مجمع الفوائد

آية الله المنتظري

مجمع الفوائد

المؤلف:

آية الله المنتظري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر سايه
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-5918-39-1
الصفحات: ٤٩٤

المصنّف على إبطال الثاني بأنّهما لو وجبا عقلا لزم أحد الأمرين : وهو إمّا خلاف الواقع أو الإخلال بحكمة الله ـ تعالى ـ والتالي بقسميه باطل فالمقدّم مثله. بيان الشرطية أنّهما لو وجبا عقلا لوجبا على الله ـ تعالى ـ فإنّ كل واجب عقليّ يجب على كلّ من حصل في حقّه وجه الوجوب ، ولو وجبا عليه ـ تعالى ـ لكان إمّا فاعلا لهما فكان يلزم وقوع المعروف قطعا لأنّه ـ تعالى ـ يحمل المكلّفين عليه ، وانتفاء المنكر قطعا لأنّه ـ تعالى ـ يمنع المكلّفين منه ، وإمّا غير فاعل لهما فيكون مخلا بالواجب وذلك محال لما ثبت من حكمته ـ تعالى ـ» (١)

وراجع في هذا المجال المنتهى أيضا. (٢)

نكات ينبغي الإشارة إليها :

الاولى : ما هو الغرض من ايجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

الظاهر أنّ الغرض من إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إيجاد الداعي وتقويته في نفوس المكلّفين لتوجههم إلى ما هو معروف وانزجارهم عما هو منكر حتى يصير المجتمع مجتمعا صالحا إسلاميا رائجا فيه الخير والصلاح ويقلّ فيه الشرّ والفساد ، وليس الغرض من إيجابهما إلجاء الناس وسلب الاختيار منهم بحيث لا يتمكن أحد من إتيان المنكر ، إذ الدار دار الاختيار والاختبار ، والكمال المطلوب للإنسان لا يحصل إلّا إذا بقي فاعلا مختارا ينتخب بحسن نيته ما فيه الخير والصلاح أو يختار بسوء سريرته ما فيه الشرّ والفساد.

قال الله ـ تعالى ـ في سورة الملك : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)(٣) والبلاء لا يحصل إلّا مع الاختيار.

__________________

(١) كشف المراد ، ص ٤٢٨ ، المقصد السادس ، المسألة السادسة عشرة.

(٢) المنتهى ، ج ٢ ، ص ٩٩٣ ، كتاب الجهاد ... ، المقصد التاسع ، البحث الثاني.

(٣) سورة الملك (٦٧) ، الآية ٢.

٣٨١

ففي الحقيقة يكون إيجابهما بداعي تقوية الأوامر والنواهي الأولية الواردة من قبل الله ـ تعالى ـ بوساطة الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام ، وكلاهما واقعان في طريق تقوية العقل والفطرة.

وبالجملة فالغرض من إيجابهما جعل المحيط محيطا سالما إسلاميا يكثر فيه الاشتياق إلى الخير والصلاح ، لا إلجاء المكلّفين وسلب الاختيار منهم وحملهم بالإجبار على الطاعة وإن فرض قدرتنا على ذلك.

وعلى هذا فلو فرض وجوبهما على الله ـ تعالى ـ أيضا كان وجوبهما عليه أيضا على حدّ وجوبهما علينا لا على نحو الإلجاء والحمل الإجباري بحيث لا يتحقق معصية أصلا كما هو المستفاد من كلام المحقق الطوسي وبيان العلامة في شرحه وفي المنتهي حيث يظهر منهما إرادة الحمل التكويني والمنع التكويني من ناحية الله ـ تعالى ـ لو وجبا عليه وعمل بهما.

وحينئذ فيمكن أن يقال : إنّ كيفية العمل بهذين الواجبين تختلف حسب الموارد ، فإذا فرض أنّ أحدا مبسوط اليد يريد الأمر والنهي بالنسبة إلى جماعة كثيرة منتشرة في البلاد المختلفة فطريق ذلك عند العقلاء إبلاغ أوامره ونواهيه بوساطة عمّاله المتفرقين في البلاد وأمرهم بنشرهما وإبلاغهما ، لا تصدي ذلك بنفسه ومباشرته ، وعلى هذا فيمكن أن يقال : إنّ أمر الله ـ تعالى ـ عباده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإيجاب ذلك عليهم في الحقيقة أمر الله بالمعروف ونهي الله عن المنكر ، إذ الأمر بالأمر أمر والأمر بالنهي نهي ، ولا يجب تحقق ذلك بمباشرته ولا يلزم في تحقق الواجب أزيد من ذلك.

