تراثنا ـ العددان [ 117 و 118 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 117 و 118 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٩٤

اليوم

الشهر

السنة

المكان

الحدث

المصدر

أواخر

أواخر

ربيع الآخر

ربيع الآخر

٧٦٠

٧٦١

٧٦٤

٧٦٥

٧٦٧

٧٦٨

٧٦٩

مازندران

أردبيل

بغداد

كربلاء

الشام

المغرب

ظهور الدولة المرعشية

في أمل وطبرستان في

مازندران

إجـازة فخـر المحقّقيـن

للسيّد حيدر الآملي(١)

استنساخ الرسالة السعدية

للعلاّمة(٢)

طغيان نهردجلة ، وتخريبه

للعتبة الكاظمية المقدّسة

وتعميرها من قبل السلطان

أويس الجلايري

أمر السلطان أويس ببنـاء

الحرم الحسيني الشريف

في كربلاء

أوقـف السيّـد حسيـن

الموسوي أمواله لحرم

السيّدة زينب عليها‌السلام

محاربة محمّد بن يوسف

فهرس التراث ١ : ٦٨٨

إجازات ١٤ : ٤٢٩

مكتبة : ١٣٠

فهرس التراث ١ : ٦٨٨

فهرس التراث ١ : ٦٨٨

فهرس التراث ١ : ٦٨٨

فهرس التراث ١ : ٦٨٨

__________________

(١) الإجازة كتبت على كتاب أجوبة المسائل المهنّائية.

(٢) نسخة مجلس الشورى الإسلامي ، برقم : ٦٣٤٢.

٨١

اليوم

الشهر

السنة

المكان

الحدث

المصدر

٢٥

جمادى الآخرة

٧٧١

مع المسيحيّين ، وإرجاعه

جملة من أراضي المسلمين

إليهم

وفاة فخر المحقّقين(١)         

مقدّمات ٢ : ١٧٤

__________________

(١) لتفاصيل أكثر حول الوقائع التاريخية في القرنين السابع والثامن ممّا لها صلة بحياة العلاّمة وفخر المحقّقين ، راجع فهرست التراث ١ : ٦١٣ ـ ٦١٩ و٦٨٧ وما بعده.

٨٢

عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري

من محدِّثي الكوفة وقرَّائها

صلاح مهدي الفرطوسي

بسم الله الرحمن الرحيم

الكوفة عاصمة الإمام عليه‌السلام :

حقَّ للكوفة عاصمة أمير المؤمنين عليه‌السلام أن تطاول جميع الأمصار الإسلامية بكثرة فقهائها وقرّائها ورواتها وعلمائها ، وبأخبار مجاهديها وثوّارها فتطولهم ؛ صحابة وتابعين وتابعي التابعين.

وحقَّ لي تسمية ثويّتها ببقيع الكوفة ، لكثرة من ثوي بتربتها من ذلك الجيل(١). ولا يختلف اثنان من المنصفين في أنّ الكوفة بتاريخها العريق ومدارسها الفكرية ، وأدبائها وشعرائها ركن أساس من أركان الحضارة الإسلامية ، ويوم خرج المنصور لبناء عاصمة الدنيا بغداد حشد منها جيشاً من

__________________

(١) راجع كتابينا رجال من بقيع ثوية الكوفة ، والثوية بقيع الكوفة.

٨٣

العلماء والمهندسين والفعلة فأسّسوا لحضارة مازالت محلّ زهونا بعد أن طالت الأمّة أحداث فرقّتها أيدي سبأ ، وفعلت بها الأفاعيل. وبيدها أيضاً قصب السبق في فتوحات الشرق على الرغم من الأحداث المروعة ، والمجازر البشعة التي شهدتها إبّان حكم دولة بني أمية. ويكفي أن يكون من مفاخرها ثلاثة من سبعة قرَّاء مازالت قراءاتهم تتردّد في أرجاء المعمورة ، وهم عاصم وحمزة والكسائي ، إلاّ أنّ القصبة كانت بيد عاصم الذي أخذ قراءته عن زر بن حبيش وأبي عبد الرحمن السلمي ، وقد أخذاها عن أبي الحسنين عليهم‌السلام ، وهي أعلى قراءة عرفها العالم الإسلامي ، وأوسعها انتشارًا(١).

وقد سبقهم جيل من القرَّاء الكبار مّمن أخذ عنه عليه‌السلام أيضاً ، ولكن الزمان طواهم بردائه شأنه مع كثر ممّن مرّ عليهم فلم ينصفهم ، وقد شاركت كراهية العثمانيّين والأمويّين والزبيريّين والخوارج وبعض علماء سلاطين بني العبّاس لمحبّي أمير المؤمنين وأصحابه في طمس سيرهم على الرغم من أنّهم كانوا ملء السمع والبصر في زمانهم ؛ وفي مقدّمة هؤلاء عبد الرحمن بن أبي ليلى الذي كان له شرف عرض القرآن على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وشهادة مشاهده(٢). وهو مدنيٌّ أنصاريٌّ أوسيٌّ.

