مجمع الفوائد

آية الله المنتظري

مجمع الفوائد

المؤلف:

آية الله المنتظري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر سايه
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-5918-39-1
الصفحات: ٤٩٤

البسيطة. ونقيضه العدم المحمولي كقولنا : زيد معدوم أو ليس بموجود يعبّر عنه بمفاد ليس التامّة.

والوجود الرابط ما لا نفسيّة له بل يكون رابطا بين شيء وشيء وبعبارة اخرى وجود شيء لشيء كقولنا : زيد قائم ، فزيد موجود جوهري في نفسه ، والقيام موجود عرضي في نفسه من مقولة الوضع ، ولكن مفاد القضية أعني النسبة الحكمية وكون زيد قائما وجود رابط بين العرض ومحله وهو معنى حرفي لا نفسية له بل يتقوم بالطرفين ويعبّر عنه بمفاد كان الناقصة والهليّة المركبة ، ونقيضه سلب الربط كقولنا : ليس زيد بقائم ويعبّر عنه بمفاد ليس الناقصة.

هل توجد النسبة في القضيّة السالبة أم لا؟

وهل توجد النسبة في القضية السالبة أم لا؟ وعلى الأوّل فهل هي محطّ السلب أو العدم بنفسه رابط؟ فيه كلام للأعلام.

والأستاذ الأعظم آية الله العظمى البروجردي ـ قدس‌سره ـ كان يصرّ بأنّ في السوالب العدم بنفسه رابط ويعبر عنه بالنسبة السلبية ، فكما أن الوجود قد يكون محمولا وقد يكون رابطا فكذلك العدم. وقد حرّرنا ذلك في نهاية الأصول في المقام (١) ، وإن كان لنا فيه كلام إذ العدم بما أنه عدم ، بطلان محض ولا واقعية له فكيف يقع رابطا بين شيء وشيء؟

والأستاذ الإمام ـ طاب ثراه ـ قال ـ على ما في تقريرات بحثه ـ (٢) :

«إنّ السوالب لا نسبة فيها مطلقا وكذا كثير من الموجبات ، بل يكون مفاد الموجبات الهوهويّة ومفاد السوالب سلب الهوهويّة فالسلب لا يقع على النسبة بل على المحمول أو الهوهويّة ولا يكون بنفسه رابطا أيضا. نعم قد توجد النسبة في بعض الهليّات المركبة ، وعبّر عنها بالحمليات المؤوّلة التي وقع الرابط فيها بحرف الإضافة كقولنا زيد في الدّار أو زيد له القيام.»

والتفصيل يطلب من تقريرات بحثه. وحيث إن المسألة طويلة الذيل لا يهمّنا هنا البحث فيها.

__________________

(١) نهاية الأصول ، ص ٣٠٠ و٣٠١.

(٢) تهذيب الأصول ، ج ٢ ، ص ٢٤ وما بعدها.

١٤١

الحالات الثلاث لموضوع الحكم

الخامس : لا يخفى أن الموضوع للحكم بالإضافة إلى كلّ خصوصيّة وحالة يمكن أن ينقسم بلحاظها إما أن يكون بحسب متن الواقع والإرادة الجديّة مطلقا أي تمام الموضوع للحكم أو يكون مقيّدا بوجودها أو يكون مقيّدا بعدمها.

وبعبارة اخرى إمّا أن يعتبر بالإضافة إليها لا بشرط أو بشرط شيء أو بشرط لا ، إذ لا يعقل أن يكون الحاكم في مقام جعل الحكم غافلا عن موضوع حكمه ولا يتعقّل الإهمال في مقام الثبوت ، وهذا واضح لا مرية فيه.

ومن هذا القبيل أيضا العامّ المخصّص إذا كان موضوعا لحكم شرعي ، وحيث إنّه خصّص بمخصّص فلا مجال لبقائه على إطلاقه الذاتي موضوعا للحكم فلا محالة يتقيّد في مقام الجدّ بأن لا يكون معنونا بعنوان المخصّص.

وما عن بعض الأعلام ـ من تنظيره بموت بعض الأفراد حيث لا يوجب هذا تقييدا في الموضوع فكأنّ التخصيص موت تشريعي يكون وزانه وزان الموت التكويني لبعض ـ واضح الفساد ، إذ الحكم لا يتحقّق إلّا في ظرف وجود الموضوع خارجا ، والموت التكويني يوجب خروجه عن كونه من مصاديق الموضوع حقيقة.

وهذا بخلاف التخصيص فإنّ الموجود باق على ما كان عليه ، والمفروض كونه مصداقا للعامّ حقيقة فلو كان باقيا على حكمه ناقض حكمه حكم المخصّص فلا بدّ من تقييد في ناحية العامّ حتى يوجب تضييق الموضوع بحيث لا يشمل مصاديق المخصّص فتدبّر.

تقريب التمسك باستصحاب العدم الازلي في المقام

إذا عرفت هذا فنقول : تقريب التمسك باستصحاب العدم الأزلي في المقام أن يقال : إنّ تخصيص العامّ بعنوان وجودي وإن أوجب تقيّد العامّ في مرحلة الجدّ وعدم بقائه على إطلاقه ولكنّه لا يتقيّد إلّا بعدم عنوان المخصّص.

وهذا العدم ممّا يمكن إحرازه بالاستصحاب ، إذ الفقير مثلا قبل وجوده لم يكن هاشميا ، و

١٤٢

المرأة قبل وجودها لم تكن قرشية فيستصحب هذا العدم الأزلي ويتمّ الموضوع في ناحية العامّ.

وعدم الأثر الشرعي لهذا العدم في ظرف كونه متيقّنا أعني عدم وجود الموضوع لا يضرّ ، إذ يكفي في إجراء الأصل وجود الأثر للمستصحب حال كونه مشكوكا فيه أعني ظرف التعبّد بالاستصحاب.

فإن قلت : إنّ العدم السابق كان مستندا إلى عدم الموضوع والعدم اللاحق مستند لا محالة إلى عدم المقتضي أو وجود المانع فالمشكوك فيه غير المتيقّن.

