تراثنا ـ العددان [ 117 و 118 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 117 و 118 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٩٤

التصحيحات التي صاحبت هذا التفسير :

لم تطبع حتّى الآن من المصابيح في تفسير القرآن العظيم للوزير المغربي أيّ نسخة مصحَّحة ، ولكن أُعدّت رسالتين جامعيّتين في هذا المجال تناولت كلٌّ منهما تصحيح متن الكتاب وتطرّقت إلى ذكر بعض المقدّمات في وصف خصائص هذا التفسير ، وهاتين الرسالتين هما :

الف) لقد ألّفت أوّل رسالة جامعية في هذا المضمار في سنة (١٩٧٩ ميلادية) في جامعة (مانچستر) ، أعدّت بقلم عمر إسماعيل(١) ، حيث اعتمد في عمله من تصحيح متن هذا التفسير على النسخة (ب) من مكتبة چستربيتي (دبلن ، إيرلندا ، برقم ٣٥٣٨) ، وهي أكثر النسخ نقصاً ، وقد احتوى تصحيحه على مقدّمة باللغة الانجليزية في ترجمة (ابن كيسان) ، وقد ركّز عمله على تصحيح المتن وذكر بعض الملاحظات والمقدّمات التي اقتصر على بيانها باللغة الانجليزية ، وبالرغم من أنّني لم أحصل على هذه الرسالة الجامعية إلاّ أنّ بعض القرائن تدلّ على أنّ هذا التحقيق لم يكن تحقيق عالم خبير ومتخصّص في هذا المجال ، وذلك لعدّة أسباب :

أوّلاً : إنّ هذا العمل التحقيقي لم يطبع ولم ينشر قط طوال الخمس والثلاثين سنة الماضية ، وهناك القليل من المحقّقين ممّن اعتمده وأحال إليه.

ثانياً : إنّ نسخة (چستربيتي) فيها العديد من السقوط ، حيث سقط قسم

__________________

(١) U.Y. Ismail. A critical edition of \'Al-masabih fi tafsir al-Qur\'an al-azim\' attributed to Ibn Kaysan al- Nahwi, together with introduction and notes, PHD Dissertation, University of Manchester,١٩٧٩, ٢vols.

٣٦١

كبير من أوّلها وآخرها.

ثالثاً : ومن أهمّ الملاحظات على عمل عمر إسماعيل هو اتّباعه لآرثور آربري حيث نسب هذه النسخة الناقصة من التفسير لابن كيسان النحوي (ت ٣٢٠ هـ).

كما أنّ مثله مثل آرثور آربري لم يعر اهتماماً لنقل أقوال المفسّرين الذين اعتمدهم صاحب المصابيح مثل أبو بكر الرازي الجصّاص (ت ٣٧٠ هـ) وأبو الحسن الرمّاني (ت ٣٨٤ هـ) وإلاّ لتوصّل إلى أنّ صاحب المصابيح هذا هو المغربي وليس ابن كيسان.

ب) الرسالة الثانية أُعدّت في سنة (٢٠٠٠ ميلادي) في جامعة أمّ القرى في مكّة المكرّمة ؛ وهذه الرسالة عبارة عن رسالة دكتوراه عنوانها (المصابيح في تفسير القرآن العظيم) للحسين بن علي المعروف بالوزير المغربي (ت ٤١٨ هـ) من أوّل سورة الفاتحة إلى آخر سورة الإسراء ، وهي دراسة وتحقيق مقدّم لنيل درجة الدكتوراه للأستاذ عبد الكريم بن صالح بن عبد الله الزهراني وبإشراف الدكتور علي بن محمّد الحازمي في جامعة أمّ القرى في مكّة المكرّمة (١٤٢١ هـ/٢٠٠٠م) في مجلّدين وفي ٨٣٩ صفحة.

والدكتور عبد الكريم بن صالح بن عبد الله الزهراني من مواليد (١٣٨٨ هـ) في قرية النصباء (محافظة المندق) في المملكة العربية السعودية ، لقد حصل سنة (١٤١٠ هـ) على شهادة البكلوريوس في اللغة والأدب العربي من الجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة ، وفي سنة (١٤١٧ هـ) حصل على شهادة الماجستير ، وفي سنة (١٤٢١ هـ) حاز على شهادة الدكتوراه في نفس

٣٦٢

المادّة من جامعة أمّ القرى ، وهو الآن أستاذ المطالعات العربيّة والإسلامية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران في المملكة العربية السعودية(١).