__________________

(١) ينظر تهذيب الكمال ١٣/٤٧٣ برقم ٣٠٠٢ ، وكيف لا تكون ، وبعض ما قيل عن قراءته قول أبو عبد الرحمن السلمي شيخ قرّاء زمانه : «ما رأيت أحدًا أقرأ لكتاب الله من علي) ، فضائل أمير المؤمنين ٤٥ ، وترجمة الإمام علي في تاريخ دمشق» ٣/٣٥.

(٢) سير أعلام النبلاء ٤/٢٦٣/٩٦.

٨٤

أبو ليلى الأنصاري :

اختلف في اسم أبي ليلى ، فقيل : بلال ، وقيل : بُليل ، وقيل : داود بن بلال ، وقيل : اليسر ، وقيل : يسار ، وقيل : اسمه كنيته(١) ، وقيل : بلال بن بُليل ابن أحيحة بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، وروي عن أخيه عمران أنّ اسمه داود ، ولقبه اليسر ، وقيل : ليس له اسم ، وقيل أيضاً : إنّ بلال هو أخو أبو ليلى(٢) ، وهو عند ابن حزم بلال بن بُليل بن أُحيحة بن الجلاح(٣). وله أختان ذكرهما ابن حزم ، أم بكر وآمنة ، وقد روي عنهما الحديث ؛ وذكر له ابن الأثير ثالثة اسمها ليلى ـ وقد تكون ابنته ، ولكن ابن الأثير نصّ على أنّها عمّة عبد الرحمنـ كانت من المبايعات وممّن روت عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)(٤).

رزق أبو ليلى بأكثر من عشرة ذكور ؛ منهم عبد الرحمن وعبد الله ؛ أمّا عبد الله فله ولد اسمه المختار ، ولم أقف لهما على دور ، ووقفت على ثلاثة أولاد لعبد الرحمن أحدهم عيسى وكان يكنَّى به ، وهو محدِّث ثقة من

__________________

(١) الإصابة ٧/٢٩٢ برقم ١٠٤٧٨ ، وانظر أيضاً سير أعلام النبلاء ٢/١٣٠ وتاريخ مدينة دمشق ٣٦/٧٦ برقم ٣٩٩٨.

(٢) تاريخ بغداد ١٠/١٩٨ برقم ٥٣٤٨ ، وانظر في نسبه والاختلاف باسمه طبقات خليفة ٢٥٢.

(٣) الطبقات ٦/١٠٩ ، وانظر أيضاً جمهرة أنساب العرب : ٣٣٥ ، ووفيات الأعيان ٣/ ١٢٦ برقم ٣٦٠.

(٤) أسد الغابة ٥/٥٤٣.

٨٥

المتقنين بحسب ابن حبّان وأبي حاتم الرازي(١). والآخر اسمه محمَّد ، وقد تولَّى قضاء الكوفة إبّان الدولتين الأموية والعبّاسية لثلاث وثلاثين سنة ، وتوفّي سنة ثمان وأربعين ومائة(٢) ، وروى غير حديث عن أبيه(٣) ، إلاّ أنّ الصفدي قال : «لم يدرك السماع عن أبيه ، وروى عن حفص بن غياث أنّه قال : كان من أحسب الناس ، وأحسنهم خطّاً ونقطاً للمصحف ، وروى عن غير فقيه ممّن أشاد به أو ضعّفه»(٤) كما روى أيضاً عن أخيه عيسى وعن زر بن حبيش(٥) ، وغيرهم(٦) ، وذكره الشيخ الطوسي مع من روى عن الإمام الصادق عليه‌السلام(٧) ، وقال الشيخ الكركي : إنّ محمّدًا كان من أصحاب الرأي(٨). وقد اتّهم بسوء الحفظ ؛ سئل عنه ابن نمير فقال : «كان صدوقاً مأموناً ، ولكنّه سيّء الحفظ جدًّا»(٩). ومن غريب ما رواه ابن خلّكان أنّ محمّدًا هذا قال : «لا أعقل شيئاً من شأن أبي غير أنّي أعرف أنّه كانت له امرأتان ، وكان له حبَّان

ـ __________________

(١) مشاهير علماء الأمصار : ٢٦١ ، الجرح والتعديل ٦/٢٨١ برقم ١٥٥٧.

(٢) وفيات الأعيان ٤/١٧٩ ، وانظر أيضاً تاريخ الكوفة ٣٨٨/١٤.

(٣) الغارات ٢/٧.

(٤) الوافي بالوفيات ٣/١٨٤ ، وانظر أيضاً في عدم سماعه عن أبيه شذرات الذهب : ٢٢٤.

(٥) التاريخ الكبير ٦/٣٩٠ برقم ٢٧٣٩ ، جمهرة أنساب العرب : ٣٣٥ ، والغارات ١/٧.

(٦) أمالي الشيخ الصدوق ٤١٤/٥٤٢/٩.

