مجمع الفوائد

آية الله المنتظري

مجمع الفوائد

المؤلف:

آية الله المنتظري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر سايه
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-5918-39-1
الصفحات: ٤٩٤

الفصل الرابع :

العموم والخصوص

وهو يشتمل على فوائد :

١٢١
١٢٢

الفائدة الاولى :

ما هو الملاك في تقسيم العموم الى الأفرادى و ...؟

تقسيم العموم إلى الأفرادي والمجموعي والبدلي هل هو باعتبار تعلق الحكم بالعام وكيفية تعلقه به ، او هو باعتباره في نفسه؟ واختار صاحب الكفاية الأوّل ، وردّ عليه في المتن بقوله :

... ما ذكره قدس‌سره في غاية الفساد ، فإن الموضوع (اعني العام) قبل أن يلحقه الحكم ، بل وقبل أن يتصور الحكم ينقسم إلى الأقسام الثلاثة بذاته».

وإن شئت قلت : إن رتبة الموضوع متقدمة على رتبة الحكم ، فيجب أن يكون في الرتبة السابقة ملحوظا بخصوصياته الدخيلة في موضوعيته التي منها كونه بنحو الوحدة أو الكثرة ونحوهما ؛ نعم يمكن أن يوجه كلام صاحب الكفاية قدس‌سره بأن أحدا من العقلاء لا يتصور العام ولا يجعله مرآة للأفراد باحد الأنحاء إلّا إذا أراد إثبات حكم له ، وإلّا كان تصوره لغوا. (١)

الفائدة الثانية :

تزاحم العام والخاص

«تزاحم العام والخاص هو فيما إذا احرز كون كل واحد من الدليلين تام الاقتضاء ومتكفلا لبيان تمام الموضوع للحكم الفعلي عليه ؛ ففي هذا المورد لزم في الفرد المشتبه للمخصص الأخذ بحكم العام.»

ربما يقال بعدم صحة فرض التزاحم في أمثال المقام مما كان العموم فيه استغراقيا ، لعدم وجود المندوحة في مورد الاجتماع من اول الأمر ، فيكون التنافي في مقام الجعل ، ولا بد فيه من

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ٣١٨.

١٢٣

الكسر والانكسار في مقام الجعل وإنشاء حكم واحد لما هو الأقوى منهما ملاكا. نعم إذا كان العموم في أحدهما بدليا كان من باب التزاحم ؛ لكون التصادم في مقام الامتثال. ولتحقيق المطلب محل آخر. فتدبر.» (١)

الفائدة الثالثة :

التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصص

«هل يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصّص؟ قد يستدل للجواز بأن للعام إطلاقا أحواليا يشمل حالات العلم بوجود المخصص وعدمه والشك فيه وعند الشك في مصداق المخصص يتمسك إمّا بالإطلاق الأحوالي للعام او باصالة التطابق بين الإرادتين.

وردّ هذا الاستدلال في المتن بأن معنى الإطلاق في مثل أكرم العلماء أن حيثيّة العام تمام الموضوع للحكم ولا دخالة لحيثيّة العدالة او الفسق وغيرهما فيه وليس معناه اعتبار القيود ولحاظ الحيثيات المتحدة معه ودخالتها في الموضوع حتى يكون بمعنى وجود موضوعات متعددة للحكم كما توهم. ومقتضى أصالة التطابق بين الإرادتين تكفل العموم بوحدته لبيان حكمين طوليين : واقعي وظاهري وفساده أظهر من الشمس».

لقائل أن يقول : إن أصالة الجد والتطابق بين الإرادة الاستعمالية والجدية ليست من الأصول العملية حتى يكون الحكم المستفاد بسببها حكما ظاهريا محمولا على الشك ، بل هي من الأمارات ؛ فإن أصالة الجد في العمومات عبارة اخرى عن أصالة العموم كما لا يخفى ، وهي من الأمارات قطعا. نعم بعد تحكيم الخاص على العام ورفع اليد عنه بسببه من جهة أظهريته لا يبقى مجال للتمسك بالعام فيما احتمل خروجه منه ؛ فإن المفروض تحكيم الخاص عليه ؛ وليس معنى التحكيم إلّا تقديمه في الحجية في كل ما هو فرد له فتصير النتيجة قصر حجية العام على ما بقي ، وليس مفاد أصالة التطابق الّا حجية العام كما عرفت ؛ فقصر حجية العام على ما

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ٣٣٥.

١٢٤

بقي مساوق لقصر أصالة التطابق عليه ، فيكون الفرد المشتبه شبهة مصداقية لمجرى أصالة التطابق فلا يجوز التمسك بها ؛ وبعبارة اخرى : أصالة التطابق من الأحكام العقلائية ، فحجيتها تدور مدار اعتبارهم ، والفرض أنهم يحكّمون الخاص في مقام الحجية على العام ، فتصير النتيجة تضييق مجرى أصالة التطابق في طرف العام ، فالشبهة المصداقية للمخصص شبهة مصداقية لمجراها أيضا ، فافهم. فاتضح بذلك عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

ويمكن أن يقرر الدليل عليه بوجه آخر ، وهو : أن أصالة التطابق أصل عقلائي ، وليست حجيتها إلّا من جهة السيرة ، فحيث اعتبروها عملنا بها ، وحيث ردّوها أو شككنا في اعتبارهم لها رددناها ، وبذلك يظهر الفرق بين المخصص اللفظي واللّبي ، كما ذكر في الكفاية. فالأقوى هو الفرق بينهما ، كيف ولو لم يجز التمسك بها حتى في اللبيات لم يبق لنا عام جائز العمل ، فإن كل عام مخصوص عقلا بما إذا لم يزاحم ملاك حكمه بملاك أقوى واقعا ، ولا حكم من الأحكام الشرعية إلّا ويحتمل فيه عروض ملاك أقوى يرفع به الحكم التابع للملاك الأوّل ، فافهم. (١)

