مجمع الفوائد

آية الله المنتظري

مجمع الفوائد

المؤلف:

آية الله المنتظري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر سايه
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-5918-39-1
الصفحات: ٤٩٤

الثاني : المفاهيم الانتزاعية المنتزعة عن الخارجيّات من دون أن يكون لها وجودات على حدة وراء وجودات مناشئ الانتزاع فتحمل عليها بنحو الخارج المحمول لا المحمول بالضميمة.

قال في المنظومة :

«والخارج المحمول من صميمه

يغاير المحمول بالضميمة.» (١)

قوله : «من صميمه» متعلّق بالخارج لا بالمحمول ، فيراد أنّه خارج من حاقّ الذات ولكنّه يحمل عليها.

وقد يمثل لذلك في كلماتهم بالفوقيّة والتحتيّة والقبليّة والبعديّة والأبوّة والبنوّة وأمثال ذلك من الإضافات المتكرّرة ، ويقال : إنّ الخارج ظرف لأنفسها لا لوجوداتها إذ لا وجود لواحد منها وراء وجود منشأ انتزاعه.

أقول : لنا فيما مثّلوا به كلام ، إذ الخارجيّة مساوقة لنحو من الوجود وإن كان ضعيفا كما في جميع الأعراض النسبيّة. والمقسم للجوهر والمقولات العرضية بأجمعها هو الموجود الممكن فيجب أن يتحقّق المقسم في جميع الأقسام ومرتبة وجود العرض غير مرتبة وجود المعروض لتأخّره عنه رتبة. فلا يبقى فرق من هذه الجهة بين البياض والعلم وغيرهما من الكيفيّات وبين مثل الفوقيّة والتحتيّة والأبوّة والبنوّة وغيرها من الإضافات المتكرّره وإن تفاوتت في شدّة الوجود وضعفه ، فيكون الجميع من أقسام المحمول بالضميمة.

نعم في المفاهيم العامّة المنتزعة عن الماهيّات الخارجيّة كمفهوم الذات أو الماهيّة أو الشيئيّة أو الإمكان ونحوها من المعقولات الثانية باصطلاح الفلسفي وكذلك المفاهيم العامّة المنتزعة عن الوجودات الخارجيّة كمفهوم الوحدة أو التشخّص يشكل القول بتحقّق الوجود لها خارجا وراء وجودات مناشئ الانتزاع للزوم التسلسل وغيره من المحاذير المذكورة في محلّه (٢). ويعبّرون عن مثلها بأنّ الاتصاف بها في الخارج ولكن عروضها لمعروضاتها في الذهن بعد تحليله وانتزاعها منها. وملاك انتزاعها مع أنّ الانتزاع لا يكون جزافا يحتاج إلى تأمّل وبيان أوفى.

__________________

(١) شرح المنظومة ، ص ٣٠ ، غوص في الفرق بين الذاتي والعرضي.

(٢) شرح المنظومة ، ص ٣٩ ، في تعريف المعقول الثاني وبيان الاصطلاحين فيه.

٢٤١

ما هي حقيقة الأمور الاعتبارية؟

الثالث : الأمور الاعتبارية المحضة التي لا واقعيّة لها في عالم الخارج أصلا ، وإنما توجد في وعاء الفرض والاعتبار باعتبار من له الاعتبار عرفا أو شرعا بلحاظ الآثار المترقّبة منها المترتبة عليها عند العقلاء ، فيكون تكوينها بعين وجودها الإنشائي الاعتباري ، وذلك كالمناصب الاعتبارية بمراتبها والأحكام الشرعيّة التكليفيّة والوضعيّة. ومن هذا القبيل الزوجيّة المعتبرة بين الزوجين والملكيّة الاعتبارية التي هي موضوع بحثنا في باب المعاملات ، لا الملكيّة الحقيقيّة التكوينية.

توضيح ذلك : أنّ الملكية أعني إضافة الواجدية المتحققه بين المالك والملك تكون على نوعين : ملكيّة حقيقية تكوينية ، وملكيّة اعتبارية محضة :

فالأولى كمالكيّة الله ـ تعالى ـ لنظام الوجود من الأعلى إلى الأدون بمعنى واجديّته لها وإحاطته القيّوميّة بها تكوينا لتقوّمها به ذاتا. وكذا مالكيّة الإنسان لفكره وقواه وحركاته الصادرة عنه. ومن هذا القبيل أيضا مقولة الجدة كواجدية الإنسان خارجا لألبسته المحيطة ببدنه ، ويقال لها مقولة الملك أيضا.

والثانية كمالكية زيد مثلا لداره وبستانه وسائر أمواله ، حيث إنّها إضافة اعتباريّة محضة يعتبرها العرف والشرع بينهما وإن فرض كون أحدهما بالمغرب والآخر بالمشرق مثلا. هذا.

وفي مصباح الفقاهة مثّل للملكيّة التكوينيّة بالإضافات الموجودة بين الأشخاص وأعمالهم وأنفسهم وذممهم ، ثم قال :

«فإنّ أعمال كلّ شخص ونفسه وذمّته مملوكة له ملكيّة ذاتيّة وله واجديّة لها فوق مرتبة الواجديّة الاعتبارية ودون مرتبة الواجديّة الحقيقيّة التي لمكوّن الموجودات.» (١)

أقول : واجديّة الشخص لنفسه ليس من قبيل الإضافات ، إذ الإضافة تحتاج إلى طرفين.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ١ ، ص ٩.

٢٤٢

اللهم إلّا أن يفرض الاثنينية بين الشيء ونفسه ثمّ يعتبر الإضافة بينهما ، فمآله إلى الاعتبار قهرا ، وبهذا اللحاظ أيضا يحمل الشيء على نفسه ، فتدبّر.

وواجديّة الشخص لذمّته ليست تكوينيّة ذاتية بل هي اعتباريّة محضة ، إذ الذمّة أمر اعتباري يعتبره العقلاء للأشخاص على حسب ما يرون لهم من الإمكانات كما هو واضح.