الثانية : إطار الواجبات العقلية

أنّ ما يقال من أنّ الواجبات العقلية تجب على الله ـ تعالى ـ أيضا لعدم تطرّق الاستثناء إليها لا كليّة له ، إذ لا يجري هذا في باب الإطاعة والعصيان من العناوين المنتزعة في الرتبة المتأخرة عن الأوامر والنواهي ، فإنّ وجوب الأوّل وحرمة الثاني وإن كانا بحكم العقل لكن موضوعهما العبيد في قبال الموالي ، فلا يمكن أن يجريا على الله ـ تعالى ـ نفسه ، إذ لا مولى له حتى يجب عليه إطاعته ويحرم عليه عصيانه.

٣٨٢

الثالثة : أحكام العقل على قسمين

لا يخفى أنّ أحكام العقل على قسمين :

بعضها مما يدركه العقل ويحكم به مستقلا ولا مجال لحكم الشرع فيها ، كوجوب الإطاعة وحرمة العصيان ، إذ لو كانا شرعيين لزم التسلسل أعني وجود أوامر غير متناهية ووجوب إطاعات غير متناهية وحرمة عصيانات غير متناهية كما مرّ بيانه.

وبعض منها من أحكام الشرع حقيقة ولكن العقل كاشف عنها كما في المقام ـ على القول به ـ إذ الظاهر أنّ وجوبهما شرعي وهما من فرائض الإسلام كما مرّ في عبارة النهاية ولكن طريق إثباتهما العقل بناء على ما قالوا من وجوبهما بقاعدة اللطف.

ومعنى ذلك أنّه لو فرض عدم وجود آية أو رواية تدلّ على وجوبهما شرعا فالعقل يدرك وجوبهما من قبل الشارع لاقتضاء لطفه ذلك.

وبعبارة اخرى : القسم الأوّل من أحكام العقل في مقام الثبوت ، والقسم الثاني من أحكامه في مقام الإثبات.

الرابعة : الاستدلال للمسألة بقاعدة اللطف

أنّ القائلين بوجوبهما عقلا ربما يستدلّون لذلك بقاعدة اللطف ـ كما مرّ عن الشيخ في كتاب الاقتصاد ويأتي من المصنف أيضا ـ وإنّما يحكم العقل بوجوب اللطف في المقام ـ على القول به ـ لو لم يتحقق من ناحية الشارع في هذا المقام لطف وعناية ، فلأحد أن يقول : إنّ إرساله للأنبياء والرسل وإنزاله للكتب السماوية وأوامره الواردة في باب الإرشاد والتبليغ وما ورد منه في الثواب والعقاب على الأعمال وأمثال ذلك كافية في تحقق ما يجب عليه ـ تعالى ـ من ترغيب العبيد إلى الطاعة وتنفيرهم عن المعصية ، فلا يحكم العقل بوجوب أزيد من ذلك.

٣٨٣

نقد كلام الأستاذ الإمام (ره)

وأما ما ذكره الأستاذ (ره) من أنّ العقل كما يحكم بوجوب المنع عن تحقق ما هو مبغوض المولى بنحو الإطلاق يحكم أيضا بوجوب المنع عن تحقق ما هو مبغوض الصدور عن المكلّفين ، فيمكن أن يناقش فيه بالفرق بينهما بما أشرنا إليه آنفا من أنّ الغرض من خلق الإنسان من نطفة أمشاج وإيداء قوى مختلفة فيه : رحمانية وشيطانية ، وجعله ذا إرادة واختيار هو ابتلاؤه واختباره ليميز الله الخبيث من الطيب ويظهر بذلك قداسة أهل الطاعة وخباثة أهل الطغيان.

وعلى هذا فاللازم أن توجد له أرضية السعادة والشقاوة كليهما وأن يخلّي هو وطبعه المختار ، وليس وزانه وزان السبع الذي يريد افتراس ابن المولى مثلا ـ وهو غير مكلّف ـ حيث يجب منعه بأيّ نحو كان.

نعم لو كان المنكر من الأمور المهمة التي علم إرادة الشارع منع تحققه في الخارج من غير نظر إلى من يصدر عنه مثل قتل النفوس مثلا حكم العقل حينئذ بوجوب رفعه ودفعه كيف ما كان ، ولكن لا من باب النهي عن المنكر بل لكون الوجود مبغوضا لله ـ تعالى ـ وإن صدر عن غير المكلف. هذا ، ولكن لا يجب دفع ذلك أيضا من قبل الله ـ تعالى ـ تكوينا ومباشرة ، إذ مباشرته بذلك توجب الإلجاء وسلب الاختيار عن الفاعل المختار ، وهذا خلاف مصلحة نظام الاختيار والاختبار.

