مجمع الفوائد

آية الله المنتظري

مجمع الفوائد

المؤلف:

آية الله المنتظري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر سايه
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-5918-39-1
الصفحات: ٤٩٤

الطرق ، فلا مجال له مع العلم بالواقع سواء أصابه أم أخطأه. نعم ، في باب المنازعات يجب التسليم لحكمه ظاهرا على المترافعين حسما لمادّة النزاع كما هو واضح.

وكذلك لا مجال للعمل به إذا علم بتقصير الحاكم في مقدّمات حكمه ، لسقوطه بالتقصير عن أهليّة الحكم ، ولقول الصادق عليه‌السلام في المقبولة : «فإذا حكم بحكمنا.» إذ ليس المراد به العلم بكون حكمه حكمهم عليهم‌السلام وإلّا كان وجوب القبول لذلك لا لأنّه حكمه. بل المراد كون حكمه على أساس حكمهم وموازينه بأن يستند إلى الكتاب والسنّة الصحيحة في قبال من يستند إلى الأقيسة والاستحسانات الظنيّة فلا يصدق ذلك على من قصّر في مبادي حكمه ، بل من غفل عنها ولو كان عن قصور ، فتدبّر.

الفرع الرابع :

الفرق بين فتوى المجتهد وحكم الحاكم

أنّ فتوى المجتهد حجة في حقّه وحقّ مقلّديه دون سائر المجتهدين. وأما حكمه في الهلال ونحوه على فرض حجيّته فلا ينحصر في حقّ مقلّديه بل يعمّ المجتهدين أيضا إذا أذعنوا باجتهاده وجامعيّته لشرائط الحكم وعدم تقصيره في مباديه.

وكذلك حكمه في المرافعات ولو كانت الشبهة حكميّة مختلفا فيها بين الفقهاء كما إذا اختلفا في منجّزات المريض مثلا وأنّها من الأصل أو من الثلث فترافعا إليه فحكم بالأصل مثلا فيكون حكمه نافذا حتّى في حقّ من يرى أنّها من الثلث ، إذ حسم النزاع يقتضي وجوب الأخذ بحكم الحاكم للمترافعين وإن خالف نظر أحدهما اجتهادا أو تقليدا.

وبالجملة فحكم الحاكم نافذ حتّى في حقّ سائر المجتهدين إذ الإمام عليه‌السلام حكم في التوقيع الشريف بكونهم حجّة له عليه‌السلام ، ومن الواضح أنّه لا يجوز لأحد مخالفة حجّة الإمام عليه‌السلام.

ولدلالة المقبولة على وجوب قبوله وحرمة ردّه وأنّ ردّه ردّهم عليهم‌السلام ، وإطلاقه يشمل المجتهد أيضا. ومورد المقبولة هو الشبهة الحكميّة او الأعمّ ، كما لا يخفى على من راجعها.

ولا ينتقض هذا بالفتوى ، فإنّ الفتوى ليس إنشاء لحكم بل هو إخبار عمّا فهمه من الكتاب والسنّة فلا يكون حجّة في حقّ من يقدر على الاستنباط منهما ، فتدبّر.

٤٤١

هذا كلّه مضافا إلى أنّ إمام المسلمين والمنصوب من قبله إذا حكم بحكم لتوحيد كلمة المسلمين وحفظ نظامهم كما هو كذلك في أمر الهلال فليس لأحد أن يفارق جماعتهم ويخالف الإمام والوالي قيد شبر ، مجتهدا كان أو مقلّدا ، كما كان كذلك في عصر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي عصر أمير المؤمنين عليه‌السلام وإلّا لزم اختلال النظام والهرج والمرج ، ولتفصيل المسألة محلّ آخر. (١)

__________________

(١) ولاية الفقيه ، ج ٢ ، ص ٥٩٣ إلى ٦١٠.

٤٤٢

الفصل السادس :

حجية البيّنة والعدل الواحد

والشياع

وهو يشتمل على فوائد :

٤٤٣
٤٤٤

الفائدة الأولى :

حجيّة البينة (١)

فممّا قالوا بحجيّته في إثبات الموضوعات : البيّنة أعني شهادة عدلين إلّا في موارد خاصّة يحتاج فيها إلى شهادة أربع.

واستدلّ لذلك بوجوه :

الأوّل : الإجماع.

وفيه منع ثبوته في غير باب المرافعات إذ المسألة خلافية. ولو سلّم يحتمل كونه مستندا إلى الوجوه الأخر فلا يكون دليلا مستقلا.

قال المحقّق النراقي في أواخر العوائد :

«عائدة : هل الأصل في شهادة العدلين وجوب القبول والعمل بمقتضاها إلّا ما أخرجه الدليل أو عدمه؟

ظاهر أكثر أصحابنا بل صريحهم سيّما المتاخرين منهم الأوّل ، بل ربّما يظهر من بعضهم الإجماع عليه وكون اعتبار قولهما ثابتا من شريعتنا.

