مجمع الفوائد

آية الله المنتظري

مجمع الفوائد

المؤلف:

آية الله المنتظري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر سايه
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-5918-39-1
الصفحات: ٤٩٤

الالتزام بذلك ، إذ لو فرض توجيه عبارة صدر الكتاب بالاشتراك في الاسم وزيادة كلمة : «الرضا» من قبل النسّاخ فكيف توجّه العبارات الدالة على كون المؤلّف من أهل بيت النبوّة نظير قوله في باب الأغسال : «وليلة تسع عشرة من شهر رمضان هي الليلة التي ضرب فيها جدّنا أمير المؤمنين عليه‌السلام» (١) وفي باب الزكاة : «وإني أروي عن أبي العالم عليه‌السلام في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر أو ستّة أشهر.» (٢) وفي باب الخمس بعد ذكر آية الخمس : «فتطوّل علينا بذلك امتنانا منه ورحمة» (٣). وفي باب الدعاء في الوتر : «وهذا ممّا نداوم به نحن معاشر أهل البيت عليهم‌السلام(٤) إلى غير ذلك من الموارد. وراجع في هذا المجال المستدرك (٥) ، والفصول باب حجّية خبر الواحد الفصل الذي مرّ ذكره.

القول الثالث في كتاب فقه الرضا وأدلته

القول الثالث : أنّه بعينه كتاب التكليف الذي ألّفه محمد بن عليّ الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر فعرضوه على وكيل الناحية المقدّسة أبي القاسم الحسين بن روح فقال : «ما فيه شيء إلّا وقد روي عن الأئمة عليهم‌السلام إلّا موضعين أو ثلاثة فإنّه كذب عليهم في روايتها لعنه الله.» (٦)

وقد حكي في مقدّمة فقه الرضا المطبوع أخيرا بتحقيق مؤسّسة آل البيت هذا القول عن السيّد حسن الصدر في كتابه فصل القضاء (٧). وقد جاء السيّد لإثبات ذلك بشواهد :

منها : ما نقله عن كثير من علماء الشيعة كابن إدريس والشهيدين وغيرهم من تفرّده بنقل رواية الشهادة للشاهد الواحد ، وهذا موجود في فقه الرضا باللفظ المروي عن كتاب التكليف :

قال العلامة في الخلاصة في شرح حال الشلمغاني :

«وله من الكتب التي عملها في حال الاستقامة كتاب التكليف ، رواه

__________________

(١) فقه الرضا ، ص ٨٣.

(٢) نفس المصدر ، ص ١٩٧.

(٣) نفس المصدر ، ص ٢٩٣.

(٤) نفس المصدر ، ص ٤٠٢.

(٥) مستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ٣٤٣ ، الفائدة الثانية من الخاتمة في شرح حال الكتب ومؤلّفيها.

(٦) الغيبة لشيخ الطائفة ، ص ٢٥٢.

(٧) فقه الرضا ، ص ٤٦. المقدمة.

٣٠١

المفيد ـ رحمه‌الله ـ إلّا حديثا منه في باب الشهادات : أنّه يجوز للرجل أن يشهد لأخيه إذا كان له شاهد واحد من غير علم.» (١)

وفي غيبة الشيخ الطوسي :

«وأخبرني جماعة عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود وأبي عبد الله الحسين بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه أنّهما قالا : مما أخطأ محمد بن علي في المذهب في باب الشهادة : أنّه روى عن العالم عليه‌السلام أنّه قال : إذا كان لأخيك المؤمن على رجل حقّ فدفعه ولم يكن له من البيّنة عليه إلّا شاهد واحد وكان الشاهد ثقة رجعت إلى الشاهد فسألته عن شهادته فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم على مثل ما يشهده عنده لئلا يتوي حقّ امرئ مسلم.» (٢)

وروى الخبر في عوالي اللآلي أيضا (٣) عن كتاب التكليف.

والخبر موجود في فقه الرضا بقوله : «وبلغني عن العالم عليه‌السلام أنّه قال : إذا كان لأخيك المؤمن» (٤) وذكر نحو ما في الغيبة.

ومنها : أنّ جماعة من متقدّمي الأصحاب حكوا عن الشلمغاني في تحديد الكرّ : أنّه ما لا يتحرّك جنباه بطرح حجر في وسطه ، وأنّه خلاف الإجماع. وهذا التحديد مذكور في فقه الرضا كما مرّ (٥).

ثمّ أدام البحث في مقدّمة فقه الرضا فقال :

«علما بأنّ راوي كتاب التكليف عن الشلمغاني هو أبو الحسن عليّ بن موسى بن بابويه والد الشيخ الصدوق كما نصّ عليه أرباب الفهارس كالشيخ والعلامة وغيرهم فالاحتمال الوارد هنا أن أبا الحسن علي بن موسى ـ المصدّر به الكتاب ـ ليس الإمام الرضا عليه‌السلام بل هو ابن بابويه. وعادة القدماء جارية في ذكر اسم الجامع

__________________

(١) خلاصة العلامة ، ص ٢٥٤.

(٢) الغيبة لشيخ الطائفة ، ص ٢٥٢.

(٣) عوالي اللآلي ، ج ١ ، ص ٣١٥.