احتمال القول بالتفصيل في المسألة

وإذا وصل الكلام إلى هذا المقام فلأحد أن يفصّل ويقول ـ كما مرّ ـ إن كان المنهي عنه من الأمور المهمة التي لا يرضى الشارع بوقوعها كيف ما كان ، كتقوية الشرك وقتل النفوس وتقوية الظالمين ، حرمت الإعانة عليها بأيّ نحو كان.

وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا بأس بإيجاد بعض المقدمات البعيدة لها إذا لم يكن عن قصد ولم

٣٨٤

يسلب اختيار الفاعل ولم تعدّ الفائدة المترتبة عليها منحصرة في الحرام عرفا كمثال إعطاء العصا للظالم ، ولم تكن المقدمة منحصرة أيضا بنحو يعدّ إيجادها سببا لوقوع المعصية لا محالة بل عدّ وقوعها مستندا إلى المباشر فقط ، وذلك كبيع العنب ممن يعلم أنّه يجعله خمرا والخشب ممن يعلم أنّه يتخذه برابط مع عدم الانحصار ، كما دلّت على جواز ذلك الأخبار الصحيحة ـ كما مرّت ـ وقد عرفت أنّ الغالب في مواردها عدم الانحصار فليحمل إطلاقها عليه.

وقد دلّ على هذا التفصيل مكاتبة ابن إذنية السابقة ، (١) حيث فصّل فيها بين بيع الخشب ممن يتخذه برابط وبيعه ممن يتخذه صلبانا.

وقد علّل في صحيحة الحلبي السابقة عدم البأس بقوله عليه‌السلام :

«تبيعه حلالا فيجعله حراما فأبعده الله وأسحقه.» (٢) فيظهر منه أنّ ملاك عدم البأس استناد الحرام إلى المشتري دون البائع.

وعلى هذا فطرح النصوص الكثيرة الدالّة على الجواز ـ مع صحّة كثير منها ـ بسبب ما سمعته من التشكيك في كلمات الأعلام اجتهاد في قبال النصّ ، وسهولة الشريعة وسماحتها تقتضي جواز الأخذ بها.

وغاية ما يمكن أن يقال : إنّ البائع يجب عليه نهي المشتري عما يقصده ، لا تركه لبيع ما هو محلّل بطبعه ولا ينحصر فائدته في الحرام ، ولا تعجيز المشتري بعد كون المشتري مختارا والدار دار الاختيار والاختبار لا دار الإلجاء والتعجيز كما مرّ ، فتأمّل.

ما يشهد لقاعدة وجوب دفع المنكر

«ويشهد بهذا ما ورد من أنّه لو لا أنّ بني أميّة وجدوا من يجبي لهم الصدقات ويشهد جماعتهم ما سلبوا حقّنا.

دلّ على مذمّة الناس في فعل ما لو تركوه لم يتحقق المعصية من

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ ، ص ١٢٧ ، الباب ٤١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١.

(٢) نفس المصدر ، ج ١٢ ، ص ١٦٩ ، الباب ٥٩ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

٣٨٥

بني أميّة ، فدلّ على ثبوت الذمّ لكلّ ما لو ترك لم يتحقق المعصية من الغير.» راجع الوسائل ، ومتن الحديث هكذا : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لو لا أنّ بني أميّة وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا.» الحديث.» (١)

وحكومة بني أميّة الموجبة لسلب حقّهم عليهم‌السلام قائمة بأعمال الجميع ، بحيث يكون عمل كلّ منهم جزء من علّتها ، ودفعها يتحقق بترك الجميع أعمالهم ، فترك كلّ واحد منهم عمله دخيل في دفع حكومتهم ، فيكون واجبا والعمل حراما وإن لم يكن بوحدته كافيا لدفعها. هذا.

مناقشة المحقق الخوئي (ره) ونقدها

وقد أجاب في مصباح الفقاهة عن الاستدلال بوجوب دفع المنكر بما ملخّصه :

«أوّلا : بأنّ الاستدلال به هنا إنّما يتّجه إذا علم المعين بانحصار دفع الإثم بتركه الإعانة عليه ، وأمّا مع الجهل بالحال أو العلم بوقوع الإثم بإعانة الغير فلا يتحقق مفهوم الدفع.

وثانيا : بأنّ دفع المنكر إنّما يجب إذا كان ممّا اهتم الشارع بعدم وقوعه كقتل النفوس المحترمة وهتك الأعراض المحترمة ونهب الأموال المحترمة وهدم أساس الدين وكسر شوكة المسلمين ونحو ذلك. وأمّا في غير ما يهتم الشارع بعدمه من الأمور فلا دليل على وجوب دفع المنكر.

