مجمع الفوائد

آية الله المنتظري

مجمع الفوائد

المؤلف:

آية الله المنتظري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر سايه
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-5918-39-1
الصفحات: ٤٩٤

والجواب عن الحديث أيضا أولا ما مرّ من كون الجحد هو الإنكار مع العلم وثانيا جريان الاحتمالات الأربعة فيه.

الحديث الخامس : خبر موسى بن بكر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الكفر والشرك أيّهما أقدم؟

قال : فقال لي : «ما عهدي بك تخاصم الناس ، قلت : أمرني هشام بن سالم أن أسألك عن ذلك ، فقال لي : الكفر أقدم وهو الجحود» الحديث. (١)

وموسى بن بكر واقفي والأمر في سهل سهل كما ذكر في محله.

والجواب ما مرّ من أن الجحود الإنكار مع العلم لا مطلقا وليس في الحديث اسم من الضروري.

الحديث السادس : صحيحة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «كل شيء يجرّه الإقرار والتسليم فهو الإيمان وكل شيء يجرّه الإنكار والجحود فهو الكفر» (٢).

والجواب أولا أن الكفر فيه مقابل الإيمان لا الإسلام وثانيا ما مرّ في معنى الجحود.

الحديث السابع : خبر أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله ـ عزوجل ـ قال : «الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه ، فمنها كفر الجحود والجحود على وجهين» الحديث (٣).

والحديث مفصل وحاصله أن الكفر في القرآن خمسة أوجه : الأوّل الجحود بالربوبية ، الثاني الجحود على معرفة وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق ، الثالث كفر النعم ، الرابع ترك ما أمر الله به ، الخامس كفر البراءة.

والجواب أن كفر منكر الربوبية واضح والجحود أيضا مرّ معناه والأقسام الثلاثة الأخر لا أثر فقهي لها.

الحديث الثامن : صحيحة بريد العجلي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن أدنى ما يكون العبد به مشركا قال : فقال : «من قال للنواة : إنها حصاة وللحصاة : إنها نواة ثم دان به» (٤).

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٨٥ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الكفر.

(٢) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٨٧ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الكفر.

(٣) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٨٩ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب وجوه الكفر.

(٤) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٩٧ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الشرك.

٤٨١

والجواب أولا أن المسؤول عنه حيثية الشرك لا الكفر وثانيا أن لازم الحديث باطلاقه كفاية إنكار كل حكم للحكم بالشرك ضروريا كان أم لا عن علم او عن جهل تقصيرا او قصورا ولا يقول به أحد فيجب أن يحمل على الإنكار عن علم أو على كون الشرك ذا مراتب وليست كل مرتبة منه موجبة للكفر بالاصطلاح الفقهي فتدبر.

هل مرتكب الكبيرة كافر؟

الحديث التاسع : موثقة مسعدة بن صدقة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :

«الكبائر : القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله والأمن من مكر الله وقتل النفس التي حرّم الله وعقوق الوالدين وأكل مال اليتيم ظلما وأكل الربا بعد البينة والتعرّب بعد الهجرة وقذف المحصنة والفرار من الزحف ، فقيل له : أرأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها ، أتخرجه من الايمان ، وان عذب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين أوله انقطاع؟

قال : يخرج من الإسلام إذا زعم انها حلال ولذلك يعذّب أشدّ العذاب وإن كان معترفا بأنها كبيرة وهي عليه حرام وأنه يعذب عليها وأنها غير حلال ، فانه معذّب عليها وهو أهون عذابا من الأوّل ويخرجه من الإيمان ولا يخرجه من الإسلام» (١).

والرواية صريحة في أن مرتكب الكبيرة مع الاعتراف بها لا يكون كافرا فيجب أن يحمل ما دلّ على كفر العاصي او مرتكب الكبيرة على إرادة بعض مراتب الكفر غير المضرة بإسلام الشخص ، وحيث إن مورد هذا الفرض أعني فرض الاعتراف هو صورة علم الشخص بكونها كبيرة يكون مورد الفرض الأوّل أعني صورة زعم الحلية وإنكار الحرمة أيضا صورة العلم فيرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة قهرا.

وقد يتوهم أن إسناد الفعل إلى الفاعل المختار ظاهر في التفات الفاعل إلى العنوان الذي ينطبق على هذا الفعل ويكون موضوعا للحكم في لسان الدليل فاذا قلنا : «فلان ارتكب كبيرة» يكون ظاهرا في ارتكابه لها ملتفتا إلى كونها كبيرة وإذا قلنا : «فلان شرب خمرا» يكون ظاهرا في شربه له ملتفتا إلى كونه خمرا.