الفائدة الرابعة :

التمسك بعمومات العناوين الثانوية

«محل البحث : بيان ما في الكفاية من أنه لا يجوز التمسك بعمومات العناوين الثانوية إذا أخذ في موضوعاتها أحد الأحكام المتعلقة بالأفعال بعناوينها الأوّليّة وشك في فرد لا من جهة التخصيص بل من جهة اخرى كما إذا شك في صحة الوضوء او الغسل بمائع مضاف فيما إذا وقع متعلقا للنذر فيكشف صحته بعموم مثل : أوفوا بالنذور. كما هو الحال فيما إذا شك في رجحان شيء او حليته ، فلا يجوز التمسك (لإثبات الرجحان او الحلّيّة) بعموم وجوب إطاعة الوالد والوفاء بالنذر وشبهه. ثم قال : نعم لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه والقدرة عليه فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم اصلا.»

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ٣٣١.

١٢٥

ربما يقرر مقصود صاحب الكفاية (قده) بأن المنذور في المثال ليس هو صرف الغسلات ، بل ما يكون وضوءا شرعيا ، والقدرة عليه إنما هي بعد تشريع الشارع إياه ؛ والمفروض أنه مشكوك فيه ، فالشك إنما يكون في القدرة ، وهي مما لا يمكن إثباتها بالعموم ، وإن قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص.

أقول : هذا صحيح لو لم يكن جعل القدرة بيد الشارع ، وأما إذا كان بيده ، كما فيما نحن فيه أمكن التمسك بعموم أوفوا بالنذور واستكشاف تشريعه له بدلالة الاقتضاء. نعم لا يجوز التمسك نظرا إلى ورود المخصص ، فليس الإشكال في المسألة زائدا على إشكال التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، هذا والظاهر أن نظر صاحب الكفاية (قده) في المقام إلى أمر آخر ، وهو أن جواز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية «بناء على القول به» إنما هو فيما إذا ثبت الحكم لنفس عنوان العام ، ثم طرأ عليه تخصيص ، فحينئذ يمكن أن يقال بجواز التمسك به في الأفراد المشكوك فيها ، نظرا إلى أن شمول عنوان العام لها قطعي ، وشمول عنوان المخصص مشكوك فيه ، فرفع اليد عنه بسببه من قبيل رفع اليد عن الحجة باللّاحجة.

وأما إذا لم يكن الحكم من أول الأمر ثابتا لنفس عنوان العام ، بل أخذ ـ ولو بدليل منفصل مع بعض الخصوصيات ومعنونا بعنوان خاص ثبوتي ـ موضوعا للحكم ، وكان تحقق هذا العنوان الخاص مشكوكا فيه ، فإثباته بعموم الحكم غير معقول ، إذ الفرض ثبوت الحكم لعنوان خاص ، وهو في العموم والخصوص تابع لموضوعه ، ومثال النذر من هذا القبيل ؛ فإن قوله : «أوفوا بالنذور» وإن كان بحسب الصورة عاما ، ولكنه أخذ في موضوعه بدليل منفصل خصوصية رجحان المتعلق فوجوب الوفاء ثابت لخصوص ما كان راجحا ؛ فإثبات الرجحان بعموم الوفاء من قبيل إثبات الموضوع بحكم نفسه ، وهو محال ، كما لا يخفى. (١)

الفائدة الخامسة :

تعقب الاستثناء جملا متعددة

«إذا تعقب الاستثناء جملا متعددة فهل يصحّ رجوعه إلى الجميع أم لا؟

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ٣٤٠.

١٢٦

فصّل في المتن بأنّه إذا كان بين العمومات الواقعة قبل الاستثناء جهة وحدة فلا إشكال في إمكان رجوعه الى الجميع ؛ واما إذا لم يكن لها جهة وحدة بل كان كل واحد منها مستقلا فرجوعه الى الجميع من قبيل استعمال اللفظ في اكثر من معنى. فعند من يرى الاستعمال من باب جعل اللفظ علامة للمعنى لا من باب افناء اللفظ في المعنى يجوز إرجاع الاستثناء الى الجميع. ولكن هذا الكلام لا يجري في الحروف إذ ليس لها معاني مستقلة بل هي معاني ربطية مندكة في الطرفين ، فلو رجع مثلا كلمة «إلّا» إلى الجميع لكان مقتضاه كون حقيقة واحدة ربطية في عين وحدتها حقايق ربطية متكثرة وهذا أمر مستحيل.»

أقول : بناء على كون الاستعمال من باب جعل العلامة ـ كما هو المفروض ـ لم لا يمكن أن يلحظ في المقام حقايق ربطية متعددة بعدد المستثنى منه ، وتجعل كلمة واحدة علامة لتلك الملحوظات المتعددة؟ وبالجملة لا يرى فرق بين الأسماء والحروف ، بناء على هذا الفرض ، فافهم.» (١)

الفائدة السّادسة :

[التمسك بالعام في الشبهات المفهومية والمصداقية]

التمسك بالعام في الشبهات المفهومية والمصداقية للمخصص

«محل البحث : اشتراط التمكن من التصرف في تعلق الزكاة ، وما هو الملاك في التمكن مفهوما ومصداقا؟ ويبحث فيه عن التمسك بالعام في الشبهة المفهومية والمصداقية للمخصص المتصل او المنفصل ، او بأصالة البراءة في الشبهات الموضوعية» (٢)

لو شك في تحقق التمكن مفهوما أو مصداقا ففي الجواهر : «ومع فرض عدم تنقيح العرف لبعض الأفراد قد يقوي سقوط الزكاة للأصل بعد قاعدة «الشك في الشرط شك في

__________________

(١) نهاية الاصول ، ص ٣٦٣.

