تراثنا ـ العددان [ 117 و 118 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 117 و 118 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٩٤

١

تراثنا

صاحب الامتیاز

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العدد الأوّل والثاني [١١٧ ـ ١١٨]

السنة الثلاثون

محتـويات العـدد

* كلمة العـدد :

* تحقيق النصوص.

.................................................................... هيئة التحرير ٧

* الوزير المغربي تفسيره ومذهبه.

......................................................... الشيخ جعفر السبحاني ١٠

* يوميّات العلاّمة الحلّي ونجله فخر المحقّقين.

........................................................... عبد الحسين الطالعي ٣١

* عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري من محدِّثي الكوفة وقرَّائها.

....................................................... صلاح مهدي الفرطوسي ٨٣

* الذكر المحفوظ قراءة جديدة في تاريخ جمع القرآن وما روي في تحريفه (٥).

....................................................... السيّد علي الشهرستاني ١١٩

* تاريخ الحوزات العلميّة (الحوزة العلميّة في سامرّاء).

......................................................... الشيخ عدنان فرحان ٢٠٦

٢

محرّم ـ جمادى الآخرة

١٤٣٥ هـ

* ثقة الإسلام الساروي مخطوطاته وإجازاته في مدرسة دار العلم في النجف الأشرف.

................................................. أحمد علي مجيد الحلّي النجفي ٢٤٤

* ثلاث مقالات للسيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي قدس‌سره.

...............................................  أحمد رضا مرادي ، محمود آسن ٣١٤

* تفسير الوزير المغربي قراءة في نسخه الخطّية.

............................................................  مرتضى كريمي نيا ٣٤٣

* من ذخائر التراث :

* (رسالة في عدد أولاد أمير المؤمنين عليه‌السلام) للسيّد محمّد صادق بحر العلوم.

.................................................... تحقيق : عبد الرضا الروازق ٣٧٥

* من أنباء التراث.

...............................................................  هيئة التحرير ٤٧٤

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (عدد أولاد أمير المؤمين عليه‌السلام) للسيّد محمّد صادق بحر العلوم (ت ١٣٩٩ هـ) والمنشورة في هذا العدد.

٣
٤

٥
٦

كلمة العـدد :

تحقيق النصوص

هيئة التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ عملية الاستنباط في علم الفقه ، والجرح والتعديل في علم الرجال ، وتقسيم الحديث من الموثّق والحَسِن والضعيف في علم الحديث ، هو نوع من أنواع التحقيق قام به علماؤنا على مدى الألفية الأولى والثانية من الهجرة النبوية ، وكانت الدقّة المتناهية في مراعاة المباني والقواعد في هذه العلوم تمثّل نموذجاً من نماذج التحقيق الذي نرى تكامل مراحله في هذا العصر ، بل تعتبر هي اللبنة الأولى التي وضعها علماؤنا في هذا المجال ، حيث كان لهم السبق في هذا المضمار ، وفي القرون المتأخّرة بدأت مرحلة جديدة رافقت التطوّر الحاصل في كثير من العلوم ، حيث ظهرت الحاجة إلى إعادة كتابة النصوص في تراث الأمم ، ممّا حدى بالمهتمّين في هذا المجال إلى مراجعة النصوص القديمة ممّا تركته الحضارات السابقة ، فبادر العديد من العلماء في الغرب إلى مراجعة النصوص اليونانية واللاتينية من أجل قرائتها من جديد ، وعندها بدأت تتبلور الخطوط العريضة في تحقيق النصوص بقصد التثبّت من صحّة نسبة النصّ ، وجمع المخطوطات ، وجمع النسخ من

