مجمع الفوائد

آية الله المنتظري

مجمع الفوائد

المؤلف:

آية الله المنتظري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر سايه
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-5918-39-1
الصفحات: ٤٩٤

الإسلام بعد الحول ولو بلحظة فلا زكاة» (١) والظاهر هو سقوط ما تعلق سابقا.

قال في مصباح الفقيه :

«فإن مثل الزكاة والخمس والكفارات وأشباهها من الحقوق الثابتة في الإسلام بمنزلة القدر المتيقن منها كما يؤيد ذلك بل يدل على أصل المدّعى قضاء الضرورة بجريان سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام القائمين مقامه على عدم مؤاخذة من دخل في الإسلام بشيء من هذه الحقوق بالنسبة إلى الأزمنة السابقة». (٢)

وأمّا استيناف الحول وعدم احتساب الشهور السابقة ففيه إشكال فإن الملكية للنصاب متحققة وانقضاء الشهور على النصاب أمر تكويني متحقق فلم لا تتعلق الزكاة بعد ما حال الحول حين الإسلام؟ فالظاهر صحة ما في نهاية الأحكام فتدبّر.

كلام صاحب المدارك في حديث الجبّ ونقده

هذا وقد عرفت أن جبّ الإسلام لما قبله كان أمرا متسالما عليه إلى عصر صاحب المدارك فأنكره هو وصاحبا الذخيرة والمستند.

وما ذكره صاحب المدارك وجها لعدم سقوط الزكاة بعد تضعيف الحديث سندا ومتنا يرجع إلى وجوه ثلاث :

الأوّل : قياس الكافر على المخالف إذا استبصر حيث وردت الأخبار بصحة أعماله إلّا الزكاة.

الثاني : الاستصحاب.

الثالث : أنه يلزم من الحكم بالسقوط عدم صحة تكليفه لامتناع امتثاله حال الكفر وسقوطه بالإسلام.

هذا وقد عرفت إمكان أن يدعى تواتر الحديث إجمالا وكذا مفاده ودلالته ، والقياس باطل والأولوية ممنوعة ، والاستصحاب لا يجري مع الدليل ، والامتناع بالاختيار لا ينافي

__________________

(١) الجواهر ، ج ١٥ ، ص ٦٢ ونهاية الاحكام ، ج ٢ ، ص ٣٠٨.

(٢) مصباح الفقيه ، ج ٣ ، ص ١٧.

٤٢١

الاختيار والمدار في صحة التكليف تمكن المكلف ولو بترتيب مقدماته من قبل والكافر كان متمكنا حال بلوغه من الإسلام وإتيان ما جاء به النبي ومنه الزكاة. وعدم إمكان البعث او الزجر الفعلي لا ينافي وقوع الترك او الفعل مبغوضا عليه كما في الحركات الخروجية في الدار المغصوبة لمن توسطها بسوء اختياره.

بقي هنا شيء وهو أن يقال إنّ جبّ الإسلام لما قبله وقع في سياق جبّ التوبة لما قبلها وهدم الحج لما قبله ونحو ذلك وواضح أن الحج أو التوبة لا تجبّ مثل الزكاة ونحوها من الحقوق الواجبة.

وفيه أن عدم الأخذ بظاهر الدليل في بعض الموارد بدليل لا يوجب رفع اليد عن ظاهر غيره فاللازم الحكم بجبّ الإسلام لجميع التخلّفات المتحققة حال الكفر إلّا لما ثبت بالدليل عدم جبّه له فتدبر.

وقد طال البحث عن المسألة فأرجو العفو من القرّاء الكرام وألتمس منهم الدعاء. (١)

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ١٣٧ إلى ١٤٥.

٤٢٢

الفصل الخامس :

ثبوت الهلال

بحكم الإمام والوالي

وهو يشتمل على فوائد وفروع :

٤٢٣
٤٢٤

الفائدة الأولى :

الاقوال في ثبوت الهلال بحكم الامام والوالي

«محل البحث وإن كان ثبوت الهلال بحكم الحاكم وعدمه ، ولكن إطار البحث وسيع يشمل جميع الموضوعات التي يمكن أن يحكم الحاكم فيها حكما ولائيا. فهذا كالبحث عن حجية فتوى المجتهد في حق مقلّديه كان بحثا اصوليّا ويشتمل على حجية حكم الحاكم في الموضوعات ، وأنها حجة مطلقا ، او في حق مقلّديه فقط؟

وهل كانت مقيدة بحصول الوثوق الشخصي ، او بعدم الظن أو الوثوق بخلافه؟» (١)

أقول : يثبت الهلال عندنا بالرؤية ، وبالشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان ، بل بالعلم من أيّ طريق حصل ، وبشهادة عدلين إجمالا وإن لم تكن عند الحاكم ، وبمضيّ ثلاثين من الشهر السابق ، وكذا بحكم الإمام المعصوم بلا إشكال.

