أشهد أنّ عليّاً ولي الله

السيد علي الشهرستاني

أشهد أنّ عليّاً ولي الله

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5331-19-6
الصفحات: ٥٩٤

يسجد لصنم قط. وهو الذي ولد في الكعبة ، واستشهد في المحراب ، وفي هاتين النكتتين ـ الولادة والشهادة ـ معنى لطيف وظريف ، ويترتب عليه محبوبية تعاطي الشهادة بالولاية شعاريا في غالب الأمور المعرفية باعتبارها مفتاح رسالة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومفتاح معرفة التوحيد الصحيح ، فمع ثبوت هذه الحقيقة لا مناص من القول برجحانها في كلّ عبادةٍ لدليل الإباحة وخلّو المعارض.

وممّا يدلّ على ذلك أيضا ما أخرجه الكليني بسند صحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : بُني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية ، فقلت : أيّ شيء من ذلك أفضل؟ قال عليه‌السلام : « الولاية أفضل لأ نّها مفتاحهنّ ؛ والوالي هو الدليل عليهنَّ ... » (١).

فقوله عليه‌السلام : «الولاية مفتاح الصلاة والصوم ...» ، وقوله عليه‌السلام الآخر : « الوالي هو الدليل عليهنّ » ظاهر في الشعارية بلا أدنى كلام ؛ لأنّ الإمام الباقر عليه‌السلام جعل الولاية مفتاحا لغالب الأمور العبادية وعلى رأسها الصلاة والصوم والزكاة والحج ، ومعنى كلامه عليه‌السلام أنّ الولاية تنطوي على ملاك عباديّ وتشريعي ؛ إذ لا معنى لكون الولاية دليلاً ومفتاحا للعبادات إلاّ أن يكون معنى من معانيها عبادة.

وقد جاء في تفسير القمّي في قوله تعالى ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ ألْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) ، قال : كلمة الإخلاص والإقرار بما جاء من عند اللّه‏ من الفرائض ، والولايةُ ترفع العمل الصالح إلى اللّه‏.

وعن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : الكلم الطيب قول المؤمن « لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمد رسول اللّه‏ ، علي ولي اللّه‏ وخليفة رسول اللّه‏ » وقال : والعمل الصالح الاعتقاد بالقلب أنّ هذا هو الحقّ من عند اللّه‏ لا شك فيه من رب العالمين (٢).

__________________

(١) الكافي ٢ : ١٨ / باب دعائم الإسلام / ح ٥.

(٢) تفسير القمّي ٢ : ٢٠٨.

٤٨١

فلو كان مصداق الكلم الطيب هو كلمة التوحيد ، والإيمان بما جاء به رسوله ، ومنها لزوم الولاية لعلي عليه‌السلام ، ألا يحق أن تصعد هذه الولاية إلى السماء كما نزلت إلينا عن طريق الروايات الكثيرة المتواترة؟

روى الحاكم النيسابوري والسيوطي عن ابن مردويه ، عن أنس بن مالك وبريدة ، قالا : قرأ رسول اللّه‏ هذه الآية ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ) ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول اللّه‏ أي بيوت هذه؟ فقال بيوت الأنبياء ، فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول اللّه‏ هذا البيت منها ـ لبيت علي وفاطمة ـ قال : نعم من أفاضلها (١).

وعن أبي جعفر الباقر أنّه قال : هي بيوت الانبياء ، وبيت علي منها (٢).

وذكر ابن البطريق في « خصائص الوحي المبين » ما جرى بين قتادة والإمام الباقر عليه‌السلام ، وفيه : فقال قتادة لمّا جلس بين يدي الإمام الباقر : لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّامَ ابن عباس فما اضطرب قلبي قُدّامَ واحد منهم ما اضطرب قُدَّامَكَ.

قال له أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي ( بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا أسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِآ لْغُدُوِّ وَالاْءَ صَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ ) فأنتَ ثَمَّ ، ونحن أُولئك (٣).

وهذه الأحاديث تؤكّد بوضوح على أن بيت علي وفاطمة هو من بيوت الأنبياء ، إذ لا معنى لأن يسال أبو بكر عن موقع بيت علي وفاطمة بين تلك البيوت إلاّ أن يكون ذلك معلوما عنده أو مشكوكا ، لأنّ سؤاله يدعونا للقول بهذا ، وعليه

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ : ٣٣ ـ ٥٣٥ / ح ٥٦٦ ، ٥٦٧ ، ٥٦٨ ، الدر المنثور ٦ : ٢٠٣ ، تفسير الثعلبي ٧ : ١٠٧. وانظر تفسير فرات الكوفي ٢٨٦ / ح ٣٨٦ ، وبحار الأنوار ٢٣ : ٣٢٥ ـ ٣٢٨ ، وشرح إحقاق الحق ٣ : ٥٥٨ ، ٩ : ١٣٧ ، ١٤ : ٤٢٢ ، ١٨ : ٥١٥ ، ٢٠ : ٧٣ والعمدة لابن البطريق : ٢٩١. والحديث في الروضة في فضائل أمير المؤمنين لشاذان بن جبرئيل : ٤٢ عن ابن عباس.

(٢) تفسير القمي ٢:١٠٤ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٣٢٧ / باب رفعة بيوتهم المقدسة ... / ح ٦.

(٣) خصائص الوحي المبين: ١٨ ـ ١٩.

٤٨٢

فكلامه ليؤكّد بأنّ بيتهما هو امتداد لبيوت اللّه‏ وبيوت الأنبياء ، وأنّ الشهادة بالولاية لعلي هي امتداد لطاعة اللّه‏ ، لأنّ المؤذّن بشهادته في الأذان يبيّن الصلة بين علي وبين اللّه‏ ورسوله ، وأنّ الإمام عليّا ما هو إلاّ وليٌّ للّه‏ تعالى ، لا أنّه يريد أن يقول أنّ عليا هو الخالق والرازق والمحيي والمييت. حتّى يقال أنّه من الشرك والتفو يض وأمثال ذلك ، وقد قلنا مرارا بأن ما تشهد به الشيعة في الأذان ليس أجنبيّا عن الأخبار والآيات.

ونحن لو جمعنا بين الآيتين القرآنيتين ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) مع ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ) ، لعرفنا الترابط الملحوظ بين التوحيد والنبوة والإمامة ، ولأجل هذا جُعل ذكرهم من ذكر اللّه‏ وأنّهم السبيل إليه ، وأنّ فطرة اللّه‏ مبتنية عليه ، وبذلك يتّضح تماما معنى كلام الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام في معنى ( حي على خير العمل ) : « أنّه برّ فاطمة وولدها » (١).