(٧) رجال الطوسي ٢٨٨/٢١٠ ، وانظر أيضاً أمالي الشيخ الصدوق ٢٧٤/٣٠٣.

(٨) جامع المقاصد ١/٢١ ، وانظر أيضاً وفيات الأعيان ٤/١٧٩.

(٩) خلاصة الأقوال : ٢٧١.

٨٦

أخضران ينبذ عند هذه يوماً وعند هذه يوماً»(١)؛ وقد تكون كلمة ينبذ من خطأ الطباعة أو تحريفات النسخ ، وقد يكون صوابها فيمكث ، أو المراد بها نوع من عصير التمر أو الزبيب ، أو رواية دسَّت لتشويه سمعته ؛ لأنّه من الصعب الأخذ بمعناها الظاهر في مثل عبد الرحمان ، ومن الصعب أيضاً أن يتّهم ولد أباه بتهمة تشينه. والذهبي حين ترجم لمحمّد قال : «صدوق ، إمام ، سيّء الحفظ ، وقد وُثِّق. قال شعبة : ما رأيت أسوأ من حفظه ، وقال يحيى القطّان : سيّء الحفظ جدًّا ، وقال ابن معين : ليس بذاك ، وقال النسائي وغيره : ليس بالقويّ ، وقال الدارقطني : ردي الحفظ كثير الوهم ، وقال أبو أحمد الحاكم : عامّة أحاديثه مقلوبة»(٢). ولكنّه قال عنه في تاريخه : فقيه الكوفة ومقرئها في زمانه ، ونقل عن أحمد بن يونس أنّه «أفقه أهل الدنيا» ، وعن أحمد العجلي أنّه «كان فقيهاً صدوقاً صاحب سنَّة جائز الحديث قارئاً عالماً» ، ونقل غير هذا عنه(٣). وأنت واقف على أحاديث كثيرة ، وأحكام تروى عنه في كتب الفقه المختلفة ، وذكر له الذهبي ولدًا اسمه عمران يروي عنه(٤) ، ولعمران ولد اسمه محمّد(٥) وغيرهم.

__________________

(١) وفيات الأعيان ٤/١٧٩.

(٢) ميزان الاعتدال ٣/٦٤١ برقم ٧٨٢٥ ، وقد خرَّج ما أورده الذهبي الشيخ المظفّر في الإفصاح عن أحوال رواة الصحاح ٣/٤٥٤ـ٤٥١ ، وزاد عليه.

(٣) تاريخ الإسلام ٩/٢٧٥.

(٤) تاريخ الإسلام ١٢/٣١٩.

(٥) تاريخ الإسلام ١٦/٣٧٢.

٨٧

وقال ابن حزم : ولعيسى ولد اسمه عبد الله ، وهو محدِّث أيضاً ، وذكر أنّه أوثق من عمّه محمّد(١) وقد تزوَّج ابنته ، فولدت له ابناً سمّاه عبد الرحمن ، ولي القضاء بالكوفة أيضاً ، وأنجب ولدًا اسمه بكر ، ولي قضاء الكوفة أيضاً. وكان لمحمّد ابنة اسمها حمَّادة روي عنها الحديث. أمّا الثالث فهو أحمد ، ويروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام بالواسطة(٢) فأيّ نسل هذا ما بين محدّث وراوية وقارئ وقاض(٣). وأنت واقف على أحاديث كثيرة رويت عن هذا النسل مبثوثة في كتب التفسير والحديث والرجال ، في العبادات والمعاملات والأخبار ؛ بعضها دسَّ في أخبارهم دسّاً ، وقديماً كذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وبعضها مشرق كما الشمس لا يراودك ريب أو شكٌّ في تناوله واستنباط الأحكام أو الأخبار منه.

وأبو ليلى صحابيٌّ شهد أحدًا وما بعدها ، وروى غير حديث عن النبيِّ(٤) ، وعن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما ، وعنه ولده عبد الرحمن(٥) ، وهو من سمَّاره(٦) ومن المنقطعين إليه(٧) ومن المخلصين من

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٣١/٣٩٤ برقم ٣٤٥٢ ، وانظر أيضاً تاريخ الإسلام ٨/١٥٢.

(٢) الوافي ١٩ / ٣٨٤.

(٣) جمهرة أنساب العرب ٣٣٥ـ٣٣٦.

(٤) مناقب آل أبي طالب ١/٩٣ ، ٢٩٠ ، البحار ٢٧/٧٥ ، ٣٦/٢٠ ، ٣٨/٣٢ ، ٤١/٨٤ ، وينابيع المودة ٢/٣٦٠ ، ٣/٢٧٨ ، وغيرها كثير.

(٥) أسد الغابة ٥/٢٨٦ ، الإصابة ٧/٢٩٢ برقم ١٠٤٧٨.

(٦) فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة : ٨٠ ، وانظر أيضاً مسند أحمد ١ / ٩٩.

(٧) تاريخ بغداد ١/١٩٩ برقم ٢٧ ، تاريخ حلب : ٣٤٣٨.