وهل يثبت بحكم الحاكم الشرعي غير المعصوم مطلقا ، أو لا يثبت مطلقا ، أو يفصّل بين ما إذا ثبت له بشاهدين وبين ما إذا ثبت له برؤيته أو بعلمه؟

وعلى فرض الثبوت فهل يقتصر فيه على الإمام والوالي الأعظم أو يكفي الفقيه المنصوب من قبله لعمل أو قضاء ، أو يكفي في ذلك أيّ فقيه كان وإن لم يكن متصدّيا لعمل أو قضاء؟ في المسألة وجوه.

قال في الحدائق ما ملخّصه :

«قد صرّح جملة من الأصحاب منهم العلّامة وغيره بأنه لا يعتبر في ثبوت

__________________

(١) ولاية الفقيه ، ج ٢ ، ص ٥٩٣.

٤٢٥

الهلال بالشاهدين في الصوم والفطر حكم الحاكم ؛ بل لو رآه عدلان ولم يشهدا عند الحاكم وجب على من سمع شهادتهما وعرف عدالتهما الصوم أو الفطر ...

والظاهر أنّ هذا الحكم لا ريب فيه ولا إشكال. وإنما الإشكال في أنّه هل يجب على المكلف العمل بحكم الحاكم الشرعي متى ثبت ذلك عنده وحكم به أم لا بدّ من سماعه بنفسه من الشاهدين؟

ظاهر الأصحاب الأوّل بل زاد بعضهم كما سيأتي الاكتفاء برؤية الحاكم الشرعي. ويظهر من بعض أفاضل متأخري المتاخرين العدم ، قال : إنّه لا يجب على المكلف العمل بما ثبت عند الحاكم الشرعي هنا ، بل إن حصل الثبوت عنده وجب عليه العمل بمقتضى ذلك وإلّا فلا. وظاهر كلامه إجراء البحث في غير مسألة الرؤية أيضا ، حيث قال : فلو ثبت عند الحاكم غصبيّة الماء فلا دليل على أنّه يجب على المكلّف الاجتناب عنه ، وكذا لو حكم بأنّه دخل الوقت في زمان معين.» (١)

انتهى كلام الحدائق.

أقول : ظاهر إسناده القول الأوّل إلى ظاهر الأصحاب كونه مشهورا عندهم ، ولكنّه ـ قدس‌سره ـ بعد التعرّض لأدلّته والمناقشة فيها قال : «المسألة عندي موضع توقّف وإشكال.»

والفاضل النراقي أيضا تعرّض للمسألة في المستند وتبع الحدائق في الإشكال فيها بل قوّى العدم. (٢)

وقال الشهيد في الدروس :

«وهل يكفي قول الحاكم وحده في ثبوت الهلال؟ الأقرب نعم.» (٣)

وظاهر كلامه عدم الفرق بين أنحاء مستند الحكم فيشمل رؤية الحاكم وعلمه أيضا.

وفي المدارك :

__________________

(١) الحدائق الناضرة ، ج ١٣ ، ص ٢٥٨.

(٢) مستند الشيعة ، ج ٢ ، ص ١٣٢.

(٣) الدروس ، ص ٧٧.

٤٢٦

«هل يكفي قول الحاكم الشرعي وحده في ثبوت الهلال؟ فيه وجهان : أحدهما نعم ، وهو خيرة الدروس لعموم ما دلّ على أنّ للحاكم أن يحكم بعلمه ، وبأنّه لو قامت عنده البيّنة فحكم بذلك وجب الرجوع إلى حكمه كغيره من الأحكام ، والعلم أقوى من البيّنة ، ولأنّ المرجع في الاكتفاء بشهادة العدلين وما يتحقّق به العدل (العمل. ظ) إلى قوله فيكون مقبولا في جميع الموارد. ويحتمل العدم لإطلاق قوله عليه‌السلام : «لا أجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين.» (١)

وظاهر كلامه المفروغية من الثبوت بحكمه المستند إلى شهادة العدلين.

وفي كفاية السبزواري :

«وفي قبول قول الحاكم الشرعي وحده في ثبوت الهلال وجهان : أحدهما نعم وهو خيرة الدروس وهو غير بعيد.» (٢)

وفي كشف الغطاء :

«سادسها : حكم الفقيه المجتهد المأمون بالنسبة إلى مقلّديه سواء حكم برؤية أو بيّنة أو غيرهما.» (٣)

وفي الجواهر :

«كما أنّ الظاهر ثبوته بحكم الحاكم المستند إلى علمه ، لإطلاق ما دلّ على نفوذه وأنّ الرادّ عليه كالرادّ عليهم عليهم‌السلام من غير فرق بين موضوعات المخاصمات وغيرها كالعدالة والفسق والاجتهاد والنسب ونحوها.» (٤)

وفي العروة الوثقى في بيان طرق ثبوت هلال رمضان وشوال قال :

«السادس : حكم الحاكم الذي لم يعلم خطأه ولا خطأ مستنده.» (٥)

ولم يفرّق بين كون مستند حكمه البيّنة أو الرؤية أو غيرهما.

وفي الفقه على المذاهب الأربعة :

__________________

(١) مدارك الاحكام ، ص ٣٧٠.

(٢) كفاية الأحكام ، ص ٥٢.

(٣) كشف الغطاء ، ص ٣٢٥.

(٤) جواهر الكلام ، ج ١٦ ، ص ٣٥٩.