وفيه أن الإسناد وإن دلّ على وقوع الفعل عن الفاعل عن علم واختيار في مقابل الفاعل

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٢٨٠ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الكبائر.

٤٨٢

في النوم أو عن إكراه ، ولكن لا ظهور له في التفات الفاعل إلى العنوان الذاتي لموضوع فعله فاذا قلنا : «شرب زيد خمرا» يكون الإسناد ظاهرا في الشرب مع العلم والاختيار وأما التفاته إلى كون المشروب خمرا فدلالة الإسناد عليه ممنوعة وكون الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية لا يلازم التفات الفاعل إليه وإلّا فلو كان المشروب خمرا واقعا ولكن الفاعل زعم كونه ماء وشربه يلزم مجازية قولنا حينئذ : «شرب زيد خمرا» وبالجملة فالخمر موضوع للخمر الواقعي لا لمعلوم الخمرية والإسناد أيضا لا يستفاد منه إلّا وقوع الفعل عن علم واختيار وأما التفاته إلى عنوان الخمرية فلا يستفاد هذا.

ولكن في المقام يجب أن يحمل المرتكب للكبيرة في الحديث على مرتكبها مع الالتفات إلى كونها كبيرة إذا المحتملات كما عرفت في شرح الحديث الأوّل أربعة : المرتكب للكبيرة مطلقا ضرورية أم لا عن علم او عن جهل عن تقصير او عن قصور ، والمرتكب لما هو الكبيرة عند جميع المذاهب والفرق ، والمرتكب لما هو كبيرة وحرام بالضرورة ، والمرتكب لما هو كبيرة عند الفاعل وفي علمه ، وأظهر الاحتمالات وان كان هو الأوّل ولكنه لا يمكن الالتزام به ولا يلتزم به أحد فيدور الأمر بين الثلاثة الأخر وأظهرها الأخير ويؤيده ما مرّ من كون مورد الاعتراف أيضا صورة العلم ولو سلّم بقاء الترديد بطل الاستدلال فحملها على ما هو حرام وكبيرة بالضرورة لا دليل عليه.

الحديث العاشر : صحيحة عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام وإن عذّب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدّة وانقطاع؟

فقال عليه‌السلام : «من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الإسلام وعذّب أشدّ العذاب وإن كان معترفا أنه أذنب ومات عليه أخرجه من الإيمان ولم يخرجه من الإسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأوّل» (١). والكلام فيه الكلام في سابقه.

ما هو الفرق بين مرتكب الكبيرة أو الصغيرة في الأخبار؟

فان قلت : إذا كان الملاك كون الإنكار عن علم حتى يرجع إلى إنكار الرسالة فلا يكون

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٢٨٥ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الكبائر.

٤٨٣

فرق بين الكبيرة وغيرها فلم خصّت بالذكر؟

قلت : الكبيرة ذكرت في كلام السّائل ولعله كان مرتكزا في ذهنه ما يعتقده بعض ، من كون فعل الكبائر مخرجا عن الإسلام ، والإمام عليه‌السلام ردّ هذا الاعتقاد. وما احتاطه بعض محشّي العروة من كون إنكار الكبيرة موجبا للكفر فمأخذه هذان الحديثان وليس الملاك حينئذ عنوان الضروري بل عنوان الكبيرة وبينهما عموم من وجه وقد عرفت جريان الاحتمالات الاربعة في الحديثين فيمكن حملهما على صورة الإنكار عن علم كما كان الاعتراف أيضا في مورد العلم.

وقد تلخص مما ذكرنا في جواب الروايات التي ربما يتوهم دلالتها على كون إنكار الضروري بنفسه موجبا للكفر أولا أن الكفر في كثير منها ذكر في مقابل الإيمان لا الإسلام وثانيا اشتمال اكثرها على لفظ الجحود وهو يختص بصورة الإنكار عن علم وثالثا أن المحتملات فيها أربعة وأظهرها بحسب الإطلاق الأوّل ، ولكن حيث لا يلتزم به أحد يكون أظهر الثلاثة الباقية ، الأخير أعني صورة كون الإنكار عن علم ولو منعت الأظهرية بطل الاستدلال مع الاحتمال فلا دليل على خصوص عنوان الضروري.

