مجمع الفوائد

آية الله المنتظري

مجمع الفوائد

المؤلف:

آية الله المنتظري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر سايه
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-5918-39-1
الصفحات: ٤٩٤

الجزء الأوّل :

المسائل الأصولية

وهو يشتمل على مقدمة وعشرة فصول :

٢١
٢٢

المقدمة

علائم الحقيقة والمجاز ، ومنها التبادر «ويمكن أن يستشكل على جعل التبادر علامة للوضع هنا : هل إن المراد بالوضع هنا خصوص التعييني منه او الأعم منه ومن التعيّنى؟ فإن اريد خصوص التعييني لم يكن التبادر علامة له ؛ إذ لا يحزر به خصوصه ، وإن اريد الأعم قلنا : إنه عين التبادر ؛ إذ لا معنى للوضع الجامع لقسميه إلّا كون اللفظ بحيث إذا سمع فهم منه المعنى. وهو بعينه التبادر والدلالة الشأنية ، كما عرفت في مبحث الوضع.»

أقول : يمكن أن يقال : إن التبادر عبارة عن انسباق المعنى من اللفظ ، ولا يمكن هذا الانسباق إلّا لسبق خصوصية بين اللفظ والمعنى ، تكون بمنزلة العلة للانسباق الفعلي ، وهي أنس اللفظ بالمعنى والعلقة الحاصلة بينهما المعبر عنها بالدلالة الشأنية. وإن أبيت وجود الخصوصية بين اللفظ والمعنى اعتبارا ، وتحاشيت عنه ، فلا أقل من وجود أنس وحالة في ذهن المخاطب سابقا على سماع هذا الاستعمال ، وبسببه يتحقق الانسباق الفعلي ، فالتبادر عبارة عن الانسباق الفعلي ، والوضع أمر سابق عليه ، يكون بمنزلة العلة لهذا الانسباق فافهم. (١)

أنحاء التلبسات

«... انحاء التلبسات مختلفة ، فانّ الضرب مثلا يتلبس بالفاعل من حيث صدوره عنه ، وبالمفعول من حيث وقوعه عليه ، وبالزمان والمكان من حيث وقوعه فيهما ، وباسم الآلة من حيث كونها واسطة للصدور ...»

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ٣٩.

٢٣

في جعل مبدأ اسم الفاعل ومبدأ اسم الآلة امرا واحدا «كالضرب» مثلا لعلّه مسامحة ، إذ لو كان مبدؤه مبدأ اسم الفاعل لزم أن لا يصدق اسم الآلة على ما أعد لإيجاد المبدأ قبل إيجاده بها ، أو بعد انقضائه ، فلا يقال : «مسواك» مثلا لما أعد للاستياك إلّا زمن الاستياك به ، وهو بعيد جدا. نعم يمكن أن يقال : إن مبدأه عين مبدأ اسم الفاعل ، ولكن بتقريب آخر بأن يقال : إنّ تلبس المبدأ باسم الآلة من حيث شأنيته لوقوع المبدأ بسببه والشأنية وصف فعلي لها. (١)

المعاني الإنشائية :

«أقسام الألفاظ الموضوعة : منها ما وضع لإيجاد معنى وهو على قسمين :

١ ـ ما لا يكون فانيا في غيره كالطلب الموجد بنحو «افعل» والبيع الموجد بنحو «بعت» ونحو ذلك.

٢ ـ ما يكون فانيا في غيره مثل الإشارة الموجدة بأسماء الإشارة ونحوها ...»

أقول : تمثيل ذلك بمثل «بعت» و «أطلب منك الضرب» صحيح ، واما تمثيله بمثل «اضرب» فربما تختلج بالبال مخالفته لما ذكره الأستاذ ـ مد ظلّه ـ في محله من الفرق بين «اضرب» وبين «أطلب منك الضرب» بل يمكن أن يقال : إن الطلب مطلقا حقيقة اندكاكية فانية في المطلوب وإن تعلق به اللحاظ الاستقلالي فالتمثيل «بأطلب منك الضرب» أيضا غير صحيح. فتدبر.» (٢)

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ٦٩.

(٢) نفس المصدر ، ص ٤٦٦.