لأنّ القوم كانوا يفترون على اللّه‏ الكذب ويريدون طمس ذكرهم ؛ قال تعالى : ( وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنِ أفْتَرَى عَلَى اللَّهِ ألْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى ألاْءِسْلاَمِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي ألْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهُ بِأَ فْوَاهِهِمْ وَاللَّهِ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٢).

روى الكليني بسنده عن محمد بن الفضيل ـ عن أبي الحسن عليه‌السلام ـ قال : سألته عن قول اللّه‏ تعالى ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئوا نُورَ اللَّهِ بِأَ فْوَاهِهِمْ ) قال : يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين بأفواههم قلت : « واللّه‏ متم نوره » ، قال : يقول : واللّه‏ متم الإمامة ، والإمامة هي النور ، وذلك قوله عزّ وجلّ ( فَأَمِنُواْ بِآللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ ألَّذِيآ أَنزَلْنَا ) ، قال : النور هو الإمام (٣).

__________________

(١) انظر علل الشرائع ٢ : ٣٦٨ / باب ٨٩ / ح ٥ ، معاني الاخبار : ٤٢ / ح ٣ ، فلاح السائل : ١٤٨ ، التوحيد ٢٤١ ، المناقب لابن شهرآشوب ٣ : ٣٢٦ وكلام المجلسي في روضة المتقين ٢ : ٢٣٧.

(٢) الصف : ٧ ، ٨.

(٣) الكافي ١ : ١٩٥ ، ٤٣٢ ، شرح اصول الكافي للمازندراني ٥ : ١٨٢ و ٧ : ١١٩ و ١٠ : ٨٧ ، الغيبه للنعماني : ٨٥ ـ ٨٦ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٧٨ ، و ٢ : ٢٧٠.

٤٨٣

هذا ، وقد أخرج الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل (١) ، والحاكم النيسابوري في معرفة علوم الحديث (٢) ، وابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق (٣) ، والخوارزمي في مناقبه (٤) ، في تفسير قوله تعالى ، ( وَاسْأَلْ مَنْ أرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا ) (٥) عن الأسود ، عن عبداللّه‏ بن مسعود ، قال ، قال النبي : يا عبداللّه‏ أتاني الملك فقال : يا محمّد ( وَاسْأَلْ مَنْ أرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا ) على ما بعثوا؟ قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.

فتنزيل الآية في التوحيد وفي تقرير الرسل على أنّهم بعثوا للدعوة إلى وحدانية اللّه‏ وعبادته ، وأنّه لا معبود سواه ، وتأو يلها في تقرير الرسل على رسالة المصطفى وولاية المرتضى.

وبعد كلّ هذا لابدّ من توضيح حقيقة أخرى في هذا السياق ، وهي : أنّ كثيرا من النصوص الثابتة الصادرة عن ساحة النبوة والعصمة لا يمكن فهمها وقرائتها علميا إلاّ من خلال الإيمان بأنّ للقرآن والسنة المطهرة ظهرا وبطنا ، وأنّ القراءة السطحية للأمور عند البعض غير قادرة للوقوف على الكنوز المعرفية الكامنة في القرآن الحكيم والسنّة المطهرة ، ولأجل ذلك جاء عن المعصومين « إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبدٌ امتحن اللّه‏ قلبه للايمان » (٦) لأنّ معرفة كلامهم أو ما جاء في مقاماتهم من الصعب المستصعب

__________________

(١) شواهد التنزيل ٢ : ٢٢٣ / ح ٨٥٥.

(٢) معرفة علوم الحديث : ٩٥.

(٣) تاريخ دمشق ٤٢ : ٢٤١.

(٤) مناقب الخوارزمي : ٣١٢ / ح ٣١٢ ، وانظر غاية المرام ٢ : ٢٩٣ ، وبشارة المصطفى : ٢٤٩ كذلك.

(٥) الزخرف : ٤٥.

(٦) افرد الكليني بابا كاملاً في هذا الشأن انظر الكافي ١ : ٤٠١ ـ ٤٠٢.

٤٨٤

على عامة الناس ، ولعلّ من هذا المنطلق نُسِب البعض إلى الغلوّ ولم يكن غاليا في الحقيقة.

نعم ، وظيفة المسلم التعبّد بهذه النصوص الصحيحة والانقياد والتسليم لها ، لكن مع ذلك ينبغي تفسيرها بما يتلائم مع ثوابت الدين الأخرى لكي لا يتصوّر أنّها غلو أو تفويض وخروج عن الدين ؛ وقد تقدّم عليك أنّ حدّ التوحيد هو ولاية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ـ كما جاء في تفسير القمي ـ ولا ريب في أنّ فهم هكذا أمور ليس بسهلٍ ، خصوصا إذا قرأناها طبقا للمنهج البسيط الذي لا يرى أبعد من قدميه ؛ إذ يبدو للمطالع العادي عدم وجود علاقة بين التوحيد وولاية علي؟

في حين أنّ المعرفة الأصيلة الكاملة ـ حسب أخبارنا ـ جازمة بأ نّه ليس من أحد على وجه الأرض يعرف اللّه‏ حق معرفته غير رسول اللّه‏ والإمام علي وأولاده المعصومين ، وليس هناك منهج صحيح يعرّفنا باللّه‏ ورسوله غير منهج أهل البيت الذين طهّرهم اللّه‏ من الرجس ، ولأجل ذلك جاء في بعض مصادرنا كمختصر بصائر الدرجات : عن النبي قوله : يا علي ما عرف اللّه‏ إلاّ أنا وأنت ، وما عرفني إلاّ اللّه‏ وأنت ، وما عرفك إلاّ اللّه‏ وأنا (١). وفي كتاب سليم بن قيس : يا علي ، ما عُرف اللّه‏ إلاّ بي ثم بك ، من جحد ولايتك جحد اللّه‏ ربوبيته (٢).

وجاء في الزيارة الجامعة الكبيرة : « بموالاتكم علَّمنا اللّه‏ معالمَ ديننا ».

وعليه فالتوحيد الصحيح لا يتحقق إلاّ عن طريق أهل البيت ، كما لا يمكن الاهتداء إليه إلاّ بواسطة هذا السراج والشعار والعلامة.