قلت : إختلاف العلّة ولا سيّما في العدم لا يوجب إختلاف المعلول عرفا نظير استصحاب ترك الأكل والشرب للصائم بعد المغرب فإنّه جار عرفا مع أنّ الترك في النهار كان لأمر الصوم والترك في الليل لداع آخر.

وبالجملة فزيد مثلا قبل انعقاد نطفته لم يكن موجودا ولا هاشميا فإذا تبدّل عدمه بالوجود وشك في تبدّل العدم الثاني جاز لنا استصحاب العدم إذا فرض له أثر فعلا كما في المقام.

فإن قلت : عدم انتساب الفقير إلى هاشم وعدم انتساب المرأة إلى قريش بنحو العدم المحمولي وليس التامّة وإن كان له حالة سابقة ، ولكن لمّا كان التقييد في مرحلة وجود المخصص بنحو الكون الناقص والوجود الربطي كان الباقي تحت العام نقيض ذلك أعني مفاد ليس الناقصة والعدم الربطي ، وبعبارة واضحة عدم كون الفقير هاشميا وعدم كون المرأة قرشية ، وإثبات هذا العدم الربطي باستصحاب العدم المحمولي من أوضح مصاديق الأصل المثبت.

قلت : كما أن العدم المحمولي له حالة سابقة فكذلك العدم الربطي أيضا له حالة سابقة إذ قبل وجود المرأة مثلا كما يصدق أنها لم تكن موجودة يصدق أيضا أنّها لم تكن قرشية لانتفاء المحمول بانتفاء الموضوع ، والسالبة بانتفاء الموضوع من القضايا الصادقة التي يدركها العقل.

لا نقول : إنّ المرأة قبل وجودها كانت متّصفة بعدم القرشية بنحو الإيجاب العدولي ، بل نقول : إنها قبل وجودها لم تكن متّصفة بالقرشية بنحو السلب المحصّل ، وهذا يكفي في إجراء حكم العامّ إذ يكفي فيه عدم كونه معنونا بعنوان الخاصّ.

١٤٣

وبالجملة لا نريد إجراء الاستصحاب في العدم المحمولي حتى يقال بعدم الأثر له ، وإثبات العدم الربطي به لا يجوز. ولا نقول أيضا : إنّ المرأة قبل وجودها كانت متّصفة بعدم القرشية بنحو الإيجاب العدولي حتى يناقش باحتياج الموجبة بجميع أقسامها إلى وجود الموضوع في ظرف الصدق. بل نقول : إن المرأة قبل وجودها لم تكن متّصفة بالقرشيّة بنحو السلب المحصّل ، والسالبة تصدق مع انتفاء الموضوع أيضا.

أقول : هذا محصّل ما اختاره وشيّد أركانه جمع من أعاظم المتأخرين وسمّوه باستصحاب العدم الأزلي وتمسّكوا به في أبواب كثيرة من الفقه ، ولعلّ هذا الوجه الخامس أمتن الوجوه المذكورة في المقام.

نقد مبنى استصحاب العدم الأزلي

ولكن يمكن أن يناقش :

أوّلا : بأنّ استصحاب العدم الأزلي بكلا قسميه في المقام من المحمولي والربطي ممّا لا عرفية له وينصرف عنه أدلّة حجيّة الاستصحاب كما صرّح بذلك الأستاذ آية الله البروجردي ـ قدس‌سره ـ على ما حرّرنا عنه في نهاية الأصول. (١)

إذ المقصود ليس استصحاب مطلق عدم الانتساب بل عدم انتساب هذه المرأة الخارجية ، وهذه المرأة إنما صارت هذه المرأة بوجودها وتحقّقها في الخارج ، وما لا وجود له لا ماهيّة له ، فالشيء قبل وجوده معدوم مطلق وبطلان محض ، لامرأة ولا هذيّة حتى تعتبر لها القرشيّة أو غيرها ، لا معروض ولا عارض ولا نسبة ، لا عليّة ولا معلولية ولا ميز. ولا تقبل إشارة حسيّة ولا عقليّة حتى يضاف إليها القرشيّة أو تنفى عنها.

وإنّما يعتبر عدم العارض عند العقلاء في ظرف وجود المعروض وخلوّه عنه بلحاظ وجود ملكته واستعداده فيه ، وأمّا قبل وجوده فلا ذات ولا صفات ولا نسبة.

وما يتخيّل باسم الذات أو الصفات حينئذ يكون من مخترعات أذهان أهل المدرسة و

__________________

(١) نهاية الأصول ، ص ٣٠٢.

١٤٤

أكاذيبهم ، فلا ارتباط لها بالمرأة الخارجيّة المشار إليها بلفظ هذه.

فهذه المرأة قبل وجودها لم تكن هذه المرأة وبعد ما وجدت وصارت هذه المرأة إمّا وجدت قرشيّة أو وجدت غير قرشيّة. وكيف كان فهي باقية على ما وجدت عليه قطعا.

وبالجملة فلا سابقة للعدم الأزلي لقرشيّة هذه المرأة لا للمحمولي منه ولا للربطي حتى يستصحب.

ولو سلّم اعتبار العرف لعدم قرشيّتها في العدم المحمولي فعدم اعتبارهم لعدمها في العدم الربطي أعني سلب شيء عن شيء أمر واضح.

ومجرّد صدق السالبة بانتفاء الموضوع عقلا لا يكفي في شمول أدلّة الاستصحاب له.

ثمّ إنّه يعتبر في الاستصحاب اتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة ، وكيف تتّحد القضيّة المخترعة في عالم الخيال مع القضيّة المعتبرة عند العقلاء بلحاظ وجود موضوعها في الخارج والإشارة إليه بلفظ هذا ، ففي الحقيقة ليس لنا متيقّن مشكوك البقاء حتى يستصحب.

نعم لو شكّ في وجود الشيء بنحو الهليّة البسيطة من دون أن يضاف إلى شيء موجود في الخارج وكان مسبوقا بالعدم جاز استصحاب عدمه كما لا يخفى ، فتدبّر. هذا كلّه أوّلا.