٧

المخطوطة والمقابلة بينها ، ووضع الرموز ، ووصف النسخ ، وتثبيت المصادر والمراجع ، وإرجاع الأقوال ، وفي بداية القرن الخامس عشر الميلادي وتزامناً مع ظهور الطباعة بدأ الاهتمام من قبل الغرب بالتراث الإسلامي الذي كان يمثّل حاضرة من حواضر التمدّن وتراث غني بالعلوم الإلهية والطبيعية ، فظهرت حركة الاستشراق حيث أخذت على عاتقها قراءة النصوص في التراث الإسلامي ، إلاّ أنّ أكثر ما خرج على أيديهم يشوبه التصحيف والتحريف لجهلهم باللّغة العربية ، أو لأغراض أخرى نحن في غنى عن ذكرها في هذه العجالة ، ولا زالت أعمالهم تثير جدلا في الأوساط العلمية ، ومن أشهر المستشرقين في هذا المجال البارون دي ساسي (١٧٥٨ ـ ١٨٣٨م) ، وثيودور نولد كه (١٨٣٦ ـ ١٩٣٠م) صاحب كتاب (تاريخ القرآن) الذي أثار جدلا ، وكارل بروكلمن (١٨٦٨ ـ ١٩٥٦م) ، وجولدتسيهر (١٨٥٠ ـ ١٩٢١م) ، وبرجستراسر (١٨٨٦ ـ ١٩٣٣م) وغيرهم ، وقبل هذا بكثير تبنّى علماؤنا وعبر قرون متمادية حركة دؤوبة في هذا المجال ، وإن كان اسم المحقّق يطلق على الكثير من علمائنا في ذلك الزمان وكان المراد منه التحقيق بالمعنى الأعم ـ أي التحقيق العلمي ـ إلاّ أنّهم كانوا يمارسون عملية التحقيق العلمي التي تستبطن في طيّاتها نوعاً من أنواع التحقيق الذي نعهده اليوم بل أسمى أنواعه ، وقد أطلق هذا الإسم على العديد من علمائنا منهم : المحقّق الحلّي والمحقّق الأردبيلي والمحقّق الداماد والمحقّق الكركي وغيرهم ، وفي القرون المتأخّرة ومع بدايات تبلور حركة التحقيق في النسخ الخطّية والنصوص أخذ العديد من علمائنا بسبر غور هذا العلم ، فبذلوا جهوداً في مجال التحقيق ، وألّفوا في مناهجه وقواعده ، وحقّقوا أهمّ آثار التراث ، ووضعوا أسس التحقيق العلمي ، وعالجوا مشكلاته ، وذلّلوا صعابه ، وصحّحوا أخطاء النصوص تصحيفاً وتحريفاً ، وفتحوا مغاليق النصوص ، وجمعوا نسخ

٨

المخطوطات وقابلوا بعضها مع البعض الآخر ، وأصبح يشار بالبنان إلى العديد من علمائنا ممّن ساهم في هذا المجال وأدلى بدلوه في هذا المضمار ، ولابدّ هنا من الإشارة إلى بعض السلف اعترافاً منّا بالجميل لهم ، ومنهم : الشيخ محمّد علي الأوردبادي (ت ١٣٨٠هـ) ، والشيخ محمّد علي اليعقوبي (ت ١٣٨٥ هـ) ، والسيّد هبة الدين الشهرستاني (ت ١٣٨٦هـ) ، وشيخ المحقّقين العلاّمة آقا بزرك الطهراني (ت ١٣٨٩هـ) ، والسيّد محمّد صادق بحر العلوم (ت ١٣٩٩هـ) ، والسيّد عبد العزيز الطباطبائي (ت ١٤١٦هـ) والشيخ محمّد حسن آل ياسين (ت ١٤٢٧هـ) ، والشيخ محمّد باقر المحمودي (ت ١٤٢٧هـ) ، والدكتور حسين علي محفوظ (ت ١٤٣٠هـ) ، والسيّد محمّد علي الروضاتي (ت ١٤٣٤هـ) وغيرهم الكثير ممّا يعجز المقام عن ذكرهم ، وأمّا من المعاصرين فإنّ القلم يعجز عن الإحاطة بهم فهم البقية الباقية من ذلك السلف والامتداد الطبيعي للرعيل الأوّل الذي بذل الغالي والنفيس لخدمة التراث وإحيائه ، وفي الحقبة ذاتها بدأت مرحلة جديدة في إحياء التراث قام بها مجموعة كبيرة من علماء المذاهب الأخرى ممّن ساهم في إحياء هذا التراث ، فكان هناك من العلماء ممّن ضرب في هذا العلم سهماً وافراً وعلى رأسهم الأستاذ أحمد زكي باشا ، والشيخ محمّد محي الدين عبدالحميد ، والشيخ أحمد محمّد شاكر ، والأستاذ عبد السّلام محمّد هارون ، والأستاذ صلاح المنجد وغيرهم ، وقد أخذت الحركة العلمية في تحقيق التراث مسارها الصحيح بعد أن خضعت مسيرة التحقيق لتجارب تبلورت من خلالها أسس وقواعد التحقيق العلمي وأُسِّست مباني هذا العلم بما يخدم إعادة قراءة النصوص وإحيائها وإن تطفَّل عليها البعض وأعطيت القوس لغير باريها.