وبهذا نقول : إنّ معنى الشعارية ، والإشهادية ، والندائية ليس بكلام جديد كما قد يتوهّمه البعض ، بل هو منهج علمي استُظهِر واتُّخِذ من الأخبار المتواترة ، فلا

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان الحلي : ١٢٥.

(٢) كتاب سليم بن قيس : ٣٧٨.

٤٨٥

يوجد أحد من المؤمنين ـ يؤمن باللّه‏ حق الإيمان ـ يمكنه أن ينكر مقام الإمام علي ، وأنّه سيّد عباد اللّه‏ الصالحين ، وأنّ اسمه موجود في السماء وفي الأرض ، وفي عالم الذر ، والبرزخ ، وفي تلقين الميت وامثالها ، وأنّ الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام أكّد على هذه الكلية وأنه هو الشعار لهذا الدين ، بقوله عليه‌السلام : « نحن الشعار والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، لا تُؤتى البيوت إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سُمّي سارقا» (١).

إنّ مضمون الشهادة بالولاية ـ في الأذان وفي غيره ـ لم يكن منافيا للشريعة ، حتى يقال بحرمة الإجهار به ، بل هو مضمون ثابت في العقيدة ، ولا أعتقد بأنّ مسلما يشكّ في صوابيّته ومطابقته للواقع حسبما اوضحناه وذكرنا بعض نصوصه سابقا (٢) ، وقد أقرّ الشيخ الصدوق وغيره من العلماء بصحّة مضمون الشهادة الثالثة بقوله رحمه‌الله « بأن لا شكّ بأنّ عليّا ولي اللّه‏ وأنّ محمّدا وآله خير البرية » ، لكنّ كلامهم في وضع المفوّضة أحاديث لها على نحو الجزئية في الأذان ، وهو ما لا يقبله الشيخ الصدوق رحمه‌الله كما لا نقبله نحن ، لكنّ دعوى كون التوقيفية مانعة من الإتيان بالشهادة بالولاية في الأذان بأيّ نحو كان غير صحيح ، لأنّ المعروف عن الشيعة في هذه الأزمان وحتى في العصور الماضية أنّهم لم يكونوا يأتون بها على أنّها جزءٌ حتى يقال أنّها مانعة ، وعلى نحو التضاد مع التوقيفية ، بل أنّهم كانوا يأتون بها بقصد القربة المطلقة واستجابةً لأمر الباري بأن يُنادي بالشهادة بالولاية لعلي ، وبذلك تكون الشهادة بالولاية لعلي عبادة محبوبة للّه‏ ، فلو صار هذا الإشهاد

__________________

(١) نهج البلاغة ٢ : ٤٣ ـ ٤٥ خطب الإمام ، وفي عيون الحكم والمواعظ لعلي بن محمد الليثي الواسطي : ٤٩٩ ـ ٥٠٠ ، نحن الشعار والأصحاب والسدنة والخزنة والأبواب ولا تؤتى البيوت .... الخ.

(٢) قد يقال ان بعض العامة لا تقبل بعض المعاني المتصورة في الولاية والحجة و ... نقول لهم : إنّ عدم اعتقاد اولئك بعدم صوابية ما نقول به لا يضرّنا ، لأنّ أدلّتنا معنا ، وهي مذكورة في كتب الكلام ، وأنّ البحث عنه له مجال آخر.

٤٨٦

محبوبا صار عباديا يمكن الإتيان به في الأذان لا على نحو الجزئية بل على نحو الإشهاد ، والشعارية ، والندائية.

والعلماء كانوا قد عرفوا معنى قوله تعالى : ( يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنَ رَّبِّكَ وَإِنْ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) لكنّهم تساءلوا لكي يفهموننا ما مغزى هذه الآية ، وهو : كيف يتساوى تبليغ الرسالة بأجمعها ـ خلال ثلاث وعشرين سنة ـ بتبليغ ولاية علي خلال ساعة من نهار ، إلى درجةِ أنّ تبليغ الرسالة لا قيمة له من دون تبليغ هذه الولاية؟

إنْ العلماء كلّهم على اختلاف ألفاظهم وتعدّد صياغاتهم مجمعون على تعاطي الشعارية لحلّ أمثال هكذا أمور في الشريعة والعقيدة ، لأنّ اللّه‏ جعل الأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام معيارا للإيمان وميزانا لقبول الأعمال ، وسفنَ نجاة للبرية ومعالم للدين.

وهذا المنهج يدعونا لإثبات بعض الأحكام العبادية علاوة على الإيمانية ، لأنّ هناك نصوصا عبادية كثيرة ترى ذكر عليّ فيها ، كخطبة الجمعة ، وقنوت الجمعة ، وقنوت الوتر ، والتشهد في الصلاة ، ودعاء التوجّه قبل تكبيرة الإحرام ، وقد سئل الإمام الصادق عليه‌السلام عن تسمية الائمة في الصلاة؟ فقال عليه‌السلام : أجْملِهْم (١) ، وهو يؤكّد بأن لا رسالة بلا ولاية ، بنص الآية.

وعليه فلا يمكن تعظيم الرسالة إلاّ بتعظيم الولاية ، كما لا يتحقّق الغرض من النداء بالشهادة الثانية إلاّ بالنداء بالشهادة الثالثة ، كما أوضحت موثقة سنان بن طريف وغيرها ، وأنّ اللّه‏ لا يكتفِ بالشهادة لنفسه حتى أردفها بالشهادة لرسوله ، ولم يكتف بالشهادة لرسوله حتى أردفها بالشهادة لوليه.

مفهما ـ جلّ شانه ـ بأنّ الشهادة بالنبوّة لمحمد لا تكفي إلاّ إذا اتّبعوه واخذو عنه

__________________

(١) مستند الشيعة ٥ : ٣٣٢ ، وسائل الشيعة ٦ : ٢٨٥ / ح ٧٩٨١.

٤٨٧

امور دينهم ، وهكذا الأمر بالنسبة إلى الشهادة بالولاية لعليّ فهو لم يكن لغوا بل فيه اشارة إلى امتداد خلافة اللّه‏ في الأرض عبر أولاد عليّ المعصومين ووجود بقية اللّه‏ في الارضين وهو الإمام الحجة المهدي المنتظر عجل اللّه‏ فرجه بين ظهرانينا اليوم.

وعليه فالشهادة لعلي يحمل مفهوما إيمانيا وفقهيا.