٢٤

الفصل الأوّل :

الأوامر

وهو يشتمل على فوائد :

٢٥
٢٦

الفائدة الاولى :

مفاد الأمر هل هو بسيط أو مركب؟

«في مسألة زكاة مال التجارة يبحث عن أنّها هل تكون مستحبا؟ وما الدليل على استحبابها؟ ، وأنّ الأخبار في ذلك متعارضة وهل يثبت الاستحباب بالجمع بين ما دلّ على ثبوت الزكاة فيه وما دلّ على عدم ثبوتها؟

ويبحث فيه أيضا عن مفاد الأمر وأنه هل هو بسيط او مركب من الطلب وخصوصية الوجوب؟» (١)

وتبعه (صاحب الوافي) على ذلك صاحب الحدائق فقال في ضمن كلام له :

«الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح. ومجرد إختلاف الأخبار ليس بدليل يوجب ذلك ، كما لا يخفى على المنصف. ومع ذلك فانه لا ينحصر الجمع بين الأخبار فيما ذكروه ، بل لا يبعد حمل الروايات المتقدمة على التقيّة ، حيث إن الوجوب مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد على ما نقله في المعتبر وفي صحيحة زرارة وموثّقة ابن بكير وعبيد وجماعة من أصحابنا ما يشير الى ذلك» (٢)

وقد مرّ من صاحب الحدائق نظير ذلك في الأخبار الدالّة على ثبوت الزكاة في الغلّات غير الأربع.

ومحصل كلامه بتوضيح منّا :

«أنّ صرف الجمع التبرعي لا يكون ملاكا للفتوى بشيء والاستحباب أيضا

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ٢ ، ص ١٨٩.

(٢) الحدائق ، ج ١٢ ، ص ١٥٠.

٢٧

مثل الوجوب حكم شرعي يحتاج إلى الدليل ، والجمع المعتبر هو الجمع الذي يساعد عليه العرف ، كما هو الحال بين العامّ والخاص والمطلق والمقيد وكالأمر بشيء ثم الترخيص في تركه ، حيث يحمل الأمر حينئذ على الاستحباب. وليس المقام كذلك ، بل مفاد أحد الدليلين ثبوت الزكاة بنحو الوضع ومفاد الآخر نفيها من غير إشعار فيه بثبوتها بنحو الاستحباب : فالدليلان متناقضان متباينان ، فيجب الأخذ بما خالفهم.» (١)

وأجاب عن ذلك في الجواهر ما حاصله :

«انّه لا تنافي بين التقية وبين الندب على أن تكون التقية بالتعبير عن الندب بما ظاهره الوجوب اعتمادا على قرينة خارجيّة وجمعا بين التقية والواقع.

ودعوى أنّ المراد بالأمر حينئذ الوجوب تقيّة فلا دليل على الندب ، يدفعها أصالة حجية قول المعصوم ، وأنّه في مقام بيان حكم شرعي واقعي. وكما أنّ التقيّة في مقام العمل تقتصر فيها على أقلّ ما تندفع به كذلك المستعمل فيها من قول المعصوم. ومن ذلك ما نحن فيه ، ضرورة إمكان كون التقيّة في ذلك التعبير الذي ذكرناه ، فيبقى الندب بعد معلومية عدم إرادة الوجوب» (٢).

ومحصّل كلامه : أنّ مفاد الأمر ينحلّ إلى الطلب ، وخصوصيّة الوجوب. والتقيّة تندفع برفع اليد عن خصوصيّة الوجوب ، فيبقى أصل الطلب مرادا ، إذ الضرورات تتقدّر بقدرها.

أقول : مبنى كلامه استعمال الأمر في الوجوب ، وكونه مركبا من أصل الطلب والمنع من الترك كما اشتهر. وكلاهما فاسدان ، إذ الوجوب والاستحباب ليسا مفادا للّفظ بحيث يستعمل فيهما ، بل الصيغة وضعت للبعث والتحريك القولي في قبال التحريك العملي. وإن شئت قلت : وضعت للطلب وهو أمر بسيط.

نعم ، البعث والطلب من قبل المولى موضوع لحكم العقل بلزوم الإطاعة واستحقاق العقاب على المخالفة ، إلّا أن يرخّص المولى بنفسه في الترك. فما وضع له اللّفظ واستعمل فيه هو

__________________

(١) الحدائق ، ج ١٢ ، ص ١٠٨.

(٢) الجواهر ، ج ١٥ ، ص ٧٤.

٢٨

البعث ، والوجوب حكم العقل يحكم به على الطلب المجرّد عن الترخيص. كما أنّ الاستحباب ينتزع عن الطلب المقارن للترخيص.

ولو سلم تركب الوجوب فهو تركيب عقليّ تحليلي ، فلا تسري التقيّة في بعض أجزائه دون الآخر.

نعم ، لو كان هنا لفظان ودار الأمر بين حمل احدهما على التقيّة أو كليهما صحّ ما ذكره من أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها ، فيحفظ أصالة الجهة في احدهما ، فتأمّل.