(٥) العروة الوثقى ، ج ٢ ، ص ٢٢٤ ، كتاب الصوم ، فصل في طرق ثبوت هلال رمضان وشوال.

٤٢٧

«لا يشترط في ثبوت الهلال ووجوب الصوم بمقتضاه على الناس حكم الحاكم ، ولكن لو حكم بثبوت الهلال بناء على أيّ طريق في مذهبه وجب الصوم على عموم المسلمين ولو خالف مذهب البعض منهم ، لأنّ حكم الحاكم يرفع الخلاف ، وهذا متّفق عليه إلّا عند الشافعية.»

وفي ذيل الخط :

«الشافعيّة قالوا : يشترط في تحقيق الهلال ووجوب الصوم بمقتضاه على الناس أن يحكم به الحاكم ، فمتى حكم به وجب الصوم على الناس ولو وقع حكمه عن شهادة عدل واحد.» (١)

أقول : ظاهر الصدر رجوع استثناء الشافعيّة إلى الحكم الثاني ، أعني حجّية حكم الحاكم ، ومقتضاه عدم حجيته عندهم ولكن بملاحظة الذيل يظهر رجوع الاستثناء إلى الحكم الأوّل ، أعني عدم اشتراط حكم الحاكم في الشهادة ونحوها من الأمارات. وعلى هذا فحجية الحكم متّفق عليه عندهم.

فهذه بعض كلمات المتاخرين ولكن بعد الرجوع إلى عدّة من كتب الفقه من الشيعة والسنّة في باب الصوم نرى أنّ مسألة حجيّة حكم الحاكم ووجوب العمل بحكمه في الهلال غير معنونة في كثير من الكتب ولم يتعرّضوا لها في عرض سائر الأمارات مع كثرة الابتلاء بها في الصوم والفطر والحجّ في جميع الأعصار.

نعم ، يظهر من فحوى كلماتهم في باب ما يثبت به الهلال أنّ حجيته كأنّها كانت مفروغا عنها عندهم ، حيث ذكروا أنّ البيّنة أو العدل الواحد على القول باعتباره هل يعتبران مطلقا لكلّ أحد أو يتوقّف اعتبارهما على حكم الحاكم؟ فأصحابنا وأكثر علماء السنّة اعتبروا البيّنة لكلّ أحد وقالوا إنّه لا يشترط حكم الحاكم في حقّ من قامت عنده ، وحكي عن الشافعيّة اعتبار حكمه. ولكن كان المناسب البحث في أصل المسألة أيضا ، وكأنّهم تركوا البحث فيها هنا لعدم كون حكم الحاكم في عرض سائر الأمارات بل في طولها ومستندا إلى أحدها أو أنّ محلّ البحث في اختيارات الحاكم وحجيّة حكمه وموارد نفوذه كتاب الأمارة أو القضاء. هذا.

__________________

(١) الفقه على المذاهب الأربعة ، ج ١ ، ص ٥٥١.

٤٢٨

ولكن لا أظنّ كون الاعتذارين مبرّرين لترك عنوان المسألة في باب الصوم من الفقه ، فتدبّر.

الفائدة الثانية :

الاستدلال لنفوذ حكم الحاكم في الهلال ونقده

وكيف كان فهل ينفذ حكم الحاكم في الهلال أم لا؟ ذكروا في المسألة أقوالا ثالثها التفصيل بين ما إذا استند إلى البيّنة ، وبين ما إذا استند إلى رؤية الحاكم وعلمه كما مرّ من المدارك.

واستدلّ القائل بعدم الحجّية كما في المستند (١) بالأصل ، وبالأخبار الكثيرة المعلّقة للصوم والفطر على الرؤية أو الشاهدين أو مضى ثلاثين الظاهرة في الحصر ، وبالأخبار الناهية عن إتباع الشكّ والظنّ في أمر الهلال ، ومعلوم أنّ حكم الحاكم لا يفيد أزيد من الظن.

ويرد على ما ذكر أنّ الأصل لا يقاوم الدليل إن ثبت. وظهور الأخبار في الحصر ممنوع ، ومفهومها من قبيل مفهوم اللقب ، والحصر الظاهر في قول الصادق عليه‌السلام : «إنّ عليا كان يقول :

لا أجيز في الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين» (٢) ، حصر إضافي في قبال شهادة النساء وشهادة العدل الواحد ، كما هو واضح.

ومع قيام الدليل على اعتبار الحكم صارت حجيّته قطعيّة كسائر الأمارات المعتبرة ، فلا يشمله ما دلّ على النهي عن إتباع الظن.

ولعلّ عدم تعرّض الأخبار هنا له لكونه في طول سائر الأمارات ومستندا إليها.

فالعمدة إقامة الدليل على اعتبار الحكم في المقام وأمثاله.

واستدلّ القائل بالحجيّة بإطلاق الأخبار الدّالة على وجوب الرجوع إلى الفقهاء المستند فقههم إلى أحاديث أهل البيت وقبول حكمهم ، كقول الصادق عليه‌السلام على ما في المقبولة : «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على الله.» (٣)

__________________

(١) مستند الشيعة ، ج ٢ ، ص ١٣٢.