هيئة التحرير

٩

الوزير المغربي

(تفسيره ومذهبه)

الشيخ جعفر السبحاني

بسم الله الرحمن الرحيم

أخبرني أحد الأخوة أنّه توجد من كتاب المصابيح في تفسير القرآن العظيم للحسين بن علي المعروف بالوزير المغربي (٣٧٠ ـ ٤٠٨ هـ) نسخة في جامعة الإمام محمّد بن سعود في الرياض ، فطلبت من الأخ الدكتور الرسولي سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية هناك أن يسعى للحصول على صورة من هذه النسخة ، فوافانا الجواب منه ـ مشكوراً ـ بإرسال نسخة محقّقة للباحث عبد الكريم بن صالح الزهراني ، فقد حقّق الكتاب من سورة الفاتحة إلى سورة الإسراء ونال بهذا العمل درجة الدكتوراه عام ١٤٢١ هـ.

١٠

وقد قرأت مقدّمة الباحث وتصفّحت الموجود من التفسير سريعاً فوجدت أنّ الباحث بذل جهده في تحقيق النصّ وإزالة الصعاب عنه إلى غير ذلك من المزايا التي أشار إليها في مقدّمته ، وقد حقّق الكتاب بعد الحصول على نسختين :

النسخة الأُولى : وهي من فاتحة الكتاب إلى آخر سورة الإسراء مع سقط قليل في موردين ، وهي من ممتلكات عبد الرحمن بن سليمان العثيمين ، وهي مصوّرة على ميكروفيلم في جامعة الإمام محمّد بن سعود ضمن مخطوطات قسم التفسير برقم ٢٠٠٢.

النسخة الثانية : نسخة مبتورة من أوّلها وآخرها ، فهي تبدأ بسورة النساء وتنتهي بآيات من سورة يوسف ، وهي مصوّرة من نسخة في مكتبة تشستربتي برقم ٣٥٣٨ وهي في مركز التراث بجامعة أُمِّ القرى.

ثمّ أشار المحقّق إلى أنّ للكتاب نسخة ثالثة في المغرب بخزانة القرويّين تحت رقم ١٤٧٦ وقد راجع الباحث المكتبة فأخبره أمينها بأنّها متلاشية جدّاً ولا يمكن تصويرها.

ونحن إذ نثمّن جهوده في إحياء ذلك التراث القيّم ، غير أنّه لمّا وصل إلى بيان مذهب المؤلّف نقل عن الذهبي في سير أعلام النبلاء أنّه كان شيعيّاً ، لكنّه أضاف : «أنّي بعد تتبّع آثاره وما كتبه من رسائل لكي أقف على هذه الحقيقة لم أجد ما يدلّ على ذلك ... أمّا ما جاء في كتاب المصابيح عندما يذكر أبا جعفر فيقول عليه‌السلام فهذا بلا شكّ أنّه من الناسخ بدليل سقوط هذه

١١

العبارة في النسخة الثانية» (١).