٨٨

أصحابه وأصفيائه(١) وخاصَّته ، وشهد الجمل واستشهد بصفين(٢) ، وروي أنّه كان يسمر معه فرآه يلبس ثياب الصيف في الشتاء وثياب الشتاء في الصيف ، فسأله فقال : «إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إليّ وأنا أرمد العين يوم خيبر .. فقلت : يا رسول الله إنّي أرمد العين ، فتفل في عيني ، ثمّ قال : اللهمّ أذهب عنه الحرّ والبرد. قال : فما وجدت حرًّا ولا بردًا منذ يومئذ ، وقال : لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ليس بفرَّار ، فتشرَّف لها أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فأعطانيها»(٣). وللرواية سند آخر وفيه أنّ الإمام عليه‌السلام قال له : «أو ما كنت معنا حين دعاني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أرمد .. الحديث»(٤) وقد روى حديث الراية عنه ولده عبد الرحمن من غير طريق(٥) ، وذكر ابن خلّكان أنّ راية الإمام كانت معه بمعركة الجمل(٦)؛ وهو وهم ، لأنّها كانت مع ولده محمّد. وشهد أبو ليلى صفّين مع سبعة من أبنائه ، واستشهد بها(٧).

__________________

(١) الدرحات الرفيعة : ٤٤٧. الكليني والكافي : ٣٧.

(٢) وهم ابن الأثير في أسد الغابة ٥/٢٨٦ بقوله : «وشهد مشاهده كلها إذ استشهد بصفين كما سيأتي» ، وقد نص على استشهاده بصفين في ٥/١٢٣ من كتابه سابق الذكر.

(٣) مسند أحمد ١/٩٩ ، وسنن ابن ماجة ١/٤٣ ، وانظر أيضاً فضائل ابن عقدة : ٨٠.

(٤) إمتاع الأسماء ١١/٢٧٩.

(٥) ترجمة الإمام علي من تاريخ مدينة دمشق ١/٢١٥ـ ٢١٦ ، والحديث عنه عن رسول الله من دون واسطة عند البخاري في التاريخ الكبير ٧/٢٦٣ برقم ١١١٠.

(٦) وفيات الأعيان : ١٢٦.

(٧) جمهرة أنساب العرب : ٣٣٥ ، والإصابة ٧/٢٩٢ برقم ١٠٤٧٨. وأسد الغابة ٥/١٢٣.

٨٩

عبد الرحمن بن أبي ليلى :

كان عبد الرحمن صبيح الوجه في شبابه ، وله ضفيرتان إذا صلَّى نشرهما(١) ؛ أمّه أمّ ليلى ، وهي من المبايعات ، وقد روت عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)(٢). لا يدرى متى سكن الكوفة مع أبيه وأخوته ، إلاّ أنّ ابن سعد ذكر أن دارهم كانت في جهينة(٣) ، وروي أنّه زار المدائن في حياة حذيفة بن اليمان ، واستسقى معه ،كما زارها من بعد رفقة أمير المؤمنين عليه‌السلام(٤).

ولادته ووفاته :

ولم أقف على ما يرجّح تاريخ ولادته أو يقطع بها ، فقد قيل : «إنّه ولد لستّ بقين من خلافة عمر»(٥) وعلى ذلك غالبية من ترجم له ، ولكن الذهبي قال : «ولد في خلافة أبي بكر» ، وقال أيضاً : «أو قبل ذلك»(٦) ، وعاد فقال : «وقيل : بل ولد في وسط خلافة عمر» ، وذكر البغدادي أنّه ولد في خلافة عمر من دون تحديد سنة بعينها(٧) ، وروى بسنده عنه أنّه قال : «ولدت لستّ

__________________

(١) الطبقات ٦/١١١ ، وكمال الدين وتمام النعمة : ٢٧٥ ، وكتاب سليم بن قيس : ١٩٣.

(٢) أسد الغابة ٥/٦١٦.

(٣) الطبقات ٦/٥٤ ، وانظر أيضاً أسد الغابة ٥/٢٨٦.

(٤) تاريخ بغداد ١٠/١٩٨ برقم٥٣٤٨ ، وانظر أيضاً تاريخ دمشق ٣٤/٢١ برقم ٣٦٧٦.

(٥) مشاهير علماء الأمصار : ١٦٤ برقم ٧٥٨. الثقات ٥/١٠٠.

(٦) سير أعلام النبلاء ٤/٢٦٢/٩٦.

(٧) تاريخ بغداد ١٠/١٩٧ برقم ٥٣٤٨.

٩٠

سنين بقيت من خلافة عمر»(١). واختلف في تاريخ وفاته ، والراجح أنّها كانت سنة ثلاث وثمانين للهجرة ، وسيأتي الحديث عنها لاحقاً.

وما روي حول تاريخ ولادته ووفاته يحتاج إلى تأمّل بشأن ما نسب إليه من روايات عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وعن الخليفتين أبي بكر وعمر ، وعن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام ، كما سيتبيّن.

