مجمع الفوائد

آية الله المنتظري

مجمع الفوائد

المؤلف:

آية الله المنتظري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر سايه
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-5918-39-1
الصفحات: ٤٩٤

الفصل الثامن :

الظن وأحكامه

وهو يشتمل على فوائد :

٢٨١
٢٨٢

الفائدة الاولى :

إمكان التعبد بالظن وفيها مسائل :

١ ـ دفع المحاذير اللازمة في التعبد بالأمارات

«... عمدة الإشكال ، إنما هو في صورة مخالفة الأمارة أو الأصل للواقع فيجب التفصي عن المحاذير الملاكية والخطابية اللازمة عليها ، وأما في صورة الموافقة للواقع فلا يتوهم محذور ...»

أقول : المحذور الملاكي أيضا يلزم في صورة الموافقة بالنظر البدوي إذ اجتماع الملاكين المستقلين المؤثرين في حكمين غير معقول في موضوع واحد ، بل يجب تداخل الملاكين وإيجابهما لحكم واحد كما لا يخفى. فتأمل. (١)

٢ ـ نقد المصلحة السلوكية

«نقد العلّامة البروجردي قدس سرّه ، المصلحة السلوكية بمعنى وجود مصلحة في نفس الأمر في قبال المصالح الواقعية يمكنه تداركها بها عند فوتها

... أنه لو سلّم إمكان تحقق الأمر عن مصلحة في نفسه ، ولكن لا ربط لها بمصلحة الواقع التي يفوت من العبد فكيف يتدارك بها؟ ...»

أقول : «ما ذكره الأستاذ ـ مد ظلّه ـ إنما يتم بناء على كون مصلحة المتعلق دائما عائدة إلى العبد ومصلحة الأمر راجعة إلى المولى ، وكلاهما محل نظر ، إذ يمكن كون مصلحة الفعل مصلحة نوعية ، او تكون هناك مصلحة واحدة يقوم بها فعل جميع العبيد ويكون فعل كلّ

__________________

(١) نهاية الأصول ، ص ٤٤١.

٢٨٣

منهم كجزء المحصّل ، أو تكون مصلحة الفعل عائدة إلى المولى وإن لم يتصور ذلك في مولى الموالي ، وكذلك يمكن كون مصلحة الأمر أيضا عائدة إلى العبد ، ولو سلم أن مصلحة الفعل تعود إلى العبد ومصلحة الأمر إلى المولى ، فلا نسلّم وجوب تدارك المولى لما يفوت من العبد ، وليس هذا التقويت بقبيح ، فإن القبيح إنما هو تفويت المصلحة غير المزاحمة لا مطلقا. فافهم.» (١)

٣ ـ نقد القول بالسببيّة

«... إن القول بالسببيّة انما يتم إذا كان هناك عنوان ذو مصلحة وراء العناوين الواقعية ، حتى يقال : بأن المسألة (إذا كان مفاد الأمارة مخالفا للواقع) من مصاديق مسألة اجتماع الأمر والنهي ، وليس الأمر كذلك ، فان العنوان المتوهم هنا هو سلوك الأمارة وليس هو إلّا العمل بمؤداها»

أقول : لعلك ترى ما حرّرناه في رد السببيّة مشوشا والسر في ذلك أنه لم يتضح لي مراد الأستاذ ـ مد ظلّه ـ كاملا ، والظاهر ان مراد القائلين بالسببيّة بالمعنى الثالث ليس انحلال مثل «صدّق العادل» ـ مثلا ـ إلى الأحكام الخمسة ، بأن يكون الحكم المجعول موافقا لمؤدّى الأمارة ، بل القائلون بالطريقية أيضا لا يقولون بذلك ، بأن يكون المجعول فيما إذا قامت الامارة على الوجوب ـ مثلا ـ هو الوجوب ، وفيما إذا قامت على الاستحباب ، هو الاستحباب وهكذا ، بل الظاهر أن المجعول ـ لو كان في البين جعل ـ هو الوجوب مطلقا ، سواء قلنا بالطريقية او السببيّة ، وسواء كان المؤدّى وجوب شيء أو حرمته أو غيرهما من الأحكام.

فالمجعول في باب خبر الواحد ـ مثلا ـ ليس إلّا وجوب العمل على وفق مؤداها أيّ شيء كان ، لا حكم مماثل للمؤدّى ، حتى ينحل قوله : «صدّق العادل» مثلا إلى الأحكام الخمسة. غاية الامر أن القائل بالطريقية يقول : إن العمل بخبر الواحد والاعتناء بقوله وفرضه واقعا لا يترتب عليه اثر سوى إحراز الواقع على تقدير الإصابة ، فوجوب العمل وجوب طريقي كما في وجوب الاحتياط ، فإنّه أيضا لا ينحل إلى الأحكام الخمسة ، حتى يكون في الشبهات

__________________

(١) نهاية الأصول ، ص ٤٤٥.

٢٨٤

التحريمية ـ مثلا ـ كل شبهة محكومة بالحرمة ظاهرا بحسب جعل الشارع هذه الحرمة لها ، وفي الوجوبية مثلا ، محكومة بالوجوب ، بل المجعول ليس إلّا وجوب الاحتياط حتى في التحريمية أيضا ، ولكن لا عن مصلحة في نفس الاحتياط بل المنظور من جعل هذا الوجوب هو انحفاظ الواقعيات.

واما القائل بالسببيّة ، فيقول : إن الاعتناء بقول العادل وتطبيق العمل على وفق قوله من حيث إنّه احترام له وتجليل ـ مثلا ـ يشتمل على مصلحة ملزمة مستتبعة للوجوب دائما ، حتى أنه لو أخبر بالاستحباب ـ مثلا ـ فلا يجب العمل بالمؤدّى ولا يستحب أيضا ، وإنّما يجب تطبيق العمل ، بمعنى أنه إذا أراد العمل ، وجب أن يكون على وفق قوله ، وما ذكره الأستاذ ـ مد ظلّه ـ من أن السلوك ليس عنوانا آخر وراء العناوين الواقعية ففيه نظر واضح فتأمل. (١)

٤ ـ جعل الأمارات خير محض

«إن الأحكام الظاهرية الثابته بالأمارات جعلت لنيل الأحكام الواقعية ، وجعل الأمارات خير محض لترتب انحفاظ الواقعيات عليه عند الإصابة ، وأن فوت الملاكات الواقعية فيما لم تطابق الأمارات مع الواقع لا يستند إليها بل إلى جهل المكلف ...»