الملكية الاعتبارية تنشأ من الملكية الحقيقية

ثمّ لا يخفى أنّ اعتبار الملكيّة وفرضها ليس جزافيّا ، بل الظاهر أنّ منشأه وأساسه وجود نحو من الملكيّة الحقيقيّة التكوينيّة ، والحاصل أنّ نظام التشريع الصحيح ينطبق على نحو من نظام التكوين.

بيان ذلك أنّ الشخص يملك تكوينا لفكره وقواه وأعضائه وجوارحه في الرتبة الأولى كما مرّ ، وبتبع ذلك يملك لحركاته وأفعاله من الصنع والزرع والحيازة ونحو ذلك كذلك في الرتبة الثانية ، ويتبع ذلك قهرا وجود مصنوعاته ومحصولاته وما أحياه وحازه تحت سلطته فيعتبر إضافة الملكيّة بينها وبينه لكونها من ثمرات حركاته وأفعاله ، ويعدّ المستولى عليها بدون إذنه عند العرف والعقلاء غاصبا لحقّ الغير. فالمرتبة الأولى من الملكيّة الاعتبارية ترتّبت على مرتبتين من التكوينيّة ونتاجات هذه ومنافعها تعدّ ملكا له في الرتبة المتأخّرة وهكذا. هذا كلّه مع قطع النظر عن المبادلات.

ثم إنّ الصنائع والحركات توجد لرفع الحاجات ، ولما كانت مصنوعات الشخص وتوليداته قد لا تفي بجميع حاجاته وقد يزيد بعضها عن مقدار حاجته ، فهو بسلطنته عليها ربّما يهبها لمن يحتاج إليها مجّانا وربّما يبادل بعضها عينا أو منفعة في قبال مصنوعات الغير وتوليداته لاحتياجه إلى مصنوع الغير واحتياج الغير إلى مصنوعه ، فمن هنا انعقدت نطفة المبادلات والمعاملات الدائرة من البيع والإجارة ونحوهما. فتصير مالكيته لمصنوع الغير في قبال ما كان يملكه من مصنوع نفسه ، فيضاف إليه إضافة ثانويّة لكونها متفرّعة على الإضافة الأوّليّة الحاصلة بصنعه ، وهكذا ثالثة ورابعة حسب تعاقب المبادلات على الأعيان أو المنافع.

٢٤٣

وحيث إنّ جميع الحاجات لا ترتفع بمبادلة نفس الأمتعة بعضها ببعض ، إذ ربّما يحتاج الشخص إلى مصنوع الغير والغير لا يحتاج إلى مصنوع هذا بل إلى متاع آخر يوجد عند ثالث ، صار هذا سببا لاعتبار الأثمان بعنوان الواسطة رفعا للحاجات وتسهيلا لأمر المبادلات فيباع المصنوع الزائد بثمن معتبر ثمّ يشتري به عند الحاجة المتاع المحتاج إليه من ثالث أو يستأجر منه. فتشريع المعاملات كان أوّلا على أساس مبادلة الأمتعة على حسب الحاجات ، وإنّما جعلت الأثمان في الرتبة الثانية بعنوان الواسطة والآلة. والأثمان قد تغيّرت وتكاملت بحسب الأعصار والأمم المختلفة وتكاملهم في المدنيّة. وللبحث في ذلك محلّ آخر.

وكيف كان فمن المعاملات الدائرة في جميع المجتمعات البيع ، وهو مبادلة العين بمال معيّن سواء في ذلك مبادلة متاع بمتاع أو متاع بثمن ؛ وبعبارة اخرى لما كانت الملكيّة الاعتبارية عبارة عن إضافة خاصّة معتبرة بين المالك وملكه كان الملك أحد طرفي الإضافة ، فالبيع عبارة عن تبديل هذا الطرف من الإضافة بإزاء طرف إضافة اخرى للغير. فبالبيع يقع التبادل بين الملكين ، لا بأن تبقي الإضافة نفسها إذ هي معنى حرفي متقوّم بالطرفين ترتفع قهرا بارتفاع طرفها بل بتبادل الملكين قصدا وتبادل الإضافة أيضا بالتبع ، فتدبّر.

وأمّا في باب المواريث فالظاهر اعتبار التبدّل بين المالكين ، فالملك كأنّه يبقى في محلّه ، والمالك بموته يخلفه وارثه الذي يعتبر وجودا بقائيا له على حسب طبقات الإرث. ففي كتاب أمير المؤمنين عليه‌السلام لابنه الحسن عليه‌السلام : «ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأنّ شيئا لو أصابك أصابني ، وكأنّ الموت لو أتاك أتاني ...» (١)(٢)

الأمر الثالث : قول العترة الطاهرة عليهم‌السلام وفعلهم وتقريرهم

لا يخفى أن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفعله وتقريره من السنّة قطعا وتكون حجّة بلا إشكال. وبعض علماء السنة يعدّون أقوال الصحابة بل وأعمالهم أيضا حجّة. وأمّا الشيعة الإماميّة

__________________

(١) نهج البلاغة ، عبده ، ج ٣ ، ص ٤٣ ؛ فيض ، ص ٩٠٧ ؛ صالح ، ص ٣٩١ ، الكتاب ٣١.

(٢) المكاسب المحرمة ، ج ١ ، ص ٩٠ الى ١٠٧.

٢٤٤

فيعدّون أقوال الأئمة الاثنى عشر من العترة وكذا أفعالهم وتقريرهم حجّة ، لعصمتهم عندنا ، ولأنّهم عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد عدّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عترته عدلا للكتاب العزيز وقرينا له في خبر الثقلين المتواتر بين الفريقين.

وقد تعرض له أكثر أرباب الصحاح والسنن والمسانيد ، فراجع.

ومن ذلك ما رواه الترمذي بسنده ، عن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.» (١)

ودلالة الخبر على حجّيّة أقوال العترة ظاهرة ، لإيجاب التمسك بهم وبالكتاب العزيز.

ومسألة حجيّة أقوالهم غير مسألة الإمامة والخلافة ، فإنّ الأولى مسألة أصوليّة والثانية مسألة كلاميّة.

وفي كنز العمال ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيّها الناس إني تارك فيكم أمرين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا ، وأحدهما أفضل من الآخر : كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ، وأهل بيتي عترتي. ألا وإنّهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض.» (ابن جرير) (٢).