والمحكي عن القاضي عبد العزيز بن البراج ، الثاني واختاره بعض المتاخرين وهو الظاهر من غير واحد من مشايخنا المعاصرين حيث قالوا بعدم ثبوت النجاسة بقول العدلين لعدم دليل على اعتباره عموما ، بل ظاهر السيد في الذريعة والمحقق الأوّل في المعارج ، والثاني في الجعفرية وصاحب الوافية حيث حكموا بعدم ثبوت

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ٣ ، ص ٣٨٥.

٤٤٥

الاجتهاد بشهادتهما لعدم دليل على اعتبارها. وكنت على ذلك منذ أعوام كثيرة ... والحق هو الأوّل.» (١)

وبالجملة فالمسألة كانت خلافيّة.

الدليل الثاني لحجيّة البينة

الثاني وهو العمدة ، موثقة مسعدة بن صدقة : فقد روى الكليني عن علي بن ابراهيم (عن أبيه ـ خ.) عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك. وذلك مثل الثوب يكون (عليك ـ يب) قد اشتريته وهو سرقة ، أو المملوك عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك. والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة.»

ورواه الشيخ أيضا بإسناده عن علي بن إبراهيم. (٢)

والمذكور في التهذيب بطبعيه : علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم. والمتعارف في أسانيد الكافي أيضا كذلك. ولكن في الكافي هنا بعنوان النسخة : «عليّ بن ابراهيم عن أبيه عن هارون بن مسلم.»

وهارون بن مسلم من أصحاب الهادي والعسكري عليهما‌السلام. ومسعدة بن صدقة من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام فرواية هارون عنه بلا واسطة تتوقّف على أن يكون أحدهما طويل العمر. وهارون بن مسلم ثقة.

واختلفوا في مسعدة ، وأكثر المتاخرين على توثيقه. ويؤيّد ذلك كثرة رواياته واعتناء الأصحاب بها وله كتب منها كتاب خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

__________________

(١) العوائد ، ص ٢٧٣.

(٢) الكافي ، ج ٥ ، ص ٣١٣ ، باب النوادر من كتاب المعيشة ، الحديث ٤٠ ؛ والوسائل ، ج ١٢ ، ص ٦٠ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

٤٤٦

ما هو المستفاد من موثقة مسعدة؟

والمستفاد من الحديث أنّ يد البائع على الثوب أو العبد وإقرار العبد بالعبودية وأصالة عدم الانتساب أو الرضاع وإن كانت معتبرة في حدّ ذاتها ولكن إذا قامت البيّنة على خلافها قدّمت عليها فتكون حجّة في إثبات الموضوعات ومقدّمة على غيرها من الأصول والأمارات كالعلم.

وقد صرّح بسريان هذا الحكم في جميع الأشياء ولا محالة يراد بها الموضوعات التي لها أحكام في الشرع نظير الأشياء المذكورة في الحديث.

ومقتضى الإطلاق عدم الفرق في حجيتها بين أن تقوم عند الحاكم أو غيره نظير ما نقول في باب الهلال ، فالحجة نفس البيّنة ولا نحتاج إلى حكم الحاكم عقيبها.

والإشكال في وثاقة مسعدة مرتفع بكثرة رواياته واعتناء الأصحاب بها في فتاويهم فتأمّل.

واحتمال أن يراد بالبيّنة معناها اللغوي أعني الحجة والأمر الواضح لا معناها المصطلح في أعصارنا أعني شهادة العدلين كما في قوله ـ تعالى ـ : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ)(١) وقوله : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ)(٢) بعيد في الغاية ، إذ لو فرض عدم تبادر المعنى المصطلح في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففي عصر الإمام الصادق عليه‌السلام صار اللفظ قالبا لهذا المعنى كما يظهر لك بمراجعة أخبار باب القضاء بكثرتها.

ولو سلّم فلا إشكال في كون المعنى المصطلح من أظهر مصاديق معناها اللغوي بعد أنس الأذهان باعتماد الشارع عليه في باب المخاصمات لإثبات الحقوق ، وعليه كان عمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام وجميع الصحابة والتابعين فتدبّر.

الدليل الثالث لحجيّة البيّنة

الوجه الثالث : إلغاء الخصوصية بل الأولوية القطعيّة من حجيّتها في باب المرافعات و

__________________

(١) سورة هود (١١) ، الآية ١٧.

(٢) سورة البيّنة (٩٨) ، الآية ١.

٤٤٧

المخاصمات إذ من الواضح حجيّة البيّنة في المرافعات وعليها يعتمد القضاة ويحكم بها للمدّعي مع كون المدّعى عليه ذا يد غالبا ـ واليد أمارة عقلائية شرعية ـ ومع كون الأصل معه.

فإذا كانت حجّة مع وجود المعارض ففي غيره تكون حجّة بطريق أولى. وظاهر اعتبار الشارع لها في إثبات الحقوق وأسباب الحدود اعتبارها طريقا إلى الواقع ومحرزا له فيثبت بها اللوازم والملزومات أيضا كسائر الأمارات.