لا يخفى أن ما ذكره الأستاذ ـ مد ظلّه ـ يتم في الشبهات البدوية كما إذا كان ما يعلم من الأحكام بمقدار ينحل به العلم الإجمالي بوجود الأحكام في الشريعة ، وأما إذا لم يكن كذلك ، بل كان العلم الإجمالي باقيا بحاله فلا يمكن اسناد فوت الواقعيات إلى جهل المكلف ولا إلى الأمارات المجعولة ، بل إلى اشتمال الاحتياط على مفسدة تامة موجبة للزجر عنه ففي الحقيقة يستند إلى زجر المولى عن الاحتياط. ولا يخفى أن ادعاء انحلال العلم الإجمالي مع قطع النظر عن الأمارات في غاية البعد. ثم لا يخفى أيضا أن في الشبهات البدوية أيضا يمكن استناد فوت بعض المصالح ـ مثلا ـ إلى جعل الأمارة ، كما إذا كان هناك علم إجمالي صغير فانحل بالأمارة المخالفة للواقع ، وكما إذا كان عموم لفظ او إطلاق ، مطابقا للواقع فقامت أمارة اخرى على

__________________

(١) نهاية الأصول ، ص ٤٤٧.

٢٨٥

تخصيصه او تقييده ، فقيام هذه الأمارة صار سببا لفوت الواقع ، ولكن يجاب عن ذلك بأنه شرّ قليل يجب تحمله ليحصل النفع الكثير.

واعلم أيضا أن ما ذكره الأستاذ ـ مد ظلّه ـ من كون جعل الأحكام الظاهرية لغرض حفظ الواقعيات ، لا يجري في الأمارات المرخصة وأصل الإباحة مثلا. فافهم. (١)

الاستدلال لحجّية مطلق الظن بدليل الانسداد

«محل البحث : الاستدلال لحجية مطلق الظن وبنائه على مقدمات : منها : ما في الكفاية من العلم الإجمالي بوجود تكاليف في الشريعة. ونقده في المتن بأن العلم الإجمالي إن تعلق بوجود تكاليف فعلية علم عدم رضا الشارع بمخالفتها ولو مع الجهل ، وعدم قيام طريق اليها فمقتضاه لزوم الاحتياط التام لا العمل بمطلق الظن ؛ وإن تعلق بوجود تكاليف لم تبلغ هذه المرتبة بل بمرتبة لو علمت اوقام طريق اليها صارت فعلية فلا يجب امتثالها مع الاشتباه والجهل ، فلا تثبت حجية مطلق الظن. إلّا أن يقال : بأنا نعلم أن بعضها بلغ مرتبة البعث والزجر وعلم عدم رضا المولى بتركه وإن كان بعضها الآخر غير بالغ هذه المرتبة ، ولكن مقتضاه حجية الظن كشفا وطريقا لا حكومة ...»

أقول : ربما يختلج بالبال إشكال وهو أن يقال : مع قطع النظر عما يأتي من كون أطراف العلم الإجمالي وخصوص المظنونات وما قام عليه الطريق ، إن العلم تعلق بوجود تكاليف دائرة بين المحتملات المظنونة والمشكوكة والموهومة بحيث يحتمل كون الجميع في المظنونة ويحتمل كونها في المشكوكة ويحتمل كونها في الموهومة ، وإن كان يحتمل التبعيض أيضا ، لا أن العلم تعلق بتكاليف يعلم بكون بعضها في المظنونات وبعضها في الموهومات وبعضها في المشكوكات ، وعلى هذا فلو علمنا بأن واحدا من هذه التكاليف الكثيرة قد بلغ مرتبة البعث و

__________________

(١) نهاية الأصول ، ص ٤٤٣.

٢٨٦

الزجر بحيث لا يرضى المولى بتركه كان الواجب علينا هو الاحتياط التام في المظنونات والمشكوكات والموهومات ، فافهم. (١)

استدلال آخر لحجية مطلق الظن

«استدل الشيخ على حجية مطلق الظن بأن مراتب الامتثال أربعة :

١ ـ العلمي التفصيلي

٢ ـ العلمي الإجمالي

٣ ـ الظّني

٤ ـ الاحتمالي.

وردّه في المتن بوجهين :

١ ـ أن مراتب الامتثال هي فيما إذا كان التكليف ثابتا منجزا وفيما نحن فيه أصل التكليف المنجّز غير معلوم.

٢ ـ مراتب الامتثال تمكن فيما إذا كان هنا تكليفا في واقعة وتردّد أمره بين الامتثال العلمي التفصيلي او الإجمالي او الظّني ، او الاحتمالي فيحكم العقل بالترتب ، وفيما نحن فيه ليس كذلك بل وقائع متعددة بعضها مظنونة وبعضها مشكوكه وبعضها موهومة وامتثال كل منها ليس امتثالا لآخر ...»

لم يظهر مراد الأستاذ ـ مد ظلّه ـ هنا كاملا وما هو المترائى من ظاهر كلامه لا يخلو من نظر بكلا وجهيه ، فإنه بعد العلم إجمالا بثبوت التكاليف او العلم بفعليتها وتنجزها مع ما عليه من الجهل على فرض ثبوتها وتحققها يكون البحث في دليل الانسداد عما هو مقتضى القاعدة في مقام امتثالها ، ولا تختص مراتب الامتثال بصورة ثبوت التكليف بالعلم التفصيلي ، ولا بما إذا كان المعلوم واقعة واحدة والمفروض فيما نحن فيه هو العلم بوقائع متعددة يحتمل كون جميعها في المظنونات أو في المشكوكات أو في الموهومات كما يحتمل التبعيض. والأخذ بالظن ليس إلّا لكون الأخذ به موجبا لتحقق الامتثال الظّني بالنسبة إلى جميع الوقائع الواقعية والتكاليف المعلومة.» (٢)

__________________

(١) نهاية الأصول ، ص ٥٤٦.