والحاصل أنّ إشكال صاحب الحدائق قويّ ، ولا يندفع بما في الجواهر ، ولا يلزم أن تكون التقية من الفقهاء والمفتين ، ولا بلحاظ حفظ الأئمة عليهم‌السلام بل بلحاظ حفظ شيعتهم من شرّ السلاطين والحكّام الجباة للزكوات بعنف وشدّة ، فانّها كانت اساس اقتصادهم. فلعلّ الأئمة عليهم‌السلام أرادوا تقيّد الشيعة عملا باداء الزكاة ممّا تعارف مطالبتها منه ، دفعا لشرّ السلاطين وتخلّصا من مكائدهم. فإنّ وظيفة القائد لقوم ملاحظة محيطهم وما يكون دخيلا في حفظهم من كيد الأعداء. (١)

الفائدة الثانية :

مفاد الأمر والنهي

«المبحث : مفاد الأمر والنهي وبيان ما في الكفاية من أن مفادهما الطلب والاختلاف في المتعلق ، فمتعلق الأمر وجود الطبيعة والنهي عدمها ؛ فلما كان وجود الطبيعة بوجود فرد ما وانعدامها بانعدام جميع الأفراد فلا محالة كان تحقق الامتثال في الأوامر باتيان فرد ما وفي النواهي بترك جميع الأفراد. ويشكل عليه بأن مقتضى ما ذكر أن يكون للنهي امتثال واحد وهو ترك جميع الأفراد وهذا مخالف لحكم العقلاء. ويردّ هذا الإشكال بأن الطبيعي يوجد في الخارج بنعت الكثرة فلها وجودات وأعدام إذ لكل وجود عدم بديل ، فعدم كل واحد من الأفراد عدم للطبيعي الموجود فيه ...»

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ٢ ، ص ١٨٩ الى ١٩١.

٢٩

أقول : ربما يقرر الإشكال بأن الطبيعة إن أخذت مبهمة فكما أن وجودها بوجود فرد ما فعدمها أيضا بعدم فرد ما ، وإن أخذت مرسلة فوجودها بوجود الجميع وانتفائها أيضا بانتفاء الجميع. ولأحد أن يجيب عن ذلك بأن الطبيعي حيث إنه لا بشرط من الوحدة والكثرة ، فلذا يوجد في الخارج بنعت الكثرة ونسبته إلى الأفراد نسبة الآباء إلى الأولاد ، كما بيّن في محله ، وهو بعينه يوجد في الذهن بنعت الوحدة فهو في حدّ ذاته لا واحد ولا كثير وانما يكون تعدده وكثرته بخارجيته ، أي بتبع الوجود الخارجي ، والعدم لا خارجية له حتى يتكثر وتتكثر بتبعه الطبيعة. نعم قد يتكثر العدم ذهنا بتكثر المضاف إليه وتعدده ، ولكن المضاف إليه فيما نحن فيه واحد ، وهو نفس الطبيعة ، إذ الكلام في عدم نفس الطبيعة ، لا الأفراد ، فلا مكثر للطبيعة لا خارجا ولا ذهنا. (١)

الفائدة الثالثة :

امتياز الوجوب والندب

«هل امتياز الوجوب والندب بالشدة والضّعف أم لا؟ ومنع في المتن ، الاحتمال الأوّل بأن الأمر الإنشائي ليس قابلا للشدة والضعف بنفسه لأنه أمر اعتباري صرف ، وليست الأمور الاعتبارية قابلة للتشكيك بذواتها ...»

أقول : يمكن أن يقال : كيف لا يقع التشكيك الذاتي في الأمور الاعتبارية إذا كانت شدّتها وضعفها أيضا بالاعتبار ، إذ من الواضح إمكان أن يعتبر العقلاء تارة وجود طلب شديد واخرى وجود طلب ضعيف. كما انّ الطلب الحقيقي اعني البعث والتحريك العملي الحاصلين بأخذ يد المطلوب منه وجرّه نحو العمل قد يكون بنحو الشدة والعنف وقد يكون بنحو الضعف ، وحينئذ فيمكن أن يقال إن المقارن الشديد قرينة على أنّ المنشأ بالصيغة طلب شديد ، والمقارن الضعيف قرينة على أن المنشأ بها طلب ضعيف ، والمجردة عن المقارن خالية عن القرينة. (٢)

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ٢٤٧.

(٢) نفس المصدر ، ص ١٠١.

٣٠

الفائدة الرابعة :

التعبدي والتوصلي

«متعلق الأمر في الواجب التوصلي هو نفس طبيعة الفعل لا الفعل المقيد بصدوره عن الإرادة فإذا أتي به في حال الغفلة أيضا كان مصداقا للمأمور به ، وترتب عليه سقوط الأمر قهرا.»