إنّ رسالة الدكتوراه للدكتور عبد الكريم الزهراني عبارة عن مجلّدين ضخمين في ٨٣٩ صفحة احتوت على تصحيح متن تفسير المصابيح ، وفهرسة الأعلام والأماكن ، وفهرسة لمصادر التحقيق.

كما خصّص في أوّل الرسالة شطراً من بحثه في دراسة ترتبط بالوزير المغربي تناولت حياته ، وتأليفاته ، ومشايخه ، كما تناولت التعريف بهذا التفسير ووصف النسخ التي حصل عليها والخصائص الكلّية للتفسير ، ومن الواضح أنّ الزهراني في بحثه وتحقيقه هذا كان أفضل من عمر إسماعيل وذلك لاعتبارات عدّة :

أوّلاً : لقد توفّر لديه نسختين من التفسير وهي عبارة عن النسخة (ألف وب) حيث تعدّ النسخة (الف) أفضل بكثير من النسخة (ب) من مكتبة چستربيتي.

ثانياً : يبدو جليّاً منه أنّه كان مطّلعاً على الخطأ الذي وقع في نسخة چستربيتي من نسبتها لابن كيسان فلم ينسبها إليه قط.

ثالثاً : لقد زوّد أكثر من نصف رسالته بحواش وتعليقات اشتملت على توضيحات لها علاقة بالشخصيّات ، والروايات ، والمنقولات التفسيرية ،

__________________

(١) هذه المعلومات موجودة في الصفحة الخاصّة به على شبكة الانترنيت ضمن صفحة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن :

http://faculty.kfupm.edu.sa/IAS/akareem/cv.htm

٣٦٣

وشرح الأبيات ، وتراجم الشعراء وغيرها ، حيث لم يتمّ في رسالة عمر إسماعيل هذا الكم من البحوث.

إلاّ أنّ رسالة الدكتوراه للاستاذ عبد الكريم الزهراني قد اشتملت هي الأخرى على نواقص وهفوات كثيرة في تصحيح وتحقيق المصابيح في تفسير القرآن.

ومن المؤسف أنّ عدم إتقان المصحّح وأخطاءه أدّت إلى تشويش وتشتّت فكر القارىء في بعض الأحيان ؛ وسوف نتناول هنا بعض النماذج من الاشكالات التي ترد على تصحيحه.

وعلى الرغم من أنّ الرسالة قد مرّ على مناقشتها أربعة عشر عاماً إلاّ أنّها لم تنشر رسمياً ولم تطبع بعد ، ولكنّها موجودة على العديد من صفحات الإنترنيت(١) ، فإنّ هذا الأمر بذاته كان مدعاة لضرورة الإشارة إلى تلك الإشكالات.

١) إنّ الدكتور عبد الكريم الزهراني لا يعتقد كون مؤلّف المصابيح في تفسير القرآن شيعيّ المذهب بل يعدّه مثل الإمام النسائي سنّيّاً محبّاً لأهل البيت(٢).

في حين أنّ هذا الكلام غير صحيح ؛ لأنّ الوزير المغربي نَسَباً هو سبط النعماني صاحب كتاب الغيبة ، مضافاً إلى ذلك أنّ مجالساته لعلماء الشيعة في بغداد مثل السيّد المرتضى وغيره تدلّ بوضوح على تشيّعه ، هذا وإنّ أقدم الرجاليّين الشيعة مثل النجاشي قد صرّحوا بأنّ الوزير المغربي كان شيعيّاً ،

__________________

(١) http://elibrary.mediu.edu.my/books/MAL ١١١٧٦. pdf (

(٢) رسالة الدكتوراه : ٤٠.

٣٦٤

وكثيراً ما استفاد المفسّرون الشيعة من تفسيره مثل التبيان ومجمع البيان وروض الجنان وأمثالها حيث كان لها الحظّ الأوفر منه.