(٢) نهاية الأصول ، ص ٥٥٢.

٢٨٧

الفائدة الثانية

سند كتاب فقه الرضا

«المبحث : سند كتاب فقه الرضا وأنه هل كان مأثورا من الإمام عليه‌السلام أم لا؟ وحيث إن هذا الكتاب من مستندات الفقه والفقهاء في كثير من الأبواب كان المناسب البحث عن حجيته. وقد تصدّى سماحة الأستاذ ـ مد ظلّه ـ لهذا البحث بالتفصيل.» (١)

واعلم أنّ كتاب فقه الرضا من جهة المتن كتاب وزين جامع جيّد الأسلوب يظهر من سياقه والمسائل المعنونة فيه أنّ مؤلّفه كان محيطا إجمالا بفقه الشيعة الإمامية ورواياتهم المأثورة عن الأئمة عليهم‌السلام عارفا بمذهب أهل البيت مطّلعا على موازين الجمع بين الأخبار المتعارضة ، بحيث لو صحّ سند الكتاب وثبت اعتباره كان وافيا بحلّ كثير من المعضلات ودليلا لكثير من المسائل والفتاوى التي وقع الإشكال في مداركها ، وإن اشتمل أيضا على بعض الفتاوى التي لا يلتزم بها الشيعة ولكنّها قليلة جدّا.

وآخر الكتاب هو باب القضاء والمشيّة والإرادة. وأمّا باب فضل صوم شعبان وما بعده (٢) فالظاهر أنّه كتاب آخر ألحق به في الطبع السابق ، وهو نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى ، وقد طبع أخيرا كلّ من الكتابين مستقلا.

الأقوال الثلاثة في ماهية كتاب فقه الرضا وأدلتها

فالعمدة هنا البحث في ماهيّة الكتاب وأنّه معتبر أم لا؟ وقد ظهر الكتاب في عصر المجلسيّين ـ قدس سرّهما ـ ثمّ وقع الاختلاف في أنّه من الإمام عليه‌السلام أو من مؤلّفات بعض الأصحاب. فالمجلسيّان وجمع من الفحول اعتمدوا عليه بعنوان أنّه لشخص الإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) المكاسب المحرمة ، ج ١ ، ص ١ / ١١٢.

(٢) فقه الرضا ، ص ٥٦ وما بعدها من الطبع السابق.

٢٨٨

القول الأوّل وأدلته

١ ـ قال المجلسي في مقدمة البحار :

«وكتاب فقه الرضا عليه‌السلام أخبرني به السيّد الفاضل المحدّث القاضي أمير حسين ـ طاب ثراه ـ بعد ما ورد أصفهان. قال : قد اتفق في بعض سني مجاورتي بيت الله الحرام أن أتاني جماعة من أهل قم حاجّين ، وكان معهم كتاب قديم يوافق تاريخه عصر الرضا عليه‌السلام ، وسمعت الوالد ـ رحمه‌الله ـ أنّه قال سمعت السيّد يقول : كان عليه خطّه ـ صلوات الله عليه ـ وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء.

وقال السيّد : حصل لي العلم بتلك القرائن أنّه تأليف الإمام عليه‌السلام فأخذت الكتاب وكتبته وصحّحته. فأخذ والدي ـ قدّس الله روحه ـ هذا الكتاب من السيّد واستنسخه وصحّحه. وأكثر عباراته موافق لما يذكره الصدوق أبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه من غير سند ، وما يذكره والده في رسالته إليه. وكثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكورة فيه كما ستعرف في أبواب العبادات.» (١)

٢ ـ وقال المجلسي الأوّل في حاشيته على روضة المتّقين تأليف نفسه ما مختصره :

«اعلم أنّ السيّد الثقة الفاضل المعظّم القاضي مير حسين ـ طاب ثراه ـ كان مجاورا في مكّة المعظمة سنين ، وبعد ذلك جاء إلى أصفهان وذكر أني جئت بهديّة نفيسة إليك وهو الكتاب الذي كان عند القميّين وجاؤوا به إليّ عند ما كنت مجاورا ، وكان على ظهره أنّه يسمى بالفقه الرضوي. وكان فيه بعد الحمد والصلاة : «أمّا بعد فيقول عبد الله عليّ بن موسى الرضا.» وكان في مواضع منه خطّه عليه‌السلام.

ومن كان عنده الكتاب ذكر أنّه وصل إلينا عن آبائنا أنّه تصنيف الإمام عليه‌السلام ، وكان نسخة قديمة مصحّحة فانتسخت منها. ولما أعطاني القاضي نسخته انتسخت منها ثم أخذه مني بعض التلامذة ونسيت الأخذ فجاءني به بعد تأليفي

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١ ، ص ١١ ، مصادر الكتاب.

٢٨٩

لهذا الشرح ، فلمّا تدبّرته ظهر أنّ جميع ما يذكره على بن بابويه في الرسالة فهو عبارة هذا الكتاب ممّا ليس في كتب الحديث.

والظاهر أنّه كان هذا الكتاب عند الصدوقين وحصل لهما العلم بأنّه تأليفه عليه‌السلام. والظاهر أنّ الإمام عليه‌السلام ألّفه لأهل خراسان وكان مشهورا عندهم. ولما ذهب الصدوق إليها اطّلع عليه بعد ما وصل إلى أبيه قبل ذلك فلمّا كتب أبوه إليه الرسالة وكان ما كتبه موافقا لهذا الكتاب تيقّن عنده مضامينه فاعتمد عليها الصدوق.