أقول : وببيان أوضح صدق عنوان الامتثال يتوقف على كون الأمر داعيا ومحركا كما لا يخفى ، ولكن متعلق الأمر ليس مقيدا بالإرادة ونحوها ، فتحققه بأي نحو كان موجب لسقوطه قهرا ، إذ متعلقه عبارة عن نفس الطبيعة المهملة الجامعة بين المرادة وغيرها ، من غير أن يلحظ الآمر سريانها إلى القسمين ، حتى يقال : إن الأمر بالنسبة إلى ما لا يوجد بالإرادة تعلق بأمر غير اختياري ، ومقدورية الطبيعة بما هي هي تتوقف على إمكان إيجادها بالإرادة ، لا على تعلق الإرادة بها فعلا. (١)

ما هو الداعي إلى طاعة المولى وما هو الملاك في عبادية العمل؟

«... ما هو الداعي حقيقة وما هو الملاك في عبادية العمل ليس الأمر الصادر عن المولى ، بل الداعي والملاك للعبادية والمقربية هو إحدى الغايات النفسانية الموجودة في نفس العبد أي العشق بالمولى ، او الشكر له ، او الخوف من عقابه ، او الشوق إلى ثوابه. وما اشتهر بينهم أن الداعي هو الأمر الصادر من المولى فاسد جدّا ...»

أقول : الظاهر أن داعي الفعل عبارة عن علته الغائية ، سواء كانت غاية نهائية محبوبة بالذات أو كانت غاية متوسطة واقعة في سلسلة العلل لما هو محبوب بالذات ، وبعبارة اخرى الداعي عبارة عما يتأخر عن الفعل بحسب الوجود ويتقدم عليه بحسب التصور ، بحيث يتولد من إرادته إرادة الفعل ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الغاية موجودة بوجود مستقل ممتاز عن

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ١١١.

٣١

ذي الغاية ، او تكون أمرا انتزاعيا موجودا بنفس وجوده ، وعلى الأوّل فلا فرق أيضا بين أن تكون من المسببات التوليدية التي لا تتوسط الإرادة بينها وبين أسبابها ، وبين أن لا تكون كذلك.

ومما ذكرنا يظهر أن في عدّ الملكات النفسانية دواع للأفعال نحو مسامحة ، فإنّ حبّ المولى أو الشوق إلى ثوابه أو الخوف من عقابه مثلا ليس علة غائية ، بل الذي يترتب على العمل هو حصول محبوب المولى او حصول ثوابه ، او التخلص من عقابه ونحو ذلك ، غاية الأمر أن الأوّل أمر ينتزع عن نفس العمل ، وقد عرفت أنه لا فرق في الداعي بين كونه موجودا بوجود مستقل ، وبين غيره. وما اشتهر بينهم من عدّ الأمر داعيا ، فلعل مرادهم من ذلك جعل عنوان موافقة الأمر داعيا ، وهي عنوان ينتزع عن الفعل الخارجي ، ويصح عدّها غاية له. (١)

الفائدة الخامسة :

هل يمكن اخذ قصد القربة في المأمور به؟

«قد أستدل على عدم الإمكان بوجوه : منها : لزوم التسلسل في مقام الامتثال ، وتقريبه : أن الأمر لا يدعو إلّا إلى متعلقه ، والمفروض أن متعلقه فيما نحن فيه ليس ذات الصلاة ، بل الصلاة بداعي الأمر فيسئل : أن المدعو إليه للأمر هو الصلاة بداعي الأمر المتعلق بأيّ شيء؟ فإن قلت إنه الصلاة بداعي الأمر المتعلق بذات الصلاة ، فهو خلاف الفرض ، وإن قلت إنه الصلاة بداعي الأمر المتعلق بالصلاة بداعي الأمر فهذا الأمر الثاني أيضا يحتاج إلى متعلق يكون مدعوا إليه وهو الصلاة بداعي الأمر أيضا وهلمّ جرّا فيتسلسل.»

أقول : الأولى تقرير التسلسل في طرف الداعي لا المدعو اليه ، فيقال : إن الصلاة بداعي الأمر (التي هي الواجبة حسب الفرض) يؤتى بها بداعي أيّ أمر؟ فان قيل بداعي الأمر بذات الصلاة ، فهو خلاف الفرض ، وإن قيل بداعي الأمر بالصلاة بداعي الأمر ، فيقال : بداعي الأمر

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ١١٧.

٣٢

بالصلاة بداعي الأمر بأي شيء؟ فان قيل بداعي الأمر بالذات لزم الخروج من الفرض ، وإن قيل بداعي الأمر بالمقيد لزم التسلسل. (١)

هل الارادة اختيارية أم لا؟

«... ثم إنّ فيما ذكره (صاحب الكفاية) اخيرا من عدم اختيارية الإرادة لإيجابها التسلسل أيضا ما لا يخفى ؛ فإن اختيارية كل فعل بالإرادة واختيارية الإرادة بنفسها.»

أقول : لا معنى لاختيارية الإرادة وكون إراديتها بنفسها ، فإن معنى اختيارية الفعل كون اختيار الفاعل وإرادته علة لحصوله ، ولا يعقل كون الإرادة علة لنفسها ، «نعم» ، هي إرادة بالحمل الأوّلي ، ولكن لا تكفي ذاتها في تحققها ، وإلّا لكانت واجبة الوجود. (٢)

الفائدة السّادسة :

مقايسة صاحب الكفاية مسألة الإجزاء مع مسألة تبعية القضاء للأداء

«قايس صاحب الكفاية مسئلة الإجزاء مع مسألة تبعية القضاء للأداء وأثبت الفرق بين المسألتين بأن البحث في مسألة التبعية في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها ، وفي مسألة الإجزاء ، في كون إتيان المأمور به مجزيا عقلا أم لا؟

... أقول : لا ينقضي تعجبي من مقايسة مسألة التبعية مع ما نحن فيه ؛ إذ بينهما بون بعيد ...»