أمّا إيمانيا وعقائديا فلا شك في لزوم الاعتقاد بأ نّه الوصي والخليفة ، وأمّا عباديا وفقهيا ، فقد ورد اسمه واسم الأئمة من ولده في كثير من الأمور العبادية ـ كخطبة الجمعة ـ وهذا يدعونا لعدم الشك في ان ذكر علي عبادة وخصوصا بعد أن أضحت الولاية أهمّ من الصلاة والزكاة والحج ، وأنّ الأعمال لا تقبل إلاّ بها ، وبعد أن أضحى تبليغ الولاية والإعلان عنها خلال ساعة من نهار يعدل تبليغ الرسالة برمّتها خلال ثلاث وعشرين سنة ، ولمناداة الملائكة بأمر من اللّه‏ بـ « أشهد ان عليّا ولي اللّه‏ ».

فالمسلم لو أراد أن يشهد بالولاية مع أذانه لا على أنّها جزءا منه ، بل لعلمه بأنّها دعوة ربانية ومحبوبة عند الشارع ، فقد أتى بعبادة ترضي اللّه‏ ، لأنّ اللّه‏ لم يكتف بالدعوة إلى ولاية علي في السماوات حتى ألزم رسوله أن يبلغها في ذلك الحر الشديد ، وهو يعني أنّه يريدها شعارا للمسلمين في جميع مجالات الحياة إلاّ أنّه لا يجوز إدخالها الماهويّ الجزئي في الأذان ، ولا الاستحباب الخاصّ ـ عند البعض ـ وذلك لعدم ورود النص الخاصّ فيها.

وبعبارة أخرى : يمكن لحاظ الشعارية في كلّ مفاصل الدين الإسلامي ومفرداته شريطة عدم وجود دليل واضح على المنع من قبل الشارع ، ومع عدم الدليل يكفي دليل الجواز على أقل التقادير. أمّا في خصوص الأذان فليس لدينا دليل شرعي يمنع من الإتيان بالشهادة الثالثة شعاريا ، نعم التوقيفية تمنع من إدخالها الماهوي والجزئي ، وأمّا الشعاري فيكفيه دليل الجواز ، والندائية في

٤٨٨

السماوات ، وأخذ الميثاق عليها.

وقد تقدم ما رواه فرات الكوفي بسنده عن فاطمة الزهراء عليها‌السلام أنّها قالت : قال رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمّا عرج بي إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى ... ، فسمعت مناديا ينادي : يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي ، اشهدو أني لا إله إلاّ أنا وحدي لا شريك لي ، قالوا : شهدنا وأقررنا.

قال : اشهدوا يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ محمدا عبدي ورسولي ، قالوا : شهدنا وأقررنا.

قال : اشهدوا يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ عليّا وليّي ووليّ رسولي ، وولي المؤمنين بعد رسولي ، قالوا : شهدنا وأقررنا (١).

فلو تأملنا قليلاً في هذا النص فإننا بين خيارين ؛ فإمّا أن نطرحه جانبا ونقول أنّه مجرد ذكر فضيلة لأمير المؤمنين علي ، وإما أن نقول بأ نّه لا يقتصر على بيان الفضيلة فحسب ، بل يعني الولاية للأئمة على الأموال والأنفس ولزوم اتباع أقوالهم فقها واعتقادا لمجيء كلمة « وليّي وولي رسوليّ وولي المؤمنين بعد رسولي ».

وعلى الأول تأتي إشكالية اللَّغوية ؛ إذ ما معنى أن ينادي اللّه‏ ـ عزت أسماؤه ـ بنفسه ويقول : اشهدوا يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ عليا وليي ... ، ثم إجابة الملائكة : شهدنا وأقررنا؟ فلو كان الأمر مجرّد ذكر فضيلة لاكتفى اللّه‏ سبحانه بالقول : بأنّ عليا وليي فقط ، لكنّ نداء اللّه‏ وإشهاد الملائكة بأنّ عليا وليه وولي رسوله وولي المؤمنين بعد رسوله يعني شيئا آخر غير بيان الفضيلة ، وهو أنّ لعلي دورا في التشريع لاحقا ، وأنّه امتداد لتوحيد اللّه‏ وسنة نبيّه ، كما هو الاخر يعني أن الشعارية لعلي محبوبة عند اللّه‏ وإلاّ لما امر لأمره بالاشهاد

__________________

(١) تفسير فرات : ٣٤٣ ، ٤٥٢.

٤٨٩

إذ أنّ الإشهاد والإقرار والإظهار وما يماثلها تحمل مفاهيم أكثر من المحبوبية ، بل حتّى لو قلنا بأنّها بيان للفضائل ، فبيان الفضائل بهذا النحو هو مقدمة للأخذ بأقوال هؤلاء المعصومين ، لأ نّهم معالم الدين وأعلامه.

وعليه فذكر الفضائل فيه طريقية للانقياد لهم ورفع ذكرهم ، لكن الأمة لم تعمل بوصايا الرسول وانكرت مكانة أهل البيت الذين اقرهم اللّه‏ فيها وقد عاتب الإمام علي عليه‌السلام الناس بقوله : أَلا وإنّكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة ، وثلمتم حصن اللّه‏ ـ المضروب عليكم ـ بأحكام الجاهلية ، فإن اللّه‏ سبحانه قد امتنَّ على جماعة هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل هذه الأُلفة التي ينتقلون في ظلها ، ويأوون إلى كنفها ، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة ، لأ نّها أرجح من كلّ ثمن ، وأجلّ من كلّ خطر ... إلى أن يقول : أَلاَ وقد قطعتم قيد الإسـلام وعطّلتم حدوده وأمتّم أحكامه ... (١)

وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : إلى من يفزع خلف هذه الأمة ، وقد درست أعلام الملّة ، ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف ، يكفّر بعضهم بعضا .. فمن الموثوق به على ابلاغ الحجّة؟ وتأويل الحكمة؟ إلاّ أهل الكتاب وأبناء ائمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتجّ اللّه‏ بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدىً من غير حجة.

هل تعرفونهم أو تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا الصفوة الذين أذهب اللّه‏ عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وبرّأهم من الآفات ، وافترض مودّتهم في الكتاب (٢).

إذن لا يوجد طريق علمي وشرعي لقراءة مثل هذه النصوص إلاّ القول

__________________

(١) نهج البلاغة ٢ : ١٥٤ ـ ١٥٦ / من خطبة له عليه‌السلام تسمى القاصعة.