وأما أدلة النهي عن المنكر فلا تدلّ على وجوب دفعه ، فإنّ معنى دفعه تعجيز فاعله عن الإتيان به ، والنهي عن المنكر ليس إلّا ردع الفاعل وزجره عنه على مراتبه المقرّرة في الشريعة ، ولا وجه لقياس دفع المنكر على رفعه ، إذ مرجع الرفع وإن كان بالتحليل إلى الدفع إلّا أنّ الأحكام الشرعية وموضوعاتها لا تبتني على التدقيقات العقلية. ولا شبهة في صدق رفع المنكر في العرف والشرع على منع العاصي عن إتمام المعصية التي ارتكبها ، بخلاف الدفع.

__________________

(١) نفس المصدر ، ج ١٢ ، ص ١٤٤ ، الباب ٤٧ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١.

٣٨٦

وأمّا رواية ابن أبي حمزة فمضافا إلى ضعف السند فيها ، أنّها أجنبية عن رفع المنكر فضلا عن دفعه لاختصاصها بحرمة إعانة الظلمة.» (١)

أقول : أمّا ما ذكره أوّلا فيأتي البحث فيه عن قريب عند تعرّض المصنف له. (٢)

وأما ما ذكره من الفرق بين الرفع والدفع فقد أجاب عنه الأستاذ (ره) بما مرّ من إلغاء الخصوصية بمناسبة الحكم والموضوع ، قال (ره) :

«وهل ترى من نفسك أنّه لو أخذ أحد كأس الخمر ليشربها يجوز التماسك عن النهي حتى يشرب جرعة منها ثم وجب علينا النهي؟!» (٣).

نعم الظاهر صحة ما ذكره من الفرق بين المعاصي المهمة التي لا يرضى الشارع بوقوعها كيف ما كانت وبين غيرها ، كما مرّ ، ففي القسم الأوّل يجب السعي في عدم وقوعها وعدم استمرارها بأيّ نحو كان ، لا من باب النهي عن المنكر بل لكونها مبغوضة للمولى وإن فرض صدورها عما لا تكليف له كالصغار والمجانين ، بل والبهائم والحوادث الطبيعية كالزلزلة ونحوها ، بخلاف القسم الثاني. ولا فرق في كليهما بين الرفع والدفع ، وليس الدفع مطلقا عبارة عن تعجيز الفاعل. ومورد رواية ابن أبي حمزة من الموارد المهمة.

وبالجملة ففي غير الموارد المهمة وإن وجب النهي عن المنكر رفعا ودفعا رعاية لمصلحة الفرد لكن لا إلى حدّ يصل إلى الإلجاء والتعجيز ، ولذا لا يجوز فيها إعمال الضرب والجرح أيضا إلّا بإذن الحاكم إذا رآهما صلاحا ، وفي الحقيقة يلاحظ فيهما مصلحة المجتمع لا مصلحة الفرد فقط.

«وهذا وإن دلّ بظاهره على حرمة بيع العنب ولو ممّن يعلم أنّه سيجعله خمرا مع عدم قصد ذلك حين الشراء ، إلّا أنّه لم يقم دليل على وجوب

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ١ ، ص ١٨١ وما بعدها ، في المسألة الثالثة من القسم الثاني من النوع الثاني.

(٢) المكاسب المحرمة ، ج ٢ ، ص ٣٥٩.

(٣) المكاسب المحرمة للإمام الخميني (ره) ، ج ١ ، ص ١٣٧ (ط. اخرى ، ج ١ ، ص ٢٠٦) ، في النوع الثاني من القسم الثاني.

٣٨٧

تعجيز من يعلم أنّه سيهمّ بالمعصية ، وإنما الثابت من النقل والعقل القاضي بوجوب اللطف وجوب ردع من همّ بها وأشرف عليها.»

قد مرّ (١) أنّ إرسال الأنبياء وإنزال الكتب السماوية والأوامر الأولية وما ورد في إيجاب الإرشاد والتبليغ والثواب والعقاب على الأعمال كافية في تحقق اللطف منه تعالى ـ على فرض وجوبه ـ ولا يحكم العقل بوجوب أزيد من ذلك عليه ـ تعالى ـ (٢)

__________________

(١) راجع ص ٣٥٤ ، النكتة الرابعة.

(٢) المكاسب المحرمة ، ج ٢ ، ص ٣٥٨.

٣٨٨

الفصل الثاني :

قاعدة اليد

وهو يشتمل على فوائد :

٣٨٩
٣٩٠

الفائدة الاولى :

ما هو الدليل على حجية اليد؟

«لو شك المشتري في أنّ البائع أدّى الزكاة أم لا؟

فهل يصح التمسك لصحة المعاملة بقاعدة اليد أم لا؟ واختار في العروة أنّه ليس على المشتري شيء.» (١)

وأما قاعدة اليد المتمسّك بها في المقام ففي المستمسك :

«ظاهر المشهور عدم حجية اليد إذا كانت مسبوقة بكونها أمانة أو عادية ، لاستصحاب كونها كذلك». (٢)

أقول : الشهرة المفيدة هي الشهرة القدمائية الكاشفة عن تلقي المسألة عن المعصومين عليهم‌السلام كما نقّحناه كرارا ، لا الشهرة الحاصلة بين الأصوليين المتاخرين في أمثال هذه المسائل الاستنباطية.