وثانيا : إنّ موضوع الحكم كما عرفت إمّا نفس الطبيعة بإطلاقها الذاتي أو المقيّدة بوجود شيء أو المقيّدة بعدمه. وعلى هذا فإذا خصّص العامّ بأمر وجودي فلا محالة خرج الموضوع في ناحية العام بحسب الإرادة الجديّة عن إطلاقه وسريانه ، وتضيق في هذه الناحية.

وحيث إنّ المخصّص أمر وجودي أخذ نعتا بنحو الكون الناقص والهليّة المركبة فلا محالة يكون الباقي تحت العامّ رفع ذلك ونقيضه أعني مفاد ليس الناقصة.

ولكن بعد تقييد العام بمفاده يرجع إلى كون الموضوع في ناحية العامّ مأخوذا بنحو الموجبة السالبة المحمول. والموجبة وإن كانت سالبة المحمول لا تصدق إلّا مع وجود الموضوع في ظرف الصدق فلا تحقق لها في حال عدمه.

واستصحاب نفس القيد أعني مفاد السلب المحصّل الثابت في الأزل لا يثبت المقيّد بما هو مقيد أعني التقيّد والاتصاف.

١٤٥

ردّ مبنى استصحاب العدم الأزلي ببيان الأستاذ الإمام

وببيان آخر اقتبسناه من الأستاذ الإمام ـ طاب ثراه ـ على ما في تقريرات بحثه في المقام (١) : أنّه بعد القطع بخروج العامّ عن إطلاقه فالقيد العدمي المأخوذ في ناحيته إمّا أن يكون مأخوذا بنحو الموجبة المعدولة المحمول ككون المرأة غير قرشيّة كما لعلّه الظاهر من تعبيرات المحقق النائيني على ما في تقريرات بحثه ، أو بنحو الموجبة السالبة المحمول ككونها متّصفة بأن لا تكون قرشيّة ، أو بنحو السالبة المحصّلة المحضة أعني سلب شيء عن شيء.

ولا يخفى أن مقتضى الأوّلين الاحتياج إلى وجود الموضوع في ظرف الصدق فلا تحقّق لهما قبله ولا مجال للاستصحاب.

ومقتضى الثالث كون الموضوع للحكم الإيجابي في ناحية العامّ السالبة المحصّلة المطلقة الصادقة حتى مع عدم الموضوع ، ومن المعلوم بطلان ذلك لامتناع أن يكون السلب المحصّل المطلق الصادق حتى مع عدم الموضوع موضوعا لحكم إيجابي كالتحيّض إلى خمسين مثلا فبقرينة الحكم الإيجابي على العامّ يظهر أن الموضوع في ناحيته عنوانه الموجود خارجا مقيّدا بأن لا يصدق عليه عنوان المخصّص كالمرأة الموجودة في الخارج المتّصفة بأن لا تكون من قريش فيرجع إلى مفاد الموجبة السالبة المحمول وقد عرفت حالها.

وبعبارة ثالثة : الحكم في ناحية العامّ شرّع للموجود خارجا ولكن بشرط أن لا يتعنون بعنوان المخصّص ، فالتحيّض إلى خمسين مثلا شرّع للمرأة الموجودة خارجا بشرط أن لا تكون من قريش لا لماهيّتها اللابشرط من الوجود والعدم.

والزكاة وضعت للفقير الموجود في الخارج بشرط أن لا يكون هاشميا لا لماهيّته المطلقة ولو في حال العدم والمرأة من بدو انعقاد نطفتها إمّا قرشيّة أو غير قرشيّة ، والفقير من بدو وجوده إمّا هاشمي أو غير هاشمي فلا يجري فيهما استصحاب العدم.

والمستصحب باستصحاب العدم الأزلي عدم كون المرأة قرشيّة وعدم كون الفقير هاشميا بالسلب المحصّل المطلق الصادق حتى مع انتفاء الموضوع.

__________________

(١) تهذيب الأصول ، ج ٢ ، ص ٢٨.

١٤٦

فالموضوع لحكم العام خصوص الموجود خارجا والموضوع للقضيّة المتيقّنة التي أريد استصحابها هي الماهيّة المطلقة الصادقة حتى مع انتفاء الوجود أيضا.

وقد مرّ منّا أنّ السالبة المحصّلة أعمّ من الموجبة السالبة المحمول. ومن الواضح أنّ استصحاب الأعم وتطبيقه على الأخصّ وإثباته به من أوضح موارد الأصل المثبت ، نظير استصحاب بقاء الحيوان في الدار وإثبات حكم الإنسان به مثلا بلحاظ العلم خارجا بانحصاره فيه ، فتدبّر.

تصوير بعض الأعاظم لصحة استصحاب العدم الأزلي

فإن قلت : الموضوع في ناحية العامّ مركّب من حيثيّة العامّ ومن عدم عنوان المخصّص محمولا ، واستصحاب العدم المحمولي ممّا يساعد عليه العرف ويشمله الأدلّة ، وعلى هذا فيتحقّق جزء من الموضوع بالوجدان والجزء بالاستصحاب.

نظير ما إذا تركّب الموضوع من جوهرين او من عرضين او من جوهر وعرض في محل آخر ، وهذا أمر جار في الفقه كثيرا ولا دليل على اعتبار العدم في ناحية العامّ ربطيا ، إذ في ناحية المخصّص إنّما اعتبر الوجود والكون ربطا من جهة أنّ عنوان المخصّص يكون من عوارض العام وحالاته ، ووجود العرض في نفسه عين وجوده لمحلّه ، وهذه العلة إنّما تتحقق في ناحية وجود العرض لمحلّه ، وأما عدمه فلا وجه لأخذه نعتا لمحلّه.

قال بعض الأعاظم ـ على ما في تقريرات بحثه في الأصول ـ ما محصّله مع حفظ عباراته : «لا مانع من الرجوع إلى استصحاب عدم اتصافها بالقرشيّة وعدم انتسابها بها ، حيث إنّ في زمان لم تكن هذه المرأة ولا اتصافها بالقرشيّة ثمّ وجدت المرأة فنشكّ في انتسابها إلى القريش فلا مانع من استصحاب عدم انتسابها إليه ، وبضمّ هذا الاستصحاب إلى الوجدان يثبت أنّ هذه مرأة لم تكن قرشيّة ....