(٢) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ٥٦.

١٢٧

المشروط» وربما احتمل الوجوب للإطلاق ورجوع الشك في الفرض إلى الشك في الاشتراط لا في تحقق الشرط ، والأوّل أظهر»

أقول : بعد فرض تحقق العمومات والإطلاقات كقوله ـ تعالى ـ : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) مثلا إذا شك في سعة دائرة المخصص وضيقه بنحو الأقل والأكثر فالمخصص إمّا متصل أو منفصل وفي كل منهما فالشبهة إمّا مفهومية أو مصداقية ، والمشهور بين الأصوليين عدم جواز التمسك بالعام في مورد الشبهة في المتصل مطلقا وأماّ في المنفصل فالجواز في المفهومية دون المصداقية.

ومحل البحث عن المسألة الكتب الأصولية ولكن نتعرض لها هنا إجمالا تتميما للفائدة.

فنقول : أمّا في المتصل فيسري إجماله إلى العام إذ هو يوجب عدم انعقاد ظهور العام من أول الأمر إلّا في الخاص ففي قوله : «أكرم العلماء العدول» مثلا وان كان هنا لفظان واستعمالان وكل لفظ أستعمل فيما وضع له ولكن ليس لكل منهما ظهور مستقل حتى يتمسك بظهور العام في المورد المشكوك فيه كمرتكب الصغيرة مثلا ، بل للموصوف والصفة ظهور وحداني يستفاد منه كون موضوع الحكم أمرا واحدا وهو الطبيعة المقيدة فالتمسك به في مورد الشبهة نظير التمسك بالعام في الشبهة المفهومية أو المصداقية لنفسه وهو غير جائز قطعا. ونظير ذلك الاستثناء المتصل كقوله : «أكرم العلماء إلّا الفساق منهم».

وأمّا في المنفصل فالشبهة اما مفهومية أو مصداقية فالأول كما إذا تردد الفاسق بين مرتكب الكبيرة فقط ومرتكب الكبيرة أو الصغيرة والثاني كما إذا شك في كون زيد فاسقا أو عادلا بعد تبيّن مفهوم الفسق.

أمّا في الأوّل فالأقوى جواز التمسك بالعام في مورد الشبهة إذ العام بعد صدوره من قبل المولى بلا احتفاف بالمخصص انعقد له ظهور في العموم وهو حجة عند العقلاء ، والخاص لإجماله لا يكون حجة في غير القدر المتيقن فيكون رفع اليد بسببه عن ظهور العام من مصاديق رفع اليد عن الحجّة باللّاحجة وان شئت قلت : الأمر دائر بين تخصيص واحد وتخصيصين فيقتصر على الأقل.

١٢٨

الإشكال على التمسك بالعام في الشبهة المفهومية للمخصص المنفصل

واستشكل على ذلك بوجهين :

الوجه الأوّل : ما في الدرر وحاصله بتوضيح منا :

«أنّه بعد ما صارت عادة المتكلم جارية على ذكر التخصيص منفصلا فحال المنفصل في كلامه حال المتصل في كلام غيره وبناء الشارع المقدس على ذكر المخصصات منفصلات بل ربما يوجد العام في الكتاب والمخصص في السنة أو العام في كلام امام والمخصص في كلام امام آخر».

وأجاب عنه نفسه في حاشيته :

«أنّ الانصاف خلاف ما ذكرنا إذ لو صحّ ذلك لما جاز تمسك أصحاب الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ بكلام إمام زمانهم لأنّه كالتمسك بصدر كلام المتكلم قبل مجيء ذيله.» (١)

وفي تقريرات بحث السيد الأستاذ ـ حفظه الله تعالى ـ الجواب عن الإشكال بوجه آخر وهو :

«أن وجوب الفحص عن المخصص باب وسراية اجمال المخصص إلى العام باب آخر. ومقتضى ما ذكره عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص لا سراية الإجمال إليه.» (٢)

الوجه الثاني : ما في تقريرات بحث النائيني ـ قدس‌سره ـ وحاصله :

«ان دليل حرمة إكرام العالم الفاسق وإن لم يكن رافعا لظهور دليل وجوب إكرام العلماء الّا أنّه يوجب تقيّد المراد الواقعي بغير الفاسق وحيث إنّ مفهوم الفاسق مردّد بين الأقل والأكثر يكون من يجب إكرامه بحسب المراد الواقعي

__________________

(١) درر الفوائد ، ج ١ ، ص ٢١٥ ، طبع جامعة المدرسين.

(٢) تهذيب الاصول ، ج ٢ ، ص ١٥ ، مبحث العام والخاص.

١٢٩

مرددا فلا يكون فرق بين المتصل والمنفصل إلّا في أنّ الأوّل رافع للظهور من أول الأمر دون الثاني وأمّا بالنسبة إلى تقييد المراد الواقعي فكل منهما يوجب اجماله».