(٢) الوسائل ، ج ٧ ، ص ٢٠٧ ، الباب ١١ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١.

(٣) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٩٩ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.

٤٢٩

وقول صاحب الزمان ـ عجّل الله فرجه ـ على ما في التوقيع : «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.» (١)

وأمر الهلال من أظهر الحوادث العامّة الواقعة في جميع الأعصار.

إلى غير ذلك ممّا دلّ على وجوب الرجوع إلى نوّابهم عليهم‌السلام.

وبصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس ، وإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم.» (٢)

قال في الحدائق بعد التّعرّض لهذين الدليلين ما ملخّصه :

«وأنت خبير بأن للمناقشة في ذلك مجالا ، أمّا المقبولة ونحوها فإنّ المتبادر منها إنّما هو الرجوع فيما يتعلّق بالدعاوي والقضاء بين الخصوم أو الفتوى في الأحكام الشرعية.

وأمّا صحيحة محمّد بن قيس فالظاهر من لفظ الإمام فيها إنّما هو إمام الأصل أو ما هو الأعمّ منه ومن أئمّة الجور وخلفاء العامّة المتولّين لأمور المسلمين.

نعم ، للقائل أن يقول : إذا ثبت ذلك لإمام الأصل ثبت لنائبه لحقّ النيابة ، إلّا أنّه لا يخلو أيضا من شوب الإشكال لعدم الوقوف على دليل لهذه الكليّة ، وظهور أفراد كثيرة يختصّ بها الإمام دون نائبه.

وبالجملة فالمسألة عندي موضع توقّف وإشكال لعدم الدليل الواضح في وجوب الأخذ بحكم الحاكم بحيث يشمل موضع النزاع.

ثمّ أنت خبير أيضا بأنّ ما ذكروه من العموم أنّه لو ثبت عند الحاكم بالبيّنة نجاسة الماء وحرمة اللحم ولم يثبت عند المكلّف لعدم سماعه من البيّنة مثلا ، فإنّ تنجيس الأوّل وتحريم الثاني بالنسبة إليه بناء على وجوب الأخذ عليه بحكم

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ١٠١ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩. كذا في كمال الدين ، ص ٤٨٤ ط. قم ، ولكن لم أجد في الوسائل المطبوع لفظة (عليهم).

(٢) الوسائل ، ج ٧ ، ص ١٩٩ ، الباب ٦ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١.

٤٣٠

الحاكم ، ينافي الأخبار الدّالة على أنّ كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر ، وكلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعلم الحرام بعينه فتدعه ، حيث إنّهم لم يجعلوا من طرق العلم في القاعدتين المذكورتين حكم الحاكم بذلك وإنّما ذكروا اخبار المالك وشهادة الشاهدين ، وعلى ذلك تدلّ الأخبار أيضا.» (١)

أقول : ما ذكره أخيرا من النقض بمثل نجاسة ماء أو حرمة لحم خاصّ ونحوهما من الموضوعات الجزئية الشخصيّة غير وارد ، فإنّ أمر الهلال المتوقّف عليه صوم المسلمين وعيدهم وحجّهم ونحو ذلك يكون من الأمور المهمّة العامّة للمسلمين ، وليس أمرا جزئيّا شخصيا بل هو أمر يبتلي به مجتمع المسلمين حينا بعد حين ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام والحكّام والقضاة في جميع الأعصار يهتمون به وكان تحقيقه وإثباته من وظائفهم التي يتولّونها ، ولم يكن بناء المسلمين على اعتزال كلّ شخص وانفراده بصومه وفطره ووقوفه وإفاضته ، بل كانوا يرجعون فيها إلى ولاة الأمر من الحكّام ونوّابهم ، كما يشهد بذلك السيرة المستمرة الباقية إلى أعصارنا والروايات الكثيرة التي يأتي بعضها.

فأمور الحج مثلا كانت مفوّضة إلى أمير الحاجّ المنصوب من قبل الخلفاء لذلك ، وربّما كانوا هم بأنفسهم يتصدّون لها والناس كانوا متابعين لهم ، ولم يعهد أن يتخلّف مسلم عن أمير الحاجّ أو يسأل المسلمون حاكما عن مستند حكمه وأنّه البيّنة أو العلم الشخصيّ مثلا ، وقد تحقّق في محلّه جواز حكم الحاكم بعلمه.

فإذا منع الإمام الصادق عليه‌السلام في المقبولة عن الرجوع إلى قضاة الجور لكونهم طواغيت وجعل الفقيه من شيعته حاكما بدلهم لرفع حاجات الشيعة فيمكن أن يقال بنفوذ حكمه في كلّ ما كان يرجع فيه إلى القضاة في تلك الأعصار والظروف ومنها كان أمر الهلال قطعا كما هو كذلك في أعصارنا. وإذا أرجع صاحب العصر ـ عجّل الله فرجه ـ شيعته في الحوادث الواقعة لهم إلى رواة حديثهم فأيّ حادثة واقعة أهمّ وأشدّ ابتلاء من أمر الهلال الذي يبتلي به في يوم واحد مجتمع المسلمين؟

اللهم إلّا أن يقال : إنّ مورد السؤال في المقبولة هو المنازعات في مثل الدين والميراث

__________________

(١) الحدائق الناضرة ، ج ١٣ ، ص ٢٥٩.