والظاهر انّ نظره ـ قدس‌سره ـ إلى ما ذكره المحقق النائيني في أصوله. ومحصّله :

«ان اليد أمارة على الملكيّة إذا لم يعلم كيف حدثت ، وأحتمل أن يكون حدوثها من أوّل الأمر بنحو الملكية. وامّا إذا علم حالها وأن حدوثها كان على وجه الغصب أو الأمانة أو الإجارة مثلا ثمّ أحتمل انتقال المال بعده إلى صاحب اليد فلا ينبغي الإشكال في سقوط اليد ووجوب العمل على ما يقتضيه استصحاب حال اليد ، فان اليد أمارة على الملك إذا كانت مجهولة الحال غير معنونة بعنوان الإجارة أو الغضب. واستصحاب حال اليد يوجب تعنونها بأحدهما ، فلا تكون كاشفة عن الملكية. فلا ينبغي الإشكال في حكومة الاستصحاب على اليد إذا

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ٢ ، ص ١١٢.

(٢) المستمسك ، ج ٩ ، ص ١٧١.

٣٩١

استصحب حالها. وعلى ذلك يبتني قبول السجلات وأوراق الإجارة وينتزع المال عن يد مدّعي الملكيّة إذا كان في يد الطرف ورقة الإجارة ونحوها ، كما عليه عمل العلماء في سالف الزمان» (١).

نقد المستمسك لكلام المحقق النائيني :

وأجاب في المستمسك عن ذلك بما محصّله بتوضيح منّا :

«أنّه لو كان موضوع الحكم مقيّدا بقيد كقوله أكرم العالم العادل مثلا ، وكان للقيد في مورد حالة سابقة وجودا أو عدما جاز إحرازه بالاستصحاب بلا إشكال. ولكنّ الموضوع للحجيّة في المقام ليست هي اليد مقيّدة بعدم كونها أمانيّة أو عادية حتى يكون استصحابهما رافعا لموضوع الحجيّة. كيف؟ واليد حجّة مطلقا ولو أحتمل كونها يد أمانة أو عدوان. غاية الأمر انّه في صورة العلم بكونها إحداهما قد علم بعدم الملكيّة. فلا مجال لجعل الحجيّة ، لأنّ مورد الأمارة هو الشكّ ، لا ان موضوع الحجيّة اليد التي ليست يد أمانة أو عدوان.

إذ فيه أولا : أنّ هذا غير معقول ، إذ أمر اليد واقعا دائرة بين كونها يد ملك أو أمانة أو عدوان. فمع عدم الأخيرتين تكون الأولى مقطوعة. فلا مجال للحكم الظاهري.

وبعبارة اخرى : عدم الأخيرتين من لوازم اليد والاستيلاء الملكي الواقعي ، لا من قيود اليد الظاهريّة التي جعلت أمارة.

وثانيا : أنّ مقتضى تقيّد الموضوع بذلك عدم جواز التمسّك باليد على الملكيّة ، لأنّ الشكّ في الملكيّة ملازم للشكّ في الأمانة والعدوان ومع الشكّ في عنوان العام لا يجوز التمسّك بالعام.

نعم ، يمكن أن يقال : ان حجيّة اليد عند العقلاء مختصّة بما إذا لم تكن مسبوقة بالأمانة والعدوان ، ولا تشمل المسبوقة بذلك. وعليه يشكل التمسّك بالقاعدة في

__________________

(١) فوائد الأصول ، ج ٤ ، ص ٢٢٥.

٣٩٢

الموارد التي تعارف فيها القبض بالسوم قبل الشراء ، وفي الأعيان التي تكون بأيدي الدلالين إذا علم حدوث أيديهم بالوكالة ثم جهل الحال بعد ذلك» (١).

أقول : لعلّ المحقق النائيني أيضا لا يقول بكون الموضوع للحجية اليد التي ليست يد أمانة وعدوان حتى يرد عليه ما ذكر ، بل يريد أن موضوع الحجية اليد التي لم يحرز حالها. والمسبوقة بالأمانة والعدوان يحرز حالها بالاستصحاب ، فتخرج عن موضوع الحجية. ولعلّ ما استدركه المستمسك أخيرا بقوله : «نعم» ، أيضا يراد به هذا. إذ عدم حكم العقلاء بالحجية في اليد المسبوقة لا يكون إلّا بلحاظ الحالة السابقة ولا معنى للاستصحاب إلّا ذلك.