وقد كثرت الأخبار الواردة في إثبات الدعاوي والحقوق وموجبات الحدود بالبيّنات.

وفي صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان. الحديث» (١) اللهم إلّا أن يراد بالبيّنة في كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلق الحجّة كما ربّما يشهد بذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد هذه الجملة : «وبعضكم ألحن بحجّته من بعض. الحديث» هذا. وليست الأيمان في عرض البيّنات إذ اليمين لا يثبت بها الواقع ولا تقبل من المدّعي إلّا في موارد خاصة وإنما يعتمد عليها للنفي قطعا للخصومة بعد ما لم يكن للمدّعي بينة على إثبات حقّه.

كيف؟ وبالبيّنات تسفك الدماء وتباح الأموال وتهتك الأعراض. ولو لا حجيّتها وإحرازها للواقع لم يترتب عليها هذه الآثار المهمّة.

نعم ربّما حدّد الشرع اعتبارها في بعض المقامات ببعض القيود لأهميتها فتراه مثلا اعتبر في الزنا واللواط مثلا كون الشهود أربعة ، واعتبر الذكورة في بعض الموارد دون بعض ، ولكن المستفاد من جميعها اعتبارها طريقا لإحراز الواقع وكاشفا عنه.

وبما ذكرنا يظهر المناقشة فيما قد يقال من أنّ الحجيّة في باب المرافعات لا تقتضي الحجيّة مطلقا إذ المرافعات لا بدّ من حلّها وفصلها لا محالة وإلّا لاختلّ النظام فلعلّ البيّنة جعلت حجّة فيها لذلك كالأيمان.

وجه المناقشة : أنّ الظاهر من أدلة البيّنة في المرافعات وفي أبواب الحدود كونها وسيلة لإثبات الحقوق وموجبات الحدود فهي حجّة مطلقا ولذا يعتمد عليها في فصل القضاء لا أنّها جعلت لفصل القضاء فقط والفرق بينها وبين الأيمان واضح كما مرّ فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ١٦٩ ، الباب ٢ من أبواب كيفيّة الحكم ... ، الحديث ١.

٤٤٨

الدليل الرابع لحجيّة البيّنة

الوجه الرابع : إلغاء الخصوصية من حجيّتها في موارد خاصّة ومنها النسب ونذكر في عدادها بعض الأخبار التي ربّما يستفاد منها الإطلاق ولا دليل قاطع على اختصاصها بباب الترافع :

١ ـ كقوله ـ تعالى ـ في الطلاق : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ). (١)

٢ ـ وقوله في الوصية : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ.)(٢)

٣ ـ وقوله في الدين : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ.)(٣) إذ لو لا حجيّة قولهما كان إشهادهما لغوا ولا دليل على اختصاصهما بصورة الترافع إلى الحاكم فتأمّل.

٤ ـ وفي خبر عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كلّ شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة.» (٤) ولكن عبد الله بن سليمان مجهول الحال.

٥ ـ وفي خبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام قال : قضى عليّ عليه‌السلام في رجل مات وترك ورثة فأقرّ أحد الورثة بدين على أبيه أنّه يلزمه ذلك في حصته بقدر ما ورث ولا يكون ذلك في ماله كلّه. وإن أقرّ اثنان من الورثة وكانا عدلين أجيز ذلك على الورثة ، وإن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا. وكذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت إنما يلزمه في حصته.» (٥)

٦ ـ وبالإسناد قال : قال عليّ عليه‌السلام : «من أقر لأخيه فهو شريك في المال ولا يثبت نسبه ، فإن أقرّ اثنان فكذلك ، إلّا أن يكونا عدلين فيثبت نسبه ويضرب في الميراث معهم.» (٦)

__________________

(١) سورة الطلاق (٦٥) ، الآية ٢.

(٢) سورة المائدة (٥) ، الآية ١٠٦.

(٣) سورة البقرة (٢) ، الآية ٢٨٢.

(٤) الوسائل ، ج ١٧ ، ص ٩١ ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، الحديث ٢.

(٥) الوسائل ، ج ١٣ ، ص ٤٠٢ ، الباب ٢٦ من كتاب الوصايا ، الحديث ٥.

(٦) الوسائل ، ج ١٣ ، ص ٤٠٢ ، الباب ٢٦ من كتاب الوصايا ، الحديث ٦.

٤٤٩

٧ ـ وقال الصدوق : وفي حديث آخر : «إن شهد اثنان من الورثة وكانا عدلين أجيز ذلك على الورثة ، وإن لم يكونا عدلين ألزما ذلك في حصتهما.» (١)

٨ ـ وفي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «إنّما جعلت البيّنات للنسب والمواريث.» (٢)

٩ ـ وفي صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته ، وإن شهد عندك شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه.» (٣)

١٠ ـ وفي صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم ، الحديث» (٤) والأخبار في باب الهلال كثيرة فراجع.