٤٣١

فلا يعمّ مثل الهلال ، وقال عليه‌السلام : «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه.» وكون حكمه في الهلال هو حكمهم ٧ أوّل الكلام ، ولا يمكن إثباته بهذه الرواية ، فإن الحكم لا يثبت موضوع نفسه ، فتأمّل.

كما أنّ إرادة العموم في الحوادث الواقعة في التوقيع غير معلومة بعد كون الجواب مسبوقا بسؤال غير مذكور ، ولعلّ المسؤول عنه كان حوادث خاصّة. والجواب أيضا مجمل ، حيث لا يعلم أنّ الإرجاع هل هو في حكم الحوادث فيدلّ على حجيّة الفتوى أو فصلها وحسمها فيدلّ على نفوذ القضاء أو رفع إجمالها ليشمل المقام.

ويمكن دعوى انصرافها إلى خصوص الحوادث المهمّة التي لا مخلص فيها إلّا حكم الحاكم وليس المقام منه لإمكان معرفة الهلال بغيره من الرؤية والشهود ونحوهما. هذا.

وأما ما ذكره في الحدائق من حمل لفظ الإمام في الصحيحة على إمام الأصل فهو خلاف الظاهر جدّا يظهر ذلك لمن تتبّع موارد استعمال اللفظ في الأبواب المختلفة من الفقه والحديث ، كما مرّ كثير منها في الباب الثالث من هذا الكتاب ، فراجع.

وقد عرفت سابقا أن أنس أذهان أصحابنا بإمامة الأئمة الاثنى عشر عليهم‌السلام صار موجبا لتوهّم كون اللفظ موضوعا لهم أو منصرفا إليهم ، مع أنّ لفظ الإمام وضع للقائد الذي يؤتمّ به في الصلاة أو الجهاد أو الحجّ أو جميع الشئون العامّة بحقّ كان أو بباطل.

فقد أطلق الإمام الصادق عليه‌السلام اللفظ على أمير الحاجّ إسماعيل بن عليّ حين سقط هو عليه‌السلام من بغلته حين الإفاضة من عرفات فوقف عليه إسماعيل فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : «سر ، فإنّ الإمام لا يقف.» (١)

وفي رسالة الحقوق لعليّ بن الحسين عليه‌السلام : «وكل سائس إمام.» (٢)

وبالجملة فالإمام هو القائد في شأن عامّ أو جميع الشؤون العامّة. والمراد به هنا الحاكم العدل وإن لم يكن معصوما كما يقتضيه إطلاق اللفظ ، وإن كانت الأئمّة الاثنا عشر مع ظهورهم أحقّ بهذا المنصب الشريف عندنا.

وقد عرفت بالتفصيل أنّ الإمامة وشئونها داخلة في نسج الإسلام ونظامه وأنّها

__________________

(١) الوسائل ، ج ٨ ، ص ٢٩٠ ، الباب ٢٦ من أبواب آداب السفر ، الحديث ١.

(٢) الخصال للصدوق ، ص ٥٦٥ (الجزء ٢) ، أبواب الخمسين ، الحديث ١.

٤٣٢

لا تتعطّل في عصر من الأعصار. وتحقيق الهلال وإثباته وتعيين تكليف المسلمين في صيامهم وعيدهم ووقوفهم من أهمّ الوظائف العامّة.

الفائدة الثالثة :

موارد تصدّي النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام لأمر الهلال

وقد تصدّى لأمر الهلال وتعيين تكليف المسلمين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عصره بما أنّه كان حاكما عليهم وكذلك أمير المؤمنين وجميع الخلفاء :

١ ـ ففي سنن أبي داود بسنده عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال :

«جاء أعرابي إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّي رأيت الهلال ـ قال الحسن في حديثه : يعني رمضان ـ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتشهد أن لا إله إلّا الله؟ قال : نعم. قال : أتشهد أنّ محمدا رسول الله؟ قال : نعم. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بلال ، أذّن في الناس فليصوموا غدا.» (١)

٢ ـ وعن عكرمة :

«أنّهم شكّوا في هلال رمضان مرّة فأرادوا أن لا يقوموا ولا يصوموا ، فجاء أعرابي من الحرّة فشهد أنّه رأى الهلال ، فأتي به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «أتشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله؟» قال : نعم ، وشهد أنّه رأى الهلال ، فأمر بلالا فنادى في الناس أن يقوموا وأن يصوموا.» (٢)

والخبران يرجعان إلى خبر واحد ، ولعلّ ابن عباس سقط من الثاني.

٣ ـ وعن ابن عمر ، قال :

«ترائى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّي رأيته فصام وأمر الناس بصيامه.» (٣) ولعلّ شهادة الأعرابي أو ابن عمر كانت محفوفة بقرائن خارجيّة توجب الوثوق أو الاطمئنان ، مضافا إلى ما للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلم والإحاطة ، فلا تنافي هذه الروايات لما دلّ

__________________

(١) سنن أبي داود ، ج ١ ، ص ٥٤٧ ، كتاب الصيام ، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان.

