أنّهم أضافوا إليها بعض القراءات من المصاحف الأخرى؟

فلو قام عثمان بتغيير بعض الآيات في مصحف حفصة فعمله هذا لا يخلو من أحد أمرين : إمّا أن يكون تحريفاً للقرآن ، أو إصلاحاً له.

فإن كان الأوّل فلا ريب في شناعة فعله في التحريف في كلام الله ، وإن كان الثاني فلا بدّ من الوقوف على موارد التصحيح عنده في مصحف حفصة ، بل لماذا لا يعامل مصحفها بما عامل به مصاحف سائر الصحابة كالحرق والتمزيق ، وحينما لا نرى تلك المعاملة مع مصحف حفصة علمنا أنّ مصحفه هو نسخة أخرى لمصحف حفصة!!

وأراد الأستاذ أبو زهرة أن يدّعي في المعجزة الكبرى بأنّ مصحف

٢٣٩

عثمان لم يكن نَسخاً لنسخة حفصة ، بل أخذوا نسختها لمطابقتهما ، قال : «ولقد قال الطبري : إنّ الصحف التي كانت عند حفصة جعلت إماماً في هذا الجمع الأخير ، ويقول القرطبي : «هذا صحيح». ومعنى صحّته أنّه بعد الجمع الذي قام به زيد بأمر عثمان ، وعاونه المؤمنون الحافظون ، قد روجع على مصحف حفصة ، وكانت هي المقياس لصحّته ، فبالمقابلة بينهما بعد الجمع تبيّنت صحّتهما بصفة قاطعة لا ريب فيها. فكانت هذه الإمامة ، حتّى ظنّ أنّه نُسخ منها.

إلى أن قال : إنّ الإمام العظيم عثمان قد كتب المصحف خالياً من النّقط والشكل ، كما كان المصحف الموجود عند حفصة خالياً من النّقط والشكل ، ولم يكن نقّط وشكّل إلاّ بعد ذلك. ولكن لماذا خلا من ذلك؟

ثمّ أجاب أبو زهرة عن ذلك بالقول :

والجواب عن ذلك : إنّ القرآن له قراءات مختلفة هي سبع قراءات ، وليست هي الحروف كما ذكرنا من قبل ، ولكي يكون المكتوب محتملاً لهذه القراءات المرويّة بطرق متواترة كلّها ، كان لا بدّ أن يكون غير منقوط ولا مشكول ، كما ذكرنا في اختلاف القراءة في (أنفسكم) ، وكما ذكرنا في اختلاف القراءة في (فتبيّنوا) ، وما كان يمكن أن يَحتمل النصّ القراءتين إذا كان منقوطاً ومشكولاً.

ومن جهة أخرى : إنّ الأساس في تواتر القرآن هو الحفظ في الصدور لا في السطور ، حتّى لا يعتريه المحو والإثبات ، فلو كان القرآن منقوطاً ومشكولاً لاستغنى طالب القرآن عن أن يقرئه مقرئ ، فلا يكون التواتر

٢٤٠