(٢) كشف الغمة ٢ : ٣١٠ ، الصحيفة السجادية : ٥٢٤ / الرقم ٢١٩ من دعاوه عليه‌السلام وندبته اذ تلا هذه الآية : ( يَا أيُّهَا ألَّذِينَ ءَامَنُواْ أتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ).

٤٩٠

بالشعارية ، وهو المعنيُّ بالنداء والإشهاد والشعارية ، إذ ما يعني أمر اللّه‏ بالمناداة لو لم يكن ما قلناه ، ولماذا يشهد بها الملائكة أمام الخلائق أجمعين ، لو لم تكن العلامة الوحيدة لمعرفة اللّه‏ ورسوله؟

وعلى غرار الروايات الآنفة آية البلاغ في قوله سبحانه : ( بَلِّغْ ) والتي تنطوي على معنى الشعارية كذلك ؛ إذ الملاحظ أنّ القرآن قد وصف وظيفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبيان والتبيين كما في قوله تعالى : ( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهُمْ ) ، لكن لمّا وصلت النوبة إلى إعلان ولاية علي عليه‌السلام قال سبحانه وتعالى ( بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِنّ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (١) ، ولم يقل بيّن. ولا يخفى عليك بأن معنى الشعارية منطوية في كلمة ( بَلِّغْ ) اكثر وأعمق من لفظة : ( لِتُبَيِّنَ ) ، إذ البيان للعقيدة والتشريع قد فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للناس ونشره للأمّة على أحسن وجه ، ولم يبق إلاّ التأكيد على المعنى المطوي في لفظ ( بَلِّغْ ) وهو إعلانه أنّ عليا وليّ اللّه‏ ووليّ رسوله ، وأنّه الشعار والنور الذي تهتدي به الأمّة من خلاله.

لنأخذ دليلاً آخر على الشعارية من القرآن ، وهو في سورة المائدة ـ بعد أن ذكر الكافرين وأهل الكتاب ـ مخاطبا المؤمنين بقوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ ألَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ ألْغَالِبُونَ * يَا أيُّهَا ألَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَتَّخِذُواْ ألَّذِينَ أتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوا وَلَعِبا مِّنَ ألَّذِينَ أُوتُواْ ألْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أوْلِيَآءَ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ أتَّخَذُوهَا هُزُوا وَلَعِبا ذَلِكَ بِأَ نَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ) (٢).

فالآية الأُولى نزلت في الإمام عليّ حين تصدّق بخاتمه وهو راكع ، وهي

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) المائدة : ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٥٨.

٤٩١

ترشدنا إلى الترابط بين الشهادات الثلاث في الولاية الإلهية ، ومن أراد التأكد من كلامنا فليراجع كتب التفاسير في ذيل الآية الآنفة (١).

أمّا الآية الثانية فهي تعني لزوم موالاة اللّه‏ ورسوله والذين آمنوا ، أي أنّ الآية الأُولى جاءت للإخبار بأنّ الولاية إنما هي للّه‏ ولرسوله وللذين آمنوا ، ثمّ اتت بمصداق للذين آمنوا ـ وهو الإمام علي ـ وفي الآية الثانية أكّد سبحانه على لزوم موالاة اللّه‏ ورسوله والذين آمنوا ، مخبرا بأنّ من تولى هذه الولايات الثلاث معا فهو من حزب اللّه‏ ( ألا انَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ ألْمُفْلِحُونَ ).

فقد جاء عن الإمام علي عليه‌السلام أنّه قال : قال لي رسول اللّه‏ : يا علي أنت وصيّي ، وخليفتي ، ووزيري ، ووارثي ، وأبو ولدي ، شيعتك شيعتي ، وأنصارك أنصاري ، وأولياؤك أوليائي ، وأعداؤكَ أعدائي ... قولك قولي ، وأمرك أمري ، وطاعتك طاعتي ، وزجرك زجري ، ونهيك نهي ، ومعصيتك معصيتي ، وحزبك حزبي ، وحزبي حزب اللّه‏ ( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ ألْغَالِبُونَ ) (٢).

ومن خطبة للإمام الحسن عليه‌السلام أيام خلافته : نحن حزب اللّه‏ الغالبون ، وعترة رسوله الأقربون ، وأهل بيته الطيبون الطاهرون ، وأحد الثقلين الذين خلفهما رسول اللّه‏ ... (٣) ، وجاء قريب منه عن الإمام الحسين عليه‌السلام (٤). وقد سئل زيد بن

__________________

(١) الكشاف ١ : ٦٨١ ، تفسير البغوي ٢ : ٤٧ ، تفسير الطبري ٦ : ٢٨٧ ، تفسير السمرقندي ١ : ٤٢٤ ، تفسير السمعاني ٢ : ٤٧ ، تفسير القرطبي ٦ : ٢٢١ ، التسهيل لعلوم التنزيل ١ : ١٨١ ، زاد المسير ٢ : ٣٨٢ ـ ٣٨٣ ، الدر المنثور ٣ : ١٠٤ ، واخرجه الخطيب في المتفق عن ابن عباس.

(٢) الامالي للشيخ الصدوق : ٤١٠ / المجلس ٥٣ ، بشارة المصطفى : ٩٧ ، بحار الانوار ٣٩ : ٩٣ ، ٤٠ : ٥٣ ، ينابيع المودة ١ : ٣٧٠ / الباب ٤١.

(٣) الامالي للمفيد : ٣٤٨ ـ ٣٥٠ ، مروج الذهب ٢ : ٤٣١ ، جمهرة خطب العرب ٢ : ١٧ ، الامالي للشيخ الطوسي : ١٢١ ـ ١٢٢ ، ٦٩١ ـ ٦٩٢ ، بحار الانوار ٤٣ : ٣٥٩.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٢٢٣ ، الاحتجاج ٢ : ٢٢ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٩٥.

٤٩٢

علي بن الحسين عن قول رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، قال : نصبه علما ليعلم به حزب اللّه‏ عند الفُرْقة (١).

وعليه فاللّه‏ ـ سبحانه وتعالى ـ بعد ان ذكّر المؤمنين ـ في الآيتين الأولى والثانية ـ بأن الولاية للّه‏ ولرسوله وللذين آمنوا جاء في الآية الثالثة ليحذّرهم بأن لا يتخذوا الكفّار وأهل الكتاب أولياء ، لأ نّهم اتخذوا دين اللّه‏ هزوا ولعبا أي أنّه جلّ وعلا لحظ الولاء والبراءة معاً.