فالنتيجة أنّ الموضوع إذا كان مركبا من العرض ومحلّه فلا محالة يكون المأخوذ فيه هو وجود العرض بمفاد كان الناقصة حيث إنّ ثبوته لموضوعه بعينه هو اتصافه به كما عرفت.

١٤٧

وأمّا إذا كان مركبا من عدم العرض ومحلّه فلا يلزم أن يكون العدم مأخوذا فيه بمفاد ليس الناقصة حتى لا يمكن إحرازه بالأصل ، بل الظاهر هو أنّه مأخوذ فيه بمفاد ليس التامّة.

والسبب في ذلك يرجع إلى الفرق بين وجود العرض وعدمه حيث إنّ العرض في وجوده يحتاج إلى موضوع محقّق في الخارج لا في عدمه ، بداهة أنّ نقطة الافتقار إلى وجود الموضوع في عالم العين إنّما تكون من لوازم وجود العرض دون عدمه ....

فالنتيجة لحد الآن هي أنّ العدم النعتي في موضوع الحكم يحتاج إلى مئونة وعناية زائدة دون العدم المحمولي وعلى ضوء هذه النتيجة فالظاهر أن عدم عنوان المخصّص المأخوذ في عنوان العامّ هو العدم المحمولي وما هو مفاد ليس التامّة دون العدم النعتي وما هو مفاد ليس الناقصة فإن أخذه فيه يحتاج إلى عناية ونصب قرينة.

وعلى الجملة إذا أخذ وجود عرض في محلّه موضوعا لحكم شرعي فهو وإن كان لا بد من كونه مأخوذا فيه على وجه النعتية والصفتية وما هو مفاد كان الناقصة إلّا أنّ ذلك لا يستدعي أخذ عدم ذلك العرض نعتا في موضوع عدم ذلك الحكم وارتفاعه ، لوضوح أنّ الحكم الثابت للموضوع المقيّد بما هو مفاد كان الناقصة إنّما يرتفع عند عدم اتصافه بذلك القيد على نحو السالبة المحصّلة من دون أن يتوقّف ذلك على اتصاف الموضوع بعدم ذلك القيد على نحو مفاد ليس الناقصة ...

فالنتيجة في نهاية المطاف هي أنّ دعوى استلزام التخصيص بعنوان وجودي أخذ عدم ذلك العنوان في طرف العامّ على وجه الصفتيّة والنعتية كما أصرّ على ذلك شيخنا الأستاذ قدس‌سره ولأجل ذلك منع عن جريان الاستصحاب في الأعلام الأزلية ، خاطئة جدّا.» (١)

قلت : البحث المستوفى فيما ذكره الأعلام في المقام يحتاج إلى صرف وقت كثير ، ولا يتيسّر لنا فعلا فلنشر إلى بعض النكات إجمالا ونحيل التفصيل إلى أهله ومحلّه فنقول :

__________________

(١) المحاضرات ، ج ٥ ، ص ٢٠٨ و٢٣٢.

١٤٨

نكات مهمّة في استصحاب العدم الأزلي

أوّلا : إنّ الظاهر من كلماتهم حصر استصحاب العدم الأزلي في استصحاب العدم المحمولي وقد مرّ منا تصويره في العدم الربطي أيضا وإن استشكلنا في كليهما في نهاية الأمر.

وثانيا : إنّه يظهر من المحقق النائيني ـ قدس‌سره ـ وتلامذته في المقام :

«أنّ الموضوع إذا تركّب من العرض ومحلّه فلا بدّ من أخذه بنحو الكون الناقص معلّلين بأنّ العرض وجوده في نفسه عين وجوده لمحلّه». (١)

وفيه : أنّ الظاهر من جعل العرض ومحله موضوعا للحكم وإن كان ذلك ولكنّه لا يتعيّن هذا عقلا ، والجعل وخصوصياته تابعة للمصالح ، ومن الممكن اعتبار كلّ من العرض ومحلّه بنحو الكون التامّ جزءا من الموضوع نظير الجوهرين والعرضين.

وما ذكروه من التعليل خلط بين الوجود الرابط والوجود الرابطي ، فإنّ كون وجود العرض في نفسه عين وجوده لمحلّه بيان لنحو وجود الأعراض ونعبّر عنه بالوجود الرابطي وهو من أقسام الوجود في نفسه أعني المحمولي ، وهذا غير الوجود الرابط ومفاد الكون الناقص الذي يكون معنى حرفيّا في غيره ، قال في المنظومة :

«إنّ الوجود رابط ورابطي

ثمّة نفسي فهاك واضبط.»

وقد وقع هذا الخلط من المحقّق اللاهيجي أيضا حيث قال ـ على ما في المنظومة ـ :

«إنّ وجود العرض مفاد كان الناقصة.» (٢) هذا.

وقد عثرت بعد ما كتبت هذا على كلام للمحقق النائيني في التنبيه التاسع من تنبيهات الاستصحاب يظهر منه الالتفات إلى ما ذكرناه من جواز أخذ العرض بنحو الكون المحمولي أيضا ، فراجع. (٣)

__________________

(١) فوائد الاصول ، ج ١ ، ص ٥٣٢.

(٢) شرح المنظومة ، ص ٥٦ و٥٧ (طبعة اخرى ، ص ٦١ و٦٢).

(٣) فوائد الأصول ، ج ٤ ، ص ٥٠٤.

١٤٩

وثالثا : ربّما يظهر من جعلهم العدم النعتي ومفاد ليس الناقصة مترادفين وإرادتهم بهذين التعبيرين كون عدم المحمول نعتا ثابتا للموضوع : أن مفاد القضية السّالبة المركبة عندهم إثبات سلب المحمول للموضوع.

وفيه : أنّ مفاد السلب الناقص سلب المحمول عن الموضوع ويصدق مع انتفاء الموضوع أيضا ويكون نقيضا للكون الناقص وليس مفاده إثبات السلب للموضوع ، ولعلّ المتبادر من العدم النعتي أيضا سلب الوجود النعتي فيكون نقيضا له لا جعل السلب نعتا له نظير تسمية السالبة الحملية بالحملية.