الاستدلال للمسألة بأخبار أخر ونقده

وهنا ثلاث روايات أخر تشتمل على مضمون آخر ربما يتفاوت مع ما سبق :

الأولى : رواية زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا» (١).

ولا يخفى ان المراد بالعباد في الحديث ليس مطلق العباد بل الذين لهم سابقة الإسلام ولكن قد يعرض لهم شبهات في بعض المسائل وهذا كثير ولا سيما للشبّان في أعصارنا وليس المراد بالجهل الجهل المطلق وإلّا لم يناسب الجحد فانه الإنكار عن علم كما عرفت ، فالمراد أن المسائل التي يعلم الإنسان إجمالا بكونها من الدين ولكن يعرض له بسبب إلقاء الشيطان شبهة آنية فيها لو لم ينكرها الإنسان جزما بل توقف فيها مقدمة للسؤال والتفحّص لم يخرج بذلك من الدين ، والإنسان لا يخلو غالبا من شك ومن يهتم بذلك ويتعقبه بالسؤال و

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٨٨ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الكفر.

٤٨٤

الاستفهام كان ذلك من كمال ايمانه كما في بعض الأحاديث.

الثانية : رواية محمد بن مسلم قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام جالسا عن يساره وزرارة عن يمينه فدخل عليه أبو بصير فقال : يا أبا عبد الله ما تقول فيمن شك في الله؟ فقال : «كافر يا أبا محمد ، قال : فشك في رسول الله؟ فقال : كافر ، قال : ثم التفت إلى زرارة فقال : إنما يكفر إذا جحد» (١).

ويظهر من سابقها موردها والمراد منها.

الثالثة : خبر أبي اسحاق الخراساني قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول في خطبته : «لا ترتابوا فتشكّوا ولا تشكّوا فتكفروا.» (٢)

والظاهر ان الشك أمر غير اختياري غالبا ولكن الارتياب يطلق فيما إذا أوجد الإنسان باختياره مقدمات شكّه وترديده ، ولعل المراد أن الارتياب يتعقبه الشك والشك قد يتعقبه الكفر لا أن الشك بنفسه كفر.

وكيف كان فسنخ الروايات الثلاث يخالف سنخ ما سبق.

ما هو المختار في المسألة؟

وقد ظهر إلى هنا عدم الدليل على موضوعية إنكار الضروري وكونه بنفسه موجبا للكفر ، ولذا قال في طهارة العروة :

«مع الالتفات إلى كونه ضروريا بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة ، والأحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقا» (٣)

وعلقت عليه سابقا حينما كنت في السجن «لا دليل على عنوان الضروري ، نعم الأحوط الاجتناب عن منكر المعاد وكذا عمن ارتكب كبيرة من الكبائر وزعم أنها حلال ودان بذلك إذا لم يكن عن قصور»

والآن أقول لا يلزم رعاية الاحتياط في غير منكر المعاد إلا إذا رجع إلى إنكار الرسالة.

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٩٩ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الشك.

(٢) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٩٩ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الشك.

(٣) العروة الوثقى ، ج ١ ، ص ٦٧.

٤٨٥

ولنذكر هنا بعض الفتاوى التي ربما يستفاد منها إيجاب إنكار الضروري للكفر والقتل :

ففي باب الذبائح من المقنعة :

«ويجتنب الأكل والشرب في آنية مستحلّي شرب الخمر وكل شراب مسكر.» (١)

وفي الخلاف (ـ كتاب المرتد المسألة ٩) :

«من ترك الصلاة معتقدا أنها غير واجبة كان كافرا يجب قتله بلا خلاف». (٢)

وفي النهاية :

«من شرب الخمر مستحلا لها حلّ دمه ... ومن استحل الميتة أو الدم أو لحم الخنزير ممّن هو مولود على فطرة الإسلام فقد ارتد بذلك عن دين الإسلام ووجب عليه القتل بالإجماع». (٣)

وفي صوم المعتبر :

«من أفطر مستحلا فهو مرتدّ إن كان ممن عرف قواعد الإسلام». (٤)

فالعبارات السابقة مطلقة ولكن المحقق قيّد الحكم بمن عرف قواعد الإسلام مع أنّه في شرائعه أطلق كون إنكار الضروري موجبا للكفر مطلقا والظاهر أن مراد المطلقين أيضا صورة العلم والمعرفة نعم لا نأبي كما عرفت أن تكون ضروريّة الحكم أمارة على العلم ما لم ينكشف الخلاف ، هذا ما عندنا هنا ومحل تفصيل المسألة كتاب الطهارة فراجع. (٥)

الفائدة الرابعة :

هل الكفار مكلفون بالفروع؟

«الكافر هل تجب عليه الزكاة؟ وقد تعرض سماحة الأستاذ ـ دام ظلّه ـ بمناسبة هذه المسألة لمسائل خمس وأشار في خلالها إلى مباحث أصوليّة وكلاميّة.» (٦)

__________________

(١) المقنعة ، ص ٥٨١.