ومن الطريف أن ترى ذكر الأذان يأتي في القرآن بعد الآيتين السابقتين ـ أي بعد ذكر التولّي والتبري ـ موكدا سبحانه بأنّ الكفار وأهل الكتاب اتّخذوا هذه الشعيرة هزوا ولعبا ، فعن ابن عباس : إن الذين اتّخذوا الأذان هزوا : المنافقون والكفّار (٢) ، وقيل : اليهود والنصارى (٣).

وفي مسند أحمد : قال أبو محذورة : خرجت في عشرة فتيان مع النبي ، وهو [ يعني النبي ] ابغض الناس إلينا ، فأذّنوا فقمنا نؤذن نستهزي بهم ، فقال النبي : ائتوني بهؤلاء الفتيان ، فقال : أذنوا ، فأذنوا ، فكنت أحدهم ، فقال النبي : نعم ، هذا الذي سمعت صوته اذهب فأذّن لأهل مكة ... (٤).

قال ابن حبان : قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة يوم الفتح فراه [ أي ابا محذورة [يلعب مع الصبيان يؤذن ويقيم ويسخر بالإسلام ... (٥).

وفي سنن الدار قطني عن أبي محذورة ، قال : لمّا خرج النبي إلى حنين خرجتُ عاشر عشرةٍ من أهل مكة أطلبهم ، قال : فسمعناهم يؤذّنون للصلاة فقمنا نؤذن

__________________

(١) الأمالي للصدوق : ١٨٦ / ح ١٩٢. المجلس ٢٦.

(٢) الدر المنثور ٤ : ٢٥٦ ، والكشاف ١ : ٦٨٣ ، المحرر الوجيز ٢ : ٢٠٩ ، تفسير الطبري ٦ : ٢٨٩.

(٣) التفسير الكبير ١٢ : ٢٨ ، الدر المنثور ٣ : ١٠٧.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٤٠٨ / ح ١٥١٣ ، ومثله في سنن الدارقطني ١ : ٢٣٥ / ح ٤ ، والسيل الجرار ١ : ١٩٩.

(٥) مشاهير علماء الأمصار لابن حبان : ٣١.

٤٩٣

نستهزئُ بهم ، فقال النبي : لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت ، فأرسل إلينا فأذنا رجلاً ... (١)

ولا يخفى عليك بأن الأذان المحرّف هو الذي فيهما « الصلاة خير من النوم » والترجيع ، وهما مما رواه أبو محذورة ، ومنه وقع الاختلاف بين المسلمين في هذين الأمرين ؛ هل أنّهما سنة أم لا.

بلى ان القوم قد حرفوا خبر المعراج المرتبط بالأذان ـ كما في رواية عمرو بن أذينه ـ وجعلوا اسم أبا بكر الصدّيق على ساق العرش بدل « علي أمير المؤمنين ». ولو أردنا استقراءه هذه الموارد لصار مجلدا ، مكتفين بما مر وما جاء في كتب القوم أنّهم جعلوا ابن أمّ مكتوم الأعمى يؤذن لصلاة الفجر ، وبلالاً يؤذّن الأذان الأوّل ـ أي قبل الفجر ـ كل ذلك لأنّ بلالاً لم يصح عنه أنّه قال في صلاة الصبح : « الصلاة خير من النوم ».

قال أبو محذورة : كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت ، فجاء النبي فأخذ بعضادتي الباب ، فقال : آخركم موتا في النار ، قال أوس بن خالد : فمات أبو هريرة ثم مات سمرة (٢) ، وقيل بأن أبا محذورة كان آخر الثلاثة موتا.

هذا بعض ما يمكن أن يستدل به على الشعارية ، نترك باقي الكلام عنه إلى البحوث الكلامية المطروحة في كتب أعلامنا ، ولنأتِ إلى بيان التخريج الفقهي للشعارية في خصوص الأذان ، معتذرين سلفا مما نقوله في بيان وجهة نظر الفقهاء ، لأ نّه لم يبحث بالشكل المطلوب في مصنّفاتهم ، وأنّ ما نقوم به هو فهمناه لفحوى كلامهم قدس اللّه‏ اسرارهم ، وهي محاولة بسيطة منا في هذا السياق نأمل تطويرها وتشييدها من قبل الفضلاء والأساتذة.

__________________

(١) سنن الدارقطني ١ : ٢٣٤ / باب في ذكر الأذان / ح ٣.

(٢) مسند ابن أبي شيبة ٢ : ٣٢٩ ، جزء اشيب : ٥٨ ، شرح مشكل الاثار ١٤ : ٤٨٥ ، ٤٨٧ ، ٤٨٨.

٤٩٤

التخريج الفقهي للشّعاريّة

لقد تقدم بين ثنايا الكتاب بعض الأدلّة على جواز الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان من دون اعتقاد الجزئية ، أبرزها الدليل الكنائي ودليل الاقتران. وفي هذا الفصل نريد البحث في التخريج الفقهي الذي أفتى على أساسه أكثر الفقهاء بجواز أو استحباب الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان.

فقد يقول القائل : إنّ الشهادة بالولاية من اللّه‏ سبحانه تعالى يوم الميثاق ، ومرورا بالملائكة ، وانتهاءً ببني آدم في عالم الذر ... ، لا ينهض لجواز الفتوى بدخول الشهادة الثالثة في الأذان ؛ فما هو التخريج الفقهي إذن؟

هناك ثلاثة أو أربعة تخاريج يمكن للفقيه أن يستند إليها للإفتاء بجواز أو استحباب الشهادة الثالثة في الأذان بالخصوص.

التخريج الأول : أصالة الجواز ؛ ومجرى هذا الاصل لو شك المكلف في الحكم هل هو الجواز أم المنع ، فمقتضى الاصل جواز الفعل في مورد فقدان الدليل على حرمته ، وفيما نحن فيه لم يقم دليل معتبر على حرمة الشهادة الثالثة بدون قصد الجزئية ، فيكون مجرى اصالة الجواز.