وبالرغم من أنّه قد استفاد من المواضيع والمضامين المختلفة في التفاسيرالشيعية مثل روايات الصادقين عليهما‌السلام وكذلك السنّية مثل الطبري والواقدي وعمر بن شبه ومقاتل ، والمعتزلة مثل الجبائي والرّماني والبلخي وأبو مسلم الإصفهاني ، وحتّى أهل الكتاب كان يستفيد من آرائهم ، إلاّ أنّه في بيان وتفسير الآيات التي وقع النزاع فيها بين الشيعة والسنّة وكانت بينهم اختلافات أدبية وفقهية وكلامية فإنّه كان يدافع عن وجهة نظر الشيعة بقوّة ويأخذ بآرائهم ، وذلك مثل آيات الوضوء (المائدة : ٦) والمتعة (النساء : ٢٤ ، البقرة : ١٩٦) والرجعة (البقرة : ٥٦) والخمس والأنفال (الأنفال : ٤١) وأمثالها.

٢) إنّ الدكتور عبد الكريم الزهراني لم يكن لديه أيّ اطلاع عن الكثير من المصادر التي اعتمدها الوزير المغربي في تفسيره ؛ فلذلك نراه في بعض الأحيان يتغافل عن بعض المصادر ، وفي أحيان أُخرى كان يخطىء في إحالاته إلى مصادر أُخرى اشتباهاً منه ، وإنّ واحداً من أهمّ تلك الاشتباهات هو أنّ الوزير المغربي كثيراً ما كان ينقل عن الإمام الباقر عليه‌السلام والذي يذكره بعنوان (أبي جعفر) وكان يردفه في أغلب الأحيان بتحية عليه‌السلام في حين أنّ الزهراني لم يُشر في تعليقاته إلى (الإمام الباقر عليه‌السلام) بل ردّ في مقدّمته تشيّع الوزير المغربي ، وقد ادّعى ـ من غير دليل ـ أنّ عبارة عليه‌السلام إنّما هي زيادة من الناسخ ، في حين أنّ كثيراً من هذه الروايات المذكورة في تفسير المصابيح يمكن العثور عليها في المصادر الروائية والتفسيرية الشيعية القديمة التي غفل وأعرض الزهراني عنها جميعاً ، وقد أخطأ خطأً فاحشاً عند

٣٦٥

ما علّق عليها بأنّ المراد من (أبي جعفر) في هذه الروايات هو الطبري.

فعلى سبيل المثال : علّق على رواية الوزير المغربي التي ذكرها في سياق آية (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً)(١) والرواية هي : «قال أبو جعفر : عذاب ينزل في آخر الزمان على فسقة أهل القبلة ، نعوذ بالله منه» فقد علّق عليها الزهراني في مقام التصحيح قائلاً : «لم أقف على هذا القول»(٢) فمن الطبيعي أنّه لم يقف عليه لأنّ مثل هذا المضمون الروائي قد جاء فقط عن أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، ويمكن العثور عليه في المصادر التي جاءت قبل وبعد الوزير المغربي(٣).

٣) لقد غفل الدكتور عبد الكريم الزهراني عن التأثير الواضح الذي تركه هذا التفسير على التفاسير الشيعية ، في حين نراه أنّه قد اكتفى بذكر ما اقتبسه بيان الحقّ محمود بن أبي الحسن النيشابوري (ت بعد ٥٥٣ هـ) صاحب تفسير إيجاز البيان عن معاني القرآن وأبو حيّان الغرناطي (ت ٧٤٥ هـ) مؤلّف البحر المحيط ، في حين أنّ مجموع ما ذكره من اقتباسهما من الوزير المغربي هو ٥ أو ٦ موارد حيث ذكر ذلك في مقدّمة كتابه وفي بعض تعليقاته ، ولكن في الجانب الآخر لم يذكر شيئاً عن اقتباس التفاسير الشيعية من تفسير الوزير المغربي مثل التبيان (للشيخ الطوسي) ، مجمع البيان (للطبرسي) ، وروض الجنان (لأبي الفتوح الرازي) ، والحال أنّ التبيان هو أوّل من نقل من المصابيح الكثير من النصوص والمضامين التفسيرية ، حيث

__________________

(١) سورة يونس : ٥٠.

(٢) رسالة الدكتوراه : ٥٥.

(٣) تفسير القمّي ١/٣١٢ ، التبيان ٥/٣٩٠.