يلاحظ عليه : بأنّ ما ذكره ضعيف جدّاً إذ لقائل أن يقول : إنّ النسخة كانت مشتملة على التسليم لكن أسقطها الناسخ ، هذه مؤاخذة جزئية ولكن الذي يؤخذ على الباحث أنّه لو أمعن النظر في نفس الكتاب الذي حقّقه يرى فيه دلائل واضحة على أنّه شيعيٌّ إماميٌّ لا ريب في ذلك ، ولأجل ذلك نذكر شيئاً من حياته التي جاء ذكرها في مصادرنا الرجالية وشيئاً ممّا ورد في مصادر غيرنا ، والغاية رفع الستر عن مذهبه فنقول :

الوزير المغربي في مصادر الشيعة :

١ ـ أوّل من ترجم له الرجالي المشهور أبو العبّاس النجاشي (٣٧٢ ـ ٤٥٠ هـ) ، قال : «الحسين بن علي بن الحسين بن محمّد بن يوسف الوزير (أبو القاسم المغربي) من وُلد بلاس بن بهرام جور ، وأُمّه فاطمة بنت أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني ، شيخنا صاحب كتاب : الغيبة ، له كتب منها : كتاب خصائص علم القرآن ، كتاب اختصار إصلاح المنطق ، كتاب اختصار غريب المصنّف ، رسالة في القاضي والحاكم ، كتاب الإلحاق بالاشتقاق ، اختيار شعر أبي تمّام ، اختيار شعر البحتري ، اختيار شعر المتنبيّ والطعن عليه ، توفّي رحمه‌الله يوم النصف من شهر رمضان سنة ثمان عشرة وأربعمائة»(٢).

__________________

(١) لاحظ : المصابيح : ٣٩ (رسالة الدكتوراه).

(٢) رجال النجاشي ١/١٩١ ـ ١٩٢ ، برقم ١٦٥.

١٢

قال المحقّق التستري : «قوله : (شيخنا) وصف للنعماني جدّ الوزير للأُمّ ، ثمّ أضاف : قول النجاشي : من وُلد بلاس بن بهرام جور وهمٌ ، فإنّ بلاساً ليس ابن بهرام بل ابن فيروز بن يزدجرد بن بهرام ، وبلاس عمّ أنوشيروان ، وهو الباني لساباط المدائن ، وأصل ساباط (بلاس آباد) فخفّف وعُرّب فصار (ساباط) ، وعنونه الحموي بقوله : الحسين بن علي بن الحسن بن محمّد بن يوسف بن بحر بن بهرام بن المرزبان بن ماهان بن باذام بن سامان بن الحرون من ولد بهرام جور ملك فارس أبو القاسم المعروف بالوزير المغربي الأديب اللغوي الكاتب الشاعر ، ولد فجر يوم الأحد ثالث عشر ذي الحجّة سنة سبعين وثلاثمائة»(١).

٢ ـ ذكره ابن شهرآشوب (٤٨٤ ـ ٥٨٤ هـ) في معالم العلماء وقال : «أبو القاسم المغربي الوزير له كتاب المصابيح في تفسير القرآن»(٢).

٣ ـ ذكره قطب الدين الراوندي (ت ٥٣٧ هـ) «وقال الحسين بن علي المغربي : معنى (إذا قمتم) : إذا عزمتم عليها وهممتم بها ، قال الراجز للرشيد :

ما قاسم دون الفتى ابن امِّه

وقد رضيناه فقم فسمّه

فقال : يا أعرابي ـ ما رضيت أن تدعونا إلى عقدة الأمر له قعوداً حتّى أمرتنا بالقيام ، فقال : قيام عزم لا قيام جسم.

__________________

(١) قاموس الرجال ٣/٤٩١ ـ ٤٩٦ ولاحظ : معجم الأُدباء ١٠/٧٩ ، بغية الطلب في تاريخ حلب ٦/٢٥٣٧ ، وقد بسط الكلام في ترجمته.

(٢) معالم العلماء : ١٧٢ ، برقم ٩٥٢. فهو أوّل من سمّى تفسيره بـ : (المصابيح) من الإمامية.