نقد ما في المستمسك

ولكن يرد على ذلك أولا : انه لم يؤخذ الجهل وعدم الإحراز قيدا في موضوع الحجية العقلائية. فإن قاعدة اليد من الأمارات ، وليس الشك وعدم الإحراز مأخوذا في موضوع الأمارات وإن كان موردها ذلك. نعم ، موضوع الأصول العملية هو الشك ، كما لا يخفى.

وثانيا : ان الاستصحاب حكم شرعي تعبّدي ، وليس حكم العقلاء معلقا على عدم جريان الحكم الشرعي.

وقال السيد الأستاذ الإمام ـ مد ظلّه ـ في جواب المحقق النائيني ما حاصله :

«أنّ تحكيم الاستصحاب على بعض الأدلّة بتنقيح أو رفع إنّما هو في الأدلّة اللفظية ، لا في مثل بناء العقلاء ، فإنّه إن ثبت بناؤهم في مورد مسبوقية اليد بالإجارة ونحوها فلا تأثير للاستصحاب. وإن لم يثبت سقطت عن الحجية ، كان هنا استصحاب شرعي أولا. وتعليق بنائهم على عدم قيام حجة شرعية كما ترى» (٢).

والأولى أن يقال : إنّ اليد أمارة عقلائية أمضاها الشارع. وقوله عليه‌السلام : «من استولى على شيء منه فهو له» ، أيضا ليس إلّا إرشادا إلى ذلك. ومبنى حكم العقلاء غلبة كون اليد والاستيلاء الكامل بنحو الملكيّة ، وحيث انّ هذه الغلبة لا توجد في اليد المسبوقة بالأمانة أو

__________________

(١) المستمسك ، ج ٩ ، ص ١٧١.

(٢) الرسائل ، ج ١ ، ص ٢٨٢.

٣٩٣

العدوان ، بل تكون بالعكس فلا تكون أمارة في هذه الصورة قهرا ولا بناء لهم. ولا أقلّ من الشّكّ ، فلا تثبت الحجية. نعم ، لو قيل بكونها أمارة تأسيسية من قبل الشارع ، أو أصلا عمليا اعتمادا على الأحاديث الواردة فيمكن أن يقال : انّ عموم قوله عليه‌السلام : «من استولى على شيء فهو له» محكّم. ولكن الظاهر كما عرفت كونها أمارة عقلائية. فالمتبع بناؤهم وسيرتهم ، فتدبّر.

نقل كلام الأستاذ الإمام (ره) ونقده

ثمّ اعلم ان الأستاذ ـ مد ظلّه ـ قال في المقام ما حاصله :

«إذا علم حال اليد وأنها حدثت على وجه الغصب أو الأمانة فتارة لا يكون من مقابل ذي اليد مدّع ، وتارة يكون ولم يرفع أمره إلى الحاكم ، وثالثة رفع إليه.

امّا في الصورة الأولى : فتارة يدّعي ذو اليد الملكيّة والانتقال اليه ، وتارة لا يدّعي. فإن ادّعاها فلا يبعد أن يترتّب على ما في يده آثار الملكيّة في غير الغاصب. وامّا فيه فالظاهر عدمه. وهل يكون ترتيب الآثار من جهة انّه مدّع بلا معارض ، أو من جهة قبول دعوى ذي اليد ، أو من جهة اليد المقارنة للدّعوى؟ الظاهر انّه من جهة احدى الأخيرتين. ولهذا لو عارضه غير المالك الأوّل يعدّ مدّعيا وتطالب منه البيّنة. وامّا مع عدم دعوى الملكيّة أو عمل يظهر منه دعواها فلا يحكم بالملكيّة. كلّ ذلك من جهة بناء العقلاء وسيرتهم».

ثمّ تعرّض لكلام النائيني ـ قدس‌سره ـ وأجاب عنه بما مرّ ثمّ قال :

وأما في الصورة الثانية : فان كان المعارض غير المالك فلا تسقط يده عن الاعتبار في غير الغاصب. وان كان المالك يسقط اعتبارها لدى العقلاء لعدم بنائهم على ترتيب آثارها على ما في يده.

وأما في الصورة الثالثة : أي صورة رفع الأمر إلى الحاكم ومقام تشخيص المدعي من المنكر فان كان في مقابلة المالك الأوّل تسقط يده عن الاعتبار ويقدّم استصحاب حال اليد على قاعدة اليد ، لأنّه أصل موضوعي حاكم عليها» (١).

__________________

(١) الرسائل ، ج ١ ، ص ٢٨١.