والذي ظهر لي بعد التتبع أنّ علّة عدم إظهار هذا الكتاب أنّه لمّا كان التأليف في خراسان وكان أهلها من العامّة ـ والخاصّة منهم قليلة اتّقى ـ صلوات الله عليه ـ فيه في بعض المسائل تأليفا لقلوبهم مع أنّه عليه‌السلام ذكر الحقّ أيضا ، لم يظهر الصدوق ذلك الكتاب وكان محذوفا عندهما وكانا يفتيان بما فيه ويقولان إنّه قول المعصوم.» (١)

أقول : وراجع في هذا المجال أيضا ما حكاه في المستدرك عن فوائد العلامة الطباطبائي ومفاتيح الأصول نقلا عن المجلسي الأوّل ـ قدّس الله تعالى أسرارهم ـ (٢)

وما ذكره لتوجيه اشتمال الكتاب على الفتاوى المختصّة بالعامّة ضعيف ، إذ الإمام عليه‌السلام في خراسان لم يكن مبتلى بالتقيّة في قبال العامّة ، فعلى فرض كون الكتاب تأليفا له كيف يخرّب ويوهن كتابه المتقن الجامع بذكر عدد قليل من الفتاوى الباطلة فيه مع عدم الإجبار؟! وأئمتنا عليهم‌السلام كانوا بصدد بيان الحقّ وقلع أساس الباطل مهما أمكن ، كما يظهر من مخالفاتهم في المسائل المختلف فيها بين الشيعة والسنة في الأبواب المختلفة كالعول والتعصيب ونحوهما. هذا.

٣ ـ واستند المجلسي الأوّل في كتاب الحجّ من الشرح الفارسي للفقيه في باب ما يجب على من بدأ بالسعي قبل الطواف بالفقه الرضوي وقال في أثناء كلامه :

«قال شيخان فاضلان صالحان ثقتان : إنّهما أتيا بهذه النسخة من قم إلى مكّة ، وكانت النسخة قديمة وعليها خطوط إجازات العلماء ، وفي مواضع منها خطّه عليه‌السلام.

__________________

(١) روضة المتّقين ، ج ١ ، ص ١٦ ، شرح خطبة الفقيه ،

(٢) مستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ٣٣٧ ، الفائدة الثانية من الخاتمة في شرح حال الكتب ومؤلفيها.

٢٩٠

والقاضي مير حسين ـ طاب ثراه ـ كان استنسخ منها نسخة أتى بها إلى هذا البلد فاستنسخت أنا من نسخته ...» (١)

أقول : ظاهر هذه العبارة أنّ الشيخين المذكورين أخبرا المجلسي بذلك ، ولكن الظاهر أنّهما أخبرا القاضي مير حسين بمكّة والقاضي أخبر المجلسي بأصفهان. وليس في أخبار الثقتين كون الكتاب للإمام عليه‌السلام وإنّما أخبرا بإتيانهما الكتاب الخاصّ من قم ، فتدبّر.

٤ ـ والمحقق النراقي ـ قدس‌سره ـ خصّ عائدة من كتاب العوائد بتحقيق حال هذا الكتاب وقال ما ملخّصه :

«إنّ هذا الكتاب لم يكن متداولا بين الطبقة المتوسّطة من الأصحاب إلى زمان الفاضل محمد تقي المجلسي وهو أوّل من روّج هذا الكتاب ، وبعده ولده العلامة محمد باقر المجلسي ، فإنّه أورده في كتاب بحار الأنوار.»

إلى أن قال ما ملخّصه :

«فقد عرفت أنّ الفاضلين المجلسيين والفاضل الهندي وجمعا من مشايخنا العظام ومنهم السيّد السند الأستاذ ، ومنهم صاحب الحدائق وهو من المصرّين على ذلك ويجعله حجّة بنفسه ، ومنهم صاحب رياض المسائل ، ومنهم الوالد الماجد صاحب اللوامع ، وبعض من تقدّم عليهم كالفاضل الكاشاني شارح المفاتيح قد سلكوه في مسلك الأخبار وأدرجوه في كتب أحاديث الأئمة الأطهار عليهم‌السلام

٥ ـ وقال أيضا :

«قال السيّد الأستاذ : وممّا يشهد باعتباره وصحّة انتسابه إلى الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام مطابقة فتاوى الشيخين الجليلين الصدوقين لذلك حتى إنّهما قدّماه في كثير من المسائل على الروايات الصحيحة ، وخالفا لأجله من تقدّمهما من الأصحاب ، وعبّرا في الغالب بنفس عباراته ، ويلوح من الشيخ المفيد الأخذ به والعمل بما فيه من مواضع من المقنعة. ومعلوم أنّ هؤلاء الأعاظم الذين هم أركان

__________________

(١) شرح كتاب من لا يحضره الفقيه ، كتاب الحج ، ص ١٩٨ (المجلّد الخامس حسب تجزئة الشارح).

٢٩١

الشريعة لا يستندون إلى غير مستند ولا يعتمدون على غير معتمد. وقد رجع إلى فتاويهم أصحابنا المتأخّرون عنهم لاعتمادهم عليهم بأنّهم أرباب النصوص وأنّ فتواهم عين النصّ الثابت عن الحجج. وقد ذكر الشهيد (في الذكرى) أن الأصحاب كانوا يعلمون بشرائع عليّ بن بابويه. ومرجع كتاب الشرائع ومأخذه هذا الكتاب كما هو معلوم على من تتبّعها وتفحّص ما فيها وعرض أحدهما على الآخر. ومن هنا يظهر عذر الصدوق في عدّ رسالة أبيه من الكتب التي إليها المرجع وعليها المعوّل لأنّ الرّسالة مأخوذة من الفقه الرضوي وهو حجّة عنده ولم يكن الصدوق ليقلّد أباه فيما أفتاه حاشاه ، وكذلك اعتماد الأصحاب على كتاب عليّ بن بابويه.» (١)

أقول : أراد بالسيّد الأستاذ : العلامة الطباطبائي المشتهر ببحر العلوم ، حيث إنّه عقد في فوائده فائدة للبحث في هذا الكتاب (٢).