ثم أجاب عن الإشكال بما حاصله :

«أن الأحكام لا تتعلق بالمفاهيم بما هي مفاهيم بل باعتبار كونها مرآتا للحقائق الخارجية فاذا كان دليل العام عاما بالنسبة إلى كل انقسام ككونه مرتكب الكبيرة وغيره ومرتكب الصغيرة وغيره فبإزاء كل انقسام يفرض في العام تكون فيه جهة إطلاق لا ترفع اليد عنها إلّا بدليل ، فإذا تردد مفهوم المخصص بين الأقل والأكثر فلا يكون هنا موجب لرفع اليد عن ظهور العام بالنسبة إلى المشكوك فيه». (١)

أقول : لعله يوجد فرق بين التخصيص المحض والتخصيص المستلزم للتقييد فالتخصيص المحض عبارة عن إخراج بعض الأفراد من العام الشامل لجميع الأفراد بلا أخذ عنوان فيه فلو قال : «أكرم العلماء» ثم أشار إلى بعض الأفراد وقال : «لا تكرم هؤلاء» فهذا تخصيص محض إذ ليس للمخصص عنوان دخيل في الحكم ، وأمّا إذا قال : «أكرم العلماء» ثم قال ولو منفصلا : «لا تكرم الفسّاق منهم» فالمستفاد من الجمع بين الدليلين كون موضوع الحكم العالم غير الفاسق بحيث يكون كل من العنوانين جزء من الموضوع وهذا معنى التقييد.

نعم نتيجة هذا التقييد إخراج بعض العلماء من الحكم ، فاذا صار موضوع الحكم مقيدا أعني مركّبا من جزءين فلقائل أن يقول : لا يمكن إجراء الحكم إلّا إذا أحرز الموضوع بكلا جزأيه ، وفي مورد الشبهة كمرتكب الصغيرة لم يحرز الجزء الثاني منه أعني القيد.

هذا ولكن يجاب عن ذلك بأن ظهور العام بعد انعقاده لا ينقلب عما وقع عليه ويكون حجة على العبد ما لم يرد في مقابله حجة أقوى ، والمفروض عدم ورود الحجة الأقوى من قبل المولى بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة إذ الشبهة مفهومية ورفع الشبهة وبيان المفهوم من وظائف المولى وهذه هي النكتة الفارقة بين الشبهة المفهومية والشبهة المصداقية ، هذا كله بالنسبة إلى الشبهة المفهومية.

__________________

(١) أجود التقريرات ، ج ٢ ، ص ٣١٥ و٣١٦.

١٣٠

الفائدة السابعة :

هل يجرى الأصل المحرز في الشبهة المصداقية للمخصص؟

وأما الشبهة المصداقية كما إذا شككنا في فسق زيد بعد إحراز علمه وتبين مفهوم الفسق فإن كانت الحالة السابقة فسقه أو عدالته كان الاستصحاب محرزا له ولو لم نجوّز التمسك بالعام ، واما مع عدم العلم بالحالة السابقة فربما يقال بجواز التمسك فيه بالعام بتقريب أنّ الحجة من قبل المولى لا تتم إلّا بإحراز الصغرى والكبرى معا ففي ناحية العام احرزتا معا لإحراز علم زيد ووجوب إكرام العالم ، واما في ناحية الخاص فالكبرى أعني حرمة إكرام الفاسق وان كانت محرزة ولكن لم تحرز الصغرى أعني فسق زيد فرفع اليد عن العام بسبب ورود الخاص رفع اليد عن الحجة باللّاحجة.

ويرد على ذلك أنّ حكم المخصص لا يختص بأفراده المعلومة ، بل يدل على أن كل ما هو فرد للفاسق واقعا فهو مما لم يتعلق به الإرادة الجدية في ناحية العام ، ولا نسلّم عدم تمامية الحجة من قبل المولى إلّا بعد إحراز الصغرى والكبرى معا فان بيان الصغرى ليس من وظائفه فقوله : «اكرم العلماء» مثلا حجة يجب التصدي لامتثاله ، وقوله : «لا تكرم الفساق منهم» حجة أقوى تزاحم الأولى بالنسبة إلى الفاسق الواقعي فلا يجوز التمسك بواحد منهما في الفرد المشكوك فيه فيرجع إلى الأصل والسرّ في ذلك هو ما أشرنا إليه من أنّ تعيين الصغرى ليس من وظائف المولى ، وهذا هو الفارق بين الشبهتين.

وبما ذكرنا يظهر أن من يتمسك في الشبهات الموضوعية بالبراءة العقلية بتقريب عدم كفاية بيان الكبرى في تحقق البيان بل يتوقف على بيان الصغرى والكبرى معا كان مقتضى كلامه جواز التمسك بالعام في المقام إذ في ناحية العام احرزتا معا كما مرّ وفي ناحية المخصص أحرزت الكبرى فقط ، ولكن يشكل جريان البراءة العقلية المبتنية على قبح العقاب من غير بيان في الشبهات الموضوعية نعم تجري فيها البراءة الشرعية الثابتة بحديث الرفع فتأمل.

١٣١

ما هو المختار في المسألة الفقهية في المقام؟

هذا كله في البحث عن المسألة الأصولية فلنرجع إلى المقام فنقول مع الشك في عنوان المخصص في المقام وسعة دائرته وضيقه مفهوما يكون المرجع عمومات الزكاة وإطلاقاته.

ولكن ربما يشكك في وجود العمومات والإطلاقات ولكن الظاهر عموم قوله ـ تعالى ـ : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) لإفادة الجمع المضاف ذلك وإن قيل أن تعقيبه بقوله : (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) يدل على كونه محط النظر وأن الآية في مقام بيان الغاية المترتبة على الزكاة لا في مقام أصل تشريعها ؛ ولكن يرد على ذلك أن ذكر الغاية التشويق المكلفين لا يضر بإطلاق التشريع فهما جملتان إحداهما في مقام التشريع والأخرى في مقام بيان الغاية المترتبة على ما شرّع فتدبر.