(٤) فقه الرضا ، ص ٣٠٨ ، باب الشهادة.

(٥) فقه الرضا ، ص ٩١ باب المياه وشربها ...

٣٠٢

الراوي أو المؤلّف في ديباجة الكتاب وينسب إليه الكتاب ...

وأمّا عمل الطائفة برواياته وكتبه فقد نقله الشيخ في العدّة ، قال : عملت الطائفة بما رواه أبو الخطّاب في حال استقامته وتركوا ما رواه في حال تخليطه. وكذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي وابن أبي العزاقر وغير هؤلاء.» (١)

أقول : وعلى هذا فمن المحتمل استفادة الصدوقين والمفيد في الرسالة والفقيه والمقنعة من هذا الكتاب لعلمهم بصحّة ما فيه إلّا في المواضع الخاصّة ، ولم يشيروا إلى المدرك حذرا من ترويج الشخص الفاسد.

نعم يرد على هذا القول أيضا ما ورد على القول السابق من وجود عبارات في الكتاب تدلّ على كون المؤلّف من أهل بيت النبوّة كقوله : «هي الليلة التي ضرب فيها جدّنا أمير المؤمنين عليه‌السلام وقوله : «نحن معاشر أهل البيت» وغير ذلك ممّا لا ينطبق على مثل الشلمغاني. هذا.

وإلى هنا تعرّضنا لثلاثة أقوال في شأن فقه الرضا. وبعد اللتيّا والتي لم يثبت لنا ماهيّته ولا حجيّته واعتباره بنحو يعتمد عليه مستقلا. نعم. الروايات المنقولة فيه عن الأئمة عليهم‌السلام تكون بحكم سائر المراسيل ، فيمكن جبرها بعمل المشهور مع حصول الوثوق بها. كما أنّ ما وجد من مسائله مفتى به للصدوقين والمفيد لا تقلّ قطعا عن الأخبار المرسلة بعد ما نعلم إجمالا بأنهم لم يكونوا ممّن يفتي بالأقيسة والاستحسانات الظنّية بل كانوا متعبّدين بالنصوص الواردة وكان بناؤهم على الإفتاء بمتون الأخبار.

ولنذكر في الختام كلام صاحب الفصول في المقام : قال في باب حجّية الخبر في الفصل الذي مرّ ذكره :

«وبالجملة فالتحقيق أنّه لا تعويل على الفتاوى المذكورة فيه. نعم ما فيه من الروايات فهي حينئذ بحكم الروايات المرسلة لا يجوز التعويل على شيء ممّا اشتملت عليه إلّا بعد الانجبار بما يصلح جابرا لها. ولو استظهرنا اعتماد مثل المفيد

__________________

(١) فقه الرضا ، ص ٤٦ و٤٩ ، المقدمة وراجع أيضا عدّة الأصول ، ج ١ ، ص ٣٨١.

٣٠٣

والصدوقين عليه في جملة من مواضعه فذلك لا يفيد حجيّته في حقّنا ، لأنّه مبني على نظرهم واجتهادهم. وليس وظيفتنا في مثل ذلك اتّباعهم ، وإلّا لكانت الأخبار الضعيفة التي عوّلوا عليها حجّة في حقّنا ...» (١)(٢)

الفائدة الثالثة :

حجية الظواهر وقول المفتي

«محل البحث : حجية الظواهر وأنها هل كانت تعبدا من الشارع ، او امضاء منه لسيرة العقلاء؟

ويبحث فيه أيضا عن حجية قول المفتي وأنه هل كان حجة مطلقا او مع الوثوق الشخصي بمطابقته مع الواقع؟» (٣)

بقي الكلام فيما ذكره في المصباح من عدم اشتراط حجية الظواهر بالظن بالمراد ولا بعدم الظن بالخلاف ، ونحوه ما في الكفاية حيث انه بعد التمسك لحجيتها باستقرار طريقة العقلاء على إتباع الظهورات قال :

«والظاهر أن سيرتهم على اتباعها من غير تقييد بإفادتها الظن فعلا ولا بعدم الظن كذلك على خلافها قطعا ، ضرورة أنه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم أفادتها للظن بالوفاق ولا بوجود الظن بالخلاف». (٤)

وقرّب هذا بعضهم بأنه لو كانت الحجية مشروطة بالظن الشخصي أو بعدمه على الخلاف لانسدّ باب الاحتجاج على العبيد لأنّ الظن أمر وجداني فلهم أن يدّعوا انه لم يحصل لهم ظن بالوفاق او حصل على الخلاف ، وردّه بعض آخر بنقض ذلك بالعلم إذ لا ريب في عدم حجيتها مع العلم بالخلاف.

__________________

(١) الفصول ، ص ٣١٣ ، باب حجّية الأخبار ، فصل حجيّة أخبار غير الكتب الأربعة.

(٢) المكاسب المحرمة ، ج ١ ، ص ١١٢ إلى ١٣١.

(٣) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ١٦٤.

(٤) كفاية الاصول ، ص ٢٨١ ، طبع مؤسسة آل البيت.