وقد يرد هنا سؤال وهو : لا يمكنكم التعبد باصالة الجواز هنا وذلك لخلو الروايات البيانية الواردة عن المعصومين من وجود الشهادة بالولاية لعلي فيها ، فكيف تجيزونها في الأذان؟

الجواب : هذا صحيح في الجملة وهو تام لو كان ذكرنا للشهادة الثالثة في الأذان ذكرا جزئيّا وماهو يّا ، لكن إذا كان إتياننا لها شعار يا فالأمر مختلف تماما ؛ توضيح ذلك : أنّ « أشهد أن عليّا ولي اللّه‏ » ليست من فصول الأذان ولا من أجزائه ولا من مقوّمات ماهيته المتوقّفة على نص الشارع ، غاية ما في الأمر أنّا نأتي بها على أنّها شعار للحقِّ ، وعَلَمُ للإيمان الكامل الصحيح ، وترجمة للنبوة والتوحيد كما هو

٤٩٥

مفاد النصوص المارّة.

وحيث لا يوجد دليل شرعي يمنعنا من الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان من باب الشعارية جاز فعله ، لأنّ دليل التوقيفية لا يمنع إلاّ الإدخال الماهويّ الجزئيّ في الأذان ، وعليه فلا مانع من الإتيان بها شعار يا بمعونة أصالة الجواز.

وهذه هي الشريعة بين أيدينا ليس فيها ما يمنع من الإتيان بها شعاريا ، بل إنّ الإمام عليه‌السلام ـ كما في حسنة ابن أبي عمير المتقدّمة ـ أمرنا بالدعاء إليها والحثّ عليها بحي على خير العمل ، لأنّ الذي أمر بحذفها ـ أي عمر ـ أراد أن لا يكون حَثٌّ عليها ودعاء إليها ، ومقتضى الإطلاق في الدعوة إليها هو جوازها في الأذان وفي غيره جوازا شعاريا ، أما الدخول الماهويّ فلا يجوز لمانع التوقيفية كما اتضح.

وهناك نصوص شرعية أخرى أكّدت على محبوبيّة النداء بالولاية كما جاء صريحا في كلام الإمام الباقر عليه‌السلام بقوله : « ما نودي بشيء مثل ما نودي بالولاية » ولا ريب في أنّ مقتضى الاطلاق في قوله عليه‌السلام : « ما نودي » يصحّح ذكره في الأذان وفي غيره شعاريا.

لكن قد يقال بأنّ هذا التخريج يوصل للقول بجواز ذكر الشهادة الثالثة في الأذان لا استحبابه ، فما هو مستند فتاوى أمثال السيّد الخوئي قدس اللّه‏ أسرارهم بالاستحباب إذن؟

قلنا : المستند هو أنّ الدليل مركّب من أمرين :

الأول : هو أنّ نفس جواز الذكر تم بمعونة أصالة الجواز بعد فقدان المانع ، والمسألة بناء على ذلك من صغريات الشك في التكليف ؛ فهي مجرى لأصالة الجواز بلا شبهة.

والأمر الثاني : إنّ الشهادة بالولاية مستحبّة نفسيّا ومطلوبة ذاتيا.

ومن مجموع الأمرين أمكن القول باستحبابها في الأذان عند امثال السيّد الخوئي قدس‏سره ؛ لاستحبابها النفسي ؛ غاية ما في الأمر هو أنّ ذكرها في الأذان يحتاج

٤٩٦

إلى دليل ، وأصالة الجواز تجيز ذكرها بحسب البيان المتقدم. فإذا نهض دليل الجواز لإتيان ما هو مستحب في عبادة ما ، أمكن الفتوى بالاستحباب فيه كذلك ، مع الالتفات إلى أنّ الاستحباب هنا هو الاستحباب الشعاري دون التكليفي الخاصّ كاستحباب القنوت في الصلاة ؛ فالثاني يحتاج إلى دليل خاصّ وهو مفقود ، أمّا الأول فأدلته هي المارة من قبيل : « ما نودي بشيء مثل ما نودي بالولاية » وغيرها من النصوص الصحيحة التي سردنا بعضها في هذا الفصل.

ولابد هنا من الإشارة إلى نقطة مهمّة أخرى ، وهي : هل أنّ الإتيان بالذكر الشعاري للشهادة الثالثة في العبادات الأخرى غير الأذان يكفيه الاستدلال المتقدم. كأنْ ندخل جملة « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه‏ » في الصلاة الواجبة ، بين آيات الفاتحة أثناء القراءة للصلاة ـ أكثر من مرة ـ فهل تسوّغ أصالة الجواز مثل هذا الذكر الشعاري؟

الجواب : لا يسوغ ذلك على الأشبه في مثل المثال الآنف ؛ لانعدام هيئة الصلاة ، ومحو صورتها حينئذ ، وهذا مانع قويّ من التمسك بأصالة الجواز في هذا الفرض ، ولا يقاس هذا بالذكر الشعاري في الأذان ؛ إذ المسلمون جلّهم أو كلّهم ـ مَنْ منع الشهادة الثالثة ومن لم يمنع ـ سواء كانوا من السنة أم من الشيعة ، لم يروا أنّ الذكر الشعاري يمحو صورة الأذان ، أمّا السنّة فواضح ؛ إذ أنّ جمهورهم لم يقل بمحو صورة الأذان حتى مع إدخال جزء بدعي فيها وهو « الصلاة خير من النوم ».

وأمّا الشيعة فمشهورهم الأعظم لا يرى في الذكر الشعاري مَحْوا لصورة الأذان الشرعية كما ترى ذلك واضحا في سيرة الفقهاء ، وقد تقدمت كلماتهم في ذلك.

نعم يمكن افتراض محو صورة الأذان الشرعي لو كان ادخال الشهادة الثالثة في الأذان ماهو يّا ، لكنّا وفاقا للمشهور لا نأتي بها على أنها جزء داخل في الأذان بل ناتي به على أنّه كلام خارج يذكر مع الأذان تحت عنوان الشعارية دفعا لاتهامات المتهمين ورفعة لشأن أمير المؤمنين.

٤٩٧

والحاصل : فالذكر الشعاري دون الماهوي للشهادة الثالثة في خصوص الأذان لا مانع منه ، ودليل التوقيفية يمنع من الإدخال الماهوي فيه فقط ؛ ولا دليل على منع الذكر الشعاري في خصوص الأذان لا عند السنة ولا عند الشيعة ، وبالتالي أمكن للسيّد الخوئي وأمثاله من الأعاظم الفتوى باستحبابها الشعاري ؛ للجزم باستحبابها النفسي ورجحانها الذاتي بمعونة اصالة الجواز على ما اتّضح.

التخريج الثاني : تنقيح المناط

لا ريب ـ بالنظر للأخبار الصحيحة بل المتواترة التي أوردنا بعضها في هذا الفصل ـ في وجود تلازم غير منفك بين الشهادات الثلاث ١ ـ الشهادة بالتوحيد ٢ ـ والشهادة بالرسالة ٣ ـ والشهادة بالولاية.