إلى غير ذلك من الأخبار من طرق الفريقين.

وعترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته ، وأهل البيت أدرى بما في البيت. وهم لا يحدّثون إلّا بما سمعوه من آبائهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما دلّ على ذلك بعض الأخبار :

ففي خبر هشام بن سالم ، وحماد بن عثمان وغيره ، قالوا : سمعنا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وحديث أمير المؤمنين حديث

__________________

(١) سنن الترمذي ، ج ٥ ، ص ٣٢٨ ، أبواب المناقب ، باب مناقب أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الحديث ٣٨٧٦.

(٢) كنز العمال ، ج ١ ، ص ٣٨١ ، الباب ٢ من كتاب الإيمان والإسلام من قسم الأفعال ، الحديث ١٦٥٧.

٢٤٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول الله ـ عزوجل ـ» (١)

ولا يخفى أنّ محل البحث في هذه المسائل هو علم الكلام وعلم أصول الفقه ، وغرضنا هنا ليس إلّا إشارة إجماليّة إليها ، فراجع مظانّها. (٢)

الأمر الرابع : القياس والاستحسانات الظنّية

فأكثر علماء السنة يعتمدون عليهما ، حيث إنّهم تركوا التمسك بأقوال العترة ولم يتمكّنوا من استنباط الفروع المبتلى بها من الكتاب والسنّة النبويّة الواصلة اليهم ، فلجئوا إلى الآراء والاستحسانات ، ولكن أخبار أهل البيت عليهم‌السلام والروايات الحاكية لسيرتهم مليئة بالمعارف والأحكام والآداب ، بحيث تشفي العليل وتروي الغليل ومعها لا تصل النوبة إلى القياس والاستحسانات الظنية.

والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل العترة قرين الكتاب في وجوب التمسك بهما على ما دلّ عليه حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين.

وقد استفاضت بل تواترت أخبارنا على عدم حجّيّة القياس والآراء الظنيّة ، فراجع. (٣) ومن جملة أخبار الباب ما رواه الكليني بسنده ، عن عيسى بن عبد الله القرشي ، قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له : يا أبا حنيفة ، بلغني أنّك تقيس؟ قال : نعم. قال : لا تقس ، فانّ أوّل من قاس إبليس حين قال : خلقتني من نار وخلقته من طين. فقاس ما بين النار والطين. ولو قاس نوريّة آدم بنوريّة النار عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر.» (٤)

ومنها : ما رواه بسند صحيح ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إنّ السنّة لا تقاس ، ألا ترى أنّ المرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، يا أبان ، إنّ السنّة إذا قيست محق الدين.» (٥)

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٥٨ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٦.

(٢) ولاية الفقيه ، ج ٢ ، ص ٧٠ و٧١.

(٣) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٢٠ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ومستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ١٧٥ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي.

(٤) الكافي ، ج ١ ، ص ٥٨ ، كتاب فضل العالم ، باب البدع والرأي والمقاييس ، الحديث ٢٠.

(٥) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٢٥ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٠.

٢٤٦

ومنها : موثقة مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه أنّ عليا عليه‌السلام قال : «من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس. ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس.» (١)

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وفي سنن الدارمي عن ابن سيرين ، قال : «أوّل من قاس إبليس. وما عبدت الشمس والقمر إلّا بالمقاييس.» (٢)

وعن الحسن أنّه تلا هذه الآية : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) قال :

«قاس إبليس ، وهو أوّل من قاس.» (٣)

وفي إعلام الموقعين بسنده عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تفترق أمّتي على بضع وسبعين فرقة ، أعظمها فتنة قوم يقيسون الدين برأيهم ؛ يحرّمون به ما أحلّ الله ويحلّون ما حرّم الله.» (٤)

والظاهريون من فقهاء السنّة وبعض المعتزلة أيضا ينكرون العمل بالقياس والرأي :

قال ابن حزم الأندلسي في المحلّى :

«ولا يحلّ القول بالقياس في الدين ولا بالرأي ، لأنّ أمر الله ـ تعالى ـ عند التنازع بالردّ إلى كتابه وإلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صحّ ، فمن ردّ إلى قياس وإلى تعليل يدعيه ، أو إلى رأي فقد خالف أمر الله ـ تعالى ـ المعلّق بالإيمان وردّ إلى غير من أمر الله ـ تعالى ـ : بالردّ إليه ، وفي هذا ما فيه ، قال عليّ : وقول الله ـ تعالى ـ : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) ، وقوله ـ تعالى ـ : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ، وقوله ـ تعالى ـ : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ، وقوله ـ تعالى ـ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) إبطال للقياس وللرأي.» (٥)(٦)

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٢٥ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١١.

(٢) سنن الدارمي ، ج ١ ، ص ٦٥ ، باب تغيّر الزمان وما يحدث فيه.

(٣) سنن الدارمي ، ج ١ ، ص ٦٥ ، باب تغيّر الزمان وما يحدث فيه.

(٤) إعلام الموقعين ، ج ١ ، ص ٥٣.

(٥) المحلّى لابن حزم ، ج ١ ، ص ٥٦ ، المسألة ١٠٠.

(٦) ولاية الفقيه ، ج ٢ ، ص ٦٨ الى ٧٠.

٢٤٧

الأمر الخامس : الاستنباط والاجتهاد (١)

أمّا الاستنباط ، ففي لسان العرب :

«نبط الماء ينبط وينبط نبوطا : نبع. وكلّ ما أظهر فقد أنبط. واستنبطه واستنبط منه علما وخبرا ومالا : استخرجه. والاستنباط : الاستخراج. واستنبط الفقيه : إذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمه. قال الله ـ عزوجل ـ : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.)» (٢)

أقول : فكأنّ حكم الله ـ تعالى ـ ماء حياة أو شيء نفيس دفين في خلال مصادره ومنابعه يستخرجه الفقيه منها.