(٢) الخلاف ، ج ٥ ، ص ٣٥٩.

(٣) النهاية ، ص ٧١٣.

(٤) المعتبر ، ج ٢ ، ص ٦٨١.

(٥) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ١١ إلى ٢١.

(٦) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ١٢٥.

٤٨٦

هنا مسائل خمس :

الأولى : هل الكفار مكلفون بالفروع أم لا؟

الثانية : هل تصحّ منهم من حال الكفر؟

الثالثة : هل للإمام او نائبه أخذ الزكاة منه قهرا؟

الرابعة : هل يضمنها إذا أتلفها؟

الخامسة : هل تسقط منه بالإسلام؟ وقد تعرّض المصنّف لأربع منها في هذه المسألة وللخامسة في المسألة التالية.

اما المسألة الأولى فنقول : المشهور بيننا أن الكفار مكلفون بالفروع كما أنهم مكلّفون بالأصول.

بل ادعي عليه الإجماع في الكتب الأصولية والفقهية ، واما أهل الخلاف ففيهم الخلاف في المسألة.

قال في التذكرة :

«أما الكافر فان الزكاة وان وجبت عليه عندنا لأنّه مخاطب بالفروع وبه قال الشافعي خلافا لأحمد وأبي حنيفة إلّا انه لا يصح منه أدائها حال كفره فاذا أسلم سقطت عنه وان كان النصاب موجودا لأنها عبادة فسقطت بإسلامه لقوله عليه‌السلام : «الإسلام يجبّ ما قبله ويستأنف الحول حين الإسلام». (١)

وفي المعتبر :

«تجب الزكاة على الكافر وان لم يصح منه أدائها ، أما الوجوب فلعموم الأمر واما عدم صحة الأداء فلأنّ ذلك مشروط بنية القربة ولا تصح منه ولا قضاء عليه لو أسلم لقوله عليه‌السلام : «الإسلام يجبّ ما قبله ويستأنف لماله الحول عند إسلامه». (٢)

وفي الشرائع :

«والكافر تجب عليه الزكاة لكن لا يصح منه أداؤها». (٣)

وفي الخلاف (المسألة ٩٨) :

__________________

(١) التذكرة ، ج ١ ، ص ٢٠٤.

(٢) المعتبر ، ج ٢ ، ص ٤٩٠.

(٣) الشرائع ، ج ١ ، ص ١٠٧.

٤٨٧

«إذا ارتد الإنسان ثم حال عليه الحول ... وأيضا جميع الآيات المتناولة لوجوب الزكاة تتناول الكافر والمسلم فمن خصّها فعليه الدلالة». (١)

وتعرض للمسألة في النهاية والمبسوط أيضا هذا.

وفي الفقه على المذاهب الأربعة :

«من شروطها الإسلام فلا تجب على الكافر ، سواء كان أصليا او مرتدا وإذا أسلم المرتدّ فلا يجب عليه إخراجها زمن ردته عند الحنفية والحنابلة. المالكية قالوا الإسلام شرط للصحة لا للوجوب فتجب على الكافر وان كانت لا تصح إلّا بالإسلام وإذا أسلم فقد سقطت بالإسلام لقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) ولا فرق بين الكافر الأصلي والمرتد. الشافعية قالوا :

تجب الزكاة على المرتد وجوبا موقوفا على عوده الى الإسلام فان عاد إليه تبين أنها واجبة عليه لبقاء ملكه ...» (٢)

وبالجملة المشهور بيننا بل المجمع عليه بين قدماء أصحابنا كون الكفار مكلفين بالفروع.

الاستدلال للمسألة بوجوه

وأستدل له بوجوه :

الأوّل : الإجماع فإن مخالفة بعض المتاخرين لا يضر.