٣٩٤

أقول : أمّا مع ادعّاء الملكيّة وعدم المعارض فترتيب آثار الملكيّة بلا إشكال. ويدلّ عليه مضافا إلى سيرة العقلاء خبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت : «عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضا ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم : لا ، وقال واحد منهم : هو لي. فلمن هو؟ قال عليه‌السلام : للذي ادّعاه» (١). ولكن لا دخالة لليد في ذلك ، بل يكفي نفس الادعاء مع عدم المعارض ، كما في مثال الكيس. نعم ، لو عارضه غير المالك السابق وقلنا بتقدّمه كان هذا بسبب اليد ولكن المسألة لا تخلو من إشكال.

ثم انه ـ مد ظلّه ـ حكم في الصورة الثالثة بجريان الاستصحاب وحكومته على القاعدة ، مع انّه ذكر في ردّ المحقق النائيني أنّ تحكيمه عليها إنّما هو في الأدلّة اللفظيّة ، وامّا بناء العقلاء فأمره دائر بين النفي والثبوت ، فان ثبت في مورد اليد المسبوقة فلا مجال للاستصحاب ، وإن لم يثبت سقطت اليد عن الحجيّة ، كان هنا استصحاب أم لا. فهل لا يكون بين كلاميه ـ مد ظلّه ـ تهافت بيّن؟! فتدبّر.

وقد تحصّل ممّا ذكرناه انّه في صورة الشك في المسألة وإن كان مقتضى أصالة عدم أداء الزكاة بقاءها في المال ، ولكن مقتضى أصالة الصحّة صحّة المعاملة وعدم وجوب الزكاة. وأما قاعدة اليد فجريانها في المقام محل إشكال إلّا أن يصدر منه ادّعاء المالكيّة.

وكيف كان فالأقوى ما ذكره الماتن. (٢)

الفائدة الثانية :

البحث حول حديث «على اليد»

«حرمة الرشوة ودليلها.

وقد تعرض سماحة الأستاذ ـ دام ظلّه ـ للبحث حول حديث «على اليد» (٣).

أقول : إطلاق حديث «على اليد» يقتضي الضمان مطلقا ، ولكن اتفق الأصحاب على

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٢٠٠ ، الباب ١٧ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، الحديث ١.

(٢) كتاب الزكاة ، ج ٢ ، ص ١١٢ إلى ١١٦.

(٣) المكاسب المحرمة ، ج ٣ ، ص ٢١٥.

٣٩٥

خروج اليد الأمانيّة منه ، وكذا التسليط المجّاني من قبل المالك ، ولكن يمكن أن يناقش ذلك بأنّ الرضى بالتصرّف في التسليط المجّاني كان في ضمن عقد الهبة فإذا فرض حكم الشارع بفساده ارتفع التسليط المذكور ولم يثبت تحقّقه حتى مع لحاظ فساد العقد.

ثمّ لا يخفى أنّ ضمان اليد ممّا يحكم به العقلاء في روابطهم الاقتصاديّة واستقرّت عليه سيرتهم إلّا في التسليط المجّاني وكذا في اليد الأمانيّة مع عدم التعدي وعدم التفريط في حفظه.

وأمّا حديث : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» أو «حتى تؤدّيه» المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يثبت من طرقنا بل من طرق العامّة ، وراويه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمرة بن جندب المعلوم حاله. واشتهار الاستدلال به من ناحية أصحابنا في الأبواب المختلفة يحتمل أن يكون في المسائل الخلافية ومن باب المماشاه معهم لا لإحرازهم صدوره أو وجود حجّة لهم على ذلك.

والحديث رواه أبو داود في البيوع ، باب التضمين في العارية ؛ والترمذي أيضا في البيوع ، باب أنّ العارية مؤدّاة ؛ وابن ماجة في الصدقات ، باب العارية ؛ وأحمد في مسنده ، فراجع (١). والرواية في كتبهم مسندة.

وبالجملة فالرواية عاميّة وراويها عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمرة بن جندب فقط. وإنّما رواها أصحابنا في كتبهم الاستدلالية وغيرها مرسلة أخذا منهم. هذا.

كلام شيخ الطائفة (ره) في العدّة ونقده

ويظهر من شيخ الطائفة (ره) جواز العمل بالأخبار المرويّة من طرق العامّة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمة المعصومين من ولده عليهم‌السلام إذا لم يكن هنا من طرقنا أخبار تخالفها أو إجماع على خلافها. ويمكن أن يقال بوجود هذا الملاك فيما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا.