٣٦٦

أخذت طريقها منه إلى سائر التفاسير فيما بعد(١) ، مضافاً إلى ما ذكرنا فإنّنا عند المقارنة بين متن تفسيري المصابيح (للوزير المغربي) والتبيان (للشيخ الطوسي) ، يتبيّن لنا أنّ هناك العديد من آراء الوزير المغربي ذكرت في تفسير التبيان بالمعنى والمضمون من دون التصريح بإسمه ، فإنّ الزهراني لم يأخذ جميع هذه الأمور بنظر الاعتبار ، وذلك لعدم اطّلاعه على مصادر الشيعة ، بل أكثر من ذلك فإنّه لم يذكر شيئاً في ترجمة المغربي ومؤلّفاته نقلاً عن المصادر الشيعية المهمّة لأصحاب التراجم من الشيعة.

٤) إنّ بعض الإضافات والتعليقات التي قام بها الزهراني في تفسير المصابيح خارجة عن الموضوع ، بل أنّها كانت في بعض الأحيان سبباً في

__________________

(١) انظر إلى بعض النماذج من كتاب التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ق) (١/٤٩ ،٥٩ ،١٢٩ ،٢٨١ ،٣٠٩ ،٣١٨ ،٣٨٩ ،٤٠٣ ،٤٤٦ ،٤٦٥ ، و٢/٢٧٥ ، ٣٤٨ ، ٣٧٤ ،٥٧٣ ،و٣/٢٢ ، ٣١ ،١٠٤ ،١٣٦ ،٢٠٤ ، ٢١٦ ، ٢٣١ ، ٢٤١ ، ٢٥٦ ، ٢٩٩ ، ٣٠٤ ،٣٢٠ ،٣٣١ ،٣٦٦ ،٣٩٢ ،٤٠٩ ،٤١٦ ،٤١٩ ،٤٢٤ ،٤٤٩ ،٥٤٦ ،٥٥٩ ،٥٨٠ ، و٤/١١ ، ٢٧ ،٤١ ، ٥٢ ، ٧٢ ، ١٢٨ ،١٥٧ ، ٢١٣ ، ٢٢٨ ، ٢٣٨ ، ٢٧٧ ، ٣١٢ ،٣١٨ ،٣٧٩ ،٣٨٤ ، و٥/١٢٣ ، ٢٠٣ ،٢٠٨ ،٣٤٦) ، وفي مجمع البيان للطبرسي (٤٦٨ ـ ٥٤٨ ق) (١/٢٨٣ ،٣٨٠ ، و٢/٦٨٤ ،٨٦٢ ، و٣/٢٨ ،٨٧ ،٩٦ ، ١٠٤ ،١٤٦ ،١٤٩ ،١٨٠ ، ٢٣٩ ،٣١٤ ،٣٢٥ ،٣٤٠ ،٤٠٢ ، و٤/٤٥١ ،٥٩٥ ،٦٣٥) ، وفي فقه القرآن للقطب الراوندي (ت ٥٧٣ ق) (١/١٣ ،١١٣ ،١١٦ ،٢٢٤ ،٣٠٤ ،٣٣٦ ، و٢/٩٩ ،٢٢٥ ،٣٣٧) ، وفي روض الجنان لأبي الفتوح الرازي (القرن السادس) (٥/٢٧٩ و٦/٢٠ ،١١٧ ،٢٢١ ، ٢٢٥ ،٢٦٧ ،٤١٠ ، و٧/١٩ ،١٢٣ ، ٣١٩ ، ٤١٥ ، و٨/١٦٦) ، وفي متشابه القرآن ومختلفه لابن شهرآشوب (٤٨٩ ـ ٥٨٨ ق) (١/١٤١ ، و٢/١١٤) ، وفي نهج البيان عن كشف معاني القرآن لمحمّد بن الحسن الشيباني (ت ٦٤٠ ق) (١/١٦٤ ، ٣١٣ ، و٢/١٢٨ ،٣٠٧) ، وفي كنز العرفان في فقه القرآن للفاضل مقداد (ت حدود ٨٢٦ ق) (٢/١٢١).