١١ ـ وفي مرسلة يونس عمّن رواه قال : «استخراج الحقوق بأربعة وجوه : بشهادة رجلين عدلين ، الحديث» (٥)

١٢ ـ وفي خبر علقمة عن الصادق عليه‌السلام : «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا او لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا ، الحديث» (٦) والمقصود قبول شهادته جزءا من البيّنة فتدبّر.

١٣ ـ وفي خبر العسكري عليه‌السلام في تفسيره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في قوله ـ تعالى ـ :

(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ). قال : «ليكونوا من المسلمين منكم فإنّ الله إنّما شرّف المسلمين العدول بقبول شهادتهم ، وجعل ذلك من الشرف العاجل لهم ومن ثواب دنياهم.» (٧)

١٤ ـ وقال الصادق عليه‌السلام : «إذا شهد رجل على شهادة رجل فإنّ شهادته تقبل وهي نصف

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ ، ص ٤٠٢ ، الباب ٢٦ من كتاب الوصايا ، الحديث ٧.

(٢) الوسائل ، ج ١٤ ، ص ٦٧ ، الباب ٤٣ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، الحديث ١.

(٣) الوسائل ، ج ٧ ، ص ١٨٣ ، الباب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ٨.

(٤) الوسائل ، ج ٧ ، ص ١٩٩ ، الباب ٦ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١.

(٥) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ١٧٦ ، الباب ٧ من أبواب كيفيّة الحكم ... ، الحديث ٤.

(٦) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٢٩٢ ، الباب ٤١ من أبواب الشهادات ، الحديث ١٣.

(٧) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٢٩٥ ، الباب ٤٢ من أبواب الشهادات ، الحديث ٢٢.

٤٥٠

شهادة وإن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبت شهادة رجل واحد.» وبمضمونه روايات أخر (١).

إلى غير ذلك من الأخبار التي ربّما يعثر عليها المتتبع. هذا.

الاستدلال في العوائد بروايات أخر ونقده

وفي العوائد استدل أيضا بقول الصادق عليه‌السلام لابنه إسماعيل : «فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم» (٢) بتقريب أن الجمع المعرّف واستغراقه أفرادي لا جمعي فالمعنى كل مؤمن شهد عندك فصدّقه خرج المؤمن الواحد بالدليل فيبقى الباقي.

مع أنّ إرادة العموم الجمعي هنا منتفية قطعا لعدم إمكان شهادة جميع المؤمنين بل ولا نصفهم ولا ثلثهم بل ولا عشرهم ولا واحد من ألف منهم.

أقول : الاستدلال بالحديث للشياع أنسب وسيجيء البحث فيه.

واستدل فيه أيضا بالأخبار الكثيرة المصرّحة بجواز شهادة المملوك والمكاتب والصبيّ بعد الكبر واليهودي والنصراني بعد الإسلام والخصيّ والاعمى والأصمّ والولد والوالد والوصيّ والشريك والأجير والصديق والضيف والمحدود إذا تاب وغير ذلك ممّا لا يخفى.

أقول : الظاهر عدم الإطلاق في هذه الأخبار لعدم كونها في مقام البيان فلعلّها ناظرة إلى باب الترافع.

هذا ما عثرنا عليه إجمالا من الأدلّة على حجيّة البيّنة في جميع الأبواب.

وهل يشترط في شهود النسب الذكورة أو يكفي شهادة رجل وامرأتين كما في الأموال؟ وجهان : من عدم كون المقصود بالأصالة المال ومن استتباعه للميراث.

والشيخ في شهادات الخلاف (المسألة ٤) عدّ النسب في عداد ما يعتبر في شهوده الذكورة. (٣) وهكذا صنع في شهادات المبسوط أيضا ولكن قال بعد ذلك : «وقال بعضهم :

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٢٩٨ ، الباب ٤٤ من أبواب الشهادات ، الحديث ٥ و ...

(٢) الوسائل ، ج ١٣ ، ص ٢٣٠ ، الباب ٦ من كتاب الوديعة ، الحديث ١.

(٣) الخلاف ، ج ٣ ، ص ٣٢٦.

٤٥١

يثبت جميع ذلك بشاهد وامرأتين وهو الأقوى إلا القصاص.» (١)

وتفصيل المسألة يطلب من كتاب الشهادات.

الفائدة الثانية :

هل العدل الواحد حجة؟

هذا كلّه في حجيّة البيّنة في المقام وأما العدل الواحد فلم يتعرّض له المصنف في المقام.

وقد يقال بعدم حجيّته في الموضوعات وإن كان حجّة في إثبات الأحكام الشرعية الكليّة.

ويؤيّد ذلك ظهور الموثقة في حصر ما يثبت به الأشياء في الاستبانة والبيّنة ، ولو كان العدل الواحد حجّة كان اعتبار التعدّد في الشاهد لغوا ، وهذا البيان يجري في كلّ مورد كان التعدّد في الشهود معتبرا. هذا.

وفي قبال ذلك ما قد يقال بحجيّته أيضا لقيام سيرة العقلاء في جميع الأعصار والأمصار على العمل بخبر الثقة وعليه استقر بناؤهم عملا في جميع مسائل الحياة.