يمكن أن يقال : إن عمدة النظر في بحث الإجزاء ، هو إثبات إجزاء امتثال الأمر الاضطراري أو الظاهري عن الأمر الواقعي فينازع في سقوط الأمر الواقعي وعدم سقوطه ، مع أن المكلف لم يأت ما هو المأمور به بهذا الأمر فليس بين المسألتين بون بعيد. (٣)

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ١١٣.

(٢) نفس المصدر ، ص ١٢٢.

(٣) نفس المصدر ، ص ١٢٦.

٣٣

تبديل الامتثال

«إن امتثال كل أمر ـ واقعي او ظاهري ـ يجزي عن التعبد بهذا الأمر ثانيا نعم لا يبعد أن يقال : إن للعبد تبديل الامتثال فيما لم يكن امتثاله علة تامة لحصول الغرض ، كما لو أتى بماء أمر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعد ...»

أقول : تبديل الامتثال بعد حصوله أمر غير معقول ، إذ الإتيان بفرد الطبيعة المأمور بها موجب لسقوطه قهرا ، وفيما ذكره من المثال لم يحصل الامتثال ، حتى يبدله على فرض ، ولم يمكن تبديله على فرض آخر ؛ فإن أمر المولى عبده باتيان الماء ، إما أن يكون الغرض منه هو التمكن من الشرب ، فقد حصل بنفس الإتيان ، فلا يعقل تبديل الامتثال ، نعم اراقة الماء موجبة لتفويت الغرض ، الذي قد حصل بالامتثال الأوّل ومولدة لأمر آخر.

وإما أن يكون الغرض منه رفع عطش المولى ، فالامتثال لم يحصل بصرف إتيان الماء ، حتى يبدله ، إذ المأمور به حينئذ ليس نفس الإتيان بالماء بل إيجاد كل ما هو في اختيار العبد من مقدمات رفع عطش المولى ، أعني إتيان الماء ؛ وابقائه الى زمن شرب المولى اياه ، فما لم يشربه المولى لم يحصل الامتثال ، وكان للعبد اراقة الماء وتبديله ، ولكن ليس هذا تبديلا للامتثال. (١)

امتثال أمر عن أمر آخر

«هل يجزي امتثال أمر عن أمر آخر كإتيان المأمور به بالأمر الاضطراري عن اتيان المأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي بعد رفع الاضطرار في الوقت او خارج الوقت؟ ...

لم يتوجه إلى المضطر أمران حتى يقع البحث في كفاية امتثال احدهما عن الآخر ...»

ربما يقال : إن الأدلّة الدالة على التكاليف الاضطرارية لا تقيّد الأدلّة الدالة على التكاليف الأوّلية بأن تخصها بصورة الاختيار ، لعدم المنافاة بينهما ، لإمكان أن يكون المضطر مكلفا

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ١٢٦.

٣٤

بتكليفين وان كانا متعلقين بفردين من طبيعة واحدة. غاية الأمر إنه لمّا كانت القدرة من الشرائط العقلية لفعلية التكاليف ، كان التكليف الأوّلي بالنسبة إلى المضطر في زمن اضطراره غير فعلي ، فاذا ارتفع الاضطرار ارتفع مانع الفعلية فأثّر التكليف الأوّلي أثره. (١)

موارد إجزاء امتثال الأمر الاضطراري

«بعد قبول أن للمكلف المضطر امرين وأن امتثال الأمر الاضطراري يجزي عن الأمر الواقعي ففي ما إذا لم يكن إطلاق فما هو التكليف؟

... فما ذكره (صاحب الكفاية) اخيرا ـ من أنه إذا لم يكن هناك إطلاق يدل على أن الموضوع للأمر الاضطراري هو مطلق الاضطرار ولو في بعض الوقت فالمرجع هو البراءة ـ فاسد جدا إذ المكلف قد علم باشتغال ذمته بالأمر الواقعي ... وهذا يقتضي تحصيل البراءة اليقينية فكيف حكم قدس‌سره بأصالة البراءة؟»