وأمّا الاجتهاد ، ففي لسان العرب :

«الاجتهاد والتجاهد : بذل الوسع والمجهود. وفي حديث معاذ : «أجتهد رأيي.» الاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر ، وهو افتعال من الجهد : الطاقة ، والمراد به ردّ القضية التي تعرض للحاكم من طريق القياس إلى الكتاب والسنّة ، ولم يرد الرأي الذي رآه من قبل نفسه من غير حمل على كتاب أو سنّة.» (٣)

أقول : أمّا الحديث الذي أشار إليه فهو ما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما : ففي سنن أبي داود بسنده عن أناس من أصحاب معاذ بن جبل : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال : «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال : «أقضي بكتاب الله.» قال : «فإن لم تجد في كتاب الله؟» قال : «فبسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا في كتاب الله؟ قال : «أجتهد رأيي ولا آلو.» فضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدره وقال : «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما يرضي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم(٤)

__________________

(١) لا يخفى أن المتعارف وان كان ادراج بحث الاجتهاد والتقليد في آخر الكتب الأصولية ، ولكن حيث إن هذا البحث في كلام الاستاذ ـ دام ظلّه ـ وقع في عداد امور اختلف في حجيتها الفريقان ، رأينا أن إدراجه هنا في عداد تلك الأمور كان أنسب (ولاية الفقيه ، ج ٢ ، ص ٧١ الى ١٠٩). ـ اللجنة ـ

(٢) لسان العرب ، ج ٧ ، ص ٤١٠.

(٣) لسان العرب ، ج ٣ ، ص ١٣٥.

(٤) سنن أبي داود ، ج ٢ ، ص ٢٧٢ ، كتاب الاقضية ، باب اجتهاد الرأي في القضاء.

٢٤٨

وأمّا قوله : «من طريق القياس» ، فلعلّه أراد به أعمّ من القياس والاستحسانات العقليّة الظنية.

وقد صار لفظ الاجتهاد ، وكذا الرأي في أعصار أئمتنا عليهم‌السلام ظاهرين في هذا المعنى. وبهذا المعنى وقع النهي عنهما في رواياتنا (١).

وأمّا الاجتهاد بمعنى إفراغ الواسع والطاقة في استنباط الأحكام من أدلّتها الشرعيّة من الكتاب والسنّة والعقل القطعي فهو أمر واجب ضروري لا منع فيه وليس لأحد إنكاره.

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا.» (٢)

وعن الرضا عليه‌السلام : «علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع.» (٣)

والروايات الواردة في الإرجاع إلى الكتاب والسنّة في غاية الكثرة. وعلى هذا فالاجتهاد عندنا غير الاجتهاد باصطلاح السنّة.

وأمّا ما ذكره أخيرا فكأنّه أراد به نفي إرادة التصويب. والبحث فيه يأتي في العنوان التالي.

التخطئة والتصويب

لا يخفى أنّ المسائل الدينية على قسمين : فقسم منها مسائل أصليّة ضرورية أجمع عليها جميع فرق المسلمين ودلّ عليها نصّ الكتاب العزيز أو السنّة المتواترة القطعية أو العقل السليم ، والقسم الآخر فروع اجتهاديّة استنباطيّة تحتاج إلى إعمال الاجتهاد والنظر واستنباطها من الأصول المبيّنة في الكتاب والسنة أو من حكم العقل القطعي.

أمّا القسم الأوّل ، فلا خلاف فيها ولا إشكال ولا مجال فيها للاجتهاد والاستنباط.

وأمّا القسم الثاني المتوقف على إعمال الاجتهاد والنظر ، فلا محالة قد يقع فيها الخلاف لاختلاف في معاني بعض الألفاظ ، أو للاختلاف في صحة الحديث وضعفه ، أو لاختلاف الروايات المنقولة ، أو للاختلاف في أسباب الترجيح عند التعارض ، أو للاختلاف في حجيّة

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٢٠ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي.

(٢) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٤١ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥١.

(٣) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٤١ ، الباب ٦ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ٥٢.

٢٤٩

بعض الأمور وعدم حجيّتها كالمفاهيم وخبر الواحد والإجماع ولا سيّما المنقول منه والشهرة بقسميها وكحجيّة أقوال الأئمة الطاهرين من العترة الثابتة عندنا وحجّيّة أقوال الصحابة عند بعض السنّة ، وحجيّة القياس والاستحسانات الظنيّة عندهم ونحو ذلك. ويرجع الجميع إلى الاختلاف في الدرك أو المدرك.

وفي هذا القسم قد وقع البحث في أنّ الآراء المستنبطة المختلفة كلّها حقّ وصواب ، أو أنّ الحقّ واحد منها والباقون مخطئون وإن كانوا معذورين؟

فاتفق أصحابنا الإماميّة على أنّ لله ـ تعالى ـ في كلّ واقعة خاصّة حكما واحدا يشترك فيه الجميع. وجميع المسلمين مأمورون أوّلا وبالذات بالعمل به. فالدين في جميع المراحل واحد والشرع واحد والحقّ واحد ، وإنّما الاختلاف وقع في إحراز الواقع واستنباطه من منابعه ، فأصابه بعض وأخطأه بعض آخر.

فليست الاجتهادات المختلفة في مسألة واحدة يمثّل كلّها حكم الله المنزل على رسوله وإن جاز العمل بها لأهلها في الظاهر ، وإنّما تكون آراء الفقهاء والمجتهدين طرقا محضة قد تصيب الواقع وقد تخطئه ، كما أنّ العلم الذي هو أمّ الحجج وتكون حجيّته ذاتية يكون كذلك ، وكذلك سائر الطرق والأمارات العقلائية والشرعية.

فكأنّ حكم الله الواقعي دفين في خلال مبانيه ومصادره ويستخرجه الفقيه باستنباطه ؛ فقد يعثر عليه وقد يخطئ ، ويكون للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد.

فليس الحكم الواقعي تابعا لمفاد الطريق ، مجعولا على وفقه كيفما كان ، كما لا يوجب قيام الطريق على خلاف الواقع تبدّل الواقع وانقلابه إلى مفاد الطريق.

هذا ما عليه أصحابنا الإماميّة. فهم بأجمعهم ينكرون التصويب. ويسمّون بذلك مخطّئة.