٦ ـ وفي العوائد أيضا عن سيّده الأستاذ أنّه قال :

«قد اتفق لي في سني مجاورتي في المشهد المقدّس الرضوي أني وجدت في نسخة من هذا الكتاب من الكتب الموقوفة على الخزانة الرضوية : أنّ الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام صنّف هذا الكتاب لمحمّد بن السكين ، وأنّ اصل النسخة وجدت في مكة المشرّفة بخطّ الإمام عليه‌السلام وكان بالخطّ الكوفي فنقله المولى المقدّس الآميرزا محمد ـ وكان صاحب الرجال ـ إلى الخطّ المعروف.» وراجع المستدرك أيضا.» (٣)

٧ ـ وفي كتاب رياض العلماء في شرح حال السيّد عليّ خان شارح الصحيفة قال :

«ثمّ اعلم أنّ أحمد السكين ـ وقد يقال : أحمد بن السكين ـ هذا الذي قد كان في

__________________

(١) العوائد ، ص ٢٤٧ و٢٥١.

(٢) الفوائد ، ص ١٤٤ ، الفائدة ٤٥ وهي في آخر الكتاب.

(٣) العوائد ، ص ٢٤٩ ، عائدة في حال الفقه الرضوي. ومستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ٣٤٠ ، الفائدة الثانية من الخاتمة في شرح حال الكتب ومؤلّفيها.

٢٩٢

عهد مولانا الرضا ـ صلوات الله عليه ـ وكان مقرّبا عنده في الغاية. وقد كتب لأجله الرضا عليه‌السلام كتاب فقه الرضا. وهذا الكتاب بخطّ الرضا عليه‌السلام موجود في الطائف بمكّة المعظّمة في جملة من كتب السيّد عليّ خان المذكور التي قد بقيت في بلاد مكّة. وهذه النسخة بالخطّ الكوفي وتاريخها سنة مأتين من الهجرة ، وعليها إجازات العلماء وخطوطهم. وقد ذكر الأمير غياث الدين المذكور نفسه أيضا في بعض إجازاته بخطّه هذه النسخة ، ثمّ أجاز هذا الكتاب لبعض الأفاضل ، وتلك الإجازة بخطّه أيضا موجود في جملة كتب السيّد علي خان عند أولاده بشيراز.» (١)

أقول : في رياض العلماء ذكر غياث الدين منصور من أجداد السيّد علي خان ، وأنهى نسبه إلى أحمد السكين بن جعفر بن محمّد بن زيد الشهيد. ويشبه أن يكون أحمد بن السكين في العبارة الأخيرة ومحمد بن السكين فيما قبلها أحدهما مصحّف الآخر. ولكن المذكور في الرجال : محمد بن سكين بن عمّار النخعي. قال النجاشي إنّه ثقة روى أبوه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢). ولا يهمّنا فعلا تحقيق ذلك.

ويظهر من العبارتين أنّ نسخة الخزانة الرضوية كانت مأخوذة من نسخة السيّد عليّ خان في مكّة ، وأنّ هذه النسخة غير ما أتى بها القاضي مير حسين من مكّة ، لأنّها كانت لحجّاج قم أتوا بها من قم.

والظاهر أنّ نسخة القاضي ونسخة القميين كانتا بالخط المعروف لا بالخطّ الكوفي وإلّا لأشار إلى ذلك السيّد والمجلسيّان فيما مرّ من كلامهما ، فاحتمال وحدة النسختين بعيد.

وأبعد من ذلك احتمال أن تكون النسخة بالخطّ الكوفي كتابا آخر للرضا عليه‌السلام كتبه لابن السكين غير فقه الرضا الموجود عندنا كما يظهر من مصباح الفقاهة (٣) ، إذ بحر العلوم شهد أنّ النسخة كانت عين فقه الرضا الموجود عندنا.

__________________

(١) رياض العلماء ، ج ٣ ، ص ٣٦٤.

(٢) رجال النجاشي ، ص ٣٦١ (ط. اخرى ، ص ٢٥٦) وعنه في تنقيح المقال ، ج ٣ ، ص ١٢١.

(٣) مصباح الفقاهة ، ج ١ ، ص ١٥.

٢٩٣

٨ ـ وفي الحدائق نقلا عن السيّد المحدّث السيّد نعمة الله الجزائري في مقدّمات شرحه على التهذيب قال :

«وكم قد رأينا جماعة من العلماء ردّوا على الفاضلين بعض فتاويهم لعدم الدليل فرأينا دلائل تلك الفتاوى في غير الأصول الأربعة ، خصوصا كتاب الفقه الرضوي الذي أتي به من بلاد الهند في هذه الأعصار إلى أصفهان ، وهو الآن في خزانة شيخنا المجلسي ، فإنّه قد اشتمل على مدارك كثيرة للأحكام وقد خلت عنها هذه الأصول الأربعة وغيرها.» (١)

أقول : يظهر من هذه العبارة أنّ نسخة من فقه الرضا أيضا أتي بها للمجلسي من الهند ، فلا محالة تكون غير نسخة القاضي التي أتي بها من مكّة ، ولعلّها كانت في خلال الكتب التي كان يؤتي بها للمجلسي من البلاد النائية حين تأليفه للبحار. ومن المحتمل ولو ضعيفا أنّها كانت مأخوذة من نسخة السيّد علي خان ولو بالواسطة ، إذ السيّد كما في رياض العلماء (٢) كان مجاورا بمكّة ثمّ رحل في أوائل حاله إلى حيدرآباد من بلاد الهند وأقام بها مدة طويلة.