مصادر روايته :

كان عبد الرحمن شديد الاهتمام بلقاء الصحابة من الأنصار خاصّة ، إذ روي عنه أنّه قال : «أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب النبيّ صلوات الله وسلامه عليه»(٢) ، وروى عن غيرهم أيضاً(٣) ، منهم بحسب ابن عساكر : «عمر وعثمان وعليّ وسهل بن حنيف وأبي أيّوب الأنصاري وسعد ابن أبي وقّاص وعبد الله بن عبّاس وثوبان ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وأبيّ بن كعب ، وأبي الدرداء وأبي ذر الغفاري وعبد الله بن مسعود وخوات ابن جبير وبلال وصهيب بن سنان وابن عمر وأنس بن مالك والبرّاء بن عازب وأبي موسى الأشعري وقيس بن سعد وزيد بن أرقم والمقداد بن الأسود وسمرة بن جندب وعبد الله بن عكيم وكعب بن عجرة وعبد الله بن زيد وأبي

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٠/١٩٨ برقم ٥٣٤٨.

(٢) الطبقات ٦/١٠٩.

(٣) الطبقات ١/١٨٣.

٩١

سعيد الخدري وأبي جحيفة السوائي وأبيه أبي ليلى وأمّ هانئ بنت أبي طالب»(١) وعنه جمهور ذكرهم ابن عساكر وغيره ؛ لذا فإنّك واقفٌ على روايات كثيرة مبثوثة في كتب الحديث والرجال مروية عنه ؛ وقد تلتبس رواياته بروايات ولده محمّد ، ولاسيّما ما يتعلّق منها بالقضاء ؛ إذ تنسب كثير من الروايات في كتب الفقه لابن أبي ليلى.

منزلته بين التابعين :

وهو من مشاهير فقهاء الكوفة وقرّائها ، ذكره ابن سعد مع الطبقة الأولى منهم(٢) ، ونعته بالفقيه من ترجم له ، ونقل البغدادي عن العجلي عن أبيه أنّه قال : «عبد الرحمن بن أبي ليلى تابعيٌّ ثقة من أصحاب عليّ»(٣). ونعته الذهبي بالفقيه ، وقال عنه أيضاً : «الإمام العلاّمة الحافظ أبو عيسى الأنصاري الفقيه»(٤) ، وهو عند ابن خلّكان من أكابر تابعي الكوفة(٥). وروى الزمخشري أنّ يزيد بن أبي زياد قال : «ما دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى إلاّ حدَّثنا حديثاً حسناً وأطعمنا طعاماً حسناً»(٦) ويكفيه عزًّا وفخرًا صحبته لأمير

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٣٦/٧٦ برقم ٣٩٩٨.

(٢) الطبقات ٦/١٠٩ـ١١٣.

(٣) تاريخ بغداد ١٠/١٩٩ برقم ٥٣٤٨.

(٤) سير أعلام النبلاء ٤/٢٦٢ برقم ٩٦ ، تذكرة الحفاظ ١/٥٨.

(٥) وفيات الأعيان ٣/١٢٢٢٦برقم ٣٦٠.

(٦) ربيع الأبرار ٣/٢٦٠.

٩٢

المؤمنين وقربه منه ، وشهادته مشاهده ، وأخذه القرآن عنه عليه‌السلام(١) ؛ كان عبد الرحمن يسأل عن المراد من بعض آيات الذكر الحكيم فيجيب ، وقد سأله الحكم عن معنى قوله تعالى : (وَأَثَابَهُم فَتْحاً قَرِيْباً وَأُخْرَى قَدْ أَحَاطَ بِها) قال : خيبر ، أمّا الأخرى فهي فارس والروم(٢).

وروى الذهبي عن ثابت البناني أنّه قال : «كنَّا إذا قعدنا إلى عبد الرحمن ابن أبي ليلى ، قال لرجل : اقرأ القرآن ، فإنّه يدلّني على ما تريدون ، نزلت هذه الآية في كذا ، وهذه الآية في كذا»(٣). وأنت واقف له على اجتهادات كثيرة في كتب الفقه المختلفة في العبادات والمعاملات والأخبار.

وهو أيضاً من عبَّاد الكوفة الصالحين ، كان إذا صلَّى أطال صلاته ، حتّى روي أنّه إذا دخل داخل عليه وهو يصلّي نام على فراشه(٤) لطولها. وإذا انتهى من صلاة الصبح نشر القرآن وقرأ حتّى تطلع الشمس(٥). وله بيت فيه مصاحف يجتمع إليه القرَّاء به ؛ ومن نبله وكرمه أنّهم لا يتفرّقون منه إلاّ عن طعام. وروي أنّه كان يرتدي مُطرفاً من الخزِّ ، فلمّا تقطّع أعطاه لحائك كي يعيد نسجه ، وطلب منه ألا يجعل فيه حريرًا وأن يجعل سداه من الكتَّان أو

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٤/٢٦٣برقم ٩٦.