(٢) سنن أبي داود ، ج ١ ، ص ٥٤٧ ، كتاب الصيام ، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان.

(٣) سنن أبي داود ، ج ١ ، ص ٥٤٧ ، كتاب الصيام ، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان.

٤٣٣

على اعتبار التعدّد في الشاهد.

والتفصيل بين هلال رمضان وهلال شوال بكفاية الواحد في الأوّل دون الثاني كما عن بعض فقهاء السّنّة ممنوع عند المشهور من أصحابنا. والتحقيق موكول إلى محلّه.

٤ ـ وعن رجل من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالله لأهلّا الهلال أمس عشيّة ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس أن يفطروا وأن يغدوا إلى مصلّاهم.» (١)

٥ ـ وفي المحلّى لابن حزم :

«روينا من طريق أبي عثمان النهدي ، قال : قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرابيان ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أمسلمان أنتما؟ قالا : نعم. فأمر الناس فأفطروا أو صاموا.» (٢)

٦ ـ وروى ابن ماجة بسنده عن أبي عمير بن أنس بن مالك ، قال :

«حدّثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالوا : «أغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صياما فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّهم رأوا الهلال بالأمس ، فأمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد.» (٣)

وروى هذا الخبر بعينه في المصنّف ، وفيه :

«فأمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد.» (٤)

٧ ـ وفي الجواهر عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أنّ ليلة الشكّ أصبح الناس فجاء أعرابيّ إليه فشهد برؤية الهلال فأمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديا ينادي «من لم يأكل فليصم ، ومن أكل فليمسك.» (٥)

ولم أجد الرواية كذلك في كتب السنّة ولكن في صحيح مسلم :

__________________

(١) سنن أبي داود ، ج ١ ، ص ٥٤٦ ، كتاب الصيام ، باب شهادة رجلين ...

(٢) المحلّى لابن حزم ، ج ٣ ، ص ٢٣٧ (الجزء ٦) ، المسألة ٧٥٧.

(٣) سنن ابن ماجة ، ج ١ ، ص ٥٢٩ ، كتاب الصيام ، الباب ٦ ، الحديث ١٦٥٣.

(٤) المصنف لعبد الرزاق ، ج ٤ ، ص ١٦٥ ، كتاب الصيام ، باب أصبح الناس صياما وقد رئي الهلال ، الحديث ٧٣٣٩.

(٥) الجواهر ، ج ١٦ ، ص ١٩٧.

٤٣٤

«بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا من أسلم يوم عاشوراء فأمره أن يؤذّن في الناس من كان لم يصم فليصم ومن كان أكل فليتمّ صيامه إلى الليل.» (١)

٨ ـ وفي الوسائل عن حماد بن عيسى ، عن عبد الله بن سنان ، عن رجل ، قال :

«صام عليّ عليه‌السلام بالكوفة ثمانية وعشرين يوما شهر رمضان فرأوا الهلال فأمر مناديا ينادي اقضوا يوما فإنّ الشهر تسعة وعشرون يوما.» (٢)

٩ ـ وفي أمّ الشافعي بسنده عن فاطمة بنت الحسين :

«أنّ رجلا شهد عند عليّ عليه‌السلام على رؤية هلال رمضان فصام ، وأحسبه قال : «وأمر الناس أن يصوموا» (٣)

فيظهر من هذه الروايات أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام كانا يتصدّيان لأمر الهلال وصوم المسلمين وعيدهم ، ويحكمان عليهم بالصوم والفطر بعد ما ثبت الهلال عندهما. واحتمال كون ذلك من خصائص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة المعصومين عليه‌السلام واضح البطلان لمن ثبت له عدم تعطيل الإمامة وشئونهما في عصر الغيبة وعدم جواز إهمال الشرع لهذا الأمر الخطير المبتلى به في جميع الأعصار. ولنا في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوة حسنة فيجب التأسّي به فيما لم يثبت اختصاصه به وكذلك الأئمّة عليهم‌السلام.

١٠ ـ ومضت صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم.» (٤)

١١ ـ وفي رواية رفاعة ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال : يا ابا عبد الله ، ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت : ذلك إلى الإمام إن صمت صمنا ، وإن أفطرت أفطرنا. فقال : يا غلام ، عليّ بالمائدة فأكلت معه وأنا أعلم والله أنّه يوم من شهر رمضان ، فكان إفطاري يوما وقضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله.» (٥)

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ٧٩٨ ، كتاب الصيام ، باب من أكل في عاشوراء ... ، الحديث ١١٣٥.

(٢) الوسائل ، ج ٧ ، ص ٢١٤ ، الباب ١٤ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١.

(٣) الأمّ للشافعي ، ج ٢ ، ص ٨٠.

(٤) الوسائل ، ج ٧ ، ص ١٩٩ ، الباب ٦ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١.

(٥) الوسائل ، ج ٧ ، ص ٩٥ ، الباب ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ... ، الحديث ٥.