أقول : يمكن أن يقال : إن مراده قدس‌سره من الإطلاق ليس هو إطلاق الاضطرار ، كما في كلام سيدنا الأستاذ العلامة ـ مد ظلّه العالي ـ بل المراد إطلاق البدلية فيكون حاصل مراده أن المكلف لمّا لم يقدر على امتثال التكاليف الأوّلية جعل الشارع التكاليف الاضطرارية أبدالا لها ، فحين الاضطرار لا تكون التكاليف الأوّلية فعلية ، بل الفعلية لأبدالها. وحينئذ فلو كان لنا إطلاق يدل على أن ما جعله الشارع بدلا ، بدل إلى الأبد ، أخذنا بالإطلاق وحكمنا بالإجزاء عن التكليف الأوّلي ، لكفاية البدل عن المبدل منه ، ولو لم يكن هناك إطلاق ، فشككنا في أن بدلية الفرد الاضطراري عن الأوّلي هل هي إلى الأبد حتى مع ارتفاع الاضطرار ، أو كانت بدليته منه في زمن الاضطرار فقط بأن يكون وافيا بما يفوت من مصلحة الفرد الأوّلي في زمن الاضطرار من دون أن يكون وافيا بما يمكن تحصيله بعد ارتفاع الاضطرار بالإعادة او القضاء ، فحينئذ نحكم بالبراءة ، إذ التكليف الأوّلي لم يكن في زمن الاضطرار فعليا ، وبعد ارتفاعه

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ١٢٩.

٣٥

يشك في صيرورته فعليا لاحتمال أن تكون بدلية الفرد الاضطراري منه إلى الأبد ، وهذا واضح ولا سيما إذا كان طروء الاضطرار من أول الوقت. (١)

الفائدة السابعة :

الإجزاء في الأمارات والاصول

«محل البحث : إجزاء امتثال الأحكام الظاهرية عن الواقعية وأنه هل فيه فرق بين الأمارات والأصول أم لا؟ فقال صاحب الكفاية (ره) بالفرق بينهما بالقول بالإجزاء في الأصول دون الأمارات لحكومة أدلة الأصول على أدلة الأحكام الواقعية بخلاف الأمارات ، وناقش فيه المحقق النائيني (ره) بوجوه :

... الثالث : أن الحكومة في المقام إن كانت واقعية لزم ترتيب جميع آثار الواقع على الطهارة الظاهرية ، فلا بدّ أن لا يحكم بنجاسة الملاقي أيضا ، ولو انكشف الخلاف بعد ذلك. وفيه : أن الحكم الظاهري إنما يثبت مع انحفاظ الشك وأما بعد زواله فينقلب الموضوع ، فالملاقي أيضا يحكم بطهارته ما دام الشك ، وأما بعد زواله فيحكم بنجاسة كل من الملاقي والملاقى.» (٢)

أقول : لا يخفى أن المهم في إثبات الإجزاء في الأحكام الظاهرية هو الجواب عن النقوض الواردة عليه ؛ (فمنها) هذا المثال ، (ومنها) أن مقتضى ذلك حصول الطهارة للثوب النجس إذا غسل بالماء المشكوك الطهارة.

(ومنها) انتقال الثمن حقيقة إلى البائع إذا أخذه في مقابل المشكوك فيه الذي حكم بطهارته ظاهرا ، وكان مما يفسد بيعه نجسا إلى غير ذلك من النقوض. والظاهر أن جواب سيدنا الأستاذ العلامة ـ مد ظلّه العالي ـ لا يكفي لرفع الإشكالات ، فإن الملاقاة في المثال الأوّل مثلا قد وقعت في حال كون الملاقى «بالفتح» ، محكوما بالطهارة ، وبعد انكشاف الخلاف وإن تبدل الموضوع ، ولكن المفروض عدم حدوث ملاقاة اخرى بعد تبدله ، فالحكم بنجاسة الملاقي لا يصح إلّا بناء على كون الحكومة ظاهرية.

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ١٣٢.

(٢) نفس المصدر ، ص ١٤١.

٣٦

نعم ، يمكن أن يجاب عن النقض الأوّل بوجه آخر وهو أن يقال : إن الأثر الشرعي عبارة عمّا يثبت للشيء بجعل الشارع ، وفي باب الملاقاة ليس لنا مجعولان شرعيان : أحدهما كون ملاقي النجس نجسا ، وثانيهما كون ملاقي الطاهر طاهرا ، بل المجعول الشرعي هو الأوّل فقط ، بداهة أن طهارة الملاقي «بالكسر» ليست حاصلة بسبب طهارة الملاقى «بالفتح» ، بل كانت حاصلة قبل الملاقاة أيضا.

وبالجملة طهارة الملاقي «بالكسر» ليست من الآثار الشرعية لطهارة الملاقى ، حتى يقال : إن مقتضى كون الحكومة واقعية هو بقاء هذا الأثر بعد انكشاف الخلاف أيضا. «اللهم إلّا أن يقال» إن الطهارة ليست إلّا عبارة عن عدم النجاسة والقذارة ، كما يساعد عليه العرف أيضا ، وحينئذ فيكون المراد من كون طهارة الملاقي «بالكسر» بسبب طهارة الملاقى كون عدم نجاسته مستندا إلى عدم نجاسته استناد عدم المعلول إلى عدم علته ؛ فتأمل فإن ذلك أيضا لا يفيد ثبوت المجعولين.