٣٠٤

ليس في عمل العقلاء بالطرق العقلائية تعبد

أقول : يخطر ببالي من قديم الأيام إشكال في المقام وكذا في خبر الثقة وقول المفتي وحاصله انه بعد ما علمنا إجمالا بتوجه خطابات من الله ـ تعالى ـ إلينا وكوننا مكلفين إجمالا بتكاليف في أبواب العبادات والمعاملات والسياسات ونحوها فالعقل يحكم بالاحتياط في أطراف العلم الإجمالي ، وأما الأمارات فان دلّ دليل شرعي على حجيتها أخذنا بمفاد دليل الحجية وإطلاقه كما نحكم بحجية البيّنة بموثقة مسعدة بن صدقة حيث جعلتها قسيما للعلم فهي حجة حتى مع الظن بالخلاف لإطلاق الدليل وكذلك قول الثقة والمفتي إن ثبت حجيتهما بالآيات او الروايات ، وأما إذا كان الدليل على حجية هذه الأمور سيرة العقلاء وقلنا إن مفاد الآيات والروايات أيضا ليس إلّا إمضاء سيرتهم لا جعل الحجية شرعا كما هو مذاق الأصحاب في هذه الأبواب ، فالظاهر ان العقلاء لا تعبّد فيهم ولا تقليد لهم من غيرهم في ذلك بل هذه الأمور في الحقيقة طرق علمهم ووثوقهم وسكون نفسهم فكأنهم لا يعتنون إلّا بالعلم.

نعم العلم لا ينحصر عندهم في اليقين الجازم بنحو المائة في المائة بل يكتفون بالوثوق والاطمئنان إذا كان احتمال الخلاف ضعيفا جدّا ، والعقلاء غالبا يحصل لهم الوثوق بقول الثقة او أهل الخبرة او نحو ذلك ولذلك يرتّبون عليه الأثر.

وأما مع عدم حصوله لهم فلا يعتنون بها اللهم إلّا في ما لا يهمّ او فيما إذا كان مطابقا للاحتياط وأما في الأمور المهمّة فيحتاطون ولا يرتّبون الأثر على هذه الأمور إذا لم تطابق الاحتياط فاذا أراد بيع ملك له فرجع إلى المقوّم وبعد تشخيصه حصل له الظن باشتباهه وكان مقدار الاشتباه عنده كثيرا فهل يرتب الأثر على تقويمه تعبّدا او يحتاط ويرجع إلى مقوّم آخر او هيئة تقويم؟ ولو ابتلى بمرض شديد ذو خطر فرجع إلى طبيب وفرض انه ظنّ باشتباه الطبيب وكان أمره دائرا بين الحياة والموت وقدر على الرجوع إلى طبيب آخر او هيئة طبّية فهل يعمل بقول الطبيب الأوّل مع احتمال الخطر الجدي في العمل بقوله؟!

ومقتضى ما ذكرنا عدم ثبوت التقليد بمعنى الأخذ بقول الغير تعبدا عند العقلاء وإنما

٣٠٥

يعملون بوثوقهم وعلمهم وقول أهل الخبرة طريق علم لهم.

فان قلت : سيرة العقلاء في مقام إحراز الواقعيات في الأمور الشخصية وإن كانت كذلك ولكن بنائهم في الأمور المربوطة بالموالي والعبيد والاحتجاجات الدائرة بينهم على العمل بظواهر الألفاظ وقول الثقة وأهل الخبرة ونحو ذلك بما أنها ظنون نوعية ولا يسمع في مقام الاحتجاج اعتذار العبد المخالف لقول أهل الخبرة مثلا إذا اعتذر بأنه لم يحصل له الوثوق بقوله ، ففي الأمور المربوطة بالموالي والعبيد إذا عمل العبد بما ذكر لم يكن للمولى حجة عليه ولو خالف كان له حجة عليه.

قلت : نعم لو لم يتمكن العبد من الاحتياط ولم يكن له طريق آخر او كان الاحتياط موافقا للطريق الذي قام له والّا فلو فرض أن العبد علم بحصول وظائف له من قبل المولى ولم يحصل له الوثوق بسبب قول أهل الخبرة مثلا وكان متمكنا من الاحتياط او الرجوع إلى طريق آخر يطمئن به فلم يرجع إليه ولم يحتط بل عمل بقول الأوّل واتفق مخالفته للواقع وكان الأمر من الأمور المهمة فهل ليس للمولى عتابه ولومه وهل يكون معذورا عند وجدانه؟! فاذا فرض إحالة المولى امور ولده العزيز لديه إلى عبده فمرض الولد مرضا شديدا مهما دار أمره بين الحياة والموت فأتى به العبد إلى طبيب واتفق انه حصل في خاطره الظن باشتباه الطبيب او شك في صحة تشخيصه وكان قادرا على الرجوع إلى طبيب آخر او هيئة طبية فلم يفعل واتفق موت الولد بسبب علاج الطبيب الأوّل فاذا علم المولى بذلك فهل ليس له مؤاخذة العبد وهل يسمع اعتذاره بأنه رجع إلى أهل الخبرة وعمل بقوله؟!