الثاني : آيات من الكتاب العزيز كقوله ـ تعالى ـ في سورة فصّلت : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ)(٣).

وفي سورة المدّثر : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ). (٤)

وفي سورة الحجر : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(٥).

__________________

(١) الخلاف ، ج ٢ ، ص ١٠٧.

(٢) الفقه على المذاهب الاربعة ، ج ١ ، ص ٥٩١ ، كتاب الزكاة.

(٣) سورة فصلت (٤١) ، الآيتين ٦ و٧.

(٤) سورة المدّثر (٧٤) ، الآيات ٤٢ الى ٤٦.

(٥) سورة الحجر (١٥) ، الآيات ٩٢ الى ٩٤.

٤٨٨

وفي سورة القيامة : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى)(١).

الثالث : اطلاقات وعمومات أدلة الأحكام

مثل قوله ـ تعالى ـ في سورة آل عمران : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٢) مثلا.

الرابع : أن الأحكام التي يدرك العقل حسنها أو قبحها كوجوب رد الوديعة وحرمة الظلم فالعقل يحكم بعمومها إذ لا تخصيص في الأحكام العقلية وكذلك الواجبات التوصلية لكون المقصود من الطلب فيها صرف حصول متعلقاتها في الخارج.

وأما الواجبات الضرورية فيستفاد عمومها لكافة العباد من أخبار مستفيضة كخبر عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : سمعته يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الدين الذي افترض الله على العباد ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره ما هو؟ فقال : «شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا وصوم شهر رمضان والولاية». (٣)

وخبر سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن الفرائض التي افترض الله على العباد ما هي؟ فقال عليه‌السلام : «شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة الخمس وإيتاء الزكاة وحجّ البيت وصيام شهر رمضان والولاية ...» (٤). فيقال بالعموم في ساير الأحكام أيضا بعدم الفصل فتدبر.

الخامس : صحيحة البزنطي وخبره عن الرضا عليه‌السلام ففي الأولى : «وما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر قبّل أرضها ونخلها ... وقد قبّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر. الحديث» (٥).

وفي الثاني : «وما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر قبّل سوادها وبياضها ... وقد قبّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر قال : وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم» (٦)

__________________

(١) سورة القيامة (٧٥) ، الآيتين ٣١ و٣٢.

(٢) سورة آل عمران (٣) ، الآية ٩٧.

(٣) الوسائل ، ج ١ ، ص ١١ ، الباب ١ من أبواب مقدمة العبادات ، الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ، ج ١ ، ص ١٢ ، الباب ١ من ابواب مقدمة العبادات ، الحديث ١٧.

(٥) الوسائل ، ج ١١ ، ص ١١٩ ، الباب ٧٢ من ابواب جهاد العدو ، الحديث ٢.

(٦) الوسائل ، ج ١١ ، ص ١٢٠ ، الباب ٧٢ من أبواب جهاد العدو ، الحديث ١.

٤٨٩

ومن المحتمل جدّا اتحاد الخبرين فيشكل صحة الأولى. وظهور العشر ونصف العشر في الزكاة وكونها غير قبالة الأرض واضح وأهل خيبر كانوا من اليهود وأهل ما يؤخذ بالسيف أيضا من الكفار فيظهر من الخبرين ثبوت الزكاة على الكفار ، فتشكيك البعض فيهما بأن العشر ونصف العشر جزء من قبالة الأرض المجعولة من قبل الإمام لا من باب الزكاة مخالف للظاهر ولا سيما في الثاني ، هذا.

مناقشة عدة من الأعلام في المسألة

فالمسألة بحمد الله واضحة وكانت عندنا مفروغا عنها إلى أن ناقش فيها المحدثان الأسترآبادي والكاشاني ووافقهما في الحدائق وقد ذكر في الحدائق وجوها للنظر فيها :

الأوّل : عدم الدليل وهو دليل العدم.

وفيه كفاية ما ذكرنا من الأدلّة الخمسة.

الثاني : الأخبار الدالة على توقف التكليف على الإقرار والتصديق بالشهادتين.

فمنها صحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال : «إن الله ـ عزوجل ـ بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الناس اجمعين رسولا وحجة لله على جميع خلقه في أرضه فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتبعه وصدّقه فان معرفة الإمام منا واجبة عليه ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما ....» (١)

فإنه متى لم تجب معرفة الإمام قبل الإيمان بالله ورسوله فبطريق الأولى معرفة الفروع المتلقاة من الامام.