وأمّا إذا كانت الشبهة مصداقية فمع الحالة السابقة يعمل بها وإلّا فتجري البراءة لما عرفت من عدم جواز التمسك بالعموم فيها والظاهر من عبارة المصنف كون محل نظره الشبهة المصداقية فلا وجه للاحتياط فيها الّا استحبابا ، نعم ظاهر ما مرّ من الجواهر فرض الشبهة مفهومية فتدبر. (١)

الفائدة الثامنة :

مورد الشك في شرطية شيء او مانعية شيء آخر

«لو ادّعى شخص أنه مديون فهل يقبل قوله مطلقا ويصحّ دفع الزكاة اليه ، او لا بدّ من اقامة البيّنه؟ ويبحث أيضا عن قاعدة : إقرار العقلاء على انفسهم. وعن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص.» (٢)

يظهر من حاشية بعض الأساتذه قبول قوله مطلقا ، لعموم نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم.

أقول : إقرار العقلاء إنما ينفذ في الجهة التي عليهم ، لا مطلقا بحيث يترتب عليه جميع آثار

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ٥٦ إلى ٥٩.

(٢) كتاب الزكاة ، ج ٣ ، ص ٨٠.

١٣٢

المديون بلا فحص مع احتمال التواطؤ جدّا. وقد حكى صاحب الجواهر في المقام كلاما عجيبا بنحو يظهر منه ارتضاوه ، وقد مر نظيره منه في باب الفقر أيضا. قال هنا ما هذا لفظه :

«وقد يقال في دفع الإشكال في المقامات الثلاثة : إن الحاصل من الكتاب والسنة وجوب دفع الزكاة لا وجوب دفعها للفقير أو للغارم أو للمكاتب. وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) إلى آخره إنما يدل على كون الصدقات لهم لا أن التكليف دفعها إليهم. وفرق واضح بين المقامين. نعم ورد : «لا تحلّ الصدقة لغنىّ» ونحوه مما يقضي بعدم جواز دفعها لغير الأصناف الثمانية ، وهو كذلك في المعلوم أنه ليس منهم ، أما غير المعلوم فيتحقق امتثال الأمر بالإيتاء بالدفع إليه لكونه أحد أفراد الإطلاق ، ولم يعلم كونه من أفراد النهي ، بل أصالة البراءة عن حرمة الدفع إليه يقتضي خروجه عنها. وبالجملة الغنى مانع لا أن الفقر شرط ، ولو سلّم كونه شرطا فهو محلّ لتناول الزكاة لا لدفعها ممن وجبت عليه لعدم الدليل بل مقتضى الإطلاق خلافه. وعلى هذا يتجه ما ذكره الأصحاب من قبول دعوى الفقر والكتابة والغرم ، ولذا قال المصنف : والأوّل أشبه.» (١) انتهى.

ومحصّل كلامه ـ قدس‌سره ـ أن المالك أمر بإيتاء الزكاة مطلقا لا بدفعها إلى الفقير والغارم ونحوهما. نعم ورد النهي عن دفعها إلى الغني وإلى من صرف الدين في المعصية ونحوهما ، أما غير المعلوم فيتحقق امتثال الأمر بالإيتاء بالدفع إليه لكونه أحد أفراد الإطلاق ولم يعلم كونه من أفراد النهي بل يجري فيه أصالة البراءة عن حرمة الدفع إليه ، نعم ليس لغير المستحق واقعا أخذها ، وهذا غير تكليف المالك. وليس الفقر مثلا شرطا بل الغنى مانع ، ولو فرض كونه شرطا فهو شرط لتناول الزكاة لا لدفعها إليه.

أقول : فكأنه ـ قدس‌سره ـ يجيز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص ، أو يكون المال المخرج زكاة عنده بمنزلة المال المطروح الذي يأخذه من يستحقه ويصدّق قول المدعي فيه بلا بينة ويمين إذ لا معارض له. ولا يخفى فساد ما ذكره ، إذ ليس المجعول في باب الزكاة مجرد شركة

__________________

(١) الجواهر ، ج ١٥ ، ص ٣٦٧.

١٣٣

الفقراء فقط من دون تكليف على صاحب المال ، بل هو مأمور بإيصال الزكاة إلى أهلها وتكون أمانة في يده لا يخرج عن عهدتها ما لم يعمل بوظيفته فيها. بل المجعول عند بعض هو الحكم التكليفي فقط والحكم الوضعي ينتزع منه ، والاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية ، ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصص إذا كان المخصص لفظيا أو لبّيا بيّنا يكون كالقرينة المتصلة ، ومقتضى الآية الشريفة كون الفقر والمسكنة والغرم وأمثالها شروطا ، لا كون الغنى مانعا ، والشرط يجب إحرازه ، وليس البحث في حرمة الدفع إلى المشكوك فيه حتى يتمسك فيه بالبراءة بل في سقوط التكليف المقطوع به ، والعقل يحكم فيه بالاشتغال ، فتدبر جيدا.

الفائدة التاسعة :

التمسك بالعام في ما أحرز الخاص بالأصل

«المبحث : الشك في كون السفر بمقدار المسافة ، وتمسك صاحب الجواهر لإثبات الإتمام بالعمومات وخروج المسافر عنها بالتخصيص ، وتاييده بأن في المورد يكون المكلف مصداقا للعمومات بالوجدان ونفينا عنه عنوان الخاص بالأصل ، والتخصيص وإن أخرج العام عن كونه تمام الموضوع ولكن لا يوجب ذلك أن يصير الموضوع أمرا وجوديا او عدوليا غير قابل للإحراز بالأصل ، بل الموضوع يتركب من أمر وجودي هو عنوان العام وأمر عدمي هو عدم عنوان الخاص الذي يحرز بالأصل ...»