١٣

وقال خزيم الهمداني :

فحدّثت نفسي أنّها أو خيالها

أتانا عشاءً حين قمنا لنهجعا

أي حين عزمنا للهجوع»(١).

٤ ـ قال العلاّمة الحلّي (٦٤٧ ـ ٧٢٦ هـ) : «الحسين بن علي بن الحسين بن محمّد بن يوسف الوزير المغربي ، ثمّ لخّص ما ذكره النجاشي»(٢).

٥ ـ قال الحرّ العاملي (ت ١١٠٤) : «الحسين بن علي بن الحسين بن محمّد بن يوسف الوزير المغربي ، أُمّه فاطمة بنت أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم النعماني صاحب كتاب الغيبة ، ثمّ ذكر تصانيفه»(٣).

٦ ـ عنونه القهبائي في مجمع الرجال واكتفى بما ورد في النجاشي ثمّ أشار إليه في ترجمة جدّه من جانب الأُمّ أعني محمّد بن إبراهيم بن جعفر مؤلّف كتاب الغيبة(٤).

٧ ـ عنونه الأردبيلي في جامع الرواة حيث اكتفى بما ورد في رجال النجاشي وخلاصة العلاّمة(٥).

٨ ـ عنونه المامقاني في تنقيح المقال وذكر نصّ النجاشي ثم الخلاصة وتكلّم في أنّ قوله (شيخنا) وصف لمن؟(٦) ، وقد مرّ من المحقّق التستري أنّه

__________________

(١) فقه القرآن ١/١٢ ، ولاحظ : المصابيح : ٣٦٥.

(٢) خلاصة الأقوال : ١٢٠ ، برقم ٣٠٣.

(٣) أمل الآمل ٢/٩٧ ، برقم ٢٦٤.

(٤) مجمع الرجال ٢/١٨٩.

(٥) جامع الرواة ١/٢٤٨.

(٦) تنقيح المقال ١/٣٣٨ برقم ٢٩٩٦.

١٤

وصفٌ للنعماني ؛ وهو بمعنى أنّه شيخ الطائفة.

٩ ـ قال السيّد الخوئي. الحسين بن عليّ بن الحسين بن محمّد بن يوسف الوزير أبو القاسم المغربي ، ثمّ اقتصر بما ذكره النجاشي في رجاله(١).

١٠ ـ ذكر شيخنا العلاّمة آقا بزرگ الطهراني مؤلّفات الوزير المغربي في الذريعة(٢).

إلى هنا تمّ ما ذكره مشايخنا الكبار في ترجمة الوزير المغربي ، وهؤلاء اقتصروا بما ذكرنا.

نعم بسط عدّة من علمائنا الكلام في ترجمته ونشير إلى مواضعها من كتبهم :

١١ ـ السيّد محمّد باقر الخونساري (ت ١٣١٣ هـ)(٣).

١٢ ـ المحقّق التستري ـ وقد نقلنا شيئاً ممّا ذكره(٤).

١٣ ـ السيّد محسن الأمين(٥).

١٤ ـ موسوعة طبقات الفقهاء(٦).

وبما أنّا لسنا بصدد ترجمة الوزير اكتفينا بما ذكرنا ، وهؤلاء كلّهم متّفقون على تشيّعه ، ولذلك عمدوا إلى ترجمته في كتبهم بلا أيّ ريب

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٦/٤٤ ، برقم ٣٥٢١.

(٢) لاحظ : الذريعة إلى مؤلّفات الشيعة ٤/٢٢٠ ، و٤٢٠ ، ٩/١/٢٤٩.

(٣) روضات الجنّات ٣/١٦٦ ـ ١٦٩.

(٤) لاحظ قاموس الرجال ٣/٤٩١ ـ ٤٩٦.

(٥) لاحظ أعيان الشيعة ٦/١١١.

(٦) طبقات الفقهاء ٥/١١١ ـ ١١٤.