وفي الوافي بعد نقل الصحيحة :

«وفي هذا الحديث دلالة على أن الكفار ليسوا مكلفين بشرائع الإسلام كما هو الحق خلافا لما اشتهر بين متأخري أصحابنا» (٢).

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ١ ، ص ١٨٠ ، باب معرفة الامام ، الحديث ٣.

(٢) الوافي ، ج ٢ ، ص ٨٢ ، في ذيل رقم ٥٢٣ ـ ٣.

٤٩٠

ومنها ما رواه القمي في تفسير قوله ـ تعالى ـ : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) عن أبان بن تغلب قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا أبان أترى ان الله ـ عزوجل ـ طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به حيث يقول : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ؟) قلت له : كيف ذلك جعلت فداك فسرّه لي ، فقال : ويل للمشركين الذين أشركوا بالإمام الأوّل وهم بالأئمة الآخرين كافرون يا أبان إنما دعا الله العباد إلى الإيمان به فاذا آمنوا بالله وبرسوله افترض عليهم الفرائض» (١).

ومنها ما رواه في الاحتجاج في احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام على زنديق : «واما قوله : (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) فان الله ـ عزوجل ـ نزّل عزائم الشرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة كما خلق السماوات والأرض في ستة أيام ولو شاء لخلقها في أقل من لمح البصر ولكنه جعل الاناة والمداراة امثالا لأمنائه وإيجابا للحجة على خلقه فكان أول ما قيدهم به الإقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة بان لا إله إلّا الله فلما أقروا بذلك تلاه بالاقرار لنبيه بالنبوة والشهادة له بالرسالة فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم الزكاة ثم الصدقات وما يجري مجراها من مال الفيء» (٢)

أقول : اما الخبر الأخير فلا ربط له بمسألتنا فانه في مقام بيان التدرج في نزول الأحكام في صدر الإسلام وهو أمر لا ينكر وإنما البحث في أن الأحكام بعد نزولها بالوحي تخص المسلمين أو تعم الكافرين أيضا.

وأمّا الآخران فأجاب عنهما الشيخ ـ طاب ثراه ـ في مبحث غسل الجنابة من الطهارة بما حاصله بتوضيح وإضافة منا : أنا لا نقول بكون الكفار مخاطبين بالفروع تفصيلا كيف وهم جاهلون بها غافلون عنها وعلى تقدير الالتفات يستهجن خطاب من أنكر الرسول بالإيمان بخليفته وأخذ الأحكام منه بل المراد أن الرسول أرسل إلى كافة الناس وأن المنكر له أيضا مأمور بالإيمان به والايتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه ، فإن آمن وحصل ذلك كله كان مطيعا وإن لم يؤمن ففعل المحرمات وترك الواجبات عوقب عليها كما يعاقب على ترك

__________________

(١) تفسير القمي ، ج ٢ ، ص ٢٦٢.

(٢) الاحتجاج ، ص ٣٧٩ ، طبع النجف الأشرف (دار النعمان).

٤٩١

الإيمان لمخاطبته بها إجمالا وان لم يخاطب بفعل الصلاة وترك الزنا مثلا ، فما هو المدّعى تكليفهم اجمالا وما هو المنفي في الخبرين تكليفهم تفصيلا بخصوص عناوين الفرائض وليس موضوع التكليف عنوان الكافر او المسلم او أشخاصهما ، بل الأحكام تجعل بنحو القضية الحقيقة على العناوين الكلية الشاملة لهما ، كعنوان المستطيع او البالغ العاقل او نحو ذلك ولا يؤخذ في الموضوعات بنحو القيدية إلّا ما هو دخيل في المصالح والمفاسد التي هي ملاكات الأحكام ، وليست القضية الكلية المحصورة الحقيقية عبارة اخرى عن مجموع قضايا جزئية او شخصية بل هي قضية واحدة بملاك واحد وله صدق واحد وكذب واحد ونقيضها سلب هذه الكلية أعني السالبة الجزئية ، فليس الكافر بعنوانه مخاطبا او موضوعا للحكم الشرعي حتى يحكم باستهجان خطابه ، بل الناس بما هم بالغون عاقلون ، مكلفون إجمالا بالإيمان بالله وبالرسول وبجميع ما جاء به من الله ـ تعالى ـ ويشترك فيها الكافر والمسلم والعالم والجاهل بمعنى كونها حجة على الجميع ، غاية الأمر تنجزها على العالم والجاهل المقصر دون القاصر فتدبر.