كيف؟! وإذا كان خبر الثقة حجّة في إثبات الأحكام الشرعية الكليّة مع أهميّتها فالأولويّة القطعيّة تقتضي حجيّته في الموضوعات أيضا.

ويشهد لذلك بإلغاء الخصوصيّة ما دلّ على اعتباره في موارد خاصّة :

١ ـ كموثقة سماعة قال : سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها فحدّثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال : إنّ هذه امرأتي وليست لي بيّنة فقال : «إن كان ثقة فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه.» (٢)

٢ ـ وخبر حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول : إني لم أطأها فقال : «إن وثق به فلا بأس أن يأتيها.» (٣) ونحوه غيره فراجع الباب.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٨ ، ص ١٧٢.

(٢) الوسائل ، ج ١٤ ، ص ٢٢٦ ، الباب ٢٣ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل ، ج ١٤ ، ص ٥٠٣ ، الباب ٦ من ابواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١.

٤٥٢

٣ ـ صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في مسألة عزل الوكيل قال عليه‌السلام : «نعم ، إنّ الوكيل إذا ووكّل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة.» (١)

٤ ـ موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضا فقال لي : إن حدث بي حدث فأعط فلانا عشرين دينارا وأعط أخي بقية الدنانير فمات ولم أشهد موته فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي : إنّه أمرني أن أقول لك : انظر الدنانير التي أمرتك أن تدفعها إلى أخي فتصدّق منها بعشرة دنانير اقسمها في المسلمين ، ولم يعلم أخوه إنّ عندي شيئا. فقال عليه‌السلام : «أرى أن تصدّق منها بعشرة دنانير.» (٢)

٥ ـ ما دلّ على جواز الصلاة بأذان الثقة وأنّ المؤذن مؤتمن. فراجع الوسائل. (٣)

إلى غير ذلك من الروايات التي ربّما يعثر عليها المتتبع.

نقد ما أستدل به لحجية العدل الواحد

أقول : أولا : إن مورد الموثقة صورة وجود اليد في قبال البيّنة فلأحد أن يقول إنّ في مثل هذه الصورة يتعيّن التعدّد في الشاهد ولا يكفي الواحد فليس هذا دليلا على عدم حجيّة العدل الواحد مطلقا فتأمّل.

وثانيا : الحق أنّ بين خبر العدل وخبر الثقة عموما من وجه فحجيّة أحدهما لا تفيد حجيّة الآخر في محلّ افتراقهما.

وثالثا : الظاهر أنّ بناء العقلاء وسيرتهم ليس مبنيّا على التعبّد وإنّما يعملون في أمورهم المختلفة بخبر الثقة إذا حصل لهم الوثوق شخصا بحيث تطمئن النفس وتسكن. والوثوق عند العقلاء مرتبة من العلم والاستبانة.

وأمّا البيّنة فهي حجّة تعبديّة من قبل الشارع وإن لم يحصل بها الوثوق شخصا بل مع

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ ، ص ٢٨٦ ، الباب ٢ من كتاب الوكالة ، الحديث ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٣ ، ص ٤٨٢ ، الباب ٩٧ من كتاب الوصايا ، الحديث ١.

(٣) الوسائل ، ج ٤ ، ص ٦١٨ ، الباب ٣ من أبواب الأذان والإقامة.

٤٥٣

الظنّ بالخلاف أيضا ولذا عطفت في الموثقة على الاستبانة ، وظاهر العطف المغايرة.

ويمكن أن تحمل الأخبار الواردة في موارد خاصّة أيضا على صورة حصول الوثوق شخصا ، إذ تعليق الحجيّة فيها على كون المخبر ثقة أو مسلما صادقا ربّما يشهد بكون الملاك الوثوق بقوله والاطمئنان بصدقه.

وبالجملة فخبر الثقة الذي يحصل الوثوق بقوله حجة عند العقلاء وأمضاها الشرع ويكون من مصاديق الاستبانة عندهم.

وأمّا خبر العدل الواحد إذا لم يحصل الوثوق بقوله لجهة من الجهات فلا دليل على اعتباره بل يظهر من قول الصادق عليه‌السلام : «إذا شهد رجل على شهادة رجل فإنّ شهادته تقبل وهي نصف شهادة وإن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجل واحد» (١) أنّه لا اعتبار بخبر الواحد وحده وكيف كان فاعتباره محلّ تأمّل وإشكال. هذا.

ولكن لأحد أن يقول : إنّ ما ذكرت من اعتبار الوثوق الشخصي في خبر الثقة إنّما هو في الأمور الشخصيّة وأما في الأمور المرتبطة بباب الإطاعة والعصيان والاحتجاج واللّجاج وروابط الموالي والعبيد فالملاك هو الوثوق النوعي كما قالوا في حجيّة الظواهر إذ إناطة الحجيّة في مثلها على الوثوق الشخصي يوجب تخلف العبيد عن الإطاعة باعتذار عدم حصول الوثوق شخصا وهذا يوجب انثلام نظام الاحتجاج والمؤاخذة ، فلو قلنا بحجيّة خبر الثقة فلا بدّ من حمل الوثوق فيه على الوثوق النوعي فتدبّر.