١٥

وشكّ ، ولأجل رفع الستر عن الموضوع الذي ذكره الباحث على عواهنه ، ندرس مذهبه من خلال أمرين :

١ ـ القرائن الخارجية التي ذكرها غير واحد من أصحاب المعاجم.

٢ ـ القرائن الداخلية وهي النصوص الموجودة في أثره القيّم المصابيح ، على وفق ما حقّقه الباحث عبد الكريم بن صالح بن عبد الله الزهراني حفظه الله.

القرائن الخارجية الدالّة على تشيّعه :

هناك قرائن خارجية (خارج التفسير) وتشهد على أنّه كان شيعيّاً حقيقيّاً ، وإليك ما وقفنا عليه :

١ ـ إنّ أُمّه كانت بنت الشيخ النعماني شيخ الطائفة الإمامية المعاصر للشيخ الكليني (ت ٣٢٩ هـ) صاحب كتاب الغيبة في الإمام المهدي (عج) ، وقد صرّح بذلك الرجالي النجاشي وغيره كما مرّ.

٢ ـ ذكر الحموي أنّه كانت وفاته في (ميّافارقين) وحمل بوصية منه إلى الكوفة ودفن بها في تربة مجاورة لمشهد عليّ رضي‌الله‌عنه ، وأوصى أن يكتب على قبره :

كنت في سفرة الغواية والجهـ

ـل مقيماً فحان منّي قُدوم

تُبت من كلّ مأثم فعسى يُمـ

ـحى بهذا الحديث ذاك القديم

بعد خمس وأربعين لقد ما

طلتُ إلاّ أنّ الغريم كريمُ(١)

__________________

(١) معجم الأُدباء ١٠/٧٩.

١٦

٣ ـ قال الجزري : «لمّا أحسّ بالموت كتب كتاباً عن نفسه إلى كلّ من يعرفه من الأُمراء والرؤساء الذين بينه وبين الكوفة ويعرّفهم أنّ حظيّة له توفّيت وأنّه قد سيّر تابوتها إلى مشهد أمير المؤمنين عليٍّ عليه‌السلام وخاطبهم في المراعاة لمن في صحبته ، كان قصد أن لا يتعرّض أحد لتابوته بمنع وينطوي خبره ، فلمّا توفّي سار به أصحابه كما أمرهم ، وأوصلوا الكتب ، فلم يتعرّض أحد له ، فدفن بالمشهد ولم يعلم به أحد إلاّ بعد دفنه»(١).

وذكره الصاحب كمال الدين المعروف بابن العديم(٢) ، وقد ترجم مؤلّفنا بصورة مبسّطة(٣).

٤ ـ القصيدة التي أنشأها في مدح الأنصار ، وقد نقل أكثرها ابن أبي الحديد في شرحه ، ونحن نقتبس من هذه القصيدة ما يرجع إلى مهمّتنا ، وإليك مستهلُّ القصيدة ، قال :

نحن الذين بنا استجار فلم يَضِعْ

فينا ، لأصبح في أعزّ جوار

إلى أن قال :

وتداولتها أربع لولا أبو

حسن لقلت : لؤمت من إستار(٤)

__________________

(١) الكافي في التاريخ ٩/٣٦٢.

(٢) لاحظ : بغية الطلب في تاريخ حلب ٦/٢٥٥٥.

(٣) نفس المصدر : ٢٥٢٣ ـ ٢٥٥٥.

(٤) الإستار بالكسر أربعة في العدد.

١٧

إلى أن قال :

تالله لو ألقوا إليه زمامها

لمشى بهم سَجُحاً بغير عِثار

ولو أنّها حلّت بساحة مجده

بادي بدا سكنت بدار قرار

إلى أن قال :

وتنقّلت في عصبة أموية

ليسوا بأطهار ولا أبرار(١)

٥ ـ أورد ابن شهرآشوب في المناقب أبياتاً للمغربي في الإمام الباقر عليه‌السلام ، والظاهر أنّه أراد به الوزير المغربي لأنّها لا توجد في ديوان ابن هانىء ، وهي :