وإن أبيت إلّا عن تقيد الموضوع بأن يصير الموضوع عنوان العام مقيدا بعدم كونه متصفا بعنوان الخاص بتقريب أنّ حكم المخصص ثابت لوجوده النعتي وانتفاء الوجود النعتي بالعدم النعتي لا المحمولي ، قلنا : إن للعدم النعتي أيضا فيما نحن فيه حالة سابقة فنستصحب مفاد الليسية الناقصة أعني عدم كون هذا المكلف مسافرا بالسفر الشرعي. (١)

__________________

(١) البدر الزاهر ، ص ١٠٧.

١٣٤

الفائدة العاشرة :

مبنى أصالة عدم كون الفقير هاشميا عند الشك فيه

«لو ادّعى الفقير أنه ليس بهاشمي هل يعطى من الزكاة لأصالة العدم عند الشك في كونه منهم أم لا؟ وقد تعرض سماحته ـ دام ظلّه ـ مباحث التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص ـ متصلا كان أو منفصلا ـ ولقاعدة المقتضي والمانع ، واستصحاب العدم الأزلي ، وبعض مباحث المطلق والمقيد ، والفرق بين الوجود المحمولي والوجود الرابطي.» (١)

يظهر من كلام الشيخ الاعظم في كتاب الطهارة في مبحث الحيض فيمن شك في انتسابه إلى قريش : «أنّ أصالة عدم الانتساب معوّل عليه عند الفقهاء في جميع المقامات.» (٢)

وفي المستمسك :

«فقد حكي عن بعض : أنّه نسب إلى الأصحاب بنائهم على العمل بها في جميع ابواب الفقه من النكاح والإرث والوصيّة والبيع والوقف والديات وغيرها.» (٣) وفي طهارة مصباح الفقيه في مبحث الحيض :

«ولو اشتبه المصداق فالمرجع أصالة عدم الانتساب المعوّل عليها لدى العلماء في جميع الموارد التي يشك في تحقق النسبة بل الاعتماد عليها في مثل ما نحن فيه من الأمور المغروسة في أذهان المتشرعه ، بل المركوز في أذهان العقلاء قاطبة. ولذا لا يعتني أحد باحتمال كونه قرشيّا مع أنّ هذا الاحتمال بالنسبة إلى أغلب الأشخاص محقّق بل ربما يكون مظنونا ومع ذلك لا يلتفتون إليه ويرتبون آثار خلافه ، وهذا ممّا لا شبهة فيه.

وإنما الإشكال في تعيين وجه عمل العقلاء والعلماء بهذا الأصل وبنائهم على

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ٣ ، ص ٤١٩.

(٢) كتاب الطهارة للشيخ الأعظم ، ص ١٨٩ (طبعة اخرى ، ص ١٦٧).

(٣) المستمسك ، ج ٩ ، ص ٣١٢.

١٣٥

عدم تحقق النسبة المشكوكة وترتب آثار خلافها. ولا يبعد أن يكون منشأه الغلبة وحكمة اعتبارها لديهم انسداد باب العلم غالبا. ولا يعارض هذا الأصل بعد فرض اعتباره شيء من الأصول والعمومات ...» (١)

أقول : فيظهر من هذه الكلمات أنّ الانتساب الخاص إذا كان موضوعا لحكم خاصّ كاستحقاق الهاشمي للخمس وتحيّض القرشية إلى ستّين فمع الشك في هذا الانتساب لا يجري عندهم هذا الحكم الخاص بل يحكم بعدم الانتساب ويجري عليه حكمه. وظاهرهم كون المسألة إجماعيّة بل ظاهر مصباح الفقيه اتفاق المتشرعة بل العقلاء بما هم عقلاء على ذلك.

ولا يخفى أنّ عدم إجراء الحكم الخاص وجهه واضح إذا إجراء الحكم في مرحلة الامتثال يتوقف على إحراز الموضوع ، ولكن لا يقتضي هذا إجراء حكم الخلاف.

إذ استحقاق الزكاة مثلا يتوقف على إحراز عدم الانتساب وكذلك التحيض إلى خمسين ، والمفروض كونه مشكوكا فيه فما وجه حكم الأصحاب بذلك؟

والكلمات التي حكيناها عن الأعاظم وإن كان يستفاد منها دعوى الإجماع في المسألة بل ضرورتها عند المتشرعة أيضا ولكن إحراز ذلك بحيث يعتمد عليه ويكشف به تلقي المسألة عن المعصومين عليهم‌السلام مشكل ، ولذا ترى كلّ واحد من المتاخرين يتمسك لها بوجه اعتباري أو أصل عملي. هذا.

الوجوه التي ذكروها في المسألة الفقهية

وقد ذكروا في توجيه المسألة وجوها :

الوجه الأوّل : ما أشار إليه في مصباح الفقيه ومحصّله :

«وجود الغلبة في غير المنتسب إلى هاشم بحيث يحصل الظنّ بعدم انتساب المشكوك إليهم. والسيرة قائمة على العمل بالظن في هذا القبيل من الأمور لانسداد باب العلم والعلمي فيها. والوسوسة في ذلك يوجب تضييع حقوق كثيرة». (٢)

__________________

(١) كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ، ص ٢٧٠ (طبعة اخرى ، ج ٢ ، ص ٥٤).

(٢) مصباح الفقيه ، ص ٢٧٠ ، كتاب الطهارة

١٣٦

أقول : لأحد منع انسداد باب العلمي فيها للتمكن من البينة والرجوع إلى الشياع في المحلّ ، فتأمّل.