وكيف كان فهل الكتاب كان من إنشاء الإمام عليه‌السلام ولو إملاء على غيره كما عليه المجلسيان وجمع من فحول المتاخرين ، ويؤيّد ذلك موافقة فتاوى الصدوقين لعباراته ، إذ دأب القدماء كان على الإفتاء بمتون الأخبار ، أو أنّه كتاب مكذوب على الإمام عليه‌السلام بداعي دسّ بعض الفتاوى الباطلة فيه ، أو أنّه رسالة عليّ بن بابويه إلى ابنه الذي اعتمد عليه الصدوق في فتاويه في الفقيه وغيره وكان الأصحاب يرجعون إليها عند إعواز النصوص كما ربّما يستشهد لذلك بموافقة ما حكاه عنها ابنه في الفقيه والمقنع لما في هذا الكتاب ، وكذا ما حكاه عنها العلامة في المختلف ، وما أفتى به في الفقيه والمقنع لما في هذا الكتاب ، وكذا ما حكاه عنها العلامة في المختلف ، وما أفتى به في الفقيه بلا ذكر مأخذ ، أو أنّه كتاب التكليف الذي ألّفه محمّد بن عليّ الشلمغاني فعرضوه على وكيل الناحية المقدّسة أبي القاسم حسين بن روح فقال : ما فيه شيء إلّا وقد روي عن الأئمة عليهم‌السلام إلّا موضعين أو ثلاثة فإنّه كذب عليهم كما في غيبة الشيخ الطوسي (٣)؟ في المسألة احتمالات بل أقوال :

__________________

(١) الحدائق ، ج ١ ، ص ٢٥ ، المقدّمة الثانية.

(٢) رياض العلماء ، ج ٣ ، ص ٣٦٥.

(٣) الغيبة لشيخ الطائفة ، ص ٢٥٢.

٢٩٤

أدلة القائلين بحجيّة كتاب فقه الرضا

واستدلّ القائلون بحجّية هذا الكتاب واعتباره بوجوه عمدتها ـ كما في مصباح الفقاهة ـ وجهان :

الوجه الأوّل : أنّ القاضي أمير حسين أخبر بأنّه للإمام عليه‌السلام ووثّقه المجلسيّان واعتمدا عليه ، وخبر الثقة حجّة بمقتضى صحيحة أحمد بن إسحاق الماضية (١) وغيرها.

قال في المستدرك :

«إنّ السيّد الثقة الفاضل القاضي أمير حسين أخبر بأنّ هذا الكتاب له عليه‌السلام وأخبره بذلك ثقتان عدلان من أهل قم. وهذا خبر صحيح داخل في عموم ما دلّ على حجّية خبر العدل.» (٢)

وأورد على ذلك : بأن إخبار السيّد المذكور إمّا أن يكون مستندا إلى القرائن التي أوجبت له العلم : من خطوط العلماء عليه ، وخطّ الإمام نفسه في مواضع منه ، أو إلى إخبار الشيخين الثقتين له كما يظهر من عبارة المستدرك.

أمّا الأوّل فلا يفيدنا ، إذ أدلّة حجيّة خبر الثّقة لا تشمل الأخبار الحدسية ، إذ الظاهر من الخبر ما كان يحكي عن الواقع مباشرة ، وفي الحدسيّات يكون المخبر به في الحقيقة حدس المخبر واجتهاده لا الواقع.

فإن قلت : الحدس هنا مبني على مقدّمات حسيّة فيكون من قبيل الإخبار بالملكات النفسانيّة كشجاعة زيد مثلا أو سخاوته أو عدالته ـ بناء على كونها من قبيل الملكات ـ بسبب مشاهدة آثارها الدالّة عليها. وفي هذه الصورة يكون الخبر حجّة عند العقلاء ويكون عندهم بحكم الخبر الحسّي. وعمدة الدليل على حجيّة الأخبار بناء العقلاء وسيرتهم.

قلت : نعم ولكن بشرط وجود الملازمة العادية بين الآثار المشهودة وبين مباديها من الملكات بحيث يحصل العلم بها لكلّ من شاهد الآثار. وليس المقام من هذا القبيل لاختلاف

__________________

(١) الكافي ، ج ١ ، ص ٣٣٠ ، كتاب الحجّة ، باب في تسمية من رآه عليه‌السلام ، الحديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ٣٣٩ ، الفائدة الثانية من الخاتمة في شرح حال الكتب ومؤلّفيها.

٢٩٥

الأشخاص جدّا في قوّة الإدراك والتشخيص والتخصّصات اللازمة. ولعلّ الخطوط التي رآها السيّد المذكور لو كانت بمرآنا لم تحصّل العلم لنا. واحتمال الجعل والتزوير أو الاشتباه في أمثال المقام مع طول الزمان ممّا لا دافع له.

اللهم إلّا أن يقال : إنّ حجيّة الخبر عندنا ليست من جهة التعبد بل من جهة بناء العقلاء وسيرتهم ، وهم كما يعلمون بخبر الثقة يعملون في الأمور التخصصية بقول أهل الخبرة الموثوق به أيضا ، وتشخيص الخطوط من أهمّ الأمور التخصصية ، فتأمّل.

فإن قلت : كيف يمكن التشكيك في إسناد الكتاب إلى الإمام عليه‌السلام مع أنّه يوجد فيه عبارات كثيرة تدلّ على كونه له عليه‌السلام ولا تنطبق على غير الإمام كقوله في أوّل الكتاب : «يقول عبد الله علي بن موسى الرضا» وقوله : «هي الليلة التي ضرب فيها جدّنا أمير المؤمنين عليه‌السلام وقوله «أروي عن أبي العالم» وقوله : «نحن معاشر أهل البيت» إلى غير ذلك من العبارات التي لا ينبغي صدورها عن غير الإمام عليه‌السلام.

قلت أوّلا : إنّ احتمال الكذب والافتراء ممّا لا دافع له. وربّما يؤلّف كتاب مشحون من المطالب الحقّة الصحيحة بداعي دسّ جملة باطلة فيه. وقد كثر الكذب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والدسّ في أخبار الأئمة عليهم‌السلام بدواع مختلفة ، كما هو الشائع الذائع في جميع الأعصار بالنسبة إلى الشخصيّات البارزة الاجتماعية. ومن المؤسف عليه أنّ فقه الرضا أيضا يوجد فيه بعض ما لا يمكن الالتزام به.