ثم إنه يمكن أن يجاب بما ذكر عن الإشكال الذي أورده بعض الأعاظم في مسألة ملاقي أحد طرفي العلم الإجمالي فإن المعروف عندهم كون الملاقي طاهرا وحلالا لتعارض الأصلين في الطرفين فيبقى الأصل في الملاقي سالما عن المعارض.

واستشكل هذا البعض على ذلك بأن استصحابي الطهارة في الطرفين يتعارضان ويتساقطان ، فتصل النوبة في الرتبة اللاحقة إلى قاعدة الطهارة في الطرفين واستصحابها في الملاقي ، ثم تتعارض الأصول الثلاثة وتتساقط ، وتصل النوبة بعدها إلى استصحاب الحلّيّة في الطرفين وقاعدة الطهارة في الملاقي في عرض واحد ، فتتعارض أيضا وتصل النوبة إلى قاعدة الحلّيّة في الطرفين واستصحابها في الملاقي فتتساقط أيضا ، فيبقى الطرفان بلا أصل وتبقى قاعدة الحلّيّة في الملاقي بلا معارض ، ومقتضى ذلك حلّيّة الملاقي دون طهارته.

والجواب عن هذا الإشكال يظهر مما ذكرنا ، فإنا لا نسلم كون طهارة الملاقي أو حلّيّته متأخرة بحسب الرتبة عن طهارة الملاقى «بالفتح» أو حلّيته حتى يكون جريان استصحاب الطهارة أو الحلّيّة أو قاعدتهما في الملاقي متأخرا عن جريانها في الملاقى «بالفتح» وذلك لبداهة أن حلّيّة الملاقي «بالكسر» أو طهارته ليست أثرا شرعيا لحلّيّة الملاقى «بالفتح» أو

٣٧

طهارته ، وفي الأصل السببي والمسببي يعتبر ترتب الأثرين لا الشكين فقط ، فإنّ تقدم الأصل السببي على المسببي إنما يكون من جهة أن جريانه في السبب يوجب تحقق ما هو الموضوع للأثر في طرف المسبب ، فيعتبر في ذلك كون المستصحب مثلا في طرف المسبب من الأحكام الشرعية للمستصحب في طرف السبب ، كما إذا غسل المتنجس بالماء المستصحب الطهارة ، فإنّ هذا الاستصحاب يرفع الشك عن ناحية المسبب قهرا. (١)

نقد كلام صاحب الكفاية في الفرق بين الأمارات والأصول في الإجزاء

«... وبالجملة : الفرق بين الأمارة والأصل [بالقول بالإجزاء في الثاني دون الأوّل] بكون الأولى بلسان الحكاية دون الثاني ، إنما يصح إذا كان النظر إلى نفس مؤدّى الأمارة التي هي أمر تكويني ، وأما إذا كان النظر إلى دليل حجيتها فلا فرق بينهما ؛ لظهور دليل كلّ منهما في الإجزاء ورفع اليد عن الواقع.»

أقول : لا يخفى أن ما ذكره سيدنا الأستاذ العلامة ـ مد ظلّه العالي ـ من ثبوت الإجزاء في الأمارات يتوقف على ثبوت جعل في الأمارات ، حتى يقال بكون أدلة حجيتها ناظرة إلى الأدلّة الواقعية الواردة في تحديد الأجزاء والشرائط والموانع وموجبة لتوسعة المأمور به ، مع أنه ـ مد ظلّه ـ أيضا ينكر ثبوت الجعل في الأمارات الّا بنحو الإمضاء ، وليس معنى الإمضاء أن يقول الشارع «أمضيت» مثلا ؛ فإن هذا مقطوع العدم ، بل معناه عمل العقلاء بها واعتمادهم عليها في مقام إثبات الواقعيات ، أو مقام الاحتجاج واللجاج بمرأى الشارع ومسمعه من دون أن يردع عنها ، بل هو أيضا كأحدهم في ذلك وكذا في غيرها من العاديات ، ما لم يترتب عليها مفسدة. ولا ريب أن العقلاء لا يرون العمل بالكاشف أو الحجة مجزيا عن الواقع ، ولو في صورة انكشاف الخلاف ، بل يرون أنفسهم موظفين بتأدية الواقع ، فإثبات الإجزاء في باب الأمارات مشكل ، والسر في ذلك عدم كون دليل حجيتها ذا لسان.

نعم ربما يقرب الحكومة في المقام وفي باب حكومة أدلة الأمارات على الأصول بأن دليل

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ١٤٢.