ولا يخفى ان المسائل الدينية كلها مهمة ونظائر لولد المولى. والشرع أحالها إلينا فيجب علينا امتثالها بالعلم او العلمي فاذا نصب من قبله طريق لنا فلا محالة نأخذ بمفاد دليله واطلاقه حجة قهرا واما إذا لم ينصب لنا طريقا بل كانت الطرق هي الطرق العقلائية كظواهر الألفاظ وقول الثقة او المفتي على مذاق الأصحاب ففي غير صورة حصول الوثوق الشخصي يشكل الأخذ بها كما بيّناه. والسرّ في ذلك وجود العلم الإجمالي بالتكاليف من قبل الشارع من طرف وعدم وجود التعبد والتقليد من الغير تعبدا بدون الوثوق الشخصي عند العقلاء من طرف آخر فتدبر جيّدا.

٣٠٦

ولا يخفى ان ما يتلقاه بعض بألسنتهم من أنّ «هذا ما أفتى به المفتي وكل ما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقّي» أمر تلقوه بلا توجه من المصوّبة القائلين بحجية الآراء وكونها أحكاما واقعية في حق المجتهدين ومقلّديهم ونحن بريئون من ذلك ولتفصيل الكلام مقام آخر.

استدلال ابن زهرة لعدم جواز التقليد

ويعجبني هنا نقل كلام ابن زهرة في الغنية ملخصا. قال فيها ما حاصله :

«فصل ، لا يجوز للمستفتي تقليد المفتي لأنّ التقليد قبيح ولأنّ الطائفة مجمعة على أنه لا يجوز العمل إلّا بعلم وليس لأحد أن يقول : إجماع الطائفة على وجوب رجوع العامي إلى المفتي والعمل بقوله مع جواز الخطأ عليه يؤمنه من الإقدام على قبيح. لأنا لا نسلّم إجماعها على العمل بقوله مع جواز الخطأ عليه بل إنما أمروا برجوع العامي إلى المفتي فقط فاما ليعمل بقوله تقليدا فلا.

فان قيل : فما الفائدة في رجوعه اليه؟

قلنا : الفائدة في ذلك ان يصير له بفتياه وفتيا غيره من علماء الامامية سبيل إلى العلم بإجماعهم فيعمل بالحكم على يقين. يتبين صحة ذلك أنهم أجمعوا على أنه لا يجوز الاستفتاء إلّا من إمامي المذهب فلو كان إيجابهم الاستفتاء لتقليده لم يكن فرق بينه وبين مخالفه الذي لا تؤمن فتياه بغير الحق».

ومراده بالتقليد القبيح الأخذ بقول الغير تعبدا من دون حصول الوثوق بمطابقة قوله للواقع كما لا يخفى (١) فتدبر.

الاستدلال لحجية الخبر الواحد بآية النفر ونقده

«محل البحث الاستدلال لحجية الخبر الواحد بآية النفر وردّه باحتمال كون المراد من النفر ـ رعاية للسياق ـ هو النفر للجهاد وكون المقصود من

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ١٦٤ إلى ١٦٦.

٣٠٧

تفقههم ، اطلاعهم في ضمن الجهاد على آيات الله وغلبة المؤمنين ... وردّ هذا الاحتمال في المتن ببعده عن ظاهر الآية فان ظاهرها أن المراد من التفقه هو البصارة في أحكام الله تعالى وحلاله وحرامه ...»

لقائل أن يقول : بناء على هذا التفسير (النفر للجهاد) ، إن المراد بالتفقه ليس هو الاطلاع على آيات الله ، بل على حلاله وحرامه فإن الناس إذا نفروا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او الوصيّ إلى الجهاد صار ذلك سببا لمزاولتهم معه مدة مديدة فيستفيدون احكام الله وحدوده كما يشاهد ذلك في الأشخاص المزاولين لأهل العلم كثيرا فإن ذلك سبب لبصارتهم في احكام الله تعالى. (١)

الاستدل ال بآية : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ ...) ونقده

«محل البحث الاستدلال لحجية الخبر الواحد بمفهوم آية : إن جاءكم فاسق ...

والإشكال عليه بأن لازمه تخصيص مورد الآية من المفهوم إذ المورد من الموضوعات وقد ثبت بالدليل عدم حجية خبر الواحد العادل فيها ، وردّ ما أجاب به الشيخ ـ من أن خروج المورد ليس من قبيل التخصيص ، بل من قبيل التقييد ، أي حجية الخبر الواحد في المورد مقيد بضميمة عادل آخر معه ـ بأن مقتضى مفهوم الآية حجية خبر العادل مطلقا حتى في الموضوعات ، ولكن ثبت بالدليل خروجها ، إذ الحجة فيها هي البيّنة وليست هي مصداقا للعادل ، فمفهوم الآية مخصّصة بالنسبة إلى الموضوعات.»

لقائل أن يقول : إن كيفية أخذ المفهوم على طريقة الأستاذ ـ مد ظلّه ـ هو استفادة الدخالة من القيد المذكور في الكلام بحيث يرتفع به احتمال كون الحيثية المطلقة تمام الموضوع وذلك لا ينافي قيام قيد آخر مقام القيد المذكور ، مثلا قوله : «الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه شيء» يستفاد منه أن حيثية المائية ليست تمام الموضوع في العاصمية وإلا كان التقييد بالكرّية لغوا ولكنه لا ينافي

__________________

(١) نهاية الأصول ، ص ٥٠٠.