قال في العدّة :

«وأمّا العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر ، فهو أن يكون

__________________

(١) سنن أبي داود ، ج ٢ ، ص ٢٦٥ ، الباب ٨٨ ، الحديث ٣٥٦١ ؛ وسنن الترمذي ، ج ٢ ، ص ٣٦٨ ، الباب ٣٩ ، الحديث ١٢٦٦ ؛ وسنن ابن ماجة ، ج ٢ ، ص ٨٠٢ ، الباب ٥ من كتاب الصدقات ؛ ومسند أحمد ، ج ٥ ، ص ٨ و١٣.

٣٩٦

الراوي معتقدا للحقّ ، مستبصرا ثقة في دينه ، متحرّجا من الكذب غير متّهم فيما يرويه.

فأمّا إذا كان مخالفا في الاعتقاد لأصل المذهب وروى مع ذلك عن الأئمة عليهم‌السلام نظر فيما يرويه. فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه ، وجب اطراح خبره. وإن لم يكن هناك ما يوجب اطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به. وإن لم يكن هناك من الفرقة المحقّة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ، ولا يعرف لهم قول فيه ، وجب أيضا العمل به ، لما روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا أنزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنّا فانظروا إلى ما رووه عن عليّ عليه‌السلام فاعملوا به.»

ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلّوب ونوح بن درّاج والسّكوني وغيرهم من العامّة عن أئمّتنا عليهم‌السلام فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه.» (١)

أقول : لا يخفى أنّ نوح بن درّاج ، أخا جميل بن درّاج كان من الشيعة ـ على ما قالوا ـ ولكنّه كان يخفى أمره لكونه قاضيا من قبل الخلفاء. والظاهر أنّ عمل الأصحاب بأخبار هؤلاء المذكورين كان من جهة الوثوق بصدقهم وإن كانوا من أهل الخلاف.

ولكن سمرة ـ مضافا إلى فسقه وعداوته لعليّ عليه‌السلام وأهل بيته ـ كان ممّن يضع الحديث أيضا فقد روى ابن أبي الحديد عن أبي جعفر الإسكافي ما ملخّصه :

«إنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مأئة ألف درهم على أن يروي أنّ قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ.)(٢) نزل في عليّ عليه‌السلام وأنّ قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)(٣) نزل في ابن الملجم الملعون فلم يقبل منه ، فبذل مأتي ألف

__________________

(١) العدّة ، ج ١ ، ص ٣٧٩ ، في التعادل والتراجيح.

(٢) سورة البقرة (٢) ، الآية ٢٠٤.

(٣) سورة البقرة (٢) ، الآية ٢٠٧.

٣٩٧

فلم يقبل ، فبذل ثلاثة مأئة ألف فلم يقبل ، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل.» (١)

وقتل سمرة ثمانية آلاف رجل من الشيعة في البصرة حين أمارته عليها من قبل زياد في ستّة أشهر.

وسمرة هذا هو الذي كان له عذق في حائط رجل من الأنصار وكان يدخل بلا استيذان فشكاه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستدعى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه أن يستأذن فأبى ، فقال له : «خلّ عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا» فأبى حتى بلغ عشرة أعذاق فأبى فقال له : «خلّ عنه ولك عذق في الجنّة» فأبى ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّك رجل مضارّ ولا ضرر ولا ضرار» ثمّ أمر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلعت. (٢)

وبالجملة فالاعتماد على رواية سمرة مشكل ، وقد مرّ أنّ استدلال الأصحاب بها في كتبهم لعلّه كان من باب المماشاة ولا سيّما في المسائل الخلافية مع العامّة.

فما في العوائد من : «أنّ اشتهارها بين الأصحاب وتداولها في كتبهم وتلقيهم لها بالقبول واستدلالهم بها في موارد عديدة يجبر ضعفها» (٣) قابل للمناقشة.

وأمّا دلالتها على الضمان فالظاهر عدم الإشكال فيها ، إذ ثبوت مال الغير على اليد تشريعا بنحو الإطلاق ظاهر في ضمانه وكونه على عهدته فيترتّب جميع الآثار : منها وجوب حفظه ، ومنها وجوب ردّه بنفسه أو ببدله ولا وجه للتخصيص ببعضها. والتحقيق موكول إلى محلّه فتدبّر.

وكيف كان فالعمدة في ضمان اليد بناء العقلاء واستقرار سيرتهم على ذلك ، وعلى ذلك يدور رحى الاجتماع في جميع الأمم. (٤)

__________________

(١) شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد ، ج ٤ ، ص ٧٣.

(٢) تنقيح المقال ، ج ٢ ، ص ٦٨.

(٣) العوائد ، ص ١٠٩ ، العائدة ٣٣.

(٤) المكاسب المحرمة ، ج ٣ ، ص ٢١٥ إلى ٢١٨.

٣٩٨

الفصل الثالث :

أصالة الصحة

وهو يشتمل على فوائد :

٣٩٩
٤٠٠