وثانيا : إنّ أكثر العبارات المذكورة قابلة للانطباق على أولاد الأئمة عليهم‌السلام أيضا ، فلعلّ المؤلّف للكتاب كان من السادة العلويّين الخبير بفقه الشيعة الإماميّة.

وأمّا أن جعل إخبار السيّد القاضي مستندا إلى إخبار الثقتين من أهل قم كما مرّ عن المستدرك.

فيرد عليه : أنّ الثقتين المذكورين لم يخبرا بكون الكتاب للإمام عليه‌السلام وإن أوهم ذلك عبارة المستدرك ، وإنّما أخبرا بأنّهما أتيا بالكتاب من قم ، فراجع ما مرّ من عبارة المجلسي الأوّل في كتاب الحجّ من الشرح الفارسي للفقيه. ولو سلّم فليس خبرهما مسندا معنعنا إلى الرضا عليه‌السلام حتى يخرج عن الإرسال. ولا دليل على تلقّيهما إيّاه عن آبائهما يدا بيد إلى الإمام عليه‌السلام وإن

٢٩٦

احتمل ذلك في المستدرك. وبالجملة فخبر السيّد أو الثقتين بكون الكتاب للإمام من قبيل الأخبار المرسلة.

نعم مرّ في عبارة المجلسي الأوّل في حاشيته على روضة المتقين نقلا عن السيد القاضي قوله : «ومن كان عنده الكتاب ذكر أنّه وصل إلينا عن آبائنا أنّ هذا الكتاب من تصنيف الإمام.» (١)

ولكن يرد على ذلك أنّه على فرض الوثوق بمن كان عنده الكتاب أنا لا نطلع على حال آبائهم أجمعين فلا يثبت صحة الخبر في جميع الوسائط ، فتدبّر.

الوجه الثاني ممّا تمسّك به المثبتون لحجيّة فقه الرضا : موافقة عباراته ومضامينه لما رواه الصدوق من رسالة أبيه إليه ولفتاوى الصدوق في الفقيه والمقنع. وقد كان بناؤهما كسائر القدماء من أصحابنا على الإفتاء بمتون الأخبار ، فيظهر بذلك أنّ الكتاب كان عندهما معتمدين عليه.

وقد ذكر المجلسي الأوّل في كتاب الحجّ من الشرح الفارسي عقيب ما مرّ منه :

«والعمدة في الاعتماد على هذا الكتاب مطابقة فتاوى عليّ بن بابويه في رسالته وفتاوى ولده الصدوق لما فيه من دون تغيير أو تغيير يسير في بعض المواقع.» (٢)

ومرّ عن العوائد عن بحر العلوم قوله :

«ومما يشهد باعتباره وصحّة انتسابه إلى الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام مطابقة فتاوى الشيخين الجليلين الصدوقين لذلك حتى انّهما قدّماه في كثير من المسائل على الروايات الصحيحة وخالفا لأجله من تقدّمهما من الأصحاب وعبّرا في الغالب بنفس عباراته.» (٣)

ويرد على ذلك ـ كما في مصباح الفقاهة ـ (٤) : أنّ هذا لا يوجب اعتبار الكتاب ، لاحتمال العكس وأنّ الكتاب أخذ من رسالة ابن بابويه ، بل هو الظاهر ، إذ من المستبعد جدّا بل من المستحيل عادة أن يسند عليّ بن بابويه كتاب الإمام عليه‌السلام إلى نفسه من دون أن يشير هو أو ابنه

__________________

(١) روضة المتّقين ، ج ١ ، ص ١٦ ، شرح خطبة الفقيه.

(٢) الشرح الفارسي للفقيه ، كتاب الحج ، ج ١ ، ص ١٩٨ (المجلد الخامس حسب تجزئة الشارح).

(٣) العوائد ، ص ٢٥٠.

(٤) مصباح الفقاهة ، ج ١ ، ص ١٥.

٢٩٧

إلى أنّ هذا الكتاب من تأليف الإمام. وهل يرضى أحد أن ينسب مثل هذه السرقة إلى الصدوقين؟! ويحتمل أيضا أخذ كلا الكتابين من كتاب ثالث.

هذا مضافا إلى أنّ سياق الكتاب لا يشبه سياق الروايات الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام بل يشبه سياق كتب الفتوى المتضمنة لنقل بعض الروايات بعنوان الدليل.

ومضافا إلى اشتمال الكتاب على بعض الفتاوى المخالفة لمذهبنا كقوله مثلا في باب التخلّي والوضوء : «وإن غسلت قدميك ونسيت المسح عليهما فإنّ ذلك يجزيك ، لأنّك قد أتيت بأكثر ما عليك وقد ذكر الله الجميع في القرآن : المسح والغسل ، قوله ـ تعالى ـ : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) أراد به الغسل بنصب اللام ، وقوله : (وَأَرْجُلَكُمْ) بكسر اللام أراد به المسح ، وكلاهما جائزان : الغسل والمسح.» (١)

وقوله في باب اللباس وما يكره فيه الصلاة في حكم جلد الميتة : «إنّ دباغته طهارته.» (٢) وقوله : «قد يجوز الصلاة فيما لم تنبته الأرض ولم يحلّ أكله مثل السنجاب والفنك والسّمور والحواصل.» (٣)

وقوله في تحديد الكر : «والعلامة في ذلك أن تأخذ الحجر فترمي به في وسطه فإن بلغت أمواجه من الحجر جنبي الغدير فهو دون الكرّ وإن لم يبلغ فهو كرّ.» (٤)

ونهيه عن قراءة المعوّذتين في الفريضة لأنّه روي أنهما من الرقية ليستا من القرآن دخلوها في القرآن. (٥)

وقوله في بيان افتتاح الصلاة : «وانو عند افتتاح الصلاة ذكر الله وذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجعل واحدا من الأئمة نصب عينيك.» (٦) إلى غير ذلك من الموارد. هذا.