٣٠٨

ذلك قيام قيد آخر كالجريان والمطرية مثلا مقامها ، وعلى هذا ففي ما نحن فيه تدل الآية على أن حيثية الخبرية ليست تمام الموضوع في وجوب التبين وإلّا لكان التقييد بالفسق لغوا وحينئذ فيمكن أن ينوب مناب هذا القيد قيد آخر ككون المخبر به من الموضوعات او خصوص الارتداد ولا ينفي ذلك مفهوم الآية ، فان المفهوم إنما يقتضي فقط عدم كون حيثية الخبرية تمام الموضوع في وجوب التبين.

وعلى هذا فالآية تكفي لإثبات الحجية فيما إذا لم تحتمل نيابة قيد آخر كما في خبر العادل في الأحكام. (١)

الفائدة الرابعة :

أقسام الخبر المتواتر

«محل البحث مشروعية الحبس إجمالا ، وقد تعرض الأستاذ ـ دام ظلّه ـ لروايات الباب ولمعنى التواتر وأقسامه وادّعى تواترها إجمالا.»

واعلم : أنّ الخبر المتواتر ـ أعني ما بلغ كثرة الطرق والمخبرين فيه حدّا يوجب العلم بصدوره ـ على ثلاثة أقسام :

الأوّل : المتواتر لفظا. ويراد بذلك أن المخبرين بأجمعهم رووا واقعة واحدة ومعنى واحدا بلفظ واحد.

الثاني : المتواتر معنى. بمعنى أنّهم بأجمعهم حكوا واقعة واحدة وقعت في وقت خاص ولكن بألفاظ مختلفة ، فيكون الجميع أو غير واحد منهم ناقلا بالمعنى والمضمون. نظير ما وقع في نقل قصة الغدير ونصب أمير المؤمنين عليه‌السلام فيه.

الثالث : المتواتر إجمالا. بمعنى أن كلّ واحد من المخبرين حكى واقعة خاصّة غير ما حكاه الآخرون ، ولعلّ كلّ واحد منهم حكى واقعة خاصة عن إمام خاص ، ولكن كثرة الوقائع المنقولة توجب العلم بصدق بعضها لا محالة بحيث لا يحتمل كذب الجميع ، كما في المقام. فإن كلّ

__________________

(١) نهاية الأصول ، ص ٤٩٧.

٣٠٩

واحدة من الروايات تحكي عن مسألة خاصة وقول خاص عن إمام خاص ولكن يحصل لنا العلم بعدم كذب الجميع. فإذا كان يستفاد من كلّ واحدة منها مشروعية السجن فلا محالة تثبت تلك. ونظير هذا في أبواب الفقه كثير. (١)

__________________

(١) ولاية الفقيه ، ج ٢ ، ص ٤٣٢.

٣١٠

الفصل التاسع :

البراءة

وهو يشتمل على فوائد :

٣١١
٣١٢

الفائدة الاولى :

الاستدلال للبراءة بحديث الرفع

«محل البحث : الاستدلال بحديث الرفع في الجزء المنسي في الصلاة مثلا. وادعاء صاحب الكفاية أن الأمر بالصلاة وان كان واحدا ولكنه يتبعض بتبعض متعلقه الذي هو كثير في الحقيقه وواحد اعتبارا ، فالسورة بنفسها متعلقة لوجوب ضمني فنسيانها يوجب ارتفاع حكمها في حال النسيان وناقش فيه بعض الأعاظم بأن المنسي ليس الجزئية حتى يرتفع بحديث الرفع بل ذات المنسي ، والأمر الضمني لم يتعلق بخصوص السورة بل بطبيعتها والأثر المترتب عليها هو الإجزاء وهو ليس أثرا شرعيا حتى يرتفع ... وأورد عليه في المتن بأن الجزئية منتزعة من الأمر الضمني المتوجه إلى الجزء المنسي ، فالجزئية يمكن رفعها برفع منشأ انتزاعها وهو الأمر الضمني المتعلق بالجزء المنسي ولازم ذلك انطباق عنوان الصلاة على بقية الأجزاء».

الظاهر أن مراد المحقق الخراساني هو التمسك في الجزء المنسي بقوله : «رفع ما لا يعلمون» لا بقوله : «رفع النسيان» إذ بعد العلم بجزئية السورة إجمالا نشك في جزئيتها في حال النسيان فالشبهة شبهة حكمية والمجهول جزئية السورة في حالة خاصة فيشملها قوله : «رفع ما لا يعلمون» فلا يرد إشكال النائيني قدس‌سره عليه ولا يحتاج إلى توجيه الأستاذ ـ مد ظلّه ـ وليس في كلام الخراساني قدس‌سره التمسك بقوله : «رفع النسيان» في باب الجزء المنسي ، فتدبر. (١)

__________________

(١) نهاية الأصول ، ص ٥٨٩.

٣١٣

الفائدة الثانية :

المبحوث عنه في البراءة أحد الجهات الثلاث

«١ ـ أنّ صرف احتمال التكليف هل يكفي لتنجزّه أم لا؟

٢ ـ أنّه هل تحقق من قبل الشارع في مورد الشك ما يوجب تنجز الواقعيات على فرض ثبوتها كالاحتياط أم لا؟

٣ ـ كلتا الجهتين معا. فبناء على الأولى لا مجال للاستدلال فيه إلّا بدليل العقل ولا مجال للاستدلال بالأدلّة الشرعية ...»