الوجه الثاني : أن تحمل فتاوى الأصحاب على إجازتهم للتمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص بتقريب أن مقتضى عموم قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ)(١) عموم المصرف ، وهذا العموم وإن خصّص بالنسبة إلى بني هاشم ، ولكن الفرد المشكوك فيه يكون مصداقا للعامّ قطعا ويشكّ في فرديّته للمخصّص ففي ناحية العامّ قد أحرز الصغرى والكبرى معا وفي ناحية المخصّص لم يحرز الصغرى بالنسبة إلى المشتبه والحجة إنّما تتمّ بإحرازها معا ، فلا يجوز رفع اليد عن العام بسببه فإنّه من قبيل رفع اليد عن الحجّة بغير الحجّة.

فالمقام نظير ما نسب إليهم من القول بالضمان في اليد المردّدة بين كونها عادية أو أمينة.

وربّما يظهر من صاحب الجواهر اختيار هذا الوجه في المقام ، حيث تمسك لجواز الإعطاء لمجهول النسب واللقيط بعموم الفقراء لهما ، فراجع (٢). وسيأتي نقل عبارته في المسألة الآتية.

أقول : قد حقّق في محله عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصّص وإن كان منفصلا إذ في هذه الصورة وإن انعقد للعام الظهور في العموم ، والشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، لكن مجرد ظهور اللفظ في مرحلة الاستعمال لا يصحّح الاحتجاج ما لم يحرز الجدّ ولو بأصالة التطابق بين الإرادة الاستعمالية والإرادة الجدّيّة.

وبعد ورود المخصّص والعثور عليه يظهر أن الإرادة الجديّة في ناحية العامّ تعلّقت بغير ما ينطبق عليه عنوان المخصّص واقعا إذ ليس حكم المخصّص مختصّا بأفراده المعلومة فقط.

فالمخصّص وإن لم يكن حجّة بالنسبة إلى الفرد المشتبه ولا يجري عليه حكمه فعلا لكن يوجب قصر حجيّة العامّ وإرادته جدّا على غير ما يشمله عنوان المخصّص بحسب متن الواقع ، وليس على المولى إلّا بيان الأحكام الكلية وقد بيّنها في كلتا الناحيتين فقامت هنا حجّتان من قبله وضيّقت الثانية منهما موضوع الأولى بحسب الإرادة الجدية ، والفرد المشتبه كما لم يحرز كونه مصداقا للمخصّص لم يحرز كونه مصداقا للعامّ بما أنه موضوع لحكمه في مقام الجدّ إذ بالتخصيص يظهر أن الموضوع له حيثية العامّ مقيدا بعدم تعنونه بعنوان المخصّص والمفروض

__________________

(١) سورة التوبة (٩) ، الآية ٦٠.

(٢) الجواهر ، ج ١٥ ، ص ٤٠٧.

١٣٧

الشك في كون الفرد المشتبه مصداقا لهذا المقيّد فالتمسّك فيه بالعام حينئذ نظير التمسّك بالعامّ فيما يشك في كونه من مصاديق نفسه وهو واضح البطلان.

وقصر حكم العام على غير عنوان المخصّص وتضييقه لموضوعه لا يتوقف على إحراز مصاديق المخصّص ، إذ هذا القصر يكون في مرحلة تشخيص الحكم والمراد الجدي للمولى ، وإحراز المصاديق يكون من وظائف العبد في مرحلة الامتثال ، ورتبة الأوّل مقدّمة على الثاني ولا يتوقّف المتقدّم على المتأخّر.

والسّر في ذلك ما أشرنا إليه من أن وظيفة المولى ليس إلّا بيان الأحكام الكلية ، وهذا هو الفارق بين الشبهة المفهومية والشبهة المصداقية للمخصص.

إذ في الشبهة المفهومية مع التردد بين الأقل والأكثر يكون رفع الشبهة من وظائف المولى فالحجّة لم تتم من قبله إلّا بالنسبة إلى الأقل فيؤخذ في الزائد بالعموم بلا مزاحم.

وهذا بخلاف المقام فإن الحجّة من ناحية المولى قد تمّت في كلّ من العام والخاصّ ، واصالة الجدّ تجري في كليهما والشبهة المصداقية للمخصص تكون شبهة مصداقيّة لكلّ من الأصلين أيضا فلا يحكم عليها لا بحكم العامّ ولا بحكم الخاصّ.

اللهم إلّا أن تكون هنا أمارة أو أصل يحرز به عدم دخولها تحت عنوان الخاصّ فينطبق عليها العام قهرا إذ الموضوع في ناحية العامّ ليس معنونا إلّا بعدم عنوان الخاصّ فتدبّر. وقد تعرّضنا للمسألة في المجلد الأوّل من الزكاة ، فراجع. (١)

الوجه الثالث : قاعدة المقتضي والمانع بتقريب أن الفقر مثلا مقتض لإعطاء الزكاة والانتساب إلى هاشم مانع فإذا أحرز المقتضي وشكّ في المانع كان بناء العقلاء على الأخذ بدليل المقتضي.

أقول : وفيه منع هذه القاعدة إذ الحكم تابع لموضوعه فإذا كان الموضوع ولو بحسب الجدّ مركبا من المقتضي والشرائط وفقد الموانع فلا وجه لإجراء الحكم بمجرد إحراز المقتضي.

وكون بناء العقلاء على ذلك قابل للمنع اللهم إلّا أن يكون المانع نادرا جدّا بحيث يوثق بفقده.

الوجه الرابع : أن يقال : إنّ إناطة الحكم بأمر وجودي يدل بالالتزام على إناطته بإحراز

__________________

(١) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ٥٧.