٣٦٧

تغيير كلام الوزير المغربي وما يرمي إليه ؛ كما في تفسير سورة يوسف فقد ذهب رأي الوزير المغربي في تفسير الآية (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) إلى أنّ جواب الآية قد جاء بعد ثلاث آيات ، فإنّ عبارة الوزير المغربي في غاية الوضوح وصريحة جدّاً حيث قال : «(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) جوابه (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) فلمّا ذهبوا به فعلوا وفعلوا ، قال : بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً» ؛ فقد تدخّل المصحّح هنا في عبارة المؤلّف وزاد فيها كلمة ليقول إنّ ما يرمي إليه الوزير المغربي هو أنّ جواب (لمّا) محذوف ، لذلك غيّر المصحّح المتن على النحو التالي : «(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) جوابه محذوف (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) ، فلمّا ذهبوا به فعلُوا وفعلُوا ، قال : بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً» ، وأضاف في أسفل الصفحة قوله : «ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق ، وهو رأيُ أهل البصرة أنّ الجواب محذوف» ، والحال أنّ نسخ تفسير الوزير المغربي لا تحتوي على مثل هذه الكلمة ، وإنّ سياق عبارة الوزير المغربي تبيّن بوضوح أنّه أراد أنّ عبارة (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ ...) إنّما هي جاءت في جواب (لمّا).

وعندما يذكر الوزير المغربي رأياً كلاميّاً أو أدبيّاً أو تاريخيّاً لم يرق للمصحّح ذلك الرأي يبادر إلى ردّه ، بل في بعض الأحيان يذكر رأي ابن تيمية في المسألة ويرجّح رأيه (كما في تفسير آية الاستهزاء في سورة البقرة الآية ١٤) ، في حين كان حريّاً به أن يراجع المصادر التي اعتمدها الوزير المغربي ومقارنتها مع رأي الوزير.

مثلاً في تفسير الآية (لاَتُدْرِكُهُ الأبْصَارُ) فقد ذكر الوزير المغربي أنّه حتّى في الإنجيل هناك ما يؤيّد بطلان رؤية الله ومن ثمَّ قال : «وليس دليل

٣٦٨

العقل ولا السمع في نفي الرؤية محتاجاً إلى ما يعضده من الإنجيل ، إلاّ أنّ ورود مثله فيه يزيد في خجل المقلِّدين ممّن يجوّز الرؤية على الله تعالى (جلّ جلاله)» ، عندها لم يطق المصحّح (عبد الكريم الزهراني) ذلك وقد علّق على ذلك قائلاً : «رؤية الله تعالى متحقّقة بالنصوص الشرعية التي تدلّ على ذلك ، وأمّا في الآية فلا يدلّ على نفي الرؤية ، فليس معنى (لا تدركه الأبصار) بمعنى لا تراه ؛ لأنّ الشيء قد يرى الشيء ولا يدركه ، ويدركه ولا يراه ، ومعنى الآية : لا تحيط به الأبصار ؛ لأنّ الإحاطة به غير جائزة!».

النموذج الآخر هو التلاعب في أصل المتن بتغيير بعض الكلمات حسب ما يبدو للمصحّح ويروق له كما حدث ذلك في أوّل سورة النساء :

«الحوب : الإثم ، يقال : حاب يَحوبُ حُوباً. والحَوبُ : الإسم». فقد جاءت كلمة (الاسم) مكرّرة في ثلاث نسخ خطّية من تفسير المصابيح وإنّ معناها واضح ، ولكن المصحّح (الدكتور عبد الكريم الزهراني) اجتهد بنفسه ولم يعر أيّ أهمّية للنسخة وغيّرها وكتب ما يلي : «الحوب : الإثم ، يقال : حاب يحوب حُوباً. والحوبُ : الإثمُ». ولم يعتن ولم يتساءل لماذا الوزير المغربي في مثل هذا التفسير المختصر قد كرّر عبارة «الحوب : الإثم» مرّتين.