نعم مفاد الموجبة المعدولة المحمول إثبات المحمول المسلوب له ، ومفاد الموجبة السالبة المحمول إثبات سلب المحمول له كما مرّ.

اللهم إلّا أن يريدوا بما ذكروه ما مرّ منّا من أنّ نقيض الكون الناقص وإن كان ليس الناقصة بعمومها ولكن بعد جعلها قيدا للموضوع في ناحية العامّ يرجع إلى أخذها بنحو الموجبة السالبة المحمول لما مرّ من أنّ الحكم الإيجابي لا يصح جعله للسالبة المحصّلة المطلقة الصادقة حتى مع انتفاء الموضوع ، فتدبّر.

ورابعا : يظهر من تعبيرات بعض الأعاظم في تعليقته على أجود التقريرات :

«أن السالبة المحصّلة يراد بها العدم المحمولي ومفاد ليس التامّة فقط» (١).

ويظهر هذا من المحاضرات أيضا.

وفيه : أنّ السالبة المحصّلة تذكر في المنطق في قبال الموجبة المعدولة المحمول والموجبة السالبة المحمول فيكون المراد بها السلب المطلق أعمّ من ليس التامّة وليس الناقصة ، بل ظهورها في ليس الناقصة أظهر فليست قسيما لها.

وخامسا : قال ـ مد ظلّه ـ :

«إنّ أخذ وجود العرض في ناحية المخصّص بنحو الكون الناقص لا يستدعي أخذ عدمه في ناحية العامّ بنحو الليسية الناقصة فليكن مأخوذا فيه محمولا.» (٢)

__________________

(١) أجود التقريرات ، ج ٢ ، ص ٣٣٦.

(٢) المحاضرات ، ج ٥ ، ص ٢٣٠.

١٥٠

وفيه : ما مرّ منّا من أنّه لا إلزام بذلك في ناحية المخصص أيضا ولكن الظاهر ذلك فإذا فرض أن المأخوذ في ناحيته مفاد كان الناقصة كان الظاهر أخذ نقيضه في ناحية العامّ ، ونقيض الكون الناقص هي الليسية الناقصة بمعنى سلب المحمول عن الموضوع وهذا هو المتبادر إلى الأذهان وإن رجعت بالأخرة إلى الموجبة السالبة المحمول.

الفائدة الثانية عشرة :

هل الموضوع في ناحية العام مركب او مقيد؟

وسادسا : قال ـ مد ظلّه ـ :

«إنّ الموضوع في ناحية العامّ مركّب من حيثية العام وعدم عنوان المخصّص محمولا فيثبت أحد الجزءين بالوجدان والآخر بالاستصحاب نظير ما إذا تركّب من جوهرين أو عرضين.» (١)

وفيه : أنّ العدم المأخوذ في ناحية العامّ سواء أخذ محمولا أو ربطا وإن كان له حالة سابقة عقلا على ما قرره الأعلام ، ولكن الموضوع لم يؤخذ مركبا بل هو مقيّد لما عرفت من أن الموضوع بلحاظ حالاته وعوارضه إمّا أن يعتبر مطلقا أو مقيدا بوجودها أو مقيدا بعدمها ، وحيث إنّه في ناحية المخصّص مقيّد بوجود العرض بنحو الكون الناقص على ما هو المفروض كان الظاهر في ناحية العامّ تقيده بنقيض ذلك وهي الليسية الناقصة كما مرّ.

ومفادها وإن كان السلب المطلق الصادق حتى مع انتفاء الموضوع ولكن بعد تقيّد الموضوع الموجود بمفاده يرجع إلى كون الموضوع معتبرا بنحو الموجبة السالبة المحمول فلا مجال لاستصحابها ، واستصحاب نفس القيد لا يثبت التقيّد ، وإنّما حصل التقيّد في ناحية العامّ ببركة حصوله في ناحية المخصّص ، وقد مرّ منّا أنّ السالبة المحصّلة بوحدتها لا يعقل أن تكون موضوعا لحكم إيجابي.

ويظهر من تعبيراته أيضا قبول أصل التقيد ، فمن ذلك قوله في تعليقته على أجود التقريرات :

__________________

(١) المحاضرات ، ج ٥ ، ص ٢٢٧ و٢٣١.

١٥١

«وأنت بعد ما عرفت من أن التخصيص بعنوان وجودي في هذين الموردين لا يستلزم إلّا أخذ عدم ذلك العنوان في طرف العامّ على نحو التقيّد بعدم اتصاف الذات بذلك الوصف لا على نحو التقيّد بالاتصاف بعدمه.» (١)

وأيضا قوله فيه :

«التّقييد إنّما يكون بلحاظ عدم الاتصاف بالعرض الوجودي لا بلحاظ الاتصاف بعدمه.» (٢)

فيرجع ما ذكره بعينه إلى ما ذكرناه من أخذ الموضوع في ناحية العامّ بنحو الموجبة السالبة المحمول كما أنّ الظاهر من كلام النائيني ـ قدس‌سره ـ أخذه بنحو الموجبة المعدولة المحمول ويشترك كلتاهما في الاحتياج إلى وجود الموضوع وفي أخذهما قيدا هذا ، ولكن حمل كلامه ـ مد ظلّه ـ على أخذ الموضوع بنحو الموجبة السالبة المحمول ينافي تصريحه بكون المستصحب العدم المحمولي كما لا يخفى فتدبّر.

الحالات الثلاث لموضوع الحكم او متعلقه

وسابعا : قد مرّ منّا أنّ الموضوع أو المتعلّق للحكم بالنسبة إلى كلّ خصوصية تلحظ بالإضافة إليه إمّا مطلق أو مقيّد بوجودها أو مقيّد بعدمها.

ولكن يظهر منه إنكار ذلك فإنّه قال ـ على ما في تقريرات بحثه في الأصول ـ :

«إنّ موضوع الحكم أو متعلقه بالإضافة إلى ما يلازمه وجودا في الخارج لا مطلق ولا مقيّد ولا مهمل :

أما الإطلاق فهو غير معقول ، حيث إنّ مردّه إلى أن ما افترضناه من الموضوع أو المتعلّق للحكم ليس موضوعا أو متعلقا له فإن معنى إطلاقه بالإضافة إليه هو أنّه لا ملازمة بينهما وجودا وخارجا وهو خلف.