٣٨

حجيتها (من السيرة وبناء العقلاء) وإن لم يكن ذا لسان ، لكنه يكون بحيث لو صيغ في قالب اللفظ كان لفظه شارحا ومفسرا ، ويكفي مثل ذلك في الحكومة ، ففي باب حجية الخبر وإن كان عمدة دليلها السيرة الممضاة بعدم الردع ، ولكن لو جعل ذلك في قالب اللفظ كان لفظه عبارة عن مثل (ألق احتمال الخلاف) ، فإن نظر العقلاء بها في الاعتماد عليها ، بحيث يلقون بقيامها احتمال الخلاف ويرون الواقع منكشفا بها ، ولأجل هذا تقدم على الأصول ويقال : إنه من باب الحكومة ، وهذا اللسان أيضا حاكم على أدلة الأجزاء والشرائط والموانع ، فيترتب عليه الإجزاء. (١)

إشكال آخر في الإجزاء ونقده

«أما الإشكال فهو أن حكومة الأحكام الظاهرية على الأحكام الواقعية حكومة ظاهرية يترتب عليها جواز ترتيب آثار الواقع في زمن الشك ما لم ينكشف الخلاف ، ولا يعقل كونها حكومة واقعية موجبة لتعميم الواقع أو تضييقه حقيقة ... ، وأما الجواب فهو أن الخطاب الواقعي وإن كان مطلقا غير مقيد بالعلم والجهل ومقتضاه بطلان العمل الفاقد بحسب الواقع للشرط والجزء ، ولكن بعد ورود دليل حجية الاصول يجب رفع اليد عن إطلاق الحكم الواقعي والحكم بسقوط الشرط والجزء عن الشرطية والجزئية في صورة الجهل والشك. ولا يمكن ان يكون جعل الحكم الظاهري لغرض المعذرية فقط ، إذ بعد انكشاف الخلاف في الوقت وإمكان إتيان المكلف بالعمل مطابقا للواقع لا وجه للمعذرية ...

... وبالجملة : اثر الحكم الظاهري وإن كان في سائر المقامات عبارة عن تنجيز الواقع في صورة الموافقة ؛ وكونه معذرا بالنسبة إليه في صورة المخالفة ؛ ولكن هذا فيما إذا لم يكن الواقع منجزا لو لا الجعل الظاهري ، وأما في هذه الصورة فأثر الجعل الظاهري توسعة المأمور به وإسقاط

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ١٤٤.

٣٩

الشرطية الواقعية وجعل فرد طولي لما هو المأمور به ؛ ولازم ذلك حمل الواقع على الإنشائية المحضة. وبهذا البيان يظهر أن كيفية الجمع بين الحكمين في المقام تخالف كيفيته في سائر المقامات.»

أقول : لا يخفى أن المعذرية ليست أثرا للحكم الظاهري بنحو يكون جعله بلحاظها ، إذ في موارد الجهل بالواقع وعدم تمامية الحجة عليه تكون المعذورية مستندة إلى عدم انكشاف الواقع وعدم تمامية الحجة بالنسبة إليه ، لا إلى انكشاف الخلاف وقيام الحجة على خلاف الواقع ، فلو فرض عدم قيامه الحجة على الخلاف أيضا كان المكلف معذورا لأجل الجهل بالواقع ، وفي موارد انكشاف الواقع وتمامية الحجة بالنسبة إليه كما في ما نحن فيه وإن كان جعل الحكم الظاهري المؤدّي إلى خلاف ما قامت عليه الحجة معذرا للعبد ؛ ولكن لا مجال لجعله بلحاظ هذا الأثر ، لاستلزام ذلك تفويت الغرض والواقع بلا جهة ملزمة ، هذا.

ولكن جعل الحكم الظاهري في القسم الثاني بعد تحقق المصحح لجعله «من التسهيل ونحوه» يترتب عليه المعذرية أيضا ؛ وهذا بخلاف جعله في القسم الأوّل ، أعني صورة عدم تمامية الحجة بالنسبة إلى الواقع. فما ذكره سيدنا الأستاذ الأكبر ـ مد ظلّه العالي ـ من عدم كون المعذرية أثرا للحكم الظاهري «في هذا القسم» لعله أراد بذلك عدم كونها أثرا مصححا لجعله وهو كذلك ؛ إلّا أنه يمكن أن يورد عليه أن المعذرية ليست أثرا مصححا في سائر الموارد أيضا ؛ بل ليست أثرا للحكم الظاهري أصلا كما عرفت. (١)

الفائدة الثامنة :

الترتب في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري

«نقل كلام المحقق الشيرازي في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بنحو الترتب ونقده ، وأن ما يجري في الضدين لا يجري هنا.

... هذا كله في ما يتعلق بالضدين ، وأما ما نحن فيه ، فلا يجري فيه هذا البيان ، إذ الفعل المحرم واقعا إذا قامت الأمارة على وجوبه ـ مثلا ـ يلزم بناء

__________________

(١) نهاية الأصول ، ص ١٤٧.

٤٠