لا يخفى أن الحكم بكفاية نفس الاحتمال في التنجيز وعدمها وإن كان من وظائف العقل ولكن للقائل بالبراءة أن يستدل بالدليل الشرعي لرفع موضوع هذا الاحتمال بأن يستدل بحديث الرفع مثلا على رفع فعلية الأحكام في مورد الشك فيرتفع احتمال التكليف. (١)

البراءة في الشبهات الحكمية والموضوعية

«إذا شكّ في بلوغ الدراهم والدنانير المغشوشة النصاب ولا طريق للعلم بذلك فهل تجب الزكاة؟ ويبحث فيه عن إجراء البراءة العقلية والشرعية في الشبهات الحكمية والموضوعية ولزوم الفحص وعدمه في الثاني ؛ وأيضا عن الأقل والأكثر الاستقلاليين وانحلال العلم الإجمالي في بعض صور المسألة وجريان البراءة فيه.» (٢)

قبل البحث عن حكم الشك في المقام نبحث إجمالا عن البراءة في الشبهات الموضوعية وعن وجوب الفحص وعدمه فيها.

فنقول : نبحث هنا عن أمرين : الأمر الأوّل : الظاهر جريان البراءة الشرعية المستفادة من حديث الرفع في الشبهات الموضوعية أيضا إذ المرفوع ولو كان عبارة عن الحكم الشرعي يعمّ

__________________

(١) نهاية الأصول ، ص ٥٦٥.

(٢) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ٣١٥.

٣١٤

الحكم الكلي والجزئي معا وإنما الإشكال في جريان البراءة العقلية المستفادة من حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان في الشبهات الموضوعية ؛ فحكم الشيخ وكثير من الأساطين بجريانها فيها بتقريب أن مجرد العلم بالكبريات المجعولة في الأحكام الشرعية التي لها تعلق بالموضوعات الخارجية لا يكفي في التنجز وصحة العقوبة على المخالفة ما لم يعلم بتحقق الصغريات والموضوعات خارجا والموضوع فيها بمنزلة الشرط للحكم وكما لا يتحقق الحكم ما لم يتحقق الشرط والموضوع لا يتنجز ما لم يحرزا وإنما يتنجز باحراز الموضوع والحكم معا.

استدلال الأستاذ البروجردي (ره) لعدم جريان البراءة العقلية

في الشبهات الموضوعية ونقده

وخالف في ذلك سيدنا الأستاذ المرحوم آية الله البروجردي ـ طاب ثراه ـ وملخص ما أفاده :

«أن مورد قاعدة قبح العقاب بلا بيان ما إذا لم يصدر بيان من الشارع او صدر ولم يصل إلينا وما هو الوظيفة للشارع إنما هو بيان الكبريات والمفروض في المقام بيانها والعلم بها وليس تعيين المصاديق وظيفة له ، نعم لا يكون صرف العلم بالكبرى حجة ودليلا على حكم الصغرى إذ العلم بالحكم الجزئي يتوقف على احراز الصغرى والكبرى معا ولكن البحث ليس في الحجة بمعنى الوسط لإثبات الحكم الجزئي وإنما الكلام في الحجة بمعنى ما يصح أن يحتج به المولى في العقوبة والعبد في الاعتذار والمفروض ان المولى عمل بكل ما هو وظيفته من بيان الحكم وإيصاله إلى العبد فعلى العبد أن يمتثل بنحو يحصل غرض المولى.

فان قلت : بعد تعلق الحكم بالموضوع الكلي ينحل إلى تكاليف عديدة بعدد أفراد الموضوع فيرجع الشك في الموضوع إلى الشك في تكليف زائد والمرجع في الشك في التكليف هو البراءة.

قلت : لا نسلم كون مطلق الشك في التكليف موردا للبراءة العقلية إذ وظيفة الشارع ليست إلّا بيان الأحكام الكلية دون أفراد الموضوع.

٣١٥

فان قلت : كيف يصير صرف احتمال التكليف منجزا موجبا لاستحقاق العقوبة على المخالفة.

قلت : لا مانع من منجّزية صرف الاحتمال كما في احتمال صدق مدّعي النبوة وكالاحتمال في الشبهات الحكمية قبل الفحص.

فان قلت : فالواجب في المقام أيضا التفصيل بين ما قبل الفحص وما بعده لا إنكار البراءة العقلية مطلقا.

قلت : فرق بين الشبهات الحكمية والموضوعية إذ في الأولى يصير صرف الاحتمال منجّزا للواقع ما لم يتفحص في مظانّ وجود الحكم وأما بعده فالعقل يحكم بقبح العقوبة حيث عمل العبد بكل ما هو وظيفته فيكون القصور من ناحية المولى وأما في المقام فخطاب المولى معلوم وقد فرض تعلقه بجميع الأفراد الواقعية النفس الأمرية ، فقد تمّ كل ما هو وظيفة المولى ، فلا يحكم العقل بقبح العقوبة من قبله فيجب على العبد ترتيب الأثر على الاحتمال سواء كان قبل الفحص أو بعده.» (١)

هذه خلاصة ما كان ـ رحمه‌الله تعالى ـ يصرّ عليه.