وأمّا التقييد فهو لغو محض نظرا إلى أنّ وجوده في الخارج ضروري عند

__________________

(١) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٤٦٩.

(٢) نفس المصدر ، ص ٤٧١.

١٥٢

وجود الموضوع أو المتعلق ومعه لا معنى لتقييده به.

وأمّا الإهمال فهو إنما يتصوّر في مورد القابل لكلّ من الإطلاق والتقييد ...» (١)

ما هو معنى الإطلاق؟

أقول : وقد أراد بذلك بيان أن بعض أجزاء المركّب بالنسبة إلى الأجزاء الاخر ليس مهملا ولا مطلقا ولا مقيّدا. ونظير ذلك ما قالوا : إنّ تقييد المأمور به بالانقسامات اللّاحقة للأمر كالوجوب والندب وقصد الامتثال ونحوها لا يعقل ، وحيث لا يعقل تقييده بها فلا إطلاق له أيضا بالنسبة إليها لأنّهما من قبيل العدم والملكة.

وفيه : أنّه ليس معنى الإطلاق لحاظ القيود وأخذها في الموضوع بل كون الحيثية الملحوظة تمام الموضوع للحكم وعدم دخل حيثية اخرى فيه. وفي قباله التقييد وهو كون الحيثية بعض الموضوع وكون غيرها دخيلا فيه ، وليس هذا لا محالة إلّا لكونه دخيلا في الملاك والمحبوبية وإلّا كان التقييد جزافا لا يصدر عن الحكيم.

وما ذكرناه ثابت بالحصر العقلي إذ الحاكم الملتفت لا يغفل عن موضوع حكمه وعن حدوده بل إمّا أن يلحظ لا بشرط أو بشرط شيء أو بشرط لا. وبعبارة اخرى إما أن يكون الموضوع لحكمه بحسب الجدّ نفس الطبيعة بذاتها المرسلة أو بقيد وجود شيء آخر أو بقيد عدمه ، ولا يعقل الإهمال في مقام الثبوت.

والنقض بالملازمات الوجودية غير وارد إذ الملازم الوجودي إن لم يكن دخيلا في محبوبية الموضوع وملاكه فلا وجه لأخذه فيه.

ومجرد الملازمة الوجودية لا يستلزم الدخل ، فالموضوع بالنسبة إليه مطلق بحيث لو فرض محالا انفكاكه عنه لم يضرّ بثبوت الحكم له والمركّب عين أجزائه فلا معنى لإطلاقه أو تقييده بالنسبة إليها والجزء للمركب بما أنّه جزء له مطلق بالإضافة إلى الأجزاء الأخر إلّا أن يكون الجزء الآخر دخيلا في ملاك الجزئية ، وكونه دخيلا في ملاك الكلّ لا يستلزم دخله في ملاك

__________________

(١) المحاضرات ، ج ٥ ، ص ٢٢٣.

١٥٣

الجزء بما أنّه جزء. ولا تهافت ولا تدافع بين عدم دخله في الجزء بما هو جزء ودخله في الكلّ بما هو كلّ ، واعتبار شيء جزءا أمر والتقييد أمر آخر.

وتقييد المأمور به بالانقسامات اللّاحقة للأمر في مرحلة التشريع عندنا ممكن ولو سلّم عدم إمكانه فلا محالة يكون بالنسبة إليها مطلقا بمعنى كون الطبيعة تمام الموضوع للأمر.

والطبيعة بما هي طبيعة سارية صالحة لكلّ من الإطلاق والتقييد في قبال الجزئي الذي لا يصلح لهما.

والتحقيق في هذه المسألة موكول إلى محلّه وإنّما أشرنا إليها هنا إجمالا.

نقد كلام المحقق الحائري في الدّرر

وللمحقق الحائري قدس‌سره في الدّرر كلام لا يخلو من مناقشة فإنّه بعد تقرير استصحاب العدم الازلي وتمثيله له باستصحاب عدم القرشيّة قال :

«وفيه أنّ الأثر الشرعي لو كان مترتبا على عدم تحقّق النسبة ، أو على عدم وجود الذات المتّصفة ، أو على عدم الوصف للذات مع تجريدها عن ملاحظة الوجود والعدم لصحّ الاستصحاب ...

وأمّا لو كان الأثر مترتبا على عدم الوصف للموضوع مع عناية الوجود الخارجي فلا يمكن الاستصحاب إلّا بعد العلم بأنّ الموضوع مع كونه موجودا في السابق لم يكن متّصفا بذلك الوصف ... ، ولا يبعد كون المثال من قبيل الأوّل.» ثمّ قال في الحاشية في توضيح الجملة الأخيرة ما محصّله :

«أنّه قد يستظهر من مناسبة الحكم والموضوع أن التأثير ثابت للموضوع المفروغ عن وجوده عند اتصافه بوصف كما في قضية : «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجّسه شيء»

وقد يستظهر منها أن التأثير ثابت لنفس الوصف ، والموضوع المفروغ عن وجوده إنّما اعتبر لتقوّم الوصف به كما في قوله : «المرأة ترى الدّم إلى خمسين إلّا أن

١٥٤

تكون قرشيّة» حيث إنّ حيضية الدم إلى ستين إنّما هي من خاصية بشرط التولّد. فانتفاء هذا الوصف موجب لنقيض الحكم ولو كان بعدم الموضوع ، ولهذا يكون استصحاب العدم الأزلي نافعا.» (١)

أقول : لم يظهر لي مراده ـ قدس‌سره ـ إذ التولّد من قريش أو عدمه بالوجود المحمولي أو العدم المحمولي معلّقين في الفضاء بلا إضافة إلى موضوع موجود في الخارج ليسا موضوعين للحكم الشرعي ، وإنّما الموضوع له المرأة الخارجية التي ترى الدّم وعلى هذا تدلّ أخبار المسألة أيضا فراجع الوسائل. (٢)

وغرضنا من الاستصحاب بيان الوظيفة لهذه المرأة الموجودة في الخارج.