علماء السنة بين مخطّئة ومصوّبة

وأمّا علماء السنّة ففيهم خلاف : بعضهم مخطّئة ، وبعض منهم مصوّبة : قال الإمام فخر الدين الرازي في بحث الاجتهاد من كتاب المحصول :

«فإن لم يكن الله ـ تعالى ـ فيها حكم فهذا قول من قال : «كلّ مجتهد مصيب.»

٢٥٠

وهم جمهور المتكلّمين منّا كالأشعري والقاضي أبي بكر ، ومن المعتزلة كأبي الهذيل وأبي علي وأبي هاشم وأتباعهم.» (١)

وقال الإمام الغزالي في المستصفى :

«الذي ذهب إليه محقّقوا المصوّبة أنّه ليس في الواقعة التي لا نصّ فيها حكم معين يطلب بالظنّ ، بل الحكم يتبع الظن. وحكم الله على كلّ مجتهد ما غلب على ظنّه ، وهو المختار ، وإليه ذهب القاضي.» (٢)

أقول : عمدة نظر المصوّبة كان إلى تصويب آراء الصحابة وأفعالهم. فكانوا يظنّون أنّ مطلق من صاحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو ممّن لم يخطئ أبدا فضلا عن أن يصدر عنه فسق أو جور.

ولكنّ الحقّ في المسألة هو ما عرفته من أصحابنا الإمامية من القول بالتخطئة.

وقال ابن حزم الأندلسي في المحلّى :

«مسألة : والحقّ من الأقوال في واحد منها وسائرها خطأ ... فصحّ أنّ الحقّ في الأقوال ما حكم الله ـ تعالى ـ به فيه ، وهو واحد لا يختلف ، وانّ الخطأ ما لم يكن من عند الله ـ عزوجل ـ

ومن ادّعى أن الأقوال كلّها حقّ وأنّ كلّ مجتهد مصيب فقد قال قولا لم يأت به قرآن ولا سنّة ولا إجماع ولا معقول ، وما كان هكذا فهو باطل.» (٣)

وفي الفقه الإسلامي وأدلّته للدكتور وهبة الزحيلي بعد ذكر المخطئة ، قال :

«وهم جمهور المسلمين ، منهم الشافعيّة والحنفيّة على التحقيق ، الذين يقولون بأنّ المصيب في اجتهاده واحد من المجتهدين ، وغيره مخطئ ، لأنّ الحقّ لا يتعدّد.» (٤) ولكن في المستصفى للغزالي بعد ذكر الاجتهاد والتصويب والتخطئة ، قال :

«وقد اختلف الناس فيها ، واختلفت الرواية عن الشافعي وأبي حنيفة» (٥). هذا.

__________________

(١) المحصول ، القسم الثالث من الجزء الثاني ، ص ٤٧.

(٢) المستصفى ، ج ٢ ، ص ٣٦٣.

(٣) المحلّى لابن حزم ، ج ١ ، ص ٧٠ ، المسألة ١٠٩.

(٤) الفقه الإسلامي وأدلّته ، ج ١ ، ص ٧٢.

(٥) المستصفى ، ج ٢ ، ص ٣٦٣.

٢٥١

الاستدلال للتخطئة

ويدلّ على التخطئة ـ مضافا إلى وضوحها ، فإنّ الاجتهاد في الحكم واستنباطه متفرع على وجوده واقعا في الرّتبة السابقة ، فلا يعقل كونه تابعا له ـ روايات :

١ ـ ففي صحيح مسلم ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصاياه لمن أمّره أميرا على جيش أو سريّة : «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك ، فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا.» (١)

٢ ـ وروى الترمذي ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فأخطأ فله أجر واحد.» (٢)

٣ ـ وفي نهج البلاغة : «ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثمّ ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا ، وإلههم واحد ، ونبيّهم واحد ، وكتابهم واحد ...» (٣)

٤ ـ وفي الدر المنثور بإسناده عن الشعبي ، قال : سئل أبو بكر عن الكلالة فقال :

«إني سأقول فيها برأيي ، فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له ، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان ، والله منه بريء ، أراه ما خلا الوالد والولد.» (٤)

٥ ـ وقال عمر لكاتبه :

«اكتب : هذا ما رأى عمر. فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ فمنه.» (٥) ٦ ـ وقال ابن مسعود في المفوضة :

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ٣ ، ص ١٣٥٨ ، كتاب الجهاد ، الباب ٢ ، ذيل الرقم ١٧٣١.

(٢) سنن الترمذي ، ج ٢ ، ص ٣٩٣ ، أبواب الأحكام ، الباب ٢ ، الحديث ١٣٤١.

(٣) نهج البلاغة ، فيض ، ص ٤٧٤ عبده ، ج ١ ، ص ٥٠ صالح ، ص ٦٠ ، الخطبة ١٨.

(٤) الدر المنثور ، ج ٢ ، ص ٢٥٠.

(٥) المحصول للإمام الرازي ، القسم الثالث من الجزء الثاني ، ص ٧٠ (في الاجتهاد).

٢٥٢

«أقول فيها برأيي. فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان. والله ورسوله عنه بريئان.» (١)

٧ ـ وفي كنز العمال :

«اقض بينهما يا عمرو ، فإذا قضيت بينهما القضاء فلك عشر حسنات ، وإن اجتهدت فأخطأت فلك حسنة.» «حم طب ، عن عمرو» (٢)

٨ ـ وفيه أيضا :

«اجتهد ، فإذا أصبت فلك عشر حسنات ، وإن أخطأت فلك حسنة.» (عد ، عن عقبة بن عامر) (٣)

٩ ـ وفيه أيضا عن موسى بن ابراهيم ، عن رجل من آل ربيعة أنّه بلغه أنّ أبا بكر حين استخلف قعد في بيته حزينا ، فدخل عليه عمر فأقبل عليه يلومه وقال : أنت كلّفتني هذا الأمر ، وشكا إليه الحكم بين الناس فقال له عمر : أو ما علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الوالي إذا اجتهد فأصاب الحقّ فله أجران وإن اجتهد فأخطأ الحقّ فله أجر واحد.» فكأنّه سهّل على أبي بكر. (ابن راهويه وخيثمة في فضائل الصحابة هب) (٤).