الفائدة الثالثة :

الشياع وفتاوى الشيعة والسنة فيه

«ثم تعرض الشيخ لبحث حجيّة الشياع وأشار الاستاذ ـ دام ظلّه ـ بهذه المناسبة إلى امور ، ثم اختار ما هو الحق عنده :»

١ ـ قال الشيخ في شهادات الخلاف (المسألة ١٥) :

«يجوز الشهادة على الوقف والولاء والعتق والنكاح بالاستفاضة كالملك

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٢٩٨ ، الباب ٤٤ من أبواب الشهادات ، الحديث ٥.

٤٥٤

المطلق والنسب. وللشافعي فيه وجهان : فقال الإصطخري مثل ما قلناه. وقال غيره : لا يثبت شيء من ذلك بالاستفاضة ولا يشهد عليها بذلك. دليلنا إنّه لا خلاف أنّه يجوز لنا الشهادة على أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يثبت ذلك إلّا بالاستفاضة لأنا ما شهدناهنّ. وأمّا الوقف فمبني على التأييد فإن لم يجز الشهادة بالاستفاضة أدى إلى بطلان الوقف لأنّ شهود الوقف لا يبقون أبدا ...» (١)

أقول : المراد بالاستفاضة الشياع المصطلح.

٢ ـ وأفتى الشيخ في قضاء المبسوط بثبوت النسب والملك المطلق والموت والنكاح والوقف والعتق بالاستفاضة.

وأنكر ثبوت الولاية بها إلّا إذا بلغت إلى حدّ يوجب العلم. (٢) ومقتضى كلامه هذا حجيّة الاستفاضة في الستّة المذكورة وإن لم توجب العلم.

٣ ـ وفي قضاء الشرائع :

«تثبت ولاية القاضي بالاستفاضة. وكذا يثبت بالاستفاضة : النسب والملك المطلق والموت والنكاح والوقف والعتق.» (٣)

٤ ـ وفي الشهادات من الشرائع :

«وما يكفي فيه السماع فالنسب والموت والملك المطلق لتعذر الوقوف عليه مشاهدة في الأغلب ويتحقّق كلّ واحد من هذه بتوالي الأخبار من جماعة لا يضمّهم قيد المواعدة أو يستفيض ذلك حتى يتاخم العلم وفي هذا عندي تردّد.» (٤)

أقول : هل يرجع ترديد الشرائع إلى أصل اعتبار الاستفاضة أو إلى جواز الشهادة بها إذا لم تفد العلم؟ ولعل الثاني أظهر.

ويظهر من بعض فقهائنا إلحاق الرق والعدالة بما ذكر فتكون عشرة.

__________________

(١) الخلاف ، ج ٣ ، ص ٣٣١.

(٢) المبسوط ، ج ٨ ، ص ٨٦.

(٣) الشرائع ، ج ٤ ، ص ٧٠ (ـ طبعة اخرى ، ص ٨٦٢)

(٤) الشرائع ، ج ٤ ، ص ١٣٣ (ـ طبعة اخرى ، ص ٩١٨).

٤٥٥

٥ ـ وفي شهادات الجواهر بعد التعرّض للعشر قال :

«بل قيل بزيادة سبعة عشر إليها وهي العزل والرضاع وتضرّر الزوجة والتعديل والجرح والإسلام والكفر والرشد والسفه والحمل والولادة والوصاية والحرّية واللوث والغصب والدين والإعسار.» (١)

٦ ـ وفي الشهادات من مختصر أبي القاسم الخرقي في فقه الحنابلة :

«وما تظاهرت به الأخبار واستقرت معرفته في قلبه شهد به كالشهادة على النسب والولادة.»

أقول : ظاهره اعتبار العلم في الشهادة.

٧ ـ وذيّله في المغني بقوله :

«هذا النوع الثاني من السماع وهو ما يعلمه بالاستفاضة. وأجمع أهل العلم على صحة الشهادة بها في النسب والولادة. قال ابن المنذر : أما النسب فلا أعلم أحدا من أهل العلم منع منه ...

واختلف أهل العلم فيما تجوز الشهادة عليه بالاستفاضة غير النسب والولادة فقال أصحابنا : هو تسعة أشياء : النكاح والملك المطلق والوقف ومصرفه والموت والعتق والولاء والولاية والعزل ، وبهذا قال أبو سعيد الإصطخري وبعض أصحاب الشافعي. وقال بعضهم : لا تجوز في الوقف والولاء والعتق والزوجية لأنّ الشهادة ممكنة فيه بالقطع فإنها شهادة بعقد فأشبه سائر العقود.

وقال أبو حنيفة : لا تقبل إلّا في النكاح والموت ولا تقبل في الملك المطلق ...» (٢)

أقول : لا يخفى أنّ ظاهر أكثر كلمات أصحابنا وكذا ابن قدامة أنّه لا يتوقّف اعتبار الاستفاضة على حصول العلم بسببها وإلا لم يكن مجال للبحث فيها والخلاف في موردها إذ العلم حجة بذاته في أيّ مقام حصل.