واستصحاب الوجود المحمولي أو العدم المحمولي للصّفة وتطبيقه على هذه المرأة الخارجية من أظهر موارد الأصل المثبت ، وقد عرفت ان المرأة وهذيّتها إنّما تتحققان بالوجود الخارجي ، وهي التي ترى الدم لا ماهية المرأة بإطلاقها الصادق على المرأة المعدومة فتدبّر.

وقد طال الكلام في هذا المقام فأعتذر من المستمعين والقرّاء الكرام.

وكيف كان فما ذكره المصنف في المقام من أصالة العدم عند الشك في كونه منهم لم يظهر له وجه يعتمد عليه ؛ نعم لو تحقّقت الغلبة بحيث يحصل الوثوق بعدم كونه من أفراد المستثنى جاز الاعتماد عليها قطعا. (٣)

الفائدة الثالثة عشرة :

الخلط بين التخصص والورود في كلام بعض الأعاظم

«محل البحث : اذا كان نذر التصدق معلقا على شرط وتحقق قبل تمام

__________________

(١) الدرر ، ص ٢١٩.

(٢) الوسائل ، ج ٢ ، ص ٥٨٠ ، الباب ٣١ من أبواب الحيض.

(٣) كتاب الزكاة ، ج ٣ ، ص ٤١٩ إلى ٤٤٣.

١٥٥

الحول لم تجب الزكاة ، وإن حصل بعده وجبت. وقد تعرض سماحته لنقد ما في المستمسك من الخلط بين التخصص والورود في المسألة» (١)

تفصيل ذلك أنّ الشرط إما أن يكون فعلا اختياريا للناذر اولا وفي الثاني إمّا أن يتعلق النذر بالمال مطلقا أو بشرط بقائه إلى حين حصول الشرط فهنا ثلاث صور :

فإن كان الشرط فعلا اختياريا للناذر مثل أن يقول : إن فعلت كذا في الشهر الكذائي فلله عليّ أن أتصدق بهذا المال فهذا لا يصير مانعا عن الزكاة قطعا.

وكذا إن لم يكن اختياريا ولكن شرط معه بقاء المال بأن قال مثلا : إن جاء ابني سالما من السفر وكان هذا المال باقيا حينه فلله عليّ أن أتصدق به فبالحقيقة يكون الوجوب مشروطا بشرطين والوجوب المشروط متأخر عن شرطه فلا يوجبه وإلّا لزم الدور.

وأما إذا كان الشرط غير اختياري وكان النذر من ناحية بقاء المال مطلقا بأن قال مثلا : إن جاء ابني من السفر في الشهر الكذائي فلله عليّ أن أتصدق بهذا المال ، ففي هذه الصورة الأقوى وجوب حفظ المال إلى حين الوفاء بالنذر وتقريبه بوجهين :

الأوّل : ما في المستمسك من أن مرجع النذر حينئذ إلى نذر إبقاء المال إلى زمان الشرط والتصدق به بعده ففي الحقيقة المنذور أمران : إبقاء المال إلى زمان الشرط والتصدق به بعده فيجب عليه حفظه وعدم تعجيز نفسه ، نظير ما إذا وعد زيدا أن يعطيه ثوبه الكذائي هدية وجائزة إن صنع كذا في وقت كذا فالعرف يراه ملتزما بابقاء الثوب إلى الوقت الكذائي وإتلافه ينافي التزامه ، والنذر تمليك ووعد لله ـ تعالى ـ ألزم إنجازه.

الثاني : أنّ الوجوب المشروط بعد العلم بتحقق شرطه في محله يقتضي عند العقلاء لزوم التهيؤ لامتثاله والإتيان بمقدماته إن لم يمكن تحصيلها في وقته ، وما اشتهر بينهم من عدم وجوب المقدمة ما لم يجب ذيها إنما هو في الوجوب الشرعي المترشح من وجوب ذيها ونحن نمنع الوجوب الشرعي في المقدمة وانما الموجود فيها اللابدّية العقلية والعقلاء يلزمون العبد على تحصيل المقدمات بعد العلم بتحقق وجوب ذيها ولو في المستقبل ففي المقام بعد العلم

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ١١٢.

١٥٦

بتحقق شرط النذر في المستقبل يجب عقلا حفظ المال للوفاء به في محله فيمنع هذا عن تعلق الزكاة به فتأمل. ولا يخفى أن التقريب الأوّل يجري مع العلم بتحقق الشرط والشك فيه وأما الثاني فلا يجري في صورة الشك فافهم.

فإن قلت : في الموقت بعد الحول والمشروط بشرط كذلك يمكن الالتزام ببطلان النذر إذا كان المنذور التصدق بجميع المال لعدم رجحانه حين العمل لتعلقه بحق الغير.

قلت : إنما يكون متعلقا بحق الغير إذا فرض اجتماع شرائط وجوب الزكاة ولكن النذر رافع للتمكن من التصرف الذي هو من شرائطه.

فإن قلت : نعم هذا صحيح لو قدم دليل النذر واما لو قدم دليل الزكاة ارتفع شرط النذر أعني رجحان المتعلق.

قلت : الجمع بين الدليلين يقتضي الأخذ بالسابق منهما ويكون هذا واردا على الآخر رافعا لموضوعه فتدبر.

نقد ما في المستمسك

هذا وفي المستمسك عبّر عن الورود في المقام بالتخصص.

وفيه أنه خلاف الاصطلاح فان التخصص عبارة عن خروج فرد بالذات عن موضوع الحكم فلو قال المولى : «أكرم العلماء» يكون زيد الجاهل خارجا بالذات عن العلماء ولا يكون خروجه متوقفا على ورود دليل وحكم فالفرد الجاهل خارج عن عنوان العلماء تخصصا ، كان هنا حكم في المقام أم لا. واما الورود فهو عبارة عن كون أحد الدليلين بشموله رافعا لموضوع الدليل الآخر حقيقة كما في المقام فإن دليل النذر بعد شموله يرفع التمكن من التصرف الذي هو موضوع الزكاة وكذا العكس فالورود يشترك مع الحكومة في كون رفع الموضوع بعناية الدليل الآخر غاية الأمر أن رفعه في الورود بنحو الحقيقة وفي الحكومة بنحو التعبّد فتدبر.