١٣٨

ذلك الأمر الوجودي ، إذ البعث والزجر إنّما يوجدان من قبل المولى بداعي انبعاث العبد وانزجاره ، وهذان لا يمكن تحقّقهما إلّا في ظرف العلم بالحكم والموضوع معا ومقتضى ذلك عدم وجود البعث والزجر أيضا في ظرف الجهل بأحدهما إذ المتضايفان متكافئان قوّة وفعلا.

وإذا لم يكن حكم المخصص فعليا بالنسبة إلى الفرد المشتبه شمله حكم العام قهرا لكونه من مصاديقه ، والمانع وهو فعلية حكم المخصص مفقود.

أقول : إن كان المقصود أن إناطة الحكم بأمر وجودي مرجعها إلى أخذ العلم بالحكم والموضوع في موضوعه فهو خلاف الظاهر بل خلاف المقطوع به إذ الأحكام جعلت لذوات الموضوعات لا للمعلومة منها وهي مطلقة بالنسبة إلى العالم والجاهل.

وإن كان المقصود عدم فعلية حكم المخصّص بالنسبة إلى الفرد المشتبه فقط ؛ ففيه أوّلا ، أنّه لو سلّم ذلك لكن روح الحكم أعني إرادة المولى وكراهته موجودتان قطعا.

وثانيا ، أنّ حكم المخصّص وإن لم يحرز شموله للفرد المشتبه لكن كونه كاشفا عن ضيق الموضوع في ناحية العامّ بحسب الجدّ يكفي في عدم جواز التمسك له بالعام إذ بالمخصص يظهر أنّ حيثيّة العام بإطلاقه لم يكن تمام الموضوع لحكمه بل مقيّدة بعدم انطباق عنوان المخصّص والمفروض الشكّ في تحقّق هذا القيد فالمشتبه لم يحرز كونه مشمولا لحكم العامّ ولا لحكم المخصّص ، فتدبّر.

الفائدة الحادية عشرة :

التمسك بالعام وإحراز الخاص باستصحاب العدم الازلي (١)

الوجه الخامس : إحراز عدم المخصّص باستصحاب العدم الأزلي فينطبق حكم العامّ قهرا لتحقق موضوعه بقيده.

__________________

(١) لا يخفى أن موضوع هذه الفائدة وهو استصحاب العدم الأزلي وان كان لا يرتبط بمسائل العموم والخصوص بل يكون من مسائل الاستصحاب ولكن حيث ان الاستاذ ـ دام ظلّه ـ كان هنا بصدد البحث عن صحة إحراز الخاص باستصحاب العدم الازلي وعدمها وبيان وجوه لما ذكره الشيخ في الطهارة من أن أصالة عدم الانتساب (الى قريش عند الشك في السيادة) معوّل عليه عند الفقهاء في جميع المقامات جعل ـ دام ظلّه ـ استصحاب العدم الأزلي وجها خامسا لما عوّل عليه الفقهاء. فبهذه المناسبة ادرجنا هذه الفائدة في مباحث العموم والخصوص. اللجنة.

١٣٩

الإشارة إلى بعض المصطلحات المنطقية

والأولى قبل الورود في بيانه أن نشير إلى بعض المصطلحات المنطقية بنحو الاختصار لدخلها في وضوح البحث :

الأوّل : من القضايا المذكورة في المنطق القضية المعدولة وهي القضية التي جعلت أداة السلب جزء من موضوعها أو محمولها أو كليهما كقولنا : كلّ لا حيّ جماد ، أو زيد لا بصير ، أو كلّ لا حيّ لا مدرك. فقولنا : زيد لا بصير أو غير قرشي مثلا قضية موجبة معدولة المحمول.

ووجه التسمية بها أن أداة السلب وضعت لسلب النسبة فإذا جعلت جزء من المحمول أو الموضوع فقد عدل بها عن وضعها الأولى ثم سمّيت القضية بذلك تسمية الكل باسم الجزء.

والظاهر أنّ المعدولة إنما تعتبر فيما إذا وجدت ملكة الوجود فيقال : زيد لا بصير ، ولا يقال : الجدار لا بصير كما لا يقال : الجدار أعمى.

الثاني : من القضايا التي ذكرها المتأخرون : الموجبة السالبة المحمول ويراد بها القضية التي يكون المحمول فيها قضية سالبة فكأنها قضيتان : كبرى وصغرى واشتملت على رابطين بينهما أداة السلب كقولنا مثلا : زيد هو ليس هو بقائم. ولا يعتبر في مثلها وجود الملكة ، ولعلّ الغرض من هذا التركيب حصر السلب في موضوع خاصّ ولو إضافيا.

الثالث : جميع القضايا تتوقّف على وجود الموضوع في ظرف الحكم أعني ذهن الحاكم.

ولكن تمتاز الموجبة عن السالبة باحتياجها إلى وجود الموضوع في ظرف الصدق ونفس الأمر أيضا إذ وجود شيء لشيء لا يعقل إلّا مع تحقّق الشيء الأوّل في رتبة سابقة ويشترك في ذلك جميع أقسام الموجبة حتى المعدولة وسالبة المحمول.

وهذا بخلاف السالبة إذ عدم المحمول كما يصدق مع وجود الموضوع يصدق مع عدمه أيضا وهذا واضح.

وعلى هذا فالسالبة المحصلة أعمّ من الموجبة المعدولة ومن الموجبة السالبة المحمول أيضا.

الرابع : الوجود إمّا محمول وإمّا رابط ، فالوجود المحمولي ما جعل محمولا في القضيّة ويحكي عن وجود الشيء نفسه لا عن وجود شيء لشيء ويعبر عنه بمفاد كان التامّة والهليّة

١٤٠