نعم لأحد أن يقول بحجيّتها في مقام العمل ولكن لا يجوز الشهادة بمضمونها إلّا إذا حصل العلم كما يأتي من الجواهر.

__________________

(١) الجواهر ، ج ٤١ ، ص ١٣٢.

(٢) المغني ، ج ١٢ ، ص ٢٣.

٤٥٦

حقيقة الشياع وأدلة حجيّته وحدودها

إذا عرفت ذلك فنقول : يقع البحث هنا في أمور :

الأوّل : في تعريف الاستفاضة وبيان حقيقتها.

الثاني : في أدلّة حجيّتها.

الثالث : في أنّه هل تكون حجّة مطلقا او بشرط حصول العلم او بشرط حصول الظن.

أما الأوّل : ففي المسالك : «هي إخبار جماعة لا يجمعهم داعية التواطي عادة يحصل بقولهم العلم بمضمون خبرهم.» (١)

أقول : سيأتي البحث حول كلامه ـ قدس‌سره ـ.

والظاهر أن مقصودهم بالاستفاضة والشياع ليس مجرد جريان المضمون على الألسن والأفواه كما ربّما نراه في الشائعات الاجتماعية التي لا أساس لها ويتداولها الألسن لمصالح سياسيّة بلا تصديق لمضمونها.

بل المقصود شيوع الحكم والتصديق بالنسبة الحكميّة من قبل المخبرين كتصديقهم بأنّ زيدا ابن لعمرو او أنّ الأرض ملك لزيد او وقف على المسجد مثلا ونحو ذلك.

الأمر الثاني : في أدلة حجيّتها فنقول : قد استدلّوا لذلك بوجوه :

الدليل الأوّل ونقده

الأوّل : أنّ هذا السنخ من الأمور ممّا يتعذّر أو يتعسّر غالبا إقامة البيّنة عليها.

قال في المسالك في وجه تخصيص المصنّف اعتبار الاستفاضة بالسبعة المذكورة :

«ووجه تخصيصها من بين الحقوق أنّها أمور ممتدّة ولا مدخل للبيّنة فيها غالبا :

فالنسب غاية الممكن فيه رؤية الولادة على فراش الإنسان لكن النسب إلى

__________________

(١) المسالك ، ج ٢ ، ص ٣٥٤.

٤٥٧

الأجداد المتوفين والقبائل القديمة ممّا لا يتحقّق فيه الرؤية ومعرفة الفراش فدعت الحاجة إلى اعتماد التسامع ...

وأما الملك فإنّ أسبابه متعدّدة ، وتعدّدها يوجب عسر الوقوف عليها فيكتفي فيه بالتسامع أيضا.

وأما الموت فلتعذّر مشاهدة الميّت في أكثر الأوقات للشهود.

والوقف والعتق لو لم يسمع فيهما الاستفاضة لبطلا على تطاول الأوقات لتعذّر بقاء الشهود في مثل الوقف ، والشهادة الثالثة غير مسموعة فمسّت الحاجة إلى إثباتهما بالتسامع.

ومثلهما النكاح فإنّا نعلم أن خديجة زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس مدركه التواتر لأنّ شرطه استواء الطرفين والوسائط في العلم الحسي وهو منفي في الابتداء لأنّ الظاهر أنّ المخبرين لم يخبروا عن المشاهدة بل عن السماع ...» (١) هذا.

وأجاب في مصباح الهدى عن هذا الوجه بأنّه لو تمّ لكان حكمة لتشريع اعتبار الشياع لا طريقا لإثبات اعتباره كما هو المدّعى. (٢)

أقول : مرجع ما ذكره في المسالك إلى ادعاء الانسداد الصغير بدعوى العلم إجمالا بالتكليف ، وعدم إمكان إحراز الموضوع بالعلم ولا بالبيّنة ، والإهمال لا يجوز ، والاحتياط متعسّر أو موجب لاختلال النظام ، فدعت الحاجة إلى إحرازه بالاستفاضة ، ولو فرض تحقّق مقدمات الانسداد بأجمعها لم يكن بدّ من حجّيّتها حكومة أو كشفا فالدليل على هذا تامّ.

ولكن الكلام في تحقق المقدمات بأجمعها إذ على فرض تعذّر العلم الجازم فالوثوق ممّا يمكن تحقّقه غالبا وهو علم عادي يعتمد عليه العقلاء في أمورهم.

ولو سلّم عدم إمكانه فلم لا يرجع إلى الظنّ المطلق ويرجع إلى خصوص الشياع؟

ولو سلّم فلعلّ الواجب في أمثال المقام هو الاحتياط ، وإيجابه لاختلال النظام يمكن منعه فتدبّر.

__________________

(١) المسالك ، ج ٢ ، ص ٣٥٤.

(٢) مصباح الهدى ، ج ١٠ ، ص ٢٩٤.