فإن قلت : شمول كل من دليلي النذر والزكاة في المقام دوري فكيف المخلص؟ بيان ذلك أن شمول دليل النذر متوقف على رجحان المتعلق في ظرف العمل ، ورجحانه في المقام متوقف

١٥٧

على عدم شمول دليل الزكاة ، وعدم شموله متوقف على عدم التمكن من التصرف ، وعدم التمكن منه متوقف على شمول دليل النذر ، فشمول دليل النذر صار متوقفا على نفسه ، وكذلك شمول دليل الزكاة متوقف على التمكن من التصرف ، والتمكن متوقف على عدم شمول دليل النذر ، وهو متوقف على عدم رجحان المتعلق وهو متوقف في المقام على شمول دليل الزكاة وهذا الدور مقتضى طبع كل دليلين يكون أحدهما رافعا لموضوع الآخر.

قلت : أولا نسلّم ان شمول دليل النذر متوقف على رجحان المتعلق ولكنه حاصل فعلا فإن التصدق راجح طبعا نعم دليل الزكاة لو جرى ارتفع الرجحان ولكنه لا يجري بعد ما حصل الأمر النذري قبله وثانيا ـ وهو حق الجواب ـ أن رجحان المتعلق في المقام حاصل ولو بعد فرض شمول دليل الزكاة لما عرفت من صحة نذر التصدق بالمال الذي هو للغير بعد إمكان تحصيله بالشراء ونحوه ثم التصدق به والزكاة يمكن ادائها بالقيمة فالنذر وإن توقف على رجحان متعلقه ولكنه حاصل فيصير صحيحا وبجريانه يرتفع موضوع الزكاة قهرا. (١)

الفائدة الرابعة عشرة :

الفرق بين التخصيص والحكومة والورود والتخصص

«المبحث : الانتفاع بالأعيان النجسة وملاحظة النسبة بين الأدلة المانعة منه وبين قاعدة الحلّ المستفادة من الكتاب والسّنة.» (٢)

توضيح ذلك : أنّ التخصيص عبارة عن إخراج بعض أصناف العام أو أفراده عن حكمه ، فيكون من أقسام تعارض الدليلين مثل قوله : «لا تكرم النحويين» في قبال قوله : «أكرم العلماء.» فيكون الخاصّ متعرّضا لبعض ما كان يتعرّض له العامّ من النسبة الحكميّة التي هي منطوق القضيّة بنفيها عن بعض أصنافه أو أفراده ، فيكون في عرضه ولكن يقدّم عليه لكونه أظهر.

والحكومة عبارة عن كون أحد الدليلين ناظرا إلى جهة من الدليل الآخر لا يتعرّضها هو

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ١١١ إلى ١١٣.

(٢) المكاسب المحرمة ، ج ٢ ، ص ٦٢.

١٥٨

بمنطوقه بل تكون من مبادي ما يتعرّضه الآخر أو من لواحقه ، حيث إنّ منطوق القضيّة الذي تتعرّضه القضية هي مفاد النسبة الواقعة بين الموضوع والمحمول. وأمّا بيان مفاد الموضوع أو المحمول وحدودهما وبيان مقدّمات الحكم من المصالح والمفاسد أو الإرادة والكراهة أو الجعل والإنشاء ، وكذا مؤخّراته من الإعادة وعدمها فليست ممّا يتعرّضها منطوق القضيّة. فلو تعرّض دليل آخر لواحد منها بحيث أوجب قهرا تضيق الحكم الأوّل أو سعته كان الدليل الثاني بالنسبة إلى الدليل الأوّل حاكما عليه ومفسّرا له. وليس بين الحاكم والمحكوم معارضة حتى يجعل الأظهريّة ملاكا للتقدّم على ما في موارد التعارض.

ومن جملة أقسامها النظر إلى موضوع الحكم الأوّل بتوسعته أو تضييقه بعد ما لم يكن هو بنفسه متعرّضا ، فيكون مفاد الدليل الحاكم نفي الحكم الأوّل أو إثباته ولكن بلسان نفي موضوعه أو إثباته مثل أن يقول في المثال السابق : «النحوي ليس بعالم» أو : «الزاهد العابد عالم.» ومن هذا القبيل قوله عليه‌السلام : «لا سهو على من أقرّ على نفسه بسهو.» (١)

وبهذا البيان يظهر وجه حكومة قوله ـ تعالى ـ : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) على أدلّة الأحكام الأوّليّة ، حيث إنّه ناظر إلى جعلها ، والجعل من مبادئ الحكم ومقدّماته. وكذا قوله عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس.» (٣) حيث إنّ الإعادة من لواحق الحكم ومؤخّراته بعد أصل ثبوته.

والورود عبارة عن كون أحد الدليلين بعد وروده رافعا لموضوع الدليل الأوّل حقيقة ، كالدليل الاجتهادي الدالّ على حرمة شيء بعنوانه فإنّه بالنسبة إلى اصالة البراءة وارد عليها ، إذ موضوع الأصل عدم الدليل ، والدليل الاجتهادي على الحرمة يرفع هذا الموضوع حقيقة. هذا.

وأمّا التخصّص فهو عبارة عن خروج الشيء عن موضوع الحكم بذاته لا بلحاظ ورود

__________________

(١) الوسائل ، ج ٣ ، ص ٣٣٠ ، الباب ١٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٨.

(٢) سورة الحجّ (٢٢) ، الآية ٧٨.

(٣) الوسائل ، ج ٤ ، ص ٦٨٣ ، الباب ١ من أفعال الصلاة ، الحديث ١٤.

١٥٩

دليل آخر كخروج زيد الجاهل عن قوله : «أكرم العلماء».

هذا ملخّص مفاد المصطلحات الأربعة الدائرة على الألسن. والثلاثة الأوّل تطلق بلحاظ مقايسة دليل بالنسبة إلى دليل آخر.

وبما ذكرنا يظهر أن الأدلّة الاجتهادية الآتية في المقام واردة على أصل البراءة. وأمّا بالنسبة إلى آية الحلّ فهي مخصّصة لعمومها على فرض دلالتها. (١)

__________________

(١) المكاسب المحرمة ، ج ٢ ، ص ٦٢.

١٦٠