ردّ صاحب الفصول حجية كتاب فقه الرضا

وفي الفصول في باب حجّية الأخبار في فصل عقده لحجّية أخبار غير الكتب الأربعة قال في شأن فقه الرضا :

__________________

(١) فقه الرضا ، ص ٧٩.

(٢) نفس المصدر ، ص ٣٠٢.

(٣) نفس المصدر ، ص ٣٠٢.

(٤) نفس المصدر ، ص ٩١.

(٥) نفس المصدر ، ص ١١٣.

(٦) نفس المصدر ، ص ١٠٥.

٢٩٨

«وممّا يبعّد كونه تأليفه عليه‌السلام عدم إشارة أحد من علمائنا السلف إليه في شيء من المصنّفات التي بلغت إلينا ، مع ما يري من خوضهم في جمع الأخبار وتوغّلهم في ضبط الآثار المرويّة عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام. بل العادة قاضية بأنّه لو ثبت عندهم مثل هذا الكتاب لاشتهر بينهم غاية الاشتهار ولرجّحوا العمل به على العمل بسائر الأصول والأخبار لما يتطرّق إليها من احتمال سهو الراوي أو نسيانه أو قصوره في فهم المراد أو في تأدية المفهوم أو تقصيره أو تعمّد الكذب ، لا سيّما مع تعدّد الوسائط ، وسلامة الكتاب المذكور عن ذلك. ولبعد ما فيه عن التقيّة بخلاف غيره. مع أنّ الصدوق قد جمع في كتاب العيون جميع ما وقف عليه من الأخبار والآثار المرويّة عن الرضا عليه‌السلام. فلو كان قد عثر على الكتاب المذكور لنقله. ولو منعه عنه طول الكتاب لنبّه على وجوده واكتفى بذكر بعض صفاته. مضافا إلى شواهد أخر في نفس الكتاب يؤكّد الظن بما ذكرناه ...» (١)

وفي المستدرك عن بعض معاصريه ما ملخّصه :

«لو كان هذا الكتاب للإمام عليه‌السلام لما كان يخفى على ولده : الأئمة الأربعة بعده. ومن الظاهر أنّهم ما كانوا يخفون أمثال ذلك عن شيعتهم ومواليهم ولا سيّما خواصهم ومعتمديهم ، كما أخبر الأئمة عليهم‌السلام بكتاب عليّ وصحيفة فاطمة عليهما‌السلام ، ولكانوا يصرّحون به في كثير من أخبارهم ويأمرون الشيعة بالرجوع إليه والأخذ منه ، ولو وقع هذا لاشتهر بين القدماء ولكان يصل إليهم أثر منه. ولما كان يخفى على مشايخنا المحمّدين الثلاثة المصنّفين للكتب الأربعة ولا سيّما الصدوق (ره) المؤلف نحوا من ثلاثمائة مصنّف في الأخبار ومن جملتها عيون أخبار الرضا. ولكان يطلع عليه جملة من فقهاء الشيعة وما كان يبقى في زاوية الخمول فيما يقرب من ألف سنة.» (٢)

هذا كله حول القول بكون الكتاب من إنشاء شخص الإمام الثامن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام. وقد ظهر لك عدم ثبوت ذلك.

__________________

(١) الفصول ، ص ٣١٢ ، باب حجيّة الأخبار ، فصل حجيّة أخبار غير الكتب الأربعة.

(٢) مستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ٣٤٦ ، الفائدة الثانية من الخاتمة في شرح حال الكتب ومؤلّفيها.

٢٩٩

القول الثاني في كتاب فقه الرضا وأدلته

القول الثاني : أنّه بعينه رسالة عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي إلى ولده الصدوق ، وهو المعروف بشرائع عليّ بن بابويه. وممّن مال إلى هذا القول العالم المتتبّع الخبير الميرزا عبد الله الأفندي الأصفهاني مؤلّف رياض العلماء. قال في شرح حال ابن بابويه :

«وأمّا الرسالة إلى ولده فظني أنّه بعينه ما هو الآن يعرف بالفقه الرضوي ، لأنّه ينادي على ذلك سياق ذلك الكتاب ، ولعلّ ذلك الاشتباه لأنّهم لمّا وجدوا أنّ مؤلّفها هو أبو الحسن عليّ بن موسى كما هو الشائع في حذف بعض الأسامي من النسب حسبوا ذلك ، فتأمّل. وتلك الرسالة هي بعينها التي ينقل عنها ولده في الفقيه وفي سائر كتبه ويقول : «قال أبي في رسالته إليّ» ، لكن قال الأستاذ الاستناد أيّده الله في أوّل البحار ...» (١)

وقال في شرح حال السيّد القاضي الأمير حسين بعد نقل ما مرّ من البحار في شأن فقه الرضا :

«ثمّ إنّه قد يقال : إنّ هذا الكتاب بعينه رسالة عليّ بن بابويه إلى ولده الشيخ الصدوق. وانتسابه إلى الرضا عليه‌السلام غلط نشأ من اشتراك اسمه واسم والده ، فظنّ أنّه لعليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام حتى لقّب تلك الرسالة بفقه الرضا. وكان الأستاذ العلامة أيضا يميل إلى ذلك ...» (٢)

تأييد القول الثاني

أقول : وقد كان هذا القول في الأيّام السابقة راجحا لدي لما أحصيت موارد نقل الصدوق في الفقيه من رسالة أبيه وكانت قريبا من ثلاثين موردا ثمّ قايستها على فقه الرضا فرأيت موافقتهما إلّا في بعض الموارد المشتملة على تغيير يسير ، وكذلك قايست بعض ما يحكيه العلامة في المختلف عن الرسالة مع فقه الرضا فوجدتهما موافقين. ولكن مع ذلك يشكل

__________________

(١) رياض العلماء ، ج ٤ ، ص ٩.

(٢) رياض العلماء ، ج ٢ ، ٣١.

٣٠٠