٤٥٨

الدليل الثاني ونقده

الوجه الثاني : ما يظهر من المسالك أيضا ومحصّله :

«أنّ أدنى مراتب البيّنة لا يحصل بها الظنّ الغالب المتاخم للعلم ، والشياع ربّما يحصل منه ذلك فيكون أولى منها بالحجيّة وإن لم يحصل منه في بعض الأحيان لأنّ مفهوم الموافقة يكفي في المرتبة الدنيا من البيّنة بالقياس إلى الشياع.» (١)

أقول : هذا استدلال عجيب إذ لم يظهر لنا من أدلّة حجيّة البيّنة أنّ وجه اعتبارها إفادتها للظنّ ولا ندري ما هو الملاك في حجيّتها وإطلاق دليل الحجيّة يعمّ صورة الظن بالخلاف أيضا ، ولو سلّم فهي حكمة للجعل لا علّة حتى يتعدى منها فما ذكره أشبه شيء بالقياس الذي لا نقول به.

الدليل الثالث ونقده

الوجه الثالث : السيرة المستمرة في جميع الأعصار على إثبات الأنساب ونحوها بالشياع والاستفاضة فترى العقلاء يحكمون بالتحاق من ينتسب إلى أب او أمّ او طائفة او قبيلة ويرتبون عليه آثاره ، واستقر هذا الأمر من عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير ، ولا طريق لهم في هذا الحكم إلّا الشياع في المحلّ.

أقول : يمكن أن يناقش هذا الوجه أيضا بأنّ العقلاء يحصل لهم غالبا الوثوق والاطمئنان بسبب الشياع إذا لم يسبق عامل تشكيك في البين وكانت أذهانهم باقية على صرافتها ، ففي الحقيقة هم يعملون بوثوقهم الذي هو في حكم العلم عندهم.

وأما إذا سبق في البين عامل تشكيك وحصل لهم الشك واقعا فهل يعتمدون في هذه الصورة أيضا على الشياع بنفسه بحيث يكون أمارة تعبديّة عندهم؟

فيه إشكال بل منع إذ الظاهر أنّ أعمال العقلاء ليست مبنيّة على التعبّد وإنما يعمل كلّ واحد منهم بعلمه ووثوقه.

__________________

(١) المسالك ، ج ٢ ، ص ٣٥٥.

٤٥٩

ولم يعهد من العقلاء تشكيل مجمع تقنيني لجعل أمارات تعبّدية وأصول عقلائية يتعبّدون بها ولو مع عدم حصول العلم والوثوق.

وليس معنى الأخذ بطريق العقلاء أنّ كلّ واحد منهم يقلّد غيره من العقلاء تعبّدا بل المقصود أنّ كلّ واحد منهم يأخذ بما يحكم به عقله ودركه فتدبّر.

الدليل الرابع لحجيّة الشياع

الوجه الرابع : مرسلة يونس التي رواها المشايخ الثلاثة : ففي الكافي : عليّ بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن البيّنة إذا أقيمت على الحقّ أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة إذا لم يعرفهم من غير مسألة؟ قال : فقال : «خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا بها ظاهر الحكم : الولايات والتناكح والمواريث والذبائح والشهادات ، فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه.» (١)

ورواها الشيخ أيضا في موضعين من التهذيب وفي الإستبصار وفيه وفي موضع من التهذيب «أن يأخذوا بها بظاهر الحال.» (٢)

ورواها الصدوق أيضا في الفقيه وفي الخصال وفيهما : «بظاهر الحكم» وذكر في الفقيه بدل المواريث : «الأنساب» وراجع الوسائل أيضا. (٣)

وتقريب الاستدلال بها أنّ المراد بظاهر الحكم هو الحكم الظاهر بين الناس أعني النسبة الحكميّة الشائعة عندهم كقولهم مثلا : هذا هاشمي ، أو هذا ملك لزيد أو وقف على المسجد ونحو ذلك.

وأوضح من ذلك في الدلالة على الشياع ظاهر الحال المذكور في الإستبصار وموضع من

__________________

(١) الكافي ، ج ٧ ، ص ٤٣١ ، باب النوادر من كتاب القضاء والأحكام ، الحديث ١٥.

(٢) التهذيب ، ج ٦ ، ص ٢٨٣ و٢٨٨ ، كتاب القضايا والأحكام ، باب البيّنات ، الحديث ١٨٦ ، وباب الزيادات ... ، الحديث ٥ ؛ والإستبصار ، ج ٣ ، ص ١٣ ، الباب ١ من كتاب الشهادات ، الحديث ٣.

(٣) الفقيه ، ج ٣ ، ص ٩ (ـ طبعة اخرى ، ج ٣ ، ص ١٦) ، الباب ١١ من أبواب القضايا والأحكام ، الحديث ١ ؛ الخصال ، ص ٣١١ ، باب الخمسة ، الحديث ٨٨ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، ص ٢١٢ ، الباب ٢٢ من أبواب كيفيّة الحكم ... ، الحديث ١.

٤٦٠