أقول : احتمال التكليف لا يصير باعثا ومحركا عقلا إلّا على الفحص وأما بعد الفحص وعدم إحراز الموضوع فيصير عقاب المولى على هذا الفرد المشكوك فيه عملا جزافيا وعقابا بلا حجة ، حيث إن العبد لا يكون مقصرا فانه كان بصدد إطاعة المولى وأفرغ وسعه في الفحص فهو حينئذ قاصر لا مقصر ، وعقاب القاصر قبيح ولو كان المولى لا يرضى بالمخالفة حتى بالنسبة إلى الأفراد المشكوكة كان عليه إيجاب الاحتياط حتى يصير بيانا بالنسبة اليها.

وبالجملة فالتنجز في الأفراد المشكوكة بعد الفحص يحتاج إلى متمم الجعل ولا يكفي الجعل الأوّلي لتنجيزها ولذا نلتزم بوجوب الاحتياط في الأمور المهمة ، إذ باهتمام الشارع بالنسبة اليها يكشف إيجاب الاحتياط فيها وأما إذا لم تحرز هذه المرتبة من الاهتمام ، فلا نسلم

__________________

(١) كتاب الصلاة ، حكم اللباس المشكوك ، تقرير الاستاذ مد ظلّه لأبحاث استاذه آية الله العظمى بروجردي ، مخطوطة.

٣١٦

كون صرف الاحتمال بعد الفحص مصححا للعقوبة عقلا بحيث يحكم العقل بنفسه بلزوم الاحتياط في الموارد المشكوكة ، بل يعدّ العقلاء عقاب المولى حينئذ مجازفة من قبل المولى ولعل ما أوقعه ـ قدس‌سره ـ في هذا المجال التعبير بقبح العقاب بلا بيان فيتوهم انه لا يجري إلّا فيما بيانه وظيفة للشارع ونحن نعبّر بقبح العقاب بلا حجة وبلا جهة ، فالأقوى ما اختاره الشيخ وتلامذته من جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية أيضا ولكن العقل لا يحكم بها إلّا بعد الفحص وعدم الظفر.

الفائدة الثالثة :

وجوب الفحص هل يعم الشبهات الموضوعية؟

الأمر الثاني : لا إشكال في وجوب الفحص في الشبهات الحكمية وعدم جواز إجراء البراءة قبله.

ويدلّ على الوجوب فيها الأدلّة الأربعة : الإجماع القطعي على عدم جواز العمل بالأصل قبل استفراغ الوسع في الأدلّة ، والآيات الدالة على وجوب النفر والسؤال ، والاخبار الدالة على لزوم التعلم ومؤاخذة الجهال بتركه ، والعقل الحاكم بلزوم المراجعة إلى الكتب والطوامير المقررة من قبل المولى إذا كان بناؤه على إعلام الأحكام والقوانين بهذا الطريق وذمّ تارك المراجعة إليها مضافا إلى حكمه بالاحتياط او الفحص في أطراف العلم الإجمالي بوجود الأحكام إجمالا من قبل المولى ، فهذه في الجملة مما لا شك فيها ، إنما الإشكال في أنه هل يجب الفحص في الشبهات الموضوعية أيضا أو يجوز إجراء البراءة فيها قبله.

ففي الرسائل ما حاصله :

«إن كانت الشبهة في التحريم ، فلا إشكال ولا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الفحص ، ويدل عليه إطلاق أخبار أصالة الحل ؛ وإن كانت الشبهة وجوبية فمقتضى أدلة البراءة حتى العقل كبعض كلمات العلماء عدم وجوب الفحص أيضا وهو مقتضى حكم العقلاء في مثل قوله : «أكرم العلماء أو المؤمنين» إلّا أنه قد يتراءى أن بناء العقلاء في بعض الموارد على الفحص والاحتياط كما إذا أمر المولى بإحضار

٣١٧

علماء البلد او أطبائها او إعطاء كل واحد منهم درهما ... وفي القوانين أن الواجبات المشروطة بوجود شيء إنما يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط ، فمن شك في كون ماله بمقدار استطاعة الحج لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه أن يقول اني لا أعلم أني مستطيع ولا يجب عليّ شيء بل يجب عليه محاسبة ماله ... ، ثم الذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص أنه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو أهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا ، تعين هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص ثم العمل بالبراءة كبعض الأمثلة المتقدمة». (١)

انتهى ما أردنا نقله من الرسائل.

أقول : الفرق بين قوله : «أكرم العلماء» وبين قوله : «أكرم علماء البلد أو أحضرهم» لعله من جهة أن سعة الموضوع في الأوّل وعدم التمكن من استيعاب أفراده غالبا قرينة على عدم إرادة الاستيعاب ، بل ذكرهم بعنوان المصرف بخلاف الثاني فان المراد منه ما هو ظاهره من الاستيعاب.

ثم أقول : لو كان الشك في الموضوع مما يرتفع بمثل النظر أو المراجعة إلى الدفتر بلا صعوبة فالظاهر انصراف أدلة الحلية والبراءة عن مثله ، فلو شك في أن ما في الوعاء ماء أو خمر وكان يرتفع شكه بصرف التوجه والنظر أو شك في أن طلب زيد منه مأئة أو مائتان ويرتفع بصرف النظر في دفتر محاسباته فهل يجري في مثله حديث الرفع ونحوه؟ الظاهر من الحديث ولا سيما بقرينة سائر فقراته التسهيل على الأمة والامتنان عليهم برفع موارد الكلفة والمشقة وظاهر أنّه لا كلفة ولا مشقة في صرف النظر ونحوه.