١٠ ـ وفي ديباجة الموطأ لمالك المطبوع بمصر :

«قال معن بن موسى : سمعت مالكا يقول : إنّما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي فما وافق السنّة فخذوا به.» (٥) هذا.

ولعلّ ما قد يتلقى بالألسن والأفواه حتى من بعض الشيعة أيضا من قولهم :

«هذا ما أفتى به المفتي ، وكلّ ما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقّي» يكون كلاما ورثوه من أهل التصويب ، وإلّا فهو بظاهره ممنوع ، فإنّ حكم الله لا يكون تابعا لإفتاء الفقيه كما مرّ.

__________________

(١) المحصول ، القسم الثالث من الجزء الثاني ، ص ٧١ (في الاجتهاد).

(٢) كنز العمال ، ج ٦ ، ص ٩٩ ، الباب ٢ من كتاب الإمارة والقضاء من قسم الاقوال ، الحديث ١٥٠١٨.

(٣) كنز العمال ، ج ٦ ، ص ٩٩ ، الباب ٢ من كتاب الإمارة والقضاء من قسم الأقوال ، الحديث ١٥٠١٩.

(٤) كنز العمال ، ج ٥ ، ص ٦٣٠ ، الباب ١ من كتاب الخلافة مع الإمارة من قسم الأفعال ، الحديث ١٤١١٠.

(٥) الموطأ لمالك ، ج ١ (ـ أدبه مع آل رسول الله وكرم أخلاقه).

٢٥٣

نعم ، الأنبياء كلّهم والنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذا الأئمة الاثنا عشر من العترة عندنا معصومون من الذنوب ومن الخطأ ، ومحلّ البحث فيه الكتب الكلاميّة ، فراجع.

الفائدة الثالثة :

انفتاح باب الاجتهاد المطلق

قد ظهر بما مرّ أنّ أساس الحكومة الحقّة وأساس جميع أعمال المسلمين في جميع شئونهم هو أحكام الله ـ تعالى ـ التي نزلت على رسوله الكريم بالوحي ويشترك فيها الجميع. وأنّ منابعها ومصادرها هي الكتاب العزيز ، والسنّة القويمة ، والعقل القطعي الخالي عن الأوهام.

فيجب أوّلا وبالذات الرجوع إلى هذه المنابع وأخذ الأحكام منها.

فمن كان قادرا على الرجوع إليها والاستنباط منها عمل على وفق ما استنبط واستفاد. ومن لم يقدر على الاستنباط رجع إلى فتوى من استنبط ، رجوع الجاهل في كلّ فنّ تخصّصي إلى العالم الخبير به. وفي الحقيقة هو طريق علمه العادي بالأحكام ولكن بنحو الإجمال.

وليس لفتوى الفقيه موضوعيّة وسببيّة ، بل هو طريق محض كسائر الطرق العقلائيّة والشرعيّة قد يصيب وقد يخطئ.

والأحوط بل الأقوى في المسائل الخلافية هو الرجوع إلى الأعلم ، كما هو طريقة العقلاء في تقديم الأعلم على غيره في المسائل المهمّة المختلف فيها.

وعلى هذا فليس لمجتهد خاصّ وفقيه مخصوص خصوصيّة. وقد كثر الفقهاء من الشيعة وكذا من السنّة في جميع الأعصار.

وربّما اختلف الفقهاء في الفتاوى ومنابعها وفي طريق الاستنباط وكيفيّتها كما مرّ.

والخلاف في علماء السنة أكثر ، حيث إنّ الشيعة تقيّدوا في فتاويهم بالكتاب ، وبالنصوص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الأئمة الاثنى عشر عليهم‌السلام.

وأمّا فقهاء السنّة فحيث اعتمد أكثرهم على القياس والاستحسانات الظنيّة والمناطات الحدسية تشتتت آراؤهم وجاؤوا كثيرا بفتاوى متناقضة متهافتة. وكم تدخّلت التعصّبات أو أيادي السياسة والحكومات الدراجة في بعض البلاد والمناطق في تفضيل بعض الآراء

٢٥٤

على بعض ، بل وفي تحريم بعض المذاهب الفقهيّة وتعذيب متابعيها والإلزام بأخذ مذهب آخر ، كما شهد بذلك التاريخ ، والناس كانوا غالبا على دين ملوكهم.

وربّما استعانوا في إعمال سياساتهم ببعض العلماء والعلماء أيضا ، إلى أن استقرت آراء علمائهم وحكّامهم في النهاية على حصر المذاهب في المذاهب الأربعة الدارجة لهم فعلا ، أعني مذاهب أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل.

سبب حصر المذاهب المقبولة في الأربعة

وفي رياض العلماء للمتتبع الخبير الميرزا عبد الله الأفندي الأصفهاني نقلا من كتاب «تهذيب الأنساب ونهاية الأعقاب» تأليف أحد من بني أعمام السيد المرتضى (ره) ما ملخّصه أنّه :

«اشتهر على ألسنة العلماء أنّ العامّة في زمن الخلفاء لمّا رأوا تشتّت المذاهب في الفروع وإختلاف الآراء ، بحيث لم يمكن ضبطها فقد كان لكلّ واحد من الصحابة والتابعين ومن تبعهم مذهب برأسه في المسائل الشرعيّة والأحكام الدينيّة ، التجئوا إلى تقليلها فأجمعوا على أن يجمعوا على بعض المذاهب ...

فالعامّة أيضا لمّا اضطربت اتّفقت كلمات رؤسائهم وعقيدة عقلائهم على أن يأخذوا من أصحاب كلّ مذهب خطيرا من المال ويلتمسوا آلاف ألف دراهم ودنانير من أرباب الآراء في ذلك المقال.

فالحنفية ، والشافعية ، والمالكية ، والحنبلية لوفور عدّتهم وبهور عدّتهم جاؤوا بما طلبوه ، فقرّروهم على عقائدهم.

وكلّفوا الشيعة ، المعروفة في ذلك العصر بالجعفرية ، لمجيء ذلك المال الذي أرادوا منهم ، ولمّا لم يكن لهم كثرة مال توانوا في الإعطاء ولم يمكنهم ذلك.