(٢) الطبقات ٢/١١٥.

(٣) سير أعلام النبلاء ٤/٢٦٣ برقم ٩٦.

(٤) سير أعلام النبلاء ٤/٢٦٤ برقم ٩٦.

(٥) الطبقات ٦/١١١ ، وانظر أيضاً سير أعلام النبلاء ٤/٢٦٣ برقم ٩٦.

٩٣

القطن ، فقيل له : كنت تلبسه ، قال : ذلك من صنع غيري(١).

منزلته بين أصحابه :

وكان أيضاً عظيم المنزلة بين أصحابه ،فقد نقل عن ابن سيرين أنّه قال : «جلست إلى عبد الرحمن «وأصحابه يعظّمونه كأنّه أمير»(٢). وذكر الذهبي أنّ عبد الله بن الحارث جالسه فقال : «ما شعرت أنّ النساء ولدن مثل هذا»(٣). وبسبب منزلته تلك كان بعض الصحابة يستمعون لحديثه ، روى البخاري أنّ عبد الملك بن عمير قال : «رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى في حلقة فيها نفر من أصحاب محمّد يسمعون لحديثه وينصتون له فيهم البرّاء بن عازب»(٤).

وهو سمحٌ عفُّ اللسان ، روى البغدادي بسنده أنّه كان علويّاً وكان عبد الله بن عكيم عثمانيّاً ، وكانا يصليان في مسجد واحد وما كان أحدهما يكلّم الآخر في مناظرة أو مخاصمة في عليّ وعثمان(٥) ، وذكر مثل هذا العجلي قبله وأضاف أنّه لمّا ماتت أم عبد الرحمن قدم ابن عكيم فصلَّى عليها(٦).

__________________ ـ

(١) الطبقات ٦/١١٢.

(٢) سير أعلام النبلاء ٤/٢٦٣ برقم ٩٦.

(٣) سير أعلام النبلاء ٤/٢٦٤ برقم ٩٦.

(٤) التاريخ الصغير ٢/٢٣٨.

(٥) تاريخ بغداد ١٠/١٩٩ برقم ٥٣٤٨.

(٦) معرفة الثقات ١/٤٨٠.

٩٤

كان شديد الاهتمام برواية الحديث ، حريصاً على مذاكرته ، وقال مرّة لعبد الله بن عكيم : تعال حتّى نتذاكر الحديث فإنّ حياته ذكره(١).

روايته عن النبيّ والخليفتين أبي بكر وعمر :

قال ابن سعد : «روى عبد الرحمن عن عمر وعليّ وعبد الله وأبي ذر وغيرهم(٢) ، وممّا رواه بسنده عن الخليفة عمر بن الخطّاب(٣) أنّه كان جالساً عنده فجاء أعرابيٌّ يعلمه برؤيته الهلال(٤) ، وذكر له في مواضع أخر غير رواية عن عمر أيضاً(٥). ووقفت على روايات عنه عند غيره رواها عن عمر(٦) ، بل هناك روايات كثر مروية عنه تجدها مبثوثة في كتب الرجال وغيرها(٧) ، إلاّ أنّه من الصعب الأخذ بها إن كان ولد في زمن خلافته أو في زمن خلافة أبي بكر ، وإلى مثل هذا ذهب ابن خلّكان فقال : «والحفّاظ لا يثبتون سماعه عن

__________________

(١) الطبقات ٦/١١٢.

(٢) الطبقات الكبرى ٦/١٠٩.

(٣) الطبقات ١/٤٥٩ ، ٢/٣٤١.

(٤) الطبقات ٦/١١٠ ، ورواه أحمد في المسند ١/٢٨. وقد روى له أحمد في مسنده غير حديث ، وأظنه بعيد.

(٥) الطبقات ٣/٣٤١ ، ٤٥٨ ،٤/١٤٥ ، ٥/٥٠.

(٦) ينظر أسد الغابة ٤/٣٢٣ ، والمحاضرات والمحاورات : ٧٤ ، ١٣٩ ،تاريخ الخلفاء : ٥١ ، ١٣٧ وهناك أحاديث كثيرة أخر رويت عنه وردت في بعض كتب أصحاب الحديث.

(٧) تاريخ الإسلام ٣/١١٤.

٩٥

عمر»(١) ؛ إلاّ أن يكون ولد في حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولكن لم أقف على مثل هذا عند من ترجم له ، بل روى له ابن سعد غير حكاية عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً(٢) ، وروى الحافظ الأصفهاني عنه عن أبي بكر عن النبي(صلى الله عليه وآله) قوله : «رأيت في المنام غنماً سوداء تتبعها غنم عفر حتّى غمرتها؛ يا أبا بكر اعبر. قال : قلت : هي العرب تتبعك ثمّ العجم. قال : كذلك عبّرها الملك»(٣) ، وغيرها(٤) وروى ابن شهرآشوب عنه أنّه قال : «كنَّا جلوساً عند رسول الله إذ أقبل الحسين فجعل ينزو على ظهر النبيّ وعلى بطنه فبال ، فقال : دعوه»(٥) ، ويغلب على الظنّ أنّها روايات مرسلة ، أو وضع بعضها الوضَّاعون.