وبالجملة فمن علمه في كيسه ودفتره ، لا يسمى جاهلا محتاجا إلى الإرفاق والتسهيل فموارد البراءة والحلية الشك المستقر الموجب للتحير والاحتياج إلى تعيين الوظيفة. نعم في خصوص باب الطهارة والنجاسة لا يجب النظر أيضا كما يدلّ عليه قوله في صحيحة زرارة :

__________________

(١) فرائد الاصول ، ج ٢ ، ص ٤٤١ ، طبع جديد.

٣١٨

«قلت : فهل عليّ إن شككت أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال : لا ، الحديث» (١). بل لعله إجماعي.

وأما في سائر الموارد فالظاهر وجوب هذا المقدار من النظر والأدلّة منصرفة عن الشك الذي يرتفع بمثله.

وأما الفحص أكثر من ذلك فقد ظهر من الرسائل أدلة ثلاثة على وجوبه :

الأوّل : بناء العقلاء على وجوبه في الأمثلة التي ذكرها.

الثاني : ما حكاه عن القوانين.

الثالث : بناء العقلاء على الفحص في موارد يوجب إهماله الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا بل الأوّل والثالث يرجعان إلى أمر واحد وهو بناء العقلاء على وجوبه في تلك الموارد.

نقد كلام المحقق القمّي والشيخ الأنصاري

اذا عرفت هذا فنقول : أما ما ذكره في القوانين من توقف الواجب المشروط على وجود الشرط لا على العلم به ففيه أنه مسلّم ولكنه لا يجدي في إيجاب الفحص لأنّ الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فيجري الأصل ، كيف؟ ومورد الأصل صورة كون الشرط نفس الاستطاعة مثلا والشك فيها ولو كان الشرط هو العلم بها ، قطعنا بعدم الوجوب في صورة الشك ولم نحتج إلى الأصل ولو كان صرف تعلق التكليف بالموضوع الواقعي موجبا للفحص عنه لبقاء فعليته في صورة الشك أيضا لكان موجبا للاحتياط أيضا بعده.

وأما ما ذكره الشيخ من بناء العقلاء على الفحص في الأمثلة التي ذكرها ففيه انه يكفي لعدم إجراء البراءة العقلية إلّا بعد الفحص وأما بالنسبة إلى البراءة الشرعية فلا ، إذ لو قال المولى : «أحضر علماء قم» ثم قال بعده : «رفع ما لا يعلمون» فلا نسلم كون بناء العقلاء بعد التوجه إلى الجملة الثانية على الفحص في موارد الشك ، اللهم إلّا إذا ارتفع الشك بصرف النظر والتوجه مما قربنا انصراف حديث الرفع ونحوه عن مثله.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢ ، ص ١٠٥٣ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.

٣١٩

وبالجملة بعد ما رخص نفس الشارع للشاك في التكليف لا نسلم إلزام العقلاء على الفحص والتفتيش.

وأما ما ذكره من بنائهم على الفحص في موارد يوجب إهماله الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا ، ففيه أنه إن كان المراد أن المكلف يحصل له العلم إجمالا بوقوع نفسه في خلاف الواقع في بعض الموارد ، دار الأمر مدار حصول هذا العلم للمكلف ولا يجوز الحكم بنحو الكلية ونسلّم حينئذ وجوب الفحص او الاحتياط بناء على وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي ولو كانت تدريجية والاحتياط هنا بحكم العقل من جهة أن الاشتغال اليقيني يلزم البراءة اليقينية ، وإن كان المراد حصول العلم الإجمالي بوقوع المخالفة للواقع في بعض الأصول التي تجري في الموضوعات بالنسبة إلى جميع المكلفين لا في الأصول التي يجريها هذا الشخص بنفسه ، ففيه أنه لا يصير مانعا من إجراء كل مكلف أصل البراءة بالنسبة الى نفسه فيما يبتلي به من الموارد.

وقد تلخص مما ذكرنا أن البراءة العقلية لعلها لا تجري قبل الفحص وأما الشرعية فان كان الشك يرتفع بأدنى نظر ، فالظاهر انصراف أدلتها عن مثله وإلّا فعموم قوله : «رفع ما لا يعلمون» محكّم وليس بناء العقلاء مع التوجه إلى ترخيص الشارع على الفحص ، ولكن الأحوط مع ذلك الفحص بالمقدار المتعارف فتدبر.

الفائدة الرابعة :

وجوب الفحص طريقي لا نفسي

ولا يخفى أنّ وجوب الاختبار والفحص على القول به ليس وجوبا نفسيا مولويا بل طريقي مرجعه إلى وجوب الاحتياط ومثله لا يسقط بمجرد عدم إمكان الفحص او لزوم الضرر منه ، بل يتعين حينئذ الاحتياط وعدم إجراء البراءة نظير وجوب الفحص في الشبهات الحكمية. (١)

«وقال المصنّف : في وجوب التصفية ونحوها للاختبار إشكال» (٢)

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ٣١٥ الى ٣١٩

(٢) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ٣١٩.

٣٢٠