٤٣٥

وكون الإمام عليه‌السلام في ظرف التقيّة لا يوجب حمل قوله عليه‌السلام : «ذاك إلى الإمام» على التقيّة ، فإنّه كبرى كليّة لم يكن ضرورة في بيانها لو لم تكن حقّا ، والضرورات تتقدّر بقدرها. وقضاؤه عليه‌السلام لا ينافي صحّة العبادة المأتي بها عن تقيّة ، فإنّ ترك الصوم ليس عملا وجوديّا حتّى يجزي عن الصوم الواجب.

١٢ ـ وفي رواية اخرى قال عليه‌السلام : «فدنوت فأكلت ، وقلت : الصوم معك والفطر معك.» (١)

١٣ ـ وفي رواية ثالثة : «ما صومي إلّا بصومك ولا إفطاري إلّا بإفطارك.» (٢)

١٤ ـ وعن الصدوق بإسناده عن عيسى بن أبي منصور أنّه قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام في اليوم الذي يشكّ فيه ، فقال عليه‌السلام : «يا غلام ، اذهب فانظر أصام السلطان أم لا. فذهب ثمّ عاد فقال : لا ، فدعا بالغداء فتغدّينا معه.» (٣)

وسند الصدوق الى ابن أبي منصور صحيح وهو أيضا ثقة.

ودلالة هذه الأخبار الكثيرة على أنّ أمر الهلال كان بيد الحاكم الإسلامي وأنّه كان من شئون الحكومة واضحة. والناس كانوا متابعين لها في الصوم والفطر والحجّ ، فكان للناس رمضان واحد وعيد واحد وموقف واحد وكان نظامها بيد الحاكم دفعا للاختلاف والهرج والمرج.

وفي الجواهر :

«إنّ احتمال العدم مناف لإطلاق الأدلّة وتشكيك فيما يمكن تحصيل الإجماع عليه خصوصا في أمثال هذه الموضوعات العامّة التي هي من المعلوم الرجوع فيها إلى الحكّام ، كما لا يخفى على من له خبرة بالشرع وسياسته وبكلمات الأصحاب في المقامات المختلفة.» (٤)

__________________

(١) الوسائل ، ج ٧ ، ص ٩٥ ، الباب ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ... ، الحديث ٤.

(٢) الوسائل ، ج ٧ ، ص ٩٥ ، الباب ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ... ، الحديث ٦.

(٣) الوسائل ، ج ٧ ، ص ٩٤ ، الباب ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ... ، الحديث ١.

(٤) الجواهر ، ج ١٦ ، ص ٣٦٠.

٤٣٦

١٥ ـ وفي رواية أبي الجارود قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام : «أنّا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى فلمّا دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وكان بعض أصحابنا يضحّي فقال عليه‌السلام : الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحّي الناس ، والصوم يوم يصوم الناس.» (١)

١٦ ـ وفي كنز العمّال عن الترمذي ، عن عائشة :

«الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحّي الناس.» (٢)

١٧ ـ وروى الترمذي بسنده عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحّون.»

قال الترمذي :

«فسّر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال : إنّما معنى هذا : الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس.» (٣)

وهذه الروايات وإن ضعف أكثرها من جهة السند ولكنّ الوثوق والاطمئنان بصدور بعضها مضافا إلى صحّة البعض يكفي لإثبات أنّ أمر الهلال لم يكن أمرا فرديّا بل كان من الأمور العامّة التي كان الحاكم الإسلامي مصدرا لها وأمرا جماعيّا كان الحاكم نظاما له.

والسيرة المستمرّة أيضا شاهدة على ذلك فكان الحاكم في جميع الأعصار مرجعا للناس في صومهم وفطرهم ، وكان أمير الحاجّ المنصوب من قبل الإمام يأمر بالوقوف والإفاضة ، والناس يتّبعونه.

وقد عدّ الماوردي خمسة تكاليف لأمير الحاجّ فقال :

«أحدها : إشعار الناس بوقت إحرامهم والخروج إلى مشاعرهم ليكونوا له متّبعين وبأفعاله مقتدين.»

وذكر مثله أبو يعلى. (٤)

__________________

(١) الوسائل ، ج ٧ ، ص ٩٥ ، الباب ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ... ، الحديث ٧.

(٢) كنز العمال ، ج ٨ ، ص ٤٨٩ ، الباب ١ من كتاب الصوم من قسم الأقوال ، الحديث ٢٣٧٦٣.

(٣) سنن الترمذي ، ج ٢ ، ص ١٠٢ ، أبواب الصوم ، الباب ١١ ، الحديث ٦٩٣.

(٤) الأحكام السلطانيّة ، ص ١١٠ ، باب ولاية الحجّ. والأحكام السلطانية لأبي يعلى ، ص ١١٢ ، فصل ولاية الحجّ.

٤٣٧

وكان أئمّتنا المعصومون عليهم‌السلام وأصحابهم أيضا في مدّة أكثر من مأتي سنة يحجّون في جماعة الناس ، ولم يعهد ولم ينقل تخلّفهم عن الناس في الوقوف والإفاضة والنحر وسائر الأعمال ، ولو كان لبان ونقله المؤرّخون والأصحاب.

واحتمال اتّفاقهم مع الناس ومع أمير الحاجّ في رؤية الهلال بأنفسهم في جميع هذه السنين بعيد جدّا.