وكان ذلك في عصر السيد المرتضى (ره) وهو قد كان رأسهم ورئيسهم ، وقد بذل جهده في تحصيل ذلك المال وجمعه من الشيعة فلم يتيسّر له ، حتى إنّه كلّفهم بأن يجيئوا بنصف ما طلبوه ويعطي النصف الآخر من خاصّة ماله ، فما أمكن

٢٥٥

للشيعة هذا العطاء. فلذلك لم يدخلوا مذهب الشيعة في تلك المذاهب ، وأجمعوا على صحّة خصوص الأربعة وبطلان غيرها. فآل أمر الشيعة إلى ما آل في العمل بقول الآل السادة الأنجاب.

والعامّة قد جوّزوا الاجتهاد في المذهب ولم يجوّزوا الاجتهاد من المذهب ، حتى إنّهم لم يجوزوا تلفيق أقوال هذه الأربعة والقول في بعض المسائل بقول بعض وفي بعضها بقول الآخر. واستمرّوا على هذا الرأي إلى يومنا هذا ، ولم يخالفهم أحد منهم في تلك الأعصار المتمادية سوى محيي الدّين العربي المعاصر لفخر الدين الرازي ، حيث خالفهم في الفروع ؛ فتارة يقول بقول واحد من هؤلاء الأئمة الأربعة في مسألة ويقول في مسألة اخرى بقول الآخر ، وتارة يخترع في بعض المسائل وينفرد بقول لم يدخل في تلك الأقاويل.» (١) انتهى كلام رياض العلماء.

وفي روضات الجنّات بعد نقل ما في رياض العلماء ، قال :

«ويؤيد هذا التفصيل ما ذكره صاحب «حدائق المقرّبين» : أنّ السيد المرتضى (ره) واطأ الخليفة ـ وكأنّه القادر بالله المتقدم إليه الإشارة ـ على أن يأخذ من الشيعة مأئة ألف دينار ليجعل مذهبهم في عداد تلك المذاهب وترفع التقيّة والمؤاخذة على الانتساب إليهم ، فتقبّل الخليفة ، ثمّ إنّه بذل لذلك من عين ماله ثمانين ألفا ، وطلب من الشيعة بقية المال فلم يفوا به.» (٢)

انسداد الاجتهاد في أهل السنة

وكيف كان فالمقصود من الاجتهاد هو استخراج أحكام الله ـ تعالى ـ وإحرازها. والمنابع لها هي الأدلّة الأربعة من الكتاب ، والسنة ، والعقل ، والإجماع على القول به. وهي ـ بحمد الله ـ باقية لنا ، وقد شرّحت وفسّرت وتنقّحت أكثر مما كانت في عصر الأئمة الأربعة للسنّة.

وقد تقدّم الفقهاء الأربعة وتأخّر عنهم فقهاء كثيرون ويوجدون في أعصارنا أيضا ، ولم يكن الفقهاء الأربعة معاصرين للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا ورّاث علمه بلا واسطة ، بل تأخّروا

__________________

(١) رياض العلماء ، ج ٤ ، ص ٣٣.

(٢) روضات الجنّات ، ج ٤ ، ص ٣٠٨.

٢٥٦

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأكثر من قرن ، ولم يجعل الله ـ تعالى ـ العلم والاجتهاد ملكا طلقا لبعض دون بعض ، ولم يرد آية ولا رواية على تعيّن الأربعة ، ولا دلّ عليه دليل من العقل.

فبأيّ وجه ينسدّ باب الاجتهاد من الكتاب والسنّة ، ويتعيّن التقليد منهم ، أو الاجتهاد في نطاق مذاهبهم فقط؟! وهل كان يوحي إليهم ولا يوحي إلى غيرهم؟! أو كان لهم نبوغ علمي وشرائط غير طبيعية لا توجد لغيرهم أبدا؟! وهل يكون إلزام الخليفة العباسي حجة شرعية لا تجوز مخالفتها؟!

وبالجملة ، نحن لا نرى وجها مبرّرا لحصر الاجتهاد المطلق والاستنباط من الكتاب والسنة على فئة خاصّة عاشوا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأكثر من قرن ، ولم يتميّزوا قطّ بخصائص غير عادية لا توجد لغيرهم إلى يوم القيامة ، وقد سبقهم أساتذتهم ، وتقدّمهم وعاصرهم أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، ولحقهم فقهاء كثيرون ملكوا علوم القدماء وتجاربهم وأضافوا إليها استنباطات جديدة ويكونون أعلم بشرائط الزمان وأعرف بحاجاته وخصوصياته.

نهي الائمة الأربعة عن تقليدهم جهلا

وفي كتاب «نظم الحكم والإدارة في الشريعة الإسلامية» تأليف علي علي منصور :

عن أبي حنيفة أنّه كان يقول :

«علمنا هذا رأي لنا وهو أحسن ما قدرنا عليه ؛ فمن جاءنا بأحسن منه فهو الصواب. ولا يحلّ لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلنا.»

وكان مالك يقول :

«إنّما أنا بشر ؛ أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فإن وافق الكتاب والسنّة فخذوا به ، وما لم يوافقهما فاتركوه.»

وكان الشافعي يقول لأتباعه :

«لا تقلّدوني في كلّ ما أقول ، وانظروا في ذلك ، فإنّه دين.»