الثالث من الوجوه التي ذكرها صاحب الحدائق :

«لزوم تكليف ما لا يطاق إذ تكليف الجاهل بما هو جاهل به تصورا وتصديقا عين تكليف ما لا يطاق.»

وفيه أن العلم او التمكن منه شرط للتنجز لا لنفس التكليف لاشتراك العالم والجاهل بقسميه في أصل التكليف كما عرفت آنفا كيف وجعل العلم بالتكليف مأخوذا في موضوعه يستلزم الدور كما حرّر في محلّه.

الرابع : الأخبار الدالة على وجوب طلب العلم كقوله : «طلب العلم فريضة على كل مسلم». فان موردها خصوص المسلم دون مجرد البالغ العاقل.

وفيه ما لا يخفى.

الخامس : اختصاص الخطاب القرآني بالذين آمنوا في بعض الأحكام فيحمل عليه ما ورد بقوله : يا أيها الناس ، حمل المطلق على المقيد.

وفيه أيضا ما لا يخفى.

٤٩٢

وجهان آخران للإشكال في المسألة ونقدهما

فهذه الوجوه الخمسة التي ذكرها في الحدائق. ويضاف إلى ذلك وجهان آخران :

الأوّل : استهجان خطاب الكافر بالله وبرسوله بالفروع الجزئية.

وفيه ما عرفت آنفا من عدم كون الخطاب متوجها إلى خصوص الكافر او المسلم بل الأحكام مجعولة بنحو القضية الحقيقة على العناوين الكلية الواجدة للمصالح او المفاسد المقتضية لها.

الثاني : أنه تكليف بغير المقدور والقدرة من الشرائط العامة للتكاليف. بيان ذلك أنه ستجيء فتواهم بعدم صحة الزكاة ونحوها من العبادات من الكافر وسقوطها منه بعد إسلامه فتكليفه بالزكاة تكليف بما لا يقدر على امتثاله لا في حال كفره ولا بعد إسلامه.

وفيه أن كفره وقع بسوء اختياره فلو لم يختر الكفر اولا كان قادرا على إتيان الزكاة ونحوها والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ولا يرفع العقوبة ولذا نقول بوقوع الحركات الخروجية في الدار المغصوبة مبغوضة ومعاقبا عليها وان اضطر إليها.

نعم يقبح البعث والزجر الفعلي ولكن ملاك الحكم وآثاره من العقوبة ونحوها باقية بعد ما كان قادرا عليه من أول الأمر والقدرة المشترطة في التكليف وان كانت هي القدرة حين العمل ولكن يجب تحصيلها ولو قبل العمل.

هذا مضافا إلى صحة جعل الحكم الوضعي من الجنابة والطهارة وشركة الفقراء في المال فيكون المجعول في المقام تعلق الزكاة وفائدته جواز أخذ الإمام او نائبه قهرا عليه.

وكيف كان فالأقوى في المسألة هو ما اختاره المشهور من عموم الأحكام للكفار أيضا بمعنى عدم أخذ قيد الإسلام في موضوعاتها لعموم ملاكاتها المقتضية لها وإن كان إجرائها خارجا والعمل بها متوقفا على الإسلام ، فالإسلام شرط للواجب لا الوجوب على إشكال في ذلك أيضا كما سيأتي آنفا.

تتمة : أجاب في الحدائق عن الآيات التي ذكرناها بحمل قوله : (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) على المخالفين لا الكفار فيكون المعنى لم نك من اتباع الأئمة كما في تفسير عليّ بن ابراهيم فيكون

٤٩٣

المصلي بمعنى الذي يلي السابق وهكذا الكلام في قوله : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) واما قوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) فمرّ خبر علي بن ابراهيم في تفسيره.

أقول : هذه التفسيرات من قبيل الجري والتطبيق وبيان بطن من بطون القرآن ، وليس لنا رفع اليد عن ظواهر القرآن بسببها ، فانه حجة من قبل الله ـ تعالى ـ وقد أمرنا بالأخذ به وعرض أخبار الأئمة عليهم‌السلام عليه ، فراجع. (١)

الى هنا تمّ ما استخرجناه من المسائل الأصولية والقواعد الفقهية من مؤلّفات سماحة الأستاذ ـ دام ظلّه ـ

(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ١٢٦ إلى ١٣٠.

٤٩٤