بعض ما رواه عن أمير المؤمنين وولديه عليهم‌السلام :

وبسبب طول مجالسته لأمير المؤمنين روى عنه أحاديث كثيرة تجدها مبثوثة في كتب الفقه والرجال ، منها حديث آية النجوى ، وهي قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) قال : إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد ولا يعمل بها أحد بعدي ؛ كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فناجيت النبىَّ(صلى الله عليه وآله) ، فكنت كلّما

__________________

(١) وفيات الأعيان ٣/١٢٦.

(٢) الطبقات ١/٤٦٠ ، ٢/٢٠١.

(٣) ذكر أخبار أصبهان ١/١٠.

(٤) تاريخ الإسلام ١/٣٢٩ ، البداية والنهاية ٣/٢٣٤.

(٥) مناقب آل أبي طالب ٣/٢٢٦

٩٦

ناجيته قدّمت بين يدي نجواي درهماً ، ثمّ نسخت فلم يعمل بها أحد(١). وممّا رواه عنه قول النبيّ له صلوات الله وسلامه عليهما : «ألا أعلّمك كلمات إذا قلتهنّ غفر الله لك على أنّه مغفور لك ، لا إله إلاّ الله العليّ العظيم لا إله إلاّ هو الحليم الكريم سبحان الله ربّ العرش العظيم الحمد لله ربّ العالمين». وروى عنه عن النبي(صلى الله عليه وآله) قوله : «من حدَّث عنِّي حديثاً وهو يرى أنّه كذب فهو أحد الكذّابين»(٢) ، وممّا أخبره به أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) «أمره أن يقسّم بُدُنَة كلّها ، لحومها وجلودها وجلالها للمساكين»(٣).

وهو من مشاهير رواة حديث الغدير ، إذ روي عنه من غير طريق(٤) ، وروى عنه حكاية بعثه فاطمة الزهراء إلى أبيها صلوات الله وسلامه عليهما تطلب منه خادماً لمساعدتها(٥) ، وروى الشيخ الطوسي بسنده عنه أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام دخل على رسول الله(صلى الله عليه وآله) رفقة العبّاس وفاطمة وزيد بن حارثه فقال له : «يا رسول الله إن رأيت أن تولّيني حقّنا في الخمس في كتاب الله فأقسّمه في حياتك حتّى لا ينازعنا فيه أحد بعدك ، ففعل ، فلمّا مات رسول

__________________

(١) المستدرك ٢/٤٨٢.

(٢) سنن ابن ماجة ١/١٤.

(٣) صحيح البخاري : ١٨٤ ، وسنن ابن ماجة ٢/١٠٥٥.

(٤) مسند أحمد ١/١١٩ ، ومناقب الإمام أمير المؤمنين : ٣٧٤ ، وترجمة الإمام علي من تاريخ مدينة دمشق ٢/٩ـ١٣ ، وأسد الغابة ٤/٢٨ وتاريخ الإسلام ٣/٦٣٢ ، والسيرة النبوية لابن كثير ٤/٤١٩ ، وانظر أيضاً وما أدراك ما علي ٢/٤١٣ ط بيروت

(٥) تاريخ بغداد ٣/٢٣٣ برقم ١٢٦١.

٩٧

الله (صلى الله عليه وآله) ولاّنيه أبو بكر فقسّمته ، فلمّا كان آخر سنة من سنّي عمر أتاه مال كثير فعزل حقّنا ، فدعاني عمر فقال : إنّ بني هاشم في غنى من ذلك ، وإنّ بالمسلمين خلَّة فإن رأيت أن تصرفه إليهم ، ففعل عمر ذلك ...»(١). وعنه رواية أخرى ذكرها الشيخ الطوسي وهي : «أتيت عليّاً عند أحجار الزيت ، فقلت له : بأبي أنت وأمي ، ما فعل أبو بكر وعمر بحقّكم من الخمس أهل البيت؟ فقال : أمّا أبو بكر فما كان في زمانه أخماس ، وما كان معه أوفاناه ، وأمّا عمر فكان يعطينا حتّى أتاه من فارس والسوس ، فقال لي : إنّ بالمسلمين خلَّة ، فلو تركت حقّكم من الخمس لأصرفه في خلّة المسلمين ، فإذا أتاني مال قضيته لكم. فقال العبّاس : لا تطمعه في حقّنا. فقلت : ألسنا أحقّ من أجاب أمير المؤمنين وسدّ خلّة المسلمين ، فمات عمر قبل أن يأتيه مال فيعطينا»(٢) وممّا روي عنه حول وضوء النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه رأى أمير المؤمنين عليه‌السلام يتوضَّأ «فمسح رأسه ثمّ مسح قدميه ، وقال : هكذا رأيت نبيّ الله(صلى الله عليه وآله) يتوضَّأ»(٣). وروى الشيخ المفيد عنه بأسانيد كثيرة أنّه قال : «سألت عليّاً عليه‌السلام هل نسخ آية المتعة شيء؟ فقال : لا ، ولولا نهى عنها عمر ما زنى إلاّ شقيّ»(٤).