٥) إنّ أهمّ ما يرد من إشكال على تصحيح متن التفسير في رسالة الدكتوراه للدكتور عبد الكريم الزهراني هو أنّه كراراً ما اشتبه في قراءة النسخة الخطّية ، فلذا نراه في بعض الأحيان يزوّد القارئ بتوضيحات جاءت في الهامش ليبيّن له ـ بتكلّف ـ سبب غموض المتن ، علماً بأنّ بعض الأخطاء التي وقعت منه في قراءة النسخة لم يكن لها ذاك الأثر الكبير في تغيير المعنى في بعض الأحيان (مثلاً ذكر متأرجحاً عوضاً عن مترجِّحاً ، وذكر القصد عوضاً

٣٦٩

عن المقصد) ، ولكن في أحيان أخرى أحدث تغييراً كلّياً في متن التفسير بحيث قدّم للقارئ عبارات خاطئة ؛ وأُشير في هذا المضمار إلى بعض الأخطاء التي وقع فيها :

وأن تُلبِسَنا مِن قولِك ما يَكُونُ زُلفَةً في العَاجِلَةِ وذِمَّةً في الآجَل (ص٩٤).

وأن تُلبِسَنا مِن قبولِك ما يَكُونُ زينَةً في العَاجِلِ وذِمَّةً في الآجَل (صحيح).

إنّني لَم أكُن أكرّ فيه كَرَّةً إلاّ استَسِرُّ فيها قَلبي في كُلِّ مَوقِف (ص٩٥).

إنّني لَم أكُن أكرّ فيه كَرَّةً إلاّ استَشرف لقَلبي في كُلِّ مَوقِف (صحيح).

استَسِرُّ فيها قَلبي في كُلِّ مَوقِف أجسُرُ عليه عنانَ الفِكرَةِ (ص٩٥).

استَشرف لقَلبي في كُلِّ مَوقِف أحبسُ عليه عنانَ الفِكرَةِ (صحيح).

ليكونَ النَّفعُ تَامّاً والقصدُ عامّاً (ص ٩٥).

ليكونَ النَّفعُ عامّاً والمقصدُ تَامّاً (صحيح).

فَلمَّا كَان رُجُوعُ الاسْتِهزَاءِ يَظهَرُ مَع عِقَاب الذنوب نَسَبَ الاسْتِهْزَاءَ إليْهِ (ص١٠٥).

فَلمَّا كَان رُجُوعُ الاسْتِهزَاءِ اليهم يَظهَرُ مَع عِقَاب الله تعالى نُسِبَ

٣٧٠

الإسْتِهْزَاءَ إليْهِ (صحيح).

فَلَمّا اسْتبدل قَولَ الكُفْرِ بالإيمانِ الَّذي فَطَرَهُم اللهُ عَلَيهِ قِيل : (اشْتَرَوُا) (ص١٠٦).

فَلَمّا اسْتبدلوا قَولَ الكُفْرِ بالإيمانِ الَّذي فَطَرَهُم اللهُ عَلَيهِ قِيل : (اشْتَرَوُا) (صحيح).

ومَعْنى يُمْهِلهم وهُم في حَال طُغْيانِهِم تَأنيباً بِهِمْ ، وَإنْظَاراً لَهُم (ص١٠٥).

ويعْني إنَّهُ يُمْهِلهم وهُم في حَال طُغْيانِهِم تَأنِّياً بِهِمْ ، وَإنْظَاراً لَهُم (صحيح).

لأنَّ الغَبن في الشِّرَاء أقْبَح وضرب (ص١٠٧).

لأنَّ الغَبن في الشِّرَاء أقْبَح وأفضَح (صحيح).

وضَرَبَ اللهُ الإضَاءَةَ والإِظْلامَ مَثلاً لِدُخُولِهم في الإسْلام تَفرقةً وإجمالاً ، ثُم خُروجُهُم مِنهُ بِالنّفَاق (ص١٠٧).

وضَرَبَ اللهُ الإضَاءَةَ والإِظْلامَ مَثلاً لِدُخُولِهم في الإسْلام تَعزّزاً وَإجْلالاً ، ثُم خُروجُهُم مِنهُ بِالنّفَاق (صحيح).

وتبدَّلت إلى اليَهُود الَّذِينَ كَانُوا يَتَمَنَّونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله ،

٣٧١

فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ (ص١٠٧).

وقيلَ نزلَت في اليَهُود الَّذِينَ كَانُوا يَتَمَنَّونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله ، فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ (صحيح).

وقِيل اللَّوْنُ وَاحِدٌ ، وَالطَّبع مُختَلِفٌ (ص١١٠).