يا ابن الذي بلسانه وبيانه

هُدي الأنام ونزِّل التنزيل

عن فضله نطق الكتاب وبشّرت

بقدومه التوراة والإنجيل

لولا انقطاع الوحي بعد محمّد

قلنا محمّد من أبيه بديل

هو مثله في الفضل إلاّ أنّه

لم يأته برسالة جبريل(٢)

٦ ـ نقل السيّد الأمين عنه الأبيات التالية :

صلّى عليك الله يا من دنا

من قاب قوسين مقام النبيه

أخوك قد خولفت فيه كما

خولف في هارون موسى أخيه

هل برسول الله من أُسوة

لم يقتد القوم بما هنّ فيه

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٦/١٥ ـ ١٦.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب ٤/١٩٧.

١٨

ثمّ قال : وهي أطول من هذا ، وقوله :

أيا غامصين المزايا الجليلة

من المرتضى والسجايا الجميلة

ويا غامضين عن الواضحات

كأنّ العيون لديها كليلة

إذا كان لا يعرف الفاضلين

إلاّ شبيههم في الفضيلة

فمن أين للأُمّة الاختيار

عفا لعقولكم المستحيلة

عرفنا عليّاً بطيب النجار

وفصل الخطاب وحسن المخيلة

تطلع كالشمس رأد الضحى

بفضل عميم وأيد جزيلة

فكان المقدّم بعد النبيّ

على كلّ نفس بكلّ قبيلة(١)

هذا ما يرجع إلى القرآئن الخارجية ، وأمّا ما يرجع إلى القرائن الداخلية فهي بين الصريح وكالصريح على أنّه شيعيٌّ إماميٌّ فنأتي به حسب تسلسل السور ، إلى سورة الإسراء ، ولو وفّق الله الباحث أو غيره لتحقيق النصف الآخر من الكتاب ربّما زادت القرائن أكثر من ذلك ، وإليك البيان.

القرائن الداخلية الدالّة على تشيّعه :

نعني بالقرائن الداخلية ما فسّر به كلام الله سبحانه من خطبة الكتاب إلى تفسير آخر سورة الإسراء ففيها دلائل واضحة على تشيّعه ، نشير إلى ما وقفنا عليه :

__________________

(١) أعيان الشيعة ٦/١١٦.

١٩

١ ـ كيفية الصلاة على النبيِّ (صلى الله عليه وآله).

ابتدأ خطبة الكتاب بقوله : «اللّهم إنّا نقدّم بين يديك ما تأمر من عزم ... إلى أن قال : ونسألك أن تصلّي على محمّد فإنّه رحمتك وعلى أهل بيته المصطفين من بريّتك»(١).

فإنّ هذا النوع من الصلاة على النبيِّ من خصائص الشيعة حيث لم يعطف الصحابة على أهل بيته ، إذ لم يرد حتّى في حديث واحد أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) علّم الصلاة عليه بعطف الأصحاب على الآل ...

ويذكر في تفسير قوله : (وَارْكَعُوا مَعَ الْرَّاكِعِينَ)(٢) «أي ادخلوا دين محمّد صلّى الله عليه وآله»(٣).

وأيضاً يذكر في تفسير قوله : (أَتَأْمُرُونَ الْنَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ)(٤) «أي كانوا يأمرون الناس باتّباع محمّد صلّى الله عليه وآله»(٥).

إلى غير ذلك من الموارد التي يعطف الآل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ولا يذكر شيئاً من الصلاة على الأصحاب ، ويتجنّب الصلاة البتراء التي هي الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقط دون عطف آل عليه ، وقد روى البخاري وغيره كيفية الصلاة عليه(٦).

__________________

(١) المصابيح : ٩٤.

(٢) البقرة : ٤٣.

(٣) المصابيح : ١٢٦.

(٤) البقرة: ٤٤.

(٥) المصابيح : ١٢٦.

(٦) البخاري في صحيحه في كتاب الأنبياء ، راجع فتح الباري ٦/٤٠٨ ، الصواعق المحرقة : ٢٣٣.

٢٠