وممّا رواه عن زيد بن الحارث أنّه قال : «نزلت في علي عليه‌السلام ثمانون آية

__________________

(١) الخلاف ٤/٢١٥ ، وانظر أيضاًالمؤتلف من المختلف بين أئمة السلف : ٩٣ ـ ٩٤.

(٢) الخلاف ٤/٢١٥.

(٣) لسان الميزان ٣/٤٢٨ ، وينظر أيضاً المسح في وضوء الرسول : ٩٣ ، وانظر أيضاً وضوء النبي : ٣١٠.

(٤) خلاصة الإيجاز : ٢٥.

٩٨

صفواً في كتاب الله عزّ وجل ما شركه فيه أحد من هذه الأمّة»(١) وغيرها كثر(٢).

وذكر مع من روى عن الحسن عليه‌السلام(٣) أيضاً ، وممّا رواه عنه أحمد بن حنبل أنّه سأل الحسن بن عليّ عليهما‌السلام عن الخيار «فدعا بربعة فأخرج منها صحيفة صفراء مكتوب فيها قول عليّ في الخيار»(٤) ، والرواية مهمّة في توثيق ما ذكر عن صحيفة أمير المؤمنين التي توارثها عنه أئمّة أهل البيت سلام الله عليهم ، وغيرها(٥). وروى الشيخ المفيد في أماليه عنه أنّ الحسين عليه‌السلام قال : «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : الزموا مودّتنا أهل البيت ، فإنّه من لقي الله وهو يحبّنا دخل الجنَّة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلاّ بمعرفتنا»(٦).

وعبد الرحمن أحد من سمع عمّار بن ياسر وهو يروي ما أخبره به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن آخر زاد له في الدنيا وعن الفئة الباغية التي ستقتله(٧). وتقف في كتب الحديث والرجال على كثير ممّا يروى عنه ، بعضه ممّا وضعه الوضَّاعون على لسانه وهو براء منه.

__________________

(١) الخصال ٥٩٢/١.

(٢) أمالي الشيخ الطوسي : ٣٥١. وانظر ترجمة الإمام علي من تاريخ مدينة دمشق : ٢١٦ـ٢٢٥ ، مسند الإمام علي : ٨٤ ، وينابيع المودة ١/٤٠٣ ، ٢/١٦٥.

(٣) مسند أحمد ١/٨١ ،

(٤) العلل ١/٣٤٦ برقم ٦٣٩.

(٥) مناقب آل أبي طالب ٢/٢١٧

(٦) أمالي الشيخ المفيد ١٣ / ٢. وانظر أيضاً ٤٤/٤ ، وانظر أيضاً أحاديث رواها عنه أحمد بسنده عنه في مسنده.

(٧) تاريح مدينة دمشق ٤٣/٤١٨ برقم ٥١٥٦.

٩٩

روايته عن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام :

الذي ينظر في كتب الفقه يقف على روايات كثيرة عن ابن أبي ليلى ، ولا أدري أهي عن عبد الرحمن أم عن ولده محمّد ، بل هي أحياناً عنه وأحياناً عن ولده محمّد الذي كان على قضاء الكوفة لثلاث وثلاثين سنة ، والظاهر أنّ ولده محمّد أو حفيده عبد الرحمن بن عيسى كان ممّن روى عن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام ، وقد اختلطت الروايات ـ فيما أحسب ـ برواية الأب أو الجد بسبب تشابه الأسماء ، ولكن الشيخ الكليني روى بسنده عن محمّد بن عبد الرحمن عن أبيه قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إذا سمعتم العلم فاستعملوه ، ولتتسع قلوبكم ، فإنّ العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله قدر الشيطان عليه ، فإذا خاصمكم الشيطان فأقبلوا عليه بما تعرفون ، فإنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً ، فقلت : وما الذي نعرفه؟ قال : خاصموه بما ظهر لكم من قدرة الله»(١). وروى بسنده أيضاً عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن الصادق عليه‌السلام قال : «إنّكم لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا ، ولا تعرفون حتّى تصدّقوا ، ولا تصدّقون حتّى تسلّموا أبواباً أربعة لا يصلح أوّلها إلاّ بآخرها ، ضلّ أصحاب الثلاثة وتاهوا تيهاً بعيدًا ، إنّ الله تبارك وتعالى لا يقبل إلاّ العمل الصالح ، ولا يتقبّل الله إلاّ بالوفاء بالشروط والعهود ، ومن وفَّى الله بشروطه واستكمل ما وصف في عهده نال ما عنده واستكمل وعده ، إنّ

__________________

(١) الكافي ١/٤٥ ، وانظر أيضاً جامع الرواة ١/٤٤٣.

١٠٠