فالتوحيد مفهوما غير الرسالة ، والرسالة غير الولاية ؛ لكن يبدو من خلال النصوص الصحيحة أنّه لا توجد مصداقية للايمان بالتوحيد من دون رسالة سيّد الخلق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما لا يمكن تصوّر وجود مصداقية للايمان بالرسالة المحمدية من دون ولاية أمير المؤمنين علي ، وخبر الغدير المتواتر خير شاهد على ذلك وكذلك آية الولاية وغيرها.

وهنا نتساءل : كيف يمكن تحقيق المصداقية الخارجية لولاية علي عليه‌السلام؟

أعلنت النصوص الشرعية بأ نّه لا يمكن تحقيق هذه المصداقية عملاً وإيمانا إلاّ من خلال الشعارية ؛ لأ نّه السبيل الوحيد لتوفير المصداقية الخارجية للايمان بولاية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام. وإذا تمّ ما قلناه تحقّق الغرض الإلهيّ من التلازم غير المنفكّ بين الشهادات الثلاث.

نعم ، لقد تقدمت بعض الأدلّة الصحيحة على هذا المقدار من ضرورة التلازم بين الشهادات الثلاث : التوحيد ، النبوة ، الولاية ، لكن كيف يمكن جعلها شعارا ، بناء على التلازم غير المنفك؟ وبالتالي كيف تتحقق لها مصداقية خارجية؟!

٤٩٨

فالإشهاد الثلاثي اذن ينطوي على ملاك إلهي عظيم ، وغرض ربّاني كبير ، كما هو ملاحظ في كتب الادعية ، وإلاّ لا معنى لأن يعلن اللّه‏ بنفسه تقدّست أسماؤه الشهادة الثالثة بعد الشهادتين لولا تعلق ارادته سبحانه وتعالى استمرار الاستخلاف في الأرض بولاية علي عليه‌السلام.

وما ينبغي أن نتساءل عنه هنا هو القول بوجود ملاك تشريعها في الأذان ؛ إذ ما دخل اعلان اللّه‏ سبحانه وتعالى للشهادة الثالثة في ذلك العالم ؛ الذي ليس هو بعالم تكليف وتشريع وأحكام ... ، ومقايسته بعالمنا عالم التكليف؟

فقد يقال بأنّ هذا من القياس الباطل الذي لا يغني من الحق شيئا؟

لكن يجاب عنه أنّ هذا وان كان صحيحا ، لكنّ العبرة ليست بمجرد شهادة اللّه‏ سبحانه وتعالى بالولاية فيما هو خارج عن عالم التكليف حتى نقول ببطلان القياس وبعدم وجود الملاك في عالم التكليف بناء على ذلك ..

إذ العبرة كل العبرة بالنصوص الشرعية المعتبرة الصادرة في عالم التكليف ؛ بمعنى أنّ الإمام الصادق أخبرنا في عالمنا هذا ـ عالم التكليف ـ أنّ اللّه‏ شهد لعلي بالولاية يوم الميثاق العظيم ..

وهنا نتساءل لماذا يخبرنا الإمام بذلك وما يعني اخباره هذا؟ لا جواب إلاّ أن نعتقد بوجود ملاكا عظيما فيما فعله اللّه‏ سبحانه وتعالى حتى في عالم التكليف ، وإلاّ لا معنى لأن يخبرنا الإمام والنبي والقرآن في الروايات المتواترة والآيات الواضحة وفي حسنة بن أبي عمير بذلك ، لولا أنّ في المجموع ملاكا له مدخلية في كثير من التشريعات ولو في الجملة!!

ولا يقال : بأنّ غاية اخبار الإمام والنبي والقرآن هو بيان فضيلة أمير المؤمنين علي فقط؟

فلقد قلنا سابقا أنّ هذا لا يصار إليه لاستلزام اللغوية ؛ فلو كان المقصود هو هذا لاكتفى المعصوم بالقول : أنّ عليّا أمير المؤمنين فقط ، ولا حاجة به لان يفصل

٤٩٩

الكلام ويخبر عن ملابسات ذلك اليوم وغير ذلك مما هو لغو في ظاهره ، وكلام المعصوم منزّه عن ذلك.

وزبدة القول : هو أنّ في شهادة اللّه‏ سبحانه وتعالى بالولاية ملاكا عظيما ، وهذا الملاك تراه ملحوظا في كلام الإمام في عالم التكليف ، وإلاّ لما أخبر به المعصوم في أكثر من مناسبة ، ويكفي مثل هذا الملاك للقول بجواز ذكر الشهادة في الأذان شعاريا.

إذ قد أجمع فقهاء الأمّة على إمكانية الفتوى فيما لا نصّ فيه بعد إحراز الملاك إحرازا معتبرا يسوغ التعبد به ، ولا ريب بالنظر للرواية الآنفة وغيرها من الروايات والآيات من وجود هذا الملاك وإلاّ كان الإشهاد الإلهي يوم الميثاق لغوا ، ولا يلتزم به مسلم.

لكن سؤالنا : هل يكفي مثل هذا الملاك لإدخالها الماهويّ والجزئي في الأذان ، أم ما يدل عليه إنّما هو الشعار ية لا غير؟

شذّ البعض وقال بالجزئية بناء على تلك النصوص وغيرها ، وهو مشكل بنظرنا ؛ إذ الصحيحة الآنفة وخبر الغدير وأمثالها يكشف عن ملاك الشعار ية فقط ولا يكشف عن ملاك القول بالجزئية.

وبعبارة اُخرى : إنّ قوله : « ما نودي بشيء مثل ما نودي بالولاية » يكشف عن شرعية شعار ية النداء بالولاية ، وهو القدر المتيقّن منه ، ولا يكشف عن شرعية جزئيتها إلاّ من باب الظن الذي لا يغني من الحق شيئا ، هذا علاوة على أنّ دليل التوقيفية مانع من القول بالجزئية حسبما تقدّم.

وعليه فكل ما في تلك النصوص يدلنا على إمكان اتخذها شعارا عمليا في الخارج وليس اعتقادا نظريا في القلب فقط ، أي أن للشهادة بالولاية في الجملة ملاكا قطعيا للقول بأنّها من الاحكام العبادية بشرط عدم المانع وليست من أحكامه الإيمانية فقط.

٥٠٠