ويقول الإمام أحمد بن حنبل :

٢٥٧

«لا تقلّدوني ، ولا مالكا ، ولا الشافعي ، ولا الثوري. وخذوا من حيث أخذوا.» (١)

وفي ديباجة المغني لابن قدّامة نقلا عن أبي حنيفة أنّه قال :

«لا يحلّ لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم مأخذه من الكتاب والسنّة وإجماع الأمة والقياس الجليّ في المسألة.» (٢)

وفي كتاب «السنّة» لعبد الله بن أحمد بن حنبل بسنده أنّ أبا حنيفة قال لأبي يوسف :

«يا يعقوب لا ترو عني شيئا ، فو الله ما أدري أمخطئ أم مصيب.» (٣)

وفي الفقه الإسلامي وأدلّته عن الشافعي أنه قال :

«إذا صحّ الحديث فهو مذهبي. واضربوا بقولي عرض الحائط.» (٤)

وفي ذيل مبادي نظم الحكم في الإسلام :

«كان الإمام أحمد يقول : لا تقلّد في دينك الرجال ، فإنّهم لن يسلموا من أن يغلطوا. ومن ترك الحديث وأخذ بقول الرجال فقد ترك من لا يغلط إلى من يغلط.» ... إن أبا حنيفة كان يقول «هذا رأيي ؛ فمن جاء برأي خير منه قبلته.» وإن الإمام أحمد كان يقول : «لا تقلّدني ، ولا تقلّد مالكا ، ولا الشافعي ، ولا الثوري. وتعلّم كما تعلّمنا.» (٥)

إلى غير ذلك ممّا حكي عن الأئمة الأربعة في شأن آرائهم وفتاواهم.

الدليل على ميز أهل البيت عليهم‌السلام على غيرهم

نعم ، الأئمة الاثنا عشر من العترة الطاهرة عليه‌السلام لهم ميز بلا ريب ، لأنّهم أهل البيت ، وأهل البيت أدرى بما في البيت ، وقد جعلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدلا للكتاب العزيز وقرينا له في

__________________

(١) نظم الحكم والإدارة في الشريعة الإسلامية ، ص ٣٥.

(٢) المغني ، ج ١ ، ص ١٤.

(٣) ألسنة ، ج ١ ، ص ٢٢٦.

(٤) الفقه الإسلامي وأدلّته ، ج ١ ، ص ٣٧.

(٥) مبادي نظم الحكم في الإسلام لعبد الحميد المتولي ، ص ٣٢٧.

٢٥٨

حديث الثقلين المتواتر بطرق الفريقين. وقد رواه في عبقات الأنوار من طرق علماء السنّة عن خمسة وثلاثين من الصحابة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقد مرّ نقل بعض أسناده في الباب الثاني من هذا الكتاب ، وبيان دلالته على حجّيّة أقوال العترة الطاهرة ، وأنّها غير مسألة الإمامة المختلف فيها بين الفريقين ، فراجع.

وفي نهج البلاغة : «هم موضع سرّه ولجأ أمره وعيبة علمه وموئل حكمه وكهوف كتبه وجبال دينه. بهم أقام انحناء ظهره وأذهب ارتعاد فرائضه ... لا يقاس بآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الأئمة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا. هم أساس الدين وعماد اليقين. إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حقّ الولاية وفيهم الوصية والوراثة.» (١)

وفيه أيضا : ومن خطبة له عليه‌السلام يذكر فيها آل محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «هم عيش العلم وموت الجهل يخبرهم حلمهم عن علمهم (وظاهر هم عن باطنهم) وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه. هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام. بهم عاد الحقّ في نصابه ، وإنزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية ، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل.» (٢)

وفي مستدرك الحاكم النيسابوري بسنده ، عن أبي ذر ، قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه ؛ من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق.» (٣)

وفيه أيضا بسنده ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس.» (٤)

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في حقّهم عليهم‌السلام.

وقال العلّامة شرف الدين الموسوي في كتاب المراجعات :

__________________

(١) نهج البلاغه ، فيض ، ص ٤٤ ؛ عبده ، ج ١ ، ص ٢٤ ؛ صالح ، ص ٤٧ ، الخطبة ٢.

(٢) نهج البلاغه ، فيض ، ص ٨٢٥ ؛ عبده ، ج ٢ ، ص ٢٥٩ ؛ صالح ، ص ٣٥٧ ، الخطبة ٢٣٩.

(٣) مستدرك الحاكم ، ج ٣ ، ص ١٥١ ، كتاب معرفة الصحابة.

(٤) مستدرك الحاكم ، ج ٣ ، ص ١٤٩ ، كتاب معرفة الصحابة.

٢٥٩

«والمراد بأهل بيته هنا مجموعهم من حيث المجموع باعتبار أئمّتهم ، وليس المراد جميعهم على سبيل الاستغراق ، لأن هذه المنزلة ليست إلّا لحجج الله والقوّامين بأمره خاصّة ، بحكم العقل والنقل. وقد اعترف بهذا جماعة من أعلام الجمهور. ففي الصواعق المحرقة لابن حجر : وقال بعضهم : يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان ، علماؤهم لأنّهم الذين يهتدي بهم كالنجوم ، والذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون ...» (١)

أقول : ولا أظنّ أنّ أحدا من المسلمين المنصفين يجتري على تفضيل الأئمة الأربعة في فقه السنّة على الأئمة الطاهرة من عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته في العلم والفضائل.

نعم ، سياسة الأمويّين والعباسيّين في عصرهم صنعت ما صنعت بالعترة والآل ، وما أدراك ما السياسة ، وما الذي يتعقبها إذا كانت شيطانية!! فتدبّر في المقام واحتط لدينك.

وقد ظهر لك بما ذكرناه أنّ حصر الاجتهاد في الأئمة الأربعة لأهل السنّة لا أساس له في الشريعة وأنّه قبل أن يكون أمرا دينيّا فقهيّا كان أمرا سياسيّا متطوّرا على حسب تطوّر السياسة في الأزمنة والأمكنة. والأئمة الأربعة بأنفسهم أيضا بريئون منه ، فراجع الكتب المتعرضة لتاريخ المذاهب الأربعة والمتمذهبين بها.

الفائدة الرابعة :

التقليد وأدلّته

لا يخفى أنّ استنباط الأحكام الشرعية واستخراجها من أدلّتها ومنابعها يكون بتصدي المجتهد الفقيه العالم بالكتاب والسنّة وأحكام العقل القطعية وما يتوقّف عليه الاستنباط من العلوم المختلفة.

فمن يكون مجتهدا فعليه الاستنباط والعمل بما فهمه واستنبطه ، أو الاحتياط في مقام العمل.

ومن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد فلا محالة يحتاط في العمل مع الإمكان أو يرجع إلى فتوى من

__________________

(١) المراجعات ، ص ٧٦ (المراجعة الثامنة).

٢٦٠