وبذلك يظهر اجتزاء العمل بحكم الحاكم من أهل الخلاف أيضا ولا أقلّ في صورة عدم العلم بالخلاف.

وقد مرّ سابقا أنّ الحجّ لم يكن بدون أمير الحاجّ المنصوب لذلك ، المتبوع في جميع المواقف.

وقد عقد المسعودي في آخر مروج الذهب بابا لتسمية من حجّ بالناس من سنة ثمان من الهجرة إلى سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة ، فراجع (١).

__________________

(١) مروج الذهب ، ج ٢ ، ص ٥٦٦.

٤٣٨

فروع

الفرع الأوّل :

ملاك التصدي لأمر الهلال هل هو الفقاهة او الإمامة؟

لا يخفى أنّ الدليل على حجيّة حكم الحاكم في باب الهلال إن كان هو المقبولة أو التوقيع الشريف ونحوهما من العمومات فالموضوع فيها هو الفقيه من الشيعة المبتني فقهه على الكتاب والسّنة وأحاديث الأئمّة عليهم‌السلام ، فيعمّ كلّ فقيه واجد للشرائط سواء تصدّى للإمامة أو القضاء فعلا أو كان منعزلا عنهما.

وأما إذا كان الدليل هو الأخبار الخاصّة التي مرّت فالموضوع فيها هو الإمام ، والظاهر منه هو المتصدّي فعلا لمقام الإمامة وزعامة المسلمين. فشمول الحكم لعمّاله في البلاد وللقضاة المنصوبين من قبله محلّ إشكال.

وأشكل من ذلك الفقيه المنعزل عنهما فعلا وإن صلح لهما. اللهم الّا أن يدّعى ثبوت الولاية الفعلية لكلّ فقيه وأنّ له كلّ ما كان للإمام بمقتضى أدلّة ولاية الفقيه ، ولكن نحن ناقشنا في ذلك كما مرّ.

ولكن يمكن أن يقال : نحن نعلم أنّ إبلاغ حكم الخليفة والإمام الأعظم إلى سائر الأمصار والبلاد في تلك الأعصار لم يكن يتيسّر عادة ، فإذا استنبطنا من هذه الروايات ومن السيرة المستمرّة إلى اليوم أنّ بناء الشرع كان على توحيد كلمة المسلمين في أمر الهلال وصومهم وعيدهم ومواقف حجّهم فلا محالة يجب أن يتصدّى لذلك في كلّ بلد من ينوب عنه من العمّال والقضاة كما هو المتعارف في أعصارنا في البلاد الإسلاميّة ، حيث يتصدّى لأمر الهلال قاضي القضاة في كلّ بلد ، ولا سيّما إذا قلنا بأنّه مع اختلاف الآفاق يكون لكلّ بلد حكم نفسه كما هو المشهور والأقوى في المسألة.

٤٣٩

والمناسب في باب الحجّ تصدّي أمير الحجّاج له وإن لم يكن نفس الإمام ، فيجوز بل يجب تصدّيهما له ولا سيّما إذا فوّض الإمام إليهما ذلك بالصراحة.

نعم ، في النفس شيء بالنسبة إلى القضاة وهو أنّ الماوردي وأبا يعلى لم يذكرا ذلك في عداد ما ذكراه من اختيارات القضاة ، ولو كان الهلال أمرا مرتبطا بهم في تلك الأعصار كان المناسب تعرّضهما له كما تعرّضا له في ولاية الحج كما مرّ. هذا.

وقد يقال : إنّه يجب على الفقيه كفاية التصدّي له إذا لم يكن الهلال واضحا للناس واختلفوا فيه ، لأنّه من الأمور الحسبيّة التي لا يجوز إهمالها ، ولأنّه باب من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودفع الهرج والمرج. ويجب على الناس أيضا الرجوع إليهم في ذلك ، لأنّه من الحوادث الواقعة التي أمروا بالرجوع فيها إلى رواة حديثهم.

أقول : مقتضى ذلك أن يجب مع عدم الفقيه تصدّي عدول المؤمنين له ونفوذ حكمهم فيه ، والظاهر أنّه لا يقول بذلك أحد ، فتدبّر.

الفرع الثاني :

ما هو الملاك في الحكم؟

الحكم عبارة عن إنشاء الإلزام بشيء أو ثبوت أمر ، ولا يتعيّن أن يقع بلفظ : «حكمت» او غيره من مشتقّات هذه المادّة أو ما يرادفه ، بل يكفي فيه قوله : «اليوم من رمضان او شوال ، او يجب عليكم صوم اليوم او الفطر فيه» ونحو ذلك مما هو حكم واقعا وبالحمل الشائع ، فاللازم واقع الحكم لا مفهومه. وفي كفاية قوله : «ثبت عندي» إشكال إذ ظاهره الخبر لا الإنشاء كما لا يخفى.

الفرع الثالث :

اعتبار حكم الحاكم ليس بنحو السببيّة

ليس حكم الحاكم في الهلال وفي سائر الموضوعات على القول به ملحوظا بنحو السببيّة في عرض الواقع ومغيّرا له ، بل هو طريق شرعي إلى الواقع وحجّة عليه كسائر الأمارات و

٤٤٠