وقِيل اللَّوْنُ وَاحِدٌ ، وَالطَّعمُ مُختَلِفٌ (صحيح).

وَلَولا المَعَاني لَمْ يَكُنْ في الأسْمَاءِ مقالةٌ (ص١١٦).

وَلَولا المَعَاني لَمْ يَكُنْ في الأسْمَاءِ مُؤَدّاةٌ (صحيح).

وَقِيل : تَخْلطُوا الصَّدْقَ بالكَذِب عَن ابن عبّاس (ص١٢٥).

وَقِيل : يَخْلطُون الصَّدْقَ بالكَذِب عَن ابن عبّاس (صحيح).

قَال : يَكْتُمُونَ مُحَمَّداً وَ هُو يَجِدُونَهُ عِنْدَهُم (ص١٢٥).

قَال : يَكْتُمُونَ مُحَمَّداً وَ هُم يَجِدُونَهُ عِنْدَهُم (صحيح).

وَقِبْلَتُهُمُ الكَعبَةُ وَلَهُمْ تَحِلُّ ذَبائح (ص١٤٣ ـ ١٤٤).

وَقِبْلَتُهُمُ الكَعبَةُ وَلَهُمْ صومٌ وذَبائحُ (صحيح).

وَإلى إيجابِ الذِّمَّةِ لَهُمْ وَأخْذِ الجِزْيَةِ لِتَنْكِيل وَبِذلِك كَانَ السدّي وَأبو العالية يَقولان (ص١٤٤).

٣٧٢

وَإلى إيجابِ الذِّمَّةِ لَهُمْ وَأخْذِ الجِزْيَةِ أميلُ وَبِذلِك كَانَ السدّي وَأبو العالية يَقولان (صحيح).

على ذلك كلّ ما في الإنجيل من نسبة المسيح إلى النبوّة (ص٥٧١).

على ذلك كلّ ما في الإنجيل من نسبة المسيح إلى البنوّة (صحيح).

وَاسْتَعْلى مِنْ بارَان وَبَعْده (أمَاكن) وَفي الإِنْجِيلِ يذْكر النار فَلينظُر (ص٤٦٩).

وَاسْتَعْلى مِنْ فارَان وَبَعْده (أمَاكن) وَفي الإِنْجِيلِ يذْكر الفارقليط (صحيح).

خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم : شَهِدَ عَليهَا كَما يختمُ الشّاهِدُ حَقِيقَةً ، وَجُمْلَة الختمِ

أنّهُ اسْتِعَارةٌ ، فَليسَ لأحَد أن يَتَعَلّقَ مِنهُ بِتَأوُّل (ص ١٠١ ـ ١٠٢).

خَتَمَ الله عَلَى قُلُوبِهِم : شَهِدَ عَليهَا كَما يختمُ الشّاهِدُ ، وَجُمْلَة الختمِ أنّهُ اسْتِعَارةٌ ، فَليسَ لأحَد أن يَتَعَلّقَ مِنهُ بِتَأوُّل حَقِيقَة (صحيح)

وقِيل : عَرَضَهُم كَمَا بَدَأ خَلْقَهُم (ص ١١٦)

وقِيل : عَرَضَهُم بعد أن خَلَقَهُم (صحيح)

وَالْفُرْقان مَا فَرَّقَ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ ، وَقيلَ : هُوَ النَّصِيرُ (ص ١٣٣)

٣٧٣

وَالْفُرْقان مَا فَرَّقَ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ ، وَقيلَ : هُوَ النَّصرُ (صحيح)

(وَما ظَلَمُونا) بِكُفْرهِمْ لِلنِّعَمِ (ص ١٣٧)

(وَما ظَلَمُونا) بِكُفْرِانهِمْ لِلنِّعَمِ (صحيح)

فَقالَ موسَى : أمَركُمْ اللهُ بِكَذا ، فَقال أولئك : بَل بِكَذا ، فَحَرَّفوا العِلم ، وخالَفوا موسَى فِيمَا أوْرَد (ص ١٥٥)

فَقالَ موسَى : أمَركُمْ اللهُ بِكَذا ، فَقال أولئك : بَل بِكَذا ، فَحَرَّفوا الكَلِم ، وخالَفوا موسَى فِيمَا أوْرَد (صحيح)

(لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إلاّ أمانِىَّ) أيْ لَيْس عِندَهُم إلاّ أنْ يَتَمَنَّوا أنْ تَكُونُوا مِنْ جُمْلَةِ اليَهود بِالاسْمِ وَالعدد (ص ١٥٦)

(لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إلاّ أمانِىَّ) أيْ لَيْس عِندَهُم إلاّ أنْ يَتَمَنَّوا أنْ يَكُونُوا مِنْ جُمْلَةِ اليَهود بِالاسْمِ وَالعدد (صحيح)

وكَانتْ زكاةُ أمْوالِهِم قُرباناً يَهْبِطُ إلَيهِ النَّار فَتأكُله (ص ١٥٩)

وكَانتْ زكاةُ أمْوالِهِم قُرباناً تَهْبِطُ إلَيهِ النَّار فَتأكُله (صحيح)

٣٧٤

من ذخائر التراث

٣٧٥
٣٧٦

رسالة في

عدد أولاد أمير المؤمنين عليه‌السلام

من

الحديقة الغنّاء

للعلاّمة السيّد محمّد صادق بحر العلوم

المتوفى سنة (١٣٩٩ هـ)

تحقيق

عبد الرضا الروازق

٣٧٧
٣٧٨

مقـدّمة التحقيـق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا يبلُغ مدحَته القائلونَ ، ولا يُحصي نعماءه العادّونَ ، ولا يُؤدّي حقَّه المجتهدونَ(١).

وصلّى الله على أنبيائه الذين استَودَعَهُم في أفضل مستودع ، وأقرّهم في خير مُستقرٍّ ، تناسختهم كرائمُ الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام ، كلّما مضى منهم سَلَفٌ قام منهم بدين الله خَلَفٌ ، حتّى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فأخرجهُ من أفضل المعادن منبتاً ، وأعزّ الأرومات مغرساً ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه ، وانتخب منها أمناءه(٢).

وسلام الله على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أغصان تلك الشجرة المباركة

__________________

(١) نهج البلاغة : ٣٩/ خ١.

(٢) نهج البلاغة : ١٣٩/ خ ٩٤.

٣٧٩

الطيّبة ، التي وصفها النبيُّ (صلى الله عليه وآله) لعليٍّ عليه‌السلام فقال له :

«يا عليُّ خلقتُ من شجرة وخلقتَ منها ، وأنا أصلها وأنت فرعها ، والحسن والحسين أغصانها ، ومحبّونا أوراقها ، فمن تعلّق بشيء منها أدخله الله الجنَّة»(١).

فرغبت التعلّق بإحدى أغصان تلك الشجرة النبوية المباركة ، لعلّي أحظى بثواب ربّي وأكون واحداً من أوراقها ، وذلك من خلال ما يمكن تقديمه من خدمة أو إظهار محبّة ، ولله درّ من قال :

ياحبّذا دوحة في الخلد نابتة

ما مثلها نبتت في الخلد من شجر

المصطفى أصلها والفرع فاطمة

ثمّ اللقاح عليٌّ سيّد البشر

والهاشميّان سبطاه لها ثمرٌ

والشيعة الورق الملتفُّ بالثمر

هذا مقال رسول الله جاء به

أهل الرواية في العالي من الخبر

إنّي بحبِّهم أرجو النجاة غداً

والفوز في زمرة من أفضل الزمر(٢)

ولا شيء لديِّ أقدِّمه وأرجوا ثوابه سوى تحقيق جزء بسيط من الحديقة الغنّاء ، وهي نسخة خطّية قيّمة للعلاّمة الكبير المرحوم السيّد محمّد صادق بحر العلوم طاب ثراه ، كتبها بخطّه الشريف ، وبقلمه الجميل ، وأضاف عليها بعض التعليقات في هوامش وحواشي صفحاتها ، وهي مودعة لدى

__________________

(١) ينابيع المودّة ٢/٢٦٨.

(٢) الشاعر هو أبويعقوب البصري أو البصراني ، بشارة المصطفى(صلى الله عليه وآله) لشيعة المرتضى عليه‌السلام ٧٦/٨ ، وفي الغدير ٣/٨ النصراني.

٣٨٠